أبحاث العدد:
 البحث في العدد ١٦:
 الصفحة الرئيسية » اعداد المجلة » العدد ١٦/ ربيع الأول / ١٤٤٥هـ » الدولة المهدوية وإشكالية الزمان
 العدد ١٦/ ربيع الأول / ١٤٤٥ه

المقالات الدولة المهدوية وإشكالية الزمان

القسم القسم: العدد ١٦/ ربيع الأول / ١٤٤٥هـ الشخص الكاتب: الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي التاريخ التاريخ: ٢٠٢٣/١١/١٥ المشاهدات المشاهدات: ٦٧٦ التعليقات التعليقات: ٠

الدولة المهدوية وإشكالية الزمان

الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي

مقدمة:
تتطلع البشرية إلى حكومة عادلة يُنتصف فيها للمظلومين عن معاناة طيلة هذه القرون المتمادية، ويتساءل معظم المهتمين بهذا الشأن كم يا ترى ستكون مدة هذه الحكومة العادلة وهل تفي المدة التي ستمسك أثناءها بالحكم وإدارة شؤون الناس لمحو آثار الظلم والاستبداد الذي جشم على صدر البشرية؟
تختلف الأنظار إلى تلك المدة المرتقبة حسب الرؤى والمعتقدات في من سيكون رئيس تلك الحكومة، ففيما ترى جملة من الأديان البشرية أشخاصاً معينين غابوا وسيرجعون ليحكموا العالم بعدلهم ترى الأديان الإلهية السامية أنهم منتخبون بعناية فائقة ومحاطون بتسديد كبير من جانب السماء للقيام بهذه المهمة، وحسب اختلاف هذه الرؤى والمعتقدات تختلف بطبيعة الحال مدة حكم هذا المنتظر، وإن كان بحسب الواقع هو شخصاً واحداً.
من هذه الإشكالية انطلق هذا البحث كمحاولة للإجابة على هذا التساؤل (كم سيحكم العدل)؟

↑صفحة ١٨٥↑

وإذا نظرنا إلى البحث من زاوية عقائدية فإن السؤال يصاغ هكذا: (كم سيحكم المهدي (عجَّل الله فرجه))؟
والبحث يقع في تمهيد وعدة نقاط:
تمهيد:
في بيان مفردات البحث (الزمان - الدولة - المهدوية).
الزمان:
فكرة الزمان بالمعنى الذي يتفق عليه الناس في استعمالهم العادي لا يحتاج إلى بيان وإيضاح، تماماً مثل فكرة الوجود نفسه أو المكان، ولكن حالما ينتقل الإنسان من طور المعرفة العادية والاستعمال اليومي الشائع إلى معناه وراء ذلك، أو لنقل المعنى الفلسفي، يجد نفسه في متاهة(١).
الدولة:
يتساءل الكثير عن ماهية مفهوم الدولة بعيداً عن الدلالات اللغوية، وصار هذا المفهوم محل جدل كبير بين أرباب السياسة والقانون والفقهاء على مر العصور، وقد انبثقت عدة مفاهيم للدولة من الواقع الذي يجسده البناء الخارجي لها ولازال ينتقل بين المثالية وأقصى المادية.
وتعتبر الدولة منذ نشأتها الحديثة في أعقاب مؤتمر وستفاليا(٢) إحدى حقائق الحياة السياسية المعاصرة التي رسخت تدريجياً النظام الدولي الراهن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) الزمان في الفكر الديني والفلسفي وفلسفة العلم - حسام الدين الآلوسي: ص١٧.
(٢) معاهدة وستفاليا: اتفاقية وقعت عام ١٦٤٨م لإنهاء حرب دامت (٣٠) سنة في ألمانيا، ومثلت نقطة تحول في تاريخ أوروبا، وفتحت عهداً جديداً لقيام الدول الحديثة. [راجع صلح وستفاليا لعدي محسن غافل، مجلة أهل البيت (عليهم السلام): العدد١٨].

↑صفحة ١٨٦↑

وبالرغم من اعتبار الدولة مؤسسة عالمية ضرورية، إلّا أن تعريفها واسع ومتنوع لا يكاد يجتمع عليه اثنان، بل ويمكن أن يقال إن إيجاد تعريف واحد لمفهوم الدولة هو صراع أيديولوجي بحد ذاته، كون التعاريف المختلفة ناتجة عن نظريات مختلفة لوظيفة الدولة(٣).
وإذا كان لا يمكن تحديد مفهوم الدولة، فقد يمكن فهمها من خلال مكوناتها، فأغلب فقهاء السياسة يجمعون على أن مكونات الدولة الأساسية هي الشعب والأرض والسيادة، بالإضافة إلى عدد آخر من المكونات.
ولعل أول من استعمل هذا المفهوم بما له من الدلالة على معناه المتداول، هو المفكر الإيطالي (نيقولو ماكيافلي) حيث عبر عنها في كتابه الأمير (كلها دول وهي إمّا جمهوريات أو إمارات)(٤).
وإن كان الإنصاف يقتضي أن مصطلح الدولة من المصطلحات المتداولة قديماً وإن وقع اختلاف في سعته، فمسلَّة حمورابي والدولة الفارسية القديمة والرومية كذلك كان لها نظام وقضاء وقانون، فعناصر الدولة موجودة، وكذلك ورد التعبير عنها في بعض الروايات من قبيل: «دولتنا آخر الدول»(٥).
وقد عبر عن مفهوم الدولة عملياً في إطار عدة نظريات للحكم.
ومن بين أبرز نظريات الحكم التي تشكل عنصراً آخر من عناصر الدولة المتقدمة، نظرية الحكم الذي يستمد الحاكم فيه أحقية الحكم، بوصف مطلق من الله تعالى وقد أفرد لهذا المعنى من الحكم دراسات مفصلة ومعمقة تناولت أدق تفاصيله، والخلاصة التي تعنينا من ذلك هي أن مفهوم الدولة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣) مفهوم الدولة - مقال منشور في الموسوعة السياسية - أ. د. حسن نافعة، ود. هادي الشبيب، ود. رضوان يحيى.
(٤) الدولة فلسفتها وتاريخها - محمود حيدر: ص٢٦.
(٥) الغيبة للشيخ الطوسي: ص٤٧٢، ح٤٩٣.

↑صفحة ١٨٧↑

الذي نتحدث عنه في هذه الدراسة محدد سلفاً ويعني بالتحديد (الحكومة التي تستمد شرعيتها من الله تعالى وفق معايير ثابتة ومحددة).
المهدوية:
لم أجد فيما تتبعت تحديداً واضحاً للمهدوية، وحتى من أراد أن يعرّف بالمهدوية مفاهيم أخرى لم يتطرق إلى تعريف هذا المفهوم، نعم رأيت من يعنون هذا المفهوم لعدد من الأبحاث، كالبحث عن الإمام (عجَّل الله فرجه) وصفاته وأدلة ولادته وغيبته وعلامات ظهوره، وهكذا فجاءت عبارة (المهدوية هي الاعتقاد بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)) أو (مواصفات الشخصية المهدوية) أو (عقيدة المهدوية) أو (الثقافة المهدوية) أو (المهدوية في الفكر الإسلامي أو في الفكر المسيحي أو غيره من الأديان) أو (القضية المهدوية) أو (المهدوية والديمقراطية) ومفاهيم حداثوية أخرى أو (المهدوية ونقد الشبهات) أو (المهدوية والغيبة) وعناوين أخرى من قبيل العلامات أو الرجعة أو غيرها، أو (أدعياء المهدوية) أو (الدولة المهدوية) أو (فلسفة المهدوية) أو (الحركة المهدوية) أو (الحركات المهدوية الضالة) أو (المهدوية في التاريخ).
وللقيام بتحديد مفهومي تتجلى من خلاله صورة واضحة لهذا المفهوم (المهدوية) لابد من دراسة أولية عن علاقة هذا المفهوم بمفاهيم أخرى كمفهوم (العدل) و(الإمامة) و(الغيبة) و(آخر الأئمة) و(نهاية التاريخ) و(العلامات) و(الخلاص) و(المنجي).
ثم فصل دلالات هذه المفاهيم منفردة وملاحظتها مجتمعة.
إن التعريف - كما هو ليس بخفي - هو ذكر كل ما يمت بصلة لتوضيح المفهوم واستجلاء صورته، وهو من أهم الخطوات التي ينبغي القيام بها في

↑صفحة ١٨٨↑

دائرة تنقيح المفاهيم، ولعله يعسر علينا تحديد هوية المفهوم بما هو هو، فنلجأ إلى ملاحظة موارده، فإن تم ضبطها أمكن تقديم صورة أكثر وضوحاً عنه.
إن رسم صورة واضحة عن مفهوم (المهدوية) في ذهن السامع يتوقف على إعطاء معنى محدد من خلال الصفات والخصائص والأفراد واللوازم التي له، كما ومما يسهم في إيضاحه أكثر إجراء عملية مقارنات بينه وبين عدد من المفاهيم الأخرى المرادفة أو المضادة له.
ولسنا بصدد تعريف حقيقي لمفهوم (المهدوية أو ما يرادفها)، فإن أمثال مفهوم (الوجود) و(العدالة) و(الحرية) وغيرها لازالت محل نقاش، فكيف به هو.
وهنا لابد من الإشارة أن الحديث عن (المهدوية) يختلف باختلاف الأغراض والموضوعات، فمثلاً:
١ - عند الحديث عن (المهدوية) بلحاظ النسب فإننا نتحدث عن شخص قد ولد ويحمل نسباً معروفاً، فلا يوجد تشكيك في انطباق هذا المفهوم ووضوح تحديده لما توافرت من أدلة قاطعة على ذلك.
فالمهدوية في دائرة الانتساب واضحة، نعم هي مختلفة باختلاف المذاهب التي نعتمد عليها في الأدلة، فأدلة إثبات النسب من جهتنا تنتهي إلى نتيجة مغايرة لما ينتهي إليه الآخرون مذهبياً أو دينياً.
فيكون البحث عن المهدوية في هذه الدائرة ضيقاً.
٢ - عند الحديث عن (المهدوية بمعنى المخلص والمنقذ) من لحاظ الأهداف وما تقدمه للبشرية، حيث يبدو أن الحديث عنها في أفق واسع نشترك فيه مع غيرنا دينياً وإنسانياً، فالمذاهب الإلهية والبشرية برمتها تحدثت عن تلك النهاية المنتظرة للبشرية، فالمهدوية في هذه الدائرة تأخذ تعريفها من مختلف النصوص الدينية.

↑صفحة ١٨٩↑

وهكذا تختلف التعريفات باختلاف الموارد والأغراض.
وغرضنا هنا هو البحث عن المهدوية من زاوية الدولة المهدوية المنتظرة، ومن هذا المنطلق يمكن لنا أن نعرف المهدوية بأنها (دولة وحكومة الإنسان الإلهي الأخير).
وبذلك يتبين لنا أن معنى عنوان البحث هو:
(وقت الانتقال إلى زمان الإنسان الإلهي الأخير).
وحيث إنه كان منتظراً منذ آلاف السنين وعندنا بما يزيد على (١١٨٠) سنة.
كان وقت بقائه - حسب النصوص والواقع - قليلاً بالقياس إلى فترة غيابه وانتظاره، فنشأ من ذلك إشكالية محصلها أن البشرية تنتظر مخلصاً لآلاف السنين فهل من الإنصاف أن يحكم لسنوات محدودة وقليلة؟! وهو ما نحاول الإجابة عنه ضمن النقاط التالية:
النقطة الأولى: انقسامات الزمان:
يعد التقسيم من الآليات المعرفية لبيان حقيقة المفهوم من خلال ضبط أقسامه، ولكثرة الدلالات التي يحملها مفهوم الزمان عسر على المهتمين به تعريفه، مما دعاهم إلى تقسيمه تسهيلاً لضبطه، ومما ذكروه له من تقسيمات(٦):
١ - الزمان اللغوي وهو من المقولات العرفية والنحوية والمعجمية الدلالة التي لا يمكن لأي لغة من اللغات الاستغناء عنها(٧).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦) مفهوم الزمان بقلم (جان كامبفر) و(رافائيل ميشيلي) - ترجمة د. حبيب إلياس حديد، بتصرف.
(٧) الزمن في اللغة العربية - أ. د. عبد الحميد النوري عبد الواحد - مقال منشور في مجمع اللغة العربية على الانترنت.

↑صفحة ١٩٠↑

٢ - الفهم السردي للزمان هو حقيقة سيالة لا تظهر إلّا من خلال مفعولها على الشخصيات والمكان، وهو خيط وهمي مسيطر على كل الأنشطة والأفكار(٨)، والذاتي منه هو نتاج حركة الأفراد، أمّا الموضوعي فهو نتاج حركة الكواكب(٩).
بينما أنكر آخرون تقسيم الزمان فضلاً عن تعريفه، لأنه وهمي فهو ليس سوى أداة ناجمة في بعض النماذج الفيزيائية، هذا ما قاله (ستيفن هوكنغ)، فيما قال (لي سمولن) إن معظم الفيزيائيين يعتبرون أن عبور الزمن من ماضٍ إلى حاضر فمستقبل هو عبور وهمي(١٠).
النقطة الثانية: الزمان في الفكر الإنساني:
اهتمام الإنسان بالزمان قديم بقدم وجوده حتى عُدّ عند بعضهم إلهاً، وذكر بعض القدماء أن الزمان هو دوران الفلك، وهكذا قال بعض قدماء الفلاسفة، فيما قال المتكلمون إنَّه تقدير الحوادث بعضها ببعض(١١) ولأجل استيضاح الصورة نذكر أقوال الفلاسفة والمتكلمين والتجريبيين.
تعددت المذاهب الفلسفية بين من ينكر الزمان ومن يقبل به واختلفوا في تحديده(١٢) على مذاهب عديدة، ومن أقوالهم في ذلك:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨) التصور العام للزمن - مقال منشور في (uobabylon.edu.iq) بتصرف؛ وينظر أيضاً: الزمن أعقد المفاهيم - نبيل حاجي نايف - مقال في موقع الحوار المتمدن (m.ahewar.org)، بتصرف.
(٩) الزمان الدلالي دراسة لغوية لمفهوم الزمن وألفاظه في الثقافة العربية - كريم زكي حسام الدين، بتصرف.
(١٠) فلسفة الزمن وعلوم الفيزياء - حسن عجمي - موقع (almayadeen.net).
(١١) كتاب الأزمنة والأمكنة - المرزوقي الأصفهاني: ص١٠٣.
(١٢) نهاية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي: ج٢، ص١١٥، هامش رقم١، تحقيق عباس علي الزارعي السبزواري.

↑صفحة ١٩١↑

قول أفلاطون أن الزمان جوهر أزلي(١٣) وأنه يتصل بالمتحركات، وقد أثار هذا التعريف لدى من تأخر عنه المشاكل بل اختلفوا في قوله في تعريف الزمان(١٤) وقد وافقه الرازي من المتكلمين وأبو البركات البغدادي وجماعة.
أمّا أرسطو فالزمان عنده (عدد الحركة من قبل المتقدم والمتأخر)(١٥)، وقد وافقه ابن سينا وابن رشد وجماعة.
أمّا عند صدر المتألهين فهو مقدار الحركة وهو الزمان العام(١٦) وقد نحى جملة الفلاسفة ممن تأخر عنه منحاه، أمّا المتكلمون من المسلمين فقد تقدم أن معناه عندهم تقدير الحوادث بعضها ببعض(١٧) يقول الشيخ المفيد(١٨): (القول في الوقت والزمان: وأقول: إن الوقت هو ما جعله الموقت وقتاً لشيء وليس بحادث مخصص، والزمان اسم يقع على حركات الفلك فلذلك لم يكن الفلك محتاجاً في وجوده إلى وقت ولا زمان وعلى هذا القول ساير الموحدين).
أمّا عند الفلاسفة الغربيين فإن الزمان عند ديكارت ليس له وجود موضوعي إنما من تأليف العقل وأيده (جون لوك)، كما أنكر (ديفيد هيوم) أن يكون للزمان واقع خارجي وعليه فإن فكرة الزمان تكون مشتقة من تعاقب إدراكاتنا لكل نوع، وعلى خطى (هيوم) يسير (عمانويل كانط) إذ يرى أن الزمان من خلق العقل، ويرى (كانط) أن الزمان ليس جوهراً أو عرضاً، وهو ليس أكثر من كونه حدساً عقلياً فيما قال (إسحاق نيوتن) إن الزمان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣) الزمان بين الفلاسفة والمتكلمين - د. أرزاق فتحي أبو طه: ص٣٠٨.
(١٤) الزمان في الفكر الديني والفلسفي - حسام الآلوسي: ص١٠٨.
(١٥) الزمان في الفكر الديني والفلسفي - حسام الآلوسي: ص١٢٢.
(١٦) الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين الشيرازي: ج٤، ص١٨٠؛ وراجع أيضاً النظام الفلسفي للحكمة المتعالية - عبد الرسول عبوديت: ص٣٥٩.
(١٧) الأزمنة والأمكنة - الرزوقي: ص١٠٣.
(١٨) أوائل المقالات - الشيخ محمد بن النعمان العكبري المفيد: ص١٠٠.

↑صفحة ١٩٢↑

وجودٌ موضوعيٌ حقيقيٌ منفصلٌ عن المادة وعن المكان فيما رفض (آينشتين) نظرية (نيوتن) حيث استنتج نسبية الزمن يقول (ستيفن هاكونغ): (إن النظرية النسبية قد غيرت جذرياً أفكارنا عن الزمان والمكان)(١٩)، وها أنت تلاحظ أن مفهوم الزمان قد تطور تطوراً هائلاً حتى أصبح من أكثر المفاهيم المعرفية تعقيداً(٢٠).
النقطة الثالثة: الزمان في الفكر الديني:
تحدثت الأديان عن الزمان وجاء ذكره في الموروث الديني من آيات وروايات، وفيما يلي نتناول هذا المفهوم في الديانات السامية الثلاث:
في اليهودية:
يقول الدكتور (هربرت لوي) أستاذ اللغة العبرية في جامعة اكسفورد: إن اليهودية تقوم على أساسين، هما: وحدانية الله واختيار إسرائيل(٢١): (إنك يا إسرائيل شعب مقدس للرب إلهك، إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له شعباً أخص من جميع الشعوب...) (التثنية - ٧: ٦).
وهم ينتظرون تحقق ذلك على يد (ابن الإنسان) وجاءت أوصافه في أشعيا (٩:٦): (تكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً، ويكون إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام، ولنمو رياسته يجلس على كرسي داوود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن إلى الأبد)، ويقول في (أشعيا: ١١): (ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسّى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٩) الزمان قراءة تحليلية موجزة - د. عماد الدين الجبوري، بتصرف.
(٢٠) مفهوم الزمن بين صدر المتألهين الشيرازي وأينشتاين - علي أحمد الشيخ، بتصرف.
(٢١) اليهودية - الدكتور أحمد شبلي: ص٢١٠.

↑صفحة ١٩٣↑

ويكون محله مجداً)، وبطبيعة الحال فإن تحقيق هذا الهدف المنشود وانتظار هذا المخلص فتح الباب لبعض اليهود لهذا الادعاء حيث سجل التاريخ أخبار مسيح كذاب بين فترة وأخرى، وليس جميع اليهود يؤمنون بذلك، فالصدوقيون منهم ينكرون عودة المسيح ولا يترقبونه.
وإذا تابعنا نصوص الزمان في التوراة نجدها حافلة بذكره حيث سجل سفر التكوين في أوائل آياته حديثاً مفصلاً عن الزمان وأول خلق الكون حيث ذكر قصة بدء الخلق وزمان ما خلق (التكوين ١: ١ - ١٩).
وفي المزامير (٩٠: ٤): (لأن الألف سنة في عينيك مثل يوم أمس بعد ما عبر، وكهزيع من الليل).
وجاء في سفر يشوع (١٨: ٨): (عدة أيام الإنسان على الأكثر مائة سنة كنقطة ماء من البحر وكذرة من الرمل هكذا سنون قليلة في يوم الأبدية).
فأنت تلاحظ أن مفهوم الزمان في هذه النصوص (سفر التكوين بالخصوص)(٢٢) يتكلم عن خلق العالم في ستة أيام واليوم بحسب عالمنا المعروف وجد في اليوم الرابع بعد صنع الكواكب فما هو معنى اليوم ومعنى الأيام الستة؟
عبر (أوغسطين) أن هذا سر لا يمكن معرفته لأحد(٢٣).
نعم نجد في سفر المزامير المتقدم أن اليوم يعادل ألف سنة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٢) الآيات تتحدث عن بدء خلق الله تعالى للسماوات والأرض حيث فصّل بين النور والظلام بعد خلقه، وذكر أنه في يوم ثم خلق الماء وفصلهما عن السماء وكان يوماً آخر، ثم خلق الأرض وكان يوماً ثالثاً، ثم خلق بعد ذلك الليل والنهار والزمان.
(٢٣) الزمان في الفكر الديني والفلسفي وفلسفة العلم - د. حسام الآلوسي: ص٣٩.

↑صفحة ١٩٤↑

الكتابات اليهودية الأخرى تقدم (المسيا) على أنه الرئيس الخاص لليهود يقيم مملكة مثالية على الأرض وحسب الكتاب الرابع من (Esdras)(٢٤) يمتد المسيا إلى ٤٠٠ عام، أمّا كتاب أسرار أخنوخ فيرى أن ملكه يمتد إلى (١٠٠٠ عام)(٢٥).
في المسيحية:
تعتقد المسيحية أن يسوع الذي ينتظره اليهود هو نفسه ابن مريم الذي صلب تكفيراً عن خطايا العالم، ثم قام من بين الأموات ورفع إلى السماء، بعد أن وعد المؤمنين به، أنه سيعود في آخر الزمان، وأن لمجيئه الثاني علامات تحدثت عنها الأناجيل المختلفة وأن الإنجيل سوف يبشر به في كل أنحاء العالم: (وينبغي أن يكرز أولاً بالإنجيل في جميع الأمم) (مرقس ١٣: ١٠) وقد تحدثت جملة من الآيات عن المجيء الثاني للمسيح، ففي إنجيل (متى ٢٣ - ٢٧): (لأنه كما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب، هكذا يكون أيضاً مجيء ابن الإنسان).
يقول (القمص تادرس): (سيأتي السيد المسيح من السماء على صوت رئيس الملائكة وصوت البوق، والأموات سيقومون)، ويقول أيضاً: (هذا وتتحقق الاسخاتولوجيا(٢٦) بالنسبة للإنسان ليس فقط في نهاية الزمان)(٢٧)، ويقول في موضع آخر: (جاءت العبادة الكنيسية في العصر الرسولي أخروية،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٤) كتاب نهاية العالم من الكتاب المقدس - تأليف عزرا.
(٢٥) الأخرويات في الكتاب المقدس وفي الفكر اليهودي - القمص تادرس يعقوب ملطي: ص١٦٩.
(٢٦) الأسخاتولوجيا علم آخر الزمان: هي جزء من اللاهوت والفلسفة يهتم بما يعتقد أنه الأحداث الأخيرة قبل نهاية العالم وتشمل مواضيع مثل المسيا واليوم الأخير، وترى المسيحية واليهودية أن نهاية الزمن كتكميل الله تعالى لخلق العالم.
(٢٧) الأخرويات في الكتاب المقدس: ص١٨١.

↑صفحة ١٩٥↑

ففي العماد يعلن طالب العماد: (وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي)، وفي الأفخار سيتا تجتمع الكنيسة كلها حول المسيح القائم من الأموات لكي يتمتع المؤمنون بفكره وحياته المقامة، فيرتقبون بيقين تحقيق وعده بالمجيء الأخير(٢٨).
ويقول القديس كيرلس الاورشليمي في (قيامة الجسد في الكتاب المقدس)(٢٩): (لا تستغرب لتأخر العدالة... هكذا الله أيضاً مادام النزاع باقياً في هذا العالم يسحق العادلين ولو جزئياً، لكن بعدئذٍ يقدم لهم مكافئاتهم كاملة).
المعضلة الكبرى بين اليهود والمسيح:
من وجهة نظر الفرق الإنجيلية أن وقت الساعة توقف، وأعمال النبوءة تعطلت بوجود الكنيسة على الأرض وبارتفاعها واختطاف المؤمنين تبدأ النبوءة في السير من جديد مع الشعب اليهودي، وبناء عليه فإن الأسبوع الأخير من أسابيع دانيال لم يتم حدوثه حتى الآن، لأنه لو حدث لكان الشعب اليهودي متعبداً في بيت الرب وهو ما لم يتم إلى الآن، فهم ليسوا أسياد العالم بل تحت سيادته، ولكونهم شعب الله المختار - حسب اعتقادهم - فإن الله لا يحسب مع إسرائيل أي وقت لم يكن معترفاً بهم شعباً له، وجميع السنين التي مرت تعتبر مهدورة، وعندما يبدأ الأسبوع الأخير السبعين يتم الله موعده لليهود الذي وعدهم به(٣٠).
فما هو هذا الأسبوع الأخير؟ وما هي قصته عند اليهود والمسيح؟
يعبر عنه بـ(الضيقة العظيمة) أو (أسابيع دانيال السبعين) أو (الاختطاف السري).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٨) الأخرويات في الكتاب المقدس: ص١٨٢.
(٢٩) مقال منشور في ضمن كتاب الأخرويات في الكتاب المقدس: ص١٨٤.
(٣٠) نبوءات نهاية العالم عند الإنجيليين - محمد عزت محمد محمد: ص١٥٥.

↑صفحة ١٩٦↑

الأصل في هذه القضية هي الآيات المعروفة في سفر دانيال (٩: ٢٤): (سبعون أسبوعاً قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا، ولكفارة الإثم، وليؤتى بالبر الأبدي، ولختم الرؤيا والنبوة، ولمسح قدوس القدوسين).
فهذه النبوءة معضلة عظيمة حيث وقع خلاف كبير في تفسيرها ومعرفة حقيقتهما وحساب زمانها وبشكل مجمل فإنها تتحدث عن زمن محدد وأحداث محددة قسم منها وقع وقسم آخر ينتظر وهي تناظر إلى حدٍ كبير مفهوم العلامات في العقيدة المهدوية.
متى يقع الأسبوع الأخير وتنتهي الضيقة؟
وبعبارة ثانية:
متى يأتي المسيح وكم يحكم؟
يقول أحد الكتّاب ممن يفسر آيات الضيقة(٣١): هذه الضيقة العظيمة النهائية التي أشار إليها الرب: (لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ العَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ... وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ.
وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ.
وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣١) مفهوم الضيقة العظيمة القس أشرف أبيشاي.

↑صفحة ١٩٧↑

فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوق عَظِيمِ الصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا. (مت٢٤: ٢١، ٢٩ - ٣١).
وواضح من كلام الرب ترتيب الأحداث: أولاً: الضيق العظيم، ثم بعده ثانياً: مجيء الرب على السحاب، ثم بعده ثالثاً: اختطاف المؤمنين، إذ يرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت، ويجمعون مختاريه).
ويقول آخر(٣٢): (بعد هرمجدون،‏ سيُسجن الشيطان وأبالسته في المهواة ألف سنة.‏ خلال تلك الفترة،‏ سيكون الورثة السماويون المئة والأربعة والأربعون ألفاً قضاة ويملكون «مع المسيح ألف سنة».‏ (‏رؤيا ١٤:‏١ - ‏٣؛‏ ٢٠:‏١ - ‏٤؛‏ روما ٨:‏١٧‏)‏، خلال فترة الألف سنة تلك (سيدين يسوع المسيح الأحياء والأموات).‏ (‏٢ تيموثاوس ٤:‏١‏).
وفي مقام تفصيل تفسير الأسبوع الأخير يقولون(٣٣): (يتفق جميع المفسرين تقريباً أن (الأسبوع) يجب تفسيره بأنه (سبع سنوات)، أي بكلمات أخرى، ٤٩٠ سنة. وتقدم هذه الآية (توقيتاً) بشكل ما، يعطينا فكرة عن موعد مجيء المسيا وبعض الأحداث التي تصاحب ظهوره... إن نبوة السبعين أسبوعاً مركبة ومفصلة بشكل عجيب، وقد كتب الكثير حولها. وتوجد بالطبع تفسيرات عديدة... يوجد أمر واحد مؤكد: الله لديه جدول زمني، وهو يقوم بتسيير الأمور في مواعيدها. فهو يعرف النهاية من البداية (إشعياء ٤٦: ١٠) وعلينا أن نكون دوماً منتظرين مجيء الرب المنتصر مرة ثانية (رؤيا ٢٢: ٧).
يقول البعض(٣٤): (إنه بعد صلب المسيح توقفت ساعة السبعون أسبوعاً النبوية، أي أن هذه الثلاثة سنين ونصف لم تأتي بعد. خصوصاً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٢) موقع شهود يهوه الرسمي على الانترنت، JW.ORG.
(٣٣) GotQuestions.org موقع مهتم بالكتاب المقدس.
(٣٤) موقع الأنبا تكلاهيمانوت القبطي الأرثوذكسي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

↑صفحة ١٩٨↑

أن (&frac١٢;٣) سنة = ٤٢ شهراً = ١٢٦٠ يوماً المذكورة في سفر الرؤيا. وهذا تفسير مقبول جداً.
وهذه المدة التي تتوقف فيها الساعة النبوية للسبعين أسبوعاً هي المدة التي أعطاها الله للبشرية لتدخل إلى الإيمان وتتأسس كنيسة المسيح السماوية، وهذه الفترة تبدأ بالصليب الذي به تم ربط الشيطان وتقييده. وتم التعبير عن هذه الفترة رمزيا بأنها ألف سنة (رؤ٢٠: ١-٣) فرقم ألف يشير للسماويات. والكنيسة التي أسسها المسيح هي كنيسة سماوية (أف٢: ٦ + فى٣: ٢٠). فالمسيح (طأطأ السموات ونزل) (مز١٨: ٩) ليؤسس كنيسة سماوية، هو رأسها وهو عريسها السماوي. والكنيسة أبوها سماوي تصلي له وتقول (أبانا الذي في السموات). والكنيسة التي أسسها المسيح هي كنيسة واحدة سماوية، نصفها كنيسة منتصرة هي الآن في الفردوس، والنصف الآخر هي كنيسة مجاهدة على الأرض وهي أيضاً سماوية).
والمتحصل من معنى الضيقة وتفسير الأسبوع الأخير:
إنهم يتفقون على توقف الزمان ولا يعلمون كم الفترة التي ستمتد إلى أن تنتهي الضيقة وإن فسرها بعضهم بالألف سنة، وهي لم تتحقق، وهذا نظير ما يحصل عندنا من توقيت، ونظير ما يأتي من تطبيق نقله ابن حماد في كتابه الفتن.
في الإسلام:
المنظومة الدينية من القرآن الكريم والسنة الشريفة مشحونة بالحديث عن الزمن والزمان ومن تلك الآيات الكثيرة قولة تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ

↑صفحة ١٩٩↑

مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ * يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ * ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (السجدة: ٤-٦).
وأمّا الروايات فهي كثيرة ومتنوعة، وسيأتي الحديث عن الروايات الشريفة التي تناولت الزمان فيما يرتبط ببحثنا.
النقطة الرابعة: روايات عمر دولة الإمام (عجَّل الله فرجه) ودلالتها:
وردت عدَّة روايات في تحديد مدَّة ملك الإمام (عجَّل الله فرجه) على اختلاف بينها في مدَّة ملكه، ومنها:
أوَّلاً: ما روي من طُرُق العامَّة، وهي عديدة، نذكر منها:
١ - «سبع، ثمان، تسع»(٣٥): ففي الفتن لابن حماد: (... عن أبي سعيد عن النبي [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)] قال: يملك المهدي سبع ثمان تسع سنين.
٢ - «سبع سنين» في سنن ابي داود(٣٦): حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ تَمَّامِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ القَطَّانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)]: «المَهْدِيُّ مِنِّي أَجْلَى الجَبْهَةِ، أَقْنَى الأَنْفِ، يَمْلَأُ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ».
كما ويحتمل في بعض الروايات إرادة السبعة أو السبعين، ففي المستدرك(٣٧): قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المهدي منا أهل البيت أشم الأنف أقنى أجلى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يعيش هكذا - وبسط يساره وإصبعين من يمينه المسبحة والإبهام وعقد ثلاثة -». هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٥) الفتن، نعيم بن حماد المروزي، ص٤٢٠.
(٣٦) سنن أبي داود ( ط دار الحديث قاهرة )، ج٤ سليمان بن الأشعث السجستاني، ص١٧٦.
(٣٧) المستدرك، ج٤، الحاكم النيسابوري، ص٥٥٧.

↑صفحة ٢٠٠↑

٣ - «عشرين سنة» في مجمع الزوائد(٣٨): (فقال رجل من عبد القيس يقال له المستورد بن حسلان: يا رسول الله، من إمام الناس يومئذٍ؟ قال: «من ولدي ابن أربعين سنة كأن وجهه كوكب دري في خده الأيمن خال أسود، عليه عباءتان قطوانيتان كأنه من رجال بني إسرائيل، يملك عشرين سنة يستخرج الكنوز ويفتح مدائن الشرك».
وكذا ما رواه السيد ابن طاووس(٣٩) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نقلاً عن سنن الداني وبعضه عن الفتن لابن حماد وكنز العمال وهو يماثل ما تقدم عن مجمع الزوائد.
فالرواية وإن كانت في كتبنا إلّا أنَّها من طُرُقهم.
ثانياً: من طُرُقنا، وهي عدَّة روايات(٤٠)، منها:
١ - سبع سنين: في الإرشاد(٤١): (... روى عبد الكريم الخثعمي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كم يملك القائم (عليه السلام)؟ قال: «سبع سنين، تطول له الأيام والليالي حتى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم، فيكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٨) مجمع الزوائد، ج٧، الهيثمي، ص٣١٩.
(٣٩) التشريف بالمنن في التعريف بالفتن (الملاحم والفتن في ظهور الغائب المنتظر (عجَّل الله فرجه))، السيد ابن طاووس: ص٢٨١.
(٤٠) من المناسب التعرض للبحث السندي لجميع الروايات والاعتماد على ما هو معتبر منها دون غيرها، وحيث إن أغلبها من المراسيل أو يقع في طريق روايتها المجاهيل، فإننا نبحثها بناء على فرض صدورها ولو بناء على مبنى من يقول: إن ورود الخبر في المجاميع الحديثية مع عدم معارضته لقواعد العقل وآيات القرآن الكريم والسنة القطعية فإن احتمال صدوره يكون قريباً، فضلاً عما إذا كان بعيداً عن أجواء التقية، وموارد الوضع والدس، وقد يقال هذا في موردنا.
(٤١) الإرشاد - الشيخ المفيد: ج٢، ص٣٨١.

↑صفحة ٢٠١↑

٢ - سبعون سنة: حسب النص المتقدم مع ملاحظة اختلاف الحساب، وتصريح الإمام (عليه السلام) بأنها (٧٠) سنة.
ولعل هذا البيان بهذه الطريقة يساعد في الكشف - ولو على مستوى الاحتمال - عن أن المقصود من الزمن المذكور ليس هو التحديد بالمعنى الحقيقي للتحديد، وبالإضافة إلى الاختلاف الآتي في تحديد المدة قد يحصل الميل في النفس إلى أن ما قيل من أرقام في تحديد مدة ملكه (عجَّل الله فرجه) ليست في مقام التحديد الحقيقي، وستأتي وجوه الجمع بين الروايات.
٢ - تسع عشرة سنة وأشهر: أفرد لها الشيخ النعماني(٤٢) (قدّس سرّه) باباً هو الباب (٢٦)، روى فيه (٤) روايات كلُّها حدَّدت (١٩) سنة وأشهراً.
فالأولى رواه بسنده عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «يملك القائم (عليه السلام) تسع عشرة سنة وأشهراً»، والثانية والرابعة مثلها.
وأمّا الثالثة فهو ما رواه بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) يقول: «والله ليملكن رجل منا أهل البيت ثلاثمائة سنة وثلاث عشرة سنة ويزداد تسعاً»، قال: فقلت له: ومتى يكون ذلك؟ قال: «بعد موت القائم (عليه السلام)»، قلت له: وكم يقوم القائم (عليه السلام) في عالمه حتى يموت؟ فقال: «تسع عشرة سنة من يوم قيامه إلى يوم موته».
٣ - أربعون سنة: في الاحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(٤٣): «... ويظهره على أهل الأرض حتى يدينوا طوعاً وكرهاً، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ونوراً وبرهاناً، يدين له عرض البلاد وطولها، لا يبقى كافر إلّا آمن به ولا صالح إلّا صلح، ويصطلح في ملكه السباع، وتخرج الأرض نبتها، وينزل السماء بركتها،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٢) الغيبة - ابن أبي زينب النعماني: ص٣٥٣.
(٤٣) الاحتجاج - أحمد بن علي الطبرسي: ج٢، ص١١.

↑صفحة ٢٠٢↑

وتظهر له الكنوز، يملك ما بين الخافقين أربعين عاماً، فطوبى لمن أدرك أيامه، وسمع كلامه...».
٤ - ثلاثمائة وتسع سنين، رواه شيخ الطائفة (قدّس سرّه)(٤٤): بسنده عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «إن القائم يملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أهل الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويفتح الله له شرق الأرض وغربها، ويقتل الناس حتى لا يبقى إلّا دين محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يسير بسيرة سليمان بن داود»، تمام الخبر.
وقد تُحمل هذه الرواية على الرجعة بقرينة عدَّة روايات(٤٥).
٥ - مدة طويلة: وهي مضمون بعض الروايات والأدعية، ومنها:
* في كمال الدين(٤٦): عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن علي ابن موسى الرضا (عليه السلام)، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد ابن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن - أبي طالب (عليهم السلام) قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ... وعزتي وجلالي لأظهرن بهم ديني، ولأعلين بهم كلمتي، ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأملكنه مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخرن له الرياح، ولأذللن له الرقاب الصعاب ولأرقينه في الأسباب، ولأنصرنه بجندي، ولأمدنه بملائكتي حتى يعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي، ثم لأديمن ملكه ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة. والحمد لله رب العالمين، والصلاة على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٤) الغيبة، الشيخ الطوسي: ص٥٠٢.
(٤٥) عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) يقول: «والله ليملكنَّ رجل منا أهل البيت ثلاثمائة سنة وثلاث عشرة سنة ويزداد تسعاً»، قال: فقلت له: ومتى يكون ذلك؟ قال: «بعد موت القائم (عليه السلام)»... [الغيبة للنعماني: ص٣٥٤، باب ٢٦ ما روي في مدة ملك القائم، ح٣].
(٤٦) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ص٢٨٦.

↑صفحة ٢٠٣↑

* ما رواه الشيخ المفيد (قدّس سرّه)(٤٧): ... وروى المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن قائمنا إذا قام أشرف الأرض بنور ربها، واستغنى الناس عن ضوء الشمس، وذهبت الظلمة، ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم أنثى، وتظهر الأرض كنوزها حتى يراها الناس على وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ منه زكاته، فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك، استغنى الناس بما زرقهم الله من فضله».
* وقد يستفاد ذلك مما رواه السيد ابن طاووس (قدّس سرّه)(٤٨): ما ذكره جماعة من أصحابنا، وقد اخترنا ما ذكره ابن أبي قرة في كتابه، فقال بإسناده إلى علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن محمد بن عيسى بن عبيد، بإسناده عن الصالحين (عليهم السلام) قال: وكرر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان قائماً وقاعداً وعلى كل حال، والشهر كله، وكيف أمكنك، ومتى حضرك في دهرك، تقول بعد تمجيد الله تعالى والصلاة على النبي وآله (عليهم السلام): «اللهم كن لوليك، القائم بأمرك، الحجة، محمد بن الحسن المهدي، عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام، في هذه الساعة وفي كل ساعة، ولياً وحافظاً وقاعداً، وناصراً ودليلاً ومؤيداً، حتى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتعه(٤٩) فيها طويلاً وعرضاً، وتجعله وذريته من الأئمة الوارثين...».
ورواها الشيخ الكليني (رحمه الله) في الكافي(٥٠): محمد بن عيسى بإسناده عن الصالحين (عليهم السلام) قال: «تكرر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ساجداً وقائماً وقاعداً وعلى كل حال وفي الشهر كله وكيف أمكنك ومتى حضرك من دهرك تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى والصلاة على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٧) الإرشاد - الشيخ المفيد: ج٢، ص٣٨١.
(٤٨) إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس: ج١، ص١٩١.
(٤٩) في التهذيب للشيخ الطوسي: ج٣، ص١٠٣، ح٢٦٥/٣٧ ورد: (وتمكنه).
(٥٠) الكافي - الشيخ الكليني: ج٤، ص١٦٢.

↑صفحة ٢٠٤↑

النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): اللهم كن لوليك فلان بن فلان في هذه الساعة، وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وناصراً ودليلاً وقائداً وعوناً (وعيناً) حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً».
٦ - مدة مرموزة وغير معلومة: في تفسير علي بن إبراهيم(٥١): أحمد بن علي وأحمد بن إدريس معاً، عن محمد بن أحمد العلوي عن العمركي، عن محمد بن جمهور، عن سليمان بن سماعة، عن عبد الله بن القاسم عن يحيى بن ميسرة الخثعمي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «﴿[حم] * عسق﴾ عداد سني القائم و﴿ق﴾ جبل محيط بالدنيا من زمرد أخضر فخضرة السماء من ذلك الجبل...».
وجوه الجمع بين الروايات:
١ - مدَّة ملكه باختلاف مراتب ظهوره وملاحظة عناصر استتباب الأمر له، وهذا الاختلاف نظير ما رواه الشيخ الكليني (قدّس سرّه)(٥٢): عَنِ الأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَوَجَدْتُه مُتَفَكِّراً يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مَا لِي أَرَاكَ مُتَفَكِّراً تَنْكُتُ فِي الأَرْضِ، أرَغْبَةً مِنْكَ فِيهَا؟ فَقَالَ: «لَا والله مَا رَغِبْتُ فِيهَا ولَا فِي الدُّنْيَا يَوْماً قَطُّ، ولَكِنِّي فَكَّرْتُ فِي مَوْلُودٍ يَكُونُ مِنْ ظَهْرِي، الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي هُوَ المَهْدِيُّ الَّذِي يَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً وقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وظُلْماً تَكُونُ لَه غَيْبَةٌ وحَيْرَةٌ يَضِلُّ فِيهَا أَقْوَامٌ ويَهْتَدِي فِيهَا آخَرُونَ»، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ وكَمْ تَكُونُ الْحَيْرَةُ والْغَيْبَةُ؟ قَالَ: «سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ سِتَّ سِنِينَ»، فَقُلْتُ: وإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، كَمَا أَنَّه مَخْلُوقٌ - وأَنَّى لَكَ بِهَذَا الأَمْرِ يَا أَصْبَغُ، أُولَئِكَ خِيَارُ هَذِه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥١) بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج٥٢، ص٢٨١.
(٥٢) الكافي للشيخ الكليني: ج١، ص٣٣٨، باب في الغيبة، ح٧.

↑صفحة ٢٠٥↑

الأُمَّةِ مَعَ خِيَارِ أَبْرَارِ هَذِه الْعِتْرَةِ»، فَقُلْتُ: ثُمَّ مَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «ثُمَّ يَفْعَلُ الله مَا يَشَاءُ فَإِنَّ لَه بَدَاءَاتٍ وإِرَادَاتٍ وغَايَاتٍ ونِهَايَاتٍ».
فإنَّ الترديد في الستة أيام إنما يكون بلحاظ اختلاف المراتب أو على وقوع البداء فيه، أو زمان وقوع الحيرة فيه ثم ترتفع الحيرة وتبقى الغيبة(٥٣).
٢ - هذه المُدَد بلحاظ بسطه للعدل في المعمورة، فمدَّة ملكه وهو يبسط العدل لكذا بلد هي مثلاً سبعة سنوات، ولآخر تسعة، ولثالث تسعة عشر، وهكذا، اما مدة ملكة بلحاظ المجموع فهي المعني بها «وتمتعه فيها طويلاً»، والتي عبرت عنها رواية الشيخ المفيد (قدّس سرّه): ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم أنثى، فهذا تعمير الرجل في ملك القائم (عجَّل الله فرجه)، أمَّا ما هو ملكه وكم، فهذا ما لم تُحدِّده الروايات.
أمَّا مدَّة استمرار العدل بعد بسطه فغير محدَّدة.
٣ - إنَّ هذه المُدَد حقيقيَّة ولكن كلَّ مدَّة معلَّقة على شيء إنْ حصلت وإلَّا فلا وهكذا، فهو يحكم سبعة إنْ لم تحصل الصدقة مثلاً أي تصدق الناس عنه وعن سلامته وحفظه وطول بقائه، فإنْ حصلت فتسعة، وهكذا التسعة معلَّقة على عدم شيء فإنْ حصل انتفت وجاءت التسعة عشر، وهكذا هي، فالمُدَد المذكورة تعليقيَّة لا فعليَّة، وممّا يؤيده وجود النصوص في الأديان الأخرى التي أعطت السعة في مدة ملك عيسى (عليه السلام)، وهو بحسب رواياتنا يخرج بعد ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق (قدّس سرّه)(٥٤): قال أبو بصير: فقلت: يا بن رسول الله، ومن القائم منكم أهل البيت؟ فقال: «يا أبا بصير، هو الخامس من ولد ابني موسى، ذلك ابن سيدة الإماء، يغيب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٣) بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج٥١، ص١١٩.
(٥٤) كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص٣٧٥.

↑صفحة ٢٠٦↑

غيبة يرتاب فيها المبطلون، ثم يظهره الله (عزَّ وجلَّ) فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها، وينزل روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنور ربها...».
٤ - الحمل في هذه المدد على أنها قبل الرجعة، أمّا بعد الرجعة فالمدد مختلفة، وقد دلت عليها العديد من الروايات، فإذا رجحنا رواية الـ(٧٠) مثلاً، فإنها تعني مدة حكم الإمام (عجَّل الله فرجه) قبل الرجعة، نعم يمكن الاستعانة لتتميم هذا الوجه ببعض ما تقدم، فنقول: إن مدة حكمه قبل الرجعة مختلفة أيضاً حسب أحوال الدولة والمعارك، وبعضها ناظر إلى احتساب المدة من أول الظهور إلى الرجعة، وبعضها ناظر إلى خصوص فترة استتباب الأمر وهكذا.
والقرينة من الروايات المتقدمة على أن هذه المدد قبل الرجعة ما ورد: (وكم يقوم القائم (عليه السلام) في عالمه حتى يموت)؟ فإن هذا المقطع يتحدث عن ملكه قبل حصول الرجعة.
وما ورد في الرجعة(٥٥): عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال: الحسين بن علي (عليهما السلام) لأصحابه قبل أن يقتل: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لي: يا بني، إنك ستساق إلى العراق وهي أرض قد التقى فيها النبيون وأوصياء النبيين، وهي أرض تدعى عموراً، وأنك تستشهد بها يستشهد جماعة معك من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد، وتلي يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم، يكون الحرب برداً وسلاماً عليك وعليهم، فأبشروا فوالله لئن قتلونا فإنا نرد على نبينا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثم أمكث ما شاء الله، فأكون أول من تنشق الأرض عنه فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجه أمير المؤمنين (عليه السلام) وقيام قائمنا (عليه السلام) وحياة رسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثم لينزلن على وفد من السماء من عند الله (عزَّ وجلَّ) لم ينزلوا إلى الأرض قط، ولينزلن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٥) مختصر بصائر الدرجات - حسن بن سليمان الحلي: ص٤١.

↑صفحة ٢٠٧↑

إلى جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وجنود من الملائكة ولينزلن محمد وعلي وأنا وأخي وجميع منْ منَّ الله عليه...».
٥ - إن الروايات حددت المدد المذكورة، ولكن ما هي سعة المدة؟ فمسكوت عنه، نعم صرحت بعض الروايات فيها كالتي قالت السنة بعشرة، فالروايات تحدد المدة ولكن مقاس المدة ما هو أو قل سعة المدة ما هو حجمها، فمسكوت عنه، بل قد يظهر من بعض الروايات وفي خصوص ما يرتبط بقضية الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) أن احتساب المدة سيختلف وسيتجلى هذا الاختلاف على هيئة الإمام (عجَّل الله فرجه) ومظهره، حتّى عُدّ من علاماته المميزة له (عجَّل الله فرجه) أنه لا يظهر بعمره الحقيقي، فقد روى الشيخ الصدوق: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه) قال: حدثنا أحمد بن علي الأنصاري، عن أبي الصلت الهروي، قال: قلت للرضا (عليه السلام): ما علامات القائم منكم إذا خرج؟ قال: «علامته أن يكون شيخ السن، شاب المنظر، حتى أن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها، وإن من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيام والليالي حتى يأتيه أجله»(٥٦).
فالحديث الشريف يصرِّح بأن من علامات ظهوره أن الناظر إليه يراه ابن أربعين سنة، مع أنه قد مضى عليه مئات السنين من حيث احتساب المدة، فالآثار التكوينية المترتبة على الزمان قد توقفت، وهذا معناه إمكانية التوقف في احتساب الزمان، فلعل زمان ظهوره وحكمه المحدد بالسبعة هو نظير ما مرَّ عليه من عمر طويل مع أنه ينظر إليه ابن أربعين، فالسبعة أي المنظور إليها.
ونظير هذا في بحث الضيقة والسبعة أسابيع أن اليهودية والمسيحية تذهب لذلك، كما أن الآية التي ذكرناها تصرح أن المدد والسنوات لها قياسات مختلفة فقياس اليوم عندنا يختلف عن قياسه بالنسبة لله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٦) كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: باب ٥٧، ص٦٥٢، ح١٢.

↑صفحة ٢٠٨↑

كما وتقدم في بيان معنى الزمان ما يساعد على ذلك لو قبلنا أن معنى الزمان مختلف، فمع فرض خروج الشمس من المغرب فإن تقديرات الزمان المرتبطة بالكواكب وحركتها حول الشمس ستختلف جزماً، فلعل المدد المذكورة هي المدد بعد حصول التغيير، ومما أشارت له الروايات من التغيير ما ورد من تبدل النظام والسماوات وخروج الشمس من مغربها، فإن تبدل النظام يستدعي تغير المدة، والروايات ذكرت المدد السابقة مع النظر حالة تغير النظام والذي بموجبه تكون السنة سعتها كثيرة كالعشرة أو المائة أو الألف، ومنها:
* ما في الإرشاد(٥٧): ... عن أبي حمزة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): خروج السفياني من المحتوم؟ قال: «نعم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من مغربها محتوم، واختلاف بني العباس في الدولة محتوم، وقتل النفس الزكية محتوم، وخروج القائم من آل محمد محتوم، قلت له: وكيف يكون النداء...».
* ما في كمال الدين(٥٨): عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «اثنان بين يدي هذا الأمر: خسوف القمر لخمس، وكسوف الشمس لخمس عشرة [و] لم يكن ذلك منذ هبط آدم (عليه السلام) إلى الأرض، وعند ذلك يسقط حساب المنجمين».
* ما في الغيبة(٥٩): ... عن حبيب بن محمد بن يونس بن شاذان الصنعاني، قال: دخلت إلى علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي، فسألته عن آل أبي محمد (عليه السلام) فقال: يا أخي لقد سألت عن أمر عظيم... «والله مولاكم أظهر التقية فوكلها بي، فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي فأخرج»، فقلت: يا سيدي، متى يكون هذا الأمر؟ فقال: «إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة، واجتمع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٧) الإرشاد - الشيخ المفيد: ج٢، ص٣٧١.
(٥٨) كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص٦٨٥.
(٥٩) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص٢٩١.

↑صفحة ٢٠٩↑

الشمس والقمر، واستدار بهما الكواكب والنجوم»، فقلت: متى يا بن رسول الله؟ فقال لي: «في سنة كذا وكذا تخرج دابة الأرض (من) بين الصفا والمروة، ومعه عصا موسى وخاتم سليمان، يسوق الناس إلى المحشر».
٦ - الترديد إشارة إلى خضوع ما لم يقع إلى البداء، كما ورد في السفياني مع أنه من المحتوم، إلّا أنه خاضع للبداء، فجاء الترديد في مدة ملكه كناية عن إمكان وقوع البداء فيه، ومما ورد في قضية السفياني:
في الغيبة(٦٠): ... حدثنا أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) فجرى ذكر السفياني، وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر: هل يبدو لله في المحتوم؟ قال: «نعم»، قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم. فقال: «إن القائم من الميعاد، والله لا يخلف الميعاد».
٧ - إن هذا الترديد لامعنى له واقعاً، لجزمنا بعلم الأئمة (عليهم السلام) بالمدة الواقعية، ولعل حكمة الترديد في الوقت وإعطاء أوقات مختلفة إمّا لأجل التعمية على الوقت الحقيقي، أو لأجل أن ذكر الوقت الحقيقي يصعب تعقله من قبل الناس، فذكر أهل البيت (عليهم السلام) ما يكنون به عن الوقت وسعته بالترديد في المدة، فنحن نؤمن أنه سيحكم، أمّا كم سيكون حكمه؟ فهذا مما لا نعرفه بنحو الجزم واليقين.
٨ - إن دعوى وجود إشكالية في قلة مدة حكمه بالقياس إلى طول المظلومية منتفية من الأساس، فإن من كان مظلوماً ومات، هل سيرجع ليرى الاقتصاص ممن ظلمه؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٠) الغيبة - ابن أبي زينب النعماني: ص٣١٤.

↑صفحة ٢١٠↑

فإن قلنا إنه سيرجع كما هو ظاهر روايات الرجعة، فإنه قد تقدم أن مدة الرجعة طويلة، وقد تزيد على عمر الدنيا.
وإن كان المظلوم لا يرجع، فلا يضره إن كان الحكم لدولة العدل قصيراً أم طويلاً.
وبذلك يتبين أن الإشكالية مما لا واقع لها وراء الألفاظ.
هذا كله فيما يرتبط بقيادة الإمام (عجَّل الله فرجه) وقيامه على رأس دولته، أمّا فيما يرتبط بدولة أهل البيت (عليهم السلام) فإنها ممتدة إلى ما شاء الله تعالى، على ما ورد في جملة من الروايات(٦١).
نسأل الله تعالى أن يجعل حكومة العدل على يده (عجَّل الله فرجه) طويلة وممتدة إلى ما تقر به الأعين وتثلج به الصدور.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦١) الوافي للكاشاني: ج٢، ص٢٦٧، ب٢٩؛ الإيقاظ من الهجة بالبرهان على الرجعة للحر العاملي: ص٣٣٦، ح١١٩؛ بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي: ص٢١٢: حيث ورد فيه عن حمران بن أعين قال: عُمْر الدنيا مائة ألف سنة، لسائر الناس عشرون ألف سنة، وثمانون ألف سنة لآل محمد عليه وعليهم السلام.

↑صفحة ٢١١↑

التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

Copyright© 2004-2013 M-mahdi.com All Rights Reserved