علامات الظُهور وإشكاليَّة التطبيق
مرتضى علي الحلي
تُشكِّل علامات ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بصنفيها المحتومة وغير المحتومة مُحدّداً عَقْدياً رسميا صاغه المعصومون (عليهم السلام) في مُجمل منظومة القضية المهدوية وظاهرة الانتظار في آخر الزمان وقبيل الظهور والقيام المهدوي الحق. صياغةً يتمكن معها الإنسان المؤمن من التعاطي مع أحداث ما قُبيل الظهور الشريف، وتحديد موقفه تجاه ما يحصل في حال الترقب والترصد والانتظار للإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، لكن هذا المُحدِّد العقدي الرسمي قد يخضع في صنفه غير المحتوم إلى آليات نظام البداء الإلهي الحكيم. فيحصل فيه تبدّل وتغيير وفق ظروف مرحلة اقتضاء التحقق وعدمه، لذا لا يمكن الجزم بوقوعه ميدانياً لطالما تحكمه قوانين البداء الإلهي الحكيم وكونه قضاءً غير محتوم، ومعلوم أنَّ البداء الإلهي الذي تقول به مدرسة أهل البيت المعصومين (عليهم السلام) هو الإظهار بعد الإخفاء، بمعنى أنَّ الله تعالى قد يُظهر أشياء قد أخفاها على غيره مُطلقاً فيختص بها لوحده ولا يُظهرها إلّا في وقتها المناسب وفقاً لنظام الوجود الأصلح والأكمل.
ومن هنا تأتي إشكاليّة التطبيق في العلامات غير المحتومة التي تسبق وقت تحقق العلامة الحتمية الجزمية، كما يحدث الآن في الشام (سوريا) تحديداً بما يُقارب مفهوماً وثقافةً أحداث ما قُبيل الظهور الشريف للإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وتنبع إشكاليّة التطبيق في العلامات غير الحتمية من كونها قد تأتي بخلاف ما رسمه وحدده المعصومون (عليهم السلام) لنا في فترة ما قُبيل الظهور الشريف وبذلك يلزم الكذب على المعصوم (عليه السلام) وحاشاه عن ذلك، لذا نجد الأئمة المعصومين (عليهم السلام) قد وضعوا حلولاً وخيارات منطقية وعقلانية في صورة التعاطي مع أحداث ما قُبيل الظهور الشريف حتى يتوضَّح الموقف في سداديته وصوابيته وتتلخص هذه الحلول بـ:
١- عدم التوقيت: والذي هو سلوك يُرادف التطبيق غير الصحيح واقعاً، فعن الفضل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلتُ: لهذا الأمر وقت؟ استفهاماً عن وقت الظهور الشريف للإمام المهدي (عليه السلام)، فقال (عليه السلام) كَذِبَ الوقّاتون، كذب الوقاتون، كذب الوقاتون إنَّ موسى (عليه السلام) لما خرج وافداً إلى ربه واعدهم ثلاثين يوماً فلما زاده الله على الثلاثين عشراً قال قومه: قد أخلفنا موسى فصنعوا ما صنعوا فإذا حدثناكم الحديث فجاء على ما حدثناكم به فقولوا: (صدق الله) وإذا حدثناكم الحديث فجاء على خلاف ما حدثناكم به فقولوا: (صدق الله تؤجروا مرتين)، وهنا إشارة واضحة من الإمام المعصوم (عليه السلام) إلى قضيّة تحكُم نظام البداء الإلهي في العلامات غير المحتومة. (الكافي: الكليني:ج١، ص٣٦٩).
٢- عدم الاستعجال في التعاطي مع العلامة غير المحتومة، عن أبي المرهف، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (الغُبرة على من أثارها) أي أثر الغبار يقع على مَن أثاره وحركه (هلكَ المحاضير) المُستعجلون في قيام دولة الحق قبل أو أنها (قلتُ: جُعلتُ فداك وما المحاضير قال (عليه السلام) المُستعجلون أما إنَّهم لن يريدوا إلّا مَن يعرض لهم ثم قال (عليه السلام):
يا أبا المرهف أما إنهم لم يريدوكم بمجحفة (داهيّة) إلّا عرض الله (عزَّ وجل) لهم بشاغل ثم نكتَ أبو جعفر (عليه السلام) في الأرض ثم قال: يا أبا المرهف! قُلتُ: لبيك، قال (عليه السلام): أترى قوماً حبسوا أنفسهم على الله (عزَّ ذكره) لا يجعل الله لهم فرجا؟ بلى والله ليجعلن الله لهم فرجاً. (الكافي للكليني: ج٨، ص٢٧٤).
والمحاضير جمع محضار، وهو الشديد الجري، من حضر الفرس وهو شدة جريه وركضه فالإمام المعصوم (عليه السلام) قد نهى عن التسرع في الأمور وعدم التأني والتأمل في عواقبها وحذّرَ من المسارعة إلى إظهار ما في النفوس مما قد يأتي مُخالفاً للواقع.
٣- ضرورة وعي العلاقة والارتباط بين تحقق العلامة غير الحتمية ونظام البداء والقضاء غير المُبرم إلهيّا. (عن الفضل الكاتب قال : كنتُ عند أبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) فأتاه كتاب أبي مسلم، فقال (عليه السلام): ليس لكتابك جواب اخرج عنا فجعلنا يُسار بعضنا بعضا. فقال (عليه السلام): أي شيء تُسارون يا فضل؟ إنَّ الله (عزَّ وجل ذكره) لا يَعجل لعجلة العباد ولإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك لم ينقض أجله، ثم قال (عليه السلام): إنَّ فلان بن فلان حتى بلغ السابع من ولد فلان.
هذه الفقرة قد ترمز إلى السرية في تحديد هوية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وقد يكون معناها أنَّ الإمام المهدي هو محمد بن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وهو السابع من ولد الإمام الباقر (عليه السلام) بحسب متن الروايات الصحيحة قلتُ (الراوي) فما العلامة فيما بيننا وبينك جُعلتُ فداك؟ قال (عليه السلام):
لا تبرح الأرض يا فضل حتى يخرج السفياني فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا يقولها ثلاثا - وهو من المحتوم. (الكافي للكليني: ج٨، ص٢٧٤).
لاحظوا دقة الفقرة، إنَّ الله (عزَّ وجل ذكره) لا يَعجل لعجلة العباد ولإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال مُلكٍ لم ينقض أجله، فهذه الفقرة تحكي عن دقة نظام البداء والقضاء الإلهي الحكيم، وبهذا يتبيَّن أنَّ من جملة ما مطلوب منا عَقْدياً في عصر الغيبة الكبرى، هو ضرورة الإيمان بعقيدة البداء الإلهي والقضاء، بحيث يتولَّد في نفوسنا مِشعَل الأمل والرجاء والطمأنينة بحقيقة كون مجاري الأمور ومصائرها هي بيد الله تعالى ولا تخرج عن سلطنته إطلاقاً.
عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام): ما عُظِّمَ اللهُ بمثلِ البداء. (الكافي للكليني: ج١، ص١٤٦).
فالقول بالبداء هو الاعتراف الصريح بأنَّ العَالَم تحت سلطان الله وقدرته في حدوثه وبقائه وأنَّ إرادة الله نافذة في الأشياء أزلاً وأبدا. (البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي (قدس سره): ص٣٩١).
٤- معرفة العلامة (أي) معرفة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هويةً وعقيدةً.
عن عمر بن أبان قال: سمعتُ أبا عبد الله الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) يقول: اعرف العلامة فإذا عرفتها لم يضرك، تقدَّمَ هذا الأمرُ أو تأخر، إنَّ الله (عزَّ وجل) يقول: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾.
فمَن عرف إمامه كان كمن كان في فسطاط المُنتَظَر (عليه السلام). (الكافي للكليني: ج١، ص٣٧٢).
وهنا يظهر جليّا أنَّ وظيفة الإنسان المؤمن المُنتَظِر لإمامه المهدي (عجّل الله فرجه) تتحدد بمعرفة كون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو إمام وقته بحق وهذه المعرفة تتكفل بإبراء ذمة صاحبها عقدياً وشرعياً وتجعله ممَن يُدعون بإمامهم الحق يوم القيامة وإنْ لم يدرك ظهور وقيام الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأخيراً إنَّ ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وقيامه بالحق والعدل هو مُرتبط كلياً بإرادة الله تعالى النافذة وجودياً، ومرتبط بظروف وشروط مرحلة التحقق والوقوع فعليّاً، وهذه الظروف والشروط تنخلق قُبيل وقتها بما يضمن حتميَّة تحقق الظهور الشريف وقيام دولة الحق الإلهيّة في الأرض.