الوهّابية بين المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) والدجّال الأكبر
الشيخ عبد الحميد الجاف
هذا البحث في الحقيقة هو دراسة في أعماق الفكر الوهّابي الذي يؤمن بالدجّال وحياته، جعلت منه يحتلُّ مكانة مهمَّة في هذا الفكر، وتغيب على إثر ذلك عقيدة المهدي المنتظر (عليه السلام).
تكمن أهمّية البحث ليس في أهمّية إثبات حياة الإمام المهدي (عليه السلام) فحسب، بل في إثبات أهمّية الإمامة وكونها من أُصول الدين وأحقّية الشيعة في معرفة واتِّباع إمام زمانهم دون من سواهم من المدَّعين، وكذلك اكتمال عقد الاثني عشر إماماً وخليفةً راشداً هادياً مهدياً؛ وبذلك يثبت أنَّ المذهب الشيعي الإمامي الاثني عشري هو الصحيح، وهو الفرقة الناجية والطائفة المنصورة بإذن الله، وهم أحقُّ الناس بالمهدي (عليه السلام)، وأنَّهم حملة الحقِّ والأولى بالصدع به، وليس كما قيل ويقال هنا وهناك من قِبَل المرجفين والمشكّكين والمستهزئين.
أمَّا محاور البحث فهي:
المحور الأوَّل: إثبات حياة المسيح الدجّال حتَّى يومنا هذا.
وبيان أنَّه إمَّا ابن صيّاد اليهودي الأصل، أو من حكاه تميم الداري في حديث الجساسة.
المحور الثاني: التلازم والصراع التكويني بين الدجّال الأكبر والمهدي المنتظر (عليه السلام).
المحور الثالث: وجود الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، وأنَّه الثاني عشر لأئمَّة أهل البيت عليهم السلام.
المحور الأوَّل: إثبات حياة المسيح الدجّال حتَّى يومنا هذا:
سنقوم بمناقشة هذه المسألة التي كثيراً ما أُهملت وأُخفيت عن الساحة الإسلاميَّة بجميع فئاتها - كالشباب المثقَّف والخطباء والعلماء والباحثين والكتّاب -، مع ما لها من أهمّية تفوق الكثير من المواضيع الخلافية.
وتكمن أهمّيتها في كونها مسألة عقائدية وابتلائية عظمى، فبمعرفتها يُحدِّد المسلم الطريق الذي ينبغي عليه سلوكه ليأمن من الفتن والبلايا بعد معرفته لممثِّل الباطل والفتنة ليتجنَّبه، وعلمه بأنَّه موجود ومختفٍ - كما سنوضِّحه في هذا البحث على مباني القوم في هذه العقيدة -، ويمكن خروجه وظهوره في أيِّ وقتٍ، فيعلم بالخطر الذي يحيط به، وكيف يتخلَّص منه وينجو.
وخلاصة القول: إنَّ هذه المسألة من المسائل المعقَّدة والمركَّبة، بل المحرجة لأهل السُّنَّة؛ ولذلك اضطرّوا إلى تعمّد إخفائها عن الأسماع، كي لا يُحرَجوا في الردِّ حينما يستدلُّ بها الشيعة على إمكان وعدم استحالة طول عمر إنسان فيثبت بذلك وجود المهدي (عليه السلام)، بل طول عمره وصحَّة ما ذهب إليه الإماميَّة من اعتقادهم بالأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) بعد اكتمال عقدهم الطاهر بالإمام المهدي (عليه السلام) الذي شكَّكوا واستهزأوا كثيراً بوجوده وحياته لئلَّا ينطبق حديث الخلفاء الاثني عشر - بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وإلى قيام الساعة الموعود بهم والمأمور الالتزام بسُنَّتهم واتِّباعهم - على أئمَّة الشيعة الذين أوَّلهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وآخرهم المهدي (عليه السلام)، فيضطرّوا للتأويلات البعيدة والضعيفة وغير المقنعة، والتي سنطَّلع عليها إن شاء الله تعالى في مطاوي هذا البحث.
فأقول وبالله التوفيق: إنَّ هذه المسألة - عندهم - لها ثلاثة احتمالات هي:
أن يكون الدجّال هو الصحابي اليهودي الأصل ابن صيّاد.
أن يكون الدجّال هو من ذكره تميم الداري في حديث الجساسة.
أن يكون الدجّال غيرهما، وقد يقال: لم يُولَد بعد.
والفرض الأخير إن ثبت سقط بحثنا هذا رأساً، بل سوف يؤدّي إلى عكس المطلوب، ولكنَّه فرض ساقط ودون إثباته خرط القتاد؛ لعدم وجود دليل صحيح يُثبِته، بل الأدلَّة على خلافه، وعدم وجود قائل يُعتَدُّ بقوله يقول بذلك، وسوف نعرج على الفرض الثاني ونُثبِت أنَّه مجرَّد خرافة لا واقع وراءها ونُبيِّن بطلانه بإذنه تعالى، مع دلالة هذا الفرض أيضاً - مع خرافته - على حياة الدجّال منذ زمن النبيِّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، بل منذ عصر نبيّ الله سليمان (عليه السلام).
فإذا أثبتنا الاحتمال الأوَّل فسيتمُّ - حينئذٍ - ما نحتاج إليه من العلاقة والارتباط بالإمام المهدي (عليه السلام)، كونهما عدوّين لدودين أحدهما يُمثِّل الخير المطلق، والآخر يُمثِّل الشر المطلق، وأعظم فتنة في الوجود وقبل المعاد.
أمَّا الفرض الأوَّل: كون الدجّال الأكبر هو ابن صيّاد:
فبعد البحث والتحقيق في الأدلَّة لهذه المسألة، ترجَّح لدينا هذا الاحتمال، وتبيَّن لنا قوَّته ومتانته دون ما سواه من الاحتملات الأُخرى، من عدَّة وجوه أذكر منها:
١ - كثرة اختبار النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) لابن صيّاد بنفسه وبغيره:
كما تشهد بذلك أحاديث صحيحة كثيرة، منها:
أ) ما رواه البخاري في صحيحه(١) بسنده عن سالم، عن ابن عمر: أنَّ عمر بن الخطّاب انطلق مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في رهط من أصحابه قِبَل ابن صيّاد، حتَّى وجده يلعب مع الغلمان في أُطُم بني مغالة - وقد قارب ابن صيّاد يومئذٍ الحُلُم - فلم يشعر حتَّى ضرب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ظهره بيديه، ثمّ قال: «أتشهد أنّي رسول الله؟»، فنظر إليه فقال: أشهد أنَّك رسول الأُمّيين، ثمّ قال ابن صيّاد: أتشهد أنّي رسول الله؟...، ثمّ قال: «آمنت بالله ورسله...»، وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «إنّي خبَّأت لك خبيئاً»، قال: هو الدخ، قال: «اخسأ، فلن تعدو قدرك». قال عمر: يا رسول الله، أتأذن لي فيه أضرب عنقه؟ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «إن يكن هو لا تُسلَّط عليه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله».
وعند البخاري (ج ٢/ ص ٩٦) و(ج ٤/ ص ٣٢)، وعند مسلم (ج ٨/ ص ١٩٢) بسندهما لابن عمر: ... فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فقال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): «إن يكنه فلن تُسلَّط عليه، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله».
ب) ثمّ قال سالم: قال ابن عمر: انطلق النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) بعد ذلك مع أُبي بن كعب يؤمّان النخل الذي فيه ابن صيّاد، حتَّى إذا دخل النخل (وهو يختلُّ)...، فرأت أُمُّ ابن صيّاد النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهو يتَّقي بجذوع النخل، فقالت لابن صيّاد: أي صاف، فثار ابن صيّاد، فقال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): «لو تركته بيَّن»، وقال سالم: قال ابن عمر: ثمّ قام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ ذكر الدجّال فقال: «إنّي أنذركموه، وما من نبيٍّ إلَّا قد أنذر قومه، لقد أنذره نوح قومه، ولكن سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبيٌّ لقومه، تعلمون أنَّه أعور وأنَّ الله ليس بأعور»(٢).
وواضح من هذه الرواية أنَّ النبيَّ يربط ويجمع بين ابن صيّاد والدجّال.
ت) وعن ابن مسعود أخرجه مسلم(٣)، قال: كنّا مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فمررنا بصبيان فيهم ابن صيّاد، ففرَّ الصبيان وجلس ابن صيّاد، فكأنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كره ذلك، فقال له النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): «تربت يداك، أتشهد أنّي رسول الله؟»، فقال: لا بل تشهد أنّي رسول الله، فقال عمر بن الخطّاب: ذرني يا رسول الله حتَّى أقتله، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «إن يكن الذي ترى فلن تستطيع قتله».
وفي لفظ آخر عنده أيضاً، قال: ... فقال عمر: يا رسول الله، دعني فأضرب عنقه، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «دعه فإن يكن الذي تخاف لن تستطيع قتله».
ومن مجموع هذه الروايات - عند القوم -، يتبيَّن لنا بأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان على أقلِّ تقدير يحتمل ويُرجِّح بأنَّ هذا الغلام اليهودي (ابن صيّاد) هو المسيح الدجّال، إن لم يكن يعلم يقيناً -كما أقطع به - بأنَّه هو، وإنَّما كان النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) يختبره كثيراً (ظاهراً) لإقامة الحجَّة عليهم فحسب، أو ليُصدِّقه الصحابة عندما يُخبِرهم (صلّى الله عليه وآله وسلم) بشأنه بعد بيان كفره وشعوذته عند تصريحه بهما وسماعهم لذلك بأنفسهم، كما يُفهَم ذلك ممَّا في آخر الرواية وهو قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «لو تركته بيَّن».
فلو أمعنا النظر في الروايات السابقة نجد أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد اختبر ابن صيّاد.
وكذلك يشهد قول النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) لعمر عندما طلب قتله: «إن يكن هو فلن تُسلَّط عليه»، وفي رواية جابر: «لست بصاحبه إنَّما صاحبه عيسى بن مريم»، فيه دلالة قاطعة على كون ابن صيّاد هو المسيح الدجّال لا غيره بشهادة واتِّفاق الجميع بأنَّ عيسى (عليه السلام) هو صاحب - أي قاتل - الدجّال.
وقد يقال بأنَّ جواب النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) لعمر صريح في أنَّه تردَّد في أمره، لأنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) احتمل كونه هو - أي الدجّال - أو غيره.
وقد ردَّ ابن بطّال عنه - وقد كفانا المؤنة -، فقال ما نصّه: (وعن ذلك جوابان: أحدهما: أنَّ الترديد كان قبل أن يُعلِمه الله تعالى بأنَّه هو الدجّال، فلمَّا أعلمه - أي بأنَّه هو - لم ينكر على عمر حلفه، والثاني: أنَّ العرب قد تُخرِج الكلام مخرج الشكِّ وإن لم يكن في الخبر شكٌّ، فيكون ذلك من تلطّف النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) بعمر في صرفه عن قتله)، انتهى ملخَّصاً عن ابن حجر في فتح الباري (ج ١٣/ ص ٢٧٤).
ولذلك لم ينكر النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) على عمر عندما حلف بحضرته بأنَّ ابن صيّاد هو الدجّال.
وقد فهم البخاري ذلك أيضاً، فبوَّب لهذا الحديث بقوله: (باب من رأى النكير من النبيِّ حجَّة لا من غير الرسول).
ثمّ قال ابن حجر(٤): (ولشدَّة التباس الأمر في ذلك سلك البخاري مسلك الترجيح، فاقتصر على حديث جابر عن عمر في ابن صيّاد، ولم يُخرِّج حديث فاطمة بنت قيس في قصَّة تميم).
وهذا اعتراف من ابن حجر بأنَّ البخاري يُرجِّح كون الدجّال هو ابن صيّاد.
ويشهد من نفس الرواية أيضاً بأنَّ ابن صيّاد هو الدجّال تصريحه في جوابه للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) - عندما اختبره وعرض (عليه السلام) - بأنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) رسول الأُمّيين، وهذه الكلمة تشهد على يهوديته. وجواب النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) له بقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «آمنت بالله ورسله»، وهذا الجواب منه (صلّى الله عليه وآله وسلم) إنَّما قصد منه أنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) يؤمن بالله وما يُرسِل من أصناف الرسل بالمعنى الأعمّ لا خصوص الأنبياء، كالملائكة والشياطين والرياح... الخ. فإنَّ الإقرار لدجّال مثل ابن صيّاد بالرسالة التي هي بمعنى النبوَّة كفر يستحيل صدوره منه (صلّى الله عليه وآله وسلم)؛ إذ أنَّه من المعلوم بالضرورة لكلِّ مسلم أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء والمرسلين، فكيف ننسب للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) التصديق بأنَّ الدجّال رسول من الله تعالى أيضاً؟ هل غاب هذا الضروري على من بلغنا به وعلمنا إيّاه؟ فهذا لا يقول به مسلم. أم تقولون: قد لا يكون الله تعالى أخبره بعد بأنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء والمرسلين، فأقول: إنَّ الحديث نفسه - من أوَّله إلى آخره - يُكذِّب هذا الزعم؛ ففيه: قول عمر للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): أتأذن لي فيه أضرب عنقه. يدلُّ على فهم عمر كفره واستحقاقه للقتل بادِّعائه النبوَّة، لعدم وجود سبب آخر لقتله، مع عدم إنكار النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) قول عمر، وقد فهم ذلك كلُّ من شرح الحديث، فقد قال ابن حجر: قال الخطّابي: وإنَّما لم يأذن النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في قتله مع ادِّعائه النبوَّة بحضرته لأنَّه كان غير بالغ، أو لأنَّه كان من جملة أهل العهد. ثمّ قال ابن حجر: (والثاني هو المتعيَّن، وقد جاء مصرَّحاً به في حديث جابر عند أحمد، وفي مرسل عروة من قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لعمر: «فلا يحلُّ لك قتله»)، انتهى كلام ابن حجر في فتح الباري (ج ٦/ ص ١٢١).
وقال ابن حجر أيضاً في فتحه (ج ٦/ ص ١١٩): (قوله: (فقال ابن صيّاد: أتشهد أنّي رسول الله؟)، قال الزين ابن المنير: إنَّ عرض النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) الإسلام على ابن صيّاد يدلُّ على أنَّه ليس الدجّال المحذَّر منه. قلت -أي ابن حجر-: ولا يتعيَّن ذلك، بل الذي يظهر أنَّ أمره كان محتملاً، فأراد اختباره بذلك، فإن أجاب غلب ترجيح أنَّه ليس هو، وإن لم يجب تمادى الاحتمال. أو أراد باستنطاقه إظهار كذبه المنافي لدعوى النبوَّة)، انتهى بلفظه.
أقول: وفيه أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) رضَّه، ثم قال له: «آمنتُ بالله ورسله»، والرضُّ من النبيِّ لا يجوز قطعاً، فالرضُّ إنَّما يدلُّ على الإستياء والإنكار.
وفيه أيضاً: قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) له: «اخسأ فلن تعدو قدرك»، وكذا قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) له: «خُلِطَ عليك الأمر»؛ فهذه الأقوال كلّها لا تتناسب مع احتمال نبوَّته، بل فيها تصريح وتوضيح منه (صلّى الله عليه وآله وسلم) بعدم نبوَّته، بل الجزم بكونه الدجّال؛ فكيف يزعم هؤلاء العلماء أنَّه ادَّعى النبوَّة أمام النبيِّ ولم يقتله النبيُّ؟ ولذلك قال له: «أعددت لك شيئاً»، وكذا جوابه لعمر عند طلب عمر قتله بقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) له: «إن يكن هو - أي الدجّال - لا تُسلَّط عليه - أو فلست بصاحبه، إنَّما صاحبه عيسى بن مريم، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله - أو فلا تُسلَّط عليه -»، ولم يقل لعمر: إنَّه نبيٌّ، أو: لا يجوز لك قتله لاحتمال كونه نبيَّاً. فتبيَّن أنَّ ابن صيّاد لم يدَّع النبوَّة.
وأيضاً فالإرسال لغةً وشرعاً هو: مطلق البعث، لأنَّ الله تعالى استعمل هذه الكلمة بهذا المعنى بشكل واسع وكبير، فقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) (الفرقان: ٤٨)، و(أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) (مريم: ٨٣)، و(يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) (نوح: ١١)، فالرياح مرسلة، والشياطين مرسلة، وكذا السماء أي المطر مرسل أيضاً من الله تعالى. وليس الرسل من الأنبياء فقط هم المرسلون منه تعالى، قال الراغب الأصبهاني في المفردات: (الرسول: المنبعث، ورسل الله تارةً يُراد بها الملائكة وتارةً يُراد بها الأنبياء...، والإرسال - والقول للراغب - يقال في الإنسان وفي الأشياء المحبوبة والمكروهة، وقد يكون ذلك بالتسخير كإرسال الريح والمطر، وقد يكون ببعث من له اختيار نحو إرسال الرسل، قال تعالى: (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) (الأنعام: ٦١)، وقال تعالى: (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) (الشعراء: ٥٣)، وقد يكون ذلك بالتخلية وترك المنع نحو: (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) (مريم: ٨٣)، والإرسال يقابل الإمساك، (وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) (فاطر: ٢)... الخ.
ثمّ قال ابن حجر في الفتح (ج ٦/ ص ١٢١) ما نصّه: لم يُصرِّح - أي ابن صيّاد - بدعوى النبوَّة، وإنَّما أوهم أنَّه يدَّعي الرسالة - ولا يلزم من دعوى الرسالة دعوى النبوَّة -، قال الله تعالى: (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) (مريم: ٨٣)، انتهى.
فتلخَّص من كلِّ ما تقدَّم أنَّ قول النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) لابن صيّاد: «آمنت بالله ورسله» يحتمل أحد معنيين:
الأوَّل: كان من استعمال التورية والمداراة والأخلاق العظيمة والتواضع الرفيع لرسول الله أمام ابن صيّاد حتَّى مع علمه بدجله وكذبه وادِّعائه أمراً ليس له وأنَّه سيكون في المستقبل عدوَّاً لله (عزَّ وجلَّ)، والتورية هنا بإفهامه (صلّى الله عليه وآله وسلم) لابن صيّاد والتظاهر أمامه بأنَّه يمكن أن يثق بما يدَّعيه، وأنَّ ما يدَّعيه له حظٌّ من الإمكان لا الاستحالة، ولا الاستئثار بشيء دونه لو ثبت له شيء من الله (عزَّ وجلَّ) حقَّاً، وإفهام ابن صيّاد بأنَّ النبيَّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) صدَّقه في ادِّعائه للرسالة التي هي بمعنى النبوَّة والإرسال من الله (عزَّ وجلَّ)، بينما النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أراد وقصد بقوله هذا أحد معاني كلمة الرسول التي تليق بالدجّال كقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) (مريم: ٨٣)، أي بمعنى التخلية وترك المنع.
والثاني: هو كون ابن صيّاد رسولاً لله تعالى بالمعنى اللغوي والأعم (يعني: عدم منع الله تعالى خروجه وفتنته للناس)، وهذا لا إشكال فيه كما بيَّناه قريباً، ولا نحتاج إلى الحمل على التورية والمداراة، والله العالم، انتهى.
ث) أخرج الهيثمي في مجمع الزوائد عن أبي ذر أنَّه كان يقول: (لئن أحلف عشر مرّات أنَّ ابن صيّاد هو الدجّال أحبُّ إليَّ من أن أحلف مرَّة واحدة أنَّه ليس به، إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بعثني إلى أُمِّه فقال: «سَلْها كم حملت به؟»، قال: فأتيتها فسألتها فقالت: حملت به اثني عشر شهراً، قال: ثمّ أرسلني إليها فقال: «سَلْها عن صيحته حين وقع»، قال: فرجعت إليها فسألتها فقالت: صاح صياح الصبي ابن شهر، ثمّ قال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «إنّي قد خبَّأت له خبئاً عظم شاة عفراء والدخان»، قال: فأراد أن يقول: الدخان فلم يستطع، فقال: الدخ، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «اخسأ فإنَّك لن تعدو قدرك»)(٥).
ثمّ قال الحافظ الهيثمي: (رواه أحمد والبزّار والطبراني في الأوسط، ورجال أحمد رجال الصحيح غير الحارث بن حصيرة، وهو ثقة).
٢ - اعتقاد الصحابة أنَّ ابن صيّاد هو الدجّال:
أ) أخرج البخاري عن محمّد بن المنكدر، قال: (رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أنَّ ابن الصائد الدجّال. قلت: تحلف بالله؟ قال: إنّي سمعت عمر (ابن الخطّاب) يحلف على ذلك عند النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) فلم ينكره النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم))(٦).
ب) وقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن نافع، قال: كان ابن عمر يقول: (والله ما أشكُّ أنَّ المسيح الدجّال هو ابن صيّاد)، قاله ابن حجر في الفتح (ج ١٣/ ص ٢٧٤).
ت) وأخرج أحمد وأبو يعلى والطبراني عن أبي ذر: (لئن أحلف عشر مرّات أنَّ ابن صيّاد هو الدجّال أحبُّ إليَّ من أن أحلف مرَّة واحدة أنَّه ليس به...)، قال: ابن حجر في فتح الباري (ج ١٣/ ص ٢٧٨): (سنده صحيح)، وكذلك وثَّق رجال سنده الهيثمي في مجمع زوائده.
ث) وأخرج الهيثمي في مجمع الزوائد (ج ٨/ ص ٤ و٥) عن عبد الله بن مسعود، قال: (لئن أحلف بالله تسعاً أنَّ ابن صيّاد هو الدجّال أحبُّ إليَّ من أن أحلف واحدة أنَّه ليس به)، وقال: رواه الطبراني وأبو يعلى بنحوه باختصار، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح.
ج) أخرج مسلم رواية عن نافع، قال: (لقي ابن عمر ابن صائد في بعض طرق المدينة، فقال له قولاً أغضبه، فانتفخ حتَّى ملأ السكَّة، فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها، فقالت له: رحمك الله ما أردت من ابن صائد؟ أمَا علمت أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: «إنَّما يخرج من غضبة يغضبها»)(٧).
وقد أخرجه عبد الرزّاق بمعناه في مصنَّفه من وجه آخر بسند صحيح عن ابن عمر، قال: (... فذكرت ذلك لحفصة فقالت حفصة: اجتنب هذا الرجل فإنَّما يُتحدَّث أنَّ الدجّال يخرج عند غضبة يغضبها)، انتهى عن ابن حجر في الفتح (ج ١٣/ ص ٢٧٤)، نقله أيضاً عن ابن بطّال.
ثمّ عقَّب ابن حجر على الروايات السابقة بقوله: (في قصَّة حفصة وابن عمر دليل على أنَّهما أرادا الدجّال الأكبر، واللام في القصَّة الواردة عنهما للعهد لا للجنس).
أقول: أُنظر إلى التسليم من كون ابن صيّاد هو الدجّال، بحيث أنَّ حفصة تعزو سبب خروج الدجّال إلى غضبة يغضبها، وتنكر على أخيها إغضابه لابن صيّاد.
ح) ويتأكَّد موقف حفصة من الدجّال ووجوده بينهم وإمكان خروجه في أيِّ وقتٍ عندما ادَّعت مزاحاً وتخويفاً لسودة زوج النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) عندما غارت منها كما روى ذلك الهيثمي في مجمع الزوائد (ج ٤/ ص ٣١٦): عن رزينة مولاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّ سودة اليمانية جاءت عائشة تزورها وعندها حفصة بنت عمر، فجاءت سودة في هيئة وفي حالة حسنة عليها برد من دروع اليمن...، فقالت حفصة لعائشة: يا أُمَّ المؤمنين، يجيء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهذه بيننا تبرق، فقالت أُمُّ المؤمنين: اتَّقي الله يا حفصة، فقالت: لأفسدنَّ عليها زينتها، قالت: ما تقلن؟ وكان في أُذُنها ثقل، قالت لها حفصة: يا سودة خرج الأعور، قالت: نعم، ففزعت فزعاً شديداً، فجعلت تنتفض، قالت: أين أختبئ؟ قالت: عليكِ بالخيمة - خيمة لهم من سعف يختبئون فيها -، فذهبت فاختبأت فيها وفيها القذر ونسيج العنكبوت، فجاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهما تضحكان لا تستطيعان أن تتكلَّما من الضحك، فقال: «لماذا الضحك؟» ثلاث مرّات، فأومأتا بأيديهما إلى الخيمة، فذهب فإذا سودة ترعد، فقال لها: «يا سودة، ما لكِ؟»، قالت: يا رسول الله، خرج الأعور، قال: «ما خرج، وليخرجنَّ. ما خرج، وليخرجنَّ»، فأخرجها فجعل ينفض عنها الغبار ونسيج العنكبوت. رواه أبو يعلى والطبراني، إلَّا أنَّه قال: فقالت حفصة لعائشة: يدخل علينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ونحن فسقتين وهذه بيننا تبرق.
خ) ووقع لابن صيّاد مع أبي سعيد الخدري قصَّة أُخرى تتعلَّق بأمر الدجّال وابن صيّاد، فقد أخرج مسلم عن أبي سعيد قال: (قال لي ابن صائد وأخذتني منه ذمامة: عذرت الناس ما لي ولكم يا أصحاب محمّد؟ ألم يقل نبيُّ الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «إنَّه يهودي»، وقد أسلمت. وقال: «لا يُولَد له»، وقد وُلِدَ لي. وقال: «إنَّ الله قد حرَّم عليه مكّة»، وقد حججت؟ قال: فما زال حتَّى كاد يأخذني قوله، قال: فقال له: أمَا والله إنّي لأعلم الآن حيث هو وأعرف أباه وأُمَّه، قال: وقيل له: أيسرّك أنَّك ذاك الرجل؟ قال: فقال لو عُرِضَ عليَّ ما كرهت)(٨).
وفي لفظ: قال: ثم قال في آخر قوله: (أمَا والله إنّي لأعلم مولده ومكانه وأين هو، قال: فلبسني)(٩).
وفي لفظ آخر عند مسلم: (فقال أبا سعيد: لقد هممتُ أن آخذ حبلاً فأُعلِّقه بشجرة ثمّ أختنق ممَّا يقول لي الناس، يا أبا سعيد من خفى عليه حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما خفى عليكم معشر الأنصار، ألستَ من أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ أليس قد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «هو كافر»؟ وأنا مسلم. أوَليس قد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «هو عقيم لا يُولَد له»؟ وقد تركت ولدي بالمدينة. أوَليس قد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «لا يدخل المدينة ولا مكّة»؟ وقد أقبلت من المدينة وأنا أُريد مكّة. قال أبو سعيد الخدري: حتَّى كدت أن أعذره، ثمّ قال: أمَا والله إنّي لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن، قال: قلت له: تباً لك سائر اليوم)(١٠).
أقول: نرى بوضوح من خلال هذه الحادثة تسليم الصحابة وسائر الناس بأنَّ ابن الصيّاد هو الدجّال الأكبر.
٣ - بقاء ابن صيّاد حيَّاً حتَّى الآن وأنَّه اختفى ولم يمت:
وهذا أيضاً شاهد وقرينة يقوّي أنَّ كون ابن صيّاد هو الدجّال كما ذكره كلٌّ من: أبو داود في سننه وابن أبي شيبة في مصنَّفه، عن جابر، قال: (فقدنا ابن صيّاد يوم الحَرَّة)(١١).
قال الإمام النووي(١٢): (وأمَّا إظهاره الإسلام وحجّه وجهاده وإقلاعه عمَّا كان عليه، فليس بصريح في أنَّه غير الدجّال، قال الخطّابي: واختلف السلف في أمره (ابن صيّاد) بعد كبره، فروي عنه أنَّه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة، وأنَّهم لمَّا أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتَّى رآه الناس، وقيل لهم: اشهدوا. قال: وكان ابن عمر وجابر فيما روي عنهما يحلفان أنَّ ابن صيّاد هو الدجّال لا يشكّان فيه، فقيل لجابر: إنَّه أسلم، فقال: وإن أسلم، فقيل: إنَّه دخل مكّة، وكان في المدينة، فقال: وإن دخل.
وروى أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن جابر، قال: (فقدنا ابن صيّاد يوم الحَرَّة)، وهذا يُبطِل رواية من روى أنَّه مات بالمدينة وصُلّي عليه. وقد روى مسلم ... أنَّ جابر بن عبد الله حلف بالله تعالى أنَّ ابن صيّاد هو الدجّال، وأنَّه سمع عمر يحلف على ذلك عند النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) فلم ينكره النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم). وروى أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عمر أنَّه كان يقول: والله ما أشكُّ أنَّ ابن صيّاد هو المسيح الدجّال).
ثمّ قال النووي: (قال البيهقي في كتابه البعث والنشور: اختلف الناس في أمر ابن صيّاد اختلافاً كثيراً هل هو الدجّال؟ قال: ومن ذهب إلى أنَّه غيره احتجَّ بحديث تميم الداري في قصَّة الجساسة الذي ذكره مسلم بعد هذا، قال: وليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) لقول عمر، فيحتمل أنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان كالمتوقِّف في أمره، ثمّ جاءه البيان أنَّه غيره كما صرَّح به في حديث تميم هذا كلام البيهقي، وقد اختار أنَّه غيره، وقد قدَّمنا أنَّه صحَّ عن عمر وعن ابن عمر وجابر أنَّه الدجال، والله أعلم).
وقال العظيم أبادي(١٣): (فقدنا ابن صيّاد يوم الحَرَّة) هو يوم غلبة يزيد بن معاوية على أهل المدينة ومحاربته إيّاهم، وهذا يخالف ما في رواية جابر المتقدّمة من أنَّه قد مات، قال القاري نقلاً عن الطيّبي: قيل: هذا يخالف رواية من روى أنَّه مات بالمدينة وليس بمخالف، قال (القاري): وهو مخالف؛ إذ يلزم من فقده المحتمل موته بها وبغيرها، وكذا بقاؤه في الدنيا إلى حين خروجه عدم جزم موته بالمدينة)، انتهى.
وقال العلَّامة العيني(١٤): (وقال الخطّابي: اختلف السلف في أمره بعد كبره، فروي عنه أنَّه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة، وأنَّهم لمَّا أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتَّى رآه الناس، وقيل لهم: اشهدوا، واعتُرِضَ عليه بما رواه أبو داود بسند صحيح عن جابر، قال: (فقدنا ابن صيّاد يوم الحَرَّة)، ويُرَدُّ بهذا قول من قال: إنَّه مات بالمدينة وصلّوا عليه، وفي كتاب الفتوح لسيف: لمَّا نزل النعمان على السوس أعياهم حصارها، فقال لهم القسّيسون: يا معشر العرب، إنَّ ممَّا عهد علماؤنا وأوائلنا أن لا يفتح السوس إلَّا الدجّال، فإن كان فيكم تستفتحونها، فإن لم يكن فيكم فلا. قال: وصادف ابن صيّاد في جند النعمان وأتى باب السوس غضباناً فدقَّه برجله وقال: انفتح، فتقطَّعت السلاسل وتكسَّرت الأغلاق وانفتح الباب فدخل المسلمون).
وفي عقد الدرر في أخبار المنتظر للمقدسي (ج ١/ ص ٦١): (عن شبل بن عروة، عن أبيه، قال: لمَّا فتحنا أصبهان كان بين عسكرنا وبين اليهود فرسخ، فدخلت أقضي حوائج لي فأمسيت، وخشيت أن أقتطع دون العسكر، فقلت لصديق لي من اليهود: أبيت عندك الليلة؟ قال: نعم. فبتُّ على سطح له، فسمعت اليهود في تلك الليلة يضربون بالدفوف ويزفنون، فقلت لصديقي: كأنَّكم تريدون أن تنتزعوا يداً من طاعة. قال: لا، ولكن ملكنا الذي يستفتح به على الرعب يدخل غداً. قال: فصلَّيت الصبح، وقعدت على السطح حتَّى طلعت الشمس، وأقبل رهج من قِبَل عسكرنا، فإذا أنا برجل في قبَّة ريحان، وإذا اليهود حوله يضربون بالدفوف ويزفنون، فإذا هو ابن صيّاد. قال: فدخل، فلم يُرَ إلى هذه الغاية. أخرجه الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي في كتاب الملاحم).
الفرض الثاني: كون الدجّال هو من حكاه تميم الداري في قصَّة الجساسة:
وهذا الفرض لو سلَّمنا بثبوته جدلاً فهو أيضاً يتمُّ به المطلوب، وهو إمكان وجود إنسان حيّ يُرزَق بعمر طويل، والذي عقدنا هذا البحث لإثباته، فتنتفي بذلك شبهة عدم إمكان طول العمر لإنسان لمئات السنين.
ومن الملفت للنظر تسليم السلف من الصحابة التابعين والمتقدِّمين بأنَّ ابن صيّاد هو الدجّال دون نقاش أو شكّ كما قدَّمناه، ودون وجود أيّ منكر أو مخالف. وأمَّا المتأخرون فانقسموا في ذلك إلى صنفين: منهم من رجَّح كون الدجال هو ابن صيّاد، ومنهم من لم يستطع ردّ حديث الجساسة فرجَّحه على أدلَّة كونه ابن صيّاد.
لقد أخذ بعض المتأخّرين بحديث الجساسة، وتأوَّل صريح أدلَّة كونه ابن صيّاد، وخالف إجماع السلف من الصحابة والتابعين والأحاديث التي تُثبِت ذلك.
وأمَّا المنصفون من محقِّقي المتأخّرين فذهبوا إلى كونه ابن صيّاد كالنووي الذي رجَّح كونه ابن صيّاد وردَّ على البيهقي، وكذلك الخطّابي قد رجَّح ذلك، ولكن ابن حجر العسقلاني جمع بين الحديثين دون أن يُكلِّف نفسه ردّ حديث الجساسة أو تأويله.
أقول: إنَّ ابن حجر حين جمع بين القولين وقال ما قال غفل أو بالأحرى تغافل عن الكثير من الأحاديث التي تُثبِت ولادة ابن صيّاد من أبوين يهوديين في المدينة، واختبار النبيِّ له، ومن ثَمَّ إسلامه وزواجه وحجّه وجهاده و... الخ ممَّا قدَّمناه ونصَّت عليه الأحاديث الصحيحة التي خرَّجها البخاري وشرحها هو نفسه.
وبعد أن تكلَّمنا عن قصَّة الجساسة وحديث تميم الداري ينبغي لإتمام البحث أن نذكر الحديث الذي وصفناه بالخرافة والاضطراب، ونترك الحكم للقارئ اللبيب:
فقد روى مسلم في صحيحه عن الشعبي قوله: حدَّثتني فاطمة بنت قيس: ... فقالت: سمعت نداء المنادي - منادي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) - ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد فصلَّيت مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فكنت في صفِّ النساء التي تلي ظهور القوم، فلمَّا قضى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال: «ليلزم كلُّ إنسان مصلَّاه»، ثمّ قال: «أتدرون لِمَ جمعتكم؟»، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «إنّي والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأنَّ تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً فجاء فبايع وأسلم وحدَّثني حديثاً وافق الذي كنت أُحدِّثكم عن مسيح الدجّال، حدَّثني أنَّه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهراً في البحر، ثمّ أرفؤا إلى جزيرة في البحر حتَّى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابَّة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قُبُله من دُبُره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلكِ ما أنتِ؟ فقالت: أنا الجساسة، قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيّها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنَّه إلى خبركم بالأشواق، قال: لمَّا سمَّت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعاً حتَّى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قطّ خلقاً وأشده وثاقاً، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أُناس من العرب...، فقال: أخبروني عن نخل بيسان، قلنا: عن أيِّ شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم، قال: أمَا إنَّه يوشك أن لا تثمر، قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية، قلنا: عن أيِّ شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء، قال: أمَا إنَّ ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زغر، قالوا: عن أيِّ شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبروني عن نبيِّ الأُمّيين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكّة ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم، فأخبرناه أنَّه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم، قال: أمَا إنَّ ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإنّي مخبركم عنّي، إنّي أنا المسيح، وإنّي أُوشك أن يُؤذَن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلَّا هبطتها في أربعين ليلة غير مكّة وطيبة فهما محرَّمتان عليَّ كلتاهما كلَّما أردت أن أدخل واحدة أو واحداً منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدّني عنها، وإنَّ على كلِّ نقب منها ملائكة يحرسونها»، قالت: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وطعن بمخصرته في المنبر: «هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة - يعني المدينة -، ألَا هل كنت حدَّثتكم ذلك؟»، فقال الناس: نعم، [قال]: «فإنَّه أعجبني حديث تميم أنَّه وافق الذي كنت أُحدِّثكم عنه وعن المدينة ومكّة...»، قالت: فحفظت هذا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
أقول: كما ترى عزيزي القارئ اللبيب هذه الاختلافات وهذا الاضطراب الوارد في أكثر تفاصيل الحكاية، حيث لا ندري: هل كان تميم هو من رأى الدجّال وهو من خرج في تلك الرحلة، أم أنَّهم أبناء عمّه، أم أُناس من قومه؟ على ثلاثة احتمالات لتعدّد نصوص مسلم التي لم نروها لطولها فيراجع نفس المصدر. وكذلك مسألة السفينة هل انكسرت بهم ونجا بعضهم بالتعلّق ببعض ألواحها، أم أنَّها تاهت في البحر فسقطوا في تلك الجزيرة، أم أنَّ البحر اغتلم بهم شهراً فأرفاوا في جزيرة الدجّال؟ وكذلك مسألة الجساسة فمرَّة يقول بأنَّها دابَّة، وأُخرى إنسان، وثالثة أنَّه شيء لا يدرون هل هو رجل أم امرأة، ورابعة هو شيء لا يدرون هل هو ذكر أو أُنثى؟ وكذلك المتكلِّم على المنبر فمرَّة أنَّ رسول الله هو من حكى حكاية تميم للناس، وأُخرى أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أصعد تميماً على منبره فحكى الحكاية للناس، وهلمَّ جرَّاً في أكثر مفاصل هذه القصَّة، ما يدلُّ على اضطرابها وافتعالها وعدم واقعيتها كما قدَّمنا.
بالإضافة إلى ورود ما يثير العجب فيه كعلم الدجّال بالغيب، ونصحه لتميم وأصحابه وكفّار العرب، وتصديقه لنبوَّة النبيِّ ورسالته، حيث ورد فيه: (قال: أخبروني عن نبيِّ الأُمّيين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكّة ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنَّه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذلك؟! قلنا: نعم، قال: أمَا إنَّ ذاك خير لهم أن يطيعوه).
بالإضافة إلى غرابة الحكاية واستدلال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بها من كون الدجّال لن يستطيع دخول المدينة تصديقاً لإخباره (صلّى الله عليه وآله وسلم) للناس بذلك، مع كون هذا الأمر سيحصل عند خروج الدجّال وليس في زمنه، مع عدم الكلام عمَّن حبسه وفعل به ذلك ومتى، لا من قِبَل الدجّال نفسه ولا من قِبَل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
أمَّا الفرض الثالث: وهو أنَّ الدجّال غيرهما:
فقد ذكر ابن حجر جميع الأقوال والأحاديث التي تحكي أنَّ الدجّال غير ابن صيّاد وغير ما حكاه حديث الجساسة وردَّها جميعاً، فقال:
(ما أخرجه من طريق جبير بن نفير وشريح بن عبيد وعمرو بن الأسود وكثير بن مرَّة، قالوا جميعاً: الدجّال ليس هو إنساناً وإنَّما هو شيطان موثق بسبعين حلقة في بعض جزائر اليمن لا يُعلَم من أوثقه سليمان النبيِّ أو غيره، فإذا آن ظهوره فكَّ الله عنه كلّ عام حلقة، فإذا برز أتته أتان عرض ما بين أُذُنيها أربعون ذراعاً، فيضع على ظهرها منبراً من نحاس، ويقعد عليه، ويتبعه قبائل الجنِّ، يُخرِجون له خزائن الأرض.
قلت - ابن حجر -: وهذا لا يمكن معه كون ابن صيّاد هو الدجّال، ولعلَّ هؤلاء مع كونهم ثقات تلقّوا ذلك من بعض كتب أهل الكتاب.
وأخرج أبو نعيم أيضاً من طريق كعب الأحبار أنَّ الدجّال تلده أُمُّه بقوص من أرض مصر، قال: وبين مولده ومخرجه ثلاثون سنة، قال: ولم ينزل خبره في التوراة والإنجيل، وإنَّما هو في بعض كتب الأنبياء، انتهى.
وأخلق بهذا الخبر أن يكون باطلاً، فإنَّ الحديث الصحيح أنَّ كلَّ نبيٍّ قبل نبينا أنذر قومه الدجّال، وكونه يُولَد قبل مخرجه بالمدَّة المذكورة مخالف لكونه ابن صيّاد، ولكونه موثوقاً في جزيرة من جزائر البحر.
وذكر ابن وصيف المؤرِّخ أنَّ الدجّال من ولد شق الكاهن المشهور، قال: وقال: بل هو شق نفسه أنظره الله، وكانت أُمُّه جنّية عشقت أباه فأولدها، وكان الشيطان يعمل له العجائب، فأخذه سليمان فحبسه في جزيرة من جزائر البحر، وهذا أيضاً في غاية الوهي)(١٥).
فكما نرى أنَّ الحافظ ابن حجر العسقلاني يذكر كلّ حديث وقول يذكر الدجّال ويُبيِّن أنَّه مردود ويحكم بأنَّه باطل وواهي، وأنَّه من مرويّات أهل الكتاب وليس من مرويات الإسلام. بالإضافة إلى اصطدامها مع الأحاديث الصحيحة - عندهم - التي انحصر فيها قول العلماء بكون الدجّال إمَّا ابن صيّاد أو ما حكاه تميم الداري، مع كون أكثرها تدلُّ أيضاً على طول عمر الدجّال، فلاحظ.
انتهينا إلى هنا من ذكر الأقوال الثلاثة في الدجّال، وبيَّنا أنَّ القولين الأوَّلين يتمُّ بهما المطلوب في بحثنا، وهو إثبات حياة الدجّال عند أهل السُّنَّة وطول عمره. وبيَّنا أنَّ الاحتمال الأخير باطل ومرفوض حتَّى عند أهل السُّنَّة، مع كون أكثر فروضه تدلُّ أيضاً على طول عمر الدجّال، مع كونها لم يثبت واحد منها بدليل صحيح كما نقلناه بنصِّه وتمامه عن الحافظ ابن حجر العسقلاني.
المحور الثاني: التلازم والصراع التكويني بين الدجّال والمهدي المنتظر:
بعد أن تبيَّن بوضوح من خلال المحور الأوَّل اعتقاد أهل السُّنَّة بطول عمر الدجّال من دون أيِّ نكير أو استشكال، نقول: فلماذا إذن تتضايقون من طول عمر وحياة وليّ الله المهدي (عليه السلام) وتنكرونه أشدّ نكير!؟
فإن قال قائل: هناك فرق بينهما، وهو أنَّ حياة الدجّال وطول عمره ثابتة عندنا بالأدلَّة، بخلاف المهدي (عليه السلام) فإنَّه لم يدلّ عندنا دليل على طول عمره واستمرار حياته.
فأقول: إذن لا يتكلَّم متكلِّم ولا يدَّعي مدعَّ بأنَّ ذلك وهم وخرافة وأمر مستحيل وغير معقول ولا تتحمَّله العقول!
وكذلك أقول: إنَّ أوجه العلاقة والصراع والملازمة التي تحكيها لنا الأدلَّة - بالإضافة إلى الروايات الخاصَّة في إثبات ذلك عن أئمَّة الهدى - تؤكِّد وتدلُّ على استمرار حياة الإمام المهدي (عليه السلام) وطول عمره واستمرار وجود حجج الله على خلقه في كلِّ زمان ومكان؛ فيكون وجود وليّ الله - القائم على هداية خلق الله والآخذ بأيديهم إلى صراط الله والحافظ لدين وشرع الله - ثابتاً بالأولوية، بل مقدَّماً على وجود عدوّ الله والمضلِّل لخلق الله والقائم على فتنتهم وغوايتهم وتضليلهم.
فقد أثبت سبحانه وتعالى في كتابه العزيز مثل هذه الملازمة وهذه السُّنَّة التكوينية والتدافع بين الحقِّ والباطل والخير والشرّ، فقال عزَّ من قائل: (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (البقرة: ٢٥١)، وقال أيضاً: (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحجّ: ٤٠)، ومن باب أولى فإنَّ هذا التصارع المقتضي لهذا الوجود التكويني المستمرّ لأئمَّة الهدى والضلال موجود مع الإمام المهدي (عليه السلام) كما أكَّد ذلك سبحانه بقوله: (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) (الأنبياء: ٧٣)، وقوله في مقابل ذلك: (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) (القصص: ٤١).
وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى هذه الحقيقة قائلاً(١٦): (وفي صلاة عيسى خلف رجل من هذه الأُمَّة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال: إنَّ الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجَّة، والله أعلم).
وممَّا يدلُّ على التلازم والعلاقة في أحوال وليّ الله المهدي (عليه السلام) وعدوّ الله الدجّال، ما يلي:
١ - اهتمام النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) بشأن الدجّال، وكثرة ذكره للمسلمين، وتحذيرهم الشديد والمتكرِّر منه، وتخويفهم من عظيم فتنته، وما إلى ذلك، كالتعوّذ منه في دُبُر كلِّ صلاة، وجعله أعظم فتنة للإنسانية، وإخباره لهم بتحذير كلّ الأنبياء لأُممهم منه، وقيامه (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالتفتيش والبحث عنه بنفسه باصطحاب بعض أصحابه، وبإرسال بعض أصحابه للسؤال عنه والتنقيب عن حاله وصفاته، وحلف البعض أمامه (صلّى الله عليه وآله وسلم) بكون ابن صيّاد هو الدجّال دون أن يردَّهم.
بالإضافة إلى وصفه (صلّى الله عليه وآله وسلم) للناس أوصاف الدجّال وتعريفهم به، حيث قال لهم: «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجّال»، رواه مسلم (ج ٨/ ص ٢٠٧)، وشرحه النووي بقوله: (المراد أكبر فتنة وأعظم شوكة)، بل صرَّحت الروايات بالنصِّ على ذلك كما رواه أحمد في مسنده (ج ٤/ ص ٢٠) والحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه وغيرهم بلفظ: «ما بين خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أكبر من فتنة الدجّال».
وفي مقابل ذلك ما فعله النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) حول المهدي (عليه السلام) واهتمامه بذكره والتبشير به وصفاته وجعله أمل الأُمَّة وأمل تحقيق العدالة، وأنَّه لا بدَّ من ظهوره ولو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد، ولا بدَّ من نصرته واتِّباعه ومبايعته ولو حبواً على الثلج مبالغةً في الحضِّ على التشوّق له واتِّباعه ولو بشقِّ الأنفس وصعوبة الوصول إليه.
٢ - تأكيد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) على طول عمر الدجّال، وكونه حيَّاً موجوداً في زمانه بالبحث والتقصّي عنه في زمانه، مع إخباره عنه بأنَّه سيخرج في آخر الزمان قبل قيام الساعة وعند ظهور المهدي (عليه السلام) ونزول عيسى بن مريم (عليه السلام) من السماء؛ فهذا كلّه تنظير وتقريب أيضاً لفكرة بقاء الإمام الثاني عشر (عليه السلام) الذي سيظهر في آخر الزمان أيضاً ليقيم دولة الحقِّ والمستضعفين والمظلومين والمؤمنين؛ ولذلك أكَّد النبيُّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) على كون الأئمَّة والخلفاء الشرعيين والإلهيين من بعده وإلى قيام الساعة هم اثنا عشر خليفة(١٧) فقط وليس أكثر، وكونهم من قريش من بعده وإلى قيام الساعة، وأنَّه «لا يزال الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان»(١٨)، وكون الإمام المهدي (عليه السلام) آخرهم حيث أكَّد ذلك (صلّى الله عليه وآله وسلم) بقوله: «لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّى يبعث فيه رجلاً منّي - أو من أهل بيتي - يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(١٩)، كما أوصى (صلّى الله عليه وآله وسلم) باتِّباع سُنَّة الخلفاء الراشدين من بعده والتمسّك بها والعضّ عليها بالنواجذ.
٣ - المحاكاة والتناغم بين أحاديث الدجّال وأحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) من عدَّة وجوه، نذكر منها:
أ) كلٌّ من روايات المهدي (عليه السلام) والدجّال تتحدَّث عن الشخصيتين بعبارة موحَّدة ومتطابقة، وهي: البعث أو الخروج، وهذه الألفاظ واضحة الدلالة والإشارة على كونهما يظهران ويخرجان ويُبعَثان بعد غيبة واختفاء وليس بعد ولادة ووجود طبيعي، إذ البعث والخروج يدلَّان على سبق وجود الشخص وتحقّقه بالخارج فيُبعَث أو يخرج أي يظهر بعد خفاء واختباء وغيبة؛ وقد قال الأزهري في تهذيب اللغة (ج ١/ ص ٢٦٩): (بعث: قال الليث: بعثت البعير فانبعث، إذا حللت عقاله وأرسلته لو كان باركاً فأثرته. قال: (بعثته) من نومه فانبعث...، وقال الله (جلَّ وعزَّ): (قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) (يس: ٥٢). والبعث في كلام العرب على وجهين: أحدهما: الإرسال، كقول الله تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى) (الأعراف: ١٠٣)، معناه: أرسلنا. والبَعْث: إثارة باركٍ أو قاعدٍ. تقول: بعثت البعير فانبعث، أي أثرته فثار. والبَعْث أيضاً: الإحياء من الله للموتى، ومنه قوله (جلَّ وعزَّ): (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) (البقرة: ٥٦) أي أحييناكم. وقال شمر في قوله: (بعثات) أي إثارات وهَيْجات. قال: وكلُّ شيء أثرته فقد بعثته. وبعثت النائم إذا أهببته). انتهى.
فالحديث الآنف الذكر في المهدي (عليه السلام) فيه: «حتَّى يُبعَث فيه»، وقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «أُبشِّركم بالمهدي (عليه السلام) يُبعَث على اختلاف من الناس...»(٢٠)، وفي حديث الدجّال عند مسلم(٢١)، قالت حفصة لأخيها ابن عمر حينما أغضب ابن صيّاد: ألَا تعلم أنَّه قال: «إنَّ أوَّل ما يبعثه على الناس غضب يغضبه»؟! ووردت هذه الرواية أيضاً بلفظ الخروج، فقال فيه: «إنَّما يخرج من غضبة يغضبها»، وكذلك في حديث المهدي (عليه السلام) قال أبو سعيد الخدري عند أحمد(٢٢): إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: «تملأ الأرض ظلماً وجوراً، ثمّ يخرج رجل من عترتي يملك سبعاً أو تسعاً، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً».
وكذلك قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّى يبعث فيه رجلاً منّي - أو من أهل بيتي - يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».
ففي إطلاق البعث والخروج في لسان الروايات إشارة واضحة للظهور بعد غيبة واختفاء، وإشارة وتنبيه على تغير وتجدّد في الوضع والحال وليس بإيجاد جديد، ففي كلِّ ذلك إشارة وتنبيه على وجودهما السابق.
ب) كلاهما قد بيَّن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أهمّية أمره ووجوب الاهتمام به تحذيراً وتبشيراً، فالمهدي (عليه السلام) قد بيَّن النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّه من المحتوم الذي يجب أن يتحقَّق، فقال: «لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّى يبعث فيه رجلاً منّي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(٢٣)، وفي لفظ: «لا تذهب الدنيا - أو لا تنقضي - حتَّى يملك العرب رجل من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً». وعن أُمِّ سَلَمة، قالت: سمعت النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) يذكر المهدي (عليه السلام)، فقال: «نعم، هو حقٌّ، وهو من بني فاطمة»(٢٤)، وأنَّه من سيُحقِّق العدل والإنصاف للمؤمنين والمظلومين، وحضَّ على متابعته ومبايعته ولو حبواً على الثلج كما قدَّمنا.
وفي مقابل ذلك كان كلامه (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن الدجّال فيه بيان عِظَمِ فتنته، وأنَّ جميع الأنبياء قد حذَّروا أقوامهم منه، وأنَّه بيَّن أمره أكثر ممَّن سبقه من الأنبياء، وأنَّ فتنته عظيمة، وأنَّه سيظهر قطعاً في آخر الزمان ولا تقبل عند ظهوره توبة من أحد، كما قال: «ثلاثة لا توبة بعدها: الدجّال، والدابَّة، وظهور الشمس من مغربها»، وقد أعدَّ له أحرازاً وأدعيةً بعد كلِّ صلاة، وأنَّه أعظم وأكبر فتنة للبشرية عموماً وللمسلمين خصوصاً حتَّى يقتله عيسى (عليه السلام)، وأنَّ من يتَّبعه هم عتاة العرب من الخوارج والنواصب وأعداء الإمام المهدي (عليه السلام) وشيعته وأتباعه.
ت) بيَّن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّ الدجّال هو حامل لواء الشرِّ، وأعظم مضلِّل للناس، وإمام الضلالة في آخر الزمان، والعدوّ الذي سيقاتل الإمام المهدي (عليه السلام) وأتباعه من المؤمنين مع أضلّ فئة وآخر امتداد للخوارج الحفّاظ الجهلة المنافقين الذين يُكفِّرون أُمَّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) ويقتلونهم، الذين قال فيهم النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): «يخرج ناس من قِبَل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلَّما قطع قرن نشأ قرن حتَّى يكون مع بقيَّتهم الدجّال»(٢٥).
وفي مقابل ذلك بشَّر النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) هو الذي سيهدي الناس، ويقاتل أهل الباطل، ويقيم الحقَّ والقسط، وأنَّ نبيَّ الله عيسى (عليه السلام) سيُصلّي خلفه، وأنَّه سيفتح القسطنطينية، وينتصر على اليهود ويُحرِّر القدس منهم، وهو باعتراف أكثر علماء ومحقِّقي أهل السُّنَّة الإمام الأخير للخلفاء الراشدين المهديين الاثني عشر كما سنُبيِّن قريباً.
ث) تأكيد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) على أنَّ على الأُمَّة توقّع خروج الدجّال في أيِّ لحظة من الزمان، وأنَّه يمكن خروجه وظهوره في أيِّ وقتٍ، فيجب عليهم الحذر منه والاستعداد له، ولذلك أشار (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى هذه الحقيقة بعدَّة طرق منها: إخباره (صلّى الله عليه وآله وسلم) بأنَّه ما من نبيٍّ إلَّا وحذَّر قومه وأُمَّته منذ زمن نوح (عليه السلام)، فقال: «إنّي أنذركموه، وما من نبيٍّ إلَّا وقد أنذر قومه، لقد أنذره نوح قومه، ولكنّي سأقول فيه قولاً لم يقله نبيٌّ لقومه: تعلمون أنَّه أعور، وأنَّ الله ليس بأعور»(٢٦)، فلو لم يكن محتمل الخروج في زمن نوح وسائر الأنبياء لكان من العبث الاهتمام به وإنذار أقوامهم منه.
وكان النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) يُفهِّم الصحابة ويُربّيهم على توقّع خروجه في أيِّ لحظةٍ، ولذلك قال الصحابة للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): يا رسول الله، ذكرتَ الدجّال غداة فخفضت فيه ورفعت حتَّى ظنَّناه في طائفة النخل، فقال: «غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كلِّ مسلم...»(٢٧).
كذلك الحال بالنسبة للإمام المهدي (عليه السلام) حيث إنَّ النبيَّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان يؤكّد ويشير إلى ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) في أيِّ لحظةٍ بقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «المَهْدِيُّ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ يُصْلِحُهُ اللهُ فِي لَيْلَةٍ»(٢٨)، الذي يشير إلى إمكان خروجه - عندنا بعد ولاته وعندهم بعد البشرى به من قِبَل النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) - في أيِّ يوم، وهذا يقتضي وجوده في كلِّ الأزمان، وقد يُفهَم ذلك من لغته ولهجته وتنوّع استعمالاته وبلاغته (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الأحاديث التي كان يستعمل فيها ألفاظ (يخرج ويبعث)، وفي قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «سادة أهل الجنَّة أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي»، مع وجود كلّ أفرادها الآخرين في زمانه (صلّى الله عليه وآله وسلم) إشارة بليغة للأُمَّة لحضِّها على الاهتمام والتشوّق والتعلّق والانتظار والتربّص لظهور ووجود هذه الشخصية العظيمة قريباً، ولذلك فهمت الأُمَّة ذلك من هنا وهناك، وحاولوا تطبيق المهدي (عليه السلام) منذ العصور الأُولى على مثل محمّد بن الحنفية ومحمّد بن الحسن المثنّى ذي النفس الزكيَّة وبعض الخلفاء العدول بالنسبة لغيرهم كعمر بن عبد العزيز والمهدي العبّاسي وغيرهم في كلِّ زمان وحتَّى يومنا هذا.
المحور الثالث: وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وأنَّه الثاني عشر لأئمَّة أهل البيت عليهم السلام:
ومباحث هذا المحور هي:
١ - لا بدَّ من وجود حجَّة لله على خلقه في كلِّ زمان.
٢ - اختلاف علماء السُّنَّة وتخبّطهم في معرفة الأئمَّة الاثني عشر المبشَّر بهم.
٣ - كون المهدي (عليه السلام) هو خاتم أئمَّة أهل البيت الاثني عشر المهديين والخلفاء الراشدين.
٤ - إقرار بعض مؤرِّخي السُّنَّة وعلمائهم بولادة الإمام المهدي (عليه السلام) وبعض الإشارات النبويَّة لذلك.
وإليك عزيزي القارئ الكريم بعضاً من أدلَّة هذه المباحث:
١ - لا بدَّ من وجود حجَّة لله على خلقه في كلِّ زمان:
قال تعالى: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (المائدة: ٥٥)، وقوله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء: ٥٩)، و(يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) (الإسراء: ٧١)، و(إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (الرعد: ٧).
من هذه الآيات الكريمة يتبيَّن بكلِّ وضوح ضرورة وجود حجَّة لله على خلقه وإمام يحمل أعباء الأُمَّة ويحفظ الدين القويم ويهدي الضالَّ ويُطاع مع الله ورسوله.
وقد بيَّن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أهمّية الإمامة أيضاً فقال: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(٢٩)، وقال (صلّى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: «مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّة»(٣٠)، و«من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية»(٣١).
وقد قال (صلّى الله عليه وآله وسلم) في بيان كون الإمامة من عُرى الإسلام: «لتنقضنَّ عُرى الإسلام عروة عروة، فكلَّما انتقضت عروة تشبَّث الناس بالتي تليها، فأوَّلهنَّ نقضاً الحكم وآخرهنَّ الصلاة»(٣٢).
وقد بيَّن المخالفون قبل المؤالفين أهمّية الإمامة وكونها من أهمِّ أركان الدين وليست واجباً عادياً، طبقاً لكتاب الله وسُنَّة رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فقال القرطبي: (هي ركن من أركان الدين الذي به قوام المسلمين)(٣٣)، وقال ابن تيميَّة: «يجب أن يُعرَف أنَّ ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلَّا بها»(٣٤).
وأمَّا عن وجوب وجود حجَّة لله أو عالم من أهل البيت (عليهم السلام) يحفظ الكتاب والسُّنَّة، فيحفظ الدين ويهدي المؤمنين، ويجب التمسّك به مع القرآن الكريم، فنكتفي بذكر أقوال كلٌّ من:
١ - ابن حجر الهيتمي المكّي الشافعي الفقيه، حيث قال في صواعقه المحرقة (ص ١٥١): (والحاصل أنَّ الحثَّ وقع على التمسّك بالكتاب والسُّنَّة وبالعلماء بهما من أهل البيت (عليهم السلام)، ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأُمور الثلاثة إلى قيام الساعة).
ثمّ قال: (وفي أحاديث الحثِّ على التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهِّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة كما أنَّ الكتاب العزيز كذلك).
٢ - وقال المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير (ج ٣/ ص ٢٠): (قال الشريف: هذا الخبر يُفهِم وجود من يكون أهلاً للتمسّك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كلِّ زمن إلى قيام الساعة حتَّى يتوجَّه الحثُّ المذكور إلى التمسّك به كما أنَّ الكتاب كذلك، فلذلك كانوا أماناً لأهل الأرض فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض).
٣ - وقال الآلوسي في تفسيره روح المعاني (ج ٥/ ص ٥٧):(وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) أي زكاة وجودهم، (وَهُمْ راكِعُونَ) (المائدة: ٥٥) أي خاضعون في البقاء بالله. والآية عند معظم المحدِّثين نزلت في علي كرَّم الله تعالى وجهه، والإماميَّة كما علمت يستدلّون بها على خلافته بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بلا فصل، وقد علمت منّا ردَّهم والحمد لله سبحانه، وكثير من الصوفية قدَّس الله تعالى أسرارهم يشير إلى القول بخلافته كرَّم الله تعالى وجهه بعد الرسول عليه الصلاة والسلام بلا فصل أيضاً، إلَّا أنَّ تلك الخلافة عندهم هي الخلافة الباطنة التي هي خلافة الإرشاد والتربية والإمداد والتصرّف الروحاني لا الخلافة الصورية التي هي عبارة عن إقامة الحدود الظاهرة وتجهيز الجيوش والذبِّ عن بيضة الإسلام ومحاربة أعدائه بالسيف والسنان، فإنَّ تلك عندهم على الترتيب الذي وقع كما هو مذهب أهل السُّنَّة، والفرق عندهم بين الخلافتين كالفرق بين القشر واللبّ، فالخلافة الباطنة لبُّ الخلافة الظاهرة، وبها يُذَبُّ عن حقيقة الإسلام، وبالظاهرة يُذَبُّ عن صورته، وهي مرتبة القطب في كلِّ عصر، وقد تجتمع مع الخلافة الظاهرة كما اجتمعت في علي كرَّم الله تعالى وجهه أيّام أمارته، وكما تجتمع في المهدي (عليه السلام) أيّام ظهوره، وهي والنبوَّة رضيعا ثدي...، وكانت هذه الخلافة فيه كرَّم الله تعالى وجهه على الوجه الأتمّ).
٤ - وأصرح قول في وجوب وجود حجَّة لله على خلقه ما نقله عن الجمهور وتبنّاه الحافظ ابن حجر العسقلاني حين قال: (وفي صلاة عيسى خلف رجل من هذه الأُمَّة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة، دلالة للصحيح من الأقوال: إنَّ الارض لا تخلو عن قائم لله بحجَّة، والله أعلم)(٣٥).
ولا بدَّ أن يكون المهدي خليفةً ربّانياً وإماماً معصوماً هادياً مهدياً بحيث يليق ويصلح بأن لا يُتقدَّم عليه، وحريّ بأن يأتمَّ به ويُصلّي خلفه في صلاة فريضة واجبة، وأمام جميع المؤمنين؛ نبيٌّ من أُولي العزم من الرسل وهو روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام).
٢ - اختلاف علماء السُّنَّة وتخبّطهم في معرفة الأئمَّة الاثني عشر المبشَّر بهم:
اختلفت كلمات القوم وتخبَّطوا في تحديد هويّات ومعرفة أشخاص الخلفاء الاثني عشر الذين بشَّر بهم النبيُّ الأعظم في الحديث المشهور والمتَّفق عليه: «لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(٣٦)، وفي لفظ: «لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِياً مَا وَلِيَهُمْ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا»، ثُمَّ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) بِكَلِمَةٍ خَفِيَتْ عَلَيَّ، فَسَأَلْتُ أَبِي: مَاذَا قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فَقَالَ: [قال]: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(٣٧).
فقد اختلف علماء السُّنَّة في شرح هذا الحديث اختلافاً شديداً، وتحيَّروا في معناه، وتناقضوا في تحديد مصاديقه وأفراده المقصودين، وسننقل بعض أقوالهم:
قال الحافظ ابن حجر(٣٨) مبيِّناً اختلافهم الشديد في شرح الحديث وعدم التوصّل لشيء فيه:
(قَالَ ابْنِ بَطَّال عَنْ المُهَلَّب: لَمْ أَلْقَ أَحَداً يَقْطَع فِي هَذَا الْحَدِيث - يَعْنِي بِشَيْءٍ مُعَيَّن -، فَقَوْم قَالُوا: يَكُونُونَ بِتَوَالِي إِمَارَتهمْ، وَقَوْم قَالُوا: يَكُونُونَ فِي زَمَن وَاحِد، كُلّهمْ يَدَّعِي الْإِمَارَة. قَالَ: وَاَلَّذِي يَغْلِب عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَخْبَرَ بِأَعَاجِيبَ تَكُونُ بَعْدَهُ مِنْ الْفِتَنِ، حَتَّى يَفْتَرِق النَّاس فِي وَقْت وَاحِد عَلَى اثنَى عَشَرَ أَمِيراً، قَالَ: وَلَوْ أَرَادَ غَيْر هَذَا لَقَالَ: يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً يَفْعَلُونَ كَذَا، فَلَمَّا أَعْرَاهُمْ مِنْ الْخَبَر عَرَفْنَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي زَمَن وَاحِد، انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامُ مَنْ لَمْ يَقِف عَلَى شَيْء مِنْ طُرُق الْحَدِيث غَيْر الرِّوَايَة الَّتِي وَقَعَتْ فِي الْبُخَارِيّ هَكَذَا مُخْتَصَرَة، وَقَدْ عَرَفْتَ مِنْ الرِّوَايَات الَّتِي ذَكَرْتُهَا مِنْ عِنْد مُسْلِم وَغَيْره، أَنَّهُ ذَكَرَ الصِّفَة الَّتِي تَخْتَصُّ بِوِلَايَتِهِمْ، وَهُوَ كَوْن الْإِسْلَام عَزِيزاً مَنِيعاً، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى صِفَة أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ كُلَّهمْ يَجْتَمِع عَلَيْهِ النَّاس...، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ «لَا تَضُرُّهُمْ عَدَاوَة مَنْ عَادَاهُمْ».
ثمّ نقل ابن حجر احتمالات القاضي عياض في شرحه للحديث وختمها بقوله: (وَقَدْ يَحْتَمِل وُجُوهاً أُخَر، واللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ نَبِيِّه).
ثمّ قال ابن حجر: (وَقَالَ ابْنِ الْجَوْزِيّ فِي (كَشْف المُشْكِل): قَدْ أَطَلْتُ الْبَحْث عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث وَتَطَلَّبْتُ مَظَانَّه وَسَأَلْت عَنْهُ فَلَمْ أَقَعْ عَلَى المَقْصُود بِهِ، لِأَنَّ أَلْفَاظه مُخْتَلِفَة، وَلَا أَشُكُّ أَنَّ التَّخْلِيط فِيهَا مِنْ الرُّوَاة، ثُمَّ وَقَعَ لِي فِيهِ شَيْء وَجَدْت الْخَطَّابِيّ بَعْد ذَلِكَ قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ، ثُمَّ وَجَدْت كَلَاماً لِأَبِي الْحُسَيْن بْن المُنَادِي وَكَلَاماً لِغَيْرِهِ...).
ثمّ ردَّ ابن حجر كلام جميع من شرح الحديث قائلاً: (وَالْوَجْه الَّذِي ذَكَرَهُ ابن المُنَادِي لَيْسَ بِوَاضِحٍ، وَيُعَكِّر عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ...).
ثمّ قال ابن حجر: (والْأَوْلَى أَنْ يُحْمَل قَوْله: «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَة» عَلَى حَقِيقَة الْبَعْدِيَّة...).
ونقل ابن حجر عن ابن المنادي قوله: (وَعَنْ كَعْب الْأَحْبَار: يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ مَهْدِيَّاً، ثُمَّ يَنْزِلُ رُوحُ الله، فَيَقْتُل الدَّجَّال).
أمَّا السيوطي فقال(٣٩): (وعلى هذا فقد وُجِدَ من الاثني عشر خليفة ...، وبقي الاثنان المنتظران أحدهما المهدي لأنَّه من أهل بيت النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم).
وقال العظيم آبادي السلفي في عون المعبود (ج ٩/ ص ٣١٦): (قَالَ الْحَافِظ عِمَاد الدِّين بْن كَثِير فِي تَفْسِيره تَحْت قَوْله تَعَالَى: (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) [المائدة: ١٢]، بَعْد إِيرَاد حَدِيث جَابِر بْن سَمُرَة مِنْ رِوَايَة الشَّيْخَيْنِ وَاللَّفْظ لِمُسْلِمٍ: وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيث الْبِشَارَة بِوُجُودِ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَة صَالِحاً يُقِيم الْحَقَّ وَيَعْدِل فِيهِمْ، وَلَا يَلْزَم مِنْ هَذَا تَوَالِيهِمْ وَتَتَابُع أَيَّامهمْ، بَلْ قَدْ وُجِدَ أَرْبَعَة عَلَى نَسَق وَاحِد وَهُمْ الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة أَبُو بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ، وَمِنْهُمْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز بِلَا شَكٍّ عِنْد الْأَئِمَّة، وَبَعْض بَنِي الْعَبَّاس، وَلَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى تَكُون وِلَايَتهمْ لَا مَحَالَة، وَالظَّاهِر أَنَّ مِنْهُمْ المَهْدِيّ المُبَشَّر بِهِ فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة بِذِكْرِهِ أَنَّهُ يُوَاطِئ اسمه اسم النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وَاسم أَبِيهِ اِسْم أَبِيهِ، فَيَمْلَأ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا...، وَلَيْسَ المُرَاد بِهَؤُلَاءِ الْخُلَفَاء الاثْنَيْ عَشَرَ الْأَئِمَّة الَّذِينَ يَعْتَقِد فِيهِمْ الاثْنَا عَشْرِيَّة مِنْ الرَّوَافِض لِجَهْلِهِمْ وَقِلَّة عَقْلهمْ) انْتَهَى.
ثمّ عقَّب العظيم آبادي بقوله: (لَا شَكَّ فِي أَنَّ مَا زَعَمَتْ الشِّيعَة مِنْ أَنَّ المَهْدِيّ المُبَشَّر بِهِ فِي الْأَحَادِيث هُوَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن الْعَسْكَرِيّ الْقَائِم المُنْتَظَر، وَأَنَّهُ مُخْتَفٍ وَسَيَظْهَرُ، هِيَ عَقِيدَة بَاطِلَة لَا دَلِيل عَلَيْهِا).
أقول: كلامكم هو الباطل، وأنتم الجهلة أو من يتجاهل الحقَّ الواضح المبين بقلَّة عقلكم، وإنَّ اتِّهامكم للشيعة هو العاري عن الدليل، ونحن قد استعرضنا بعض أدلَّتنا وهي كافية للكشف والتمييز بين الحقِّ والباطل.
ولو استعرضنا أقوالهم وشرحهم للحديث الشريف لرأيناها تناقضه تماماً ولا ينطبق أبداً على ملوك بني أُميَّة الذين يدينون الله باتِّباعهم، وأنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لم يقصدهم قطّ، بل إنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) كشف حقيقتهم وذمَّهم وبيَّن فسوقهم وظلمهم وضلالهم، فأنّى يكونون كما وصف ابن كثير الأئمَّة الاثني عشر المقصودين في الحديث: (وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيث الْبِشَارَة بِوُجُودِ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَة صَالِحاً يُقِيم الْحَقَّ وَيَعْدِل فِيهِمْ)، ويكفي قول سفينة راوي حديث (الخلافة بعدي ثلاثون سنة) حينما سأله سَعِيدٌ - التابعي الراوي عن سفينة -: فَقُلْتُ لسفينة: إِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْخِلَافَةَ فِيهِمْ، قَالَ: كَذَبُوا بَنُو الزَّرْقَاءِ، بَلْ هُمْ مُلُوكٌ مِنْ شَرِّ المُلُوكِ(٤٠).
وهناك موقف رائع وصوت مدوٍ من أمير المؤمنين (عليه السلام) للأُمَّة حينما أراد عبد الرحمن بن عوف مبايعته ليخلف عمر بعد أن اشترط عليه أن يعمل بسُنَّة الشيخين ليبايعه ولكنَّه أبى أن يساوم ورفض ذلك.
ودعا - عبدالرحمن بن عوف - عليَّاً، فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملنَّ بكتاب الله وسُنَّة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده، قال: «أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي»، ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي، قال: نعم، فبايعه، فقال علي: «حبوته حبو دهر، ليس هذا أوَّل يوم تظاهرتم فيه علينا، (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) [يوسف: ١٨]»(٤١).
فكيف يستقيم قول هذا الصحابي وكثير من الأحاديث التي تذمُّ بني أُميَّة وآل الحكم، والواقع المخزي لكثير من هؤلاء الخلفاء كمعاوية ويزيد ومروان وعبد الملك وأبنائه، مع شرح علمائكم وإجماعهم على إدخال بني أُميَّة إن لم نقل حصرهم بهم، وأنَّهم هم المقصودون بهذا الحديث الذي يتكلَّم عن أئمَّة هدى وخلفاء يعملون بالحقِّ، يا أتباع السلف؟! ولذلك أعرض ابن كثير مع شدَّة نصبه عن جميع أقوال شرّاح الحديث.
٣ - كون المهدي (عليه السلام) هو خاتم أئمَّة أهل البيت الاثني عشر (عليهم السلام) المهديّين والخلفاء الراشدين:
من كلِّ ما تقدَّم يتبيَّن لكلِّ ذي لبٍّ أنَّ المقصودين من هذا الحديث هم أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) الذين قال الشيعة بإمامتهم، لانطباق العدد والوصف عليهم دون غيرهم، خصوصاً وأنَّ النبيَّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد تكلَّم بهذا الحديث مبشِّراً بهؤلاء الخلفاء والأئمَّة الذين نصبهم للأُمَّة لتهتدي بهم وتتمسَّك بهم وتتَّبعهم دون غيرهم، لكونهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، حيث قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): «تركت فيكم الثقلين - وفي رواية: خليفتين -: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ولن يفارقا حتَّى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تُخلِّفوني فيهما»، وهذا الحديث يتناغم ويُفسِّر الحديث المتقدِّم في عدد الأئمَّة: «لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِماً حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»، وقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كما روي عن ابن مسعود أَنَّهُ سُئِلَ: كَمْ يَمْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةَ مِنْ خَلِيفَةٍ؟ فَقَالَ: سَأَلْنَا عَنْهَا رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلم) فَقَالَ: «اثْنَا عَشَرَ كَعِدَّةِ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ»، وهذا يضع النقاط على الحروف كقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان)، حيث أوضح (صلّى الله عليه وآله وسلم) بأنَّ الإمامة محصورة في قريش وبعدد معيَّن، وفي نفس الوقت باقية إلى يوم القيامة. وكم خرجت الخلافة الظاهرية التي يدَّعونها عن قريش في أحقاب متعدِّدة من التاريخ الإسلامي، ناهيك عن الوقت الحالي حيث إنَّ كلَّ دولة تبايع رئيسها أو أميرها أو ملكها، ناهيك عن كفرهم أو علمانيتهم أو فسقهم؛ ولذلك أعرض ابن كثير عن تفاسيرهم له ببني أُميَّة، واختار الصالح في رأيه ممَّن حكم، وجعل الإمام المهدي (عليه السلام) منهم وآخرهم، حيث قال: (وَلَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى تَكُون وِلَايَتهمْ لَا مَحَالَة، وَالظَّاهِر أَنَّ مِنْهُمْ المَهْدِيّ (عليه السلام) المُبَشَّر بِهِ)، ومثله قال السيوطي: (وبقي الاثنان المنتظران، أحدهما المهدي).
ويشهد لصحَّة تفسيرنا ما قاله ابن تيميَّة نفسه، وما نقله عن التوراة من نصٍّ يدعم كون الأئمَّة الاثني عشر من أهل بيت النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، كما نقله عنه تلميذه ابن كثير في البداية والنهاية (ج ٦/ ص ٢٨٠) فقال: (وفي التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه: إنَّ الله تعالى بشَّر إبراهيم بإسماعيل، وأنَّه يُنمّيه ويُكثِّره ويجعل من ذريته اثني عشر عظيما. قال شيخنا العلَّامة أبو العبّاس بن تيميَّة: وهؤلاء المبشَّر بهم في حديث جابر بن سمرة، وقرَّر أنَّهم يكونون مفرَّقين في الأُمَّة، ولا تقوم الساعة حتَّى يوجدوا، وغلط كثير ممَّن تشرَّف بالإسلام من اليهود فظنّوا أنَّهم الذين تدعو إليهم فرقة الرافضة فاتَّبعوهم).
وقال ابن كثير نفسه في تفسيره (ج ٣/ ص ٦٦): (وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر الأئمَّة الاثني عشر الذين يعتقد فيهم الاثنا عشرية من الروافض، لجهلهم وقلَّة عقلهم. وفي التوراة البشارة بإسماعيل (عليه السلام)، وأنَّ الله يقيم من صُلْبِه اثني عشر عظيماً، وهم هؤلاء الخلفاء الاثنا عشر المذكورون في حديث ابن مسعود، وجابر بن سَمُرة، وبعض الجهلة ممَّن أسلم من اليهود إذا اقترن بهم بعض الشيعة يوهمونهم أنَّهم الأئمَّة الاثنا عشر، فيتشيَّع كثير منهم جهلاً وسَفَهاً، لقلَّة علمهم وعلم من لقَّنهم ذلك بالسنن الثابتة عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم).
وفي حديث آخر بيِّن فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بعض صفات هؤلاء الخلفاء حين قال: «عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسَّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ»(٤٢).
فمن خلال هذه الأحاديث يتبيَّن أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) حصر عدد خلفائه من بعده وإلى يوم القيامة باثني عشر خليفة وليس أكثر، وليسوا ملوكاً بل خلفاء يملكون الأُمَّة، أي أولياء لها كما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وليَّاً للناس عموماً وللمؤمنين خصوصاً وأولى بهم من أنفسهم، وهذا معنى الإمامة عند الشيعة، لأنَّ الإسلام لا يدعو إلى الملوكية ولا يمتدحها أبداً، وإنَّما يجعل من المعصوم وليَّاً لهم وأولى بهم من أنفسهم.
٤ - إقرار مؤرِّخي السُّنَّة وعلمائهم بولادة الإمام المهدي (عليه السلام) وبعض الإشارات النبويَّة لذلك:
قام بعض علماء أهل السُّنَّة وبلا دليل - وبحسب ناقل ليس بثقة وهو ابن تيميَّة - بإنكار ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، وادَّعوا أنَّ أباه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) كان عقيماً - والعياذ بالله -، لإضعاف مذهب أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، وليُنقِصوا عدد الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) كي لا يتوافق العدد مع العدد! ولجأوا إلى وسيلة سهلة ليُحقِّقوا هذا الغرض وهي الإنكار فحسب، وهو أمر عدمي لا مؤنة فيه، عضدوه بأمر عجيب وهو كون أخِ الإمام وهو جعفر (الكذّاب!) قد ادَّعى ميراث أخيه الحسن (عليه السلام)، وحكمت له السلطة به! ولكنَّهم غفلوا بهذا القول عن أُمور منها:
الأوَّل: إنَّ إثبات ولادة أيِّ شخص لا تستلزم أيّ كلفة أو مؤونة أكثر من إقرار الأب والأُمّ والقابلة بتلك الولادة؛ وبذلك لا نحتاج إلى إذن أو إقرار من مثل ابن حزم أو ابن تيميَّة لتثبت ولادة المهدي (عليه السلام).
الثاني: غفلتهم عن كون الإمام عند الشيعة يجب أن يكون خالياً من أيّ عيب أو نقص؛ لذا فإقرار الشيعة وأئمَّتهم بإمامة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) تردُّ وتُكذِّب ادِّعاء كونه (عليه السلام) عقيماً، ناهيك عن إقرار الكثير من علماء السُّنَّة والنسّابة الذين أثبتوا خلاف ذلك وأقرّوا بوجود ذرّية للإمام الحسن (عليه السلام).
الثالث: إنَّ مسألة طلب جعفر بميراث أخيه الإمام الحسن (عليه السلام) ليست دليلاً على عقم الإمام أبداً، غايته أنَّه يثبت عدم وجود وارث ظاهر، أو فقل: عدم وجود شخص أقرب من جعفر للإمام (عليه السلام) يطالب بميراث الإمام؛ وهذا أمر لا يدلُّ على عدم وجود ابن صغير للإمام لا يستطيع المطالبة بميراثه، سواء لصغر سنّه أو لظرف خاصّ قاهر له، خصوصاً أنَّ أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) ليسوا ممَّن يملكون شيئاً من القصور والأموال الكثيرة، ولا هم ممَّن يُفكِّرون بها أصلاً، وخصوصاً مع تعارض المطالبة مع ظرف الإمام المهدي (عليه السلام) من المطاردة والغيبة، فكيف تتسيَّر له مطالبته بالإرث وهو مكلَّف بالغيبة والاختفاء عن الأنظار وعن سفاسف هذه الدنيا؟!
الرابع: كان تعمّد إخفاء الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) للإمام المهدي (عليه السلام) وولادته عن الناس خطَّة من خططه الإلهية المأمور بها للحفاظ عليه وإلهاء كيد الأعداء عنه، كجعفر المنافس للأئمَّة والطامع بنيل مقامهم عند الشيعة من جهة، والسلطات الخائفة من وجود الإمام المهدي (عليه السلام) والذي يُكمِّل ويُصحِّح عدد الأئمَّة الاثني عشر ويُثبِت صحَّة مذهب التشيّع، وكذلك وجوده الذي يعلمون بالتواتر أنَّه خطر عليهم ومزيل لملكهم على كلِّ حالٍ من جهة أُخرى.
ولذلك لننظر ما حدث بعد استشهاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) من أحداث ألهت الجميع عن وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وغيبته حتَّى استقرَّ الأمر واستتبَّ بتعاقب سلاطين الجور وتبدّلهم لعدَّة سنوات بالبحث عنه بعيداً عن وضع الإمام (عليه السلام) الواقعي وخُدِعوا بأشياء بعيداً عن الإمام (عليه السلام)، فقد قال الذهبي عن ذلك في سير أعلام النبلاء (ج ١٣/ ص ١٢١)، قال:
(وثبت جمهور الرافضة على أنَّ للحسن ابناً أخفاه. وقيل: بل وُلِدَ له بعد موته، من أَمَة اسمها: نرجس أو سوسن، والأظهر عندهم أنَّها صقيل، وادَّعت الحمل بعد سيِّدها، فأوقف ميراثه لذلك سبع سنين، ونازعها في ذلك أخوه جعفر بن علي، فتعصَّب لها جماعة، وله آخرون، ثمّ انفشَّ ذلك الحمل، وبطل، فأخذ ميراث الحسن أخوه جعفر، وأخ له. وكان موت الحسن سنة ستّين ومئتين...)، إلى أن قال: (وزادت فتنة الرافضة بصقيل وبدعواها، إلى أن حبسها المعتضد بعد نيف وعشرين سنة من موت سيِّدها، وجُعِلَت في قصره إلى أن ماتت في دولة المقتدر).
فهذه التعمية وهذه الخلافات والادِّعاءات المتعدِّدة من نرجس أو صقيل (رضي الله عنها) من ادِّعاء الحمل وانتفاخ البطن وانتظار السلطات لها لسبع سنوات لتلد، أو يجعلها السلطان تحت الإقامة الجبرية ويحتجزها في قصره لأكثر من عشرين سنة، فهذه الأُمور لوحدها تكفي لإثبات أنَّ هناك شيئاً غير طبيعي.
بالإضافة إلى وجود عدد كبير من علماء أهل السُّنَّة قد ذكروا الإمام المهدي (عليه السلام) وأثبتوا الولد للإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وقد أحصى الباحثون عدد علماء أهل السُّنَّة ممَّن ذكر ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) ووجود خلف وذرّية للإمام العسكري (عليه السلام) حتَّى أوصله البعض كالأُستاذ ثامر هاشم العميدي إلى (١٢٨) عالماً في كتابه (دفاع عن الكافي)، والنوري الطبرسي بحسب ما توفَّر لديه من المصادر إلى (٤٠) عالماً، وألَّف بعض العلماء كتباً خاصَّة أحصوا فيها من قال بولادة الإمام المهدي (عليه السلام) من علماء السُّنَّة كما فعل نجم الدين العسكري ولطف الله الصافي وغيرهم، وأكتفي بنقل قول أهمّ من ذكر ذلك عندي وهو شمس الدين الذهبي، وهو أهمّهم، فقال في ثلاثة من كتبه:
قال في سير أعلام النبلاء (ج ١٣/ ص ١٢٠): (المنتظر الشريف محمّد بن الحسن العسكري...، خاتمة الاثني عشر سيِّداً).
وقال في سيره (ج ١٢/ ص ٣٩١) وهو يتكلَّم في ترجمة الرمّادي وسنة وفاته وهي (٢٦٥هـ): (وفيها مات إبراهيم بن الحارث، وإبراهيم بن هانئ، وسعدان بن نصر، وصالح بن أحمد بن حنبل، وعلي بن حرب، والقدوة أبو حفص النيسابوري، وهارون بن سليمان، والمنتظر محمّد بن الحسن، والرافضة تقول: لم يمت، بل اختفى في السرداب).
وقال في العبر في خبر من غبر (ج ٣/ ص ٣١): (وفيها - أي سنة (٢٥٦هـ) - وُلِدَ محمّد بن الحسن...).
وقال في تاريخ دول الإسلام (ج ١٩/ ص ١١٣): (وأمَّا ابنه محمّد بن الحسن الذي تدعوه الرافضة القائم الخلف الحجَّة فوُلِدَ سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة ستّ وخمسين، عاش بعد أبيه سنتين ثمّ عُدِمَ ولم يُعلَم كيف مات...).
فهذه أكبر الأدلَّة وأوضحها على اعترافهم بولادته وغيبته (عليه السلام)، وكما قيل: (الفضل ما شهدت به الأعداءُ)، وفيها ردٌّ كافٍ على كلِّ من أنكر الولادة الشريفة.
المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم.
* تفسير ابن كثير: ابن كثير الدمشقي.
* سير أعلام النبلاء: شمس الدين الذهبي.
* مجموع فتاوى ابن تيميَّة: ابن تيميَّة الحرّاني الدمشقي.
* فيض القدير في شرح الجامع الصغير: عبد الرؤوف المناوي.
* صحيح البخاري: محمّد بن إسماعيل البخاري.
* صحيح مسلم: مسلم بن الحجّاج النيسابوري.
* فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني.
* مجمع الزوائد: نور الدين الهيثمي.
* سنن الترمذي: أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي.
* مسند الإمام أحمد: أحمد بن حنبل.
* سنن أبي داود: أبو داود السجستاني.
* سنن ابن ماجة: ابن ماجة القزويني.
* مسند أبي يعلى: أبو يعلى الموصلي.
* معجم الطبراني الكبير: أبو القاسم الطبراني.
* مصنَّف ابن أبي شيبة: أبو بكر بن أبي شيبة.
* شرح النووي على صحيح مسلم: أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي.
* تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي: المباكفوري.
* عون المعبود في شرح سنن أبي داود: العظيم آبادي.
* عمدة القاري شرح صحيح البخاري: العلَّامة بدر الدين العيني.
* عقد الدرر في أخبار المنتظر: المقدسي.
* المستدرك على الصحيحين: الحاكم النيسابوي.
* سلسلة الأحاديث الصحيحة: الشيخ محمّد ناصر الدين الألباني.
* ظلال الجنَّة في تخرّج السُّنَّة: الشيخ محمّد ناصر الدين الألباني.
* صحيح الجامع الصغير: الشيخ محمّد ناصر الدين الألباني.
* صحيح الترغيب والتذهيب: الشيخ محمّد ناصر الدين الألباني.
* تفسير القرطبي: القرطبي.
* تفسير روح المعاني: الآلوسي.
* السياسة الشرعية: تقي الدين ابن تيميَّة.
* تاريخ الخلفاء: جلال الدين السيوطي.
* تاريخ المدينة: أبو بكر ابن شبة.
* تاريخ الطبري: أبو جعفر ابن جرير الطبري.
* شرح العقيدة الطحاوي: ابن أبي العزّ الحنفي/ تحقيق الشيخ الألباني.
* البداية والنهاية: ابن كثير الدمشقي.
* مسند أبو داود الطيالسي: أبو داود الطيالسي.
* تاريخ الإسلام: شمس الدين الذهبي.
* العبر في خبر من غبر: شمس الدين الذهبي.
الهوامش:
(١) صحيح البخاري ٤: ٣٣، و٧: ١٢٨، و١١: ٩٢؛ وصحيح مسلم ٨: ١٩٢.
(٢) المصدر السابق.
(٣) صحيح مسلم ٨: ١٩٠.
(٤) فتح الباري لابن حجر العسقلاني ١٣: ٢٧٧.
(٥) مجمع الزوائد للهيثمي ٨: ٢.
(٦) صحيح البخاري ٨: ١٥٨؛ وصحيح مسلم ٨: ١٩٢.
(٧) صحيح مسلم ٨: ١٩٤.
(٨) صحيح مسلم ٨: ١٩١.
(٩) صحيح مسلم ٨: ١٩٠.
(١٠) المصدر السابق.
(١١) سنن أبي داود ٢: ٣٢٢؛ والمصنَّف لابن أبي شيبة ٨: ٦٦١.
(١٢) شرح النووي على صحيح مسلم ١٨: ٤٧ و٤٨؛ وأُنظر تحفة الأحوذي للمباركفوري الذي نقله عن النووي.
(١٣) عون المعبود في شرح سنن أبي داود للعظيم آبادي السلفي ١١: ٣٢٤.
(١٤) عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعلَّامة العيني ٨: ١٧٢.
(١٥) فتح الباري لابن حجر العسقلاني ١٣: ٢٧٧.
(١٦) فتح الباري شرح صحيح البخاري ٦: ٣٥٩.
(١٧) أخرج الحاكم في مستدركه (ج ٤/ ص ٥٠١) والهيثمي في مجمع الزوائد (ج ٥/ ص ١٩٠): عن مسروق، قال: كنّا جلوساً عند عبد الله وهو يُقرئنا القرآن، فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن، هل سألتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كم يملك هذه الأُمَّة من خليفة؟ فقال عبد الله: ما سألني عنها أحد مذ قدمت العراق قبلك، ثمّ قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال: «اثنا عشر كعدَّة نقباء بني إسرائيل»، ثمّ قال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزّار، وفيه مجالد بن سعيد وثَّقه النسائي وضعَّفه الجمهور، وبقيَّة رجاله ثقات. وفي لفظ آخر عند أحمد (ج ١/ ص ٤٠٦) : عن مسروق، قال: كنّا مع عبد الله جلوساً في المسجد يُقرئنا فأتاه رجل فقال: يا ابن مسعود، هل حدَّثكم نبيُّكم كم يكون من بعده خليفة، قال: نعم كعدَّة نقباء بني إسرائيل. وقال ابن حجر في فتح الباري (ج ١٣/ ص ١٨٣): أخرجه أحمد والبزّار من حديث ابن مسعود بسند حسن.
(١٨) متَّفق عليه، أُنظر: باب مناقب قريش وباب الأُمراء من قريش في صحيح البخاري، وباب الناس تبع لقريش في صحيح مسلم.
(١٩) رواه أحمد ١: ٩٩؛ وأبو داود ٢: ٣٠٩؛ وابن ماجة ٢: ٩٢٩؛ والترمذي ٣: ٣٤٣، وقال: حديث حسن صحيح؛ وابن أبي شيبة في مصنَّفه ٨: ٦٧٩.
(٢٠) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ٧: ٣١٣، وقال: أخرجه أحمد بأسانيد وأبو يعلى باختصار كثير، ورجالهما ثقات.
(٢١) صحيح مسلم ٨: ١٩٤.
(٢٢) مسند أحمد ٣: ٢٨.
(٢٣) رواه أحمد ١: ٩٩؛ وأبو داود ٢: ٣٠٩؛ وابن ماجة ٢: ٩٢٩؛ والترمذي ٣: ٣٤٣، وقال: حديث حسن صحيح؛ وابن أبي شيبة في مصنَّفه ٨: ٦٧٩.
(٢٤) رواه الهيثمي في مجمع زوائده ٦: ٢٣٠، وقال: رواه الطبراني، وإسناده حسن.
(٢٥) رواه أحمد ١: ٩٩؛ وأبو داود ٢: ٣٠٩؛ وابن ماجة ٢: ٩٢٩؛ والترمذي ٣: ٣٤٣، وقال: حديث حسن صحيح؛ وابن أبي شيبة في مصنَّفه ٨: ٦٧٩.
(٢٦) صحيح البخاري ٤: ٣٣، و٧: ١٤؛ وصحيح مسلم ٨: ١٩٣.
(٢٧) صحيح مسلم ٨: ١٩٧.
(٢٨) مسند أحمد ٢: ١١٦؛ وصحَّحه الألباني في سلسلته الصحيحة: ٢٣٧١.
(٢٩) صحيح مسلم ٩: ٣٩٣.
(٣٠) مسند أحمد ٣٤: ٢٣٤.
(٣١) ظلال الجنَّة في تخريج السُّنَّة للشيخ الألباني، وحسَّنه.
(٣٢) صحيح الجامع للألباني: ٥٠٧٥ و٩٢٠٦؛ وصحيح الترغيب والترهيب له أيضاً ١: ١٣٨، عن الحاكم وأحمد وابن حبّان.
(٣٣) تفسير القرطبي ١: ٢٦٥.
(٣٤) مجموع فتاوى ابن تيميَّة ٦: ٤١٠؛ والسياسة الشرعية له أيضاً ١: ١٦٨.
(٣٥) فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني ٦: ٣٥٩.
(٣٦) صحيح مسلم ٦: ٣/ باب الناس تبع لقريش؛ وقريب منه مختصراً في صحيح البخاري/ باب الاستخلاف.
(٣٧) صحيح مسلم ٦: ٣.
(٣٨) فتح الباري لابن حجر العسقلاني ١٣: ٢١٢.
(٣٩) تاريخ الخلفاء للسيوطي: ١٠.
(٤٠) سنن الترمذي ٨: ١٦٧، وقال الترمذي: الحديث حسن.
(٤١) تاريخ المدينة لابن شبة ٣: ٩٣٠؛ وتاريخ الطبري ٣: ٢٩٨.
(٤٢) شرح العقيدة الطحاوية تحقيق الشيخ الألباني ١: ٤٣٠، وصحَّحه.