الصفحة الرئيسية » البحوث والمقالات المهدوية » (٦٨٧) جدلية المقدّس وتمثّل المقدّس / تمثلات ظاهرة المهدوية في مخيال شعوب - المغرب الإسلامي أنموذجاً
 البحوث والمقالات المهدوية

المقالات (٦٨٧) جدلية المقدّس وتمثّل المقدّس / تمثلات ظاهرة المهدوية في مخيال شعوب - المغرب الإسلامي أنموذجاً

القسم القسم: البحوث والمقالات المهدوية الشخص الكاتب: السيد خالد سيساوي الجزائري تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٤/١٢ المشاهدات المشاهدات: ٤٦٥٠ التعليقات التعليقات: ٠

جدلية المقدّس وتمثّل المقدّس
تمثلات ظاهرة المهدوية في مخيال شعوب - المغرب الإسلامي أنموذجاً

السيد خالد سيساوي الجزائري

مقدمة:
إنه لمن التعسّف الفكري مقاربة سؤال ماهية المقدّس بمعزل عن تمثّله العملي في المخيال السوسيو-ثقافي(١) لشعب ما. وإذا تعين علينا مقاربة المهدوية كظاهرة فُطِر عليها الوجدان في مقام الثبوت وتجاذبتها العقول في مقام الإثبات، وتمثّلتْها الممارسات في مقام الامتثال؛ فإننا ملزمون بالوقوف على مظاهر اصطباغها الدلالي ضمن نسقها التاريخي، مع حفظ حيثية المواضعة(٢) التي تحيل إلى تجليات ظاهرة المهدوية في نطاق الوعي الجمعي دون إحالتها على التعريف الحقيقي للظاهرة.
تحتل ظاهرة المهدوية مكانة علمية مرموقة بين الظواهر السوسيو - أنثروبولوجيا(٣) المساوقة للتاريخ الإنساني؛ كونها تحيل على ما هو تكويني وفطري. وهذا ما جعلها مسألة توائم المخيال الإنساني وتربطه بمنظومة المقدسات التي تشكّل هي إحدى حلقاتها الوثيقة. لذا نجد مجموعة من الصور الحاكية عن ذلك المقدّس (المهدوية) قد أفرزها ذلك المخيال؛ ثم راح يطبّقها على الكم الهائل من التمثّلات الاجتماعية حتّى يُشبِعَ تلك الرغبة الجامحة في أمل تحقق ما يخالج وجدان الإنسان بظهور المنقذ عندما تتراءى الأزمات الخانقة؛ وتتعاظم المحن، وتتبدى آمال المستضعفين.
تحيلنا بحوث أنثروبولوجيا العقائد القديمة(٤) على صور متشابهة لشخصية ذلك المنقذ المخلص؛ الذي يمثل السند الإلهي للمستضعفين والمظلومين والحد الفاصل بين الحق والباطل. نعم هناك خلاف تمثّلي لهذه الشخصية بين الديانات وبين مذاهب الدين الواحد؛ إلّا أن القدر المتيقن بينها جميعاً يقضي بأن (المنقذ) هو الصورة المثالية للإنسان المتعالي كما يسميه (نيتشه)(٥).
إن مسألة المهدوية هي مسألة إنسانية بامتياز فضلاً عن كونها دينية أو إسلامية؛ يقول الشهيد محمد باقر الصدر: (ليس المهدي (عليه السلام) تجسيداً لعقيدة إسلامية، ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوان لطموح اتَّجهت إليه البشرية، بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري، أدرك الناس؛ من خلاله؛ على الرغم من تنوع عقائدهم، ووسائلهم إلى الغيب، أن للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض، تحقق رسالات السماء، بمغزاها الكبير، وهدفها النهائي. وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان؛ على مر التاريخ؛ استقرارها وطمأنينتها. بعد عناء طويل. بل لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي، والمستقبل المنتظر على المؤمنين دينياً بالغيب، بل امتد إلى غيرهم أيضاً، وانعكس حتّى على أشد الإيديولوجيات والاتجاهات العقائدية، رفضاً للغيب والغيبيات كالمادية الجدلية التي فسّرت التاريخ على أساس التناقضات، وآمنت بيوم موعود، تُصفّى فيه كل تلك التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام. وهكذا نجد أنّ التجربة النفسية لهذا الشعور التي مارستها الإنسانية على مر الزمن، من أوسع التجارب النفسية وأكثرها عموماً بين أفراد الإنسان)(٦).
وعليه سيكون حديثنا في هذا البحث موجّهاً (للإنسان) الذي يروم طمأنينة السماء بعدما أعيته كدورات الأرض؛ طمأنينة سيكون ممثلها الإلهي صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه (المخلّص) الذي يُطهّر الأرض ويملأها عدلاً وقسطاً فتطهر ببركته سرائر الناس ويحسن إيمانهم ويتجلى فيهم التوحيد الخالص.
مفاهيم البحث:
المهدوية: اشتُق اسم المهدي في اللغة العربية من الفعل (هُدِي)، وقد ورد في المعاجم العربية بمعان متأثرة بتصورات الفكر الإسلامي، فقد جاء في معجم الصحاح أن المهدي مِن هدى يهدي بمعنى دلّ وأرشد(٧)، وفي لسان العرب فإن المهدي (هو الذي هداه الله إلى الحق، وبه سُمي المهدي الذي بشر به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم))(٨). وربط ياقوت الحموي أصل التسمية بمهد عيسى بن مريم (عليه السلام)(٩). وكيفما كان فلفظ (المهدوية) مصدر صناعي يحاكي ظاهرة مقدسّة تتمثل في خروج مخلّص المستضعفين ومقيم العدل والقسط.
المخيال: أول المتطرقين لمفهوم المخيال هو (أرسطو) حيث عبّر عنه بكلمة المتخيلة (phantasma) ثم عرّف في الدراسات الحديثة باصطلاح المخيال (l`imaginaire) (١٠)، ثم انسحب هذا الاصطلاح الفلسفي مع تطور الدراسات في حقل علم النفس والأنثروبولوجيا إلى مجالات علم الاجتماع وفلسفة التاريخ وغيرها.
تتميز المعاني المخيالية بخصوصية الإحالة؛ أي إحالة الصور المتخيلة على دائرة العقل والواقع، فتكون بذلك أوسع الدوائر الإدراكية إحاطةً، حيث تأخذ من الحس خاصية الصور المحسوسة ومن العقل خاصية الصور المجردّة؛ أي إنها برزخ بين المرتبتين.
وبسبب هذا التداخل وصعوبة الفصل بين ما هو عقلي خالص وما هو مخيالي؛ نجد الإنسان يحاول جاهداً جعل تلك الدلالات المخيالية دلالات متعالية حكمية.
أمّا علاقة المخيال بالدراسات الأنثروبولوجيا فهي علاقة تَولُّد؛ إذ يتولّد المخيال في رحم الذاكرة الجماعية أو العقل الجمعي خلال مختلف المراحل التاريخية، ثمّ يُوظَّف تبعاً لمقتضيات الظرف السياسي أو الاجتماعي. وبعبارة دقيّة يمكننا تعريف المخيال بأنه (شبكة من الصور المرابطة في اللاوعي الجمعي، تنتظر اللحظة المناسبة لتسجل حضورها الفاعل في الواقع التاريخي للإنسانية).
ويقابل المخيال الفردي المخيال الاجتماعي؛ حيث يعد هذا الأخير شبكة إفرازات متراكمة للمخيال الفردي ضمن سيرورة تاريخية وايديولوجية تقتضي خروجه من الذاتانية المخيالية(١١) التي يكون محورها الفرد إلى الشراكة المخيالية(١٢) التي تحرّك العقل الجمعي لمجتمع ما.
المقدّس:
يصعب حصر مفهوم المقدس من وجهة نظر وحيدة أو داخل حقل معرفي معين من حقول المعرفة الإنسانية، لأن هذا المفهوم يتجاوز ما هو محسوس إلى ما هو مجرد، أو يجمع بينهما. وبهذا، حاز هذا المفهوم حضوراً عميقاً وعريقاً في التعاريف والمقاربات والتأويلات التي طالها الفكر الإنساني.
- فالمقدس في لسان العرب من قدّس، تقديساً، أي تنزيه الله (١٣)، وفي التهذيب: القدس تنزيه الله تعالى، وهو المتقدس القدوس المقدس. ويقال: القدوس فعول من القدس، وهو الطهارة. والتقديس: التطهير والتبريك، وتقدس أي تطهر(١٤).
- وفي القاموس الأنثروبولوجي، المقدّس (sacer) التي اشتق منها مصطلح (sacred) (المقدَّس) هو صلة يطلقها المجتمع على أشياء وأماكن وأعمال يعتبرها واجبة الاحترام، فيقيم لها طقوساً دينية لاعتقاده باتصالها بعبادة الإله، أو الآلهة، أو المعبودات والقوى فوق الطبيعية، أو لأنها ترمز إلى القيم الأساسية للمجتمع، ولهذا فهي مصونة من العبث أو التخريب، أي تلك المنطلقات الفكريّة والإيديولوجية، التي كانت سبباً في تولّد المشترك الديني(١٥).
وهذا ما عبّر عنه أحد الكُتّاب الأنثروبولوجيين بقوله: يشير المقدّس في سياقه السوسيو-أنثروبولوجي بأن قوة الاعتقاد والطقوس المحفّزة لها، كانت شكلاً من أشكال التوافق مع المعايير الدينية المتحكّمة، حتّى في مشاعر الأفراد وعقولهم(١٦).
ففكرة (المقدّس)، تكتسب أهمّيتها من التعارض الوجودي مع الدنيويّ (Le profane)، وهو في النهاية؛ تعبير عن مجموعة من التصوّرات المشتركة بين الأفراد، والتي تختلف درجات حضورها في حياة المجتمعات، إلى حدّ بعيد، ولكن تبقى أشكال هذه العلاقة، تُفهم في سياق تحليليّ، يعتمد مساءلة أو فهم درجات استبطان الأفراد لها في (لا شعورهم الجمعي)(١٧) على حد تعبير كارل غوستاف يونغ.
المقدّس في سياقه التاريخي أو تمثّلات المقدّس:
تلامس الأنثروبولوجيا (المقدّس) من خلال محاولة كشفية لدلالاته المعنائية عبر تجليّات المتعالي المكوّنة للإنسان في بعده الثقافي. وإذا ما استحضرنا تحليل إدوارد تايلور(١٨) الذي يعتبر الثقافة: (هي ذلك الكلّ المركّب، الذي يشمل المعرفة، والمعتقدات، والفنّ، والأخلاق، والقانون، والأعراف، والقدرات، والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان، بوصفه عضواً في المجتمع)(١٩)، فإنّنا سنجد فكرنا يستحضر كل تمثلات المقدّس المتكثرة ضمن سياقها التاريخي ليرجعها في الأخير إلى المقدّس الذي يتعالى عن الزمان والمكان.
وعلى هذا الأساس: (يكوّن الدين قوّة إحساسية نفسية وعاطفية، تمهّد لنشأة الإحساس المشترك، كعامل تتمحور حوله الوقائع المادية والاجتماعية(٢٠)، فالقداسة ليست مفهوماً غيبياً بعيداً عن السياق التاريخي لتطور المجتمعات، فالإنسان يصنع المقدس عندما يضفي على شيء ما هذه الصفة، والإنسان هو الذي يوسع دائماً من رقعة المقدس، بحيث يشمل الوقائع الحياتية، ويذهب به بعيداً فيطال البشر من رجال الدين الذين يعتبرون أنفسهم حَمَلة ختم القداسة.
يقدّم التاريخ البشري لوحة عامة تتصف بها المجتمعات منذ القدم حتّى اليوم، يجري فيها استخدام النصوص المقدسة لإضفاء طابع القداسة والتعالي على أعمال البشر وتصرفاتهم وسلوكاتهم في الحياة الدنيوية. فلم يعد المقدس ذلك الشيء العلوي والإلهي، بل بدا أنه مخلوق باستمرار من البشر، نابع من الحاجات، وموظف في الصراعات الاجتماعية والسياسية، مما يعني أن نزع القدسية عن المقدس الدنيوي يشكل واحداً من أهم معالم تحرير المجتمعات العربية والإسلامية من الفكر الجامد والمنغلق على العصر.
في هذا السياق بات التفكير في دلالات الدين ومظاهر التدين في سلوك البشر والعلاقات القائمة بينهم، ومختلف التحولات التي طرأت على الممارسات الدينية في المجتمعات البشرية، واحداً من أهم مشاغل فلسفة الدين وعلم الاجتماع الديني. ففهم المقدّس في سياقه الاجتماعي والتاريخي يرتبط بمجموعة محدَّدة من تعاريف الدين نفسه، وبعملية تصنيف لبعض النشاطات الاجتماعية بوصفها نشاطات دينية، وبمقاربات اجتماعية خاصة للموضوع. حيث أكّدت هذه الاعتبارات أن التصورات الاجتماعية لما يُكوِّن المُقدَّس كظاهرة اجتماعية تخضع لتغير دائم على مستوى التمثّلات.
علاقة المقدّس بالديني:
يعتبر المقدس جوهر الدين؛ فصفة القدسية المضفاة على ما هو ديني هي الدليل الأنفسي(٢١) على تمظهر الذات الإنسانية في تفاعلها معه محبة وخوفاً ورهبة؛ تلك التمظهرات التي تحيل على تمثله طوعاً. إلّا أن الخطير هو سريان الحكم على التمثلات إلى المقدس نفسه؛ إذ الإخفاق في تمثل المقدس من شأنه أن يسلب شيئاً فشيئاً صفة القدسية الاجتماعية عن المقدس.
تفترض التجارب الدينية قسمة بين النفي والإثبات للمقدس وغير المقدس، حيث تقيّم تلك التجارب بمدى تمثلها للمقدس أو إخفاقها.
يجد المقدس أعلى تجلياته في الأديان التوحيدية على الأخص، حيث يطغى بشكل كبير على كل ما يتصل بالدين، سواء على مستوى النصوص أو على مستوى الممارسة العملية. فالقرآن يمثل بالنسبة إلى المسلمين أعلى درجات القداسة، بوصفه تجسيداً لكلام الله تعالى، وبانسحاب القداسة على المظاهر المتمثلة لذلك القرآن تكتسب تلك المظاهر القدسية نفسها. وهذا ما نجده في حديث الثقلين حيث كانت القداسة تفاعلية بين الثقلين: (القرآن) و(العترة الطاهرة).
فالمقدّس في مقام الإثبات تولّد من رحم الدين (الشريعة) وإن كان في مقام الثبوت (التكوين) أسبق منه رتبة؛ لأنه في ذلك المقام يساوق الوجود. وهذا ما ذهبت إليه مدرسة الحكمة المتعالية التي أسس بنيانها الفيلسوف المتأله (صدر المتألهين الشيرازي) من أنّ مقول المقدّس يصدق على نفس الوجود المطلق أولاً وبالذات وعلى مظاهر ذلك الوجود ثانياً وبالعرض. ومن خلال التمييز بين القداستين يمكننا القول: إن المقدس بغيره يحكي جمال القداسة الذاتية في الذوات الممكنة.
من المواضيع المطروحة للتحليل والنقد في الفكر الإسلامي هو موضوع (العقيدة المهدوية) باعتبارها إحدى مصاديق المقدّس الديني الذي غذّى مخيال الحركات الإصلاحية على مر التاريخ الإنساني وراحت تتمثله سياسياً وثقافياً ودينياً.
أنحاء تمثّل ظاهرة المهدوية في المخيال الفردي والاجتماعي:
يتبادر ابتداءً أن اصطلاح (التمثّل) إذا ما تعلّق بظاهرة المهدوية فإنه يتضمّن معنى سلبياً؛ يوحي بالانحراف عن العقيدة المهدوية الحقّة؛ مع أنه في الوقت نفسه قد يحمل - بلحاظ حيثيات أخرى - معنى إيجابياً من قبيل: تمثّل التمهيد لظهور المهدي (عجّل الله فرجه) الذي يقتضي القيام بأشرف وظيفة في عصر غيبة الإمام المنتظر ألا وهي مقاومة الظلم والاستبداد. وكيفما كان فالاستقراءات التاريخية وقفت على أنماط مختلفة لتلك التمثلات السلبية يمكن حصرها في الآتي:
- التمثّل بشخص الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)؛ أي ادعاء المتمثّل للظاهرة المهدوية أنه هو المهدي المنتظر. وهذا النمط أكثر التمثّلات رواجاً في التاريخ المهدوي؛ مع أنه بناءً على الأسس العقدية والأدلة القاطعة لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) واضح البطلان.
- التمثّل بالنيابة الخاصة؛ وهو نمط مردود ابتداء بنص من الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) نفسه، من خلال التوقيع المبارك الصادر عنه قبل غيبته الكبرى إلى السفير الرابع (علي بن محمد السمري)، فعن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قال حدثني أبو محمد الحسن بن احمد المكتب، قال كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري (قدس سره) فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: «بسم الله الرحمن الرحيم: يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلّا بعد إذن الله تعالى ذكره وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً وسيأتي لشيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم». (قال) فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه فقيل له: من وصيك من بعدك؟ فقال: (لله أمر هو بالغه) وقضى، فهذا آخر كلام سمع منه (رضي الله عنه) وأرضاه)(٢٢).
- التمثّل بالنيابة العامة؛ وهو تمثّل مشروع يستدعي شروطاً مستعصية لا يسعها إلّا عالم ثبتت أعلميته واجتهاده وعدالته من خلال شهادة ذوي الاختصاص والخبرة. أمّا دليل مشروعيته فهو التوقيع المروي عن الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) والذي نصّه: «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم»، وما ورد في التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): «فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه»(٢٣). وقد يتشكل (بعض ذلك من بعض)؛ بمعنى أن العقل يمكنه رصد نماذج أخرى من التمثّلات المهدوية تتقاطع فيها الأنماط الثلاث المذكورة أعلاه. فمدعي النيابة العامة قد يرتقي بنفسه أو بغيره من خلال حاكمية المخيال الشعبي إلى ادّعاء مرتبة النيابة الخاصة، بل ربما إلى التمثّل الشخصي للمهدوية، وهذا هو مصبّ الدراسات التحليلية لتمثلات ظاهرة المهدوية في مخيال الشعوب. إذ الملاحظ أن كثيراً من الأحكام الصادرة في حق أناس نُسِب لهم (ادِّعاء المهدوية) خصوصاً في بلاد المغرب الإسلامي لم تكن أحكاماً منصفة؛ بل أكثر تلك الأحكام تحمل تناقضات صارخة قد غذَّتها الأهواء الأموية والعباسية ضد أتباع أهل البيت (عليهم السلام) فضلاً عن الخلفيات القومية أو السياسية.
بين مطالعة التاريخ وتفهّم التاريخ:
حينما نقرر جعل (الماضي) موضوعا لدراستنا فإننا نكون قد أحلنا عقولنا على قراءة التاريخ هرمونيطيقيا؛ أي محاولة تفّهم للأحداث التاريخية التي نود قراءتها من خلال تمثل المخاييل التي سادت تلكم العصور.
وهنا يكمن الفرق بين مطالعة التاريخ وتفهّم الوقائع التاريخية؛ فمطالعة التاريخ بمعزل عن محاولة تفهّمه هي سياحة اركيولوجية(٢٤) وإجحاف علمي في الدراسات الإنسانية والاجتماعية، وإقحام لخلفياتنا الأيديولوجية والدينية و... أمّا تفهمّنا للأحداث التاريخية المتعلقة بالمقدّس (ظاهرة المهدوية) وتمثلاته فهو محاولة للوقوف على العلاقة التي تربط بين الاعتقاد والمخيال الاجتماعي من جهة والخلفية الاجتماعية المكوّنة للموروث العقدي الشعبي من جهة أخرى، حينها فقط سيكون الماضي المدروس حاضراً والحاضر استشرافاً للمستقبل.
جذور عقيدة المهدوية في بلاد المغرب الإسلامي:
عمدت الحركات الإصلاحية إلى استلهام ما كان سائداً لدى المغاربة من تمثلات دينية، كان على رأسها الإيمان المطلق بالغيبيات، التي عدّها ابن خلدون من خصائصهم قائلاً: (وقوع الخوارق فيهم وظهور الكاملين في النوع الإنساني من أشخاصهم)(٢٥)، ولعلّه الأمر الذي شكّل أقوى الأسباب الباعثة على قابليتهم للالتفاف حول مدّعي المهدوية. فمع أن عقيدة المهدوية قد نَمَتْ في أحضان الفكر الشيعي إلّا أن الدراسات الأنثروبولوجية في بلاد المغرب الإسلامي تشير إلى عراقتها كظاهرة في المخيال الشعبي لتلك المنطقة(٢٦). بل إن ما يُستشف ضمنياً من السيرورة التاريخية لحكومة (الأدارسة) وحركة (العبيديين) في بلاد المغرب لدليل حي على اعتقاد المغاربة بعقيدة المهدوية(٢٧).
ومع ذلك فإن أوج تمثّلات المهدوية في بلاد المغرب - بغض النظر عن صحتها - يؤرخ لها ابتداءً من القرن السادس الهجري، حيث صرخت التناقضات الاجتماعية من رحم القهر السلطوي وتوالت الحروب والنكسات الاقتصادية لتكوّن أرضية مناسبة لطرح ظاهرة المخلّص - خصوصاً حينما احتدم الصراع بين المسيحيين والمسلمين في الأندلس - لدرجة انسحاب تلك التمثّلات إلى داخل البيت الصوفي فصاروا (يعيّنون الوقت والرجل والمكان فينقضي الزمان ولا أثر لشيء من ذلك... فيرجعون إلى تحديد موعد آخر)(٢٨)، فضلاً عن وجدان العامة الذي لم تفارقه قط فكرة ظهور المهدي المنتظر.
ومع كون الشواهد الدينية تؤصّل إلى قداسة عقيدة المهدوية وتمثّلاتها بصفتها وعداً إلهياً بظهور مخلّص يرتقي بالإنسان إلى سرّ الهندسة الإلهية للخليقة؛ إلّا أن معظم الدارسات التاريخية والأنثروبولوجيا قد صرّحت بأن توظيف ظاهرة المهدوية في بلاد المغرب قد غلب عليه البعد السياسي المؤطّر ضمن حركة ثورية أو حزبوية تدعو إلى الالتفاف حول أحد زعمائها المدّعي للنسب الشريف(٢٩).
تمثّلات ظاهرة المهدوية في مخيال دول المغرب الإسلامي:
يفتقر المقدّس الديني في مقام الإثبات إلى محيط سوسيولوجي تتجلّى فيه تأثيراته التكوينية والتشريعية، وهذا يرجع إلى فاعلية المخيال الجمعي في جعل ذلك المقدّس الديني يسير وفق سياقه التكويني؛ وهذا ما يُفسر ظهور تمثّلاتها بأنماطها المذكورة سلفاً على مستوى دول حكمت بلاد المغرب الإسلامي. فالمهدوية باعتبارها مشروعاً شمولياً تتقاطع فيه الولاءات العليا لتطال الأمة سياسياً ورمزياً؛ باتت لفترة ما الوسيلة الوحيدة لإضفاء الشرعية على الحكم(٣٠).
الدولة الإدريسية:
أول ما يتبادر في سياق دراستنا هذه هي شخصية المولى إدريس الأكبر مؤسس أول دولة مغربية إسلامية، فهل كان مدّعياً للمهدوية؟
ترجع أصول دولة الأدارسة في المغرب الأقصى إلى إِدريس الأول بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)؛ الذي أتى المغرب بعد ما شهد واقعة فخ وشارك فيها؛ وهذا الأمر يساعدنا كثيراً في تأطير حركته الإصلاحية من الناحية العقدية والولائية لأهل البيت (عليهم السلام). حيث صرّح والده الذي كان قائداً لمعركة (فخ) إبّان خروجه على العباسيين بأنه خرج داعياً إلى الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)(٣١)؛ وقد كان عليٌ ويحيى ابنا عبد الله يقولان: (ما خرجنا حتّى شاورنا أهل بيتنا؛ وشاورنا موسى بن جعفر (عليه السلام) فأمرنا بالخروج)(٣٢).
دخل إدريس المغرب برفقة مولاه راشد - الذي كان يحسن البربرية - في غرة ربيع الأول (١٧٢هـ) بعد مروره على مدينة (تلمسان) الجزائرية ثم إلى (طنجة) ومنها إلى (وَلِيلَى) التي تستوطنها قبيلة (أوربه) وهي أكبر قبائل الأمازيغ.
وعلى ديدن أهل البيت (عليهم السلام) شرع (إدريس) في الدعوة إلى نبذ الظلم العباسي واستنهاض الهمم والعقول في قبيلة (أوربه) التي التفَّت حوله قلباً وقالباً وبايعته على الأمارة وتبع ذلك بيعة القبائل الأخرى في وَليلى وما حولها. وقام فيهم خطيباً فقال:
(أيها الناس لا تمدوا الأعناق إلى غيرنا، فإن الذين تجدونه عندنا من الحق لا تجدونه عند غيرنا، فعسى أن تكونوا معاشر إخواننا البربر اليد الحاصدة للظلم والجور وأنصار الكتاب والسنة القائمين بحق المظلومين من ذرية النبيين فكونوا عند الله بمنزلة من كان مع الله. أتيتكم وأنا المظلوم الطريد الخائف الذي كثر واتره وقل ناصره وقتل أخوه وأبوه وأهله فأجيبوا داعي الله)(٣٣).
وبعد أن استتب له الأمر إلى غاية سنة (١٧٧هـ)؛ أي بعد خمس سنوات من بيعته، فقد تقرّر اغتياله بتحريض من الوزير البرمكي وبأمر من هارون العباسي. فأرسل له (سليمان الشماخ) مظهراً ولاءه له ولأهل البيت (عليهم السلام) فأمَّنه إدريس وقبله بين أنصاره. ولمّا تمكَّن منه دسّ له السم(٣٤).
ولمّا وضعت زوجته (كنزة البربرية) مولوداً ذكراً سمّته على اسمه حيث عرف فيما بعد باسم (إدريس الثاني) مؤسس الدولة الإدريسية العظيمة التي استحكمت زهاء قرنين من الزمن (١٧٥ هـ إلى ٣٧٠ هـ). فقد بويع إدريس من قبل القبائل البربرية واستتب له الحكم بعد إزالة خطر الأغالبة الأمويين إلى أن توسعت رقعة دولته لتبلغ بلاد الأندلس؛ إلّا أن الشهادة قد سارعت إلى إِدريس الثاني عن عمر يناهز السادسة والثلاثين فقُتل مسموماً.
شاهدنا الموضوعي هنا، هو أن حركة إدريس الأول والثاني في المغرب قد استمدّت مشروعيتها من إمام زمانهما (الإمام الكاظم (عليه السلام))؛ ولعلّ ما نسب إلى الإمام الرضا (عليه السلام) في قوله: «إدريس بن عبد الله من شجعان أهل البيت، والله ما ترك فينا مثله»(٣٥)؛ «رحم الله إدريس بن إدريس، كان نجيباً وشجاعاً في أهل البيت، والله لم يكن له شبيه بيننا» لَشاهدٌ على أن سيرة هذين السيدين الشريفين خالية من ادِّعاء الإمامة لنفسيهما؛ فكيف يتمثلان بادعاء المهدوية يا ترى؟!
إن ما يلتبس على الكثيرين ممن نسبوا (ادِّعاء المهدوية) للمولى إدريس - إن أحسنّا الظن بهم - هو الخلط بين مقام التمثّل الشخصي لظاهرة المهدوية ومقام التمثّل الوظيفي (التمهيد) وشتَّان بين المقامين. فمقام التمثّل الوظيفي هو مقام إنتاج متجدد وبنية إصلاحية لحالة اليتم السياسي والتاريخي تحاكي طوبوية(٣٦) المشروع المهدوي.
دولة الموحدين:
من أبرز الدول التي قامت في بلاد المغرب الإسلامي على أساس الفكرة المهدويّة، مشكِّلة منعطفاً حاسماً في تاريخ المنطقة، هي دولة الموحّدين التي أسّسها (المهدي بن تومرت). ففي إحدى قرى جبال (دَرَن)(٣٧) جنوب المغرب الأقصى؛ وُلد محمد بن تومرت حوالي عام (٤٧٣ هـ/ ١٠٨٠م) من بطون قبائل (مصمودة البربرية)، حيث ترعرع فيها حتّى اشتد عوده، ثمّ تنقّل طالباً للعلم على مرِّ أربع عشرة سنة. وبعد عودته إلى المغرب شرع في بثّ دعوته على أساس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مستغلاً تناقضات الحكم المرابطي، وناهلاً من مذاهب عديدة. وكانت المهدوية من بين الأفكار الأساسية التي تبنّاها وبنى عليها مشروعه الإصلاحي(٣٨)، بعد أن ربط نسبه بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(٣٩)، مع أن بعض المؤرخين نفى عنه ذلك مُدّعياً أن توظيف ابن تومرت لفكرة المهدوية كان خبرة لوجستيكية لاستتباب الحكم. وبعد فترة قصيرة من العمل السري، وتحديداً سنة (٥١٨هـ/ ١١٢٤م)؛ خرجت الدعوة الموحّدية إلى ميدان العمل المسلَّح، ومُنيت بهزيمة في معركة البحيرة عام (٥٢٤هـ/ ١١٣٠م)، استتبعتها وفاة ابن تومرت.
انخرط توظيف فكرَتَيْ الإمامة والعصمة كرمزين أساسيين للمهدوية في البناء الإيديولوجي للدولة الموحّدية، حيث يقول المهدي ابن تومرت في رسالة له عن الإمامة؛ إنّها:
ركن من أركان الدّين، وعمدة من عمد الشريعة، ولا يصحّ قيام الحقّ في الدّنيا إلّا بوجوب اعتقاد الإمامة في كلّ زمان من الأزمان، إلى أن تقوم السّاعة؛ ما من زمان إلّا وفيه إمام لله قائم بالحقّ في أرضه... ولا يكون الإمام إلّا معصوماً من الباطل... معصوماً من الضّلال... معصوماً من الجور...)(٤٠). وليس له مصداق في ذلك العصر إلّا المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه)، وهذا ما أكدّه المحقق الدكتور عبد الغني أبو العزم حينما قال: (إلّا أنه -(يقصد ابن تومرت)- يقفز بعد الخلافة الراشدية عبر القرون ليعتبر أن الإمامة الحق هي إمامة المهدي المنتظر الذي يعيد الحق إلى سالف عهده)(٤١).
والعجيب أن سماحة الدكتور قد جوّز لنفسه محاكاة الحالة النفسية التي كان عليها ابن تومرت؛ فيدّعي أن ابن تومرت قد أشار تلميحاً بأنه هو شخص المهدي المخلص!(٤٢).
ولعلّ مقاربة الإمامة عند ابن تومرت؛ قد دعت المؤرخ عبد الواحد المراكشي إلى القول بأنه (كان يُبطن شيئاً من التشيّع، غير أنّه لم يُظهر منه إلى العامّة شيئاً)؛ إلّا أن البعض ينكر ذلك مدعياً أن التأثير الشيعي الواضح في ظاهرة التمثلات المهدوية على مستوى الحكومة في فترة دولة الموحدين، لم يرتق إلى التأسيس العقدي أو المذهبي(٤٣).
أمّا رأيُنا في الموضوع؛ ومن خلال تتبعنا لتاريخ الدولة الموحّدية؛ فإن ثبوت (ادِّعاء المهدوية) من قبل ابن تومرت ليس وارداً إلّا إذا أثبتنا سكوته عمن نعتوه بها ورأوا فيه شخص المهدي المنتظر؛ أو إذا ثبت توظيف ما كان يسوقه من أحاديث إمامة (الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لأطماع سياسية سلطوية إلّا أنني أستبعد هذه الأخيرة من باب السالبة بانتفاء المحمول. أمّا الأدلة التي اعتمدها بعض الدارسين لتاريخ (المهدي ابن تومرت) في إلصاق هذه التهمة به؛ فإنها لم تتولّد عن منهج علمي، إنمّا غذتها نعرة طائفية وعصبية وهوى أمويّ خصوصاً أن رسوخ التمثّل المهدوي التومرتي في مخيال أتباعه كان له الأثر البالغ في استمرار الحركة الموحّديّة ونجاحها في إقامة دولة رصينة على جميع المستويات.
الدولة العبيدية:
يُرجِع المؤرخون أول ظهور لبذرة التشيع في بلاد المغرب الإسلامي إلى (سنة ١٤٥هـ)؛ حيث دخل أبو سفيان الحسن بن القاسم وعبد الله بن علي بن أحمد المشهور بالحلواني؛ موفدَينِ من قبل الإمام الصادق (عليه السلام) إلى أرض المغرب الإسلامي لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)؛ ونسب للإمام أنه قال لهما: «المغرب أرض بور فاذهبا وأحرثاها حتّى يجيء صاحب البذر»(٤٤)، فنزل أحدهما قرية تسمى مرماجنة(٤٥) إلى شمال تونس حالياً، والآخر توغّل في بلاد البربر لتحتضنه في الأخير قبيلة (كتامة)(٤٦) البربرية. أمّا عبيد الله الشيعي (صاحب البذر) فقد التحق بأرض كتامة بعد وفاة أبي سفيان والحلواني اللذين قاما بمرحلة الإعداد الديني والسياسي، وبعد أن دعاه أشراف قبيلة كتامة إثر لقائهم به في موسم الحج. بدأ عبيد الله بمرحلة التأسيس والتحسيس بأهمية الوقوف في وجه الظلم العباسي وأزلامه إلى أن استتب له الأمر في استقطاب قبائل أخرى على حساب نفوذ (دولة الأغالبة) الذين واجههم عسكرياً في كثير من المناطق المغاربية.
تذكر بعض الدراسات أن ادِّعاء عبيد الله للنسب النبوي الشريف - باعتباره شرطاً أساسياً لارتداء ثوب المهدوية وتلقيب نفسه بالمهدي - كان أول خطوة في مشروعه المهدوي؛ أمّا بعضها الآخر فتعتبره ممهداً لمشروع المهدوية الفاطمية.
تبدو تهمة ادِّعاء المهدوية من قبل عبيد الله الصنعاني تهمة واهية؛ أولاً للنعت الذي يوصف به عادة من قبل الدارسين لسيرته وهو وصف (الشيعي) حيث لا يخفى أن استخدام هذا الوصف كدليل إقناعي هو مصادرة واضحة كما يذكر أحد الباحثين في كلام هزيل: أن بربر شمال افريقيا كانوا مدفوعين في تشيعهم لدرجة أنهم لم يفرقوا بين حب أهل البيت (عليهم السلام) والتشيع(٤٧)، وثانياً: أن تغذية المخيال الشعبي المغاربي وإحيائه بأمر خروج المهدي (عجّل الله فرجه) في آخر الزمان لا يلازم أبداً ادِّعاء المهدوية أو تلقيب عبيد الله نفسه بالمهدي.
تمثّلات ظاهرة المهدوية في مخيال مقاومة الاحتلال الفرنسي:
تستدعي السيرورة التاريخية للانتفاضات وحركات المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي من جهة؛ وظاهرة ادِّعاء المهدوية من جهة أخرى؛ وقفة تأمّل. فمقاومة الأمير عبد القادر انتهت سنة (١٨٤٥م)؛ أعقبتها فترة (هدوء) دامت إلى سنة (١٨٥١م)، ثم قامت ثورة (الزعاطشة) وثورة (القبائل) وثورة (الأوراس) بين (١٨٤٩م و١٨٥٧م)، أعقبتهما فترة (هدوء) أخرى دامت إلى سنة (١٨٦٣م) ثم قامت ثورة (أولاد سيدي الشيخ) بالجنوب الغربي سنة (١٨٦٤م) ثم كانت فترة (هدوء) إلى أن قامت ثورة (١٨٧١م) بالقبائل الكبرى والصغرى ثم أعقبتها فترة (هدوء) إلى أن ظهرت ثورة أولاد سيدي الشيخ الثانية سنة (١٨٨١م) وهكذا دواليك إلى الثورة الكبرى.
إن حالة النوسان(٤٨) المتأرجحة بين الهدوء والانتفاضة ضمن السياق الزمكاني المذكور تشير إلى أن (حركات المهدوية) لعبت دور المُفعّل للمخيال المقاوم - حين تخفق الانتفاضات المسلحة - من خلال إثارة الغيرة الوطنية وإبقاء أمل الاستقلال ثابتاً لا يتزعزع، ورفد حالة الأمل الجماهيري بظهور المخلص عند كل نقطة انطلاق جديدة. يقول أحد الباحثين الفرنسيين: (ما هو ثابت ومؤكد أن الشعب الجزائري قادر على الصمود أمام النكبات والمحن. لقد كتب الله على المسلمين أن تنالهم المصائب وعليهم أن يتجلدوا بالصبر ويتحلوا بالعزيمة القوية إلى أن تحل ساعة الفرج)(٤٩).
لقد مسّت الظاهرة المهدوية المخيال الجماعي لشرائح اجتماعية واسعة كانت تعاني من نير الاستعمار الفرنسي، ورغم التفتيت الذي تعرضت له البنى الاجتماعية والاقتصادية التقليدية بفعل سياسة الرأسمالية الاستعمارية، إلّا أن تلك التمثّلات المهدوية قد حافظت على القدرات القتالية وطاقات المقاومة لدى هذه الشرائح الاجتماعية.
تزعّم أكثرَ التمثّلات المهدوية التي وقفت في وجه الاستعمار الفرنسي شيوخٌ ينتمون إلى الطرق الصوفية؛ إلّا أن بعض الخلّص من أصحاب البصيرة النافذة حارب على جبهتين: جبهة الاستعمار الفرنسي، وجبهة المدّعين للمهدوية. من قبيل الأمير عبد القادر والشيخ الحداد والشيخ بوعمامة. ولعلّ مقاومة الأمير عبد القادر لحركة الشيخ موسى بن الحاج الدرقاوي بإقليم المدية سنة (١٨٣٤م) والشيخ محمد الصغير التيجاني بإقليم الجنوب سنة (١٨٣٨م) خير دليل على ذلك.
وخلال سنة (١٨٤٥م)، ترأس الشيخ (بومعزة) أحد شيوخ الطريقية (الطيبيّة) انتفاضة ضد الاستعمار انطلقت من إقليم (الظهرة) إلى (جبال الونسريش) إلى إقليمي (التيطري والحضنة). فتلقب بالمهدي محمد بن عبد الله وكثر أشياعه فاشتهر ذكره عند العام والخاص(٥٠).
عقب ثورة (١٨٧١م) الشهيرة وفي ظل وضع اقتصادي مُتَرَدٍ اتسم بالجفاف والعوز العام، قامت حركة الشيخ محمد أمزيان بإقليم الأوراس سنة (١٨٧٩م)، كان الشيخ إماماً فقيهاً، ينتمي إلى زاوية تبرماسين الرحمانية، اعتبر نفسه مهدياً لإثبات قوته وتمكين نفوذه، فكان يوقع الرسائل التي يوجهها إلى العروش (محمد بن عبد الرحمن الإمام المهدي، المبعوث إلى الحق ويهزم من كفر)(٥١).
تمثلات ظاهرة المهدوية في مخيال الزاويا:
تحكي أركيولوجيا(٥٢) الزوايا وأضرحة أولياء الله الصالحين عن جغرافية المقدّس الديني وتجذُّره في المخيال الشعبي لتلك المناطق؛ حتّى قيل: (إذا كانت بلاد المشرق هي بلاد الرسل والأنبياء، فإن بلاد المغرب هي أرض الصالحين والأولياء)(٥٣)، حيث ظلّ هذا العنصر الأصيل ولا يزال رافداً مهمّاً على المستوى المعرفي والنضالي.
تلبس الظاهرة المهدوية في المخيال الصوفي ثوباً غنوصياً يتأرجح بين الولاية الظاهرة والباطنة؛ مما يجعل فهمها أمراً مستعصياً على غير المتخصص، وهذا ما ننأى عن الخوض فيه مقتصرين على السيرورة التاريخية لظاهرة المهدوية في المخيال الصوفي لبلاد المغرب الإسلامي.
تختلف ظاهرة المهدوية عن الطروقية(٥٤) المغربية، فهي ظاهرة شمولية تأبى الحياد والتخندّق؛ وهذا ما لا ينسجم مع أيديولوجيا الزوايا التي تأسست على نظرة إقليمية يحمي حرمتها البعد الأمني الذي توفره الحكومة. بخلاف (المهدوية) التي تعكس الطابع الحسمي في تعاملها مع الحكومات المستبدة والجائرة، وتعتمد استراتيجية التأييد الغيبي في نجاح مشروعها الإصلاحي العالمي.
لم یجد من لاح له من متصوّفة المغرب الإسلامي أمل الترقي المقامي من الوَلاية إلى الإمامة وسيلة أشرف وأنجع من (ادِّعاء المهدوية) في تسنُّم ظهر الإمامة. فراح كثير منهم يلتمس التأييد من أحكام النجوم والقرانات والحدثان لتوقيتاتهم الزمكانية والوصفية، حتّى إذا انتفت مزاعمهم عادوا إلى توقيتات أخرى. إلّا أن الملاحظ هو تجدد الأمل في ظهور صاحب الأمر الحقيقي بالموازاة مع تجدد المزاعم، ولعلّ ذلك يرجع إلى الثقة العمياء بمن يتصدّر مقام الولاية الصوفية(٥٥).
تمثّلات ظاهرة المهدوية في المخيال الشعبي الأدبي:
يحتل الأدب الشعبي مكانة مهمة في المخيال المغاربي؛ خصوصاً (الملحون) منه الذي يعدّ ضرباً من ضروب الشعر المغربي، وديواناً يحكي حياة المغاربة ويستعرض حضارتهم العريقة. وحيث إن حبل الوصال مع أهل البيت (عليهم السلام) يمثّل الصورة القدسية في مخيال الشعب المغاربي؛ فإن سيرتهم ودورهم في حفظ الرسالة المحمدية قد شكّل الموضوع الأساس لهذا النمط من الشعر الشعبي.
يعتبر الباحث الاثنوغرافي(٥٦) (ج. ديبارمي) الأدب الشعبي نمطاً من أنماط المقاومة القولية التي ترسّخ أمل التحرر من نير الاستعمار وتزيح صورة اليأس عن المخيال المغاربي؛ فيقول: (الصورة الصادقة للشعور الجماهيري المتطلع إلى جلاء الفرنسيين من البلاد)(٥٧). وبعبارة أخرى فهو أدب نضالي المنحى يعبّر عن ذاتية صادقة ترتكز على ثوابت تاريخية مثل الارتباط بالأرض، والتطلع إلى الحرية ومقاومة الاستبداد. فالمجتمع الجزائري قد قصّ للتاريخ مخياله النضالي من خلال الصور الشعرية لقصائد الشعر الملحون بدواً من التأريخ القديم وصولاً إلى صور بطولية أخرى لزعماء الكفاح الوطني تعيد الاعتبار إلى الذات الجماعية التي أبت إلّا أن تعيش عزيزة أبيَّة(٥٨).
ترجع موضوعية الظاهرة المهدوية في الشعر الشعبي الجزائري إلى ما بين (١٨٨١-١٩١٨م)؛ حيث اقترنت سنة (١٩٠٨م) بحلول القرن الرابع عشر الذي اعتبره الرأي العام الجزائري زمن ظهور (الإمام) المصطفى من قبل الله لقيادة المؤمنين وإنقاذهم من جور الكافرين. فتراءت التمثّلات الشعرية في فضاء الأدب الشعبي متغنية بالحاج قيوم (قاهر سبعة أجناس منها الفرنسيين)(٥٩) وبجيشه العرمرم الذي يضرب بمناطده -Zeppelins - في السماء وبغواصاته في البحر وبمدافعه ذات عيار (٤٢٠) في الأرض(٦٠) فما على فرنسا إلّا أن تغادر الجزائر أمام زحف القوات الألمانية.
حلل الباحث ديبارمي(٦١) مدونة (ديوان الصالحين) التي يرجع تاريخها إلى سنة (١٩٠٨م) وقد عثر عليها بناحية (البليدة)(٦٢)، فلاحظ أنها تحكي (مداولات الأولياء الصالحين بإشراف القطب سيدي عبد القادر الجيلالي) وتدعوهم إلى تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي بهذا الدعاء: (يا أيها الأولياء الصالحون قوموا وتكفلوا بقضيتنا... ابعثوا إلى هذه الأمة صاحب الوقت ومولى الساعة).
من نماذج هذا النمط الشعري الذي يعدّ لوحة شعرية صادقة تجسّد الإيمان بهذا الوعد الإلهي؛ ما أنشده أحد أولياء الله الصالحين (سيدي عيسى الأغواطي(٦٣) الحسني)؛ قال:

طلعت شمسك من سماوات الفردوس

وطاعت لك يا بن الرياس الروس

اسعدك سعدين بألف أصبحت عروس

في مكناس ألفين عفس فيها دوس

العين اسمك للعناية يا مرفوس

البا يا موالي بهجة النفوس

الدال اسمك في كفك الأغوال تبوس

والقاصي في استنبول أهل القوس

مولاي إدريس بيك في كم روس

كان طعام الناس قبل أمرك مسوس

نصرتك يا فحل الفحول إحاطة سوس

كان أباك بسطوته كُلّاب ضروس

اخلفته في سيرتك حتّى الناموس

تاب العاصي تاب من هو فلعوص

اسلاحك عدام يبري كل حسوس

نصره فيها ألف هيبه والمنقوص

عمرت بيك بلاد يا سيدي محروس

جامع مانع نلتها من غير فلوس

مقواك ولد المصطفى جنة قيطوس

خذها كيف عصاة موسى بها حوص

حاتم طي وليد النبي برنوس

فرنسيس وسبنيول ملوك الناقوس

من زفرات محاينك لبدا محسوس

اعمالة وهران اخليها دبوس

ما يبريه إلّا كتاب يجي من سوس

 

حتّى أن سنى نورها تحت الثرى

ورضات بيك اميارها راجل وأمرا

في دوح الوجود يا ولد الزهرا

فوق أعناق الطاغيين أنبت شجره

في نور الكبره وفي فهر القدرة

بسخاوتكم يا ملوك أهل العمره

حسك في صنعا وفي الشام ومصرا

ما يجهل ذكرك ولا ذكر القدره

ملوك السود أولادهم بيك أمرا

كيف ظهرت أطياب مشروب الورى

وأفعالك في تينبكتو مشكوره

غرب وشرق في القدر شامخ السيره

يطيعك لو تامره يبرز برا

ورضات بيك الصالحين أهل النصره

حتّى بالجاذيب يا زين الغره

من لا طاعك طاح في النار الحمرا

بيد البطش شديد يا بدر الداره

معطى العاطي قدها لك مظفوره

سلسلة الرسلا والأنبيا الحضره

وتبع طريق جدك منجوره

فوق لباسات الملوك المذكورة

أرفد منهم عساعيس هجماتك مره

في بر عساعيس هجماتك مره

بخنافر الأرياف من ذيك الكفره

عنوانه طابع العناية والكبره(٦٤)

وقال في خروجه:

سيف الحق نسل من غمده مسنون

لفيف الحق انحل من كن فيكون

بدر الفخره من السحاب خرج في لون

شمس الفتح شعاعه من كبد الكون

لمع أتجلى ممدوح بهجة سر الكون

علا الإسلام مع المواهب لون بلون

 

وعلى سر البطش في الظلمه قطع

ريش ريش القهر من فمه يسطع

أتحير العين في الشعاع يذا هو شع

انفلتت فوق الورى والنور

جبده ربي لكورة العالم يدفع

اخباواته وال بغى السع يلسع (٦٥)

إلى أن يقول(٦٦):

راني في هذا البلاد هنا مرهون

يخرج سعدي معاك في من هو مدفون

ويكت نوفى نقابلك ونقول لهون

إذا ربي عطفك وسخات عيون

منك قربني وبدل هذا اللون

حياتي مت لكني ماني مدفون

راني عايش بيك يا عيش الكمون

ما تفسد في محبتك يا سيدي طنون

بنذيق غناك والغرام يصب مزون

نقره صحيح وكان مكتوب من الكون

تملكها من واد نون إلى طيلون

تسلب حتّى اللي تبع سيرة قارون

كنت أنت وعنايتك في الكون كمون

يا ممضاك بسيف من ربي مسنون

وفي حجرك أولادتي يحياوا سكون

 

نرجى في من آل خبرك يتبوع

يتمحلى في دولتك راه مدعدع

يا من فيك الخير راعييني واشفع

وأنت هلالك فوق من طالع يطلع

واللي راني لابسه لين يرجع

انصرني يا بن الرسول ادفع وانفع

أنت زادي وماك في القلب منقع

حي وتحت التراب راني متولع

الساني في عجايبك شكره يفزع

من تفكارك عاش فكري متوجع

وتجيك هدايا اسطنبول الشايع

تبرد نسفاتها اللفعة هي واللفع

وعداك الحساد بعدك تضعضع

رماحك تهزم ما خذه من كل سبع

ويذا ماتوا في حجر جدك يشفع

بيدي قابض فيك مانيشي بالصبع(٦٧)

خاتمة:
ترجع صعوبة ملامسة جدلية المقدّس وتمثّلاته في المخيال المغاربي لأمرين مهمين: الأول هو قياس المقدّس بنجاح تمثّلاته الآنية بدلاً عن قياس التمثّلات برسوخ المقدّس نفسه. إلّا أن تجاوز فشل تلك التمثّلات بعد كل كبوة ينبئ عن أن الحقيقة المهدوية في بلاد المغرب الإسلامي حقيقة راسخة وأن المهدي المنتظر أمل اللحظة والآن. ما يعني أن الظاهرة المهدوية امتزجت مع الثقافة الأمازيغية المحلية لبلاد المغرب الإسلامي امتزاجاً ميثولوجياً لتكون محرّكاً رئيساً لحركات المقاومة والتحرر من نير الاستعمار.
في آخر هذا البحث المتواضع يجدر بنا الالتفات إلى أن كثيراً من الدراسات التاريخية التي تناولت المقدّس بنحو عام أو (ظاهرة المهدوية) بنحو خاص في بلاد المغرب الإسلامي قد وقعت عمداً أو استدراجاً في خندق حرب مخيالية (سيكوترونيية)(٦٨)؛ أي (المخيال وصناعة المخيال المضاد) لتوجيه المخيال المغاربي فيما يتعلق بالمقدّس وعلى رأسه ظاهرة المهدوية إلى دائرة الخرافة والأساطير؛ وإرجاع الفشل الذي منيت به بعض الدول الحاكمة في بلاد المغرب الإسلامي إلى نفس الاعتقاد بالمهدوية رامية من خلال ذلك إلى إيجاد حالة من الإحباط الوجداني والعملي في نفوس من حملوا راية المقاومة، بيد أن الصور المخيالية لظاهرة المهدوية في بلاد المغرب الإسلامي كانت وستظل من أكبر المحفّزات لبقاء راية النضال خفّاقة في وجه الظلم والجور.

الهوامش:
(١) صيغة منحوتة من إدغام كلمتين (سيسيولوجيا) و(ثقافية) تشير إلى تقاطع البعد الاجتماعي والثقافي.
(٢) المواضعة إشارة إلى الوضع اللغوي.
(٣) صيغة منحوتة من إدغام كلمتين (سيسيولوجيا) و(أنثروبولوجيا) تشير إلى تاريخ علم الإنسان الاجتماعي.
(٤) تخصص دقيق من فروع الانثروبولوجيا يهتم قبل كل شيء بأصل وطبيعة الدين؛ حيث يدرس الظواهر الدينية انطلاقاً من بعدين: زماني (synchronique) وآخر تعاقبي وتكاملي (diachronique).
(٥) فريدريك فيلهيلم نيتش :(Friedrich Nietzsche) ‏ فيلسوف وناقد وشاعر ألماني، كان لمقارباته الفلسفية تأثير كبير على مسار الفلسفة الغربية، له مقاربة تسمى بـ (موت الإله) أو أفول المتعالي تشير إلى أن الناس قد أفنوا المتعالي من خلال أعمالهم لذا يتعين أن يتعالى الإنسان ليحقق صورة الإنسان المتألّه أو المتعالي.
(٦) الشهيد الصدر، بحث حول المهدي، مقدمة المؤلف.
(٧) الجوهري الفارابي أبو نصر، الصحاح؛ تاج اللغة، مج. ٦، تحقيق، أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، ط. ٤، بيروت، ١٩٨٧، مج. ٦، ص. ٢٥٣٣.
(٨) ابن منظور الإفريقي، لسان العرب، ج. ١٥، دار صادر، بيروت، ص٣٥٤.
(٩) الحموي ياقوت، معجم البلدان، مج. ٥، دار صادر، بيروت، ١٩٧٧، ص٢٣٠.
(١٠) عرف هذا الاصطلاح الرواج في منتصف القرن الحالي على يد عالم التحليل النفسي الفرنسي جاك لاكان (Jacques Lacan).
(١١) السيرورة التاريخية تمثل حركة تعاقبية وتكاملية للأحداث التاريخية وفق أيديولوجية خاصة.
(١٢) الذاتانية (Subjectivism) مذهب فلسفي رأى أن المعرفة تدور مدار الخبرة الذاتية والانكفاء على الذات في تفسير الوقائع والمعتقدات؛ وقد وظفتها هنا لأشير بأن المخيال الفردي لا يعتد به في الدراسات الانتربولوجبة إنما الاعتداد يكون بالمخيال الاجتماعي.
(١٣) ينظر جذر (قدس)، ابن منظور، لسان العرب.
(١٤) ينظر جذر (قدس)، محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، التهذيب في اللغة، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الأولى، ٢٠٠١م.
(١٥) يراجع قاموس الاتنولوجيا والأنثروبولوجيا؛ بيار بونت وآخرون، ترجمة مصباح الصمد، نشر (مجد)؛ ط٢، بيروت، ص ٦٦٤-٨٦٥.
(١٦)PARKIN (R.) and DE SALES (A.), Out of the study and into the field. Ethnographic theory and practice in French anthropology, New York, oxford, Berghahon Books, ٢٠١٠, p. ٤٥.
(١٧) JUNG (C.-G.) et VON FRANZ (M.-L.), L’homme et ses symboles, Paris, Robert Laffont, ١٩٩٠.
(١٨) إدوارد بايرنت تايلور ( Edward Burnett Tylor) أنثروبولوجي إنكليزي، و أستاذ علم الأنثروبولوجيا بجامعة أكسفورد (١٨٩٦ – ١٩٠٩) يعد الواضع لعلم الانتربوبولوجيا الثقافية. من أشهر مؤلفاته (الثقافة البدائية) و(الانثروبولوجيا ).
(١٩) TAYLOR (E.), Primitive culture, London, ١٩٧٣, p.٣
(٢٠) COURTAS (R.) et ISAMBER (F.-A.), «La notion du "sacré"» ; in Archives des sciences sociales des religions, vol. ٤٤, numéro ١, ١٩٧٧, p. ١٤٨.
(٢١) المقصود من الدليل الأنفسي هنا هو: أن النفس المتلبسة بالمعتقد الديني (المقدس) تلامس حقيقة ذلك المعتقد من خلال انسحاب قدسيته على أفعالها؛ فلا تحتاج حينها إلى تعمّل فكري لتدرك حقيقة ذلك المقدس.
(٢٢) دعوى السفارة في الغيبة الكبرى، آية الله الشيخ محمد السند: ص٤١.
(٢٣) الاجتهاد والتقليد، الشيخ محمد مهدي الآصفي: ص١٠٥.
(٢٤) أَرْكيُولُوجيا: علم الآثار والفنون القديمة، وقد استخدمته في عبارة (سياحة اركيولوجية) لكي أبين أن الباحث التاريخي الذي يقف على سطحية الظواهر هو بمثابة سائح تجذبه جمالية الآثار بخلاف الباحث التاريخي الذي يسعى إلى تفهم الظواهر التاريخية ومتابعة ملابساتها الاجتماعية والسياسية و...
(٢٥) تاريخ ابن خلدون، عبد الرحمان بن خلدون: ج٦؛ ص ١٣٨
(٢٦) سجّل البكري إحدى أقدم الإشارات التي يَظْهَر فيها توظيف المهدوية، حينما ذكر متحدثاً عن صالح بن طريف البرغواطي، زعمه أنه (سَيَنْصَرِف إليهم في دولة السابع من مُلُوكِهِم، وأنه المهدي الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان لقتال الدجال، وأن عيسى بن مريم سيكون من أصحابه وسَيُصَلّي خلفَه. وتَكَلَّم في ذلك كلاماً كثيراً نَسَبَهُ إلى موسى الكليم وإلى سطيح الكاهن وابن عباس) البكري أبي عبيد الله، المسالك والممالك؛ الجزء الخاص ببلاد المغرب، تحقيق زينب الهكاري، مراجعة، محمد لغرايب، مطابع ربا نيت، الرباط، ٢٠١٢، ص٢٤٩.
(٢٧)Herman beck leonard, l’image d’Idriss II, ses descandants de Fas et la politique sharifienne des sultans marinides (٦٥٦-٨٦٩/١٢٥٨-١٤٦٥), Collection, Asfar, v. ٣, traduction, Nambot. A. M, Editions, J. brill, leiden, ١٩٨٩, pp. ١٧. ٤٩
(٢٨) أرينال كارسيا، (التشوف اليهودي زمن المهدوية)، ترجمة، محمد لغرايب، الرباط، ٢٠١٣، ص٤٣٣.
(٢٩) استيتو محمد، (الجغرافيا وتفسير الظواهر الدينية في مقدمة ابن خلدون؛ الظاهرة الدينية أنموذجاً)، منشورات، مجلة كلية الآداب بالقنيطرة، ع. ٩، ٢٠٠٩، ص١٨٨.
(٣٠) MARIBEL Fierro, « Le mahdi Ibn Tûmart et al-Andalus: l'élaboration de la légitimité almohade », Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée En ligne., ٩١-٩٤ | juillet ٢٠٠٠)
(٣١) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصفهاني: ص ٢٩٩.
(٣٢) المصدر السابق: ص ٣٠٤.
(٣٣) ينظر الدر النفيس والنور الأنيس في مناقب الإمام إدريس بن إدريس (رض)، أحمد بن عبد الحي: ج١، ص٤٣٤، وكذا (الخلافة العباسية وموقفها من الدول المستقلة في المغرب)، ياسر طالب الخزاعلة: ص١٥٧.
(٣٤) هناك روايتان في قتله: الأولى أنه قد أهدي إليه عطر مسموم فلمّا شمه نال السمّ من بدنه حتّى التحق بالرفيق الأعلى. والثانية أنه أهدي له مسواك مسموم.
(٣٥) أعيان الشيعة ٣/٢٣١: إدريس.
(٣٦) مصدر صِنَاعِيٌّ يَدْعُو إِلَى صناعة مُجْتَمَعٍ خَالٍ مِنَ الصِّرَاعِ تسوده المُثل العُلْيا؛ يقال فكر طُوبَاوِيٌّ؛ أي فكر يتحرّك في فضاء مثالي من المثل والأخلاقيات.
(٣٧) وهي من أعلى قمم جبال الأطلس المغربي التي يطلق عليها حالياً (الأطلس الكبير) وأغلب سكانها من الأمازيغ.
(٣٨) الهاشمي العلوي قاسم، (حركة المهدوية في الغرب الإسلامي)، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، ع. ١٠، ١٩٨٩، ص ١٨٣-١٨٤.
(٣٩) البيذق أبوبكر الصنهاجي، المقتبس من كتاب الأنساب في معرفة الأصحاب، تحقيق: عبد الوهاب بن منصور، دار المنصور، الرباط، ١٩٧١، ص ١٢ و١٣.
ومن المصادر التي تذكر نسبة ابن تومرت إلى بيت النبوة نجد ابن خلدون يعتبر من أبرز المدافعين عن ابن تومرت، حتّى أنه يذكر طريقين لنسبه يؤيد كلاهما إلى إثبات النسبة المحمدية.
(٤٠) انظر: الإمامة عند ابن تومرت - دراسة مقارنة مع الإمامية الاثني عشرية - علي الإدريسي - الجزائر - ديوان المطبوعات الجامعية-١٩٨٧م، ابن تومرت، أعز ما يطلب، تحقيق د.ع بد الغني أبو العزم: ص٢٣.
(٤١) المصدر السابق، ص٢٤.
(٤٢) المصدر السابق.
(٤٣) يراجع المهدوية كإيديولوجية سياسية بالمغرب، عبد الله حمودي، المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي: عدد٧-٨.
(٤٤) ابتداء دولة العبيديين من كتاب العبر للمؤرخ ابن خلدون: ج٤، ص٤١؛ يرى البعض أن هذا الكلام جاء على لسان أبا سفيان؛ ينظر تاريخ الدولة الفاطمية.
(٤٥) مرماجنة: قرية بإفريقيا تسكنها قبيلة هوارة وبين مرماجنة والأريس مرحلة. ينظر: ياقوت الحموي، المصدر السابق، ج ٥، ص ١٠٩.
(٤٦) ابن خلدون، المقدمة، ج ١، ص ٤، أنظر أيضاً الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج٨، ص ٣١.
(٤٧) أبو عبد الله الشيعي مؤسس الدولة الفاطمية، علي حُسني الخربوطلي، ص ٣٩-٤٠.
(٤٨) كناية عن عدم الاستقرار والتغير المستمر، وهو لفظ يستخدم أيضاً في مجالات متعددة من قبيل الطب والفيزياء.
(٤٩) DESPARMET, J..- Les réactions nationalitaires….- in BSGA, Alger, ١٩١٠.
(٥٠) ابن ع المازرى - المرجع السابق - ص٢٢٢.
(٥١) زوزو، ع ج.- ثورة الأوراس. – الجزائر، ١٩٨٦- ص٦٣.
(٥٢) تم توضيح معنى هذه المفردة سابقاً في هامش رقم (٢٤).
(٥٣) هذه العبارة هي مقولة مشهورة في بلاد المغرب تداولها المحققون باعتبارها من المشهورات.
(٥٤) الطروقية لفظ مشتق من الطريقة التي يوصف بها المتصوفة عادة فيقال: أهل الطريقة؛ وهو لفظ مشهور عندنا في بلاد المغرب.
(٥٥) يرجع إلى مبحث تمثلات ظاهرة المهدوية في مخيال مقاومة الاحتلال الفرنسي من هذه الدراسة لمعرفة بعض مدعي المهدوية من شيوخ الصوفية.
(٥٦) نسبة إلى أثنوجرافيا المشتقة من الكلمة اليونانية (Ethnos) وتعني العرق والجنس، وهو فرع من فروع الدراسات الأنثروبولوجيا.
(٥٧) DESPARMET, J..- Les élégies et les satires politiques.- in BSGA, Alger, ١٩٣٣.
(٥٨) DESPARMET, J..- Les chansons de geste ١٨٣٠ – ١٩١٤.- in Revue africaine, Alger, ١٩٣٢.
(٥٩) إمّا أنه اعتبر هو (الإمام المهدي) أو أنه الممهد لظهور الإمام.
(٦٠) DESPARMET, J..- La chanson d’Alger pendant la guerre
(٦١) DESPARMET, J..- Les cent et une séance. – in BSGA, Alger, ١٩١٠
(٦٢) مدينة جزائرية.
(٦٣) نسبة إلى مدينة الأغواط الجزائرية.
(٦٤) خلاصة ما أفاده هذا النظم الراقي صورة ومعنى: أن الشاعر بدأ باستعراض وجداني للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والتعريف به وبكراماته معرجاً على تجليات نهضته المباركة؛ خصوصاً تلك التي تعصف بجيوش الظلم والجور مستخدماً الرمز في نعوتها بما يقتضيه العصر الذي يعيش فيه.
(٦٥) في هذه المقاطع يستعرض الشاعر الصالح قدرة سيف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عند خروجه مستخدماً بعض المفاهيم الصوفية والعرفانية.
(٦٦) يعرّج الشاعر في هذه الأبيات على حالة الوجد التي تعتريه كمنتظر لخروج المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه)؛ فيبدأ بمحاكاته الوجدانية بكلمات مرموزة وأخرى صريحة، مستجدياً إياه في الأخذ بيده؛ فهو من دونه جسد خوار. ثمّ يصرّح بأن وجوده في هذه الدنيا منوط برؤية طلعته البهية إلّا أن طول انتظاره قد أضنى قلبه العاشق، إلى أن يختم كلامه ببيت رائع مفاده أن مصير ذرية الشاعر إلى أمرين: إمّا الحياة مع الإمام (عليه السلام) أو الشهادة التي لا يعدلها إلّا شفاعة جدّه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
(٦٧) قصيدة للشاعر الشعبي: سيدي الحاج عيسى الأغواطي، من شعراء الجزائر في النصف الأول من القرن الثامن عشر وهو ولي من أولياء الله الصالحين ينتهي نسبه إلى الإمام الحسن (عليه السلام) الجفر في الشعر الشعبي الجزائري: دراسة أدبية، أطروحة مقدمة لنيل دكتوراه العلوم في الأدب الشعبي، للباحث بومداني مصطفى، ص ٧٦-٨٨؛ ٢٠١٦م.
(٦٨) يرى البعض أن سايكوترونيك هو (علم القوى الخارقة)؛ إلّا أنه في الحقيقة مشروع اعتمدته قوى الاستكبار العالمي لصناعة تصورات ذهنية بديلة تخدم مصالحها من خلال دراسة مواطن الطاقة الإدراكية في الإنسان والهيمنة عليها إعلامياً.

التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016