العلاقة بين بيعه الغدير وبيعة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
حنان الزيرجاوي
بيعة إمام زماننا هي بيعة الله، وكل العهود والعقود والمواثيق هي له ومعه، جاء في دعاء العهد الشريف: اَللّهُمَّ إنّي أُجَدِّدُ لَهُ في صَبيحَةِ يَوْمي هذا وَما عِشْتُ مِنْ أَيّامي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ في عُنُقي، لا أَحُولُ عَنْها وَلا أزُولُ أَبَداً.
هل سألنا أنفسنا يوماً ما هي حقيقة هذه البيعة؟ هل هي أخلاقية أم سياسية أم رمزية؟ وما هي الآثار المترتبة على من ينكث هذه البيعة؟
نأتي إلى الجواب من القرآن الكريم: من سورة الفتح المباركة الآية العاشرة حين قال سبحانه وتعالى مخاطباً النبي (صلّى الله عليه وآله): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾.
فرسول الله (صلى الله عليه وآله) بايعه الناس وكانت يده فوق أيديهم والقرآن الكريم عبر عنها أنَّها كانت بيعة مع الله وعن يده أنَّها يد الله لأنَّه رسوله وهو يمثله في اﻷرض، فبيعة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) هي بحقيقتها بيعة الله بنص القرآن الكريم، ولأن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) يمثلون الرسول الأعظم (صلّى لله عليه وآله وسلم) فتكون بيعتهم بيعته وبالتالي بيعة الله (عزَّ وجل)، ولذلك فقد بويع إمامنا الرضا (عليه السلام) بنفس الطريقة التي بويع فيها النبي (صلّى الله عليه وآله)، كما جاء في إرشاد المفيد، في حديث بيعة الإمام الرضا (عليهِ السَّلام) قال: وجلس المأمون ووضع للرضا (عليهِ السَّلام) وسادتين عظيمتين حتى لحق بمجلسه وفرشه، وأجلس الرضا (عليهِ السَّلام) في الحضرة وعليه عمامة وسيف.ثم أمر ابنه العباس بن المأمون أن يبايع له في أول الناس فرفع الرضا (عليهِ السَّلام) يده فتلقى بها وجهه وببطنها وجوههم فقال له المأمون: ابسط يدك للبيعة فقال الرضا (عليهِ السَّلام): إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) هكذا كان يبايع فبايعه الناس ويده فوق أيديهم.
وهنا يأتي السؤال، كيف يمكننا مبايعة إمام زماننا الغائب (عجّل الله فرجه)؟
في زماننا نحن نبايع إمام زماننا، وكما تبين لنا أن معنى البيعة مع صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) هي بيعة مع الله، والبيعة مع إمامنا هي بيعة في أصل العقيدة، ولابد أن تمتزج هذه البيعة بالعقول والأرواح والقلوب ولابد أن تكون أولى الأولويات عند المؤمن لأنها بيعة إلهية.
إذا كانت البيعة بهكذا قيمة ومكانة إذن، ما هي صفات الشخص المبايع للإمام الحجة (عجّل الله فرجه)؟
لابد أن يتصف المبايع لإمام زمانه بصفات، منها الأمان والإخلاص والتقوى وغيرها من الصفات حتى يستكمل بيعته مع إمام زمانه الحجة بن الحسن (عجّل الله فرجه) وهو الفوز العظيم ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾
كيف نوفي بالعهد ولا ننقض بيعتنا مع إمام زماننا الحجة بن الحسن (عجّل الله فرجه)؟
جاء في زيارة الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) ونحن نخاطبه: فلو تطاولت الدّهور وتمادَتْ الأعمار لم أزدَد فيكَ إلّا يقيناً ولكَ إلّا حبّاً وعليكَ إلّا متَّكِلاً ومعتمِداً ولظهوركَ إلّا متوقِّعاً ومنتظِراً، ولجهادي بين يديكَ مترقِّباً، فأبذُلُ نفسي ومالي وولدي وأهلي وجميع ما خولني ربي بين يديك، والتصرف بين أمرك ونهيك.
مولاي فإن أدركت أيامك الزاهرة، وأعلامك الباهرة، فها أنا ذا عبدك المتصرف بين أمرك ونهيك، أرجو به الشهادة بين يديك، والفوز لديك، مولاي فإن أدركني الموت قبل ظهورك، فإني أتوسل بك وبآبائك الطاهرين إلى الله تعالى، وأسأله أن يصلي على محمد وآل محمد، وأن يجعل لي كرة في ظهورك، ورجعة في أيامك، لأبلغ من طاعتك مرادي، وأشفي من أعدائك فؤادي. [بحار الأنوار، العلامة المجلسي ج٩٩، ص١١٨]
وورد أيضاً أنَّ مِن تمام الوفاءِ بالعهد والبيعة مع إمام زماننا، هُو زيارة الأئمةِ (عليهم السلام)، ﻷنَّنا حِين نزورُ الأئمةَ إنّما نُجدّدُ العَهْد معَ إمام زماننا (عجّل الله فرجه) كما قال إمامُنا الرّضا (عليهِ السَّلام): إنّ لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحُسنِ الأداء زيارةَ قبورهم، فمَن زارهم رغبةً في زيارتهم، وتصديقاً بما رغبوا فيه كان أئمّتُهم شفعاءَهم يومَ القيامة. [الكافي، ج٤ ص٥٦٧]
وهذا العهد يتجدد يومياً بيننا وبين إمامنا (عجّل الله فرجه) كما ذكرنا في دعاء العهد: اَللّهُمَّ إنّي أُجَدِّدُ لَهُ في صَبيحَةِ يَوْمي هذا وَما عِشْتُ مِنْ أَيّامي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ في عُنُقي، لا أَحُولُ عَنْها وَلا أزُولُ أَبَدا. [بحار الأنوار ج٥٣ ص٩٥]
وهذه بعض الأمثلة من الزيارات واﻷدعية التي تبين حدودنا اتجاه إمام زماننا والصفات التي يجب أن نتحلى بها حتى نوفي العهد والبيعة ﻹمام زماننا، فنحن عبيده كما مر، (فها أنا ذا عبدك المتصرف بين أمرك ونهيك)، وإنْ كُنّا لا نستحقُّ هذا الانتساب ولكنّهُ التَشريفُ من إمامنا (عجّل الله فرجه).
فإذا عرفنا هذه الحدود سوف نبدأ بالمسير الصحيح بالبيعة مع إمام زماننا، ولا نغفل بأنَّ المعرفة هي أساس العهد والبيعة مع إمامنا وهي التي تزيد قوة الرابطة بيننا وبين إمامنا، كما قال باقرُ العترة (عليه السلام): ذِروَةُ الأمر، وسِنامهُ، ومِفتاحُه، وبابُ الأشياء، ورِضا الرحمن، الطاعة للإمام بعد معرفته. [وسائل الشيعة ج١ ص٢٩]
مثال على ذلك هل نحن نستشعر معنى البيعة بكل معانيها؟
إذا أخذنا هذا المقطع من دعاء الندبة وطبقناه على أنفسنا فهل هو فعلاً منطبق علينا أو فقط لقلقة لسان والمقطع هو :(بنفسي أنت من مغيب لم يخل منا)
أي لم يغب عن عقولنا وأرواحنا وحركاتنا وظاهرنا وباطننا، هل هذه الحالة فعلاً نعيشها مع إمام زماننا؟ والجواب تجدونه في نفوسكم، لأنه من لا يستشعر معنى العبودية من نفسه اتجاه إمام زمانه لم ولن يصل لهذه المرحلة لأن العبد هو الذي يستشعر هذه الحالة مع مولاه.
الخاتمة نذكر هذه القصة:
مر الإمام الكاظم (عليهِ السَّلام) على دار بشر ببغداد، فسمع أصوات الغناء والطرب تخرج من تلك الدار، فخرجت جارية وبيدها قمامة البيت فرمت بها في الدرب، فقال (عليهِ السَّلام) لها: يا جارية، صاحب هذا الدار حرّ أم عبد؟
فقالت: بل حرّ.
فقال (عليهِ السَّلام): صدقت، لو كان عبداً لخاف من مولاه..
فلما دخلت قال مولاها وهو على مائدة السكر: ما أبطأك علينا؟
فقالت: حدثني رجل بكذا.
فخرج بشر حافياً حتى لقي مولانا الكاظم (عليهِ السَّلام) فتاب على يديه.
هذه الآية شرط من شروط البيعة وفيها فوائد عمليّة مترتّبة كثيرة نذكر منها: الشعور بالارتباط بالقائد الإلهيّ الّذي يشكّل امتداداً واضحاً لمسيرة الأنبياء والأوصياء عبر مراحل مختلف الأديان السماويّة. وهو وصيّ رسول الله (صّلى الله عليه وآله وسلم).
أنّ المرتبط ببيعة للإمام المنتظر المدرك لمقتضيات هذه البيعة، سيكون شديد الصلة بنائبه الّذي أمر (عليه السلام) بالرجوع إليه لابد أن يكون له بعد عقائديّ صحيح في عصر الغيبة الكبرى.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): كل رايه ترفع قبل القائم صاحبها طاغوت يعبد من دون الله. [كتاب الكافي ج٨، ص٢٦٥]
يجب الحذر من الركون إلى الظالمين لأنّ من يبايع قائداً إلهيّاً أساس دعوته توحيد الله ونفي الآلهة المصطنعة. فسيشكّل ذلك حاجزاً نفسيّاً بينه وبين الطواغيت الّذين يعيثون في الأرض فساداً ويحكمون بغير ما أنزل الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين...