أدلَّة إمامة المهدي (عجّل الله فرجه) (٨)
الدكتور إحسان الغريفي
مِن خلال استعراض الأدلة النقلية في الحلقات السابقة، تبيَّن إجماع المسلمين على حتمية ظهور المهدِّي (عجّل الله فرجه)، وقد تمَّ إثبات ولادته، وأمَّا بشأن حياته فقد ذُكِرَ في العدد السابق وجهان للاستدلال على حياته، وأمَّا الوجه الثالث: فقد ثبُت من خلال الروايات الصحيحة أن الأرض لا تخلو مِن إمام مِن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فإذا خلت أتاهم أمر الله، ومِن هذه الروايات ما رواه أحمد بن حنبل بسنده عن عليّ قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (النجومُ أمانٌ لأهل السماء، إذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وأهلُ بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهلُ بيتي ذهب أهل الأرض).(١) وأهل البيت الذين هم أمان لأهل الأرض هم الأئمة (عليهم السلام)، فلابد مِن وجود إمام، في كلّ عصر وزمان، وهذه القول قد نادى به جماعة من علماء المسلمين منهم العلامة محمد عبد الرؤوف المناوي، فقد قال في شرحه لحديث الثقلين: (تنبيه) قال الشريف: هذا الخبر يفهم وجود مَن يكون أهلاً للتمسك به مِن أهل البيت والعترة الطاهرة في كلِّ زمن إلى قيام الساعة، حتَّى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به، كما أنَّ الكتاب كذلك، فلذلك كانوا أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض.(٢) وهذا القول يدعم صحة الاعتقاد بحياة الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه).
وأمَّا الوجه الرابع الَّذي يستفاد منه حياة الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه) فهو ورود روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت بشرت بولادة المهدي (عجّل الله فرجه) قبل ولادته، ونبَّأت عن غيبته قبل غيبته، فعن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: للقائم غيبة قبل قيامة، قلت: ولِمَ؟ قال: يخاف على نفسه الذبح.(٣)
وقال العلامة المجلسي: إن من جملة ثقات المحدثين والمصنفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزراد، وقد صنف كتاب المشيخة الذي هو في أصول الشيعة أشهر من كتاب المزني وأمثاله [عند السنة] قبل زمان الغيبة بأكثر من مائة سنة، فذكر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة فوافق المخبر، وحصل كلما تضمنه الخبر بلا اختلاف.(٤)
ومن جملة ذلك ما رواه عن إبراهيم الحارثي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: لآل محمد غيبتان واحدة طويلة والأخرى قصيرة؟ قال: فقال لي: نعم يا أبا بصير، إحداهما أطول من الأخرى، ثم لا يكون ذلك يعني ظهوره حتى يختلف ولد فلان، وتضيق الحلقة، ويظهر السفياني، ويشتد البلاء، ويشمل الناس موت وقتل، ويلجؤون منه إلى حرم الله تعالى وحرم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم).
وأمَّا الوجه الخامس الَّذي يثبت حياة الإمام المهديّ(عجّل الله فرجه)، فهولابدَّ لكلِّ مسلم أن يكون له إمام يتبعه، فمَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، فإذا لم يكن المهدي حيّاً، فلا يوجد شخص في عصرنا الحاضر يصلح أنْ يكون إماماً قدوة يتبع، وهذا غير ممكن لما يلزم مِن الموت ميتة الجاهلية، كما ورد في الحديث الشريف الذي رواه أحمد بن حنبل فقال: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً).(٥)
ويدعم ذلك قوله تعالى: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ[الرعد/٧].
الوجه السادس والأخير هو أنَّه قد ذكر جماعة من العلماء منهم الزرندي الشافعي، وابن حجر الهيتمي، ويوسف بن يحيى بن علي المقدسي الشافعي السلمي عن أبي جعفر أنَّه: يظهر المهدي بمكة عند العشاء معه راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وقميصه وسيفه وعلامات ونور وبيان، فإذا صلى العشاء خطب خطبة بأعلى صوته.(٦) وذكروا الخطبة.
وفي هذا دليل على بقاء المهدي (عجّل الله فرجه) حيّاً؛ لأن القميص والسيف والراية ليس لها وجود الآن إلاّ أن نقول بوجودها عند المهدي يحفظها إلى هذا اليوم.
الهوامش:
(١) فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: ٣٥٦، [فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب /ح .٢٦٩]، والصواعق المحرقة لابن حجر: ٢٣٤، [الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم؛ الآية السابعة].
(٢) فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير: ٣/٢٠[٢٦٣١-حرف الهمزة].
(٣) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق(المتوفى سنة: ٣٨١هـ): ٤٣٧.
(٤) بحار الأنوار: ١٣ / ٢٠٠ [٥١ / ٣٦٥].
(٥) مسند أحمد بن حنبل: ٤/ ١١٩ [٤/٩٦]، [ حديث: ١٦٨٨٢].
(٦) معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول (عليهم السلام) للزرندي الشافعي: ١٩٣.