اللقاء (٢٧): بعض أصدقاء العلامة المجلسي (*) (١)
قَدْ أدْرَكْتُ فِي وَقْتِي جَمَاعَةً يَذْكُرُونَ أنَّهُمْ شَاهَدُوا الْمَهْدِيَّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَفِيهِمْ مَنْ حَمَلُوا عَنْهُ رقَاعاً وَرَسَائِلَ عُرضَتْ عَلَيْهِ.
فَمِنْ ذَلِكَ مَا عَرَفْتُ صِدْقَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ وَلَمْ يَأذَنْ فِي تَسْمِيَتِهِ، فَذَكَرَ أنَّهُ كَانَ قَدْ سَألَ اللهَ تَعَالَى أنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِمُشَاهَدَةِ الْمَهْدِيَّ سَلاَمُ اللهِ عَلَيْهِ، فَرَأى فِي مَنَامِهِ أنَّهُ شَاهِدُهُ فِي وَقْتٍ أشَارَ إِلَيْهِ.
قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ الْوَقْتُ كَانَ بِمَشْهَدِ مَوْلاَنَا مُوسَى بْن جَعْفَرٍ عليهما السلام فَسَمِعَ صَوْتاً قَدْ عَرَفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ يَزُورُ مَوْلاَنَا الْجَوَادَ عليه السلام فَامْتَنَعَ هَذَا السَّائِلُ مِنَ التَّهَجُّم عَلَيْهِ، وَدَخَلَ فَوَقَفَ عِنْدَ رجْلَيْ ضَريح مَوْلاَنَا الْكَاظِم عليه السلام فَخَرَجَ مَنْ أعْتَقِدُ أنَّهُ هُوَ الْمَهْدِيُّ عليه السلام وَمَعَهُ رَفِيقٌ لَهُ، وَشَاهَدَهُ وَلَمْ يُخَاطِبْهُ فِي شَيْءٍ لِوُجُوبِ التَّأدُّبِ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ الرَّشِيدُ أبُو الْعَبَّاس بْنُ مَيْمُونٍ الْوَاسِطِيُّ وَنَحْنُ مُصْعِدُونَ إِلَى سَامَرَّاءَ، قَالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ الشَّيْخُ _ يَعْنِي جَدَّي وَرَّامَ بْنَ أبِي فِرَاسٍ قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ _ مِنَ الْحِلَّةِ مُتَألّماً مِنَ الْمَغَازي وَأقَامَ بالْمَشْهَدِ الْمُقَدَّس بِمَقَابِر قُرَيْشٍ شَهْرَيْن إِلاَّ سَبْعَةَ أيَّام، قَالَ: فَتَوَجَّهْتُ مِنْ وَاسِطَ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأى وَكَانَ الْبَرْدُ شَدِيداً فَاجْتَمَعْتُ مَعَ الشَّيْخ بِالْمَشْهَدِ الْكَاظِمِيَّ وَعَرَّفْتُهُ عَزْمِي عَلَى الزّيَارَةِ، فَقَالَ لِي: اُريدُ اُنْفِذُ إِلَيْكَ رُقْعَةً تَشُدُّهَا فِي تِكَّةِ لِبَاسِكَ _ فَشَدَدْتُهَا أنَا فِي لِبَاسِي _ فَإذَا وَصَلْتَ إِلَى الْقُبَّةِ الشَّريفَةِ، وَيَكُونُ دُخُولُكَ فِي أوَّل اللَّيْل وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَكَ أحَدٌ، وَكُنْتَ آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ فَاجْعَل الرُّقْعَةَ عِنْدَ الْقُبَّةِ فَإذَا جِئْتَ بُكْرَةً وَلَمْ تَجِدِ الرُّقْعَةَ فَلاَ تَقُلْ لأحَدٍ شَيْئاً.
قَالَ: فَفَعَلْتُ مَا أمَرَنِي وَجِئْتُ بُكْرَةً فَلَمْ أجِدِ الرُّقْعَةَ وَانْحَدَرْتُ إِلَى أهْلِي وَكَانَ الشَّيْخُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَى أهْلِهِ عَلَى اخْتِيَارهِ، فَلَمَّا جِئْتُ فِي أوَان الزّيَارَةِ وَلَقِيتُهُ فِي مَنْزلِهِ بِالْحِلَّةِ قَالَ لِي: تِلْكَ الْحَاجَةُ انْقَضَتْ.
قَالَ أبُو الْعَبَّاس: وَلَمْ اُحَدَّثْ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَبْلَكَ أحَداً مُنْذُ تُوُفّيَ الشَّيْخُ إِلَى الآنَ كَانَ لَهُ مُنْذُ مَاتَ ثَلاَثُونَ سَنَةً تَقْريباً.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا عَرَفْتُهُ مِمَّنْ تَحَقَّقْتُ صِدْقَهُ فِيمَا ذَكَرُهُ، قَالَ: كُنْتُ قَدْ سَألْتُ مَوْلاَنَا الْمَهْدِيَّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ أنْ يَأذَنَ لِي فِي أنْ أكُونَ مِمَّنْ يُشَرَّفُ بِصُحْبَتِهِ وَخِدْمَتِهِ، فِي وَقْتِ غَيْبَتِهِ، اُسْوَةً بِمَنْ يَخْدُمُهُ مِنْ عَبِيدِهِ وَخَاصَّتِهِ، وَلَمْ أطَّلِعْ عَلَى هَذَا الْمُرَادِ أحَداً مِنَ الْعِبَادِ، فَحَضَرَ عِنْدِي هَذَا الرَّشِيدُ أبُو الْعَبَّاس الْوَاسِطِيُّ الْمُقَدَّمُ ذِكْرُهُ يَوْمَ الْخَمِيس تَاسِعَ عشرين (عَشَرَ مِنْ) رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ وَسِتّمِائَةٍ، وَقَالَ لِيَ ابْتِدَاءً مِنْ نَفْسِهِ: قَدْ قَالُوا لَكَ مَا قَصْدُنَا إِلاَّ الشَّفَقَةُ عَلَيْكَ، فَإنْ كُنْتَ تُوَطّنُ نَفْسَكَ عَلَى الصَّبْر حَصَلَ الْمُرَادُ، فَقُلْتُ لَهُ: عَمَّنْ تَقُولُ هَذَا؟ فَقَالَ: عَنْ مَوْلاَنَا الْمَهْدِيَّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا عَرَفْتُهُ مِمَّنْ حَقَّقْتُ حَدِيثَهُ وَصَدَّقْتُهُ أنَّهُ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى مَوْلاَنَا الْمَهْدِيَّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آبَائِهِ الطَّاهِرينَ كِتَاباً يَتَضَمَّنُ عِدَّةَ مُهِمَّاتٍ وَسَألْتُ جَوَابَهُ بِقَلَمِهِ الشَّريفِ عَنْهَا. وَحَمَلْتُهُ مَعِي إِلَى السَّرْدَابِ الشَّريفِ بِسُرَّ مَنْ رَأى فَجَعَلْتُ الْكِتَابَ فِي السَّرْدَابِ ثُمَّ خِفْتُ عَلَيْهِ فَأخَذْتُهُ مَعِي وَكَانَتْ لَيْلَةُ جُمُعَةٍ وَانْفَرَدْتُ فِي بَعْض حُجَر مَشْهَدِ الْمُقَدَّس.
قَالَ: فَلَمَّا قَارَبَ نِصْفُ اللَّيْل دَخَلَ خَادِمٌ مُسْرعاً فَقَالَ: أعْطِني الْكِتَابَ! اللهُمَّ قَالَ _ وَيُقَالُ: الشَّكُّ مِنَ الرَّاوي _ فَجَلَسْتُ لأتَطَهَّرَ لِلصَّلاَةِ وَأبْطَأتُ لِذَلِكَ فَخَرَجْتُ فَلَمْ أجِدِ الْخَادِمَ وَلاَ الْمَخْدُومَ.
وَكَانَ الْمُرَادَ مِنْ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ أنَّهُ عليه السلام اطَّلَعَ عَلَى كِتَابٍ مَا أطْلَعْتُ عَلَيْهِ أحَداً مِنَ الْبَشَر وَأنَّهُ نَفَّذَ خَادِمَهُ مُلْتَمَسَهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آيَةً للهِ تَعَالَى وَمُعْجِزَةً لَهُ عليه السلام يَعْرفُ ذَلِكَ مَنْ نَظَرَ.
الهوامش:
(*) موسوعة توقيعات الإمام المهدي عليه السلام لمحمد تقي أكبر نژاد
(١) بحار الأنوار ص ٥٣ ج ٥٢ باب ١٨_ ذكر من رآه صلوات الله عليه.