الصفحة الرئيسية » البحوث والمقالات المهدوية » (٨١٨) الحلم والمنام ودفع الأوهام
 البحوث والمقالات المهدوية

المقالات (٨١٨) الحلم والمنام ودفع الأوهام

القسم القسم: البحوث والمقالات المهدوية الشخص الكاتب: الشيخ سلمان السعدون تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠٢٢/٠٦/١٨ المشاهدات المشاهدات: ٤٧٩٩ التعليقات التعليقات: ٠

الحلم والمنام ودفع الأوهام

الشيخ سلمان السعدون

كثيراً ما يسمع الناس أن فلاناً قد رأى مناماً أو أن مناماً قد أزعجه أو فلاناً يحتاج إلى تفسير حلم من الأحلام التي يراها في منامه أو في حال غفوته فيلجأ إلى المفسرين الذين يدعون أنهم معبرون للرؤيا والبعض يبني على مناماته الآمال ولا يعلم ماهية هذه المنامات التي يراها في نومه، إلى أن ظهر إلينا البعض ممن يتبع المهندس أحمد إسماعيل مدعي الإمامة من كونهم رأوا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) في المنام ينصبون هذا المدعي إماماً مفترض الطاعة وأن المنامات والرؤى نص تشخيصي له بل هي وحي فلا ينبغي النظر والبحث حول كونها جزءً من السنة كما قال عبد الرزاق الديراوي: الرؤيا كنصّ تشخيصي حجَّة باعتبارها وحيا، فلا موجب للنظر إليها على أنَّها جزء من السُّنَّة (١).
ويذكر أتباع مدعي الإمامة من خلال مناقشتهم: إن معرفة الإمام في المنام من كونه هو الإمام تكون من خلال ما يلقى في قلب الرائي وروْعه بأنه هو الإمام فتشخيص الإمام يكون بالمنام، فالإلقاء في القلب هو وحي مشخص لكون المرئي هم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) الذين نصوا بإمامة هذا المدعي.
إن معنى الإلقاء في النفس والروْع هو إحساس يشعر به الإنسان في قلبه ونفسه، إن الذي ألقي في قلبه قد يكون من التصديق أي أن نفسه أذعنت بما هو مطابق للواقع فيكون الذي ألقي في روعه إحساساً صادقاً أو أن الذي وقع في روعه جهل مركب غير مطابق للواقع فيكون إحساسا كاذباً، فليس كل إلقاء هو من التصديق المطابق للواقع بل قد يكون جهلاً مركباً.
والتصديق الذي يحصل للإنسان هو حضور صورة الشيء لدى العقل مستتبعاً لحكم وقناعة النفس وإذعانها وتصديقها واعتقادها بنسبة شيء إلى شيء أو نفي شيء عن شيء مع مطابقته للواقع.
مثال: زيد قائم فإن أذعنت النفس بأن زيداً قائم واعتقدت بذلك فإن ذلك هو التصديق ومع عدم إذعان النفس بذلك تبقى مجرد صورة ذهنية غير مستتبعة لحكم وكذا الكلام إذا نفينا نسبة القيام عن زيد أي أن زيداً ليس بقائم، فإن كانت النفس مذعنة نطلق عليه تصديقاً إن كان مطابقاً للواقع وإن لم تكن كذلك فنطلق عليه تصوراً خالٍ من الحكم والاعتقاد، فهذا الإلقاء في الروع لا يعني الصدق أو الكذب اللذين هما عبارة عن مطابقة الواقع وعدم مطابقة الواقع.
فقد يعتقد الإنسان ويلقى في روعه أمر غير مطابق للواقع وقد يكون مطابقاً للواقع فمثلاً الإنسان الذي يلقى في روعه بعدم عصمة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) فهذا جهل مركب أو إن نفسه تذعن بكون الله واحداً لا شريك له فهذا تصديق مطابق للواقع.
فمن يلقى في روْعه أن الخطين المتوازيين متحدان فهذا عبارة عن جهل مركب فليس كل ما يلقى في روع الإنسان وقلبه لابد أن يكون مطابقاً للواقع فالخطان المتوازيان لا يلتقيان وجهله المركب ناشئ من مقدمات فاسدة متعلقة بالحواس فيسقط ما ألقي بروْعه بأدنى تأمل لكونه من الجهل.
وموضوع المقال هو الأحلام وحجيتها، والحلم لغة ما يراه النائم في نومه وكذا الرؤيا وهي تختلف عن الرؤية التي هي من شئون العين الباصرة وعندنا أيضاً أضغاث الأحلام: وهي الأحلام التي لا يصح تأويلها لالتباسها واختلاطها، وقد ورد في الكافي الشريف في صحيحة سَعْدِ بْنِ أَبِي خَلَفٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: الرُّؤْيَا عَلَى‏ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ‏ بِشَارَةٍ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِ وتَحْذِيرٍ مِنَ الشَّيْطَانِ وأَضْغَاثِ أَحْلَامٍ (٢).
في عالم اليقظة يروى عن علي (عليه السلام) في رواية طويلة نقتصر على موضع الشاهد منها حيث قال: وقد كذّب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) على عهده حتى قام خطيباً فقال: أيها الناس قد كثرت الكذابة علي فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار... (الرواية) (٣).
لقد كثر الكذب على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في حياته فالناس تخبر بإخبارات غير مطابقة للواقع منسوبة للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهي لم تصدر عنه (صلوات الله عليه وآله)، والحال أن هذه الأخبار المكذوبة في محضره وزمانه فكيف في غير زمانه مما جعلنا نرجع إلى علمي الرجال والدراية لمعرفة الخبر الذي يفيد العلم بصدوره عنه كالخبر المتواتر والذي لا يفيد العلم بصدوره كخبر الواحد الذي فيه المعتبر وغير المعتبر، وقد حقق في محله إن خبر الواحد المعتبر حجة في الفقه.
إن الذي يراه الإنسان في منامه أشكل من عالم اليقظة فالذي يراه الإنسان في منامه قد يكون رؤيا صادقة أي بشارة من الله للمؤمن وتحذير الله من الشيطان أو أضغاث أحلام وتمييز الصادق والأضغاث منها متعذر على غير أهل العصمة، حيث لا ضابط مركون إليه، فما يلقى في قلب الإنسان في المنام قد يطابق الواقع وهذا المطابق للواقع قد يحتاج إلى تأويل وقد لا يحتاج إلى تأويل وتفسير، ففي عالم الرؤى والأحلام فالأمر ليس كعالم اليقظة فلهذا لعالم الأحلام أربع مراحل وهي:
الأولى: إن مدعي الرؤيا هل رأى في منامه شيئاً أم لم ير شيئاً؟ فهي دعوى من دون دليل لا يمكن إثباتها، قال تعالى: (يا أيها اللذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على فعلتم نادمين) (٤)، فكيف لمدعي الرؤيا أن يثبت للناس أنه رأى شيئاً في منامه؟
الثانية: على فرض أنه رأى شيئاً هل نقله لما رأى مطابقاً لما رآه بالفعل أم أن نقله غير مطابق لما رآه؟ فكيف له أن يثبت ذلك؟
فإن كان الرائي ثقة صدق في ادعائه الحلم سواء في المرحلة الأولى أم الثانية فيكون إخباره من أخبار الآحاد التي تفيد الظن وخبر الواحد هو الخبر الذي لم يصل إلى حد التواتر ولا يفيد علما بنفسه أي أننا لا نرتب عليه أثراً في العقيدة بينما في الفقه قد ثبت أن المعتبر منه حجة يمكن العمل على مقتضاه، والخبر المتواتر هو خبر جماعة يؤمن تواطؤهم على الكذب عادة فيمكن ترتيب الأثر عليه في العقيدة والفقه كذلك، ولا سبيل إلى أن تكون الأحلام خبراً متواتراً، نعم قد يتواتر أنه ادعى الرؤيا لكن لن يتواتر الذي رآه في منامه حيث إن الناس لم يروا ما رآه في منامه حتى تتواتر رؤياه، فالرواة في حديث الغدير نقلوا هذا الخبر بعد رؤيتهم وسماعهم للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهو يقول: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، لا أنهم لم يروا ولم يسمعوا الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) فنقلوا ما لم يروه ولم يسمعوه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فشتان ما بين مقام من رآه وسمعه من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وبين مقام من ادعى الرؤيا التي لم يرها غير الرائي.
الثالثة: هل الذي رآه مطابق للواقع أم ليس مطابقاً للواقع؟ أي هل هي رؤيا صادقة أم كاذبة؟ هل هي بشائر أم تحذير من الشيطان أم هي أضغاث أحلام؟
ولا سبيل إلى معرفة مطابقة ما رآه للواقع وعدم مطابقته للواقع فهي قد تكون رؤى صادقة وقد تكون من أضغاث الأحلام، فالأحلام مقسم للرؤى الصادقة ولأضغاث الأحلام فلا شيء من الرؤى الصادقة بأضغاث أحلام والعكس صحيح، فهل أضغاث الأحلام داخلة في منام المعصوم (عليه السلام)؟!
إن المعصوم (عليه السلام) في عالم اليقظة يرى إبليس كما في قصة إبراهيم (عليه السلام) ورميه لإبليس بالجمرات بمنى وأما في عالم المنام فقد روي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: رأت فاطمة في النوم كان الحسن والحسين ذبحاً أو قتلاً، فأحزنها ذلك، قال: فأخبرت به رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رؤيا فتمثلت بين يديه قال: أرأيت فاطمة هذا البلاء؟ قالت: لا فقال: يا أضغاث أنت أرأيت فاطمة هذا البلاء؟ قالت: نعم يا رسول الله، قال: فما أردت بذلك؟ قالت: أردت أن أحزنها، فقال لفاطمة: اسمعي هذا ليس بشيء (٥)، فإن كان المعصوم (عليه السلام) تأتيه أضغاث الأحلام في المنام لتحزنه فبقية الناس من باب أولى أن تأتيهم فقد روى الصدوق (رحمه الله) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ‏ إِنَّ لِإِبْلِيسَ شَيْطَاناً يُقَالُ لَهُ هُزَعُ‏ يَمْلَأُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ يَأْتِي النَّاسَ فِي الْمَنَامِ ولِهَذَا يُرَى الْأَضْغَاثُ (٦).
وتمييز رؤى الناس الصادقة والكاذبة منها يحتاج إلى ضابطة وهذه الضابطة غير منضبطة إن وجدت، فالذي يدعي وجودها تبقى دعوى من غير ما يدلل عليها فتكون أشبه بالتخرصات والظنون التي لا تغني عن الحق شيئاً.
وأما رؤى الأنبياء (عليهم السلام) الصادقة التي هي مبشرات أو تحذير الله من الشيطان فهي نوع من أنواع الوحي فقد روي عن عَلِيُّ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)، قَالَ: رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ (٧).
الرابعة: إن كانت الرؤيا صادقة هل تحتاج إلى تأويل وتفسير أما لا تحتاج؟
رؤيا الأنبياء (عليهم السلام) قد تحتاج إلى تأويل كما في رؤيا نبي الله يوسف (عليه السلام) حيث قال الله تعالى: ﴿إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَـرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ
(٨)، وقد تكون واضحة مبينة لا تحتاج إلى تأويل كما في رؤيا نبي الله إبراهيم (عليهم السلام) حيث قال تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرىٰ فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرىٰ قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (٩)، مع العلم أن في كلا النوعين المعني بهما هم الأنبياء (عليهم السلام) فهم الموحى لهم فلا سبيل لإقحام تأويل الناس في رؤى الأنبياء (عليهم السلام)، والاستشهاد بحجية المنام لكون الأنبياء (عليهم السلام) رأوا في المنام وعملوا على طبق رؤياهم فهذا قياس مع الفارق فرؤيا الأنبياء (عليهم السلام) وحي ورؤى سائر الناس ليست كذلك، ففي قصة نبي الله يوسف (عليه السلام) إنباء عن المستقبل وليس فيها أمر تشريعي، بينما في رؤيا إبراهيم (عليه السلام) قد كان فيها أمر مولولي موجه لإبراهيم (عليه السلام) وليس جميع الناس بأنبياء بل الوحي خاص بالأنبياء دون غيرهم من البشر نعم قد تكون رؤيا المؤمن جزء من سبعين جزء من النبوة كما سيأتي بيانه في محله.
أما من يقول إن معجزة يوسف (عليه السلام) هي الرؤى، فهذا محض توهم إنما كانت معجزته وقوع تعبيره سواء رأى الرائي أو ادعى الرؤيا كما في قصة صاحبي السجن حيث قال تعالى: ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِـرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (١٠)، إن الرائي الثاني لم يكن قد رأى شيئاً إنما كان يكذب على النبي يوسف (عليه السلام) فقد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ يقول عبدان للملك أحدهما خباز والآخر صاحب الشراب والذي كذب ولم ير المنام هو الخباز ... (الرواية) (١١).
فإن تعبير نبي الله يوسف (عليه السلام) معجز من حيث وقوعه فلو ادعى شخص الرؤيا وعبرّها يوسف (عليه السلام) وقع تعبيره في الخارج حتى وإن لم ير مدعي الرؤيا شيئاً في منامه، فالحجية ليست للرؤيا إنما لتعبير يوسف (عليه السلام) لا ادعاء الرائي، فلذلك في قضية الخباز الذي كذّب على النبي (عليه السلام) كان تعبير يوسف (عليه السلام) واقعاً لا محالة فقال الله تعالى: ﴿... قُضِـيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (١٢)، فيظهر لنا أن المسألة ليست مجرد رؤيا رآها الرائي إنما هو تعبير يوسف (عليه السلام) الذي يقع بمجرد أن يصدر منه.
فالرؤيا التي رآها يوسف (عليه السلام) في إخوته وأبويه أو الرؤى التي عبرها ليست دليلاً على نبوته، فهو نبي الله جاء بما هو خارق للعادة وهو تعبيره للرؤى.
ورؤى الناس كذلك فهي ليست دليلا وحجة على شيء فلم نر قاضياً يحتج بمنام المدعي على المدعى عليه، فما هو السبيل إلى القول بكونها رؤى صادقة أو كاذبة؟ ومع صدقها هل تحتاج إلى تأويل أم لا تحتاج إلى تأويل؟ فإن كان المعبر معصوماً أخذنا بتأويله وإن لم يكن المعبر معصوماً فلا يمكن التعويل على كلامه سواء قال: هي تحتاج إلى تأويل أو لا تحتاجه.
فالتمسك بالمنامات توهم سواء كانت لأمور الدنيا أو الدين فلا يمكن التعويل عليها حيث إن الحجية ليس للمنامات إنما لتعبير النبي أو الوصي دون غيرهما من المعبرين والمفسرين حيث إن للشيطان دخالة في منامات الناس كما مر في رواية هزع.
أما ما يدعيه أتباع المهندس أحمد إسماعيل مدعي الإمامة من كون المنامات دليلا مشخصاً لإمامته فهذا محض تخرص، حيث إن مفاد دعواهم: تواتر رؤى المؤمنين في كون المهندس أحمد إسماعيل إماماً مفترض الطاعة مما يضحك الثكلى فقد حدث وأنْ تواترت الرؤى من كون محمد بن عبد الله القحطاني هو المهدي المنتظر في قضية جهيمان العتيبي فإن كانت دعوى تواتر المنامات دليلاً لكان الأولى أن يلتف الناس حول محمد بن عبد الله القحطاني فإن الناس تواترت مناماتهم فيه فقد زعم أصحاب هذه المنامات أنهم حينما شاهدوا محمد بن عبد الله القحطاني لأول مرة عرفوا أنه المهدي الذي رأوه في منامهم فما أشبه اليوم بالأمس.
وما هذه المنامات إلا فتنة للناس فلا نتمسك بالوهم في مقابل اليقين الذي عندنا من كلام الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) في تحديد الأئمة بالاثني عشر دون سواهم وأما ادعاءات الرؤيا فإن رأوا ذلك فهذه المنامات إن كانت صادقة فقد تحتاج إلى تأويل وقد لا تحتاج إلى تأويل ولا سبيل لنا لمعرفة ذلك حيث لا ضابطة في المقامين أي مقام كونها صادقة أم كاذبة ومقام كونها تحتاج إلى تأويل أو لا تحتاج إلى تأويل وهذا فرع وثاقتهم والحال أن مدعي الرؤيا مجهولوا الوثاقة، ولا سبيل إلى دعوى التواتر فهي لا تتعدى النقولات التي لا سبيل إلى إثباتها فهي كما قلنا إنه تواتر ادعاء وليس تواتر نفس المنام.
ومن الروايات التي يعتمدون عليها في الاعتماد على الرؤى هي قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي، لكن هذه الرواية لا تدل على مدعاهم فهي من جهة الدلالة مجملة مبهمة كما سنبين، نعم قد يحصل للوهلة الأولى للرائي أنه يُلقى في نفسه أن الذي رآه هو النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) فالشيطان لا يتمثل به، ولو رجعنا إلى نص الرواية فتجد أنها مقتطعة من رواية رواها الشيخ الصدوق (رحمه الله) فقد روي عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا (عليه السلام)‏ أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله وسلم) فِي الْمَنَامِ كَأَنَّهُ يَقُولُ لِي كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا دُفِنَ فِي أَرْضِكُمْ بَضْعَتِي وَاسْتُحْفِظْتُمْ وَدِيعَتِي وَغُيِّبَ فِي ثَرَاكُمْ نَجْمِي فَقَالَ لَهُ الرِّضَا (عليه السلام) أَنَا الْمَدْفُونُ فِي أَرْضِكُمْ وَأَنَا بَضْعَةُ نَبِيِّكُمْ فَأَنَا الْوَدِيعَةُ وَالنَّجْمُ أَلَا وَمَنْ زَارَنِي وَهُوَ يَعْرِفُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ حَقِّي وَطَاعَتِي فَأَنَا وَآبَائِي شُفَعَاؤُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنَّا شُفَعَاءَهُ نَجَا وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالْإِنْس‏ ولقد حدثني أبي عن جدي عن أبيه عن آبائه أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: من زارني في منامه فقد زارني لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي ولا في صورة أحد من شيعتهم وأن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوة (١٣).
وقد نقل الصدوق في أماليه عين الرواية بلفظ مغاير عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا (عليه السلام)‏ أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله سلم) فِي الْمَنَامِ كَأَنَّهُ يَقُولُ لِي كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا دُفِنَ فِي أَرْضِكُمْ بَضْعَتِي وَاسْتُحْفِظْتُمْ وَدِيعَتِي وَغُيِّبَ فِي ثَرَاكُمْ نَجْمِي فَقَالَ الرِّضَا (عليه السلام) أَنَا الْمَدْفُونُ فِي أَرْضِكُمْ وَأَنَا بَضْعَةٌ مِنْ نَبِيِّكُمْ وَأَنَا الْوَدِيعَةُ وَالنَّجْمُ أَلَا فَمَنْ زَارَنِي وَهُوَ يَعْرِفُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ حَقِّي وَطَاعَتِي فَأَنَا وَآبَائِي شُفَعَاؤُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنَّا شُفَعَاءَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَجَا وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ أَبِيهِ (عليه السلام) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله وسلم) قَالَ مَنْ‏ رَآنِي‏ فِي‏ مَنَامِهِ‏ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي فِي صُورَتِي وَلَا فِي صُورَةِ أَحَدٍ مِنْ أَوْصِيَائِي وَلَا فِي صُورَةِ أَحَدٍ مِنْ شِيعَتِهِمْ وَإِنَّ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءً مِنَ النُّبُوَّةِ (١٤).
وسيأتي الكلام عن صدر الرواية حيث إن الرجل الخرساني رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المنام بعد أن ننتهي من قوله (عليه السلام) من زارني في منامه أو من رآني في منامه:
إن الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) نقل كلتي الروايتين بلفظين مختلفين فالتي في العيون من زارني في منامه وفي الأمالي من رآني في منامه، فإن لم نقل بتصحيف رواية العيون، فإن مراد الإمام هو الزيارة حال النوم لا أنه مجرد رؤيا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في النوم، فالرؤيا المقترنة بالزيارة هي مورد البحث لا كل رؤيا للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأوصيائه وشيعتهم، فالنسبة بين الرؤيا والزيارة عموم وخصوص من وجه فقد يرى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في المنام ولا يزوره وقد يزور قبره في المنام ولا يراه وكذا الحال بالنسبة لأوصيائه وشيعتهم، فالكلام عن زيارة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) حال النوم سواء كان متمثلاً أمامه أو لم يكن متمثلاً فالرؤيا الصادقة التي هي جزء من سبعين جزء من النبوة هي تلك المقترنة بزيارة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لا كل رؤيا فعلى هذه الرواية لا سبيل لأتباع المهندس أحمد إسماعيل أن يتمسكوا بالرؤى حيث إنها تتكلم عن زيارة النبي وأوصيائه وشيعتهم حال النوم.
أما من تمسك برواية من رآني في منامه فيقع الكلام في مسألة التمثل وما المراد من التمثل بهم، فهل المراد هو مجرد ما يقع في القلب من كونه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أو أوصيائه (عليهم السلام) أو واحد من شيعتهم فإنه هو النبي أو المعصوم أو شيعتهم لا محالة وأنه لا يمكن أن يقع في قلب الإنسان وروعه إلا ما هو مطابق للواقع أم المراد من التمثل هو عدم إمكان تمثل الشيطان بهيئة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهيئة أوصيائه (عليهم السلام) وشيعتهم الحقيقية التي كانت في حياتهم لا كل هيئة؟
فإن قلنا إن كل ما يقع في قلب الإنسان هو تصديق مطابق للواقع وليس جهلا مركباً فيكون ما يراه الكافر في نومه وما يراه المخالف وما يراه المؤمن في النبي أو أوصيائه أو شيعتهم هو مطابق للواقع مع العلم أن التعارض في المنامات واقع لا محالة فالمؤمن يرى ما يسره في النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في منامه وكذا بالنسبة للمخالف والكافر فإنهما يريان ما يسرهما وينصر معتقدهما وحتى المنامات المتعلقة بدعوى المهندس أحمد إسماعيل فإن هناك من يرى ما هو مخالف لمدعاهم وهذا حاصل أيضا، فلا مجال للأخذ بالرؤى حيث إنها متعارضة ولا يوجد ضابط يرجح رؤيا على رؤيا حيث إن هوى النفس له دخالة في الرؤيا إن لم نقل إن للشيطان سبيلا على هكذا رؤى مع عدم قولنا إلى أنها محتاجة إلى تأويل وأما مع القول باحتياجها إلى تأويل فلا سبيل إلى تأويلها لتعارض المؤولين والمفسرين في تأويلهم للرؤى والمنامات والعصمة لأهل العصمة (عليهم السلام) لا لمدعي العصمة.
أما القول الثاني إن الشيطان لا يمكنه أن يتمثل بصورته الحقيقية التي كان عليها فهذا أقرب إلى الذوق السليم والطبع السليم والروايات قد أرشدت إلى هذا المعنى فقد روى الكشي عَنْ زُرَارَةَ أنه قال : قال أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام)‏ أَخْبِرْنِي عَنْ حَمْزَةَ أَيَزْعُمُ أَنَّ أَبِي آتِيهِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ كَذَبَ وَاللَّهِ مَا يَأْتِيهِ إِلَّا الْمُتَكَوِّنُ‏ إِنَّ إِبْلِيسَ سَلَّطَ شَيْطَاناً يُقَالُ لَهُ الْمُتَكَوِّنُ‏ يَأْتِي النَّاسَ فِي أَيِّ صُورَةٍ شَاءَ إِنْ شَاءَ فِي صُورَةٍ كَبِيرَةٍ وَإِنْ شَاءَ فِي صُورَةٍ صَغِيرَةٍ وَلَا وَاللَّهِ مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَجِي‏ءَ فِي صُورَةِ أَبِي (عليه السلام) ‏(١٥).
إن الإمام الصادق (عليه السلام) يؤكد أن الشيطان لا يمكنه أن يأتي بصورة الإمام الباقر (عليه السلام) الحقيقية إلا أن إبليس سلط شيطاناً من الشياطين اسمه المتكون وهذا المتكون يتشكل على أي صورة والصورة التي تشكلت لأبي حمزة ليست صورة الإمام الباقر (عليه السلام) الحقيقية إنما صورة أخرى ألقيت في روع أبي حمزة على أنه الإمام الباقر (عليه السلام).
فمسألة التمثل هي أن يأتي الشيطان بصورة مغايرة للهيئة والصورة الحقيقية للمعصوم (عليه السلام) ويوقع في روع الرائي أنه المعصوم (عليه السلام) وفي الواقع هو ليس بالمعصوم (عليه السلام) إنما المتكون الذي سلطه إبليس على الناس.
فرواية المتكون أطلقت الكلام سواء في عالم اليقظة أو في المنام فهي من جهة التمثل تبين أن الشيطان لا يتمثل بصورة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأوصيائه (عليهم السلام) وشيعتهم، وعليه لا يمكن التعويل على رواية من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي، حيث إننا لا نعلم ما هي هيئة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) الحقيقية ولا هيئة أوصيائه (عليهم السلام) وكذا بالنسبة لشيعتهم في زمان غير زماننا، فتبقى المسألة مجملة والمجمل لا حجية له.
وأما ذيل الرواية بقوله (عليه السلام): وأن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوة ومعنى ذلك إن الرؤيا الصادقة نسبتها واحد إلى سبعين حتى تكون كرؤى الأنبياء (عليهم السلام) التي هي من الوحي، فليست كل رؤيا صادقة هي من الوحي إنما رؤيا واحدة من سبعين رؤيا هي التي من الوحي ومعرفة أنها من الوحي أو من غير الوحي لا ضابط لها ولا قانون لمعرفتها ولا قاعدة لها، ولا ضابط عندنا لمعرفة الرؤيا الصادقة من غيرها وعليه هي مشكوكة الحجية والشك في الحجية مساوق للقطع بعدم الحجية، وذيل الرواية يفسر ما رآه الرجل الخراسني حيث إن هذه الرؤيا من الوحي لكن من الذي قال أن ما رآه الخراساني هو جزء من سبعين جزء من النبوة؟ الإمام الرضا (عليه السلام) هو من قال، والإمام لم يقل إن كل الرؤى الصادقة في الأنبياء وأوصيائهم وشيعتهم هي نوع من أنواع الوحي إنما قال الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوة فقد تكون من الوحي وقد لا تكون من الوحي، والذي ليس من الوحي أكثر بكثير من الذي هو من الوحي.
ورواية أخرى يتمسك فيها أتباع المهندس أحمد إسماعيل رواها العلامة المجلسي في بحاره نقلا عن قرب الاسناد: بقرب الإسناد ابْنُ أَبِي الْخَطَّابِ عَنِ الْبَزَنْطِيِّ قَالَ‏ سَأَلْتُ‏ الرِّضَا (عليه السلام)‏ عَنْ‏ مَسْأَلَةٍ لِلرُّؤْيَا فَأَمْسَكَ ثُمَّ قَالَ إِنَّا لَوْ أَعْطَيْنَاكُمْ مَا تُرِيدُونَ لَكَانَ شَرّاً لَكُمْ وَأُخِذَ بِرَقَبَةِ صَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ.
قَالَ: وَقَالَ وَأَنْتُمْ بِالْعِرَاقِ تَرَوْنَ أَعْمَالَ هَؤُلَاءِ الْفَرَاعِنَةِ وَمَا أُمْهِلَ لَهُمْ فَعَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الدُّنْيَا وَلَا تَغْتَرُّوا بِمَنْ أُمْهِلَ لَهُ فَكَأَنَّ الْأَمْرَ قَدْ وَصَلَ إِلَيْكُم ‏(١٦).
أما الموجود في كتاب قرب الإسناد بنفس السند وهي عين الرواية وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ، فَأَمْسَكَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّا لَوْ أَعْطَيْنَاكُمْ‏ مَا تُرِيدُونَ‏ لَكَانَ شَرّاً لَكُمْ، وَأُخِذَ بِرَقَبَةِ صَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ.
فنلاحظ ما نقله العلامة المجلسي عن الرؤيا وما هو موجود في قرب الإسناد هو الرؤية بالباصرة.
قال وَقَالَ: وَأَنْتُمْ بِالْعِرَاقِ تَرَوْنَ‏ أَعْمَالَ‏ هَؤُلَاءِ الْفَرَاعِنَةِ، وَمَا أُمْهِلَ لَهُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الدُّنْيَا، وَلَا تَغْتَرُّوا بِمَنْ أُمْهِلَ لَهُ، فَكَأَنَّ الْأَمْرَ قَدْ وَصَلَ إِلَيْكُمْ. (١٧)
وقد وردت الرواية في الكافي الشريف بهذا اللفظ: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى‏، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، قَالَ‏:سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَأَبى‏ وَأَمْسَكَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَعْطَيْنَاكُمْ كُلَّ مَا تُرِيدُونَ كَانَ شَرّاً لَكُمْ، وَأُخِذَ بِرَقَبَةِ صَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): وَلَايَةُ اللَّهِ أَسَرَّهَا إِلى‏ جَبْرَئِيلَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وَأَسَرَّهَا جَبْرَئِيلُ إِلى‏ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وَأَسَرَّهَا مُحَمَّدٌ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِلى‏ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وَأَسَرَّهَا عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِلى‏ مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَنْتُمْ تُذِيعُونَ ذلِكَ، مَنِ الَّذِي أَمْسَكَ حَرْفاً سَمِعَهُ؟ (١٨).
المنقولة في البحار فيها خطأ من النساخ إن لم نقل بخطأ العلامة المجلسي (قدس سره) في نقله فقد وردت الرواية في قرب الإسناد بلفظ الرؤية وليس الرؤيا وهي منسجمة مع كتمان أمر صاحب الأمر (عجّل الله فرجه) فالسائل يسأل عن رؤية صاحب الأمر (عجّل الله فرجه، فلو أعطى الأئمة (عليهم السلام) شيعتهم كل ما يريدون فإن ذلك سبب للأخذ برقبة صاحب هذا الأمر (عجّل الله فرجه) وقد جاءت رواية الكافي التي هي عين رواية قرب الإسناد معللة عدم إعطاء الأئمة (عليهم السلام) الشيعة رؤية صاحب الأمر (عجّل الله فرجه) لعدم وجود من يحتفظ بالسر حتى وإن كان السر حرفاً واحداً، فليس الكلام عن الرؤيا، وكلام البزنطي عن أبو جعفر الجواد (عليه السلام) مفسر لرواية الرضا (عليه السلام).
ولو تنزلنا وقلنا إن المراد هو الرؤيا وليست الرؤية فإن الإمام لم يعط الشيعة هذه المسألة حتى لا يؤخذ برقبة صاحب الأمر فلم يقل إنه أعطاها لهم، فحرف (لو) حرف امتناع لامتناع فلو أعطاهم لقتل صاحب الأمر فهو لم يعطهم فلذلك الإمام الحجة على قيد الحياة.
ومن الروايات التي يعتمد عليها أتباع المهندس أحمد إسماعيل: ما روى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ قَالَ: ذَكَرْنَا خُرُوجَ الْقَائِمِ (عليه السلام) عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فَقُلْتُ لَهُ كَيْفَ لَنَا أَنْ نَعْلَمَ ذَلِكَ فَقَالَ يُصْبِحُ أَحَدُكُمْ وَتَحْتَ رَأْسِهِ‏ صَحِيفَةٌ عَلَيْهَا مَكْتُوبٌ‏ طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ(١٩).
فأتباع المهندس أحمد إسماعيل يدعون أن الصحيفة هي الرؤيا والحال أنها صحيفة مكتوب عليها طاعة معروفة والكتابة أمر مادي والمكتوب هو طاعة معروفة فالكلام بعيد كل البعد كل البعد عن الرؤى والمنامات.
ختاماً قد روى الكليني (قدس سره) بسند صحيح عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال: (ما تروي هذه الناصبة؟)، فقلت: جُعلت فداك، في ماذا؟ فقال: (في أذانهم، وركوعهم، وسجودهم)، فقلت: إنَّهم يقولون: إنَّ أُبي بن كعب رآه في النوم، فقال: (كذبوا؛ فإنَّ دين الله (عز وجل) أعزّ من أن يُرى في النوم) (٢٠).
فهذه الرواية الشريفة منصوصة العلة حيث إن الإمام الصادق (عليه السلام) يكذب من من يدعي أن دين الله يؤخذ من المنامات مطلقاً سواء في العقائد أو في فروع الدين ومن يقول إنها تشخص الإمام لا أنها تشخص عقيدة نقول إن تشخيص الإمام هو لب العقيدة وصميمها وقوامها فبهم عرف الله، ونحن الآن نأتم بالإمام محمد بن الحسن الحجة المهدي عجل الله تعالى له الفرج وسهل له المخرج عصمنا الله وإياكم من الزلل وآمننا من الفتن، يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، هذا والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

المصادر:
(١) في القطيف ضجة.
(٢) الكافي.
(٣) اعتقادات الصدوق.
(٤) الحجرات:٦.
(٥) تفسير العياشي ج:٢.
(٦) أمالي الصدوق.
(٧) أمالي الطوسي.
(٨) يوسف:٤.
(٩) الصافات: ١٠٢.
(١٠) يوسف: ٣٦.
(١١) تفسير القمي.
(١٢) يوسف:٤١.
(١٣) عيون أخبار الرضا (ع).
(١٤) أمالي الصدوق.
(١٥) رجال الكشي.
(١٦) بحار الأنوار.
(١٧) قرب الاسناد.
(١٨) الكافي.
(١٩) كمال الدين.
(٢٠) الكافي.

التقييم التقييم:
  ١ / ٥.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016