الملاحم قبل ظهور القائم (عجّل الله فرجه)
الشيخ عبد الرسول الغفاري
الملاحم: جمع ملحمة، وأصلها المعركة التي يلتحم فيها الناس، وتطلق على الأحداث الكبيرة.
وفي مقدمة هذه الملاحم الحركات الدموية التي تعمّ الشرق والغرب ويهلك فيها خلق كثير، ومنها:
١ - حركات (مارقة):
في مصادر عديدة جاءت الأخبار لتشخّص هوية بعض الحركات التي تظهر سواء في الشرق أم الغرب، وعبّر عنها الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) بالمارقة، وهذا يعني أنّ أغلبها تطلب الرئاسة والتسلط على رقاب الناس، فلا يهمّها الفساد والقتل والنهب، بل همّها السلطة.
جاء في كتاب الغيبة للنعماني بإسناده عن الإمام الباقر (عليه السلام) مخاطباً جابر بن يزيد الجعفي: «يا جابر، الزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتّى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها:
أوّلها: اختلاف بني العباس، وما أراك تدرك ذلك، ولكن حدِّث به من بعدي عنّي، ومنادٍ ينادي من السماء، ويجيئكم صوت من ناحية دمشق بالفتح، وتخسف قرية من قرى الشام تسمّى الجابية(١)، وتسقط طائفة من مسجد دمشق الأيمن، ومارقة تمرق من ناحية الترك، ويعقبها هرج الروم، وسيقبل إخوان الترك حتّى ينزلوا الجزيرة، ويستقبل مارقة الروم حتّى ينزلوا الرملة، فتلك السنة يا جابر فيها اختلاف كثير في كلّ أرض من ناحية المغرب، فأول الأرض تخرب أرض الشام ثمّ يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني، فيلتقي السفياني بالأبقع فيقتتلون فيقتله السفياني ومن تبعه، ثمّ يقتل الأصهب، ثمّ لا يكون همّه إلّا الإقبال نحو العراق، ويمر جيشه بقرقيساء(٢)، فيقتتلون بها فيقتل بها من الجبارين مائة ألف، ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدتهم سبعون ألفاً، فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً، فبيناهم كذلك إذ أقبلت رايات من قبل خراسان وتطوي المنازل طيّاً حثيثاً ومعهم نفر من أصحاب القائم (عليه السلام)...»(٣).
وقد عبّر عن تلك الحركات المارقة بالفتن وما يطرأ على رجالها من المسخ والقتل.
عن علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) في قوله جلّ وعلا: ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ﴾ (فصلت: ٥٣)، قال: الفتن في الآفاق، والمسخ في أعداء الحق(٤).
يبدو - والله العالم - أنّ الآفاق هي جميع البلدان والممالك، لا تكون بين الملائكة، والفتن إنما هي بين أبناء البشر أصحاب الرئاسة والسياسة الذين يتكالبون على حطام الدنيا، وهم المتسلطون على رقاب الضعفاء من الناس، ولمّا كان التكالب من قبل تلك الحكومات على المنافع المادية والسيطرة على الموارد الطبيعة فقطعاً ستكون بينهم فتن وحروب وقتل ودمار، كما هو المصرح في هذه الرواية وروايات عديدة.
ثمّ أفصح الإمام (عليه السلام) عن الويلات والمصائب التي تداهم العديد من البلدان والمدن التي لها تاريخ سابق كالبصرة والأهواز وقرقيسيا والزوراء - بغداد - وربما هناك بلدان وأمصار قد يصيبها ذلك الدمار ولم يذكرها الإمام (عليه السلام) أو لم يصلنا ذلك.
إنّ لحن الخطاب لا يأبى ذلك الدمار لبلدان أخرى، نعم ختم الإمام (عليه السلام) حديثه بالويل لأهل الشام، والويل لأهل الكوفة، والويل لأهل يثرب، والويل لأهل فسطاط مصر، ثمّ الري، والويل لأهل خراسان، والويل لأهل قزوين، والويل لهمذان، والويل لأصبهان، يشعرك الإمام (عليه السلام) أنّ هناك دماراً شاملاً وبنسب متفاوتة، وأن هناك دماراً قاسياً تتعرض له بلدان شيعية، وهذا الدمار أشد من سابقه، كأنما العالم - شرقه وغربه - يسعى للقضاء على شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) أينما وجدوا، وهذه الفكرة بدت بوادرها من ملوك الوهابية وأذنابهم ومن لاذ بقوى الاستكبار العالمي المسيحي واليهودي.
٢ - راية الشروسي، موطنه أرمينيا:
عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إذا قام أهل العراق على قائدهم وملكهم في النصف من شهر رمضان فقتلوه فتحكم فئة أموية، ثمّ يحكم ولاة ظلمة، ثمّ فئة عباسية، ثمّ بعدها يأتي (الشروسي) من بلاد أرمينية على أذربيجان حتّى يدخل العراق، فارتقبوا بعد ذلك ظهور المهدي (عليه السلام)»(٥).
٣ - راية الأعرج الكندي، موطنه المغرب:
يخرج الأعرج الكندي بالمغرب ويدوم القتال بينهم سنة ثمّ يغلب السفياني على الأبقع والأصهب ويسير صاحب الغرب فيقتل الرجال ويسبي النساء ثمّ يرجع ينزل الجزيرة - في قيس - إلى السفياني عليه(٦)، ويحوز ما جمعوا من الأموال، ويظهر على الرايات الثلاث، ثمّ يقاتل الترك فيظهر عليهم، ثمّ يفسد في الأرض ويدخل الزوراء فيقتل من أهلها(٧).
٤ - راية الشيصباني، موطنه الكوفة:
روى ابن أبي زينب النعماني بإسناده عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سألت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) عن السفياني، فقال (عليه السلام): «وأنّى لكم بالسفياني، حتّى يخرج قبله الشيصباني، يخرج من أرض كوفان ينبع كما ينبع الماء فيقتل وفدكم، فتوقعوا بعد ذلك السفياني وخروج القائم (عليه السلام)».
الشيصباني طاغية العراق، وقد يرد في تعبير الأئمة (عليهم السلام) بـ(الشيطاني)، يستعملونه للطواغيت والأشرار، أمّا عبارة الإمام (عليه السلام) «ينبع كما ينبع الماء» فيه عدة احتمالات؛ منها:
أن يكون حكمه بنحو غير متوقع، أو حكمه يسري في الآفاق ويكون سفّاكاً، يقتل عليّة القوم، والوفد هو الوجهاء ورؤساء العشائر أو كبار المؤمنين الذين يتقدمون الوفد عادة، ويكون قبل السفياني بفترة قليلة، بشاهد قول الإمام (عليه السلام): «فتوقعوا بعد ذلك السفياني»(٨).
والشيصباني في اللغة اسم من أسماء الشيطان(٩)، وهو في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) كناية عن رجل من أعدائهم سيئ أو مغمور، لم يكن له ذكر من قبل.
ويقال لذكر النمل: شيصبان، وفي بعض كلمات الأئمة (عليهم السلام) يصفون فيها بني العباس ببني شيصبان.
عن الشيخ المفيد في الروضة، عن ابن أبي عمير، عن الوليد بن صبيح الكابلي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «من سوّد اسمه في ديوان بني شيصبان حشره الله يوم القيامة مسودًّا وجهه»، وبني شيصبان كناية عن بني العباس(١٠).
٥ - راية السفياني - موطنه الشام (الوادي اليابس):
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، وهو رجل ربعة وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر الجدري، إذا رأيته حسبته أعور، اسمه عثمان وأبوه عنبسة وهو من ولد أبي سفيان»(١١).
ووقع خلاف في اسم أبيه، قال المقدسي في عقد الدرر(١٢): أنّ السفياني من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان، ولعل التعدد في أسماء الأب من جهة الأب المباشر أو من يقع في عمود نسبه، ولذا فإن اختلاف الاسم فيه مما لا يضر بعد شيوع الاختلاف في الأسماء لعدة جهات، ليس محل ذكرها هنا.
وفي غيبة الطوسي عن بشر بن غالب، قال: يقبل السفياني من بلاد الروم متنصِّراً في عنقه صليب، وهو صاحب القوم(١٣).
ماذا نفهم من هذا الخبر؟
الجواب: يبدو - والله العالم - أنّ السفياني إن لم يكن نصرانياً بل هو ممن نشأ في بلاد النصارى وتأثّر بهم، وما الصليب في عنقه إلّا افتخار واعتزاز بذلك.
السفياني ينتهي نسبه إلى معاوية بن أبي سفيان:
في كتاب سُليم بن قيس، من كتاب الإمام علي (عليه السلام) إلى معاوية، جاء فيه: «يا معاوية، إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أخبرني أنّ بني أمية سيخضبون لحيتي من دم رأسي، وأنّي مستشهد، وستلي الأُمّة من بعدي، وإنّك ستقتل ابني الحسن (عليه السلام) غدراً بالسّم، وأنّ ابنك يزيد سيقتل ابني الحسين (عليه السلام)، يلي ذلك منه ابن زانية، وأنّ الأُمّة سيليها من بعدك سبعة من ولد أبي العاص وولد مروان بن الحكم، وخمسة من ولده، تكملة اثني عشر إماماً قد رآهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يتواثبون على منبره تواثب القردة، يردّون أُمّته عن دين الله على أدبارهم القهقري، وأنّهم أشد الناس عذاباً يوم القيامة، وأنّ الله سيخرج الخلافة منهم برايات سود تقبل من المشرق يذلّهم الله بهم ويقتلهم تحت كلّ حجر، وأنّ رجلاً من ولدك مشوم ملعون، جلف جاف، منكوس القلب، فظ غليظ، وقد نزع الله من قلبه الرأفة والرحمة، أخواله من كلب، كأنّي أنظر إليه، ولو شئت لسمّيته ووصفته وابن كم هو، فيبعث جيشاً إلى المدينة فيدخلونها، فيسرفون فيها في القتل والفواحش، ويهرب منهم رجل من ولديّ، زكيّ نقي، الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وإنّي لأعرف اسمه وابن كم هو يومئذٍ وعلامته، وهو من ولد ابني الحسين الذي يقتله ابنك يزيد، وهو الثائر بدم أبيه فيهرب إلى مكّة، ويقتل صاحب ذلك الجيش رجلاً من ولدي زكياً بريّاً عند أحجار الزيت، ثمّ يسير ذلك الجيش إلى مكّة، وإنّي لأعلم اسم أميرهم وأسمائهم وسمات خيولهم، فإذا دخلوا البيداء واستوت بهم الأرض خسف الله بهم، قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ﴾ [سبأ: ٥١]»، قال: «من تحت أقدامهم(١٤)، فلا يبقى من ذلك الجيش أحد غير رجل واحد يقلب الله وجهه من قبل قفاه، ويبعث الله للمهدي أقواماً يجمعون من الأرض قزعاً كقزع الخريف، والله إنّي لأعرف أسماءهم واسم أميرهم، ومناخ ركابهم»(١٥).
أقول: إنّ العداء بين بني أمية وبني هاشم متأصّل، فلا تجد زماناً من الأزمنة إلّا وبنو أُمية أشد أعداء أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا العداء مستمر حتّى ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
في معاني الأخبار، عن الحكم بن سالم عمّن حدّثه عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنّا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله، قلنا: صدق الله، وقالوا: كذب الله، قاتل أبو سفيان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقاتل معاوية علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقاتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي (عليه السلام)، والسفياني يقاتل القائم (عليه السلام)»(١٦).
الرقعة الجغرافية التي يحكمها السفياني:
في غيبة النعماني: عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا استولى السفياني على الكور الخمس فعدّوا له تسعة أشهر»، وزعم هشام أنّ الكور الخمس: دمشق وفلسطين والأردن، وحمص وحلب(١٧).
في كمال الدين، عن عبد الله بن أبي منصور البجلي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اسم السفياني، فقال: «وما تصنع باسمه؟ إذا ملك كور الشام الخمس: دمشق وحمص وفلسطين والأردن وقنسرين، فتوقعوا عند ذلك الفرج»، قلت: يملك تسعة أشهر؟ قال: «لا، ولكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد يوماً»(١٨).
وفي غيبة النعماني، عن عيسى بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «السفياني من المحتوم وخروجه في رجب، ومن أول خروجه إلى آخره خمسة عشر شهراً، ستة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر، ولم يزد عليها يوماً»(١٩).
٦ - راية الأبقع، موطنه الشام:
الأبقع: ما خالط بياضه لون آخر(٢٠).
عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إنّ أهل الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: الأصهب والأبقع والسفياني»(٢١).
ممّا قاله الإمام الباقر (عليه السلام) لجابر بن يزيد الجعفي: «الزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتّى ترى علامات أذكرها، وما أراك تدرك ذلك، اختلاف بني العباس، ومنادٍ ينادي من السماء، وخسف قرية من قرى الشام تسمى الخابيه [الجابية]، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، واختلاف كثير عند ذلك في كلّ أرض حتّى يخرب الشام، ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني»(٢٢).
٧ - راية خزيمة:
من خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام): «... خروج السفياني براية خضراء وصليب من ذهب، أميرها رجل من كلب [في] اثني عشر عنان من خيل يحمل السفياني متوجهاً إلى مكّة والمدينة، أميرها أحد بني أمية يقال له: خزيمة»(٢٣).
الظاهر أنّه أحد أُمراء جيش السفياني ولا يبعد أنّه من كلب غير أن صريح الرواية ورد فيها الضمير مؤنثاً (أميرها) أي أمير مكة والمدينة وهو من بني أُميّة واسمه خزيمة.
٨ - راية الجرهمي، موطنه الشام:
قال كعب الأحبار: (... يخرج الأصهب من بلاد الجزيرة، ثمّ يخرج من بعده الجرهمي من الشام).
أقول: بلاد الجزيرة هي المنطقة الواقعة شرقي سوريا المتاخمة للحدود العراقية، فهي منطقة مشتركة بين العراق من حدود الموصل إلى الأنبار وبين سوريا، تسمى بلاد الجزيرة(٢٤).
٩ - راية الأصهب، موطنه الشام:
عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «يا بريد اتَّقِ جمع الأصهب»، قلت: وما الأصهب؟ قال: «الأبقع»، قلت: وما الأبقع؟ قال: «الأبرص، واتَّق السفياني واتَّقِ الشريدين من ولد فلان يأتيان مكة، يقسّمان بها الأموال، يتشبّهان بالقائم (عليه السلام)، واتَّقِ الشذّاذ من آل محمد»(٢٥).
جاء في شرح إحقاق الحق - الهامش - قال كعب الأحبار: أوّل من يخرج ويغلب على البلاد الأصهب، يخرج من بلاد الجزيرة ثمّ يخرج من بعده...(٢٦).
أقول: والأصهب اسم للأسد، وقيل الأصفر الوجه، وفي الصحاح: الشقرة في شعر الرأس(٢٧).
تؤكد الروايات من الطرفين أنّ الشام - في عصر ما قبل الظهور - مركز لحركات مناوئة لأهل البيت (عليهم السلام)، وفيها تخرج رايات ثلاثة وكلّها منحرفة متمرّدة، أصحابها طغاة، همّهم الرئاسة ولو بسفك الدماء المحرمة وهتك الأعراض، والتعدّي على ذوي النفوس الأبيّة.
ما جاء في الأصهب في مصادر العامة:
روى ابن حماد في الفتن بإسناده عن كعب، قال: (إذا دارت رحا بني العباس وربط أصحاب الرايات السود خيولهم بزيتون الشام، ويهلك الله بهم الأصهب ويقتله وعامة أهل بيته على أيديهم حتماً لا يبقى أموي منهم إلّا هرب أو مختفي، وتسقط الشعبتان بنو جعفر وبنو العباس، ويجلس ابن آكلة الأكباد على منبر دمشق، ويخرج البربر إلى سرة الشام، فهو علامة خروج المهدي)(٢٨).
وقوله: (ويهلك الله بهم الأصهب)، لعل المراد بها أن الله تعالى يهلك الأصهب بهؤلاء لقوله: (يهلك بهم) فمتعلق الإهلاك بهؤلاء هو الأصهب بقرينة ما بعدها.
كما يفهم من هذه الرواية أن هناك صراعاً دموياً بين ثلاث أُسَر: أُسرة بني العباس وبني جعفر وبني أُمية، وكلها خاسرة لأنّها راية ضلال.
راية عبد الله:
عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «من يضمن لي موت عبد الله أضمن له [خروج] القائم»، ثمّ قال: «إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله، ويذهب ملك السنين ويصير ملك الشهور والأيام»، فقلت: يطول ذلك؟ قال: «كلا».
١٠ - راية الأخوص:
عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام فتكون بينهم ملحمة عظيمة ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون فيقاتلها جميعاً فيظهر عليهما جميعاً، ثم يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده...»(٢٩).
١١ - راية عوف السلمي، موطنه الجزيرة (تكريت):
روى حذلم بن بشير، قال: قلت لعلي بن الحسين (عليه السلام): صف لي خروج المهدي، وعرّفني دلائله وعلاماته.
فقال (عليه السلام): «يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له: عوف السّلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكريت، وقتله بمسجد دمشق»(٣٠).
أرض الجزيرة تكون مركز حركته، وهي اسم لمنطقة حدودية بين العراق وسوريا، وقد تسمّى جزيرة ربيعة أو ديار بكر، يأوي إلى تكريت وهي قرية معروفة في العراق.
يبدو من مجموع الأخبار والروايات، أن هناك أحداثاً متزامنة في العراق وسوريا وحركات عديدة، منها حركة السلمي، وفي نهاية حركته يقبض عليه ويقاد إلى مسجد دمشق ويقتل فيه.
١٢ - رايات من مصر:
عن الفضل بن شاذان، عن معمر بن خلّاد، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: «كأنّي برايات من مصر مقبلات، خضر، مصبغات، حتّى تأتي الشامات فتهدى إلى ابن صاحب الوصيات»(٣١).
وعن علي بن أسباط، عن الحسن بن الجهم، قال: سأل رجل أبا الحسن (عليه السلام) عن الفرج، فقال: «تريد الإكثار أم أجمل لك»؟ قال: بل تجمل لي، قال: «إذا ركزت رايات قيس بمصر، ورايات كندة بخراسان»(٣٢).
في الملاحم والفتن لابن طاووس بإسناده عن نعيم عن سعيد أبي عثمان، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إذا بلغ العباسي خراسان طلع من المشرق (القرن ذو الشفا)، وكان أول ما طلع أمر الله بهلاك قوم نوح غرقهم الله، وطلع في زمن إبراهيم حيث ألقوه في النار، وحين أهلك الله فرعون ومن معه، وحين قتل يحيى بن زكريا، فإذا رأيتم ذلك فاستعيذوا بالله من شرّ الفتن، ويكون طلوعه بعد انكساف الشمس والقمر، ثمّ لا يلبثون حتّى يظهر الأبقع بمصر»(٣٣).
بيان ينبغي الالتفات إليه:
ماذا نفهم من كلمة (القرن ذو الشفا) الخبر ورد في الملاحم والفتن لابن حماد باب ٦٢ من خلال القرائن التي ذكرت في الخبر قد نفهم أنّ هلاك قوم نوح (عليه السلام) كانت له بوادر ومقدمات منها طلوع (القرن ذو الشفا).
وكلمة طلوع في سياق النص يعود إلى نجم أو كوكب وما شابه في طلوعه كان هلاك قوم نوح (عليه السلام).
ثمّ هلاك النمرود لمّا ألقى إبراهيم (عليه السلام) في النار، فكان هناك طلوع لذلك القرن.
ثمّ في هلاك فرعون كان له طلوع.
ثمّ حين قتل يحيى (عليه السلام) كان للقرن طلوع.
إذن هذا النص يقدّم لنا اسماً جديداً أنّه (المذنب ذو الشفا) أي إنه ذا طرفين، وظهوره أيضاً في آخر الزمان.
وفي الملاحم لحماد: إذا اجتمع الترك والروم وخسف بقرية بدمشق وسقط طائفة من غربي مسجدها رفع بالشام ثلاث رايات: الأبقع والأصهب والسفياني، ويحصد بدمشق رجل فيقتل ومن معه، ويخرج رجلان من بني أبي سفيان فيكون الظفر للثاني، فإذا أقبلت مادة الأبقع(٣٤) من مصر ظهر السفياني بجيشه...(٣٥).
وهناك أخبار أخرى تحكي عن الأحداث التي تسبق ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في مصر، من ذلك:
(لا يظهر المهدي (عليه السلام) حتّى يسيطر الكفار على نيل مصر، ويكون من أنصاره النجباء من مصر.
ويحكم مصر رجل أخنس فيغلب على ملكه فيفر ويأتي بالروم إلى مصر وذلك أوّل الملاحم.
ويخرج أهل المغرب إلى مصر قرب خروج السفياني ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ويكون أهل المغرب بالشام فيخرج السفياني ويردهم إلى مصر، ويأتي أنصارٌ للأبقع من مصر فيغلبه السفياني.
وإذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام فتكون بينهم ملحمة عظيمة، وإذا اختلفت كلمتهم - كلمة أصحاب الرايات السود - وطلع القرن ذو الشفا لم يلبثوا إلّا يسيراً حتّى يظهر الأبقع بمصر، يقتلون الناس حتّى يبلغوا إرم، ثمّ يثور المشوّه عليه فتكون بينهما ملحمة عظيمة)(٣٦).
أقول: إنّ اختلاف كلمتهم ربما هي إشارة إلى اختلاف أهل الشام، وبذلك تكون الرايات الثلاث.
وفي كتاب الفتن لنعيم بن حماد، بإسناده عن ابن الحنفية، قال: (إذا ظهر السفياني على الأبقع دخل مصر، فعند ذلك خراب مصر)(٣٧).
وفيه بإسناده عن كعب، قال: (لتفتنّ مصر كما تفتّ البعرة).
إذا صحّ الخبر فإنّ مصر تكون معرضاً لجيوش قادمة من المغرب ومن الشرق، لأنّ الرايات الثلاث - الأصهب، والأبقع والسفياني - مصدرها الشام والاقتتال يكون في دمشق وحواليها ويمتد إلى فلسطين، ولمّا تكون الغلبة للسفياني يتَّجه إلى مصر، وهكذا يغزو العراق والحجاز، ويكون الخراب والقتل ديدنه، فما ورد في شأن الأبقع أنّه يخرج في مصر، أنّه خروج أنصاره ومؤيديه منها وإلّا فإنّ حركته في الشام، على أنّ بعض الروايات صرَّحت أنّ الأبقع أصله من مصر، ولا ينافي أن تكون حركته من الشام ومؤيدوه من مصر.
١٣ - راية اليماني، موطنه اليمن:
عن أبي جعفر (عليه السلام): «خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، وفي شهر واحد، في يوم واحد، ونظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كلّ وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات أهدى من راية اليماني، هي راية هدى، لأنّه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكلّ مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنّه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم»(٣٨).
١٤ - راية القحطاني، موطنه اليمن:
قال الفضل بن شاذان في كتابه (مختصر إثبات الرجعة):
(ثمّ يخرج الجرهمي من بلاد الشام، ويخرج القحطاني من بلاد اليمن، ولكلّ واحد من هؤلاء شوكة عظيمة في ولايتهم، ويغلب على أهلها الظلم والفتنة منهم، فبيناهم كذلك يخرج عليهم السمرقندي من خراسان مع الرايات السود...)(٣٩).
وروي أنّ القحطاني يحكم بعد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وأنّه عماني، يفتح مدينة الروم ويقتل قريشاً.
١٥ - راية الحارث والمنصور:
يخرج رجل يقال له: الحارث، على مقدمته رجل يقال له: المنصور يمكّن لآل محمد، واجب على كلّ مؤمن نصره، ويلقب بالحارث كما يلقب المهدي بالجابر(٤٠).
١٦ - راية الخراساني:
عن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: «لابدّ أن يملك بنو العباس، فإذا ملكوا واختلفوا وتشتت أمرهم، خرج عليهم الخراساني والسفياني، هذا من المشرق، وهذا من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، هذا من ههنا، وهذا من ههنا، حتّى يكون هلاكهم على أيديهما، أما أنّهما لا يبقون منهم أحداً أبداً»(٤١).
وفي شرح إحقاق الحق: (ويثور أهل خراسان بعساكر السفياني فتكون بينهم وقعات، فإذا طال عليهم قتاله بايعوا رجلاً من بني هاشم بكفّه اليمنى خال، سهّل الله أمره وطريقه، ... وهو حينئذٍ بآخر المشرق بأهل خراسان وطالقان ومعه رايات السود الصغار وهي غير رايات بني العباس، على مقدمته رجل من بني تميم الموالي ربعة أصفر قليل اللحية كوسج)(٤٢).
١٧ - راية الحسني، موطنه خراسان:
عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «ويلحقه الحسني في اثني عشر ألفاً، فيقول له: أنا أحق منك بهذا الأمر، فيقول له: هات علامة، هات دلالة، فيومئ إلى الطير فيسقط على كتفه، ويغرس القضيب الذي بيده فيخضر ويعشوشب، فيسلّم إليه الحسني الجيش، ويكون الحسني على مقدمته»(٤٣).
ومثله في عقد الدرر(٤٤)، وفيه: (قال: وتسير الجيوش حتّى تصير بوادي القرى في هدوء ورفق ويلحقه هناك ابن عمّه الحسني في اثني عشر ألف فارس، فيقول: يا بن عم، أنا أحق بهذا الجيش منك، أنا ابن الحسن، وأنا المهدي، فيقول المهدي (عليه السلام): بل أنا المهدي، فيقول الحسني: هل لك من آية فنبايعك؟ فيومئ المهدي (عليه السلام) إلى الطير فتسقط على يده، ويغرس قضيباً في بقعة من الأرض فيخضرّ ويورق، فيقول له الحسني: يا بن عم هي لك، ويسلّم إليه جيشه ويكون على مقدمته واسمه على اسمه).
ونحوه في إلزام الناصب مع زيادة: (فينظر المهدي إلى طير في الهواء فيومئ إليه فيسقط في كفّه، فينطق بقدرة الله تعالى ويشهد له بالإمامة، ثمّ يغرس قضيباً في بقعة من الأرض ليس فيها ماء فيخضرّ ويورق، ويأخذ جلموداً كان في الأرض من الصخر، فيفركه بيده ويعجنه مثل الشمع...)(٤٥).
١٨ - راية شعيب بن صالح تخرج من خراسان:
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: «إذا خرجت خيل السفياني إلى الكوفة بعث في طلب أهل خراسان، ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي فيلتقي هو والهاشمي برايات سود على مقدمته: شعيب بن صالح».
وعن عمار بن ياسر، قال: (إذا بلغ السفياني الكوفة، وقتل أعوان آل محمد خرج المهدي (عليه السلام) على لوائه شعيب بن صالح).
نفهم من هذه الرواية أنّ راية شعيب بن صالح لم تكن في هدفها الاستقلالية في حركتها ودعواها، بل هي تحت راية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)(٤٦).
١٩ - راية وحركة الدجّال:
إطلالة على هوية الدجال:
ينبغي متابعة الروايات والأخبار الواردة في شأن الدجال ومعرفة هويته وحركته من مصادر أهل البيت (عليهم السلام)، على أنّها مصادر موثقة من جانب، وهي أخبار تختلف عمّا ورد في المصادر السنيّة من جهة أخرى، كما أنّها روايات تخلو من تعارض أو تناقض، هذا من جهة ثالثة فهي كما ترى على العكس من روايات المصادر السنّية التي تعارض بعضها البعض الآخر، ومن جهة رابعة أنّ مصادر أهل البيت (عليهم السلام) ليس فيها التضخيم والمبالغة.
وما يستخلص من الروايات نجعله في نقاط:
أوّلاً: الدجال يهودي العقيدة.
ثانياً: يقوم بحركة عالمية مضادة لحركة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
ثالثاً: أتباع الدجال من اليهود والنواصب والشذّاذ والمومسات.
رابعاً: في مقابل التطور العلمي الذي يحققه الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يستعمل الدجال الشعبذة والسحر.
خامساً: بعد سيطرة الدجال على عقول الضعفاء وأصحاب الهوى ينتهي به المطاف أن يدَّعي الربوبية.
سادساً: الأخبار التي يرويها كعب الأحبار قد جعلت خروج الدجال بعد فتح القسطنطينية مباشرة، ثمّ بعدها بسبع سنوات يكون قيام الساعة، وهذه الأخبار مصادرها سنّية وليست في مصادر أهل البيت (عليهم السلام)، بل إنّ دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هي دولة العدل الإلهي وتمتد لسنين طويلة.
سابعاً: أنّ أتباع الدجال كلّهم أعداء أهل البيت (عليهم السلام).
ثامناً: أنّ الدجال هو آخر طغاة العالم، وحكومته في مقابل حكومة خاتم العترة الطاهرة من أئمة الهداة (عليهم السلام).
تاسعاً: من حيث حركات الضلال فإنّ حركة الدجال آخر حركة تكون على الأرض.
عاشراً: سيكون تحالف بين النواصب واليهود، وهذا التحالف سيبلغ أوجّه قُبيل ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
الحادي عشر: أنّ من أبغض أهل البيت (عليهم السلام) سيبعث يهودياً لأنّه سيكون من عصابة الدجال، وآنذاك لا ينفعه إسلامه.
عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أيّها الناس، من أبغضنا أهل البيت (عليهم السلام) بعثه الله يهودياً لا ينفعه إسلامه، وإن أدرك الدجال آمن به، وإن مات بعثه الله من قبره حتّى يؤمن به»(٤٧).
رواه البسوي - من علماء السنّة - في المعرفة والتاريخ(٤٨).
عن حذيفة بن اليمان، قال: من كان يحب - أي كان في قلبه حب الدجال - وخرج الدجال تبعه، فإن مات قبل أن يخرج آمن به في قبره(٤٩).
في المحاسن، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً، قيل: يا رسول الله وإن شهد الشهادتين؟ قال: نعم، إنّما احتجب بهاتين الكلمتين عن سفك دمه، أو يؤدّي الجزية وهو صاغر، ثمّ قال: من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً، قيل: وكيف يا رسول الله؟ قال: إن أدرك الدجال آمن به»(٥٠).
الثاني عشر: نستخلص من هذه الروايات أنّ النواصب تكون نهايتهم أن يرتدّوا عن الإسلام ويتَّبعوا الدجال زعيم اليهود.
أين يظهر الدجال؟
روايات عديدة في ظهور الدجال، وفي مصادرنا؛ منها: أنّ راية الدجال تبدأ من بلخ في أفغانستان، ومنها: أنّ خروج الدجال بالمشرق من سجستان.
في بصائر الدرجات، أنّ رجلاً من أهل بلخ دخل على الإمام الباقر (عليه السلام)، فقال له: «يا خراساني تعرف وادي كذا وكذا»؟ قال: نعم، قال له: «تعرف صدعاً في الوادي صفته كذا وكذا»؟ قال: نعم، قال: «من ذلك يخرج الدجال»(٥١).
حركة الدجال في المصادر السنّية:
قالوا: الدجال - موطنه أصبهان...
قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «الدجال يخرج من جزيرة أصبهان في البحر يقال له: (ماطولة)، حتّى يأتي الكوفة فيلحقه قوم من المدينة، وقوم من الطور، وقوم من ذي يمن، وقوم من قزوين»، قيل: يا رسول الله... وما القزوين؟ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «قوم يكونون بآخره يخرجون من الدنيا زهداً فيها يرد الله بهم قوماً من الكفر إلى الإيمان»(٥٢).
روى أحمد في مسنده عن أنس، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يخرج الدجال من يهودية أصبهان معه سبعون ألف من اليهود عليهم التيجان»(٥٣).
وقال ابن أبي شيبة: كأنّي بمقدمة الأعور الدجال ستمائة ألف من العرب يلبسون التيجان(٥٤).
وفي فتح الباري، أخرج أبو نعيم من طريق كعب الأحبار أنّ الدجال تلده أُمّه بقوص من أرض مصر...(٥٥)، وفي مصنف عبد الرزاق، عن كعب الأحبار، قال: يخرج الدجال من العراق(٥٦).
لا يسعنا المقام لذكر روايات القوم المتضاربة في معناها والمتناقضة في شكلها ومضمونها، وقد نقلنا بعضها، فإنّ الدجال مرّة قالوا يخرج من دسر وأبادين وأصبهان، ومرة يخرج من أهواز وكرمان، وثالثة يخرج من العراق، ورابعة أنّه ولد في مصر ويخرج منها، ودواليك ترى العجب العجاب، فهم يتخبطون في منقولاتهم.
صفات الدجال كما في مصادر أهل السنّة:
جاء في صحيح البخاري(٥٧) وفي صحيح مسلم(٥٨) وفي مجموع الفتاوى لابن تيمية(٥٩) وكتاب الفتن لابن حماد(٦٠) وغيرها روايات عجيبة غريبة في محتواها وما فيها من تناقض وأساطير ربما هي أقرب إلى حكايات العجائز على أن أغلبها منقولة من كعب الأحبار وتميم الداري و...
فمن تلك الأخبار نسبوا إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال في الدجال أنّه (المسيح الدجال) وهذه نسبة أطلقها اليهود على النبي عيسى (عليه السلام) عناداً منهم وبغضاً للمسيح، وهذا ما لا تجده في مصادر أهل البيت (عليهم السلام).
المسيخ الدجال أم المسيح؟
جاء في المشكاة عن شريك بن شهاب، قال: كنت أتمنى أن ألقى رجلاً من أصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أسأله عن الخوارج، فلقيت أبا بردة الصحابي في يوم عيد في نفر من أصحابه، فقلت له: هل سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يذكر الخوارج؟
قال: نعم، سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأُذني ورأيته بعيني، أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمال، فقام رجل من ورائه، فقال: يا محمد، ما عدلت في القسمة، رجل أسود مضموم الشعر عليه ثوبان أبيضان، فغضب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غضباً شديداً، وقال: (والله لا تجدون رجلاً بعدي هو أعدل منّي)، ثمّ قال: يخرج في آخر الزمان قوم كأنّ هذا منهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، سيماهم التحليق ولا يزالون يخرجون حتّى يخرج آخرهم مع المسيخ الدجال(٦١)، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم هم أشرّ الخلق والخليقة(٦٢).
ولضبط كلمة المسيخ ينظر في:
(حلية الأولياء) لأبي نعيم ٦/٥٤.
(صحيح مسلم) للنيسابوري ٢/٧٤٤.
(الصحيح) للبخاري محمد بن إسماعيل ٣/١٣٢١.
ثمّ رووا في صحاحهم ومسانيدهم أنّ الدجال إحدى عينه مطموسة والأخرى ممزوجة بالدم كأنّها الزهرة، وفي مصادرهم أنّه شاب قطط عينه طافئة كأنّي أشبهه بعبد العزى بن قطن، أنّه خارج من خلة بين الشام والعراق فعاث يميناً وعاث شمالاً...
ثمّ ذكروا له عجائب وخوارق، إذ يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثمّ يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك...(٦٣).
وعن ابن حماد بإسناده عن حذيفة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: الدجال أعور العين اليسرى، جِفال الشعر، معه جنّة ونار... ويسير معه جبلان؛ جبل من أنهار وثمار وجبل دخان ونار، يشق الشمس كما يشق الشعرة، ويتناول الطير في الهواء(٦٤).
وروى ابن أبي شيبة عن حذيفة، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الدجال يخوض البحار إلى ركبتيه، ويتناول السحاب، ويسبق الشمس إلى مغربها، وفي جبهته قرن يخرص منه الحيات، وقد صور في جسده السلاح كلّه، حتّى ذكر السيف والرمح والدرق، قال: قلت ما الدرق؟ قال: الترس(٦٥).
والخوض في روايات أهل السنّة ترى فيها الأساطير والخرافات فهي من عجائب الأخبار، وليس غريباً أن تكون من دسائس اليهود وما نسجته الإسرائيليات لتخويف البشر.
هذا هو الدجال عند أهل السنّة، فهو يحيي ويميت، ومعه جنّة ونار، ... وأساطير أخرى عجيبة.
روى البسطامي أنّ الدجال مهدي اليهود، ينتظرونه كما ينتظر المؤمنون المهدي، ونقل عن كعب الأحبار أنّه رجل طويل، عريض الصدر، مطموس، يدّعي الربوبية، معه جبل من خبز وجبل من أجناس الفواكه، وأرباب الملاهي جميعاً يضربون بين يديه بالطبول والعيدان والمعازف والنايات، فلا يسمعه أحد إلّا تبعه، إلّا مَن عصمه الله.
قال: ويخرج من ناحية المشرق من قرية تسمّى دسر أبادين ومدينة الهوازن ومدينة أصبهان، ويخرج على حمار وهو يتناول السحاب بيده ويخوض البحر إلى كعبيه ويستظل في أذن حماره خلق كثير، ويمكث في الأرض أربعين يوماً، ثمّ تطلع الشمس يوماً حمراء ويوماً صفراء ويوماً سوداء(٦٦).
أقول: أسماء المدن التي أوردها كعب الأحبار في خروج الدجال جعلها مدناً فارسية وكأنّما أراد بها: تستر وعبادان وأهواز وأصفهان، وقد أشاع ثقافة يهوديته على لسان مريديه أمثال أبي هريرة وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأضرابهم، وبمثل ذلك روى نعيم بن حماد بإسناده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ليهبطن الدجال خوز وكرمان في ثمانين ألفاً وجوههم المجان المطرقة، يلبسون الطيالسة وينتعلون الشعر(٦٧).
في هذه الرواية تجد رقعة الدجال الجغرافية اتَّسعت إلى الخوز وكرمان، بل اتَّصف دجال السنّة وأصحابه بصفات الترك والمغول، وأكثر من ذلك فإنّهم يجوبون البوادي فينتعلون الشعر أنّها صفة البدو الرحّل للمغول، وهكذا رواياتهم تدلل على عالمية الحركة التي يقوم بها الدجّال...!!
الهوامش:
(١) الجابية: قرية من أعمال دمشق، ثمّ من عمل الجيدور من ناحية الجولان قرب مرج الصفر.
(٢) قرقسياء: بلد على الخابور وهي بالقرب من مجرى الفرات.
(٣) الغيبة، أبو زينب النعماني: ص٨٨؛ الإرشاد، للشيخ المفيد: ٢/٣٧٢؛ غيبة الطوسي: ٤٤١؛ إعلام الورى: ص٤٢٧؛ الفصول المهمة: ص٣٠١؛ الاختصاص: ٢٥٥؛ بحار الأنوار: ٥٢/٢١٢.
(٤) الإرشاد، للشيخ المفيد: ٢/٣٧٢؛ إعلام الورى: ص٤٢٨؛ بحار الأنوار: ٥٢/٢٢١، ح٨٣.
(٥) كمال الدين: ص٤٣٧؛ بشارة الإسلام: ص٩١؛ بيان الأئمة: ١/٢٣١.
(٦) عليه: أي يظهر عليه بالغلبة.
(٧) شرح إحقاق الحق، المرعشي: ٢٩/٣٣٩.
(٨) غيبة النعماني: ص٣١٤؛ بحار الأنوار: ٥٢/٢٥٠، ح١٣٦.
(٩) القاموس المحيط: ج١، ص٨٧.
(١٠) مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري كتاب التجارة: باب ٣٥/ ١٣/١٢٦.
(١١) غيبة النعماني: ص٣٠٦، باب ١٩.
(١٢) عقد الدرر: ص٧٢.
(١٣) غيبة الطوسي: ص٢٧٨.
(١٤) أي أخذوا من تحت أقدامهم وهي كناية عن القرب.
(١٥) كتاب سليم بن قيس: ص١٩٧.
(١٦) معاني الأخبار: ص٣٤٦؛ وعنه في بحار الأنوار: ٥٢/١٩٠.
(١٧) غيبة النعماني: ص٣٠٤.
(١٨) كمال الدين: ٢/٦٥١؛ إعلام الورى: ص٤٢٨؛ منتخب الأنوار المضيئة: ص١٧٧؛ إثبات الهداة: ٣/٧٢١.
(١٩) غيبة النعماني: ص٢٩٩.
(٢٠) لسان العرب لابن منظور المصدي: ١/٤٦١.
(٢١) كنز العمال، المتقي الهندي: ١١/٣٨٤، ح٣١٥٣٦.
(٢٢) تفسير العياشي: ١/٦٤؛ غيبة النعماني: ص٢٧٩؛ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ص٢٨٣ ط الغري؛ ينظر: الإرشاد: ٢/٣٧٢؛ بحار الأنوار: ٥٢/٢٦٩؛ إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب - علي اليزدي الحائري: ٢/١٢٨.
(٢٣) مختصر بصائر الدرجات: ص١٩٤؛ الكتاب المبين: ٤/٣١٤.
(٢٤) شرح إحقاق الحق، الهامش: ٢٩/٢٩٢، وينظر: شرح الإحقاق: ١٣/٢٥٥.
(٢٥) بحار الأنوار: ٥/٢٦٩؛ ينظر: الإرشاد: ٢/٣٧٢.
(٢٦) شرح إحقاق الحق: ٢٩/٢٩٢، أقول: والشذاذ من آل محمد، قيل هم الزيدية ونسبتهم إلى آل محمد لأنّهم من نسل فاطمة (عليها السلام).
(٢٧) الصحاح للجوهري: ج١، ص١٦٦.
(٢٨) الفتن، نعيم بن حماد: ص٨٤.
(٢٩) الفتن للمروزي: ص١٧٤.
(٣٠) الخرايج: ٣/١١٥٥، باب ٢٠، ح٦١؛ إثبات الهداة: ٣/٧٢٧، باب ٣٤، فصل ٦، ح٥٢؛ منتخب الأنوار المضيئة: ص٣١، فصل ٣؛ بحار الأنوار: ٥٢/٢١٣، باب٢٥، ح٦٥؛ الكتاب المبين: ٤/٣١٨؛ غيبة الطوسي: ص٢٧٠؛ بشارة الإسلام: ص٨٣، باب ٥.
(٣١) الإرشاد للمفيد: ٢/٣٧٥.
(٣٢) المصدر نفسه: ٢/٣٧٥؛ الغيبة للطوسي: ص٤٤٨؛ إعلام الورى: ص٤٢٩.
(٣٣) الملاحم والفتن لابن طاووس: ص١٠٣؛ عقد الدرر: ص١٠٩، باب ٦٣، ح٧٥.
(٣٤) مادة الأبقع: أنصاره.
(٣٥) ملاحم ابن حماد: ص٧٦.
(٣٦) الفتن لابن حماد: ص٧٦ و٧٨.
(٣٧) الفتن، نعيم بن حماد: ص١٧٤، لهبة الله بن أبي محمد الحسن الموسوي، المعاصر للعلامة، معارج اليقين في أصول الدين، للشيخ محمد السبزواري: ص٣٩٧.
(٣٨) غيبة النعماني: ص٢٥٩؛ بحار الأنوار: ٥٢/١٣٥ و٢١٠؛ غيبة الطوسي: ص٢٧١؛ أمالي الطوسي: ٢/٢٧٥؛ الكتاب المبين: ٤/٣٣١.
(٣٩) مختصر إثبات الرجعة، الفضل بن شاذان: ح١٦؛ عنه مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام): ح١٥/٢١٤.
(٤٠) شرح إحقاق الحق، المرعشي: ٢٩/٣٣٩.
(٤١) بحار الأنوار: ٥٢/٢٧٢.
(٤٢) هامش شرح إحقاق الحق: ٢٩/٣٣٩؛ أهوال يوم القيامة وعلاماتها الكبرى، محمد السفاريني، ص٢٥ ط دار المنار القاهرة.
(٤٣) الملاحم والفتن، لابن طاووس: ص٢٩٦، وص١٤٥؛ بحار الأنوار: ٥٢/٢٤٢ باب ٢٥؛ بشارة الإسلام: ص١٣٣.
(٤٤) عقد الدرر: ص٩٠.
(٤٥) إلزام الناصب: ٢/١٧٨.
(٤٦) غيبة الطوسي: ص٢٧٨؛ الفتن، لابن حماد: ١/٣١٤؛ الملاحم - ابن طاووس: ص٥٣؛ بحار الأنوار: ٥٢/٢٠٧.
(٤٧) مشارق أنوار اليقين: ص٥٢.
(٤٨) المعرفة والتاريخ: ص٨٣٣.
(٤٩) المعجم الموضوعي للكوراني: ص٢٥.
(٥٠) المحاسن: ص٩٠؛ ثواب الأعمال: ص٢٠٣ و٢٤٢؛ بحار الأنوار: ٥٢/١٩٢ و٧٢/١٣٤.
(٥١) البصائر: ص١٤١.
(٥٢) مجمع الزوائد، الهيثمي: ٧/٣٤٨؛ الطبقات الكبرى: ٦/٥.
(٥٣) مسند أحمد: ٣/٢٢٤؛ صحيح مسلم: ٨/٢٠٧.
(٥٤) مسند ابن أبي شيبة: ٨/٦٧١ و١٥/١٨٢؛ مصنف عبد الرزاق: ١١/٣٩٣؛ الدر المنثور: ٥/٣٥٤؛ الفتن لابن حماد: ٢/٥٥١.
(٥٥) فتح الباري: ١٣/٢٧٧.
(٥٦) المصنف، لعبد الرزاق: ١١/٣٩٦؛ الدر المنثور: ٥/٣٥٤.
(٥٧) صحيح البخاري: ١/٢٠٢ و٧/١٥٩ و١٦١ و٨/١٠٣ و١٠١ و٢/٢٢٣ و٧/٥٨ و٥/١٢٦ و٨/٧٢.
(٥٨) صحيح مسلم: ٤/٢٢٥٧ و٤/١٣٥٤.
(٥٩) مجموع الفتاوى لابن تيمية: ص٣٥، ح١١٨.
(٦٠) الفتن لابن حماد: ٢/٥٣٦.
(٦١) المسيخ، في القاموس: مسخه كمنعه، حول صورته إلى أخرى أقبح، ومسخه الله قرداً فهو مسخ، والمسيخ: المشوّه؛ ينظر: تاريخ بغداد: ٨/٢٧٥.
(٦٢) خصائص النسائي: ص١٣٧.
(٦٣) الفتن لابن حماد: ٢/٥١٨ و٥٣٦.
(٦٤) المصدر نفسه، سنن ابن ماجة: ٢/١٣٥٣؛ حلية الأولياء: ٥/١٥٧؛ صحيح مسلم: ٤/٢٢٤٨؛ وصحيح البخاري: ٤/١٠٥.
(٦٥) ابن أبي شيبة: ١٥/١٣٣ و٨/٦٤٨.
(٦٦) فيض القدير، المناوي: ٣/٧١٨.
(٦٧) الفتن، لابن حماد: ٢/٥٧٩؛ مسند أحمد بن حنبل: ٢/٣٣٧؛ مجمع الزوائد: ٧/٣٤٥؛ الفتن لابن كثير: ١/١٤٣ و١٤٤؛ مسند أبي يعلى: ١٠/٣٨٠؛ ابن أبي شيبة: ١٥/١٤٦.