فهرس المكتبة التخصصية
 كتاب مختار:
 البحث في المكتبة:
 كتب المركز

الكتب كتاب الغيبة

القسم القسم: كتب المركز الشخص المؤلف: الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠٢٣/٠١/١٥ المشاهدات المشاهدات: ١١٩٤ التعليقات التعليقات: ٠

كتاب الغيبة

تأليف: العالم الرباني شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدّس سره)
تقديم وتحقيق: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
الطبعة الأولى: ١٤٤٤هـ

الفهرس

مقدَّمة المركز
ترجمة شيخ الطائفة (قدّس سره) بقلم السيِّد حسين بحر العلوم (قدّس سره)
مقدّمة المؤلِّف
[الفصل الأوَّل]: [الكلام في الغيبة]
[الدليل على وجوب الرئاسة]
[اعتراض بعض على كلام المرتضى (رحمه الله) في الغيبة]
[الجواب عن الاعتراض المزبور]
[الدليل على وجوب عصمة الإمام]
[الدليل على أنَّ الحقَّ لا يخرج عن الأُمَّة]
[الدليل على فساد قول الكيسانيَّة]
[الدليل على فساد قول الناووسيَّة]
الكلام على الواقفة
[نصُّ الإمام الكاظم (عليه السلام) على إمامة الإمام الرضا (عليه السلام)]
[أخبار استُدِلَّ بها على أنَّ الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) هو القائم، وأنَّه حيٌّ لم يمت، والجواب عنها]
[السبب الباعث لقوم على القول بالوقف]
[الأخبار الواردة في طعن رواة الواقفة]
[بعض معجزات الإمام الرضا (عليه السلام) التي لبعضها رجع بعض الواقفة عن الوقف]
[احتمال التشكيك في ولادة الإمام الحجَّة (عجّل الله فرجه) والجواب عنه]
[ردُّ سائر الفِرَق المخالفة للإماميَّة في الحجَّة (عجّل الله فرجه) من المحمّديَّة والفطحيَّة وغيرها]
[ذكر أنَّ الغيبة لحكمة اقتضاها، ونعلم ذلك إجمالاً]
[ذكر ما يمكن أنْ يكون حكمةً وسبباً للغيبة]
[السؤال عن حكم الحدود حال الغيبة وجوابه]
[السؤال عن طريق إصابة الحقِّ حال الغيبة وجوابه]
[علَّة غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) من أوليائه]
[ذكر أنَّ ستر ولادة صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) ليس من خوارق العادات، وما لها من النظائر]
[إثبات ولادة صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) وإبطال ما أُورد عليه من الشُّبَه]
[استبعاد أنَّ صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) منذ وُلِدَ لا يعرف أحد مكانه]
[الجواب عن الاعتراض بطول عمره (عجّل الله فرجه) بما يزيد عن العمر الطبيعي، وكونه خارقاً للعادة، وذكر المعمَّرين]
[الدليل على إمامة صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) من روايات المخالفين في الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام)]
[أخبار الخاصَّة على إمامة الاثني عشر (عليهم السلام)]
[بيان صحَّة أخبار أنَّ الأئمَّة اثنا عشر، وأنَّ المراد منهم الأئمَّة الإماميَّة]
[دليل آخر على أنَّ إمامة صاحب الأمر (عجّل الله فرجه) من جهة إخبار الأئمَّة السابقة عليه بغيبته، وصفة غيبته، وحوادث زمان غيبته]
[الروايات الدالَّة على خروج المهدي (عجّل الله فرجه)]
[الروايات الدالَّة على أنَّ المهدي (عجّل الله فرجه) من ولد عليٍّ (عليه السلام)]
[الروايات الدالَّة على أنَّ المهدي (عجّل الله فرجه) من ولد الحسين (عليه السلام)]
[إبطال قول السبائيَّة في أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) حيٌّ باقٍ بالأخبار وغيرها]
[إبطال قول الكيسانيَّة في أنَّ محمّد بن الحنفيَّة حيٌّ وأنَّه القائم بالأخبار وغيرها]
[إبطال قول الناووسيَّة في أنَّ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) حيٌّ وأنَّه المهدي بالأخبار وغيرها]
[إبطال قول الواقفة]
[إبطال قول المحمّديَّة في أنَّ محمّد بن عليٍّ العسكري (عليه السلام) لم يمت وأنَّه المهدي بالأخبار وغيرها]
[أخبار وفاة محمّد في حياة أبيه الإمام الهادي (عليه السلام)]
[معجزات الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)]
[الردُّ على من قال بأنَّ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) حيٌّ باقٍ]
[الردُّ على من قال: إنَّ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) يحيى بعد موته ويعيش وهو القائم]
[الردُّ على من قال بالفترة بعد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)]
[الردُّ على من قال بإمامة جعفر بن عليٍّ بعد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)]
[الردُّ على من قال بأنَّه مشتبه في أنَّ للعسكري (عليه السلام) ولداً أم لا، فيتوقَّف]
[ردُّ القول بأنَّ الإمامة انقطعت بعد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) كما انقطعت النبوَّة]
[إبطال قول الفطحيَّة]
[الأخبار الدالَّة على أنَّ الإمامة لا تجتمع في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام)، وذمِّ جعفر بن عليٍّ الكذَّاب]
[ردُّ القول بأنَّ الأئمَّة ثلاثة عشر، وأنَّ للحجَّة (عليه السلام) ولداً]
[الفصل الثاني]: [الكلام في ولادة صاحب الزمان وصحَّتها]
[الفصل الثالث]: [الأخبار المتضمِّنة لمن رآه (عليه السلام) وهو لا يعرفه أو عرفه فيما بعد]
[الفصل الرابع]: [ظهور المعجزات الدالَّة على إمامة الحجَّة (عجّل الله فرجه)]
[ظهور المعجزات الدالَّة على صحَّة إمامته (عجّل الله فرجه) في زمان الغيبة]
[ظهور المعجزات من جهته (عجّل الله فرجه) من التوقيعات]
[الفصل الخامس]: [في ذكر العلَّة المانعة من ظهور الحجَّة (عجّل الله فرجه)]
[الأخبار الواردة في امتحان الشيعة في حال الغيبة، وصعوبة الأمر عليهم، واختبارهم للصبر عليه]
[الفصل السادس]: [في ذكر طرف من أخبار السفراء الذين كانوا في حال الغيبة]
[ذكر المحمودين من وكلاء الأئمَّة (عليهم السلام)]
[ذكر المذمومين من وكلاء الأئمَّة (عليهم السلام)]
[ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة]
[أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله)]
ذكر أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري، والقول فيه
ذكر إقامة أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري أبا القاسم الحسين ابن روح (رضي الله عنهما) مقامه بعده بأمر الإمام (صلوات الله عليه)
[صورة بعض توقيعات الحجَّة (عجّل الله فرجه)]
[استعمال التقيَّة من قِبَل الحسين بن روح (رضي الله عنه)]
[الأخبار المرويَّة عن الحسين بن روح (رضي الله عنه)]
ذكر أمر أبي الحسن عليِّ بن محمّد السمري بعد الشيخ أبي القاسم الحسين ابن روح (رضي الله عنه)، وانقطاع الأعلام به وهم الأبواب
ذكر المذمومين الذين ادَّعوا البابيَّة [والسفارة كذباً وافتراءً]
[التوقيعات الواردة على أقوام ثقات في زمان السفراء المحمودين]
[الفصل السابع]: [فيما ذُكِرَ في بيان عمره (عجّل الله فرجه)]
[ذكر ما روي في أنَّ صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) يموت ثمّ يعيش أو يُقتَل ثمّ يعيش وتأويله وذكر معارضاته]
[ذكر الأخبار الواردة في أنَّه لا تعيين لوقت خروجه (عجّل الله فرجه)]
[ذكر ما ورد من توقيت زمان الظهور ببعض الأوقات ثمّ تغيَّر لمصلحة اقتضته، وبيان معنى البداء]
ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام)
[الفصل الثامن]: [في ذكر طرف من صفاته ومنازله وسيرته (عجّل الله فرجه)]
المصادر والمراجع

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدَّمة المركز:
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
وبعد..
فلا يخفى عظمة كتاب الغيبة لشيخ الطائفة (قدّس سره) على كلِّ من سمع به، وبكلمة واحدة نقول: إنَّه أجمع الكُتُب وأدقّها وأوسعها منهجاً وأضبطها فيما يرتبط بغيبة الإمام (عجّل الله فرجه)، والحديث عن هذا الكتاب العظيم وبشكل مختصر يقع في نقاط:
١ - اسم الكتاب:
* ذكر الشيخ (قدّس سره) في (الفهرست) عندما ترجم لنفسه قائلاً: (محمّد بن الحسن بن عليٍّ الطوسي، مصنِّف هذا الفهرست، له مصنَّفات، منها: كتاب تهذيب الأحكام، وهو يشتمل على عدَّة كُتُب من كُتُب الفقه...، وله كتاب مختصر أخبار المختار بن أبي عبيدة (رحمه الله)، وله كتاب الغيبة، وله كتاب المسائل الحائريَّة، نحو من ثلاثمائة مسألة، وله كتاب هداية المسترشد وبصيرة المتعبِّد، وله كتاب اختيار الرجال، وله كتاب المجالس في الأخبار، وله كتاب مقتل الحسين (عليه السلام)، وله كتاب في الأُصول كبير، خرج منه الكلام في التوحيد وبعض الكلام في العدل)(١).
* وكذلك عبَّر عنه الشيخ آغا بزرك الطهراني - سواء في كتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة)(٢) أو في المقدَّمة القيِّمة التي وضعها لهذا الكتاب - عبَّر عنه بـ(الغيبة).
* ولكن بعض الكُتَّاب(٣) ادَّعى أنَّ الشيخ (قدّس سره) لم يضع له عنواناً، وهو كما ترى.
٢ - موضوع الكتاب:
قال الشيخ (قدّس سره) في مقدَّمة الكتاب (ص ٢٥): (...أمَّا بعد، فإنِّي مجيب إلى ما رسمه الشيخ الجليل، أطال الله بقاءه من إملاء كلام في غيبة صاحب الزمان، وسبب غيبته، والعلَّة التي لأجلها طالت غيبته، وامتداد استتاره، مع شدَّة الحاجة إليه وانتشار الحيل، ووقوع الهرج والمرج، وكثرة الفساد في الأرض، وظهوره في البرِّ والبحر، ولِمَ لم يظهر؟ وما المانع منه؟ وما المحوج إليه؟ والجواب عن كلِّ ما يُسئَل عن ذلك من شُبَه المخالفين، ومطاعن المعاندين. وأنا مجيب إلى ما سأله، وممتثل ما رسمه...).
من هو الشيخ الجليل؟
وقع خلاف في تحديد هويَّة هذا الشيخ:
* جاء في هامش بعض النُّسَخ المطبوعة لهذا الكتاب: إنَّ مراد المؤلِّف من عبارة (الشيخ الجليل) هو الشيخ المفيد (قدّس سره)(٤).
ويردُّه: من الثابت أنَّ وفاة الشيخ المفيد (قدّس سره) في سنة (٤١٣هـ)، وكان تأليف هذا الكتاب بتصريح الشيخ (قدّس سره) سنة (٤٤٧هـ)، خاصَّةً وأنَّ الشيخ الطوسي يُعقِّب على هذا (الشيخ الجليل) بالدعاء له قائلاً: (أطال الله بقاءه)، الأمر الذي يحكي عن أنَّ هذا الشيخ قد كان حيًّا أثناء تأليف الشيخ الطوسي لهذا الكتاب.
* قيل: ... والذي يبدو - من خلال الالتفات إلى تاريخ وفيات مشايخ الطوسي - أنَّ بالإمكان تحديد المراد من عبارة (الشيخ الجليل)، فإنَّ الذي بقي على قيد الحياة من مجموع مشايخ الطوسي الثمانية والثلاثين(٥) - على ما ذُكِرَ - في فترة تأليف هذا الكتاب، شيخان فقط(٦)، وهما: القاضي أبو القاسم عليٌّ التنوخي (ت ٤٤٧هـ)، وأبو العبَّاس أحمد بن عليٍّ النجاشي (قدّس سره) صاحب كتاب الرجال (ت ٤٥٠هـ).
وعليه لا بدَّ أنْ يكون الشيخ الطوسي قد ألَّف هذا الكتاب نزولاً عند طلب أحد هذين الشيخين.
ولكن صاحب كتاب الرجال المعروف هو زميل الشيخ لا أُستاذه، نعم والد النجاشي في طبقة مشايخ الشيخ الطوسي (قدّس سره)، إلَّا أنَّه ليس له كتاب رجالي معروف.
إلَّا إذا قيل: إنَّ مراد المؤلِّف من (الشيخ الجليل) شخصاً من أقرانه في العلم.
بيد أنَّ هذا الاحتمال يبدو ضعيفاً أيضاً، وذلك لأنَّ الشيخ الطوسي (قدّس سره) قد تولَّى زعامة الطائفة (الشيعيَّة) سنة (٤٣٦هـ) بعد رحيل أُستاذه السيِّد المرتضى (قدّس سره)، ولم يرد في بيان سيرته أنَّ شخصاً كان من أقرانه في تلك الفترة، بل قيل في عظمته: إنَّه بلغ مرتبة أعطاه الخليفة في حينها كرسي الكلام(٧).
وإنْ كان بالإمكان أنْ يكون خطاب الشيخ (قدّس سره) لهذا الرجل من باب الإجلال والتكريم سواء كان من أقرانه أو حتَّى من تلامذته، من باب التواضع وجميل الأدب كما هو المعهود من سيرة علمائنا نزولاً عند رغبة من يطلب منهم الكتابة في بعض الموضوعات المهمَّة.
ومع عدم القرينة على تحديد هويَّة الشيخ الجليل يبقى اسمه مجهولاً بالنسبة لنا، ولعلَّه الأرجح.
٣ - أين ومتى تمَّ تأليف كتاب الغيبة؟
الراجح أنَّه تمَّ تأليف الكتاب في بغداد، وتوجد عدَّة شواهد تدلُّ عليه، فإنَّ الشيخ (قدّس سره) هاجر إلى النجف (٤٤٨هـ) بينما تلك الشواهد تتحدَّث عن عام (٤٤٧هـ)، منها:
* قوله (قدّس سره): (فإنْ قيل: ادِّعاؤكم طول عمر صاحبكم أمر خارق للعادات...، لأنَّه على قولكم له في هذا الوقت - الذي هو سنة سبع وأربعين وأربعمائة - مائة وإحدى وتسعون سنة)(٨).
وإنْ كان يبدو من حساب عمر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مع سنة كتابة هذا المقطع من شيخ الطائفة (قدّس سره) أنَّ حساب الولادة هو سنة (٢٥٦هـ) وليس (٢٥٥هـ).
* قوله (قدّس سره): (قال محمّد بن الحسن - مصنِّف هذا الكتاب -: رأيت قبره في الموضع الذي ذكره...، وهو إلى يومنا هذا - وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة)(٩)، جاء هذا في معرض حديثه عن زيارته لقبر عثمان بن سعيد (رضي الله عنه) السفير الأول للإمام (عجّل الله فرجه).
٤ - الرجال والتوثيق:
يُعَدُّ كتاب الغيبة لشيخ الطائفة (قدّس سره) من المصادر المهمَّة في التوثيق الخاصِّ أو العامِّ، فقد تناول (قدّس سره) العديد من الموارد التي يُستفاد منها التوثيق، من قبيل:
* عنوان الوكالة: وقد صنَّف فيها الوكلاء إلى صنفين:
١ - أهل الصلاح والاستقامة، من قبيل: حمران بن أعين، والمفضَّل بن عمر، والمعلَّى بن خُنَيس، ونصر بن قابوس اللخمي، وصفوان بن يحيى، ومحمّد ابن سنان، وعليّ بن مهزيار الأهوازي، وأيُّوب بن نوح بن درَّاج وغيرهم، حيث كانوا من الوكلاء الصالحين(١٠).
٢ - أهل الانحراف والضلال، من قبيل: صالح بن محمّد بن سهل، وفارس بن حاتم بن ماهويه القزويني، وأحمد بن هلال العبرتاتي، وأبي طاهر محمّد بن عليِّ بن بلال، حيث كانوا من المذمومين(١١).
* المقالات والفِرَق:
يتحدَّث شيخ الطائفة (قدّس سره) عن العديد من الفِرَق وعن مقالاتهم وإبطالها كالسبئيَّة والكيسانيَّة والناووسيَّة والفطحيَّة والمحمّديَّة والواقفيَّة، ويتحدَّث من زاوية أُخرى عن انقراض هذه الفِرَق وعدم بقائها إلى زمان تأليف هذا الكتاب، وهذا له أهمّيَّة كبيرة كما ذكره المصنِّف في كتابه، وما قاله (قدّس سره): (على أنَّ هذه الفِرَق كلَّها قد انقرضت بحمد الله، ولم يبقَ قائل يقول بقولها، وذلك دليل على بطلان هذه الأقاويل)(١٢).
كما ويتحدَّث عن صنفين من الواقفة:
١ - من استمرَّ وقفهم إلى أنْ ماتوا عليه، من قبيل: زياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي، وغيرهم.
٢ - من رجعوا عنه، من قبيل: عبد الرحمن بن الحجَّاج، ورفاعة بن موسى، ويونس بن يعقوب، وجميل بن درَّاج، وحمَّاد بن عيسى(١٣).
٥ - المصادر التي اعتمد عليها الشيخ في كتابه:
أوَّلاً: المصادر التي اعتمد عليها في البحوث الكلامية والعقليَّة، وهي:
١ - تلخيص الشافي للمصنِّف (قدّس سره): قال (قدّس سره): (قد أجبنا عن هذا السؤال في (التلخيص) مستوفًى، وجملته أنَّ...)(١٤).
٢ - شرح الجُمَل للمصنِّف (قدّس سره): قال (قدّس سره): (وأجبنا عن كلِّ ما يُسئَل عن ذلك مستوفًى في (تلخيص الشافي) و(شرح الجُمَل) لا نُطوِّل بذكره هاهنا)(١٥).
٣ - الذخيرة للسيِّد المرتضى (قدّس سره): قال (قدّس سره): (الذي نقوله في هذا الباب ما ذكره المرتضى (رحمه الله) في (الذخيرة)...)(١٦).
٤ - كُتُب ابن قبة الرازي (رحمه الله): والتي أورد معظمها الشيخ الصدوق (قدّس سره) في (كمال الدِّين)، حيث نجد التطابق التامَّ في بعض الموارد، منها: معالجة بعض شُبُهات الغيبة، والردُّ على جماعة جعفر، وإنكار الولادة.
٥ - الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد (قدّس سره): ولم يذكره صريحاً إلَّا أنَّه بالمقارنة مع المعلومات الواردة في الغيبة مع الواردة في الفصول نجد التطابق التامَّ أو التقارب الكبير، ومنها: الردُّ على فِرَق الواقفة، وطول عمر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وذكر بعض المعمَّرين.
٦ - المقنع للسيِّد المرتضى (قدّس سره): أيضاً لم يذكره صريحاً، ويمكن استفادة التطابق التامِّ أو الجزئي في بعض المباحث.
ثانياً: المصادر التي اعتمد عليها في البحوث الروائيَّة والتاريخيَّة، وهي على أصناف أيضاً:
الصنف الأوَّل: المصادر المتداولة والمطبوعة، وهي:
١ - كتاب الكافي للشيخ الكليني (قدّس سره).
٢ - الغيبة للشيخ النعماني (قدّس سره).
٣ - كمال الدِّين وتمام النعمة للشيخ الصدوق (قدّس سره).
٤ - كتاب مسائل عليِّ بن جعفر.
٥ - كتاب سُلَيم بن قيس الهلالي.
الصنف الثاني: المصادر غير الموجودة:
١ و٢ - الرجعة وكتاب القائم (عجّل الله فرجه): للفضل بن شاذان النيشابوري.
٣ - الغيبة أو ما يُسمَّى بكتاب إثبات الرجعة للفضل بن شاذان النيسابوري.
والمتتبِّع لهذا الكتاب يجد طُرُق الشيخ (قدّس سره) إلى هذه الكُتُب من خلال ملاحظة (الفهرست) وما يبدأ به أسانيد الروايات.
٤ - أخبار الأبواب: لأحمد بن عليِّ بن عبَّاس بن نوح، أبو العبَّاس السيرافي.
وطريق الشيخ الطوسي (رحمه الله) إلى كتاب الوكلاء، بواسطة (جماعة من أصحابنا) ، وهو هنا بواسطة (الحسين بن إبراهيم القمِّي)، الذي ينقل عنه عن الكتاب.
إنْ قلتَ: إنَّ الشيخ بنفسه يُصرِّح أنَّ كتاب السيرافي غير موجود، فكيف ينقل عنه؟ قال (قدّس سره) في (الفهرست): (أحمد بن محمّد بن نوح، يُكنَّى أبا العبَّاس السيرافي، سكن البصرة، واسع الرواية، ثقة في روايته، غير أنَّه حُكي عنه مذاهب فاسدة في الأُصول، مثل القول بالرؤية وغيرها. وله تصانيف، منها: كتاب الرجال الذين رووا عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وزاد على ما ذكره ابن عقدة كثيراً، وله كُتُب في الفقه على ترتيب الأُصول، وذكر الاختلاف فيها، وله كتاب أخبار الأبواب، غير أنَّ هذه الكُتُب كانت في المسودَّة ولم يوجد منها شيء. أخبرنا عنه جماعة من أصحابنا بجميع رواياته، ومات عن قرب، إلَّا أنَّه كان بالبصرة ولم يتَّفق لقائي إيَّاه)(١٧).
قلتُ: يحتمل أنَّ النسخة وصلت له بعد تأليفه لكتاب (الفهرست) الذي ألَّفه متقدِّماً على كتاب الغيبة والعديد من كُتُبه، حيث ذكر في مقدَّمة (الفهرست): (ولـمَّا تكرَّر من الشيخ الفاضل (أدام الله تأييده)، الرغبة فيما يجري هذا المجرى، وتوالى منه الحثُّ على ذلك، ورأيته حريصاً عليه، عمدت إلى كتاب يشتمل على ذكر المصنَّفات والأُصول...)، وحيث إنَّ وفاة الشيخ المفيد (قدّس سره) هي في حدود (٤١٣هـ) فيكون كتاب الفهرست موجوداً قبل هذا الوقت بمدَّة.
على أنَّ له (قدّس سره) طريقاً إلى جميع رواياته.
٥ و٦ - الأوصياء وكتاب الغيبة: لمحمّد بن عليِّ بن أبي العزاقر الشلمغاني.
٧ - في نصرة الواقفة: لأبي محمّد عليِّ بن أحمد العلوي الموسوي.
وقد نقل عنه الشيخ الطوسي في غيبته ذيل (الكلام في الواقفة)، حيث نقل عدَّة روايات استدلُّوا بها على الوقف.
٨ - كُتُب سعد بن عبد الله الأشعري القُمِّي.
الصنف الثالث: الروايات المتناثرة أو مجهولة المصدر: ومن مواردها وهي عديدة كالرواية الأُولى والثانية والثالثة، وهناك العديد من الموارد كما يقف عليها المتتبِّع.
كما تكرَّر من الشيخ ذكر جماعة وعدَّة في بداية الطُّرُق لبعض الروايات، وهذا ينبغي بحثه مفصَّلاً لضبط طُرُق الشيخ (قدّس سره) وأنْ لا يُرمى الحديث بالإرسال لمجرَّد عدم وجود الواسطة، فإنَّه (قدّس سره) يعتمد على طُرُقه في (الفهرست)، لتأخُّر هذا الكتاب عنها.
٦ - منهج شيخ الطائفة (قدّس سره) الكلامي:
يُعَدُّ الشيخ الطوسي (قدّس سره) في طليعة علماء الكلام الشيعة، ومدرسته الكلاميَّة هي امتداد للمدارس السابقة عليه من أساتذته وشيوخه كالمرتضى والمفيد (قدّس سرهما)، بل تمتدُّ هذه المدرسة إلى هشام بن الحَكَم (رحمه الله) وغيره من علماء الكلام الشيعة.
وكيفما كان فمنهج شيخ الطائفة (قدّس سره) هو منهج كلامي في هذا الكتاب في طابعه العامِّ.
وعلم الكلام هو الذي اضطلع بمهمَّة الاستدلال على المسائل الكلاميَّة، فالمتكلِّم ينطلق في إثبات ما يعتقد به ابتداءً من التوحيد وانتهاءً بالمعاد وما بينهما من تفصيلات، فمهمَّة المتكلِّم هي الاستدلال على العقائد الدِّينيَّة وإثباتها بالأدلَّة العقليَّة والنقليَّة ومن ثَمَّ دفع الشُّبُهات المثارة حولها سواء كانت على مستوى الأُصول أو تفريعاتها.
٧ - منهج شيخ الطائفة (قدّس سره) في الحديث:
الحديث عن منهج شيخ الطائفة (قدّس سره) في خبر الواحد تكمن أهمّيَّته في النظر إلى الروايات الموجودة في كتاب الغيبة، وعلى أيِّ أساس ومنهج تمَّ تدوينها، خصوصاً وأنَّ التدوين لهذا الكتاب جاء متأخِّراً بالنسبة لمؤلَّفات الشيخ (قدّس سره).
* قول شيخ الطائفة (قدّس سره) في خبر الواحد: قال (قدّس سره): (والذي أذهب إليه أنَّ خبر الواحد لا يوجب العلم، وأنَّه كان يجوز أنْ ترد العبادة بالعمل به عقلاً، وقد ورد جواز العمل به في الشرع)، ثمّ ذكر شروط العمل به.
ثمّ قال (قدّس سره): (فأمَّا ما اخترته من مذهب فهو: أنَّ خبر الواحد إذا كان وارداً من طريق أصحابنا القائلين بالإمامة وكان ذلك مرويًّا عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو عن واحد من الأئمَّة (عليهم السلام)، وكان الراوي ممَّن لا يُطعَن في روايته، ويكون سديداً في نقله... جاز العمل به)(١٨).
هذا هو رأيه (قدّس سره) الذي يمكن اعتماده في كتابه، على أنَّه (قدّس سره) قد فصَّل في كيفيَّة اعتماده على خبر الواحد حتَّى في دائرة الإرسال، فقد قال (قدّس سره) ما نصُّه: (وإذا كان أحد الراويين مسنداً والآخر مرسَلاً، نُظِرَ في حال المرسِل، فإنْ كان ممَّن يُعلَم أنَّه لا يُرسِل إلَّا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوَّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، وغيرهم من الثقات الذين عُرفوا بأنَّهم لا يروون ولا يُرسِلون إلَّا عمَّن يُوثَق به وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم)(١٩).
فينبغي قبل الحكم على رواية ما في كتاب الغيبة الاطِّلاع على مبنى شيخ الطائفة في حجّيَّة خبر الواحد وطريقته (قدّس سره) في تلقِّي الأخبار، وهو ما نجده جليًّا واضحاً في كتابه القيِّم (العدَّة)، فراجع.
عملنا في الكتاب:
١ - اعتمدنا في تحقيق الكتاب على الكثير من النُّسَخ المخطوطة، وبعضها موجود في المكتبة الخطّيَّة لمركزنا، ولم نجد حاجة إلى بيان هويَّة كلِّ نسخة، لذا أشرنا إلى مواطن الاختلاف بعبارة: (في بعض النُّسَخ).
٢ - لم نولِ أهمّيَّة للاختلاف في بعض الحروف بين النُّسَخ الخطّيَّة، وإنَّما لاحظنا الاختلاف - وأشرنا إليه في الهامش - بين الكلمات في حال اختلاف المعنى بينها.
٣ - اخترنا العبارة التي نراها أنسب - من بين النُّسَخ الخطّيَّة في حال الاختلاف - ووضعناها في المتن، ولم نختر نسخة معيَّنة لنجعلها هي الأصل.
٤ - قمنا بتحريك الآيات القرآنيَّة على ضوء القرآن الكريم.
٥ - الإتيان بالأحاديث محرَّكة لتسهيل القراءة على القارئ الكريم.
٦ - إضافة مصادر أُخرى في هامش الأحاديث الشريفة للكتاب.
٧ - ضبط أسماء الأعلام والرواة اعتماداً على كُتُب الرجال، وترجمة بعضهم بما نراه مناسباً.
٨ - شرح بعض المفردات اللغويَّة المبهمة.
٩ - الإتيان بشروح بعض الأحاديث من الكُتُب التالية:
أ - شرح أُصول الكافي لمولى محمّد صالح المازندراني (ت ١٠٨١هـ)/ ضبط وتصحيح: السيِّد عليّ عاشور/ طبع ونشر دار إحياء التراث العربي/ ط ١/ ١٤٢١هـ.
ب - مرآة العقول في شرح أخبار الرسول للعلَّامة المجلسي (ت ١١١١هـ)/ نشر دار الكُتُب الإسلاميَّة/ ط ٢/ ١٤٠٤هـ.
ج - بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمَّة الأطهار للعلَّامة المجلسي (ت ١١١١)/ نشر مؤسَّسة الوفاء/ ط ٢/ ١٤٠٣هـ/ بيروت.
نسأل الله تعالى أنْ يتقبَّل منَّا هذا القليل ببركة المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)، وأنْ يُعجِّل في فرجه ويُسهِّل مخرجه ويجعلنا من شيعته وأنصاره والمستشهدين بين يديه.
وختاماً فقد جرت عادة المحقِّقين على كتابة ترجمة لصاحب الكتاب المحقَّق، ونحن نكتفي بترجمة السيِّد حسين بحر العلوم (قدّس سره) لشيخ الطائفة (قدّس سره) في كتاب (تلخيص الشافي)، وقد اختصرنا الترجمة حذراً من التطويل...

* * *
ترجمة شيخ الطائفة (قدّس سره) بقلم السيِّد حسين بحر العلوم (قدّس سره)

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين.
لقد كتب كثير من المؤرِّخين وعلماء الرجال عن هذه الشخصيَّة الإسلاميَّة الفذَّة، بما يجلُّ عن التعداد والإحصاء، فقلَّ أنْ تجد كتاباً أو بحثاً عن الشخصيَّات في التاريخ والتأليف لا يتعرَّض إلى ذكر شيخ الطائفة (قدّس سره)، اللَّهُمَّ إلَّا أنْ ينبض به عرق الطائفيَّة البغيضة، فيسحق وجدانه - إنْ كان له وجدان - ويجتاز مرحلة التاريخ، بلا هوادة - كما يتجلَّى ذلك عند الخطيب البغدادي في تاريخه، والحموي في معجم البلدان -.
* في غرَّة رمضان المبارك من سنة (٣٨٥هـ) وُلِدَ شيخ الطائفة - على الإطلاق - أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليِّ بن الحسن الطوسي (قدّس سره)، في بلاد (طوس) التي هي أقدم بلاد فارس، وأشهرها لدى المؤرِّخين والرحَّالة...
* وبقي شيخنا المترجَم في مسقط رأسه (طوس) مدَّة لا تقلُّ عن ربع قرن ينتهل مناهل العلم والأدب - على اختلاف فروعهما - من أفكار فطاحل العلماء والأُدباء - السُّنَّة والشيعة -، ونشأ - طيلة هذه المدَّة - نشأة علميَّة متواصلة حتَّى أصبح مشار البنان وملاك الألسن بالمدح والثناء بين أقرانه وذويه، الأمر الذي حفَّزه إلى أنْ يواصل سيره العلمي إلى أبعد غاية، وأرفع مستوى، وأعمق غوراً في عالم التحقيق والتدقيق.
ولم تكن بلاد (طوس) - يومئذٍ - ميداناً واسعاً للعلم بحيث يملأ طموح شيخنا الطوسي، المتدفِّق العزم، المحلِّق الفكر، فعزم على الرحيل إلى (مدرسة بغداد) حيث الحياة الفكريَّة، ومهبط العلماء والفضلاء من جميع أقطار العالم المتحضِّر - في ذلك العهد -، وفعلاً تمَّ لشيخنا ذلك.
* ففي عام (٤٠٨هـ) انتقل إلى بغداد (دار الرشيد) حيث مشتبك الآراء والأفكار من هنا وهناك - وهو بعد لم يتجاوز سنَّ الشباب والريعان -.
وكانت الزعامة الجعفريَّة الكبرى قد انحصرت في (شيخ الأُمَّة) ومعلِّمها الأوَّل وعلمها الخفَّاق الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (قدّس سره).
فنزل على مدرسته العلميَّة، ضيف العلم والأدب، وأخذ ينتهل من ينبوعه الثرِّ، ويتربَّى على سلوكه الإسلامي القويم، فكان المنطلق الأوَّل - في بغداد - لذهنيَّة شيخنا المترجَم، ثمّ امتدَّت حياته العلميَّة إلى أبعد من ذلك، فصحب من علماء بغداد ورجالاتها العظام العدد الكثير، حيث لمسوا فيه الشخصيَّة الطافحة والعقليَّة الجبَّارة، منهم شيخه الحسن بن عبد الله الغضائري (٤١١هـ) وغيره، وقد شارك النجاشي - صاحب الرجال - في كثير من مشايخه.
ويشاء القدر الغاشم أنْ يختطف من وسط الميدان فارسه المعلَّم وكمّيَّه المقدام (شيخ الأُمَّة) سنة (٤١٣هـ)، وكان يوم وفاته في بغداد كيوم الحشر - كما يُعبِّر المؤرِّخون -.
ويشمت أعداؤه - كالخطيب البغدادي وأمثاله - ويحزن عليه العلم والعلماء والقلم والمنبر، ويرثيه واقعه الصريح بقوله:

لا صوَّت الناعي بفقدك أنَّه * * * يوم على آل الرسول عظيم
إنْ كنت قد غيَّبت في جدث الثرى * * * فالعدل والتوحيد فيك مقيم

ولكن اللطف الإلهي بواقع الأُمَّة أبى أنْ يتركها فلولاً بغير قيادة، فقيَّض لها أجلّ تلامذة شيخها الراحل، وأكفأهم للزعامة المذهبيَّة في عنفوان التيَّار العقائدي، ذلك هو علم الهدى السيِّد المرتضى (قدّس سره).
فانتصب للفتيا والمنبر، والزعامة المذهبيَّة، وسار على غرار (شيخ الأُمَّة)، وارتقى نفس الكرسي الذي كان يجلس عليه أُستاذه للكلام حول المذاهب ومناقشتها وإعطاء الرأي الصحيح للواقع الإسلامي.
* وإذا بشيخنا المترجَم يحتلُّ نفس المكانة التي كان يحتلُّها - لدى أُستاذه الأوَّل - عند أُستاذه الجديد، وأبيه الروحي العطوف، ولم يأل سيِّدنا المرتضى جهداً في تقدير شيخنا الطوسي، وتقييم مواهبه النادرة، فقد أعلا مجلسه في مدرسته العلميَّة (دار العلم) ووضع تحت تصرُّفه مكتبته الضخمة الحاوية لجميع الفنون العلميَّة - كما يُعبِّر التاريخ -، وعيَّن له مرتَّباً شهريًّا كافياً، وداراً محترمة للسكنى، وهيَّأ له جميع مؤهِّلات التحصيل والتدريس والتأليف.
وعاش شيخنا أبو جعفر على هذا وشبهه في كنف أُستاذه الأكبر، وأبيه الحاني، ومربِّي سلوكه الخُلُقي طيلة (١٣ عاماً) لم يشعر بغربة الأهل والوطن طرفة عين.
حتَّى إذا تدحرج التاج عن مفرقه، وتحوَّلت مرحلة التاريخ، وتمخَّض القدر المحتوم عن واقعه الأليم، فإذا بسيِّدنا المرتضى يلفظ روحه الطاهرة في بغداد سنة (٤٣٦هـ)، لينقل إلى مثواه الأخير بجوار جدِّه الحسين (عليه السلام).
* ولم يكن في بغداد - بعد هذين العلمين: المفيد والمرتضى - من يحمل اللواء ويملأ الدست، ويسير بالأُمَّة الإسلاميَّة إلى هدفها الأسمي، وغايتها المنشودة، أكفأ من شيخ الطائفة شيخنا الطوسي (قدّس سره)، فكان المرشَّح - طبيعيًّا - لرئاسة المذهب، وقيادة الأُمَّة الإسلاميَّة.
وهكذا سار شيخنا على خطى أُستاذيه الجليلين في إدارة المعهد العلمي وقيادة المذهب الشاملة، وتسيير شؤون الناس الاجتماعيَّة والدِّينيَّة، فكانت داره الواسعة - كوسعة صدره - مأوى للوفود من شتَّى أقطار العالم يحلُّ مشاكلهم العامَّة والخاصَّة، ويُغذِّيهم العلم والأدب، ويخصب فيهم الأخلاق الفاضلة، ويهديهم إلى طُرُق الخير والصلاح.
حتَّى أطبقت كلمات المؤرِّخين في التعبير عن عظمة مجلسه العلمي بهذا المضمون: (كان يضمُّ مجلسه العلمي أكثر من ثلاثمائة مجتهد من الشيعة. أمَّا من العامَّة فالعدد الكثير...)، وبلغت به العظمة أوجها، والزعامة ذروتها حتَّى جعل له خليفة زمانه (القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد الخليفة العبَّاسي) كرسي الكلام والإفادة، كما كان لشيخه المفيد من قبل. وكان لهذا الكرسي - يومئذٍ - منزلة كبرى في المجتمع، إذ لم يُخصَّص إلَّا لمن تسامى في العلم وبرز فيه، فيُؤهِّله مقامه - تلقائيًّا - إلى ذلك التعظيم والتكريم.
وأخذ المذهب الجعفري - في عهد شيخنا الطوسي - يتربَّع على كرسي الزعامة المطلقة حتَّى كاد أنْ يطبق أُفُق بغداد - على سعته واختلاف مذاهبه يومئذٍ -، وذلك ببركة وعبقريَّة قائده المظفَّر وسياسته الحكميَّة.
ويشقُّ ذلك على ذوي الضمائر الملتوية، فيكفهرُّ الجوُّ، وتغلي مراجل وتجرح عواطف وتداس زعامات فارغة، كانت تعيش على موائد الدولة، وتُنغِّص على الشعب المسكين لقمة الدعة والاطمينان، وتحول بين أجفان عينيه المتعبتين عن الاستسلام إلى لذَّة النوم.
غليان الفتنة الطائفيَّة في بغداد على عهد طغرلبك واحتراق الشيعة بنارها:
فما كاد أنْ ينتهي عام (٤٤٩هـ) حتَّى أُثيرت الفتن (الجانبيَّة) من كلِّ صوب وحدب، تعلَّق شرارتها بثقاب الحقد والحسد، فلا يروق (لمذاهب المسلمين يومئذٍ) أنْ يبرز على مسرح الفكر مذهب الإمام الصادق (عليه السلام) خشية أنْ يختم به المطاف وتنتهي به المسرحيَّة.
وتأكل النار (نار الفتنة) كلَّ أخضر ويابس على عهد السفَّاح الأهوج (طغرلبك السلجوقي)، فتُباح بغداد لأيدي المستهترين بالعلم والكرامة، وهدَّت جوامع ومجامع، وفُرِّقت جماعات، وقُتِلَ كثير من العلماء، وهرب آخرون، وأحدق البلاء بشيخنا الطوسي أكثر لأنَّه في الصميم، وهو الهدف لسهام الفتنة المفضوحة، والغاية المنشودة لذوي الحقد والعداء.
وأُحرقت داره وكُتُبه، ومؤلَّفاته التي ألَّفها في بغداد، ونُهِبَت عامَّة كُتُب الشيعة ودورهم، وأُحرقت مكتبة الشيعة الضخمة (دار العلم) التي بناها سابور ابن أردشير وزير بهاء الدولة.
ونستطيع أنْ نتلمس مغزى الفتنة وما كان يُقصَد من ورائها ممَّا ينقله المؤرِّخون:
قال ابن الأثير في حوادث (٤٥١هـ): (... واحترقت فيه خزانة الكُتُب التي وقفها سابور بن أردشير الوزير... وكان سابور بن أردشير من وزراء (الشيعة للمَلِك الشيعي) أبي نصر بهاء الدولة...)(٢٠).
وفي (لسان الميزان): (... قال ابن النجَّار: أُحرقت كُتُبه عدَّة نُوَب بمحضر من الناس في رحبة جامع النصر، واستتر هو خوفاً على نفسه بسبب ما يظهر عنه من انتقاص السلف...)(٢١).
وفي (المنتظم) لابن الجوزي في حوادث سنة (٤٤٨هـ): (... وفي هذه السنة أُقيم الأذان في المشهد بمقابر قريش، ومشهد العتيقة، ومساجد الكرخ بـ (الصلاة خير من النوم)، وأُزيل ما كانوا يستعملونه في الأذان (حيَّ على خير العمل)، وقُلِعَ جميع ما كان على أبواب الدور والدروب من (محمّد وعليٍّ خير البشر)، ودخل إلى الكرخ منشدو أهل السُّنَّة من باب البصرة، فأنشدوا الأشعار في مدح الصحابة، وتقدَّم رئيس الرؤساء إلى ابن النسوي بقتل أبي عبد الله بن الجلَّاب شيخ البزَّازين بباب الطاق، لما كان يتظاهر به من الغلوِّ في الرفض، فقُتِلَ وصُلِبَ على باب دُكَّانه، وهرب أبو جعفر الطوسي، ونُهِبَت داره...).
وقال في موضع آخر: (وفي صفر هذه السنة كُبِسَت دار أبي جعفر الطوسي متكلِّم الشيعة بالكرخ، وأُخِذَ ما وُجِدَ من دفاتره، وكرسي كان يجلس عليه للكلام، وأُخرج ذلك إلى الكرخ، وأُضيف إليه ثلاثة مجانيق بيض كان الزوَّار من أهل الكرخ قديماً يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة الكوفة، فأُحرق الجميع...)(٢٢).
اتَّضح لنا - بجلاء - منبثق الفتنة، ومغزاها الأهوج، خصوصاً من كلام ابن الجوزي المكشوف. ولو استعرضت غير ما ذكرناه من أقوال المؤرِّخين لرأيت كلَّهم يشير أو يُصرِّح بأنَّ سبب القصَّة، ومسرحها، وأبطالها، وأهدافها كلَّ أُولئك من نسيج واحد، وعلى نول واحد، ألَا وهي الطائفيَّة الضيِّقة والتعصُّب المخزي. ولا أدري متى، وكيف ينحلُّ هذا الصراع، وإلى أين تسير بنا السفينة، وهل تصل - يوماً ما - إلى ميناء الإسلام والسلام؟

إلى أنْ يعود الماء في النهر جارياً * * * وتخضرُّ جنباه تموت الضفادع

* ولـمَّا رأى شيخنا (قدّس سره) توسُّع الفتنة في بغداد، وخشي الخطر على نفسه - بعد أنْ ذهبت جميع أمواله وكُتُبه ضحيَّة الحقد البغيض وأكلة لنار التعصُّب الطائفي - خرج بأهله وولده لاجئاً إلى قبر الإمام عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) في النجف الأشرف، وذلك سنة (٤٥٠هـ).
تاريخ النجف قاحل قبل ورود الشيخ لها (قدّس سره):
وكانت مدينة الإمام عليٍّ (عليه السلام) - قبل هذا التاريخ - قاحلة من كلِّ شيء، مقفرَّة من كلِّ أنيس، لو استثنينا بعض البيوتات البسيطة المحيطة بالحرم العلوي المقدَّس للتعيُّش من ذلك على أيدي بعض الزائرين والرحَّالين -. وتقع العين - أحياناً - على ذكوات بيض، وأكم من الرمل، وقبور قليلة، متفرِّقة الأمكنة تحيط بالصحن الشريف تبرُّكاً بحسن الجوار، فيحسبها الرائي - من بعيد - أنَّها أطناب وبيوت.
ولم يذكر لنا التاريخ - قبل هذه الفترة - عن هذه المدينة شيئاً يستحقُّ الإعجاب ويثير الانتباه إلَّا ما كان يتعلَّق بالحرم العلوي المطهَّر.
وبهذا يُعتذَر عن أُولئك الذين مرُّوا على تاريخ النجف - قبل تأسيسها على يد شيخنا الطوسي - مرُّ الكرام، إذ لم يشاهدوا بها ما يسترعي عنايتهم ويُطلِق إعجابهم سوى قبر الإمام عليٍّ (عليه السلام)، فتحدَّثوا عن ذلك فحسب بما أوحى لهم ضميرهم الملتوي، وانطلق بهم واقعهم المشوَّه، بغضِّ النظر عن شخصيَّة الإمام عليٍّ (عليه السلام)، أو التشكيك في مدفنه، أو غير ذلك ممَّا يبعث على الجهل - أحياناً -، والتجاهل - على الأكثر -.
ولكن النجف - بعد حين - أصبحت - ببركة هذا الرجل العظيم ومواصلة جهاده الإسلامي في ذات الله - مثاراً للإعجاب، ومناراً للعالم المحتضِّر، حيث جعل منها داراً للعلم، ومعهداً للتدريس، وجامعة إسلاميَّة كبرى تتحدَّى - بفضل الجهاد والمثابرة - العالم بأسره، في العلم والتحقيق، والانهماك في سبيل الحقِّ والواقعيَّة.
وانبرت تشرق حول أُفُقه السخي رُوَّاد الفضيلة والعلم من هنا وهناك حتَّى أصبحت - بعد فترة قليلة - عاصمة العلم وقدوة العلماء، ومنطلق التاريخ الإسلامي - رغم أنف الحقد - في كلِّ أدواره، ومن شتَّى منابعه.
شيخ الطائفة واضع الحجر الأساس لجامعة الإمام عليٍّ (عليه السلام):
ولشيخنا المترجَم - وحده، مستعينا بروح الإمام عليٍّ (عليه السلام) - فضل تمصير النجف - لا من الناحية العلميَّة فقط -، بل من شتَّى نواحي الحياة، فهو واضع الحجر الأساسي لجامعتها العلميَّة، وهو باعث الروح في تاريخها الواجم حتَّى أخذت هذه المدينة تساير القرون - بمركزها الحسَّاس -، وتضرب بجناحيها الآفاق رغم الحوادث التي مرَّت بها - ولا تزال تمرُّ عليها كلَّ حين -، واستمرَّ شيخنا الطوسي في جهاده العلمي حتَّى انتظم الوضع الدراسي على عهده بخطوات سريعة، فكانت الحوزة العلميَّة - يومئذٍ - تربو على المئات من رُوَّاد العلم، والطلبة الناشئين.
وتقدَّمت بخطوات أكثر في عصر الشيخ الجليل عليِّ بن حمزة بن محمّد بن شهريار (خازن الحرم المطهَّر يومئذٍ)، وذلك سنة (٥٧٢هـ).
وبلغ الوضع الدراسي حينئذٍ أوج عنفوانه، وتكاثرت الهجرة - بلا انقطاع -، وظلَّ هكذا مستمرًّا حتَّى أوائل القرن السابع الهجري.
الشيخ يُودِّع النفس الأخير في النجف الأشرف، ويُدفَن في داره:

المرء بعد الموت أُحدوثة * * * يُفنى وتبقى منه آثاره
فأحسن الحالات حال امرئ * * * تطيب بعد الموت أخباره

ولم يزل شيخنا (قدّس سره) مشغولاً برعاية حقوله الخصيبة التي غرس بذورها بيده المباركة، وسقاها بروحه القدسيَّة، حتَّى أينعت وآتت أُكُلها كلَّ حين، فإذا بجامعة الإمام عليٍّ (عليه السلام) حديقة غنَّاء تنفح الآفاق الإسلاميَّة بعطر العلم ونسيم الحياة.
وفي غمرة من سخاء، وعلى فترة من واقعيَّة يُسدِّد القدر المحتوم رميته، فإذا بالرعيل يتراجع، وإذا بالفتوح تُطوى، وإذا بعميد الجامعة رهن جدثه الطاهر، فتعطَّلت حركة العلم برهة - غير قصيرة من الزمن -، وشُلَّت الخطوات السريعة، ولا عجب، فقد فَقَدَ العلم به صاحب اللواء، وزعيم المعسكر الأوَّل، ورائد الفكر والنضج الاجتماعي، وروعة النادي ومغزى حديثه وسمره، ذلك هو شيخ الطائفة - على الإطلاق - أبو جعفر الطوسي (غمر الله جدثه الطاهر برحمته ورضوانه).
لقد حسر عمره الشريف (٧٥ عاماً) في سبيل إعلاء كلمة الحقِّ، وإحياء معالم الدِّين، وبعث الحياة والروح في أعصاب المجتمع الإسلامي، ليقف على قدميه في ميدان الصراع العقائدي، ويُثبِت للتأريخ والأجيال أنَّ سلاح العلم والإيمان أعمق وأشدّ مقاومةً من أيِّ سلاح آخر - مهما كانت نوعيَّته -.
ما أجلّ ذلك العمر المبارك الذي كان كلُّه سخاء ومعطيات في سبيل تدعيم المذهب الجعفري، رغم الطائفيَّة الهوجاء التي كانت تلعب دورها في ذلك الحين كما لمسناها من ثنايا فتنة بغداد المفضوحة.

مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
١٤٤٤هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المؤلِّف:
الحمد لله الذي هدانا لحمده، وجعلنا من أهله، ووفَّقنا للتمسُّك بدينه والانقياد لسبيله، ولم يجعلنا من الجاحدين لنعمته، المنكرين لطوله وفضله ومن الذين ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المجادلة: ١٩].
وصلَّى الله على سيِّد أنبيائه وخاتم أصفيائه محمّد صلَّى الله عليه وعلى آله الطيِّبين، النجوم الزاهرة، والأعلام الظاهرة، الذين نتمسَّك بولايتهم، ونتعلَّق بعرى حبلهم، ونرجو الفوز بالتمسُّك بهم، وسلَّم تسليماً.
أمَّا بعد، فإنِّي مجيب إلى ما رسمه الشيخ الجليل(٢٣)، أطال الله بقاءه من إملاء كلام في غيبة صاحب الزمان، وسبب غيبته، والعلَّة التي لأجلها طالت غيبته، وامتداد استتاره، مع شدَّة الحاجة إليه وانتشار الحيل، ووقوع الهرج والمرج، وكثرة الفساد في الأرض، وظهوره في البرِّ والبحر، ولِمَ لم يظهر؟ وما المانع منه؟ وما المحوج إليه؟ والجواب عن كلِّ ما يُسئَل عن ذلك من شُبَه المخالفين، ومطاعن المعاندين.
وأنا مجيب إلى ما سأله، وممتثل ما رسمه، مع ضيق الوقت، وشعث الفكر، وعوائق الزمان، وصوارف الحدثان، وأتكلَّم بجُمَل يزول معها الريب وتنحسم به الشُّبَه ولا أُطوِّل الكلام فيه فيُمَلُّ، فإنَّ كُتُبي فيما فُصِّل في الإمامة وكُتُب شيوخنا مبسوطة في هذا المعنى في غاية الاستقصاء، وأتكلَّم عن كلِّ ما يُسئَل في هذا الباب من الأسئلة المختلفة، وأُردف ذلك بطرف من الأخبار الدالَّة على صحَّة ما نذكره، ليكون ذلك تأكيداً لما نذكره، وتأنيساً للمتمسِّكين بالأخبار، والمتعلِّقين بظواهر الأحوال، فإنَّ كثيراً من الناس يخفى عليهم الكلام اللطيف الذي يتعلَّق بهذا الباب، وربَّما لم يتبيَّنه، وأجعل للفريقين طريقاً إلى ما نختاره ونلتمسه، ومن الله تعالى أستمدُّ المعونة والتوفيق، فهما المرجوَّان من جهته، والمطلوبان من قِبَله، وهو حسبي ونعم الوكيل.

* * *
[الفصل الأوَّل]: [الكلام في الغيبة]

فصل: في الكلام في الغيبة:
اعلم أنَّ لنا في الكلام في غيبة صاحب الزمان (عليه السلام) طريقين:
أحدهما: أنْ نقول: إذا ثبت وجوب الإمامة في كلِّ حالٍ، وأنَّ الخلق مع كونهم غير معصومين لا يجوز أنْ يخلو من رئيس في وقت من الأوقات، وأنَّ من شرط الرئيس أنْ يكون مقطوعاً على عصمته، فلا يخلو ذلك الرئيس من أنْ يكون ظاهراً معلوماً، أو غائباً مستوراً، فإذا علمنا أنَّ كلَّ من يُدَّعى له الإمامة ظاهراً ليس بمقطوع على عصمته، بل ظاهر أفعالهم وأحوالهم ينافي العصمة، علمنا أنَّ من يُقطَع على عصمته غائب مستور.
وإذا علمنا أنَّ كلَّ من يُدَّعى له العصمة قطعاً ممَّن هو غائب من الكيسانيَّة والناووسيَّة والفطحيَّة والواقفة وغيرهم قولهم باطل، علمنا بذلك صحَّة إمامة ابن الحسن (عليه السلام) وصحَّة غيبته وولايته، ولا نحتاج إلى تكلُّف الكلام في إثبات ولادته، وسبب غيبته، مع ثبوت ما ذكرناه، لأنَّ(٢٤) الحقَّ لا يجوز خروجه عن الأُمَّة.
والطريق الثاني: أنْ نقول: الكلام في غيبة ابن الحسن (عليه السلام) فرع على ثبوت إمامته، والمخالف لنا إمَّا أنْ يُسلِّم لنا إمامته ويسأل عن سبب غيبته (عليه السلام) فنتكلَّف جوابه، أو لا يُسلِّم لنا إمامته فلا معنى لسؤاله عن غيبة من لم يثبت إمامته، ومتى نوزعنا في ثبوت إمامته دلَلنا عليها بأنْ نقول: قد ثبت وجوب الإمامة مع بقاء التكليف على من ليس بمعصوم في جميع الأحوال والأعصار بالأدلَّة القاهرة، وثبت أيضاً أنَّ من شرط الإمام أنْ يكون مقطوعاً على عصمته، وعلمنا أيضاً أنَّ الحقَّ لا يخرج عن الأُمَّة.
فإذا ثبت ذلك وجدنا الأُمَّة بين أقوال:
بين قائل يقول: لا إمام، فما ثبت من وجوب الإمامة في كلِّ حالٍ يُفسِد قوله.
وقائل يقول بإمامة من ليس بمقطوع على عصمته، فقوله يبطل بما دلَلنا عليه من وجوب القطع على عصمة الإمام (عليه السلام).
ومن ادَّعى العصمة لبعض من يذهب إلى إمامته، فالشاهد يشهد بخلاف قوله، لأنَّ أفعالهم الظاهرة وأحوالهم تنافي العصمة، فلا وجه لتكلُّف القول فيما نعلم ضرورةً خلافه.
ومن ادُّعيت له العصمة وذهب قوم إلى إمامته كالكيسانيَّة القائلين بإمامة محمّد بن الحنفيَّة، والناووسيَّة القائلين بإمامة جعفر بن محمّد (عليه السلام) وأنَّه لم يمت، والواقفيَّة الذين قالوا: إنَّ موسى بن جعفر (عليه السلام) لم يمت، فقولهم باطل من وجوه سنذكرها.
فصار الطريقان محتاجين إلى فساد قول هذه الفِرَق ليتمَّ ما قصدناه، ويفتقران إلى إثبات الأُصول الثلاثة التي ذكرناها من وجوب الرئاسة، ووجوب القطع على العصمة، وأنَّ الحقَّ لا يخرج عن الأُمَّة، ونحن ندلُّ على كلِّ واحدٍ من هذه الأقوال بموجز من القول، لأنَّ استيفاء ذلك موجود في كُتُبي في الإمامة على وجه لا مزيد عليه.
والغرض بهذا الكتاب ما يختصُّ الغيبة دون غيرها، والله الموفِّق لذلك بمنِّه.
[الدليل على وجوب الرئاسة]:
والذي يدلُّ على وجوب الرئاسة ما ثبت من كونها لطفاً في الواجبات العقليَّة فصارت واجبة، كالمعرفة التي لا يعرى مكلَّف من وجوبها عليه، ألَا ترى أنَّ من المعلوم أنَّ من ليس بمعصوم من الخلق متى خلوا من رئيس مهيب يردع المعاند، ويُؤدِّب الجاني، ويأخذ على يد المتغلِّب، ويمنع القويَّ من الضعيف، وأمنوا ذلك، وقع الفساد، وانتشر الحِيَل، وكثر الفساد، وقلَّ الصلاح، ومتى كان لهم رئيس هذه صفته كان الأمر بالعكس من ذلك، من شمول الصلاح وكثرته، وقلَّة الفساد ونزارته؟ والعلم بذلك ضروري لا يخفى على العقلاء، فمن دفعه لا يحسن مكالمته، وأجبنا عن كلِّ ما يُسئَل عن ذلك مستوفًى في (تلخيص الشافي)(٢٥) و(شرح الجُمَل)(٢٦) لا نُطوِّل بذكره هاهنا.
[اعتراض بعض على كلام المرتضى (رحمه الله) في الغيبة]:
ووجدت لبعض المتأخِّرين كلاماً اعترض به كلام المرتضى (رحمه الله) في الغيبة، وظنَّ أنَّه ظفر بطائل، فموَّه به على من ليس له قريحة ولا بصر بوجوه النظر، وأنا أتكلَّم عليه.
فقال: الكلام في الغيبة والاعتراض عليها من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّا نُلزِم الإماميَّة ثبوت وجه قبح فيها أو في التكليف معها، فيلزمهم أنْ يُثبِوا أنَّ الغيبة ليس فيها وجه قبح، لأنَّ مع ثبوت وجه القبح تقبح الغيبة، وإنْ ثبت فيها وجه حسن كما نقول في قبح تكليف ما لا يطاق إنَّ فيه وجه قبح وإنْ كان فيه وجه حسن بأنْ يكون لطفاً لغيره.
والثاني: أنَّ الغيبة تنقض طريق وجوب الإمامة في كلِّ زمان، لأنَّ كون الناس مع رئيس مهيب متصرِّف أبعد من القبيح لو اقتضى كونه لطفاً واجباً في كلِّ حالٍ، وقبح التكليف مع فقده لانتقض(٢٧) بزمان الغيبة، لأنَّا في زمان الغيبة نكون مع رئيس هذه صفته(٢٨) أبعد من القبيح، وهو دليل وجوب هذه الرئاسة، ولم يجب وجود رئيس هذه صفته(٢٩) في زمان الغيبة ولا قبح التكليف مع فقده، فقد وُجِدَ الدليل ولا مدلول، وهذا نقض الدليل.
والثالث: أنْ يقال: إنَّ الفائدة بالإمامة هي كونه مبعِّداً من القبيح على قولكم، وذلك لا يحصل مع وجوده غائباً، فلم ينفصل وجوده من عدمه، وإذا لم يختصّ وجوده غائباً بوجه الوجوب الذي ذكروه لم يقتضِ دليلكم وجوب وجوده مع الغيبة، فدليلكم مع أنَّه منتقض حيث وُجِدَ مع انبساط اليد، ولم يجب انبساط اليد مع الغيبة، فهو غير متعلِّق بوجود إمام غير منبسط اليد، ولا هو حاصل في هذه الحال.
[الجواب عن الاعتراض المزبور]:
الكلام عليه أنْ نقول:
أمَّا الفصل الأوَّل من قوله: (إنَّا نُلزِم الإماميَّة أنْ يكون في الغيبة وجه قبح) وعيد منه محض لا يقترن به حجَّة، فكان ينبغي أنْ يتبيَّن وجه القبح الذي أراد إلزامه إيَّاهم لننظر فيه ولم يفعل، فلا يتوجَّه وعيده.
وإنْ قال ذلك سائلاً على وجه: ما أنكرتم أنْ يكون فيها وجه قبح؟
فإنَّا نقول: وجوه القبح معقولة من كون الشيء ظلماً وعبثاً وكذباً ومفسدةً وجهلاً، وليس شيء من ذلك موجوداً هاهنا، فعلمنا بذلك انتفاء وجوه القبح.
فإنْ قيل: وجه القبح أنَّه لم يزح علَّة المكلَّف على قولكم، لأنَّ انبساط يده الذي هو لطف في الحقيقة والخوف من تأديبه لم يحصل، فصار ذلك إخلالاً بلطف المكلِّف فقبح لأجله.
قلنا: قد بيَّنَّا في باب وجوب الإمامة بحيث أشرنا إليه أنَّ انبساط يده (عليه السلام) والخوف من تأديبه إنَّما فات المكلَّفين لما يرجع إليهم، لأنَّهم أحوجوه إلى الاستتار بأنْ أخافوه ولم يُمكِّنوه، فأتوا من قِبَل نفوسهم.
وجرى ذلك مجرى أنْ يقول قائل: (من لم يحصل له معرفة الله تعالى في تكليفه وجه قبح)، لأنَّه لم يحصل ما هو لطف له من المعرفة، فينبغي أنْ يقبح تكليفه.
فما يقولونه هاهنا من أنَّ الكافر أُتِيَ من قِبَل نفسه، لأنَّ الله قد نصب له الدلالة على معرفته ومكَّنه من الوصول إليها، فإذا لم ينظر ولم يعرف أُتِيَ في ذلك من قِبَل نفسه ولم يُقبح ذلك تكليفه، فكذلك نقول: انبساط يد الإمام وإنْ فات المكلَّف فإنَّما أُتِيَ من قِبَل نفسه، ولو مكَّنه لظهر وانبسطت يده فحصل لطفه فلم يقبح تكليفه، لأنَّ الحجَّة عليه لا له.
وقد استوفينا نظائر ذلك في الموضع الذي أشرنا إليه، وسنذكر فيما بعد إذا عرض ما يحتاج إلى ذكره.
وأمَّا الكلام في الفصل الثاني فهو مبنيٌّ على المغالطة، ولا نقول: إنَّه لم يفهم ما أورده، لأنَّ الرجل كان فوق ذلك لكن أراد التلبيس والتمويه (في قوله)(٣٠): إنَّ دليل وجوب الرئاسة يُنتَقض بحال الغيبة، لأنَّ كون الناس مع رئيس مهيب(٣١) متصرِّف أبعد من القبيح لو اقتضى كونه لطفاً واجباً على كلِّ حالٍ، وقبح التكليف مع فقده لانتقض(٣٢) بزمان الغيبة، [لأنَّا في زمان الغيبة](٣٣) فلم يقبح التكليف مع فقده، فقد وُجِدَ الدليل ولا مدلول وهذا نقض.
وإنَّما قلنا: إنَّه تمويه لأنَّه ظنَّ أنَّا نقول: إنَّ في حال الغيبة دليل وجوب الإمامة قائم ولا إمام فكان نقضاً، ولا نقول ذلك، بل دليلنا في حال وجود الإمام بعينه هو دليل حال غيبته، في أنَّ في الحالين الإمام لطف، فلا نقول: إنَّ زمان الغيبة خلا من وجوب رئيس، بل عندنا أنَّ الرئيس حاصل، وإنَّما ارتفع انبساط يده لما يرجع إلى المكلَّفين على ما بيَّنَّاه، لا لأنَّ انبساط يده خرج من كونه لطفاً، بل وجه اللطف به قائم، وإنَّما لم يحصل لما يرجع إلى غير الله.
فجرى مجرى أنْ يقول قائل: كيف يكون معرفة الله تعالى لطفاً مع أنَّ الكافر لا يعرف الله؟ فلمَّا كان التكليف على الكافر قائماً والمعرفة مرتفعة دلَّ على أنَّ المعرفة ليست لطفاً على كلِّ حالٍ، لأنَّها لو كانت كذلك لكان ذلك نقضاً.
وجوابنا في الإمامة كجوابهم في المعرفة من أنَّ الكافر لطفه قائم بالمعرفة، وإنَّما فوَّت نفسه بالتفريط في النظر المؤدِّي إليها، فلم يقبح تكليفه، فكذلك نقول:
الرئاسة لطف للمكلَّف في حال الغيبة، وما يتعلَّق بالله من إيجاده حاصل، وإنَّما ارتفع تصرُّفه وانبساط يده لأمر يرجع إلى المكلَّفين، فاستوى الأمران، والكلام في هذه المعنى مستوفًى أيضاً بحيث ذكرناه.
وأمَّا الكلام في الفصل الثالث من قوله: (إنَّ الفائدة بالإمامة هي كونه مبعِّداً من القبيح على قولكم، وذلك لم يحصل مع غيبته، فلم ينفصل وجوده من عدمه، فإذا لم يختصّ وجوده غائباً بوجه الوجوب الذي ذكروه لم يقتضِ دليلكم وجوب وجوده مع الغيبة، فدليلكم مع أنَّه منتقض حيث وُجِدَ مع انبساط اليد، ولم يجب انبساط اليد مع الغيبة، فهو غير متعلِّق بوجود إمام غير منبسط اليد ولا هو حاصل في هذه الحال).
فإنَّا نقول: إنَّه لم يفعل في هذا الفصل أكثر من تعقيد القول على طريقة المنطقيِّين من قلب المقدَّمات وردِّ بعضها على بعض، ولا شكَّ أنَّه قصد بذلك التمويه والمغالطة، وإلَّا فالأمر أوضح من أنْ يخفى.
ومتى قالت الإماميَّة: إنَّ انبساط يد الإمام لا يجب في حال الغيبة حتَّى يقول: دليلكم لا يدلُّ على وجوب إمام غير منبسط اليد، لأنَّ هذه حال الغيبة؟ بل الذي صرَّحنا به دفعة بعد أُخرى أنَّ انبساط يده واجب في الحالين، في حال ظهوره وحال غيبته، غير أنَّ حال ظهوره مُكِّن منه فانبسطت يده، وحال الغيبة لم يُمكَّن فانقبضت يده، لا أنَّ انبساط يده خرج من باب الوجوب. وبيَّنَّا أنَّ الحجة بذلك قائمة على المكلَّفين من حيث منعوه ولم يُمكِّنوه، فأتوا من قِبَل نفوسهم، وشبَّهنا ذلك بالمعرفة دفعة بعد أُخرى.
وأيضاً فإنَّا نعلم أنَّ نصب الرئيس واجب بعد الشرع لما في نصبه من اللطف، لتحمُّله للقيام بما لا يقوم به غيره، ومع هذا فليس التمكين واقعاً لأهل الحلِّ والعقد من نصب من يصلح لها خاصَّة على مذهب أهل العدل الذين كلامنا معهم، ومع هذا لا يقول أحد: إنَّ وجوب نصب الرئيس سقط الآن من حيث لم يقع التمكين منه.
فجوابنا في غيبة الإمام جوابهم في منع أهل الحلِّ والعقد من اختيار من يصلح للإمامة، ولا فرق بينهما، وإنَّما الخلاف بيننا أنَّا قلنا: علمنا ذلك عقلاً، وقالوا: ذلك معلوم شرعاً، وذلك فرق من غير موضع الجمع.
فإنْ قيل: أهل الحلِّ والعقد إذا لم يُمكَّنوا من اختيار من يصلح للإمامة فإنَّ الله يفعل ما يقوم مقام ذلك من الألطاف فلا يجب إسقاط التكليف، وفي الشيوخ من قال: إنَّ الإمام يجب نصبه في الشرع لمصالح دنياويَّة، وذلك غير واجب أنْ يفعل لها اللطف.
قلنا: أمَّا من قال: نصب الإمام لمصالح دنياويَّة قوله يفسد: لأنَّه لو كان كذلك لما وجب إمامته، ولا خلاف بينهم في أنَّه يجب إقامة الإمام مع الاختيار.
على أنَّ ما يقوم به الإمام من الجهاد وتولية الأُمراء والقضاة وقسمة الفيء واستيفاء الحدود والقصاصات أُمور دينيَّة لا يجوز تركها، ولو كان لمصلحة دنياويَّة لما وجب ذلك، فقوله ساقط بذلك.
وأمَّا مَنْ قال: يفعل الله ما يقوم مقامه، باطل، لأنَّه لو كان كذلك لما وجب عليه إقامة الإمام مطلقاً على كلِّ حالٍ، ولكان يكون ذلك من باب التخيير، كما نقول في فروض الكفايات. وفي علمنا بتعيين ذلك ووجوبه على كلِّ حالٍ دليل على فساد ما قالوه.
على أنَّه يلزم على الوجهين جميعاً المعرفة.
بأنْ يقال: الكافر إذا لم يحصل له المعرفة يفعل الله له ما يقوم مقامها، فلا يجب عليه المعرفة على كلِّ حالٍ.
أو يقال: إنَّ ما يحصل من الانزجار عن فعل الظلم عند المعرفة أمر دنياوي لا يجب لها المعرفة، فيجب من ذلك إسقاط وجوب المعرفة.
ومتى قيل: إنَّه لا بدل للمعرفة.
قلنا: وكذلك لا بدل للإمام على ما مضى - وذكرناه في (تلخيص الشافي)(٣٤) -، وكذلك إنْ بيَّنوا أنَّ الانزجار من القبيح عند المعرفة أمر ديني، قلنا مثل ذلك في وجود الإمام سواء.
فإنْ قيل: لا يخلو وجود رئيس مطاع منبسط اليد من أنْ يجب على الله جميع ذلك أو يجب علينا جميعه أو يجب على الله إيجاده وعلينا بسط يده.
فإنْ قلتم: يجب جميع ذلك على الله، فإنَّه يُنتَقض بحال الغيبة، لأنَّه لم يوجد إمام منبسط اليد، وإنْ وجب علينا جميعه فذلك تكليف ما لا يطاق، لأنَّا لا نقدر على إيجاده، وإنْ وجب عليه إيجاده وعلينا بسط يده وتمكينه فما دليلكم عليه؟ مع أنَّ فيه أنَّه يجب علينا أنْ نفعل ما هو لطف للغير، وكيف يجب على زيد بسط يد الإمام لتحصيل لطف عمرو؟ وهل ذلك إلَّا نقض الأُصول؟
قلنا: الذي نقوله: إنَّ وجود الإمام المنبسط اليد إذا ثبت أنَّه لطف لنا على ما دلَلنا عليه ولم يكن إيجاده في مقدورنا لم يحسن أنْ نُكلَّف إيجاده، لأنَّه تكليف ما لا يطاق، وبسط يده وتقوية سلطانه قد يكون في مقدورنا وفي مقدور الله، فإذا لم يفعل الله تعالى علمنا أنَّه غير واجب عليه وأنَّه واجب علينا، لأنَّه لا بدَّ من أنْ يكون منبسط اليد ليتمَّ الغرض بالتكليف، وبيَّنَّا بذلك أنَّ بسط يده لو كان من فعله تعالى لقهر الخلق عليه، والحيلولة بينه وبين أعدائه وتقوية أمره بالملائكة ربَّما أدَّى إلى سقوط الغرض بالتكليف، وحصول الإلجاء، فإذاً يجب علينا بسط يده على كلِّ حالٍ وإذا لم نفعله أتينا من قِبَل نفوسنا.
فأمَّا قولهم: في ذلك إيجاب اللطف علينا للغير، غير صحيح.
لأنَّا نقول: إنَّ كلَّ من يجب عليه نصرة الإمام وتقوية سلطانه له في ذلك مصلحة تخصُّه، وإنْ كانت فيه مصلحة يرجع إلى غيره كما نقوله في أنَّ الأنبياء يجب عليهم تحمُّل أعباء النبوَّة والأداء إلى الخلق ما هو مصلحة لهم، لأنَّ لهم في القيام بذلك مصلحة تخصُّهم وإنْ كانت فيها مصلحة لغيرهم.
ويلزم المخالف في أهل الحلِّ والعقد بأنْ يقال: كيف يجب عليهم اختيار الإمام لمصلحة ترجع إلى جميع الأُمَّة؟ وهل ذلك إلَّا إيجاب الفعل عليهم لما يرجع إلى مصلحة غيرهم؟ فأيُّ شيء أجابوا به فهو جوابنا بعينه سواء.
فإنْ قيل: لِمَ زعمتم أنَّه يجب إيجاده في حال الغيبة؟ وهلَّا جاز أنْ يكون معدوماً؟
قلنا: إنَّما أوجبنا ذلك من حيث إنَّ تصرُّفه الذي هو لطفنا إذا لم يتمّ إلَّا بعد وجوده، وإيجاده لم يكن في مقدورنا، قلنا عند ذلك: إنَّه يجب على الله ذلك وإلَّا أدَّى إلى أنْ لا نكون مزاحي العلَّة بفعل اللطف، فنكون أتينا من قِبَله تعالى لا من قِبَلنا، وإذا أوجده ولم نُمكِّنه من انبساط يده أتينا من قِبَل نفوسنا، فحسن التكليف، وفي الأوَّل لم يحسن.
فإنْ قيل: ما الذي تريدون بتمكيننا إيَّاه؟ أتريدون أنْ نقصده ونشافهه، وذلك لا يتمُّ إلَّا مع وجوده.
قيل لكم: لا يصحُّ جميع ذلك إلَّا مع ظهوره وعلمنا أو علم بعضنا بمكانه.
وإنْ قلتم: نريد بتمكيننا أنْ نبخع لطاعته والشدِّ على يده، ونكفَّ عن نصرة الظالمين، ونقوم على نصرته متى دعانا إلى إمامته ودلَّنا عليها بمعجزته.
قلنا لكم: فنحن يمكننا ذلك في زمان الغيبة وإنْ لم يكن الإمام موجوداً فيه، فكيف قلتم لا يتمُّ ما كُلِّفناه من ذلك إلَّا مع وجود الإمام؟
قلنا: الذي نقوله في هذا الباب ما ذكره المرتضى (رحمه الله) في (الذخيرة)(٣٥) وذكرناه في (تلخيص الشافي)(٣٦) أنَّ الذي هو لطفنا من تصرُّف الإمام وانبساط يده لا يتمُّ إلَّا بأُمور ثلاثة:
أحدها يتعلَّق بالله، وهو إيجاده.
والثاني يتعلَّق به من تحمُّل أعباء الإمامة والقيام بها.
والثالث يتعلَّق بنا من العزم على نصرته، ومعاضدته، والانقياد له، فوجوب تحمُّله عليه فرع على وجوده، لأنَّه لا يجوز أنْ يتناول التكليف المعدوم، فصار إيجاد الله إيَّاه أصلاً لوجوب قيامه، وصار وجوب نصرته علينا فرعاً لهذين الأصلين، لأنَّه إنَّما يجب علينا طاعته إذا وُجِدَ، وتحمَّل أعباء الإمامة وقام بها، فحينئذٍ يجب علينا طاعته، فمع هذا التحقيق كيف يقال: لِمَ لا يكون معدوماً؟
فإنْ قيل: فما الفرق بين أنْ يكون موجوداً مستتراً حتَّى إذا علم الله منَّا تمكينه أظهره، وبين أنْ يكون معدوماً حتَّى إذا علم منَّا العزم على تمكينه أوجده؟
قلنا: لا يحسن من الله تعالى أنْ يوجب علينا تمكين من ليس بموجود، لأنَّه تكليف ما لا يطاق، فإذاً لا بدَّ من وجوده.
فإنْ قيل: يوجده الله تعالى إذا علم أنَّا ننطوي على تمكينه بزمان واحد كما أنَّه يُظهِره عند مثل ذلك.
قلنا: وجوب تمكينه والانطواء على طاعته لازم في جميع أحوالنا، فيجب أنْ يكون التمكين من طاعته والمصير إلى أمره ممكناً في جميع الأحوال وإلَّا لم يحسن التكليف، وإنَّما كان يتمُّ ذلك لو لم نكن مكلَّفين في كلِّ حالٍ لوجوب طاعته والانقياد لأمره، بل كان يجب علينا ذلك عند ظهوره، والأمر عندنا بخلافه.
ثمّ يقال لمن خالفنا في ذلك وألزمنا عدمه على استتاره: لِمَ لا يجوز أنْ يُكلِّف الله تعالى المعرفة ولا ينصب عليها دلالة إذا علم أنَّا لا ننظر فيها، حتَّى إذا علم من حالنا أنَّا نقصد إلى النظر ونعزم على ذلك أوجد الأدلَّة ونصبها، فحينئذٍ ننظر ونقول: ما الفرق بين دلالة منصوبة لا ننظر فيها وبين عدمها حتَّى إذا عزمنا على النظر فيها أوجدها الله تعالى؟
ومتى قالوا: نصب الأدلَّة من جملة التمكين الذي لا يحسن التكليف من دونه كالقدرة والآلة.
قلنا: وكذلك وجود الإمام (عليه السلام) من جملة التمكين من وجوب طاعته، ومتى لم يكن موجوداً لم تُمْكِنَّا طاعته، كما أنَّ الأدلَّة إذا لم تكن موجودة لم يُمْكِنَّا النظر فيها، فاستوى الأمران.
وبهذا التحقيق يسقط جميع ما يُورَد في هذا الباب من عبارات لا نرتضيها في الجواب وأسئلة المخالف عليها، وهذا المعنى مستوفًى في كُتُبي وخاصَّةً في (تلخيص الشافي)، فلا نُطوِّل بذكره.
والمثال الذي ذكره من أنَّه لو أوجب الله علينا أنْ نتوضَّأ من ماء بئر معيَّنة لم يكن لها حبل نستقي به، وقال لنا: إنْ دنوتم من البئر خلقت لكم حبلاً تستقون به [من] الماء، فإنَّه يكون مزيحاً لعلَّتنا، ومتى لم ندنُ من البئر كنَّا قد أتينا من قِبَل نفوسنا لا من قِبَله تعالى.
وكذلك لو قال السيِّد لعبده وهو بعيد منه: اشتر لي لحماً من السوق، فقال: لا أتمكَّن من ذلك، لأنَّه ليس معي ثمنه، فقال: إنْ دنوت أعطيتك ثمنه، فإنَّه يكون مزيحاً لعلَّته، ومتى لم يدنُ لأخذ الثمن يكون قد أُتِيَ من قِبَل نفسه لا من قِبَل سيِّده، وهذه حال ظهور الإمام مع تمكيننا، فيجب أنْ يكون عدم تمكيننا هو السبب في أنْ لم يظهر في هذه الأحوال لا عدمه، إذ كنَّا لو مكَّناه (عليه السلام) لوُجِدَ وظهر.
قلنا: هذا كلام من يظنُّ أنَّه يجب علينا تمكينه إذا ظهر ولا يجب علينا ذلك في كلِّ حالٍ، ورضينا بالمثال الذي ذكره، لأنَّه تعالى لو أوجب علينا الاستقاء في الحال لوجب أنْ يكون الحبل حاصلاً في الحال لأنَّ به تزاح العلَّة، لكن إذا قال: متى دنوتم من البئر خلقت لكم الحبل إنَّما هو مكلِّف للدنوِّ لا للاستقاء، فيكفي القدرة على الدنوِّ في هذه الحال، لأنَّه ليس بمكلَّف للاستقاء منها، فإذا دنا من البئر صار حينئذٍ مكلَّفا للاستقاء، فيجب عند ذلك أنْ يخلق له الحبل، فنظير ذلك أنْ لا يجب علينا في كلِّ حالٍ طاعة الإمام وتمكينه، فلا يجب عند ذلك وجوده، فلمَّا كانت طاعته واجبة في الحال ولم نقف على شرطه(٣٧) ولا وقت منتظر وجب أنْ يكون موجوداً لتزاح العلَّة في التكليف ويحسن.
والجواب: عن مثال السيِّد مع غلامه مثل ذلك، لأنَّه إنَّما كلَّفه الدنوَّ منه لا الشراء، فإذا دنا منه وكلَّفه الشراء وجب عليه إعطاء الثمن.
ولهذا قلنا: إنَّ الله تعالى كلَّف من يأتي إلى يوم القيامة ولا يجب أنْ يكونوا موجودين مزاحي العلَّة، لأنَّه لم يُكلِّفهم الآن، فإذا أوجدهم وأزاح علَّتهم في التكليف بالقدرة والآلة ونصب الأدلَّة حينئذٍ تناولهم التكليف، فسقط بذلك هذه المغالطة.
على أنَّ الإمام إذا كان مكلَّفاً للقيام بالأمر وتحمُّل أعباء الإمامة كيف يجوز أنْ يكون معدوماً؟ وهل يصحُّ تكليف المعدوم عند عاقل؟ وليس لتكليفه ذلك تعلُّق بتمكيننا أصلاً، بل وجوب التمكين علينا فرع على تحمُّله على ما مضى القول فيه، وهذا واضح.
ثمّ يقال لهم: أليس النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اختفى في الشعب ثلاث سنين لم يصل إليه أحد، واختفى في الغار ثلاثة أيَّام؟ ولم يجز قياساً على ذلك أنْ يُعدِمه الله تعالى تلك المدَّة مع بقاء التكليف على الخلق الذين بعثه لطفاً لهم.
ومتى قالوا: إنَّما اختفى بعدما دعا إلى نفسه وأظهر نبوَّته فلمَّا أخافوه استتر.
قلنا: وكذلك الإمام لم يستتر إلَّا وقد أظهر آباؤه موضعه وصفته، ودلُّوا عليه، ثمّ لـمَّا خاف عليه أبوه الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) أخفاه وستره، فالأمران إذاً سواء.
ثمّ يقال لهم: خبِّرونا لو علم الله من حال شخص أنَّ من مصلحته أنْ يبعث الله إليه نبيًّا معيَّناً يُؤدِّي إليه مصالحه، وعلم أنَّه لو بعثه لقتله هذا الشخص، ولو مُنِعَ من قتله قهراً كان فيه مفسدة له أو لغيره، هل يحسن أنْ يُكلِّف هذا الشخص ولا يبعث إليه ذلك النبيَّ، أو لا يُكلِّف؟
فإنْ قالوا: لا يُكلِّف.
قلنا: وما المانع منه وله طريق إلى معرفة مصالحه بأنْ يُمكِّن النبيَّ من الأداء إليه؟
وإنْ قلتم: يُكلِّفه ولا يبعث إليه.
قلنا: وكيف يجوز أنْ يُكلِّفه ولم يفعل به ما هو لطف له مقدور؟
فإنْ قالوا: أُتِيَ في ذلك من قِبَل نفسه.
قلنا: هو لم يفعل شيئاً وإنَّما علم أنَّه لا يُمكِّنه، وبالعلم لا يحسن تكليفه مع ارتفاع اللطف، ولو جاز ذلك لجاز أنْ يُكلِّف ما لا دليل عليه إذا علم أنَّه لا ينظر فيه، وذلك باطل، ولا بدَّ أنْ يقال: إنَّه يبعث إلى ذلك الشخص ويوجب عليه الانقياد له ليكون مزيحاً لعلَّته، فإمَّا أنْ يمنع منه بما لا ينافي التكليف، أو يجعله بحيث لا يتمكَّن من قتله، فيكون قد أُتِيَ من قِبَل نفسه في عدم الوصول إليه، وهذه حالنا مع الإمام في حال الغيبة سواء.
فإنْ قال: لا بدَّ أنْ يُعلِمه أنَّ له مصلحة في بعثة هذا الشخص إليه على لسان غيره ليعلم أنَّه قد أُتِيَ من قِبَل نفسه.
قلنا: وكذلك أعلمنا الله على لسان نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة من آبائه (عليهم السلام) موضعه، وأوجب علينا طاعته، فإذا لم يظهر لنا علمنا أنَّا أتينا من قِبَل نفوسنا، فاستوى الأمران.
[الدليل على وجوب عصمة الإمام]:
وأمَّا الذي يدلُّ على الأصل الثاني وهو أنَّ من شأن الإمام أنْ يكون مقطوعاً على عصمته، فهو أنَّ العلَّة التي لأجلها احتجنا إلى الإمام ارتفاع العصمة، بدلالة أنَّ الخلق متى كانوا معصومين لم يحتاجوا إلى إمام، وإذا خلوا من كونهم معصومين احتاجوا إليه، علمنا عند ذلك أنَّ علَّة الحاجة هي ارتفاع العصمة، كما نقوله في علَّة حاجة الفعل إلى فاعل إنَّها الحدوث، بدلالة أنَّ ما يصحُّ حدوثه يحتاج إلى فاعل في حدوثه، وما لا يصحُّ حدوثه يستغني عن الفاعل، وحكمنا بذلك أنَّ كلَّ محدَث يحتاج إلى محدِث، فبمثل ذلك يجب الحكم بحاجة كلِّ من ليس بمعصوم إلى إمام وإلَّا انتقضت العلَّة، فلو كان الإمام غير معصوم لكانت علَّة الحاجة فيه قائمة واحتاج إلى إمام آخر، والكلام في إمامه كالكلام فيه، فيُؤدِّي إلى إيجاب أئمَّة لا نهاية لهم أو الانتهاء إلى معصوم وهو المراد.
وهذه الطريقة قد أحكمناها في كُتُبنا، فلا نُطوِّل بالأسئلة عليها، لأنَّ الغرض بهذا الكتاب غير ذلك، وفي هذا القدر كفاية.
[الدليل على أنَّ الحقَّ لا يـخرج عن الأمَّة]:
وأمَّا الأصل الثالث وهو أنَّ الحقَّ لا يخرج عن الأُمَّة، فهو متَّفق عليه بيننا وبين خصومنا وإنْ اختلفنا في علَّة ذلك.
لأنَّ عندنا أنَّ الزمان لا يخلو من إمام معصوم لا يجوز عليه الغلط على ما قلناه، فإذاً الحقُّ لا يخرج عن الأُمَّة لكون المعصوم فيهم.
وعند المخالف لقيام أدلَّة يذكرونها دلَّت على أنَّ الإجماع حجَّة، فلا وجه للتشاغل بذلك.
فإذا ثبتت هذه الأُصول ثبت إمامة صاحب الزمان (عليه السلام)، لأنَّ كلَّ من يقطع على ثبوت العصمة للإمام قطع على أنَّه الإمام، وليس فيهم من يقطع على عصمة الإمام ويخالف في إمامته إلَّا قوم دلَّ الدليل على بطلان قولهم كالكيسانيَّة والناووسيَّة والواقفة، فإذا أفسدنا أقوال هؤلاء ثبت إمامته (عليه السلام).
[الدليل على فساد قول الكيسانيَّة]:
[أقول](٣٨): وأمَّا الذي يدلُّ على فساد قول الكيسانيَّة القائلين بإمامة محمّد ابن الحنفيَّة فأشياء:
منها: أنَّه لو كان إماماً مقطوعاً على عصمته لوجب أنْ يكون منصوصاً عليه نصًّا صريحاً، لأنَّ العصمة لا تُعلَم إلَّا بالنصِّ، وهم لا يدَّعون نصًّا صريحاً عليه وإنَّما يتعلَّقون بأُمور ضعيفة دخلت عليهم فيها شبهة لا تدلُّ على النصِّ، نحو إعطاء أمير المؤمنين (عليه السلام) إيَّاه الراية يوم البصرة، وقوله له: «أنت ابني حقًّا»، مع كون الحسن والحسين (عليهما السلام) ابنيه، وليس في ذلك دلالة على إمامته على وجه، وإنَّما يدلُّ على فضيلته ومنزلته.
على أنَّ الشيعة تروي أنَّه جرى بينه وبين عليِّ بن الحسين (عليهما السلام) كلام في استحقاق الإمامة، فتحاكما إلى الحجر، فشهد الحجر لعليِّ بن الحسين (عليهما السلام) بالإمامة، فكان ذلك معجزاً له، فسلَّم له الأمر وقال بإمامته.
١ - وَاَلْخَبَرُ بِذَلِكَ مَشْهُورٌ عِنْدَ اَلْإِمَامِيَّةِ، لِأَنَّهُمْ رَوَوْا: أَنَّ مُحَمَّدَ اِبْنَ اَلْحَنَفِيَّةِ نَازَعَ عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام) فِي اَلْإِمَامَةِ وَاِدَّعَى أَنَّ اَلْأَمْرَ أُفْضِيَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَخِيهِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، فَنَاظَرَهُ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) وَاِحْتَجَّ عَلَيْهِ بِآيٍ مِنَ اَلْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: ﴿وَأُولُوا الْأَرحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ [الأنفال: ٧٥]، وَأَنَّ هَذِهِ اَلْآيَةَ جَرَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام) وَوُلْدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «أُحَاجُّكَ إِلَى اَلْحَجَرِ اَلْأَسْوَدِ».
فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تُحَاجُّنِي إِلَى حَجَرٍ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُجِيبُ؟
فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا، فَمَضَيَا حَتَّى اِنْتَهَيَا إِلَى اَلْحَجَرِ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) لِمُحَمَّدِ اِبْنِ اَلْحَنَفِيَّةِ: «تَقَدَّمْ فَكَلِّمْهُ».
فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ وَوَقَفَ حِيَالَهُ وَتَكَلَّمَ ثُمَّ أَمْسَكَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ اَلمَكْتُوبِ فِي سُرَادِقِ اَلْعَظَمَةِ»، ثُمَّ دَعَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ: «لَـمَّا أَنْطَقْتَ هَذَا اَلْحَجَرَ»، ثُمَّ قَالَ: «أَسْأَلُكَ بِالَّذِي جَعَلَ فِيكَ مَوَاثِيقَ اَلْعِبَادِ(٣٩) وَاَلشَّهَادَةَ لِمَنْ وَافَاكَ لَـمَّا أَخْبَرْتَ لِمَنِ اَلْإِمَامَةُ وَاَلْوَصِيَّةُ».
فَتَزَعْزَعَ اَلْحَجَرُ حَتَّى كَادَ أَنْ يَزُولَ، ثُمَّ أَنْطَقَهُ اَللهُ تَعَالَى فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، سَلِّمِ اَلْإِمَامَةَ لِعَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، فَرَجَعَ مُحَمَّدٌ عَنْ مُنَازَعَتِهِ وَسَلَّمَهَا إِلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام)(٤٠)،(٤١).
ومنها: تواتر الشيعة الإماميَّة بالنصِّ عليه من أبيه وجدِّه، وهي موجودة في كُتُبهم في الأخبار لا نُطوِّل بذكرها الكتاب.
ومنها: الأخبار الواردة عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من جهة الخاصَّة والعامَّة على ما سنذكره فيما بعد بالنصِّ على إمامة الاثني عشر، وكلُّ من قال بإمامتهم قطع على وفاة محمّد بن الحنفيَّة وسياقة الإمامة إلى صاحب الزمان (عليه السلام).
ومنها: انقراض هذه الفرقة فإنَّه لم يبقَ في الدنيا في وقتنا ولا قبله بزمان طويل قائل يقول به، ولو كان ذلك حقًّا لما جاز انقراضه.
فإنْ قيل: كيف يُعلَم انقراضهم؟ وهلَّا جاز أنْ يكون في بعض البلاد البعيدة وجزائر البحر وأطراف الأرض أقوام يقولون بهذا القول كما يجوز أنْ يكون في أطراف الأرض من يقول بمذهب الحسن(٤٢) في أنَّ مرتكب الكبيرة منافق؟ فلا يمكن ادِّعاء انقراض هذه الفرقة، وإنَّما كان يمكن العلم بذلك لو كان المسلمون فيهم قلَّة والعلماء محصورين، فأمَّا وقد انتشر الإسلام وكثر العلماء، فمن أين يُعلَم ذلك؟
قلنا: هذا يُؤدِّي إلى أنْ لا يمكن العلم بإجماع الأُمَّة على قول ولا مذهب بأنْ يقال: لعلَّ في أطراف الأرض من يخالف ذلك، ويلزم أنْ يجوز أنْ يكون في أطراف الأرض من يقول: إنَّ البرد(٤٣) لا يُنقِض الصوم، وإنَّه يجوز للصائم أنْ يأكل إلى طلوع الشمس، لأنَّ الأوَّل كان مذهب أبي طلحة الأنصاري، والثاني مذهب حذيفة والأعمش، وكذلك مسائل كثيرة من الفقه كان الخلف فيها واقعاً بين الصحابة والتابعين، ثمّ زال الخلف فيما بعد، واجتمع أهل الأعصار على خلافه، فينبغي أنْ يُشَكَّ في ذلك ولا نثق بالإجماع على مسألة سبق الخلاف فيها، وهذا طعن من يقول: إنَّ الإجماع لا يمكن معرفته ولا التوصُّل إليه، والكلام في ذلك لا يختصُّ هذه المسألة، فلا وجه لإيراده هنا.
ثمّ إنَّا نعلم أنَّ الأنصار طلبت الإمرة ودفعهم المهاجرون عنها، ثمّ رجعت الأنصار إلى قول المهاجرين على قول المخالف، فلو أنَّ قائلاً قال: يجوز عقد الإمامة لمن كان من الأنصار لأنَّ الخلاف سبق فيه، ولعلَّ في أطراف الأرض من يقول به، فما كان يكون جوابهم فيه؟ فأيُّ شيء قالوه فهو جوابنا بعينه، فلا نُطوِّل بذكره.
فإنْ قيل: إذا كان الإجماع عندكم إنَّما يكون حجَّة بكون المعصوم فيه، فمن أين تعلمون دخول قوله في جملة أقوال الأُمَّة؟ وهلَّا جاز أنْ يكون قوله منفرداً عنهم فلا تثقون بالإجماع؟
قلنا: المعصوم إذا كان من جملة علماء الأُمَّة فلا بدَّ من أنْ يكون قوله موجوداً في جملة أقوال العلماء، لأنَّه لا يجوز أنْ يكون منفرداً مظهراً للكفر فإنَّ ذلك لا يجوز عليه، فإذاً لا بدَّ [من] أنْ يكون قوله في جملة الأقوال، وإنْ شككنا في أنَّه الإمام.
فإذا اعتبرنا أقوال الأُمَّة ووجدنا بعض العلماء يخالف فيه، فإنْ كنَّا نعرفه ونعرف مولده ومنشأه لم نعتد بقوله، لعلمنا أنَّه ليس بإمام، وإنْ شككنا في نسبه لم تكن المسألة إجماعاً.
فعلى هذا أقوال العلماء من الأُمَّة اعتبرناها فلم نجد فيهم قائلاً بهذا المذهب الذي هو مذهب الكيسانيَّة أو الواقفة، وإنْ وجدنا فرضاً واحداً أو اثنين فإنَّا نعلم منشأه ومولده، فلا يُعتَد بقوله، واعتبرنا أقوال الباقين الذين نقطع على كون المعصوم فيهم، فسقطت هذه الشبهة على هذا التحرير وبان وهنها.
[الدليل على فساد قول الناووسيَّة]:
فأمَّا القائلون بإمامة جعفر بن محمّد (عليه السلام) من الناووسيَّة، وأنَّه حيٌّ لم يمت، وأنَّه المهدي، فالكلام عليهم ظاهر، لأنَّا نعلم موت جعفر بن محمّد (عليه السلام) كما نعلم موت أبيه وجدِّه (عليهما السلام)، وقتل عليٍّ (عليه السلام)، وموت النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلو جاز الخلاف فيه لجاز الخلاف في جميع ذلك، ويُؤدِّي إلى قول الغلاة والمفوِّضة الذين جحدوا قتل عليٍّ والحسين (عليهما السلام)، وذلك سفسطة.
وسنُشبِع الكلام في ذلك عند الكلام على الواقفة والناووسيَّة إنْ شاء الله تعالى.
الكلام على الواقفة:
وأمَّا الذي يدلُّ على فساد مذهب الواقفة الذين وقفوا في إمامة أبي الحسن موسى (عليه السلام) وقالوا: (إنَّه المهدي)، فقولهم باطل بما ظهر من موته (عليه السلام)، واشتهر واستفاض، كما اشتهر موت أبيه وجدِّه ومن تقدَّم من آبائه (عليهم السلام).
ولو شككنا لم ننفصل من الناووسيَّة والكيسانيَّة والغلاة والمفوِّضة الذين خالفوا في موت من تقدَّم من آبائه (عليهم السلام).
على أنَّ موته اشتهر ما لم يشتهر موت أحد من آبائه (عليهم السلام)، لأنَّه أُظهر وأُحِضَر القضاة والشهود، ونودي عليه ببغداد على الجسر وقيل: (هذا الذي تزعم الرافضة أنَّه حيٌّ لا يموت مات حتف أنفه)، وما جرى هذا المجرى لا يمكن الخلاف فيه.
٢ - فَرَوَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، قَالَ: حَضَرَ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ اَلرَّوَّاسِيُّ جِنَازَةَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)، فَلَمَّا وُضِعَ عَلَى شَفِيرِ اَلْقَبْرِ، إِذَا رَسُولٌ مِنْ سِنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ قَدْ أَتَى أَبَا اَلمَضَا خَلِيفَتَهُ - وَكَانَ مَعَ اَلْجِنَازَةِ - أَنِ اِكْشِفْ وَجْهَهُ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ تَدْفِنَهُ حَتَّى يَرَوْهُ صَحِيحاً لَمْ يَحْدُثْ بِهِ حَدَثٌ.
قَالَ: وَكَشَفَ عَنْ وَجْهِ مَوْلَايَ حَتَّى رَأَيْتُهُ وَعَرَفْتُهُ، ثُمَّ غُطِّي وَجْهُهُ وَأُدْخِلَ قَبْرَهُ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ).
٣ - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ اَلْعُبَيْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي رَحِيمُ(٤٤) أُمُّ وَلَدِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ - وَكَانَتِ اِمْرَأَةً حُرَّةً فَاضِلَةً قَدْ حَجَّتْ نَيِّفاً وَعِشْرِينَ حِجَّةً -، عَنْ سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) - وَكَانَ يَخْدُمُهُ فِي اَلْحَبْسِ وَيَخْتَلِفُ فِي حَوَائِجِهِ - أَنَّهُ حَضَرَهُ حِينَ مَاتَ كَمَا يَمُوتُ اَلنَّاسُ مِنْ قُوَّةٍ إِلَى ضَعْفٍ إِلَى أَنْ قَضَى (عليه السلام).
٤ - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ اَلْبَرْقِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ(٤٥) اَلمُهَلَّبِيِّ، قَالَ: لَـمَّا حَبَسَ هَارُونُ اَلرَّشِيدُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ مُوسَى (عليه السلام) وَأَظْهَرَ اَلدَّلَائِلَ وَاَلمُعْجِزَاتِ وَهُوَ فِي اَلْحَبْسِ تَحَيَّرَ اَلرَّشِيدُ، فَدَعَا يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ اَلْبَرْمَكِيَّ(٤٦)، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، أَمَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ اَلْعَجَائِبِ؟ أَلَا تُدَبِّرُ فِي أَمْرِ هَذَا اَلرَّجُلِ تَدْبِيراً يُرِيحُنَا مِنْ غَمِّهِ؟
فَقَالَ لَهُ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ اَلْبَرْمَكِيُّ: اَلَّذِي أَرَاهُ لَكَ يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ أَنْ تَمُنَّنَّ عَلَيْهِ وَتَصِلَ(٤٧) رَحِمَهُ فَقَدْ - وَاَلله - أَفْسَدَ عَلَيْنَا قُلُوبَ شِيعَتِنَا. وَكَانَ يَحْيَى يَتَوَلَّاهُ، وَهَارُونُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ.
فَقَالَ هَارُونُ: اِنْطَلِقْ إِلَيْهِ وَأَطْلِقْ عَنْهُ اَلْحَدِيدَ، وَأَبْلِغْهُ عَنِّي اَلسَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ اِبْنُ عَمِّكَ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي فِيكَ يَمِينٌ عَنِّي لَا أُخَلِّيكَ حَتَّى تُقِرَّ لِي بِالْإِسَاءَةِ، وَتَسْأَلَنِي اَلْعَفْوَ عَمَّا سَلَفَ مِنْكَ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ فِي إِقْرَارِكَ عَارٌ، وَلَا فِي مَسْأَلَتِكَ إِيَّايَ مَنْقَصَةٌ، وَهَذَا يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ (هُوَ)(٤٨) ثِقَتِي وَوَزِيرِي وَصَاحِبُ أَمْرِي، فَسَلْهُ بِقَدْرِ مَا أَخْرُجُ مِنْ يَمِينِي وَاِنْصَرِفْ رَاشِداً(٤٩).
٥ - قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ(٥٠): فَأَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ أَنَّ أَبَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) قَالَ لِيَحْيَى: «يَا أَبَا عَلِيٍّ، أَنَا مَيِّتٌ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْ أَجَلِي أُسْبُوعٌ، اُكْتُمْ مَوْتِي وَاِئْتِنِي يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ عِنْدَ اَلزَّوَالِ، وَصَلِّ عَلَيَّ أَنْتَ وَأَوْلِيَائِي فُرَادَى، وَاُنْظُرْ إِذَا سَارَ هَذَا اَلطَّاغِيَةُ إِلَى اَلرَّقَّةِ، وَعَادَ إِلَى اَلْعِرَاقِ لَا يَرَاكَ وَلَا تَرَاهُ لِنَفْسِكَ، فَإِنِّي رَأَيْتُ فِي نَجْمِكَ وَنَجْمِ وُلْدِكَ وَنَجْمِهِ أَنَّهُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ، فَاحْذَرُوهُ»، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا عَلِيٍّ، أَبْلِغْهُ عَنِّي: يَقُولُ لَكَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ: رَسُولِي يَأْتِيكَ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ فَيُخْبِرُكَ بِمَا تَرَى، وَسَتَعْلَمُ غَداً إِذَا جَاثَيْتُكَ بَيْنَ يَدَيِ اَلله مَنِ اَلظَّالِمُ وَاَلمُعْتَدِي عَلَى صَاحِبِهِ، وَاَلسَّلَامُ».
فَخَرَجَ يَحْيَى مِنْ عِنْدِهِ، وَاِحْمَرَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ اَلْبُكَاءِ حَتَّى دَخَلَ عَلَى هَارُونَ فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِ وَمَا رَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ هَارُونُ: إِنْ لَمْ يَدَّعِ اَلنُّبُوَّةَ بَعْدَ أَيَّامٍ فَمَا أَحْسَنَ حَالَنَا.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ اَلْجُمُعَةِ تُوُفِّيَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)، وَقَدْ خَرَجَ هَارُونُ إِلَى اَلمَدَائِنِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَأُخْرِجَ إِلَى اَلنَّاسِ حَتَّى نَظَرُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ دُفِنَ (عليه السلام) وَرَجَعَ اَلنَّاسُ، فَافْتَرَقُوا فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةٌ تَقُولُ: مَاتَ، وَفِرْقَةٌ تَقُولُ: لَمْ يَمُتْ(٥١)،(٥٢).
٦ - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبْدُونٍ(٥٣) سَمَاعاً وَقِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو اَلْفَرَجِ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلْأَصْبَهَانِيُّ(٥٤)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله بْنِ عَمَّارٍ(٥٥)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلنَّوْفَلِيُّ(٥٦)، عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ اَلْأَصْبَهَانِيُّ: وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ اَلْحَسَنِ اَلْعَلَوِيُّ(٥٧)، وَحَدَّثَنِي غَيْرُهُمَا بِبَعْضِ قِصَّتِهِ، وَجَمَعْتُ ذَلِكَ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ، قَالُوا: كَانَ اَلسَّبَبُ فِي أَخْذِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما السلام) أَنَّ اَلرَّشِيدَ جَعَلَ اِبْنَهُ فِي حِجْرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْأَشْعَثِ، فَحَسَدَهُ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ اَلْبَرْمَكِيُّ، وَقَالَ: إِنْ أَفْضَتِ اَلْخِلَافَةُ إِلَيْهِ زَالَتْ دَوْلَتِي وَدَوْلَةُ وُلْدِي.
فَاحْتَالَ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ - وَكَانَ يَقُولُ بِالْإِمَامَةِ - حَتَّى دَاخَلَهُ وَأَنِسَ إِلَيْهِ. وَكَانَ يُكْثِرُ غِشْيَانَهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَيَقِفُ عَلَى أَمْرِهِ، فَيَرْفَعُهُ إِلَى اَلرَّشِيدِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ بِمَا يَقْدَحُ فِي قَلْبِهِ. ثُمَّ قَالَ يَوْماً لِبَعْضِ ثِقَاتِهِ: تُعَرِّفُونَ لِي رَجُلاً مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ لَيْسَ بِوَاسِعِ اَلْحَالِ يُعَرِّفُنِي مَا أَحْتَاجُ [إِلَيْهِ](٥٨)؟
فَدُلَّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَحَمَلَ إِلَيْهِ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ مَالاً، وَكَانَ مُوسَى (عليه السلام) يَأْنَسُ إِلَيْهِ وَيَصِلُهُ، وَرُبَّمَا أَفْضَى إِلَيْهِ بِأَسْرَارِهِ كُلِّهَا، فَكَتَبَ لِيُشْخِصَ بِهِ، فَأَحَسَّ مُوسَى (عليه السلام) بِذَلِكَ، فَدَعَاهُ، فَقَالَ: «إِلَى أَيْنَ يَا اِبْنَ أَخِي؟».
قَالَ: إِلَى بَغْدَادَ.
قَالَ: «مَا تَصْنَعُ؟».
قَالَ: عَلَيَّ دَيْنٌ، وَأَنَا مُمْلِقٌ(٥٩).
قَالَ: «فَأَنَا أَقْضِي دَيْنَكَ وَأَفْعَلُ بِكَ وَأَصْنَعُ»، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى ذَلِكَ.
فَقَالَ لَهُ: «اُنْظُرْ يَا اِبْنَ أَخِي، لَا تُؤتِمْ أَوْلَادِي»، وَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا قَامَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، قَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) لِمَنْ حَضَرَهُ: «وَاَلله لَيَسْعَيَنَّ فِي دَمِي، وَيُؤتِمَنَّ أَوْلَادِي».
فَقَالُوا لَهُ: جَعَلَنَا اَللهُ فِدَاكَ، فَأَنْتَ تَعْلَمُ هَذَا مِنْ حَالِهِ وَتُعْطِيهِ وَتَصِلُهُ؟!
فَقَالَ لَهُمْ: «نَعَمْ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّ اَلرَّحِمَ إِذَا قُطِعَتْ فَوُصِلَتْ قَطَعَهَا اَللهُ».
فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَتَّى أَتَى إِلَى يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، فَتَعَرَّفَ مِنْهُ خَبَرَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) وَرَفَعَهُ إِلَى اَلرَّشِيدِ، وَزَادَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: إِنَّ اَلْأَمْوَالَ تُحْمَلُ إِلَيْهِ مِنَ اَلمَشْرِقِ وَاَلمَغْرِبِ، وَإِنَّ لَهُ بُيُوتَ أَمْوَالٍ، وَإِنَّهُ اِشْتَرَى ضَيْعَةً بِثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ فَسَمَّاهَا: اَلْيَسِيرَةَ، وَقَالَ لَهُ صَاحِبُهَا وَقَدْ أَحْضَرَ اَلمَالَ: لَا آخُذُ هَذَا اَلنَّقْدَ، وَلَا آخُذُ إِلَّا نَقْدَ كَذَا(٦٠)، فَأَمَرَ بِذَلِكَ اَلمَالِ فَرُدَّ، وَأَعْطَاهُ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ مِنَ اَلنَّقْدِ اَلَّذِي سَأَلَ بِعَيْنِهِ.
فَرَفَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ إِلَى اَلرَّشِيدِ، فَأَمَرَ لَهُ بِمِائَتَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ يُسَبَّبُ لَهُ(٦١) عَلَى بَعْضِ اَلنَّوَاحِي، فَاخْتَارَ كُوَرَ اَلمَشْرِقِ، وَمَضَتْ رُسُلُهُ لِتَقْبِضَ اَلمَالَ، وَدَخَلَ هُوَ فِي بَعْضِ اَلْأَيَّامِ إِلَى اَلْخَلَإِ فَزَحَرَ زَحْرَةً(٦٢) خَرَجَتْ مِنْهَا حِشْوَتُهُ(٦٣) [كُلُّهَا](٦٤) فَسَقَطَ، وَجَهَدُوا فِي رَدِّهَا فَلَمْ يَقْدِرُوا، فَوَقَعَ لِمَا بِهِ وَجَاءَهُ اَلمَالُ وَهُوَ يَنْزِعُ، فَقَالَ: مَا أَصْنَعُ بِهِ وَأَنَا فِي اَلمَوْتِ؟
وَحَجَّ اَلرَّشِيدُ فِي تِلْكَ اَلسَّنَةِ، فَبَدَأَ بِقَبْرِ اَلنَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَلله، إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ شَيْءٍ أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَهُ، أُرِيدُ أَنْ أَحْبِسَ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ اَلتَّشْتِيتَ بِأُمَّتِكَ وَسَفْكَ دِمَائِهَا.
ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُخِذَ مِنَ اَلمَسْجِدِ فَأُدْخِلَ إِلَيْهِ فَقَيَّدَهُ، وَأُخْرِجَ مِنْ دَارِهِ بَغْلَانِ عَلَيْهِمَا قُبَّتَانِ مُغَطَّاتَانِ هُوَ (عليه السلام) فِي إِحْدَاهُمَا، وَوَجَّهَ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَيْلاً، فَأَخَذَ بِوَاحِدَةٍ عَلَى طَرِيقِ اَلْبَصْرَةِ، وَاَلْأُخْرَى عَلَى طَرِيقِ اَلْكُوفَةِ، لِيُعَمِّيَ عَلَى اَلنَّاسِ أَمْرَهُ، وَكَانَ فِي اَلَّتِي مَضَتْ إِلَى اَلْبَصْرَةِ، وَأَمَرَ اَلرَّسُولَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إِلَى عِيسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ اَلمَنْصُورِ، وَكَانَ عَلَى اَلْبَصْرَةِ حِينَئِذٍ، فَمَضَى بِهِ، فَحَبَسَهُ عِنْدَهُ سَنَةً.
ثُمَّ كَتَبَ إِلَى اَلرَّشِيدِ أَنْ خُذْهُ مِنِّي وَسَلِّمْهُ إِلَى مَنْ شِئْتَ وَإِلَّا خَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَقَدِ اِجْتَهَدْتُ بِأَنْ أَجِدَ عَلَيْهِ حُجَّةً، فَمَا أَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى إِنِّي لَأَتَسَمَّعُ عَلَيْهِ إِذَا دَعَا لَعَلَّهُ يَدْعُو عَلَيَّ أَوْ عَلَيْكَ، فَمَا أَسْمَعُهُ يَدْعُو إِلَّا لِنَفْسِهِ يَسْأَلُ اَلرَّحْمَةَ وَاَلمَغْفِرَةَ.
فَوَجَّهَ مَنْ تَسَلَّمَهُ مِنْهُ، وَحَبَسَهُ عِنْدَ اَلْفَضْلِ بْنِ اَلرَّبِيعِ بِبَغْدَادَ، فَبَقِيَ عِنْدَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَأَرَادَ اَلرَّشِيدُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ فَأَبَى، فَكَتَبَ بِتَسْلِيمِهِ إِلَى اَلْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى، فَتَسَلَّمَهُ مِنْهُ، وَأَرَادَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَبَلَغَهُ أَنَّهُ عِنْدَهُ فِي رَفَاهِيَةٍ وَسَعَةٍ وَهُوَ حِينَئِذٍ بِالرَّقَّةِ، فَأَنْفَذَ مَسْرُورَ اَلْخَادِمِ إِلَى بَغْدَادَ عَلَى اَلْبَرِيدِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) فَيَعْرِفَ خَبَرَهُ، فَإِنْ كَانَ اَلْأَمْرُ عَلَى مَا بَلَغَهُ أَوْصَلَ كِتَاباً مِنْهُ إِلَى اَلْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَمَرَهُ بِامْتِثَالِهِ، وَأَوْصَلَ كِتَاباً مِنْهُ آخَرَ إِلَى اَلسِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ يَأْمُرُهُ بِطَاعَةِ اَلْعَبَّاسِ، فَقَدِمَ مَسْرُورٌ، فَنَزَلَ دَارَ اَلْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَا يُرِيدُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَوَجَدَهُ عَلَى مَا بَلَغَ اَلرَّشِيدَ، فَمَضَى مِنْ فَوْرِهِ إِلَى اَلْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَاَلسِّنْدِيِّ، فَأَوْصَلَ اَلْكِتَابَيْنِ إِلَيْهِمَا، فَلَمْ يَلْبَثِ اَلنَّاسُ أَنْ خَرَجَ اَلرَّسُولُ يَرْكُضُ إِلَى اَلْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى، فَرَكِبَ مَعَهُ وَخَرَجَ مَشْدُوهاً دَهِشاً حَتَّى دَخَلَ عَلَى اَلْعَبَّاسِ، فَدَعَا بِسِيَاطٍ وَعُقَابَيْنِ(٦٥)، فَوَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى اَلسِّنْدِيِّ، وَأَمَرَ بِالْفَضْلِ فَجُرِّدَ ثُمَّ ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ، وَخَرَجَ مُتَغَيِّرَ اَللَّوْنِ خِلَافَ مَا دَخَلَ، فَأُذْهِبَتْ نَخْوَتُهُ، فَجَعَلَ يُسَلِّمُ عَلَى اَلنَّاسِ يَمِيناً وَشِمَالاً.
وَكَتَبَ مَسْرُورٌ بِالْخَبَرِ إِلَى اَلرَّشِيدِ، فَأَمَرَ بِتَسْلِيمِ مُوسَى (عليه السلام) إِلَى اَلسِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ، وَجَلَسَ مَجْلِساً حَافِلاً، وَقَالَ: أَيُّهَا اَلنَّاسُ، إِنَّ اَلْفَضْلَ بْنَ يَحْيَى قَدْ عَصَانِي، وَخَالَفَ طَاعَتِي، وَرَأَيْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ فَالْعَنُوهُ، فَلَعَنَهُ اَلنَّاسُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ حَتَّى اِرْتَجَّ اَلْبَيْتُ وَاَلدَّارُ بِلَعْنِهِ.
وَبَلَغَ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ، فَرَكِبَ إِلَى اَلرَّشِيدِ، وَدَخَلَ مِنْ غَيْرِ اَلْبَابِ اَلَّذِي يَدْخُلُ اَلنَّاسُ مِنْهُ حَتَّى جَاءَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اِلْتَفِتْ إِلَيَّ يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ.
فَأَصْغَى إِلَيْهِ فَزِعاً، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ اَلْفَضْلَ حَدَثٌ، وَأَنَا أَكْفِيكَ مَا تُرِيدُ.
فَانْطَلَقَ وَجْهُهُ وَسُرَّ، وَأَقْبَلَ عَلَى اَلنَّاسِ فَقَالَ: إِنَّ اَلْفَضْلَ كَانَ عَصَانِي فِي شَيْءٍ فَلَعَنْتُهُ، وَقَدْ تَابَ وَأَنَابَ إِلَى طَاعَتِي فَتَوَلَّوْهُ.
فَقَالُوا لَهُ: نَحْنُ أَوْلِيَاءُ مَنْ وَالَيْتَ وَأَعْدَاءُ مَنْ عَادَيْتَ وَقَدْ تَوَلَّيْنَاهُ.
ثُمَّ خَرَجَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ بِنَفْسِهِ عَلَى اَلْبَرِيدِ حَتَّى أَتَى بَغْدَادَ، فَمَاجَ اَلنَّاسُ(٦٦) وَأَرْجَفُوا بِكُلِّ شَيْءٍ، فَأَظْهَرَ أَنَّهُ وَرَدَ لِتَعْدِيلِ اَلسَّوَادِ وَاَلنَّظَرِ فِي أَمْرِ اَلْعُمَّالِ، وَتَشَاغَلَ بِبَعْضِ ذَلِكَ، وَدَعَا اَلسِّنْدِيَّ فَأَمَرَهُ فِيهِ بِأَمْرِهِ، فَامْتَثَلَهُ.
وَسَأَلَ مُوسَى (عليه السلام) اَلسِّنْدِيَّ عِنْدَ وَفَاتِهِ أَنْ يَحْضُرَهُ مَوْلًى لَهُ يَنْزِلُ عِنْدَ دَارِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي أَصْحَابِ اَلْقَصَبِ لِيُغَسِّلَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ.
قَالَ: سَأَلْتُهُ أَنْ يَأْذَنَ لِي أَنْ أُكَفِّنَهُ فَأَبَى، وَقَالَ: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ مُهُورُ نِسَائِنَا وَحَجُّ صَرُورَتِنَا(٦٧) وَأَكْفَانُ مَوْتَانَا مِنْ طُهْرَةِ أَمْوَالِنَا، وَعِنْدِي كَفَنِي».
فَلَمَّا مَاتَ أَدْخَلَ عَلَيْهِ اَلْفُقَهَاءَ وَوُجُوهَ أَهْلِ بَغْدَادَ وَفِيهِمُ: اَلْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ وَغَيْرُهُ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ لَا أَثَرَ بِهِ، وَشَهِدُوا عَلَى ذَلِكَ، وَأُخْرِجَ فَوُضِعَ عَلَى اَلْجِسْرِ بِبَغْدَادَ وَنُودِيَ: هَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ قَدْ مَاتَ فَانْظُرُوا إِلَيْهِ.
فَجَعَلَ اَلنَّاسُ يَتَفَرَّسُونَ فِي وَجْهِهِ وَهُوَ مَيِّتٌ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَعْضِ اَلطَّالِبِيِّينَ أَنَّهُ نُودِيَ عَلَيْهِ: هَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ اَلَّذِي تَزْعُمُ اَلرَّافِضَةُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ فَانْظُرُوا إِلَيْهِ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ.
قَالُوا: وَحُمِلَ فَدُفِنَ فِي مَقَابِرِ قُرَيْشٍ، فَوَقَعَ قَبْرُهُ إِلَى جَانِبِ رَجُلٍ مِنَ اَلنَّوْفَلِيِّينَ يُقَالُ لَهُ: عِيسَى بْنُ عَبْدِ اَلله(٦٨).
٧ - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ(٦٩)، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ(٧٠) مِنْ أَهْلِ قَطِيعَةِ(٧١) اَلرَّبِيعِ مِنَ اَلْعَامَّةِ مِمَّنْ كَانَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، قَالَ: جَمَعَنَا اَلسِّنْدِيُّ بْنُ شَاهَكَ ثَمَانِينَ رَجُلاً مِنَ اَلْوُجُوهِ اَلمَنْسُوبِينَ إِلَى اَلْخَيْرِ، فَأَدْخَلَنَا عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام)، وَقَالَ لَنَا اَلسِّنْدِيُّ: يَا هَؤُلَاءِ، اُنْظُرُوا إِلَى هَذَا اَلرَّجُلِ هَلْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ؟ فَإِنَّ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ لَمْ يُرِدْ بِهِ سُوءاً، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ بِهِ أَنْ يَقْدِمَ لِيُنَاظِرَهُ(٧٢)، وَهُوَ صَحِيحٌ مُوَسَّعٌ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ فَسَلُوهُ، وَلَيْسَ لَنَا هَمٌّ إِلَّا اَلنَّظَرُ إِلَى اَلرَّجُلِ فِي فَضْلِهِ وَسَمْتِهِ.
فَقَالَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عليه السلام): «أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنَ اَلتَّوْسِعَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرَ، غَيْرَ أَنِّي أُخْبِرُكُمْ أَيُّهَا اَلنَّفَرُ أَنِّي قَدْ سُقِيتُ اَلسَّمَّ فِي سَبْعِ تَمَرَاتٍ، وَأَنَا غَداً أَخْضَرُّ وَبَعْدَ غَدٍ أَمُوتُ»، فَنَظَرْتُ إِلَى اَلسِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ يَضْطَرِبُ وَيَرْتَعِدُ مِثْلَ اَلسَّعَفَةِ(٧٣)،(٧٤).
فموته (عليه السلام) أشهر من أنْ يحتاج إلى ذكر الرواية به، لأنَّ المخالف في ذلك يدفع الضرورات، والشكُّ في ذلك يُؤدِّي إلى الشكِّ في موت كلِّ واحدٍ من آبائه وغيرهم، فلا يُوثَق بموت أحد.
[نصُّ الإمام الكاظم (عليه السلام) على إمامة الإمام الرضا (عليه السلام)]:
على أنَّ المشهور عنه (عليه السلام) أنَّه وصَّى إلى ابنه عليِّ بن موسى (عليه السلام) وأسند إليه أمره بعد موته، والأخبار بذلك أكثر من أنْ تُحصى، نذكر منها طرفاً ولو كان حيًّا باقياً لما احتاج إليه.
٨ - فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَعُبَيْدِ اَلله بْنِ اَلمَرْزُبَانِ(٧٥)، عَنِ اِبْنِ سِنَانٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) - مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْدَمَ اَلْعِرَاقَ بِسَنَةٍ - وَعَلِيٌّ اِبْنُهُ جَالِسٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ وَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، [أَمَا إِنَّهُ](٧٦) سَيَكُونُ فِي هَذِهِ اَلسَّنَةِ حَرَكَةٌ فَلَا تَجْزَعْ لِذَلِكَ».
قَالَ: قُلْتُ: وَمَا يَكُونُ جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكَ؟ فَقَدْ أَقْلَقْتَنِي(٧٧).
قَالَ: «أُصَيَّرُ إِلَى هَذِهِ اَلطَّاغِيَةِ، أَمَا إِنَّهُ لَا يَبْدَأُنِي مِنْهُ سُوءٌ وَمِنَ اَلَّذِي يَكُونُ بَعْدَهُ».
قَالَ: قُلْتُ: وَمَا يَكُونُ جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكَ(٧٨)؟
قَالَ: «يُضِلُّ اَللهُ اَلظَّالِمِينَ، وَيَفْعَلُ اَللهُ مَا يَشَاءُ».
قَالَ: قُلْتُ: وَمَا ذَلِكَ، جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكَ؟
قَالَ: «مَنْ ظَلَمَ اِبْنِي هَذَا حَقَّهُ وَجَحَدَهُ إِمَامَتَهُ مِنْ بَعْدِي كَانَ كَمَنْ ظَلَمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) إِمَامَتَهُ وَجَحَدَهُ حَقَّهُ(٧٩) بَعْدَ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
قَالَ: قُلْتُ: وَاَلله لَئِنْ مَدَّ اَللهُ لِي فِي اَلْعُمُرِ لَأُسَلِّمَنَّ لَهُ حَقَّهُ وَلَأُقِرَّنَّ بِإِمَامَتِهِ.
قَالَ: «صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ، يَمُدُّ اَللهُ فِي عُمُرِكَ وَتُسَلِّمُ لَهُ حَقَّهُ (عليه السلام)، وَتُقِرُّ لَهُ بِإِمَامَتِهِ وَإِمَامَةِ مَنْ يَكُونُ بَعْدَهُ».
قَالَ: قُلْتُ: وَمَنْ ذَاكَ؟
قَالَ: «اِبْنُهُ مُحَمَّدٌ».
قَالَ: قُلْتُ لَهُ: اَلرِّضَا وَاَلتَّسْلِيمُ(٨٠)،(٨١).
٩ - عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبَّادٍ اَلْقَصْرِيِّ(٨٢) جَمِيعاً، عَنْ دَاوُدَ اَلرَّقِّيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام): جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي قَدْ كَبِرَ(٨٣) سِنِّي فَخُذْ بِيَدِي (وَأَنْقِذْنِي)(٨٤) مِنَ اَلنَّارِ، (مَنْ صَاحِبُنَا بَعْدَكَ)(٨٥)؟
فَأَشَارَ إِلَى اِبْنِهِ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، فَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي»(٨٦)،(٨٧).
١٠ - عَنْهُ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ اِبْنِ عَبْدِ اَلله(٨٨)، عَنِ اَلْحَسَنِ، عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ(٨٩)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي اَلْحَسَنِ اَلْأَوَّلِ (عليه السلام): أَلَا تَدُلُّنِي عَلَى(٩٠) مَنْ آخُذُ مِنْهُ دِينِي؟
فَقَالَ: «هَذَا اِبْنِي عَلِيٌّ، إِنَّ أَبِي أَخَذَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَقَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنَّ اَللهَ قَالَ: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠]، وَإِنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) إِذَا قَالَ قَوْلاً وَفَى بِهِ»(٩١)،(٩٢).
١١ - عَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى(٩٣)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ اَلْحَسَنِ اِبْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ نُعَيْمٍ اَلصَّحَّافِ(٩٤)، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَهِشَامُ بْنُ اَلْحَكَمِ وَعَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ(٩٥) بِبَغْدَادَ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ: كُنْتُ عِنْدَ اَلْعَبْدِ اَلصَّالِحِ (عليه السلام) [جَالِساً فَدَخَلَ عَلَيْهِ اِبْنُهُ عَلِيٌّ](٩٦)، فَقَالَ لِي: «يَا عَلِيَّ بْنِ يَقْطِينٍ، هَذَا عَلِيٌّ سَيِّدُ وُلْدِي، أَمَا إِنِّي [قَدْ] نَحَلْتُهُ كُنْيَتِي».
فَضَرَبَ هِشَامٌ بِرَاحَتِهِ(٩٧) جَبْهَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ كَيْفَ قُلْتَ؟
فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ: سَمِعْتُهُ وَاَلله مِنْهُ كَمَا قُلْتُ.
فَقَالَ هِشَامٌ: إِنَّ اَلْأَمْرَ (وَاَلله)(٩٨) فِيهِ مِنْ بَعْدِهِ(٩٩)،(١٠٠).
١٢ - عَنْهُ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ(١٠١)، عَنْ نُعَيْمٍ اَلْقَابُوسِيِّ(١٠٢)، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) [أَنَّهُ](١٠٣) قَالَ: «اِبْنِي عَلِيٌّ(١٠٤) أَكْبَرُ وُلْدِي وَآثَرُهُمْ(١٠٥) عِنْدِي وَأَحَبُّهُمْ إِلَيَّ، وَهُوَ يَنْظُرُ مَعِي فِي اَلْجَفْرِ، وَلَمْ يَنْظُرْ فِيهِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ»(١٠٦)،(١٠٧).
١٣ - عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَعَلِيِّ بْنِ اَلْحَكَمِ جَمِيعاً، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ اَلمُخْتَارِ(١٠٨)، قَالَ: خَرَجَتْ إِلَيْنَا أَلْوَاحٌ مِنْ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) - وَهُوَ فِي اَلْحَبْسِ -: «عَهْدِي إِلَى أَكْبَرِ وُلْدِي أَنْ يَفْعَلَ كَذَا وَأَنْ يَفْعَلَ كَذَا، وَفُلَانٌ لَا تُنِلْهُ شَيْئاً حَتَّى أَلْقَاكَ أَوْ يَقْضِيَ اَللهُ عَلَيَّ اَلمَوْتَ»(١٠٩)،(١١٠).
١٤ - عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ اَلْقَنْدِيِّ - [وَكَانَ مِنَ اَلْوَاقِفَةِ](١١١) -، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) وَعِنْدَهُ أَبُو اَلْحَسَنِ اِبْنُهُ، فَقَالَ لِي: «يَا زِيَادُ، هَذَا اِبْنِي عَلِيٌّ، إِنَّ(١١٢) كِتَابَهُ كِتَابِي، وَكَلَامَهُ كَلَامِي، وَرَسُولَهُ رَسُولِي، وَمَا قَالَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ»(١١٣)،(١١٤).
١٥ - عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَضْلِ، عَنِ اَلمَخْزُومِيِّ(١١٥) - وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ وُلْدِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -، قَالَ: بَعَثَ إِلَيْنَا أَبُو اَلْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) فَجَمَعَنَا، ثُمَّ قَالَ [لَنَا](١١٦): «أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ(١١٧)؟».
فَقُلْنَا: لَا.
قَالَ: «اِشْهَدُوا أَنَّ اِبْنِي هَذَا وَصِيِّي، وَاَلْقَيِّمُ بِأَمْرِي، وَخَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي، مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدِي دَيْنٌ فَلْيَأْخُذْهُ مِنِ اِبْنِي هَذَا، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدِي عِدَةٌ فَلْيَتَنَجَّزْهَا مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ لِقَائِي فَلَا يَلْقَنِي إِلَّا بِكِتَابِهِ»(١١٨)،(١١٩).
١٦ - عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ اَلْخَزَّازِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ(١٢٠)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام): إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ وَلَا أَلْقَاكَ، فَأَخْبِرْنِي عَنِ اَلْإِمَامِ بَعْدَكَ.
فَقَالَ: «اِبْنِي فُلَانٌ» يَعْنِي أَبَا اَلْحَسَنِ (عليه السلام)(١٢١)،(١٢٢).
١٧ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنِ اِبْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي اَلْجَهْمِ(١٢٣)، عَنْ نَصْرِ بْنِ قَابُوسَ(١٢٤)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام): إِنِّي سَأَلْتُ أَبَاكَ (عليه السلام): مَنِ اَلَّذِي يَكُونُ بَعْدَكَ؟ فَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ أَنْتَ هُوَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام) ذَهَبَ اَلنَّاسُ يَمِيناً وَشِمَالاً(١٢٥) وَقُلْتُ بِكَ أَنَا وَأَصْحَابِي، فَأَخْبِرْنِي مَنِ اَلَّذِي يَكُونُ مِنْ بَعْدِكَ مِنْ وُلْدِكَ؟
قَالَ: «اِبْنِي فُلَانٌ»(١٢٦).
١٨ - عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ اَلضَّحَّاكِ بْنِ اَلْأَشْعَثِ(١٢٧)، عَنْ دَاوُدَ بْنِ زُرْبِيٍّ(١٢٨)، قَالَ: جِئْتُ إِلَى أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) بِمَالٍ، (قَالَ)(١٢٩): فَأَخَذَ بَعْضَهُ وَتَرَكَ بَعْضَهُ، فَقُلْتُ: أَصْلَحَكَ اَللهُ لِأَيِّ شَيْءٍ تَرَكْتَهُ عِنْدِي.
فَقَالَ: «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ يَطْلُبُهُ مِنْكَ»، فَلَمَّا جَاءَ نَعْيُهُ(١٣٠) بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) فَسَأَلَنِي ذَلِكَ اَلمَالَ، فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ(١٣١).
١٩ - عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحَكَمِ(١٣٢)، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(١٣٣)، عَنْ يَزِيدَ اِبْنِ سَلِيطٍ(١٣٤) فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ فِي اَلسَّنَةِ اَلَّتِي قُبِضَ (عليه السلام) فِيهَا: «إِنِّي أُوخَذُ فِي هَذِهِ اَلسَّنَةِ، وَاَلْأَمْرُ [هُوَ](١٣٥) إِلَى اِبْنِي عَلِيٍّ، سَمِيِّ عَلِيٍّ، فَأَمَّا عَلِيٌّ اَلْأَوَّلُ فَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا (عَلِيٌّ)(١٣٦) اَلْآخَرُ فَعَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام)، أُعْطِيَ فَهْمَ اَلْأَوَّلِ وَحِلْمَهُ وَنَصْرَهُ وَوُدَّهُ وَذِمَّتَهُ [وَمِحْنَتَهُ](١٣٧) وَمِحْنَةَ اَلْآخَرِ، وَصَبْرَهُ عَلَى مَا يَكْرَهُ...» تَمَامَ اَلْخَبَرِ(١٣٨)،(١٣٩).
٢٠ - وَرَوَى أَبُو اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيُّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَلله، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ وَاَلْحَسَنُ بْنُ مُوسَى اَلْخَشَّابُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْحَسَنِ - فِي حَدِيثٍ لَهُ -، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام): أَسْأَلُكَ؟
فَقَالَ: «سَلْ إِمَامَكَ».
فَقُلْتُ: مَنْ تَعْنِي فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ إِمَاماً غَيْرَكَ؟
قَالَ: «هُوَ عَلِيٌّ اِبْنِي قَدْ نَحَلْتُهُ كُنْيَتِي».
قُلْتُ: سَيِّدِي أَنْقِذْنِي مِنَ اَلنَّارِ، فَإِنَّ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) قَالَ: إِنَّكَ أَنْتَ اَلْقَائِمُ بِهَذَا اَلْأَمْرِ.
قَالَ: «أَوَلَمْ أَكُنْ قَائِماً؟»، ثُمَّ قَالَ: «يَا حَسَنُ، مَا مِنْ إِمَامٍ يَكُونُ قَائِماً فِي أُمَّةٍ إِلَّا وَهُوَ قَائِمُهُمْ، فَإِذَا مَضَى عَنْهُمْ فَالَّذِي يَلِيهِ هُوَ اَلْقَائِمُ وَاَلْحُجَّةُ حَتَّى يَغِيبَ عَنْهُمْ، فَكُلُّنَا قَائِمٌ، فَاصْرِفْ جَمِيعَ مَا كُنْتَ تُعَامِلُنِي بِهِ إِلَى اِبْنِي عَلِيٍّ، [وَاَلله](١٤٠) وَاَلله مَا أَنَا فَعَلْتُ ذَاكَ بِهِ، بَلِ اَللهُ فَعَلَ بِهِ ذَاكَ حُبًّا».
٢١ - وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ(١٤١)، عَنِ اَلْفَضْلِ اِبْنِ شَاذَانَ اَلنَّيْشَابُورِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى وَعُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)، فَقَالَ لِي: «إِنَّ جَعْفَراً (عليه السلام) كَانَ يَقُولُ: سَعِدَ اِمْرُؤٌ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَرَى خَلَفَهُ مِنْ نَفْسِهِ»، ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى اِبْنِهِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: «هَذَا، وَقَدْ أَرَانِيَ اَللهُ خَلَفِي مِنْ نَفْسِي»(١٤٢).
٢٢ - عَنْهُ(١٤٣)، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَلله، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ اِبْنِ اَلْحَكَمِ وَعَلِيِّ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ نَافِعٍ(١٤٤)، عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ، قَالَ: قَالَ لِي هَارُونُ بْنُ سَعْدٍ اَلْعِجْلِيُّ(١٤٥): قَدْ مَاتَ إِسْمَاعِيلُ اَلَّذِي كُنْتُمْ تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْنَاقَكُمْ، وَجَعْفَرٌ شَيْخٌ كَبِيرٌ يَمُوتُ غَداً أَوْ بَعْدَ غَدٍ، فَتَبْقَوْنَ بِلَا إِمَامٍ، فَلَمْ أَدْرِ مَا أَقُولُ، فَأَخْبَرْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) بِمَقَالَتِهِ، فَقَالَ: «هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، أَبَى اَللهُ - وَاَلله - أَنْ يَنْقَطِعَ هَذَا اَلْأَمْرُ حَتَّى يَنْقَطِعَ اَللَّيْلُ وَاَلنَّهَارُ، فَإِذَا رَأَيْتَهُ فَقُلْ لَهُ: هَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ يَكْبَرُ وَنُزَوِّجُهُ وَيُولَدُ لَهُ فَيَكُونُ خَلَفاً إِنْ شَاءَ اَللهُ تَعَالَى»(١٤٦).
٢٣ - وَفِي خَبَرٍ آخَرَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: «يَظْهَرُ صَاحِبُنَا وَهُوَ مِنْ صُلْبِ هَذَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) -، فَيَمْلَأُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، وَتَصْفُو لَهُ اَلدُّنْيَا».
٢٤ - وَرَوَى أَيُّوبُ بْنُ نُوحٍ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ أَخِي مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) - كَانَ وَاَلله حُجَّةَ اَلله فِي اَلْأَرْضِ بَعْدَ أَبِي (صَلَوَاتُ اَللهُ عَلَيْهِ) - إِذْ طَلَعَ اِبْنُهُ عَلِيٌّ، فَقَالَ لِي: «يَا عَلِيُّ، هَذَا صَاحِبُكَ، وَهُوَ مِنِّي بِمَنْزِلَتِي مِنْ أَبِي، فَثَبَّتَكَ اَللهُ عَلَى دِينِهِ».
فَبَكَيْتُ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: نَعَى وَاَلله إِلَيَّ نَفْسَهُ.
فَقَالَ: «يَا عَلِيُّ، لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَمْضِيَ مَقَادِيرُ اَلله فِيَّ، وَلِي بِرَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أُسْوَةٌ، وَبِأَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ وَفَاطِمَةَ وَاَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ (عليهم السلام)».
وَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَهُ هَارُونُ اَلرَّشِيدُ فِي اَلمَرَّةِ اَلثَّانِيَةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ... تَمَامَ اَلْخَبَرِ.
والأخبار في هذا المعنى أكثر من أنْ تُحصى، وهي موجودة في كُتُب الإماميَّة معروفة ومشهورة مَنْ أرادها وقف عليها من هناك، وفي هذا القدر هاهنا كفاية إنْ شاء الله تعالى.
فإنْ قيل: كيف تُعوِّلون على هذه الأخبار وتدَّعون العلم بموته، والواقفة تروي أخباراً كثيرة تتضمَّن أنَّه لم يمت، وأنَّه القائم المشار إليه، موجودة في كُتُبهم وكُتُب أصحابكم، فكيف تجمعون بينها؟ وكيف تدَّعون العلم بموته مع ذلك؟
قلنا: لم نذكر هذه [الأخبار] إلَّا على جهة الاستظهار والتبرُّع، لا لأنَّا احتجنا إليها في العلم بموته، لأنَّ العلم بموته حاصل لا يُشَكُّ فيه كالعلم بموت آبائه (عليهم السلام)، والمشكِّك في موته كالمشكِّك في موتهم وموت كلِّ من علمنا بموته.
وإنَّما استظهرنا بإيراد هذه الأخبار تأكيداً لهذا العلم، كما نروي أخباراً كثيرة فيما نعلم بالعقل والشرع وظاهر القرآن والإجماع وغير ذلك، فنذكر في ذلك أخباراً على وجه التأكيد.
[أخبار استُدِلَّ بها على أنَّ الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) هو القائم، وأنَّه حيٌّ لم يمت، والجواب عنها]:
فأمَّا ما ترويه الواقفة فكلُّها أخبار آحاد لا يعضدها حجَّة، ولا يمكن ادِّعاء العلم بصحِّتها، ومع هذا فالرواة لها مطعون عليهم، لا يُوثَق بقولهم ورواياتهم، وبعد هذا كلِّه فهي متأوَّلة.
ونحن نذكر جُمَلاً ممَّا رووه ونُبيِّن القول فيها، فمن ذلك أخبار ذكرها أبو محمّد عليُّ بن أحمد العلوي الموسوي في كتابه (في نصرة الواقفة).
٢٥ - قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ(١٤٧)، قَالَ: حَدَّثَنِي اَلْحَسَنُ بْنُ سَمَاعَةَ(١٤٨)، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ اَلْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «لَا يَنْسِجُنِي وَاَلْقَائِمَ أَبٌ».
فهذا أوَّلاً خبر واحد لا يُدفَع المعلوم لأجله، ولا يُرجَع إلى مثله، وليس يخلو أنْ يكون المراد به أنَّه ليس بيني وبين القائم أب، أو أراد لا يلدني وإيَّاه أب، فإنْ أراد الأوَّل فليس فيه تصريح بأنَّ موسى هو القائم، ولِمَ لا يجوز أنْ يكون المراد غيره كما قالت الفطحيَّة: إنَّ الإمام بعد أبي عبد الله (عليه السلام) عبد الله الأفطح ابنه؟ وإذا احتُمِلَ ذلك سقط الاحتجاج به.
على أنَّا قد بيَّنَّا أنَّ كلَّ إمام يقوم بعد الأوَّل يُسمَّى قائماً، فعلى هذا يُسمَّى موسى قائماً ولا يجيء منه ما قالوه.
على أنَّه لا يمتنع أنْ يكون أراد ردًّا على الإسماعيليَّة الذين ذهبوا إلى إمامة محمّد بن إسماعيل بعد أبي عبد الله (عليه السلام) فإنَّ إسماعيل مات في حياته، فأراد: الذي يقوم مقامي ليس بيني وبينه أب بخلاف ما قالوه.
وإنْ أراد أنَّه لم يلده وإيَّاه أب نفياً للإمامة عن إخوته، فإنَّا نقول بذلك، مع أنَّه ليس ذلك قولاً لأحد.
٢٦ - قَالَ اَلمُوسَوِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ خَلَفٍ اَلْأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلله بْنُ وَضَّاحٍ(١٤٩)، عَنْ يَزِيدَ اَلصَّائِغِ(١٥٠)، قَالَ: لَـمَّا وُلِدَ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام) عَمِلْتُ لَهُ أَوْضَاحاً(١٥١) وَأَهْدَيْتُهَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا أَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) بِهَا قَالَ لِي: «يَا يَزِيدُ، أَهْدَيْتَهَا وَاَلله لِقَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
فهو مع كونه خبراً واحداً رجاله غير معروفين، ولو سُلِّم لكان الوجه فيه ما قلناه من أنَّه القائم من بعده بلا فصل على ما مضى القول فيه.
٢٧ - قَالَ اَلمُوسَوِيُّ: وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ اَلْحَسَنِ اَلْمِيثَمِيُّ(١٥٢)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلمَدَائِنِيِّ(١٥٣)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اَللهَ اِسْتَنْقَذَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ فِرْعَوْنِهَا بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَإِنَّ اَللهَ مُسْتَنْقِذٌ هَذِهِ اَلْأُمَّةَ مِنْ فِرْعَوْنِهَا بِسَمِيِّهِ».
فالوجه فيه أيضاً - مع أنَّه خبر واحد - أنَّ الله استنقذهم بأنْ دلَّهم على إمامته والإبانة عن حقِّه بخلاف ما ذهبت إليه الواقفة.
٢٨ - قَالَ: وَحَدَّثَنِي حَنَانُ بْنُ سَدِيرٍ، قَالَ: كَانَ أَبِي جَالِساً وَعِنْدَهُ عَبْدُ اَلله بْنُ سُلَيْمَانَ اَلصَّيْرَفِيُّ(١٥٤) وَأَبُو اَلمَرَاهِفِ وَسَالِمٌ اَلْأَشَلُّ(١٥٥)، فَقَالَ عَبْدُ اَلله بْنُ سُلَيْمَانَ لِأَبِي: يَا أَبَا اَلْفَضْلِ، أَعَلِمْتَ أَنَّهُ وُلِدَ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) غُلَامٌ فَسَمَّاهُ فُلَاناً؟ - يُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ -.
فَقَالَ سَالِمٌ: إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ؟
فَقَالَ عَبْدُ اَلله: نَعَمْ.
فَقَالَ سَالِمٌ: وَاَلله لَأَنْ يَكُونَ حَقًّا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِي بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ وَإِنِّي مُحْتَاجٌ إِلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَعُودُ بِهَا عَلَى نَفْسِي وَعِيَالِي.
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اَلله بْنُ سُلَيْمَانَ: وَلِمَ ذَاكَ؟
قَالَ: بَلَغَنِي فِي اَلْحَدِيثِ أَنَّ اَللهَ عَرَضَ سِيرَةَ قَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، فَقَالَ: اَللَّهُمَّ اِجْعَلْهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ لَهُ: لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، فَقَالَ: اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ، فَقِيلَ لَهُ: لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، فَقَالَ: اَللَّهُمَّ اِجْعَلْهُ سَمِيِّي، فَقِيلَ لَهُ: أُعطِيتَ ذَلِكَ.
فلا أدري ما الشبهة في هذا الخبر، لأنَّه لم يسنده إلى إمام وقال: بلغني في الحديث كذا، وليس كلُّ ما يبلغه يكون صحيحاً.
وقد قلنا: إنَّ من يقوم بعد الإمام الأوَّل يُسمَّى قائماً، أو يلزمه من السيرة مثل سيرة الأوَّل سواء، فسقط القول به.
٢٩ - قَالَ: وَرَوَى زَيْدٌ اَلشَّحَّامُ وَغَيْرُهُ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِماً يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اَللهَ تَعَالَى عَرَضَ سِيرَةَ قَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ...» وَذَكَرَ اَلْحَدِيثَ.
وقد تكلَّمنا عليه مع تسليمه(١٥٦).
٣٠ - قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَحْرُ بْنُ زِيَادٍ اَلطَّحَّانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّهُمْ يَرْوُونَ أَنَّ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَالَ بِالْكُوفَةِ عَلَى اَلْمِنْبَرِ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اَللهُ ذَلِكَ اَلْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ اَللهُ رَجُلاً مِنِّي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً».
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «نَعَمْ».
قَالَ: فَأَنْتَ هُوَ؟
فَقَالَ: «لَا، ذَاكَ سَمِيُّ فَالِقِ اَلْبَحْرِ».
فالوجه فيه - بعد كونه خبراً واحداً - أنَّ لسميِّ فالق البحر أنْ يقوم بالأمر ويملأها قسطاً وعدلاً إنْ مُكِّن من ذلك، وإنَّما نفاه عن نفسه تقيَّةً من سلطان الوقت لا نفي استحقاقه للإمامة.
٣١ - قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ اَلصَّيْرَفِيُّ(١٥٧)، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سُلَيْمَانَ(١٥٨)، عَنْ ضُرَيْسٍ اَلْكُنَاسِيِّ(١٥٩)، عَنْ أَبِي خَالِدٍ اَلْكَابُلِيِّ(١٦٠)، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) وَهُوَ يَقُولُ: «إِنَّ قَارُونَ كَانَ يَلْبَسُ اَلثِّيَابَ اَلْحُمْرَ، وَإِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يَلْبَسُ اَلسُّودَ وَيُرْخِي اَلشُّعُورَ، فَبَعَثَ اَللهُ عَلَيْهِمْ مُوسَى (عليه السلام)، وَإِنَّ بَنِي فُلَانٍ لَبِسُوا(١٦١) اَلسَّوَادَ وَأَرْخَوُا اَلشُّعُورَ، وَإِنَّ اَللهَ تَعَالَى مُهْلِكُهُمْ بِسَمِيِّهِ».
٣٢ - قَالَ: وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، قَالَ: تَذَاكَرْنَا عِنْدَهُ اَلْقَائِمَ، فَقَالَ: «اِسْمُهُ اِسْمٌ لِحَدِيدَةِ اَلْحَلَّاقِ».
فالوجه فيه - بعد كونه خبراً واحداً - ما قدَّمناه من أنَّ موسى هو المستحقُّ للقيام للأمر بعد أبيه.
ويحتمل أيضاً أنْ يريد أنَّ الذي يفعل ما تضمَّنه الخبر والذي له العدل(١٦٢) والقيام بالأمر يتمكَّن منه من ولد موسى، ردًّا على الذين قالوا ذلك في ولد إسماعيل وغيره، فأضافه إلى موسى (عليه السلام) لما كان ذلك في ولده، كما يقال: الإمامة في قريش، ويُراد بذلك في أولاد قريش وأولاد أولاد من يُنسَب إليه.
٣٣ - قَالَ: وَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ سَمَاعَةَ(١٦٣)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ اَلْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «اِبْنِي هَذَا - يَعْنِي أَبَا اَلْحَسَنِ (عليه السلام) - هُوَ اَلْقَائِمُ، وَهُوَ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَهُوَ اَلَّذِي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً».
فالوجه فيه أيضاً ما قدَّمناه في غيره.
٣٤ - قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اَلله بْنُ سَلَامٍ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «مِنَ اَلمَحْتُومِ أَنَّ اِبْنِي هَذَا قَائِمُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ، وَصَاحِبُ اَلسَّيْفِ» وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام).
فالوجه فيه أيضاً ما قدَّمنا[ه](١٦٤) في غيره سواء من أنَّ له ذلك استحقاقاً، أو يكون من ولده من يقوم بذلك فعلاً.
٣٥ - قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ رِزْقِ اَلله، عَنْ أَبِي اَلْوَلِيدِ اَلطَّرَائِفِيِّ، قَالَ: كُنْتُ لَيْلَةً عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) إِذْ نَادَى غُلَامَهُ، فَقَالَ: «اِنْطَلِقْ فَادْعُ لِي سَيِّدَ وُلْدِي».
فَقَالَ لَهُ اَلْغُلَامُ: مَنْ هُوَ؟
فَقَالَ: «فُلَانٌ» يَعْنِي أَبَا اَلْحَسَنِ (عليه السلام).
[قَالَ]: فَلَمْ أَلْبَثْ حَتَّى جَاءَ بِقَمِيصٍ بِغَيْرِ رِدَاءٍ...، إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى عَضُدِي وَقَالَ: «يَا أَبَا اَلْوَلِيدِ، كَأَنِّي بِالرَّايَةِ اَلسَّوْدَاءِ صَاحِبَةِ اَلرُّقْعَةِ اَلْخَضْرَاءِ تَخْفِقُ فَوْقَ رَأْسِ هَذَا اَلْجَالِسِ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ يَهُدُّونَ جِبَالَ اَلْحَدِيدِ هَدًّا، لَا يَأْتُونَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا هَدُّوهُ».
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، هَذَا؟
قَالَ: «نَعَمْ، هَذَا يَا أَبَا اَلْوَلِيدِ يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَعُدْوَاناً، يَسِيرُ فِي أَهْلِ اَلْقِبْلَةِ بِسِيرَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، يَقْتُلُ أَعْدَاءَ اَلله حَتَّى يَرْضَى اَللهُ».
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، هَذَا؟
قَالَ: «هَذَا»، ثُمَّ قَالَ: «فَاتَّبِعْهُ وَأَطِعْهُ وَصَدِّقْهُ وَأَعْطِهِ اَلرِّضَا مِنْ نَفْسِكَ فَإِنَّكَ سَتُدْرِكُهُ إِنْ شَاءَ اَللهُ».
فالوجه فيه أيضاً أنْ يكون قوله: «كأنِّي بالراية على رأس هذا» أي على رأس من يكون من ولد هذا، بخلاف ما يقول الإسماعيليَّة وغيرهم من أصناف المِلَل الذين يزعمون أنَّ المهدي منهم، فأضافه إليه مجازاً على ما مضى ذكر نظائره، ويكون أمره بطاعته وتصديقه وأنَّه يُدرك حال إمامته.
٣٦ - قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اَلله بْنُ جَمِيلٍ(١٦٥)، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ اَلْقَمَّاطِ(١٦٦)، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اَلله بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: أَنْشَدْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) هَذِهِ اَلْقَصِيدَةَ:

فَإِنْ تَكُ أَنْتَ اَلمُرْتَجَى لِلَّذِي نَرَى * * * فَتِلْكَ اَلَّتِي مِنْ ذِي اَلْعُلَى فِيكَ نَطْلُبُ

فَقَالَ: «لَيْسَ أَنَا صَاحِبَ هَذِهِ اَلصِّفَةِ، وَلَكِنْ هَذَا صَاحِبُهَا» وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام).
فالوجه فيه أيضاً ما قلنا[ه] في الخبر الأوَّل من أنَّ صاحب هذا من ولده دون غيره ممَّن يُدَّعى له ذلك.
٣٧ - قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اَلله لِذَاذٌ(١٦٧)، عَنْ صَارِمِ بْنِ عُلْوَانَ اَلْجَوْخِيِّ(١٦٨)، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَاَلمُفَضَّلُ وَيُونُسُ بْنُ ظَبْيَانَ وَاَلْفَيْضُ بْنُ اَلمُخْتَارِ وَاَلْقَاسِمُ(١٦٩) - شَرِيكُ اَلمُفَضَّلِ - عَلَى أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) وَعِنْدَهُ إِسْمَاعِيلُ اِبْنُهُ، فَقَالَ اَلْفَيْضُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، نَتَقَبَّلُ مِنْ هَؤُلَاءِ اَلضِّيَاعَ فَنُقَبِّلُهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا نَتَقَبَّلُهَا.
فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ».
فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ اِبْنُهُ: لَمْ تَفْهَمْ، يَا أَبَهْ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «أَنَا لَمْ أَفْهَمْ؟ أَقُولُ لَكَ: اِلْزَمْنِي، فَلَا تَفْعَلُ».
فَقَامَ إِسْمَاعِيلُ مُغْضَباً، فَقَالَ اَلْفَيْضُ: إِنَّا نَرَى أَنَّهُ صَاحِبُ هَذَا اَلْأَمْرِ مِنْ بَعْدِكَ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «لَا وَاَلله مَا هُوَ كَذَلِكَ»، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا أَلْزَمُ لِي مِنْ ذَلِكَ» وَأَشَارَ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) وَهُوَ نَائِمٌ، فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، فَنَامَ عَلَى صَدْرِهِ، فَلَمَّا اِنْتَبَهَ أَخَذَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام) بِسَاعِدِهِ ثُمَّ قَالَ: «هَذَا وَاَلله اِبْنِي حَقًّا، هُوَ وَاَلله يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً».
فَقَالَ لَهُ قَاسِمٌ اَلثَّانِيَةَ: هَذَا، جُعِلْتُ فِدَاكَ؟
قَالَ: «إِي وَاَلله اِبْنِي هَذَا لَا يَخْرُجُ مِنَ اَلدُّنْيَا حَتَّى يَمْلَأَ اَللهُ اَلْأَرْضَ بِهِ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»، ثَلَاثَ أَيْمَانٍ يَحْلِفُ بِهَا.
فالوجه فيه أيضاً ما قلناه من أنَّ الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً يكون من ولده دون ولد إسماعيل على ما ذهب إليه قوم، فلذلك قرنه بالأيمان علماً منه بأنَّ قوماً يعتقدون في ولد إسماعيل هذا، فنفاه وقرنه بالأيمان لتزول الشبهة والشكُّ والريبة.
٣٨ - قَالَ: وَحَدَّثَنِي حَنَانُ بْنُ سَدِيرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ اَلْبَزَّازِ(١٧٠)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ يَلِي اَلْوَصِيَّةَ وَهُوَ اِبْنُ عِشْرِينَ سَنَةً».
فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: فَوَاَلله مَا وَلِيَهَا أَحَدٌ قَطُّ كَانَ أَحْدَثَ مِنْهُ، وَإِنَّهُ لَفِي اَلسِّنِّ اَلَّذِي قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام).
فليس في هذا الخبر تصريح مَن الذي يقوم بهذا الأمر، وإنَّما قال: يكون ابن عشرين سنة، وحمله الراوي على ما أراد، وقول الراوي ليس بحجَّة، ولو حمل غيره على غيره لكان [قد](١٧١) ساواه في التأويل، فبطل التعلُّق به.
٣٩ - قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْحَذَّاءِ(١٧٢) وَغَيْرِهِ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ زُرْبِيٍّ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ اَلْعَبْدُ اَلصَّالِحُ (عليه السلام) - وَهُوَ فِي اَلْحَبْسِ -، فَقَالَ: «اِئْتِ هَذَا اَلرَّجُلَ - يَعْنِي يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ -، فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ أَبُو فُلَانٍ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ أَخْرَجْتَنِي مِنْ بِلَادِي وَفَرَّقْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ عِيَالِي».
فَأَتَيْتُهُ وَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: زُبَيْدَةُ طَالِقٌ، وَعَلَيْهِ أَغْلَظُ اَلْأَيْمَانِ، لَوَدِدْتُ أَنَّهُ غَرِمَ اَلسَّاعَةَ أَلْفَيْ أَلْفٍ، وَأَنْتَ خَرَجْتَ.
فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَأَبْلَغْتُهُ، فَقَالَ: «اِرْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ: وَاَلله لَتُخْرِجَنِّي أَوْ لَأَخْرُجَنَّ».
فلا أدري أيَّ تعلُّق في هذا الخبر ودلالة على أنَّه القائم بالأمر؟ وإنَّما فيه إخبار بأنَّه إنْ لم يُخرجه ليخرجنَّ - يعني من الحبس -، ومع ذلك فقد قرنه باليمين أنَّه إنْ لم يفعل به ليفعلنَّ، وكلاهما لم يوجد، فإذا لم يُخرجه يحيى كان ينبغي أنْ يخرج وإلَّا حنث في يمينه، وذلك لا يجوز عليه.
٤٠ - قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَنْصُورٍ اَلزُّبَالِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخاً بِأَذْرِعَاتٍ - قَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ -، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا (عليه السلام) يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِ اَلْكُوفَةِ: «كَأَنِّي بِابْنِ حَمِيدَةَ قَدْ مَلَأَهَا عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً».
فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَهُوَ مِنْكَ، أَوْ مِنْ غَيْرِكَ؟
فَقَالَ: «لَا، بَلْ هُوَ رَجُلٌ مِنِّي».
فالوجه فيه أنَّ صاحب (هذا)(١٧٣) الأمر يكون من ولد حميدة وهي أُمُّ موسى بن جعفر (عليه السلام)، كما يقال: يكون من ولد فاطمة (عليها السلام)، وليس فيه أنَّه يكون منها لصلبها دون نسلها، كما لا يكون كذلك إذا نُسِبَ إلى فاطمة (عليها السلام)، وكما لا يلزم (أنْ يكون) ولده لصلبه وإنْ قال: إنَّه يكون منِّي، بل يكفي أنْ يكون من نسله.
٤١ - قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ اَلْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ اَلْعَلَوِيُّ(١٧٤)، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) فَسَأَلْتُهُ عَنْ صَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ.
قَالَ: «صَاحِبُ اَلْبَهْمَةِ» وَأَبُو اَلْحَسَنِ فِي نَاحِيَةِ اَلدَّارِ وَمَعَهُ عَنَاقٌ مَكِّيَّةٌ وَيَقُولُ لَهَا: «اُسْجُدِي لِلهِ اَلَّذِي خَلَقَكِ».
ثُمَّ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ اَلَّذِي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً».
فأوَّل ما فيه أنَّه سأله عن مستحقِّ (هذا) الأمر بعده، فقال: «صاحب البهمة»، وهذا نصٌّ عليه بالإمامة.
وقوله: «أمَا إنَّه يملأها قسطاً وعدلاً (كما مُلِئَت ظلماً وجوراً)» لا يمتنع أنْ يكون المراد أنَّ من ولده من يملأها قسطاً وعدلاً، وإذا احتُمِلَ ذلك سقطت المعارضة.
٤٢ - قَالَ: وَحَدَّثَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) وَذَكَرَ اَلْبِدَاءَ للهِ، فَقَالَ(١٧٥): «فَمَا أَخْرَجَ اَللهُ إِلَى اَلمَلَائِكَةِ، وَأَخْرَجَهُ اَلمَلَائِكَةُ إِلَى اَلرُّسُلِ، فَأَخْرَجَهُ اَلرُّسُلُ إِلَى اَلْآدَمِيِّينَ، فَلَيْسَ فِيهِ بِدَاءٌ، وَإِنَّ مِنَ اَلمَحْتُومِ أَنَّ اِبْنِي هَذَا هُوَ اَلْقَائِمُ».
فما يتضمَّن هذا الخبر من ذكر البداء معناه الظهور على ما بيَّنَّاه في غير موضع.
وقوله: «إنَّ المحتوم أنَّ ابنه هو القائم» معناه القائم بعده في موضع الإمامة والاستحقاق لها دون القيام بالسيف على ما مضى القول فيه.
٤٣ - قَالَ: وَرَوَى بَقْبَاقَةُ - أَخُو بَنِينَ اَلصَّيْرَفِيِّ -، قَالَ: حَدَّثَنِي اَلْإِصْطَخْرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «كَأَنِّي بِابْنِ حَمِيدَةَ عَلَى أَعْوَادِهَا قَدْ دَانَتْ لَهُ شَرْقُ اَلْأَرْضِ وَغَرْبُهَا».
فالوجه فيه أيضاً أنَّه يكون من نسلها على ما مضى القول فيه.
٤٤ - قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَطَاءٍ ضِرْغَامَةُ، عَنْ خَلَّادٍ اَللُّؤْلُؤِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ اَلمَكِّيُّ(١٧٦)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) - وَكَانَتْ لَهُ مَنْزِلَةٌ مِنْهُ -، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «يَا سَعِيدُ، [اَلْأَئِمَّةُ](١٧٧) اِثْنَا عَشَرَ إِذَا مَضَى سِتَّةٌ فَتَحَ اَللهُ عَلَى اَلسَّابِعِ، وَيَمْلِكُ مِنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ خَمْسَةٌ، وَتَطْلُعُ اَلشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا عَلَى يَدِ اَلسَّادِسِ».
فهذا الخبر فيه تصريح بأنَّ الأئمَّة اثنا عشر، وما قال بعد ذلك من التفصيل يكون قول الراوي على ما يذهب إليه الإسماعيليَّة.
٤٥ - قَالَ: وَحَدَّثَنِي حَنَانُ بْنُ سَدِيرٍ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ اَلْأَبْرَصِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «عَلَى رَأْسِ اَلسَّابِعِ مِنَّا اَلْفَرَجُ».
يحتمل أنْ يكون السابع منه، لأنَّه الظاهر من قوله: «منَّا» إشارة إلى نفسه، وكذلك نقول: السابع منه [هو](١٧٨) القائم [بالأمر].
وليس في الخبر: (السابع من أوَّلنا)، وإذا احتُمِلَ ما قلناه سقطت المعارضة به.
٤٦ - قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اَلله بْنُ جَبَلَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ جَنَاحٍ(١٧٩)، عَنْ حَازِمِ اِبْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام): إِنَّ أَبَوَيَّ هَلَكَا، وَقَدْ أَنْعَمَ اَللهُ عَلَيَّ وَرَزَقَ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهُمَا وَأَحُجُّ؟
فَقَالَ: «نَعَمْ»، ثُمَّ قَالَ بِيَمِينِهِ: «يَا أَبَا حَازِمٍ، مَنْ جَاءَكَ يُخْبِرُكَ عَنْ صَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ أَنَّهُ غَسَّلَهُ وَكَفَّنَهُ وَنَفَضَ اَلتُّرَابَ مِنْ قَبْرِهِ فَلَا تُصَدِّقْهُ»(١٨٠).
فإنَّما فيه أنَّ صاحب هذا الأمر لا يموت حتَّى يقوم بالأمر، ولم يذكر من هو، والفائدة فيه أنَّ في الناس من اعتقد أنَّه يموت ويبعثه الله ويحييه - على ما سنُبيِّنه -، فكان هذا ردًّا عليه، ولا شبهة فيه.
٤٧ - قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ اَلصَّيْرَفِيُّ، عَنْ عَبْدِ اَلْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو(١٨١)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «كَأَنِّي بِابْنِي هَذَا - يَعْنِي أَبَا اَلْحَسَنِ (عليه السلام) - قَدْ أَخَذَهُ بَنُو فُلَانٍ فَمَكَثَ فِي أَيْدِيهِمْ حِيناً وَدَهْراً، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَيَأْخُذُ بِيَدِ رَجُلٍ مِنْ وُلْدِهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهِ إِلَى جَبَلِ رَضْوَى(١٨٢)».
فهذا الخبر لو حُمِلَ على ظاهره لكان كذباً، لأنَّه حُبِسَ في الأولة وخرج ولم يفعل ما تضمَّنه، وفي الثانية لم يخرج.
ثمّ ليس فيه أنَّ من يأخذ بيد رجل من ولده حتَّى ينتهي إلى جبل رضوى أنَّه يكون القائم وصاحب السيف الذي يظهر على الأرض، فلا تعلُّق بمثل ذلك.
٤٨ - قَالَ: وَحَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ(١٨٣)، عَنْ دَاوُدَ اَلصَّرْمِيِّ(١٨٤)، عَنْ عَلِيِّ اِبْنِ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «مَنْ جَاءَكَ فَقَالَ لَكَ: إِنَّهُ مَرَّضَ اِبْنِي هَذَا وَأَغْمَضَهُ وَغَسَّلَهُ وَوَضَعَهُ فِي لَحْدِهِ وَنَفَضَ يَدَهُ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ، فَلَا تُصَدِّقْهُ».
فهذا الخبر رواه ابن أبي حمزة وهو مطعون عليه، وهو واقفي، وسنذكر(١٨٥) ما دعاه إلى القول بالوقف.
على أنَّه لا يمتنع أنْ يكون المراد به الردُّ على من ربَّما يدَّعي أنَّه تولَّى تمريضه وغسله ويكون في ذلك كاذباً، لأنَّه مرض في الحبس، ولم يصل إليه من يفعل ذلك، وتولَّى بعض مواليه - على ما قدَّمناه - غسله، وعند قوم من أصحابنا تولَّاه ابنه، فيكون قصد البيان عن بطلان قول من يدَّعي ذلك.
٤٩ - قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ(١٨٦)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ لِي: «يَا عَلِيُّ، مَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّهُ مَرَّضَنِي وَغَمَّضَنِي وَغَسَّلَنِي وَوَضَعَنِي فِي لَحْدِي وَنَفَضَ يَدَهُ مِنْ تُرَابِ قَبْرِي، فَلَا تُصَدِّقْهُ».
فالوجه فيه أيضاً ما قلناه في الخبر الأوَّل سواء.
٥٠ - قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَعْيَنُ بْنُ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَعْيَنَ(١٨٧)، قَالَ: بَعَثَنِي عَبْدُ اَلله اِبْنُ بُكَيْرٍ إِلَى عَبْدِ اَلله اَلْكَاهِلِيِّ سَنَةَ أُخِذَ اَلْعَبْدُ اَلصَّالِحُ (عليه السلام) زَمَنَ اَلمَهْدِيِّ، فَقَالَ: أَقْرِئْهُ اَلسَّلَامَ وَسَلْهُ أَتَاهُ خَبَرٌ...، إِلَى أَنْ قَالَ: أَقْرِئْهُ اَلسَّلَامَ وَقُلْ لَهُ: حَدَّثَنِي أَبُو اَلْعَيْزَارِ(١٨٨) فِي مَسْجِدِكُمْ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «يُقْدَمُ بِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ اَلْعِرَاقَ مَرَّتَيْنِ، فَأَمَّا اَلْأُولَى فَيُعَجَّلُ سَرَاحُهُ وَيُحْسَنُ جَائِزَتُهُ، وَأَمَّا اَلثَّانِيَةُ فَيُحْبَسُ فَيَطُولُ حَبْسُهُ ثُمَّ يُخْرَجُ مِنْ أَيْدِيهِمْ عَنْوَةً».
فهذا الخبر مع أنَّه خبر واحد يحتمل أنْ يكون الوجه فيه أنَّه يخرج من أيديهم عنوة بأنْ ينقله الله إلى دار كرامته، ولا يبقى في أيديهم يُعذِّبونه ويُؤذونه.
على أنَّه ليس فيه مَنْ هو ذلك الشخص، وصاحب الأمر مشترك بينه وبين غيره، فلِمَ حُمِلَ عليه دون غيره؟
٥١ - قَالَ: وَأَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ وَحُمْرَانُ وَاَلْهَيْثَمُ بْنُ وَاقِدٍ اَلْجَزَرِيُّ(١٨٩)، عَنْ عَبْدِ اَلله اَلرَّجَانِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ اَلْعَبْدُ اَلصَّالِحُ (عليه السلام)، فَقَالَ: «يَا أَحْمَدُ، اِفْعَلْ كَذَا».
فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، اِسْمُهُ فُلَانٌ؟
فَقَالَ: «بَلِ اِسْمُهُ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ»، ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا عَبْدَ اَلله، إِنَّ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ يُؤْخَذُ فَيُحْبَسُ فَيَطُولُ حَبْسُهُ، فَإِذَا هَمُّوا بِهِ دَعَا بِاسْمِ اَلله اَلْأَعْظَمِ فَأَفْلَتَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ».
فهذا أيضاً من جنس الأوَّل يحتمل أنْ يكون أراد بفلته الموت دون الحياة.
٥٢ - قَالَ: [وَ]رَوَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْبَزَّازِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مِنْهَالٍ اَلْقَمَّاطُ(١٩٠)، عَنْ حَدِيدٍ اَلسَّابَاطِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ لِأَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) غَيْبَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا تَقِلُّ وَاَلْأُخْرَى تَطُولُ، حَتَّى يَجِيئَكُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ مَاتَ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ وَنَفَضَ تُرَابَ اَلْقَبْرِ مِنْ يَدِهِ، فَهُوَ فِي ذَلِكَ كَاذِبٌ لَيْسَ يَمُوتُ وَصِيٌّ حَتَّى يُقِيمَ وَصِيًّا، وَلَا يَلِي اَلْوَصِيَّ إِلَّا اَلْوَصِيُّ، فَإِنْ وَلِيَهُ غَيْرُ وَصِيٍّ عَمِيَ».
وإنَّما فيه تكذيب من يدَّعي موته قبل أنْ يقيم وصيًّا، وهذا لعمري باطل، فأمَّا إذا أوصى وأقام غيره مقامه فإنَّه ليس فيه ذكره(١٩١).
٥٣ - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اَلله بْنُ سَلَامٍ أَبُو هُرَيْرَةَ(١٩٢)، عَنْ زُرْعَةَ(١٩٣)، عَنْ مُفَضَّلٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، إِذْ جَاءَهُ أَبُو اَلْحَسَنِ وَمُحَمَّدٌ وَمَعَهُمَا عَنَاقٌ يَتَجَاذَبَانِهَا فَغَلَبَهُ مُحَمَّدٌ عَلَيْهَا، فَاسْتَحْيَا أَبُو اَلْحَسَنِ، فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِي، فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ وَقَبَّلْتُهُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «أَمَا إِنَّهُ صَاحِبُكُمْ مَعَ أَنَّ بَنِي اَلْعَبَّاسِ يَأْخُذُونَهُ فَيَلْقَى مِنْهُمْ عَنَتاً، ثُمَّ يُفْلِتُهُ اَللهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ بِضَرْبٍ مِنَ اَلضُّرُوبِ، ثُمَّ يَعْمَى عَلَى اَلنَّاسِ أَمْرُهُ حَتَّى تَفِيضَ عَلَيْهِ اَلْعُيُونُ، وَتَضْطَرِبَ فِيهِ اَلْقُلُوبُ كَمَا تَضْطَرِبُ اَلسَّفِينَةُ فِي لُجَّةِ اَلْبَحْرِ وَعَوَاصِفِ اَلرِّيحِ، ثُمَّ يَأْتِي اَللهُ عَلَى يَدَيْهِ بِفَرَجٍ لِهَذِهِ اَلْأُمَّةِ لِلدِّينِ وَاَلدُّنْيَا».
فما تضمَّن هذا الخبر من أنَّ بني العبَّاس يأخذونه صحيح جرى الأمر فيه على ذلك، وأفلته الله منهم بالموت.
وقوله: «يَعْمَى عَلَى اَلنَّاسِ أَمْرُهُ» كذلك هو، لأنَّه اختُلِفَ فيه هذا الاختلاف، وفاضت عليه عيون عند موته.
وقوله: «ثُمَّ يَأْتِي اَللهُ عَلَى يَدَيْهِ» يعني على يدي من يكون من ولده بفرج لهذه الأُمَّة، وهو الحجَّة (عليه السلام)، وقد بيَّنَّا ذلك في نظائره.
٥٤ - قَالَ: وَحَدَّثَنِي حَنَانٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ اَلمَسْعُودِيِّ(١٩٤)، قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو(١٩٥)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله اَلنُّعْمَانِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «صَاحِبُ اَلْأَمْرِ يُسْجَنُ حِيناً، وَيَمُوتُ حِيناً، وَيَهْرُبُ حِيناً».
فأوَّل ما فيه أنَّه قال: «يموت حيناً»، وذلك خلاف مذهب الواقفة، فأمَّا الهرب فإنَّما صحَّ ذلك فيمن ندَّعيه نحن دون من يذهبون إليه، لأنَّ أبا الحسن موسى (عليه السلام) ما علمنا أنَّه هرب وإنَّما هو شيء يدَّعونه لا يوافقهم عليه أحد، ونحن يمكننا أنْ نتأوَّل قوله: «يموت حيناً» بأنْ نقول: يموت ذكره.
٥٥ - قَالَ: وَرَوَى بَحْرُ بْنُ زِيَادٍ(١٩٦)، عَنْ عَبْدِ اَلله اَلْكَاهِلِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنْ جَاءَكُمْ مَنْ يُخْبِرُكُمْ بِأَنَّهُ مَرِضَ اِبْنِي هَذَا وَهُوَ شَهِدَهُ، وَهُوَ أَغْمَضَهُ وَغَسَّلَهُ وَأَدْرَجَهُ فِي أَكْفَانِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَوَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ، وَهُوَ حَثَا عَلَيْهِ اَلتُّرَابَ، فَلَا تُصَدِّقُوهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَا».
فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ اَلتَّمِيمِيُّ(١٩٧) - وَكَانَ حَاضِرَ اَلْكَلَامِ بِمَكَّةَ -: يَا أَبَا يَحْيَى، هَذِهِ وَاَلله فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ.
فَقَالَ لَهُ اَلْكَاهِلِيُّ: فَسَهْمُ اَلله فِيهِ أَعْظَمُ، يَغِيبُ عَنْهُمْ شَيْخٌ وَيَأْتِيهِمْ شَابٌّ فِيهِ سُنَّةٌ مِنْ يُونُسَ.
فليس فيه أكثر من تكذيب من يدَّعي أنَّه فعل ذلك وتولَّاه، لعلمه بأنَّه ربَّما ادَّعى ذلك من هو كاذب، لأنَّه لم يتولَّ أمره إلَّا ابنه عند قوم أو مولاه على المشهور، فأمَّا غير ذلك فمن ادَّعاه كان كاذباً.
وأمَّا ظهور صاحب هذا الأمر فلعمري يكون في صورة شابٍّ ويظنُّ قوم أنَّه شاخ، لأنَّه في سنِّ شيخ قد هرم.
٥٦ - قَالَ: وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ اَلْحَارِثِ، رَفَعَهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ قَدْ يَقُومُ اَلْقَائِمُ لَقَالَ اَلنَّاسُ: أَنَّى يَكُونُ هَذَا وَبَلِيَتْ عِظَامُهُ»(١٩٨).
فإنَّما فيه أنَّ قوماً يقولون: إنَّه بليت عظامه لأنَّهم يُنكِرون أنْ يبقى هذه المدَّة الطويلة، وقد ادَّعى قوم أنَّ صاحب الزمان مات وغيَّبه الله، فهذا ردٌّ عليهم.
٥٧ - قَالَ: وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «فِي صَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ أَرْبَعُ سُنَنٍ مِنْ أَرْبَعَةِ أَنْبِيَاءَ: سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، وَسُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). أَمَّا [مِنْ](١٩٩) مُوسَى فَخَائِفٌ يَتَرَقَّبُ، وَأَمَّا [مِنْ] يُوسُفَ فَالسِّجْنُ، وَأَمَّا [مِنْ] عِيسَى فَيُقَالُ: مَاتَ، وَلَمْ يَمُتْ، وَأَمَّا [مِنْ] مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَالسَّيْفُ»(٢٠٠).
فما تضمَّن هذا الخبر من الخصال كلّها حاصلة في صاحبنا.
فإنْ قيل: صاحبكم لم يُسجَن في الحبس.
قلنا: لم يُسجَن في الحبس وهو في معنى المسجون، لأنَّه بحيث لا يُوصَل إليه ولا يُعرَف شخصه على التعيين، فكأنَّه مسجون.
٥٨ - قَالَ: وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ زُرْعَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُفَضَّلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ بَنِي اَلْعَبَّاسِ سَيَعْبَثُونَ بِابْنِي هَذَا، وَلَنْ يَصِلُوا إِلَيْهِ»، ثُمَّ قَالَ: «وَمَا صَائِحَةٌ تَصِيحُ، وَمَا سَاقَةٌ تَسْقُ، وَمَا مِيرَاثٌ يُقْسَمُ، وَمَا أَمَةٌ تُبَاعُ».
٥٩ - [قَالَ](٢٠١): وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ اَلْحَجَّاجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ بَنِي فُلَانٍ يَأْخُذُونَنِي وَيَحْبِسُونَنِي»، وَقَالَ: «وَذَاكَ وَإِنْ طَالَ فَإِلَى سَلَامَةٍ».
فالوجه في الخبر الأوَّل أنَّهم ما يصلون إلى دينه وفساد أمره، دون أنْ لا يصلوا إلى جسمه بالحبس، لأنَّ الأمر جرى على خلافه.
وكذلك قوله: «وَذَاكَ وَإِنْ طَالَ فَإِلَى سَلَامَةٍ» معناه إلى سلامة من دينه(٢٠٢).
٦٠ - قَالَ: وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ اَلمُسْتَنِيرِ، عَنِ اَلمُفَضَّلِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ [مِنَ اَلْأُخْرَى](٢٠٣)، حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ، وَبَعْضٌ يَقُولُ: قُتِلَ، فَلَا يَبْقَى عَلَى أَمْرِهِ إِلَّا نَفَرٌ يَسِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا يَطَّلِعُ أَحَدٌ عَلَى مَوْضِعِهِ وَأَمْرِهِ وَلَا غَيْرِهِ إِلَّا اَلمَوْلَى اَلَّذِي يَلِي أَمْرَهُ»(٢٠٤).
فهذا الخبر صريح فيما(٢٠٥) نذهب إليه في صاحبنا، لأنَّ له غيبتين، الأُولى كان يُعرَف فيها أخباره ومكاتباته، والثانية أطول انقطع ذلك فيها، وليس يطَّلع عليه أحد إلَّا من يختصُّه، وليس كذلك لأبي الحسن موسى (عليه السلام).
٦١ - قال: وروى عليُّ بن معاذ، قال: قلت لصفوان بن يحيى: بأيِّ شيء قطعت على عليٍّ(٢٠٦)؟
قال: صلَّيت ودعوت الله واستخرت (عليه)(٢٠٧) وقطعت عليه.
فهذا ليس فيه أكثر من التشنيع على رجل بالتقليد، وإنْ صحَّ ذلك فليس فيه حجَّة على غيره.
على أنَّ الرجل الذي ذُكِرَ ذلك عنه فوق هذه المنزلة، لموضعه وفضله وزهده ودينه، فكيف يستحسن أنْ يقول لخصمه في مسألة علميَّة: إنَّه قال فيها بالاستخارة؟ اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يعتقد فيه من البله والغفلة ما يُخرجه عن التكليف، فيسقط المعارضة لقوله(٢٠٨).
٦٢ - ثمّ قال: وقال عليٌّ بقباقة: سألت صفوان بن يحيى وابن جندب وجماعة من مشيختهم - وكان الذي بينه وبينهم عظيم -: بأيِّ شيء قطعتم على هذا الرجل الشيء بان لكم فأقبل قولكم؟
قالوا كلُّهم: لا والله إلَّا أنَّه قال فصدَّقناه، وأحالوا جميعاً على البزنطي.
فقلت: سوءة لكم وأنتم مشيخة الشيعة، أترسلونني إلى ذلك الصبيِّ الكذَّاب فأقبل منه وأدعكم أنتم؟
والكلام في هذا الخبر مثل ما قلناه في الخبر الأوَّل سواء.
٦٣ - قَالَ: وَسُئِلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِبَاطٍ(٢٠٩): هَلْ سَمِعَ أَحَداً رَوَى عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: عَلِيٌّ اِبْنِي وَصِيِّي أَوْ إِمَامٌ بَعْدِي أَوْ بِمَنْزِلَتِي مِنْ أَبِي أَوْ خَلِيفَتِي أَوْ مَعْنَى هَذَا؟
قَالَ: لَا.
فليس فيه أكثر من أنَّ ابن رباط قال: إنَّه لم يسمع أحداً يقول ذلك، وإذا لم يسمع هو لا يدلُّ على أنَّ غيره لم يسمعه، وقد قدَّمنا طرفاً من الأخبار عمَّن سمع ذلك، فسقط الاعتراض به.
٦٤ - قال: وسأل أبو بكر الأرمني عبد الله بن المغيرة: بأيِّ شيء قطعت على عليٍّ؟
قال: أخبرتني سلمى(٢١٠) أنَّه لم يكن عند أبيه أحد بمنزلته.
فالوجه فيه أيضاً ما قلناه في غيره سواء.
ومن طرائف الأُمور أنْ يتوصَّل إلى الطعن على قوم أجلَّاء في الدِّين والعلم والورع بالحكايات عن أقوام لا يُعرَفون، ثمّ لا يقنع بذلك حتَّى يجعل ذلك دليلاً على فساد المذهب، إنَّ هذه لعصبيَّة ظاهرة وتحامل عظيم، ولولا أنَّ رجلاً منسوباً إلى العلم له صيت وهو من وجوه المخالفين لنا أورد هذه الأخبار وتعلَّق بها، لم يحسن إيرادها، لأنَّها كلُّها ضعيفة رواها من لا يُوثَق بقوله.
فأوَّل دليل على بطلانها أنَّه لم يثق قائل بها - على ما سنُبيِّنه -، ولولا صعوبة الكلام على المتعلِّق بها في الغيبة بعد تسليم الأُصول وضيق الأمر عليه فيه وعجزه عن الاعتراض عليه لما التجأ إلى هذه الخرافات، فإنَّ المتعلِّق بها يعتقد بطلانها كلَّها.
[السبب الباعث لقوم على القول بالوقف]:
وقد روي السبب الذي دعا قوماً إلى القول بالوقف.
٦٥ - فروى الثقات أنَّ أوَّل من أظهر هذا الاعتقاد عليُّ بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي(٢١١)، وعثمان بن عيسى الرواسي، طمعوا في الدنيا، ومالوا إلى حطامها، واستمالوا قوماً فبذلوا لهم شيئاً ممَّا اختانوه من الأموال، نحو حمزة بن بزيع، وابن المكاري(٢١٢)، وكرَّام الخثعمي(٢١٣)، وأمثالهم.
٦٦ - فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى اَلْعَطَّارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ اَلْفَضْلِ(٢١٤)، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، قَالَ: مَاتَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) وَلَيْسَ مِنْ قُوَّامِهِ أَحَدٌ إِلَّا وَعِنْدَهُ اَلمَالُ اَلْكَثِيرُ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ وَقْفِهِمْ وَجَحْدِهِمْ مَوْتَهُ، طَمَعاً فِي اَلْأَمْوَالِ، كَانَ عِنْدَ زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ اَلْقَنْدِيِّ سَبْعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ثَلَاثُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ وَتَبَيَّنْتُ اَلْحَقَّ وَعَرَفْتُ مِنْ أَمْرِ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) مَا عَلِمْتُ تَكَلَّمْتُ وَدَعَوْتُ اَلنَّاسَ إِلَيْهِ، فَبَعَثَا إِلَيَّ وَقَالَا: مَا يَدْعُوكَ إِلَى هَذَا؟ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ اَلمَالَ فَنَحْنُ نُغْنِيكَ، وَضَمِنَا لِي عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ، وَقَالَا [لِي](٢١٥): كُفَّ.
فَأَبَيْتُ، وَقُلْتُ لَهُمَا: إِنَّا رُوِّينَا عَنِ اَلصَّادِقِينَ (عليهم السلام) أَنَّهُمْ قَالُوا: «إِذَا ظَهَرَتِ اَلْبِدَعُ فَعَلَى اَلْعَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ عِلْمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سُلِبَ نُورَ اَلْإِيمَانِ»، وَمَا كُنْتُ لِأَدَعَ اَلْجِهَادَ وَأَمْرَ اَلله عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَنَاصَبَانِي وَأَضْمَرَا لِيَ اَلْعَدَاوَةَ(٢١٦).
٦٧ - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْوَلِيدِ، عَنِ اَلصَّفَّارِ وَسَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْأَشْعَرِيِّ جَمِيعاً، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ اَلْأَنْبَارِيِّ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، قَالَ: مَضَى أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) وَعِنْدَ زِيَادٍ اَلْقَنْدِيِّ سَبْعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى اَلرَّوَّاسِيِّ ثَلَاثُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَخَمْسُ جَوَارٍ، وَمَسْكَنُهُ بِمِصْرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) أَنِ اِحْمِلُوا مَا قِبَلَكُمْ مِنَ اَلمَالِ وَمَا كَانَ اِجْتَمَعَ لِأَبِي عِنْدَكُمْ مِنْ أَثَاثٍ وَجَوَارٍ، فَإِنِّي وَارِثُهُ وَقَائِمٌ مَقَامَهُ، وَقَدِ اِقْتَسَمْنَا مِيرَاثَهُ، وَلَا عُذْرَ لَكُمْ فِي حَبْسِ مَا قَدِ اِجْتَمَعَ لِي وَلِوَارِثِهِ قِبَلَكُمْ» وَكَلَامٌ يُشْبِهُ هَذَا.
فَأَمَّا اِبْنُ أَبِي حَمْزَةَ فَإِنَّهُ أَنْكَرَهُ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِمَا عِنْدَهُ، وَكَذَلِكَ زِيَادٌ اَلْقَنْدِيُّ.
وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عِيسَى فَإِنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ أَبَاكَ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ) لَمْ يَمُتْ، وَهُوَ حَيٌّ قَائِمٌ، وَمَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ مَاتَ فَهُوَ مُبْطِلٌ، وَأَعْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ مَضَى كَمَا تَقُولُ، فَلَمْ يَأْمُرْنِي بِدَفْعِ شَيْءٍ إِلَيْكَ، وَأَمَّا اَلْجَوَارِي فَقَدْ أَعْتَقْتُهُنَّ وَتُزُوِّجَتْ بِهِنَّ.
٦٨ - وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عُقْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ اَلتَّيْمِيِّ(٢١٧)، قَالَ: سَمِعْتُ حَرْبَ بْنَ اَلْحَسَنِ اَلطَّحَّانَ(٢١٨) يُحَدِّثُ يَحْيَى بْنَ اَلْحَسَنِ اَلْعَلَوِيَّ(٢١٩) أَنَّ يَحْيَى بْنَ اَلمُسَاوِرِ(٢٢٠) قَالَ: حَضَرَتْ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ، وَكَانَ فِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: دَخَلَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام)، فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَأَجَابَهُ، ثُمَّ قَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام): «يَا عَلِيُّ، صَاحِبُكَ يَقْتُلُنِي».
فَبَكَى عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ، وَقَالَ: يَا سَيِّدِي، وَأَنَا مَعَهُ؟
قَالَ: «لَا يَا عَلِيُّ لَا تَكُونُ مَعَهُ وَلَا تَشْهَدُ قَتْلِي».
قَالَ عَلِيٌّ: فَمَنْ لَنَا بَعْدَكَ، يَا سَيِّدِي؟
فَقَالَ: «عَلِيٌّ اِبْنِي هَذَا، هُوَ خَيْرُ مَنْ أُخْلِفُ بَعْدِي، هُوَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ أَبِي، هُوَ لِشِيعَتِي عِنْدَهُ عِلْمُ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، سَيِّدٌ فِي اَلدُّنْيَا وَسَيِّدٌ فِي اَلْآخِرَةِ، وَإِنَّهُ لَمِنَ اَلمُقَرَّبِينَ».
فَقَالَ يَحْيَى بْنُ اَلْحَسَنِ لِحَرْبٍ: فَمَا حَمَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ عَلَى أَنْ بَرِئَ مِنْهُ وَحَسَدَهُ؟
قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ اَلمُسَاوِرِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: حَمَلَهُ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ مَالِهِ [اَلَّذِي](٢٢١) اِقْتَطَعَهُ، لِيُشْقِيَهُ اَللهُ فِي اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ. ثُمَّ دَخَلَ بَعْضُ بَنِي هَاشِمٍ وَاِنْقَطَعَ اَلْحَدِيثُ.
٦٩ - وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ حُبْشِيِّ بْنِ قُونِيٍّ(٢٢٢)، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ اَلْحَسَنِ اِبْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ(٢٢٣)، قَالَ: كُنْتُ أَرَى عِنْدَ عَمِّي عَلِيِّ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ شَيْخاً مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، وَكَانَ يُهَازِلُ عَمِّي، فَقَالَ لَهُ يَوْماً: لَيْسَ فِي اَلدُّنْيَا شَرٌّ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ اَلشِّيعَةِ - أَوْ قَالَ: اَلرَّافِضَةِ -.
فَقَالَ لَهُ عَمِّي: وَلِمَ لَعَنَكَ اَللهُ؟
قَالَ: أَنَا زَوْجُ بِنْتِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بِشْرٍ اَلسَّرَّاجِ(٢٢٤)، قَالَ لِي لَـمَّا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ: إِنَّهُ كَانَ عِنْدِي عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ وَدِيعَةً لِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَدَفَعْتُ اِبْنَهُ عَنْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَشَهِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ، فَالله اَلله خَلِّصُونِي مِنَ اَلنَّارِ وَسَلِّمُوهَا إِلَى اَلرِّضَا (عليه السلام).
فَوَاَلله مَا أَخْرَجْنَا حَبَّةً، وَلَقَدْ تَرَكْنَاهُ يَصْلَى بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ(٢٢٥).
وإذا كان أصل هذا المذهب أمثال هؤلاء، كيف يُوثَق برواياتهم أو يُعوَّل عليها؟!
[الأخبار الواردة في طعن رواة الواقفة]:
وأمَّا ما روي من الطعن على رواة الواقفة فأكثر من أنْ يُحصى، وهو موجود في كُتُب أصحابنا نحن نذكر طرفاً منه.
٧٠ - رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى اَلْأَشْعَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلْخَشَّابِ(٢٢٦)، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَعُيَيْنَةُ بَيَّاعُ اَلْقَصَبِ(٢٢٧) عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ اَلْبَطَائِنِيِّ - وَكَانَ رَئِيسَ اَلْوَاقِفَةِ -، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ لِي أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام): «إِنَّمَا أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ يَا عَلِيُّ أَشْبَاهُ اَلْحَمِيرِ».
فَقَالَ لِي عُيَيْنَةُ: أَسَمِعْتَ؟
قُلْتُ: إِي وَاَلله لَقَدْ سَمِعْتُ.
فَقَالَ: لَا وَاَلله، لَا أَنْقُلُ إِلَيْهِ قَدَمِي مَا حَيِيتُ.
٧١ - وَرَوَى اِبْنُ عُقْدَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ اِبْنِ يَزِيدَ(٢٢٨) وَعَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ جَمِيعاً، قَالَا: قَالَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ عِيسَى اَلرَّوَّاسِيُّ: حَدَّثَنِي زِيَادٌ اَلْقَنْدِيُّ وَاِبْنُ مُسْكَانَ، قَالَا: كُنَّا عِنْدَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) إِذْ قَالَ: «يَدْخُلُ عَلَيْكُمُ اَلسَّاعَةَ خَيْرُ أَهْلِ اَلْأَرْضِ».
فَدَخَلَ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) وَهُوَ صَبِيٌّ، فَقُلْنَا: خَيْرُ أَهْلِ اَلْأَرْضِ!
ثُمَّ دَنَا فَضَمَّهُ إِلَيْهِ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: «يَا بُنَيَّ، تَدْرِي مَا قَالَ ذَانِ؟».
قَالَ: «نَعَمْ يَا سَيِّدِي، هَذَانِ يَشُكَّانِ فِيَّ».
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَسْبَاطٍ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا اَلْحَدِيثِ اَلْحَسَنَ بْنَ مَحْبُوبٍ، فَقَالَ: بَتَرَ(٢٢٩) اَلْحَدِيثَ، لَا وَلَكِنْ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ رِئَابٍ أَنَّ أَبَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) قَالَ لَهُمَا: «إِنْ جَحَدْتُمَاهُ حَقَّهُ أَوْ خُنْتُمَاهُ فَعَلَيْكُمَا لَعْنَةُ اَلله وَاَلمَلَائِكَةِ وَاَلنَّاسِ أَجْمَعِينَ. يَا زِيَادُ، لَا تَنْجُبُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ أَبَداً».
قَالَ عَلِيُّ بْنُ رِئَابٍ: فَلَقِيتُ زِيَادَ اَلْقَنْدِيِّ، فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) قَالَ لَكَ كَذَا وَكَذَا.
فَقَالَ: أَحْسَبُكَ قَدْ خُولِطْتَ.
فَمَرَّ وَتَرَكَنِي، فَلَمْ أُكَلِّمْهُ وَلَا مَرَرْتُ بِهِ.
قَالَ اَلْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ: فَلَمْ نَزَلْ نَتَوَقَّعُ لِزِيَادٍ دَعْوَةَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) حَتَّى ظَهَرَ مِنْهُ أَيَّامَ اَلرِّضَا (عليه السلام) مَا ظَهَرَ، وَمَاتَ زِنْدِيقاً.
٧٢ - وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي اَلْبِلَادِ، قَالَ: قَالَ اَلرِّضَا (عليه السلام): «مَا فَعَلَ اَلشَّقِيُّ حَمْزَةُ بْنُ بَزِيعٍ(٢٣٠)؟».
قُلْتُ: هُوَ ذَا، هُوَ قَدْ قَدِمَ.
فَقَالَ: «يَزْعُمُ أَنَّ أَبِي حَيٌّ، هُمُ اَلْيَوْمَ شُكَّاكٌ، وَلَا يَمُوتُونَ غَداً إِلَّا عَلَى اَلزَّنْدَقَةِ».
قَالَ صَفْوَانُ: فَقُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: شُكَّاكٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَكَيْفَ يَمُوتُونَ عَلَى اَلزَّنْدَقَةِ؟! فَمَا لَبِثْنَا إِلَّا قَلِيلاً حَتَّى بَلَغَنَا عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ هُوَ كَافِرٌ بِرَبٍّ أَمَاتَهُ.
قَالَ صَفْوَانُ: فَقُلْتُ: هَذَا تَصْدِيقُ اَلْحَدِيثِ(٢٣١).
٧٣ - وَرَوَى أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ(٢٣٢)، قَالَ: قُلْتُ لِلْقَاسِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ اَلْقُرَشِيِّ(٢٣٣) - وَكَانَ مَمْطُوراً(٢٣٤) -: أَيَّ شَيْءٍ سَمِعْتَ مِنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ أَبِي حَمْزَةَ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْهُ إِلَّا حَدِيثاً وَاحِداً.
قَالَ اِبْنُ رَبَاحٍ: ثُمَّ أَخْرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدِيثاً كَثِيراً فَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ.
قَالَ اِبْنُ رَبَاحٍ: وَسَأَلْتُ اَلْقَاسِمَ هَذَا: كَمْ سَمِعْتَ مِنْ حَنَانٍ؟
فَقَالَ: أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ أَوْ خَمْسَةً.
قَالَ: ثُمَّ أَخْرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدِيثاً كَثِيراً فَرَوَاهُ عَنْهُ.
٧٤ - وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ(٢٣٥)، قَالَ سَمِعْتُ اَلرِّضَا (عليه السلام) يَقُولُ فِي اِبْنِ أَبِي حَمْزَةَ: «أَلَيْسَ هُوَ اَلَّذِي يَرْوِي أَنَّ رَأْسَ اَلمَهْدِيِّ(٢٣٦) يُهْدَى إِلَى عِيسَى بْنِ مُوسَى، وَهُوَ صَاحِبُ اَلسُّفْيَانِيِّ؟ وَقَالَ: إِنَّ أَبَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) يَعُودُ إِلَى ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ، فَمَا اِسْتَبَانَ لَهُمْ كَذِبُهُ؟».
٧٥ - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: ذُكِرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عِنْدَ اَلرِّضَا (عليه السلام)، فَلَعَنَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ أَرَادَ أَنْ لَا يُعْبَدَ اَللهُ فِي سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ، فَأَبَى اَللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ اَلمُشْرِكُونَ، وَلَوْ كَرِهَ اَللَّعِينُ اَلمُشْرِكُ».
قُلْتُ: اَلمُشْرِكُ؟
قَالَ: «نَعَمْ وَاَلله وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُهُ كَذَلِكَ، [وَ](٢٣٧) هُوَ فِي كِتَابِ اَلله: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ [التوبة: ٣٢]، وَقَدْ جَرَتْ فِيهِ وَفِي أَمْثَالِهِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُطْفِئَ نُورَ اَلله».
والطعون على هذه الطائفة أكثر من أنْ تُحصى لا نُطوِّل بذكرها الكتاب، فكيف يُوثَق بروايات هؤلاء القوم وهذه أحوالهم وأقوال السلف الصالح فيهم؟
ولولا معاندة من تعلَّق بهذه الأخبار التي ذكروها لما كان ينبغي أنْ يُصغى إلى من يذكرها، لأنَّا قد بيَّنَّا من النصوص على الرضا (عليه السلام) ما فيه كفاية، ويُبطِل قولهم.
[بعض معجزات الإمام الرضا (عليه السلام) التي لبعضها رجع بعض الواقفة عن الوقف]:
ويُبطِل ذلك أيضاً ما ظهر من المعجزات على يد الرضا (عليه السلام) الدالَّة على صحَّة إمامته، وهي مذكورة في الكُتُب.
ولأجلها رجع جماعة من القول بالوقف مثل: عبد الرحمن بن الحجَّاج، ورفاعة بن موسى، ويونس بن يعقوب، وجميل بن درَّاج، وحمَّاد بن عيسى وغيرهم، وهؤلاء من أصحاب أبيه الذين شكُّوا فيه ثمّ رجعوا.
وكذلك من كان في عصره، مثل: أحمد بن محمّد بن أبي نصر، والحسن بن عليٍّ الوشَّاء وغيرهم ممَّن (كان)(٢٣٨) قال بالوقف، فالتزموا الحجَّة وقالوا بإمامته وإمامة من بعده من ولده.
٧٦ - فَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ - وَهُوَ مِنْ آلِ مِهْرَانَ -، وَكَانُوا يَقُولُونَ بِالْوَقْفِ، وَكَانَ عَلَى رَأْيِهِمْ، فَكَاتَبَ(٢٣٩) أَبَا اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) وَتَعَنَّتَ(٢٤٠) فِي اَلمَسَائِلِ، فَقَالَ: كَتَبْتُ إِلَيْهِ كِتَاباً وَأَضْمَرْتُ فِي نَفْسِي أَنِّي مَتَى دَخَلْتُ عَلَيْهِ أَسْأَلُهُ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ مِنَ اَلْقُرْآنِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ﴾ [الزخرف: ٤٠]، وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: ١٢٥]، وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القَصص: ٥٦].
قَالَ أَحْمَدُ: فَأَجَابَنِي عَنْ كِتَابِي، وَكَتَبَ فِي آخِرِهِ اَلْآيَاتِ اَلَّتِي أَضْمَرْتُهَا فِي نَفْسِي أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهَا وَلَمْ أَذْكُرْهَا فِي كِتَابِي إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَصَلَ اَلْجَوَابُ أُنْسِيتُ مَا كُنْتُ أَضْمَرْتُهُ، فَقُلْتُ: أَيُّ شَيْءٍ هَذَا مِنْ جَوَابِي؟ ثُمَّ ذَكَرْتُ أَنَّهُ مَا أَضْمَرْتُهُ(٢٤١).
٧٧ - وَكَذَلِكَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْوَشَّاءُ، وَكَانَ يَقُولُ بِالْوَقْفِ فَرَجَعَ، وَكَانَ سَبَبُهُ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى خُرَاسَانَ فِي تِجَارَةٍ لِي، فَلَمَّا وَرَدْتُهُ بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) يَطْلُبُ مِنِّي حِبَرَةً - وَكَانَتْ بَيْنَ ثِيَابِي قَدْ خَفِيَ عَلَيَّ أَمْرُهَا -، فَقُلْتُ: مَا مَعِي مِنْهَا شَيْءٌ، فَرَدَّ اَلرَّسُولَ وَذَكَرَ عَلَامَتَهَا وَأَنَّهَا فِي سَفَطِ كَذَا، فَطَلَبْتُهَا، فَكَانَ كَمَا قَالَ، فَبَعَثْتُ بِهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ كَتَبْتُ مَسَائِلَ أَسْأَلُهُ عَنْهَا، فَلَمَّا وَرَدْتُ بَابَهُ خَرَجَ إِلَيَّ جَوَابُ تِلْكَ اَلمَسَائِلِ اَلَّتِي أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ أَظْهَرْتُهَا.
فَرَجَعَ عَنِ اَلْقَوْلِ بِالْوَقْفِ إِلَى اَلْقَطْعِ عَلَى إِمَامَتِهِ(٢٤٢).
٧٨ - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ(٢٤٣): قَالَ اِبْنُ اَلنَّجَاشِيِّ: مَنِ اَلْإِمَامُ بَعْدَ صَاحِبِكُمْ؟
فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «اَلْإِمَامُ بَعْدِي اِبْنِي»، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ يَجْرَأُ(٢٤٤) أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ: اِبْنِي، وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ؟»(٢٤٥).
٧٩ - وَرَوَى عَبْدُ اَلله بْنُ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى اَلْيَقْطِينِيِّ، قَالَ: لَـمَّا اِخْتَلَفَ اَلنَّاسُ فِي أَمْرِ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) جَمَعْتُ مِنْ مَسَائِلِهِ مِمَّا سُئِلَ عَنْهُ، وَأَجَابَ عَنْهُ خَمْسَ عَشْرَةَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ.
٨٠ - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلْأَفْطَسِ(٢٤٦)، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى اَلمَأْمُونِ، فَقَرَّبَنِي وَحَيَّانِي، ثُمَّ قَالَ: رَحِمَ اَللهُ اَلرِّضَا (عليه السلام) مَا كَانَ أَعْلَمَهُ، لَقَدْ أَخْبَرَنِي بِعَجَبٍ، سَأَلْتُهُ لَيْلَةً وَقَدْ بَايَعَ لَهُ اَلنَّاسُ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَرَى لَكَ أَنْ تَمْضِيَ إِلَى اَلْعِرَاقِ وَأَكُونَ خَلِيفَتَكَ بِخُرَاسَانَ.
فَتَبَسَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «لَا لَعَمْرِي وَلَكِنْ مِنْ دُونِ خُرَاسَانَ بِدَرَجَاتٍ، إِنَّ لَنَا هُنَا مَكْثاً، وَلَسْتُ بِبَارِحٍ حَتَّى يَأْتِيَنِي اَلمَوْتُ، وَمِنْهَا اَلمَحْشَرُ لَا مَحَالَةَ».
فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟
فَقَالَ: «عِلْمِي بِمَكَانِي كَعِلْمِي بِمَكَانِكَ».
قُلْتُ: وَأَيْنَ مَكَانِي أَصْلَحَكَ اَللهُ؟
فَقَالَ: «لَقَدْ بَعُدَتِ اَلشُّقَّةُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، أَمُوتُ بِالمَشْرِقِ وَتَمُوتُ بِالمَغْرِبِ».
فَقُلْتُ: صَدَقْتَ، وَاَللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ وَآلُ مُحَمَّدٍ، فَجَهَدْتُ اَلْجَهْدَ كُلَّهُ وَأَطْمَعْتُهُ فِي اَلْخِلَافَةِ وَمَا سِوَاهَا فَمَا أَطْمَعَنِي فِي نَفْسِهِ(٢٤٧).
٨١ - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلْحَسَنِ اَلْأَفْطَسُ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ اَلمَأْمُونِ يَوْماً وَنَحْنُ عَلَى شَرَابٍ حَتَّى إِذَا أَخَذَ مِنْهُ اَلشَّرَابُ مَأْخَذَهُ صَرَفَ نُدَمَاءَهُ وَاِحْتَبَسَنِي، ثُمَّ أَخْرَجَ جَوَارِيَهُ، وَضَرَبْنَ وَتَغَنَّيْنَ، فَقَالَ لِبَعْضِهِنَّ: بِاللهِ لَـمَّا رَثَيْتِ مَنْ بِطُوسَ قَطَناً، فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:

سُقْيَا لِطُوسٍ وَمَنْ أَضْحَى بِهَا قَطَناً * * * مِنْ عِتْرَةِ اَلمُصْطَفَى أَبْقَى لَنَا حَزَناً
أَعْنِي أَبَا حَسَنِ اَلمَأْمُونَ إِنَّ لَهُ * * * حَقًّا عَلَى كُلِّ مَنْ أَضْحَى بِهَا شَجَناً

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله: فَجَعَلَ يَبْكِي حَتَّى أَبْكَانِي، ثُمَّ قَالَ لِي: وَيْلَكَ يَا مُحَمَّدُ أَيُلْزِمُنِي(٢٤٨) أَهْلُ بَيْتِي وَأَهْلُ بَيْتِكَ أَنْ أَنْصِبَ أَبَا اَلْحَسَنِ عَلَماً، وَاَلله أَنْ لَوْ أُخْرِجْتُ(٢٤٩) مِنْ هَذَا اَلْأَمْرِ لَأَجْلَسْتُهُ مَجْلِسِي غَيْرَ أَنَّهُ عُوجِلَ، فَلَعَنَ اَللهُ عَبْدَ اَلله(٢٥٠) وَحَمْزَةَ اِبْنَيِ اَلْحَسَنِ، فَإِنَّهُمَا قَتَلَاهُ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اَلله، وَاَلله لَأُحَدِّثَنَّكَ بِحَدِيثٍ عَجِيبٍ فَاكْتُمْهُ.
قُلْتُ: مَا ذَاكَ، يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: لَـمَّا حَمَلَتْ زَاهِرِيَّةُ بِبَدْرٍ أَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا اَلْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ، وَجَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، وَعَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ، وَاَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (عليهم السلام) كَانُوا يَزْجُرُونَ اَلطَّيْرَ وَلَا يُخْطِئُونَ، وَأَنْتَ وَصِيُّ اَلْقَوْمِ، وَعِنْدَكَ عِلْمُ مَا كَانَ عِنْدَهُمْ، وَزَاهِرِيَّةُ حَظِيَّتِي وَمَنْ لَا أُقَدِّمُ عَلَيْهَا أَحَداً مِنْ جَوَارِيَّ، وَقَدْ حَمَلَتْ غَيْرَ مَرَّةٍ كُلَّ ذَلِكَ يَسْقُطُ، فَهَلْ عِنْدَكَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ نَنْتَفِعُ بِهِ؟
فَقَالَ: «لَا تَخْشَ مِنْ سِقْطِهَا، فَسَتَسْلَمُ وَتَلِدُ غُلَاماً صَحِيحاً مُسْلِماً أَشْبَهَ اَلنَّاسِ بِأُمِّهِ، قَدْ زَادَهُ اَللهُ فِي خَلْقِهِ مَرْتَبَتَيْنِ، فِي يَدِهِ اَلْيُمْنَى خِنْصِرٌ وَفِي رِجْلِهِ اَلْيُمْنَى خِنْصِرٌ».
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ وَاَلله فُرْصَةٌ إِنْ لَمْ يَكُنِ اَلْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرَ خَلَعْتُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَتَوَقَّعُ أَمْرَهَا حَتَّى أَدْرَكَهَا اَلمَخَاضُ، فَقُلْتُ لِلْقَيِّمَةِ: إِذَا وَضَعَتْ فَجِيئِينِي بِوَلَدِهَا ذَكَراً كَانَ أَوْ أُنْثَى، فَمَا شَعُرْتُ إِلَّا بِالْقَيِّمَةِ وَقَدْ أَتَتْنِي بِالْغُلَامِ كَمَا وَصَفَهُ زَائِدَ اَلْيَدِ وَاَلرِّجْلِ، كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ اَلْأَمْرِ يَوْمَئِذٍ وَأُسَلِّمَ مَا فِي يَدَيَّ إِلَيْهِ فَلَمْ تُطَاوِعْنِي نَفْسِي لَكِنِّي دَفَعْتُ إِلَيْهِ اَلْخَاتَمَ، فَقُلْتُ: دَبِّرِ اَلْأَمْرَ فَلَيْسَ عَلَيْكَ مِنِّي خِلَافٌ، وَأَنْتَ اَلمُقَدَّمُ، (وَ)بِاللهِ أَنْ لَوْ فَعَلَ لَفَعَلْتُ(٢٥١).
٨٢ - وَقِصَّتُهُ مَعَ حَبَابَةَ اَلْوَالِبِيَّةِ صَاحِبَةِ اَلْحَصَاةِ اَلَّتِي طَبَعَ فِيهَا أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَقَالَ لَهَا: «مَنْ طَبَعَ فِيهَا فَهُوَ إِمَامٌ»، وَبَقِيَتْ إِلَى أَيَّامِ اَلرِّضَا (عليه السلام)، فَطَبَعَ فِيهَا، وَقَدْ شَهِدَتْ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) وَطَبَعُوا فِيهِ(٢٥٢)، وَهُوَ (عليه السلام) آخِرُ مَنْ لَقِيَتْهُمْ، وَمَاتَتْ بَعْدَ لِقَائِهَا إِيَّاهُ، وَكَفَّنَهَا فِي قَمِيصِهِ(٢٥٣).
٨٣ - وَكَذَلِكَ قِصَّتُهُ مَعَ أُمِّ غَانِمٍ اَلْأَعْرَابِيَّةِ صَاحِبَةِ اَلْحَصَاةِ أَيْضاً - اَلَّتِي طَبَعَ فِيهَا أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَطَبَعَ بَعْدَهُ سَائِرُ اَلْأَئِمَّةِ إِلَى زَمَانِ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْعَسْكَرِيِّ (عليه السلام) - مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ(٢٥٤).
فلو لم يكن لمولانا أبي الحسن الرضا (عليه السلام) والأئمَّة من ولده (عليهم السلام) غير هاتين الدلالتين في نصِّه من أمير المؤمنين على إمامتهم، لكان في ذلك كفاية لمن أنصف من نفسه.
[احتمال التشكيك في ولادة الإمام الحجَّة (عجّل الله فرجه) والجواب عنه]:
فإنْ قيل: قد مضى في كلامكم أنَّا نعلم موت موسى بن جعفر (عليهما السلام) كما نعلم موت أبيه وجدِّه (عليهما السلام)، فعليكم لقائل أنْ يقول: إنَّا نعلم أنَّه لم يكن للحسن بن عليٍّ ابن كما نعلم أنَّه لم يكن له عشرة بنين، وكما نعلم أنَّه لم يكن للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ابن لصلبه عاش بعد موته.
فإنْ قلتم: لو علمنا أحدهما كما نعلم الآخر لما جاز أنْ يقع فيه خلاف كما لا يجوز أنْ يقع الخلاف في الآخر.
قيل: لمخالفكم أنْ يقول: ولو علمنا موت محمّد بن الحنفيَّة، وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر (عليهم السلام) كما نعلم موت محمّد بن عليِّ بن الحسين (عليه السلام) لما وقع الخلاف في أحدهما كما لم يجز أنْ يقع في الآخر.
قلنا: نفي ولادة الأولاد من الباب الذي لا يصحُّ أنْ يُعلَم صدوره في موضع من المواضع، ولا يمكن أحداً أنْ يدَّعي فيمن لم يظهر له ولد أنْ يعلم أنَّه لا ولد له، وإنَّما يُرجَع في ذلك إلى غالب الظنِّ والأمارة، بأنَّه لو كان له ولد لظهر وعُرِفَ خبره، لأنَّ العقلاء قد تدعوهم الدواعي إلى كتمان أولادهم لأغراض مختلفة.
فمن الملوك من يخفيه خوفاً عليه وإشفاقاً، وقد وُجِدَ من ذلك كثير في عادة الأكاسرة والملوك الأُوَل، وأخبارهم معروفة.
وفي الناس من يُولَد له ولد من بعض سراياه أو ممَّن تزوَّج بها سرًّا، فيرمي به ويجحده خوفاً من وقوع الخصومة مع زوجته وأولاده الباقين، وذلك أيضاً يوجد كثيراً في العادة.
وفي الناس من يتزوَّج بامرأة دنيَّة في المنزلة والشرف وهو من ذوي الأقدار والمنازل، فيُولَد له، فيأنف من إلحاقه به، فيجحده أصلاً.
وفيهم من يتحرَّج، فيُعطيه شيئاً من ماله.
وفي الناس من يكون من أدونهم نسباً، فيتزوَّج بامرأة ذات شرف ومنزلة لهوى منها فيه بغير علم من أهلها، إمَّا بأنْ يُزوِّجه نفسها بغير وليٍّ على مذهب كثير من الفقهاء، أو تُولِّي أمرها الحاكم فيُزوِّجها على ظاهر الحال، فيُولَد له، فيكون الولد صحيحاً، وتنتفي منه أنفةً وخوفاً من أوليائها وأهلها.
وغير ذلك من الأسباب التي لا نُطوِّل بذكرها الكتاب.
فلا يمكن ادِّعاء نفي الولادة جملةً، وإنَّما نعلم ما نعلمه إذا كانت الأحوال سليمة، ونعلم أنَّه لا مانع من ذلك، فحينئذٍ نعلم انتفاءه.
فأمَّا علمنا بأنَّه لم يكن للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ابن عاش بعده، فإنَّما علمناه لما علمنا عصمته ونبوَّته، ولو كان له ولد لأظهره، لأنَّه لا مخافة عليه في إظهاره، وعلمنا أيضاً بإجماع الأُمَّة على أنَّه لم يكن له ابن عاش بعده.
ومثل ذلك لا يمكن أنْ يُدَّعى العلم به في ابن الحسن (عليه السلام)، لأنَّ الحسن (عليه السلام) كان كالمحجور عليه، وفي حكم المحبوس، وكان الولد يُخاف عليه، لما علم وانتشر من مذهبهم أنَّ الثاني عشر هو القائم بالأمر المؤمَّل لإزالة الدُّوَل، فهو مطلوب لا محالة، وخاف أيضاً من أهله كجعفر أخيه الذي طمع في الميراث والأموال، فلذلك أخفاه ووقعت الشبهة في ولادته.
ومثل ذلك لا يمكن ادِّعاء العلم به في موت من عُلِمَ موته، لأنَّ الميِّت مشاهد معلوم يُعرَف بشاهد الحال موته، وبالأمارات الدالَّة عليه يضطرُّ من رآه إلى ذلك، فإذا أخبر من لم يشاهده علمه واضطرَّ إليه، وجرى الفرق بين الموضعين.
مثل ما يقول الفقهاء في الأحكام الشرعيَّة من أنَّ البيِّنة إنَّما يمكن أنْ تقوم على إثبات الحقوق لا على نفيها، لأنَّ النفي لا يقوم عليه بيِّنة إلَّا إذا كان تحته إثبات، فبان الفرق بين الموضعين لذلك.
فإنْ قيل: العادة تسوَّى بين الموضعين، لأنَّ الموت قد يشاهد الرجل يحتضر كما تشاهد القوابل الولادة، وليس كلُّ أحد يشاهد احتضار غيره، كما أنَّه ليس كلُّ أحد يشاهد ولادة غيره، ولكن أظهر ما يمكن في علم الإنسان بموت غيره إذا لم يكن يشاهده أنْ يكون جاره ويعلم بمرضه ويتردَّد في عيادته، ثمّ يعلم بشدَّة مرضه ويشتدُّ الخوف من موته، ثمّ يسمع الواعية من داره ولا يكون في الدار مريض غيره، ويجلس أهله للعزاء وآثار الحزن والجزع عليهم ظاهرة، ثمّ يُقسَّم ميراثه، ثمّ يتمادى الزمان ولا يُشاهَد ولا يُعلَم لأهله غرض في إظهار موته وهو حيٌّ.
فهذه سبيل الولادة، لأنَّ النساء يشاهدن [الحمل] ويتحدَّثن بذلك سيّما إذا كانت حرمة رجل نبيه(٢٥٥) يتحدَّث الناس بأحوال مثله إذا استسرَّ بجارية في بعض المواضع لم يخفَ تردُّده إليها، ثمّ إذا وُلِدَ المولود ظهر البشر والسرور في أهل الدار، وهنَّأهم الناس إذا كان المهنَّأ جليل القدر وانتشر ذلك، وتُحدِّث على حسب جلالة قدره، ويعلم الناس أنَّه قد وُلِدَ مولود سيّما إذا عُلِمَ أنَّه لا غرض في أنْ يُظهِر أنَّه وُلِدَ له ولد ولم يُولَد له.
فمتى اعتبرنا العادة وجدناها في الموضعين على سواء، وإنْ نقض الله العادة فإنَّه يمكن في أحدهما مثل ما يمكن في الآخر، فإنَّه قد يجوز أنْ يمنع الله ببعض الشواغل عن مشاهدة الحامل وعن أنْ يحضر ولادتها إلَّا عدد يؤمن مثلهم على كتمان أمره، ثمّ ينقله الله من مكان الولادة إلى قلَّة جبل أو برّيَّة لا أحد فيها ولا يطَّلع على ذلك الأمر إلَّا من لا يُظهِره إلَّا على المأمون مثله.
وكما يجوز ذلك فإنَّه يجوز أنْ يمرض الإنسان ويتردَّد إليه عوَّاده، فإذا اشتدَّ حاله وتُوقِّع موته، وكان يُؤيَس من حياته نقله الله إلى قلَّة جبل وصيَّر مكانه شخصاً ميِّتاً يشبهه كثيراً من الشبه، ثمّ يمنع بالشواغل وغيرها من مشاهدته إلَّا لمن يُوثَق به، ثمّ يُدفَن الشخص ويحضر جنازته من كان يتوقَّع موته ولا يرجو حياته، فيتوهم أنَّ المدفون هو ذاك العليل.
وقد يسكن نبض الإنسان وتنفُّسه، وينقض الله العادة ويُغيِّبه عنهم وهو حيٌّ، لأنَّ الحيَّ منَّا إنَّما يحتاج إليهما لإخراج البخارات المحترقة ممَّا حول القلب بإدخال هواءٍ باردٍ صافٍ ليُروِّح عن القلب، وقد يمكن أنْ يفعل الله من البرودة في الهواء المحدق بالقلب ما يجري هواء بارد يدخلها بالتنفُّس. فيكون الهواء المحدق بالقلب أبداً بارداً ولا يحترق منه شيء، لأنَّ الحرارة التي تحصل فيه تقوم بالبرودة.
والجواب أنَّا نقول: أوَّلاً: أنَّه لا يلتجئ من يتكلَّم في الغيبة إلى مثل هذه الخرافات إلَّا من كان مفلساً من الحجَّة عاجزاً عن إيراد شبهة قويَّة غير متمكِّن من الكلام عليها بما يرتضي مثله، فعند ذلك يلتجئ إلى مثل هذه التمويهات والتذليقات.
ونحن نتكلَّم على ذلك على ما به، فنقول:
إنَّ ما ذُكِرَ من الطريق الذي به يُعلَم موت الإنسان ليس بصحيح على كلِّ وجه، لأنَّه قد يتَّفق جميع ذلك وينكشف عن باطل بأنْ يكون لمن أظهر ذلك غرض حكمي، فيُظهِر التمارض ويتقدَّم إلى أهله بإظهار جميع ذلك ليختبر به أحوال غيره ممَّن له عليه طاعة أو إمرة، وقد سبق الملوك كثيراً والحكماء إلى مثل ذلك، وقد يدخل عليهم أيضاً شبهة بأنْ يلحقه علَّة سكتة، فيُظهِرون جميع ذلك ثمّ ينكشف عن باطل، وذلك أيضاً معلوم بالعادات. وإنَّما يُعلَم الموت بالمشاهدة وارتفاع الحسِّ وجمود النبض، ويستمرُّ ذلك أوقاتاً كثيرة ربَّما انضاف إلى ذلك أمارات معلومة بالعادة من جرَّب المرضى ومارسهم يعلم ذلك.
وهذه حالة موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فإنَّه أُظهِرَ للخلق الكثير الذين لا يخفى على مثلهم الحال، ولا يجوز عليهم دخول الشبهة في مثله.
وقوله: بأنَّه يجوز أنْ يُغيِّب اللهُ الشخصَ ويُحضِر شخصاً على شبهه على أصله لا يصحُّ، لأنَّ هذا يسدُّ باب الأدلَّة ويُؤدِّي إلى الشكِّ في المشاهدات، وأنَّ جميع ما نراه ليس هو الذي رأيناه بالأمس، ويلزم الشكُّ في موت جميع الأموات، ويجيء منه مذهب الغلاة والمفوِّضة الذين نفوا القتل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وعن الحسين (عليه السلام)، وما أدَّى إلى ذلك يجب أنْ يكون باطلاً.
وما قاله: إنَّ الله يفعل داخل الجوف حول القلب من البرودة ما ينوب مناب الهواء، ضرب من هوس الطبِّ، ومع ذلك يُؤدِّي إلى الشكِّ في موت جميع الأموات على ما قلناه.
على أنَّ على قانون الطبِّ حركات النبض والشريانات من القلب، وإنَّما يبطل ببطلان الحرارة الغريزيَّة، فإذا فُقِدَ حركات النبض عُلِمَ بطلان الحرارة وعُلِمَ عند ذلك موته، وليس ذلك بموقوف على التنفُّس، ولهذا يلتجئون إلى النبض عند انقطاع النفس أو ضعفه، فيبطل ما قالوه.
وحمله الولادة على ذلك وما ادَّعاه من ظهور الأمر فيه صحيح متى فرضنا الأمر على ما قاله من أنَّه يكون الحمل لرجل نبيه، وقد عُلِمَ إظهاره ولا مانع من ستره وكتمانه، ومتى فرضنا كتمانه وستره لبعض الأغراض التي قدَّمنا بعضها لا يجب العلم به ولا اشتهاره.
على أنَّ الولادة في الشرع قد استقرَّ أنْ يثبت بقول القابلة ويُحكَم بقولها في كونه حيًّا أو ميِّتاً، فإذا جاز ذلك كيف لا يُقبَل قول جماعة نقلوا ولادة صاحب الأمر (عليه السلام) وشاهدوه وشاهدوا من شاهده من الثقات؟!
ونحن نورد الأخبار في ذلك عمَّن رآه وحكى له.
وقد أجاز صاحب السؤال أنْ يعرض في ذلك عارض يقتضي المصلحة، أنَّه إذا وُلِدَ أنْ ينقله الله إلى قلَّة جبل أو موضع يخفى فيه أمره ولا يطَّلع عليه [أحد]، وإنَّما ألزم على ذلك عارضاً في الموت، وقد بيَّنَّا الفصل بين الموضعين.
[ردُّ سائر الفِرَق المخالفة للإماميَّة في الحجَّة (عجّل الله فرجه) من المحمّديَّة والفطحيَّة وغيرها]:
وأمَّا من خالف من الفِرَق الباقية الذين قالوا بإمامة غيره كالمحمّديَّة الذين قالوا بإمامة محمّد بن عليِّ بن محمّد بن عليٍّ الرضا (عليهم السلام)، والفطحيَّة القائلة بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام)، وفي هذا الوقت بإمامة جعفر بن عليٍّ.
وكالفرقة القائلة: إنَّ صاحب الزمان حمل لم يُولَد بعد.
وكالذين قالوا: إنَّه مات ثمّ يعيش.
وكالذين قالوا بإمامة الحسن (عليه السلام) وقالوا: هو اليقين، ولم يصحّ لنا ولادة ولده، فنحن في فترة.
فقولهم ظاهر البطلان من وجوه:
أحدها: انقراضهم، فإنَّه لم يبقَ قائل يقول بشيء من هذه المقالات، ولو كان حقًّا لما انقرض.
ومنها: أنَّ محمّد بن عليٍّ العسكري مات في حياة أبيه موتاً ظاهراً، والأخبار في ذلك ظاهرة معروفة، من دفعه كمن دفع موت من تقدَّم من آبائه (عليهم السلام).
٨٤ - فَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله اَلْأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هَاشِمٍ دَاوُدُ بْنُ اَلْقَاسِمِ اَلْجَعْفَرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيِّ (عليه السلام) وَقْتَ وَفَاةِ اِبْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَقَدْ كَانَ أَشَارَ إِلَيْهِ وَدَلَّ عَلَيْهِ، وَإِنِّي لَأُفَكِّرُ فِي نَفْسِي وَأَقُولُ: هَذِهِ قِصَّةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) وَقِصَّةُ إِسْمَاعِيلَ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام) وَقَالَ: «نَعَمْ يَا أَبَا هَاشِمٍ، بَدَا لِلهِ فِي أَبِي جَعْفَرٍ(٢٥٦) وَصَيَّرَ مَكَانَهُ أَبَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَدَا لَهُ فِي إِسْمَاعِيلَ بَعْدَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام) وَنَصَبَهُ، وَهُوَ كَمَا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ وَإِنْ كَرِهَ اَلمُبْطِلُونَ، أَبُو مُحَمَّدٍ اِبْنِي اَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي، عِنْدَهُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَمَعَهُ آلَةُ اَلْإِمَامَةِ، وَاَلْحَمْدُ للهِ»(٢٥٧)،(٢٥٨).
والأخبار بذلك كثيرة وبالنصِّ من أبيه على أبي محمّد (عليه السلام) لا نُطوِّل بذكرها الكتاب، وربَّما نذكر طرفاً منها فيما بعد إنْ شاء الله تعالى.
وأمَّا ما تضمَّنه الخبر من قوله: «بَدَا لِله فِيهِ» معناه بدا من الله فيه، وهكذا القول في جميع ما يُروى من أنَّه بدا لله في إسماعيل، معناه أنَّه بدا من الله، فإنَّ الناس كانوا يظنون في إسماعيل بن جعفر أنَّه الإمام بعد أبيه، فلمَّا مات علموا بطلان ذلك وتحقَّقوا إمامة موسى (عليه السلام)، وهكذا كانوا يظنُّون إمامة محمّد بن عليٍّ بعد أبيه، فلمَّا مات في حياة أبيه علموا بطلان ما ظنُّوه.
وأمَّا من قال: إنَّه لا ولد لأبي محمّد (عليه السلام) ولكن هاهنا حمل مشهور سيُولَد، فقوله باطل، لأنَّ هذا يُؤدِّي إلى خلوِّ الزمان من إمام يُرجَع إليه، وقد بيَّنَّا فساد ذلك.
على أنَّا سندلُّ على أنَّه قد وُلِدَ له ولد معروف، ونذكر الروايات في ذلك، فيبطل قول هؤلاء أيضاً.
وأمَّا من قال: إنَّ الأمر مشتبه، فلا يُدرى هل للحسن (عليه السلام) ولد أم لا؟ وهو مستمسِّك بالأوَّل حتَّى يتحقَّق ولادة ابنه، فقوله أيضاً يبطل بما قلناه من أنَّ الزمان لا يخلو من إمام، لأنَّ موت الحسن (عليه السلام) قد علمناه كما علمنا موت غيره، وسنُبيِّن ولادة ولده، فيبطل قولهم أيضاً.
وأمَّا من قال: إنَّه لا إمام بعد الحسن (عليه السلام)، فقوله باطل بما دلَلنا عليه من أنَّ الزمان لا يخلو من حجَّة لله عقلاً وشرعاً.
وأمَّا من قال: إنَّ أبا محمّد (عليه السلام) مات ويحيى بعد موته، فقوله باطل بمثل ما قلناه، لأنَّه يُؤدِّي إلى خلوِّ الخلق من إمام من وقت وفاته (عليه السلام) إلى حين يُحييه الله تعالى.
واحتجاجهم بما روي من أنَّ صاحب هذه الأمر يُحيى بعدما يموت، وأنَّه سُمِّي قائماً لأنَّه يقوم بعدما يموت(٢٥٩)، باطل، لأنَّ ذلك يحتمل - لو صحَّ الخبر - أنْ يكون أراد بعد أنْ مات ذكره(٢٦٠) حتَّى لا يذكره إلَّا من يعتقد إمامته، فيُظهِره الله لجميع الخلق.
على أنَّا قد بيَّنَّا أنَّ كلَّ إمام يقوم بعد الإمام الأوَّل يُسمَّى قائماً.
وأمَّا القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر(٢٦١) من الفطحيَّة وجعفر بن عليٍّ(٢٦٢)، فقولهم باطل بما دلَلنا عليه من وجوب عصمة الإمام، وهما لم يكونا معصومين، وأفعالهما الظاهرة التي تنافي العصمة معروفة نقلها العلماء، وهي موجودة في الكُتُب، فلا نُطوِّل بذكرها الكتاب.
على أنَّ المشهور الذي لا مرية فيه بين الطائفة أنَّ الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام)، فالقول بإمامة جعفر بعد أخيه الحسن يبطل بذلك.
فإذا ثبت بطلان هذه الأقاويل كلِّها لم يبقَ إلَّا القول بإمامة ابن الحسن (عليه السلام)، وإلَّا لأدَّى إلى خروج الحقِّ عن الأُمَّة، وذلك باطل.
[ذكر أنَّ الغيبة لحكمة اقتضاها، ونعلم ذلك إجمالاً]:
وإذا ثبتت إمامته بهذه السياقة ثمّ وجدناه غائباً عن الأبصار، علمنا أنَّه لم يغب مع عصمته وتعيُّن فرض(٢٦٣) الإمامة فيه وعليه إلَّا لسبب سوَّغه ذلك وضرورة ألجأته إليه، وإنْ لم يُعلَم على وجه التفصيل.
وجرى ذلك مجرى الكلام في إيلام الأطفال والبهائم وخلق المؤذيات والصور المشينات ومتشابه القرآن إذا سُئِلنا عن وجهها بأنْ نقول: إذا علمنا أنَّ الله تعالى حكيم لا يجوز أنْ يفعل ما ليس بحكمة ولا صواب، علمنا أنَّ هذه الأشياء لها وجه حكمة وإنْ لم نعلمه معيَّناً.
وكذلك نقول في صاحب الزمان (عليه السلام)، فإنَّا نعلم أنَّه لم يستتر إلَّا لأمر حكمي يُسوِّغه ذلك وإنْ لم نعلمه مفصَّلاً.
فإنْ قيل: نحن نعترض قولكم في إمامته بغيبته بأنْ نقول: إذا لم يمكنكم بيان وجه حسنها دلَّ ذلك على بطلان القول بإمامته، لأنَّه لو صحَّ لأمكنكم بيان وجه الحسن فيه.
قلنا: إنْ لزمنا ذلك لزم جميع أهل العدل قول الملحدة إذا قالوا: إنَّا نتوصَّل بهذه الأفعال التي ليست بظاهرة(٢٦٤) الحكمة إلى أنَّ فاعلها ليس بحكيم، لأنَّه لو كان حكيماً لأمكنكم بيان وجه الحكمة فيها، وإلَّا فما الفصل؟
فإذا قلتم: نتكلَّم أوَّلاً(٢٦٥) في إثبات حكمته، فإذا ثبت(٢٦٦) بدليل منفصل ثمّ وجدنا هذه الأفعال المشتبهة الظاهر حملناها على ما يطابق ذلك، فلا يُؤدِّي إلى نقض ما علمنا، ومتى لم يُسلِّموا لنا حكمته انتقلت المسألة إلى الكلام في حكمته.
قلنا: مثل ذلك ها هنا من أنَّ الكلام في غيبته فرع على إمامته، فإذا(٢٦٧) علمنا إمامته بدليل، وعلمنا عصمته بدليل آخر، وعلمناه غاب، حملنا غيبته على وجه يطابق عصمته، فلا فرق بين الموضعين.
ثمّ يقال للمخالف في الغيبة: أتُجوِّز أنْ يكون للغيبة سبب صحيح اقتضاها، ووجه من الحكمة أوجبها، أم لا تُجوِّز ذلك؟
فإنْ قال: يجوز ذلك.
قيل له: فإذا كان ذلك جائزاً فكيف جعلت وجود الغيبة دليلاً على فقد الإمام في الزمان مع تجويزك لها سبباً لا ينافي وجود الإمام؟ وهل يجري ذلك إلَّا مجرى من توصل بإيلام الأطفال إلى نفي حكمة الصانع تعالى وهو معترف بأنَّه يجوز أنْ يكون في إيلامهم وجه صحيح لا ينافي الحكمة، أو من توصَّل بظاهر الآيات المتشابهات إلى أنَّه تعالى مشبه للأجسام وخالق لأفعال العباد مع تجويزه أنْ يكون لها وجوه صحيحة توافق [الحكمة و](٢٦٨) العدل والتوحيد ونفي التشبيه؟
وإنْ قال: لا أُجوِّز ذلك.
قيل: هذا تحجُّر شديد فيما لا يُحاط بعلمه ولا يُقطَع على مثله، فمن أين قلت: إنَّ ذلك لا يجوز؟ وانفصل ممَّن قال: لا يجوز أنْ يكون للآيات المتشابهات وجوه صحيحة تطابق أدلَّة العقل، ولا بدَّ أنْ تكون على ظواهرها.
ومتى قيل: نحن متمكِّنون من ذكر وجوه الآيات المتشابهات، وأنتم لا تتمكَّنون من ذكر سبب صحيح للغيبة.
قلنا: كلامنا على من يقول: لا أحتاج إلى العلم بوجوه الآيات المتشابهات مفصَّلاً، بل يكفيني علم الجملة، ومتى تعاطيت ذلك كان تبرُّعاً، وإنْ اقتنعتم لنفسكم بذلك فنحن أيضاً نتمكَّن من ذكر وجه صحَّة الغيبة وغرض حكمي لا ينافي عصمته، وسنذكر ذلك فيما بعد، وقد تكلَّمنا عليه مستوفًى في كتاب الإمامة.
ثمّ يقال: كيف يجوز أنْ يجتمع صحَّة إمامة ابن الحسن (عليه السلام) بما بيَّنَّاه من سياقة الأُصول العقليَّة، مع القول بأنَّ الغيبة لا يجوز أنْ يكون لها سبب صحيح، وهل هذا إلَّا تناقض؟ ويجري مجرى القول بصحَّة التوحيد والعدل، مع القطع على أنَّه لا يجوز أنْ يكون للآيات المتشابهات وجه يطابق هذه الأُصول.
ومتى قالوا: نحن لا نُسلِّم إمامة ابن الحسن (عليه السلام)، كان الكلام معهم في ثبوت الإمامة دون الكلام في سبب الغيبة، وقد تقدَّمت الدلالة على إمامته (عليه السلام) بما لا يُحتاج إلى إعادته.
وإنَّما قلنا ذلك لأنَّ الكلام في سبب غيبة الإمام (عليه السلام) فرع على ثبوت إمامته، فأمَّا قبل ثبوتها فلا وجه للكلام في سبب غيبته، كما لا وجه للكلام في وجوه الآيات المتشابهات وإيلام الأطفال وحسن التعبُّد بالشرائع قبل ثبوت التوحيد والعدل.
فإنْ قيل: ألا كان السائل بالخيار بين الكلام في إمامة ابن الحسن (عليه السلام) ليعرف صحَّتها من فسادها، وبين أنْ يتكلَّم في سبب الغيبة؟
قلنا: لا خيار في ذلك، لأنَّ من شكَّ في إمامة ابن الحسن (عليه السلام) يجب أنْ يكون الكلام معه في نصِّ إمامته والتشاغل بالدلالة عليها، ولا يجوز مع الشكِّ فيها أنْ نتكلَّم في سبب الغيبة، لأنَّ الكلام في الفروع لا يسوغ إلَّا بعد إحكام الأُصول لها، كما لا يجوز أنْ يُتكلَّم في سبب إيلام الأطفال قبل ثبوت حكمة القديم تعالى وأنَّه لا يفعل القبيح.
وإنَّما رجَّحنا الكلام في إمامته (عليه السلام) على الكلام في غيبته وسببها، لأنَّ الكلام في إمامته مبنيٌّ على أُمور عقليَّة لا يدخلها الاحتمال، وسبب الغيبة ربَّما غمض واشتُبِهَ، فصار الكلام في الواضح الجليِّ أولى من الكلام في المشتبه الغامض، كما فعلناه مع المخالفين للملَّة، فرجَّحنا الكلام في نبوَّة نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على الكلام على ادِّعائهم تأبيد شرعهم، لظهور ذلك وغموض هذا، وهذا بعينه موجود هاهنا.
ومتى عادوا إلى أنْ يقولوا: الغيبة فيها وجه من وجوه القبح، فقد مضى الكلام عليه(٢٦٩). على أنَّ وجوه القبح معقولة، وهي كونه ظلماً أو كذباً أو عبثاً أو جهلاً أو استفساداً، وكلُّ ذلك ليس بحاصل هاهنا، فيجب أنْ لا يُدَّعى فيه وجه القبح.
فإنْ قيل: ألا منع اللهُ الخلقَ من الوصول إليه وحال بينهم وبينه ليقوم بالأمر ويحصل ما هو لطف لنا، كما نقول في النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذ بعثه الله تعالى، فإنَّ الله تعالى يمنع منه ما لم يُؤدِّ؟ فكان يجب أنْ يكون حكم الإمام مثله.
قلنا: المنع على ضربين:
أحدهما لا ينافي التكليف بأنْ لا يُلجِئ إلى ترك القبيح.
والآخر يُؤدِّي إلى ذلك.
فالأوَّل قد فعله الله تعالى من حيث منع من ظلمه بالنهي عنه، والحثِّ على وجوب طاعته، والانقياد لأمره ونهيه، وأنْ لا يُعصى في شيء من أوامره، وأنْ يساعد على جميع ما يقوي أمره ويشيد سلطانه، فإنَّ جميع ذلك لا ينافي التكليف، فإذا عصى من عصى في ذلك ولم يفعل ما يتمُّ معه الغرض المطلوب، يكون قد أتي من قِبَل نفسه لا من قِبَل خالقه.
والضرب الآخر أنْ يحول بينهم وبينه بالقهر والعجز عن ظلمه وعصيانه، فذلك لا يصحُّ اجتماعه مع التكليف، فيجب أنْ يكون ساقطاً.
فأمَّا النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإنَّما نقول: يجب أنْ يمنع الله منه حتَّى يُؤدِّي الشرع، لأنَّه لا يمكن أنْ يُعلَم ذلك إلَّا من جهته، فلذلك وجب المنع منه.
وليس كذلك الإمام، لأنَّ علَّة المكلَّفين مزاحة فيما يتعلَّق بالشرع، والأدلَّة منصوبة على ما يحتاجون إليه، ولهم طريق إلى معرفتها من دون قوله، ولو فرضنا أنَّه ينتهي الحال إلى حدٍّ لا يُعرَف الحقُّ من الشرعيَّات إلَّا بقوله، لوجب أنْ يمنع الله تعالى منه ويُظهِره بحيث لا يُوصَل إليه مثل النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ونظير مسألة الإمام أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا أدَّى ثمّ عرض فيما بعد ما يوجب خوفه، لا يجب على الله تعالى المنع منه، لأنَّ علَّة المكلَّفين قد انزاحت بما أدَّاه إليهم، فلهم طريق إلى معرفة لطفهم.
اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يتعلَّق به أداء آخر في المستقبل، فإنَّه يجب المنع منه كما يجب في الابتداء، فقد سوَّينا بين النبيِّ والإمام.
[ذكر ما يمكن أنْ يكون حكمةً وسبباً للغيبة]:
فإنْ قيل: بينوا على كلِّ حالٍ - وإنْ لم يجب عليكم - وجه علَّة الاستتار وما يمكن أنْ يكون علَّة على وجه ليكون أظهر في الحجَّة وأبلغ في باب البرهان.
قلنا: ممَّا يُقطَع على أنَّه سبب لغيبة الإمام هو خوفه على نفسه بالقتل بإخافة الظالمين إيَّاه، ومنعهم إيَّاه من التصرُّف فيما جُعِلَ إليه التدبير والتصرُّف فيه، فإذا حيل بينه وبين مراده سقط فرض القيام بالإمامة، وإذا خاف على نفسه وجبت غيبته، ولزم استتاره كما استتر النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تارةً في الشعب، وأُخرى في الغار، ولا وجه لذلك إلَّا الخوف من المضارِّ الواصلة إليه.
وليس لأحدٍ أنْ يقول: إنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما استتر عن قومه إلَّا بعد أدائه إليهم ما وجب عليه أداؤه ولم يتعلَّق بهم إليه حاجة، وقولكم في الإمام بخلاف ذلك، وأيضاً فإنَّ استتار النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما طال ولا تمادى، واستتار الإمام قد مضت عليه الدهور، وانقرضت عليه العصور.
وذلك أنَّه ليس الأمر على ما قالوه، لأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنَّما استتر في الشِّعب والغار بمكَّة قبل الهجرة، وما كان أدَّى جميع الشريعة، فإنَّ أكثر الأحكام ومعظم القرآن نزل بالمدينة، فكيف أوجبتم أنَّه كان بعد الأداء؟
ولو كان الأمر على ما قالوه من تكامل الأداء قبل الاستتار، لما كان ذلك رافعاً للحاجة إلى تدبيره وسياسته وأمره ونهيه، فإنَّ أحداً لا يقول: إنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد أداء الشرع غير محتاج إليه ولا مُفتقَر إلى تدبيره، ولا يقول ذلك معاند.
وهو الجواب عن قول من قال: إنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما يتعلَّق من مصلحتنا قد أدَّاه، وما يُؤدِّي في المستقبل لم يكن في الحال مصلحة للخلق، فجاز ذلك الاستتار، وليس كذلك الإمام عندكم، لأنَّ تصرُّفه في كلِّ حالٍ لطف للخلق، فلا يجوز له الاستتار على وجه، ووجب تقويته والمنع منه ليظهر ويزاح علَّة المكلَّف.
لأنَّا قد بيَّنَّا أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع أنَّه أدَّى المصلحة التي تعلَّقت بتلك الحال فلم يُسْتَغْنَ عن أمره ونهيه وتدبيره بلا خلاف بين المحصِّلين، ومع هذا جاز له الاستتار، فكذلك الإمام.
على أنَّ أمر الله تعالى له بالاستتار بالشِّعب تارةً وفي الغار أُخرى ضرب من المنع منه، لأنَّه ليس كلُّ المنع أنْ يحول بينهم وبينه بالعجز أو بتقويته بالملائكة، لأنَّه لا يمتنع أنْ يُفرَض(٢٧٠) في تقويته بذلك مفسدة في الدِّين فلا يحسن من الله تعالى فعله، ولو كان خاليا من وجوه الفساد وعلم الله تعالى أنَّه تقتضيه المصلحة لقوَّاه بالملائكة، وحال بينهم وبينه، فلمَّا لم يفعل ذلك مع ثبوت حكمته ووجوب إزاحة علَّة المكلَّفين، علمنا أنَّه لم يتعلَّق به مصلحة بل مفسدة.
وكذلك نقول في الإمام (عليه السلام): إنَّ الله تعالى منع من قتله بأمره بالاستتار والغيبة، ولو علم أنَّ المصلحة تتعلَّق بتقويته بالملائكة لفعل، فلمَّا لم يفعل مع ثبوت حكمته ووجوه إزاحة علَّة المكلَّفين في التكليف، علمنا أنَّه لم يتعلَّق به مصلحة، بل ربَّما كان فيه مفسدة.
بل الذي نقول: إنَّ في الجملة يجب على الله تعالى تقوية يد الإمام بما يتمكَّن معه من القيام، ويبسط يده، ويُمكِّن ذلك بالملائكة وبالبشر، فإذا لم يفعله بالملائكة علمنا أنَّه لأجل أنَّه تعلَّق به مفسدة، فوجب أنْ يكون متعلِّقاً بالبشر، فإذا لم يفعلوه أتوا من قِبَل نفوسهم لا من قِبَله تعالى، فيبطل بهذا التحرير جميع ما يُورَد من هذا الجنس، وإذا جاز في النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنْ يستتر مع الحاجة إليه لخوف الضرر وكانت التبعة في ذلك لازمة لمخيفيه ومحوجيه إلى الغيبة، فكذلك غيبة الإمام (عليه السلام) سواء.
فأمَّا التفرقة بطول الغيبة وقصرها فغير صحيحة، لأنَّه لا فرق في ذلك بين القصير المنقطع والطويل الممتدِّ، لأنَّه إذا لم يكن في الاستتار لائمة على المستتر إذا أُحوج إليه، بل اللَّائمة على من أحوجه إليها، جاز أنْ يتطاول سبب الاستتار كما جاز أنْ يقصر زمانه.
فإنْ قيل: إذا كان الخوف أحوجه إلى الاستتار فقد كان آباؤه (عليهم السلام) عندكم على تقيَّة وخوف من أعدائهم، فكيف لم يستتروا؟
قلنا: ما كان على آبائه (عليهم السلام) خوف من أعدائهم، مع لزوم التقيَّة والعدول عن التظاهر بالإمامة ونفيها عن نفوسهم، وإمام الزمان (عليه السلام) كلُّ الخوف عليه، لأنَّه يظهر بالسيف، ويدعو إلى نفسه، ويجاهد من خالفه عليه، فأيُّ نسبة بين خوفه من الأعداء وخوف آبائه (عليهم السلام) لولا قلَّة التأمُّل.
على أنَّ آباءه (عليهم السلام) متى قُتلوا أو ماتوا كان هناك من يقوم مقامهم ويسدُّ مسدَّهم يصلح للإمامة من أولاده، وصاحب الأمر (عليه السلام) بالعكس من ذلك، لأنَّ من المعلوم أنَّه لا يقوم أحد مقامه، ولا يسدُّ مسدَّه، فبان الفرق بين الأمرين.
وقد بيَّنَّا فيما تقدَّم الفرق بين وجوده غائباً لا يصل إليه أحد أو أكثرهم وبين عدمه حتَّى إذا كان المعلوم التمكُّن بالأمر يُوجِده.
وكذلك قولهم: ما الفرق بين وجوده بحيث لا يصل إليه أحد وبين وجوده في السماء؟
بأنْ قلنا: إذا كان موجوداً في السماء بحيث لا يخفى عليه أخبار أهل الأرض فالسماء كالأرض، وإنْ كان يخفى عليه أمرهم فذلك يجري مجرى عدمه، ثمّ نقلب عليهم في النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأنْ يقال: أيُّ فرق بين وجوده مستتراً وبين عدمه وكونه في السماء؟ فأيُّ شيء قالوه قلنا مثله، على ما مضى القول فيه.
وليس لهم أنْ يُفرِّقوا بين الأمرين بأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما استتر من كلِّ أحد وإنَّما استتر من أعدائه، وإمام الزمان مستتر عن الجميع.
لأنَّا أوَّلاً لا نقطع على أنَّه مستتر عن جميع أوليائه، والتجويز في هذا الباب كافٍ.
على أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لـمَّا استتر في الغار كان مستتراً من أوليائه وأعدائه، ولم يكن معه إلَّا أبو بكر وحده، وقد كان يجوز أنْ يستتر بحيث لا يكون معه أحد من وليٍّ ولا عدوٍّ إذا اقتضت المصلحة ذلك.
[السؤال عن حكم الحدود حال الغيبة وجوابه]:
فإنْ قيل: فالحدود في حال الغيبة ما حكمها؟ فإنْ سقطت عن الجاني على ما يوجبها الشرع فهذا نسخ الشريعة، وإنْ كانت باقية فمن يقيمها؟
قلنا: الحدود المستحقَّة باقية في جنوب مستحقِّيها، فإنْ ظهر الإمام ومستحقُّوها باقون أقامها عليهم بالبيِّنة أو الإقرار، وإنْ كان فات ذلك بموته كان الإثم في تفويتها على من أخاف الإمام وألجأه إلى الغيبة، وليس هذا نسخاً لإقامة الحدود، لأنَّ الحدَّ إنَّما يجب إقامته مع التمكُّن وزوال المنع، ويسقط مع الحيلولة، وإنَّما يكون ذلك نسخاً لو سقط إقامتها مع الإمكان وزوال الموانع.
ويقال لهم: ما يقولون في الحال التي لا يتمكَّن أهل الحلِّ والعقد من اختيار الإمام، ما حكم الحدود؟
فإنْ قلتم: سقطت، فهذا نسخ على ما ألزمتمونا.
وإنْ قلتم: هي باقية في جنوب مستحقِّيها، فهو جوابنا بعينه.
فإنْ قيل: قد قال أبو عليٍّ(٢٧١): إنَّ في الحال التي لا يتمكَّن أهل الحلِّ والعقد من نصب الإمام يفعل الله ما يقوم مقام إقامة الحدود ويزاح(٢٧٢) علَّة المكلَّف.
وقال أبو هاشم(٢٧٣): إنَّ إقامة الحدود دنياويَّة لا تعلُّق لها بالدِّين.
قلنا: أمَّا ما قاله أبو عليٍّ فلو قلنا مثله ما ضرَّنا، لأنَّ إقامة الحدود ليس هو الذي لأجله أوجبنا الإمام حتَّى إذا فات إقامتها انتقض دلالة الإمامة، بل ذلك تابع للشرع، وقد قلنا: إنَّه لا يمتنع أنْ يسقط فرض إقامتها في حال انقباض يد الإمام أو تكون باقية في جنوب أصحابها، وكما جاز ذلك جاز أيضاً أنْ يكون هناك ما يقوم مقامها، فإذا صرنا إلى ما قاله لم ينتقض علينا أصل.
وأمَّا ما قاله أبو هاشم من أنَّ ذلك لمصالح الدنيا، فبعيد، لأنَّ ذلك عبادة واجبة، ولو كان لمصلحة دنياويَّة لما وجبت.
على أنَّ إقامة الحدود عنده على وجه الجزاء والنكال جزء من العقاب، وإنَّما قُدِّم في دار الدنيا بعضه لما فيه من المصلحة، فكيف يقول مع ذلك: إنَّه لمصالح دنياويَّة؟ فبطل ما قالوه.
[السؤال عن طريق إصابة الحقِّ حال الغيبة وجوابه]:
فإنْ قيل: كيف الطريق إلى إصابة الحقِّ مع غيبة الإمام؟
فإنْ قلتم: لا سبيل إليها، جعلتم الخلق في حيرة وضلالة وشكٍّ في جميع أُمورهم.
وإنْ قلتم: يصاب الحقُّ بأدلَّته، قيل لكم: هذا تصريح بالاستغناء عن الإمام بهذه الأدلَّة.
قلنا: الحقُّ على ضربين: عقلي وسمعي، فالعقلي يُصاب بأدلَّته، والسمعي عليه أدلَّة منصوبة من أقوال النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ونصوصه وأقوال الأئمَّة (عليهم السلام) من ولده، وقد بيَّنوا ذلك وأوضحوه، ولم يتركوا منه شيئاً لا دليل عليه.
غير أنَّ هذا وإنْ كان على ما قلناه، فالحاجة إلى الإمام قد بيَّنَّا ثبوتها، لأنَّ جهة الحاجة إليه المستمرَّة في كلِّ حالٍ وزمانٍ كونه لطفاً على ما تقدَّم القول فيه، ولا يقوم غيره مقامه، فالحاجة المتعلِّقة بالسمع أيضاً ظاهرة، لأنَّ النقل وإنْ كان وارداً عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعن آباء الإمام (عليهم السلام) بجميع ما يُحتاج إليه في الشريعة، فجائز على الناقلين العدول عنه، إمَّا تعمُّداً وإمَّا لشبهة، فينقطع النقل، أو يبقى فيمن لا حجَّة في نقله.
وقد استوفينا هذه الطريقة في (تلخيص الشافي)(٢٧٤)، فلا نُطوِّل بذكرها الكتاب.
فإنْ قيل: لو فرضنا أنَّ الناقلين كتم بعض منهم بعض الشريعة واحتيج إلى بيان الإمام ولم يُعلَم الحقُّ إلَّا من جهته، وكان خوف القتل من أعدائه مستمرًّا، كيف يكون الحال؟
فإنْ قلتم: يظهر وإنْ خاف القتل، فيجب أنْ يكون خوف القتل غير مبيح له الاستتار ويلزم ظهوره.
وإنْ قلتم: لا يظهر وسقط التكليف في ذلك الشيء المكتوم عن الأُمَّة، خرجتم من الإجماع، لأنَّه منعقد على أنَّ كلَّ شيء شرَّعه النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأوضحه فهو لازم للأُمَّة إلى أنْ تقوم الساعة.
وإنْ قلتم: إنَّ التكليف لا يسقط، صرَّحتم بتكليف ما لا يُطاق، وإيجاب العمل بما لا طريق إليه.
قلنا: قد أجبنا عن هذا السؤال في (التلخيص)(٢٧٥) مستوفًى، وجملته أنَّ الله تعالى لو علم أنَّ النقل ببعض الشرع المفروض ينقطع في حال يكون تقيَّة الإمام فيها مستمرَّة، وخوفه من الأعداء باقياً، لأسقط ذلك عمَّن لا طريق له إليه، فإذا علمنا بالإجماع أنَّ تكليف الشرع مستمرٌّ ثابت على جميع الأُمَّة إلى قيام الساعة، علمنا عند ذلك أنَّه لو اتَّفق انقطاع النقل بشيء من الشرع لما كان ذلك إلَّا في حال يتمكَّن فيها الإمام (عليه السلام) من الظهور والبروز والإعلام والإنذار.
وكان المرتضى (رحمه الله) يقول أخيراً: لا يمتنع أنْ يكون هاهنا أُمور كثيرة غير واصلة إلينا هي مودعة عند الإمام (عليه السلام)، وإنْ كان قد كتمها الناقلون ولم ينقلوها، ولم يلزم مع ذلك سقوط التكليف عن الخلق، لأنَّه إذا كان سبب الغيبة خوفه على نفسه من الذين أخافوه، فمن أحوجه إلى الاستتار أُتي من قِبَل نفسه في فوت ما يفوته من الشرع، كما أنَّه أُتي من قِبَل نفسه فيما يفوته من تأديب الإمام وتصرُّفه من حيث أحوجه إلى الاستتار، ولو زال خوفه لظهر، فيحصل له اللطف بتصرُّفه، وتبيَّن له ما عنده ممَّا انكتم عنه، فإذا لم يفعل وبقي مستتراً(٢٧٦) أُتي من قِبَل نفسه في الأمرين، وهذا قويٌّ تقتضيه الأُصول.
[علَّة غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) من أوليائه]:
وفي أصحابنا من قال: إنَّ علَّة الاستتار عن أوليائه خوفه من أنْ يشيعوا خبره، ويتحدَّثوا باجتماعهم معه سروراً به، فيُؤدِّي ذلك إلى الخوف من الأعداء وإنْ كان غير مقصود.
وهذا الجواب يضعف، لأنَّ عقلاء شيعته لا يجوز أنْ يخفى عليهم ما في إظهار اجتماعهم معه من الضرر عليه وعليهم، فكيف يُخبرون بذلك العامَّة مع علمهم بما عليه وعليهم فيه من المضرَّة العامَّة، وإنْ جاز هذا على الواحد والاثنين لا يجوز على جماعة شيعته الذين لا يظهر لهم.
على أنَّ هذا يلزم عليه أنْ يكون شيعته قد عُدِموا الانتفاع به على وجه لا يتمكَّنون من تلافيه وإزالته، لأنَّه إذا عُلِّق الاستتار بما يُعلَم من حالهم أنَّهم يفعلونه، فليس في مقدورهم الآن ما يقتضي من ظهور الإمام (عليه السلام)، وهذا يقتضي سقوط التكليف الذي الإمام لطف فيه عنهم.
وفي أصحابنا من قال: علَّة استتاره عن الأولياء ما يرجع إلى الأعداء، لأنَّ انتفاع جميع الرعيَّة من وليٍّ وعدوٍّ بالإمام إنَّما يكون بأنْ ينفذ أمره ببسط يده، فيكون ظاهراً متصرِّفاً بلا دافع ولا منازع، وهذا ممَّا المعلوم أنَّ الأعداء قد حالوا دونه ومنعوا منه.
قالوا: ولا فائدة في ظهوره سرًّا لبعض أوليائه، لأنَّ النفع المبتغى من تدبير الأُمَّة لا يتمُّ إلَّا بظهوره للكلِّ ونفوذ الأمر، فقد صارت العلَّة في استتار الإمام على الوجه الذي هو لطف ومصلحة للجميع واحدة.
ويمكن أنْ يعترض هذا الجواب بأنْ يقال: إنَّ الأعداء وإنْ حالوا بينه وبين الظهور على وجه التصرُّف والتدبير، فلم يحولوا بينه وبين لقاء من شاء من أوليائه على سبيل الاختصاص، وهو يعتقد طاعته ويوجب اتِّباع أوامره، فإنْ كان لا نفع في هذا اللقاء لأجل الاختصاص لأنَّه غير نافذ الأمر للكلِّ، فهذا تصريح بأنَّه لا انتفاع للشيعة الإماميَّة بلقاء أئمَّتها من لدن وفاة أمير المؤمنين إلى أيَّام الحسن بن عليِّ أبي القائم (عليهم السلام) لهذه العلَّة.
ويوجب أيضاً أنْ يكون أولياء أمير المؤمنين (عليه السلام) وشيعته لم يكن لهم بلقائه انتفاع قبل انتقال الأمر إلى تدبيره وحصوله في يده، وهذا بلوغ من قائله إلى حدٍّ لا يبلغه متأمِّل.
على أنَّه لو سُلِّم أنَّ الانتفاع بالإمام لا يكون إلَّا مع الظهور لجميع الرعيَّة ونفوذ أمره فيهم لبطل قولهم من وجه آخر، وهو أنَّه يُؤدِّي إلى سقوط التكليف الذي الإمام لطف فيه عن شيعته، لأنَّه إذا لم يظهر لهم لعلَّة لا يرجع إليهم ولا كان في قدرتهم وإمكانهم إزالته، فلا بدَّ من سقوط التكليف عنهم، لأنَّه لو جاز أنْ يمنع قوم من المكلَّفين غيرهم لطفهم، ويكون التكليف الذي ذلك اللطف لطف فيه مستمرًّا عليهم، لجاز أنْ يمنع بعض المكلَّفين غيره بقيد وما أشبهه من المشي على وجه لا يمكن(٢٧٧) من إزالته، ويكون تكليف المشي مع ذلك مستمرًّا على الحقيقة.
وليس لهم أنْ يُفرِّقوا بين القيد وبين اللطف من حيث كان القيد يتعذَّر معه الفعل(٢٧٨) ولا يُتوهَّم وقوعه، وليس كذلك فقد اللطف، لأنَّ أكثر أهل العدل على أنَّ فقد اللطف كفقد القدرة والآلة، وأنَّ التكليف مع فقد اللطف فيمن له لطف معلوم كالتكليف مع فقد القدرة والآلة ووجود الموانع، وأنَّ من لم يفعل له اللطف ممَّن له لطف معلوم غير مزاح العلَّة في التكليف، كما أنَّ الممنوع غير مزاح العلَّة.
والذي ينبغي أنْ يُجاب عن السؤال الذي ذكرناه عن المخالف أنْ نقول: إنَّا أوَّلاً لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه، بل يجوز أنْ يظهر لأكثرهم، ولا يعلم كلُّ إنسان إلَّا حال نفسه، فإنْ كان ظاهراً له فعلَّته مزاحة، وإنْ لم يكن ظاهراً له عُلِمَ(٢٧٩) أنَّه إنَّما لم يظهر له لأمر يرجع إليه وإنْ لم يعلمه مفصَّلاً لتقصير من جهته، وإلَّا لم يحسن تكليفه.
فإذا عُلِمَ بقاء تكليفه عليه واستتار الإمام عنه عُلِمَ أنَّه لأمر يرجع إليه، كما تقوله جماعتنا فيمن لم ينظر في طريق معرفة الله تعالى فلم يحصل له العلم، وجب أنْ يُقطَع على أنَّه إنَّما لم يحصل لتقصير يرجع إليه، وإلَّا وجب إسقاط تكليفه وإنْ لم يعلم ما الذي وقع تقصيره فيه.
فعلى هذا التقرير(٢٨٠) أقوى ما يُعلَّل به ذلك أنَّ الإمام إذا ظهر ولا يُعلَم شخصه وعينه من حيث المشاهدة، فلا بدَّ من أنْ يظهر عليه علم معجز يدلُّ على صدقه، والعلم بكون الشيء معجزاً يحتاج إلى نظر يجوز أنْ يعترض فيه شبهة، فلا يمتنع أنْ يكون المعلوم من حال من لم يظهر له أنَّه متى ظهر وأظهر المعجز لم ينعم النظر فيدخل عليه فيه شبهة، فيعتقد أنَّه كذَّاب ويشيع خبره فيُؤدِّي إلى ما تقدَّم القول فيه.
فإنْ قيل: أيُّ تقصير وقع من الوليِّ الذي لم يظهر له الإمام لأجل هذا المعلوم من حاله؟ وأيُّ قدرة له على النظر فيما يُظهِر له الإمام معه؟ وإلى أيِّ شيء يُرجَع في تلافي ما يوجب غيبته؟
قلنا: ما أحلنا في سبب الغيبة عن الأولياء إلَّا على معلوم يظهر موضع التقصير فيه وإمكان تلافيه، لأنَّه غير ممتنع أنْ يكون من المعلوم من حاله أنَّه متى ظهر له الإمام قصَّر في النظر في معجزه، فإنَّما أُتي في ذلك لتقصيره الحاصل في العلم بالفرق بين المعجز والممكن، والدليل من ذلك والشبهة، ولو كان من ذلك على قاعدة صحيحة لم يجز أنْ يشتبه عليه معجز الإمام عند ظهوره له، فيجب عليه تلافي هذا التقصير واستدراكه.
وليس لأحدٍ أنْ يقول: هذا تكليف لما لا يطاق وحوالة على غيب، لأنَّ هذا الوليَّ ليس يعرف ما قصَّر فيه بعينه من النظر والاستدلال فيستدركه حتَّى يتمهَّد في نفسه ويتقرَّر، ونراكم تلزمونه ما لا يلزمه، وذلك أنَّ ما يلزم في التكليف قد يتميَّز تارةً ويشتبه أُخرى بغيره، وإنْ كان التمكُّن من الأمرين ثابتاً حاصلاً.
فالوليُّ على هذا إذا حاسب نفسه ورأى أنَّ الإمام لا يظهر له وأفسد أنْ يكون السبب في الغيبة ما ذكرناه من الوجوه الباطلة وأجناسها، علم أنَّه لا بدَّ من سبب يرجع إليه.
وإذا علم أنَّ أقوى العلل ما ذكرناه، علم أنَّ التقصير واقع من جهته في صفات المعجز وشروطه، فعليه معاودة النظر في ذلك عند ذلك، وتخليصه من الشوائب وما يوجب الالتباس، فإنَّه من اجتهد في ذلك حقَّ الاجتهاد ووفَّى النظر شروطه، فإنَّه لا بدَّ من وقوع العلم بالفرق بين الحقِّ والباطل، وهذه المواضع الإنسان فيها على نفسه بصيرة، وليس يمكن أنْ يُؤمَر فيها بأكثر من التناهي في الاجتهاد، والبحث والفحص والاستسلام للحقِّ، وقد بيَّنَّا أنَّ هذا نظير ما نقول لمخالفينا إذا نظروا في أدلَّتنا ولم يحصل لهم العلم سواء.
فإنْ قيل: لو كان الأمر على ما قلتم لوجب أنْ لا يعلم شيئاً من المعجزات في الحال، وهذا يُؤدِّي إلى أنْ لا يعلم النبوَّة وصدق الرسول، وذلك يُخرجه عن الإسلام فضلاً عن الإيمان.
قلنا: لا يلزم ذلك، لأنَّه لا يمتنع أنْ تدخل الشبهة في نوع من المعجزات دون نوع، وليس إذا دخلت الشبهة في بعضها دخل في سائرها، فلا يمتنع أنْ يكون المعجز الدالُّ على النبوَّة لم تدخل عليه فيه شبهة، فحصل له العلم بكونه معجزاً وعلم عند ذلك نبوَّة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والمعجز الذي يظهر على يد الإمام إذا ظهر يكون أمراً آخر يجوز أنْ يدخل عليه الشبهة في كونه معجزاً، فيشكُّ حينئذٍ في إمامته وإنْ كان عالماً بالنبوَّة.
وهذا كما نقول: إنَّ من علم نبوَّة موسى (عليه السلام) بالمعجزات الدالَّة على نبوَّته إذا لم ينعم النظر في المعجزات الظاهرة على عيسى ونبيِّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يجب أنْ يُقطَع على أنَّه ما عرف تلك المعجزات، لأنَّه لا يمتنع أنْ يكون عارفاً بها وبوجه دلالتها وإنْ لم يعلم هذه المعجزات واشتبه عليه وجه دلالتها.
فإنْ قيل: فيجب على هذا أنْ يكون كلُّ من لم يظهر له الإمام يقطع على أنَّه على كبيرة يلحق بالكفر، لأنَّه مقصِّر على ما فرضتموه فيما يوجب غيبة الإمام عنه ويقتضي فوت مصلحته، فقد لحق الوليُّ على هذا بالعدوِّ.
قلنا: ليس يجب في التقصير الذي أشرنا إليه أنْ يكون كفراً ولا ذنباً عظيماً، لأنَّه في هذه الحال ما اعتقد في الإمام أنَّه ليس بإمام، ولا أخافه على نفسه، وإنَّما قصَّر في بعض العلوم تقصيراً كان كالسبب في أنْ عُلِمَ من حاله أنَّ ذلك الشكَّ في الإمامة يقع منه مستقبلاً، والآن فليس بواقع، فغير لازم أنْ يكون كافراً، غير أنَّه وإنْ لم يلزم أن يكون كفراً ولا جارياً مجرى تكذيب الإمام والشكِّ في صدقه، فهو ذنب وخطأ لا ينافيان الإيمان واستحقاق الثواب، ولن يلحق الوليُّ بالعدوِّ على هذا التقدير، لأنَّ العدو في الحال معتقد في الإمام ما هو كفر وكبيرة، والوليُّ بخلاف ذلك.
وإنَّما قلنا: إنَّ ما هو كالسبب في الكفر لا يجب أنْ يكون كفراً في الحال أنَّ أحداً لو اعتقد في القادر منَّا بقدرة أنَّه يصحُّ أنْ يفعل في غيره من الأجسام مبتدئاً، كان ذلك خطأً وجهلاً ليس بكفر، ولا يمتنع أنْ يكون المعلوم من حال هذا المعتقِد أنَّه لو ظهر نبيٌّ يدعو إلى نبوَّته وجعل معجزه أنْ يفعل الله تعالى على يده فعلاً بحيث لا يصل إليه أسباب البشر أنَّه لا يقبله، وهذا لا محالة لو علم أنَّه معجز كان يقبله، وما سبق من اعتقاده في مقدور القدر كان كالسبب في هذا، ولم يلزم أنْ يجري مجراه في الكفر.
فإنْ قيل: إنَّ هذا الجواب أيضاً لا يستمرُّ على أصلكم، لأنَّ الصحيح من مذهبكم أنَّ من عرف الله تعالى بصفاته وعرف النبوَّة والإمامة وحصل مؤمناً لا يجوز أنْ يقع منه كفر أصلاً، فإذا ثبت هذا فكيف يمكنكم أنْ تجعلوا علَّة الاستتار عن الوليِّ أنَّ المعلوم من حاله أنَّه إذا ظهر الإمام فظهر على يده علم معجز شكَّ فيه ولا يعرفه إماماً، وإنَّ الشكَّ في ذلك كفر، وذلك ينقض أصلكم الذي صحَّحتموه.
قيل: هذا الذي ذكرتموه ليس بصحيح، لأنَّ الشكَّ مع المعجز الذي يظهر على يد الإمام ليس بقادح في معرفته لغير(٢٨١) الإمام على طريق الجملة، وإنَّما يقدح في أنَّ ما علم على طريق الجملة وصحَّت معرفته هل هو هذا الشخص أم لا؟ والشكُّ في هذا ليس بكفر، لأنَّه لو كان كفراً لوجب أنْ يكون كفراً وإنْ لم يُظهِر المعجز، فإنَّه لا محالة قبل ظهور هذا المعجز في يده شاكٌّ فيه، ويجوز كونه إماماً وكون غيره كذلك، وإنَّما يقدح في العلم الحاصل له على طريق الجملة أنْ لو شكَّ في المستقبل في إمامته على طريق الجملة، وذلك ممَّا يمنع من وقوعه منه مستقبلاً.
وكان المرتضى (رضي الله عنه) يقول: سؤال المخالف لنا - لِمَ لا يظهر الإمام للأولياء؟ - غير لازم، لأنَّه إنْ كان غرضه أنَّ لطف الوليِّ غير حاصل، فلا يحصل تكليفه فإنَّه لا يتوجَّه، فإنَّ لطف الوليِّ حاصل، لأنَّه إذا علم الوليُّ أنَّ له إماماً غائباً يتوقَّع ظهوره (عليه السلام) ساعة ساعة ويجوز انبساط يده في كلِّ حال، فإنَّ خوفه من تأديبه حاصل، وينزجر لمكانه عن المقبّحات، ويفعل كثيراً من الواجبات، فيكون حال غيبته كحال كونه في بلد آخر، بل ربَّما كان في حال الاستتار أبلغ، لأنَّه مع غيبته يجوز أنْ يكون معه في بلده وفي جواره، ويشاهده من حيث لا يعرفه ولا يقف على أخباره، وإذا كان في بلد آخر ربَّما خفي عليه خبره، فصار حال الغيبة [و](٢٨٢) الانزجار حاصلاً عن(٢٨٣) القبيح على ما قلناه.
وإذا لم يكن قد فاتهم اللطف جاز استتاره عنهم وإنْ سُلِّم أنَّه يحصل ما هو لطف لهم، ومع ذلك يقال: لِمَ لا يظهر لهم؟ قلنا: ذلك غير واجب على كلِّ حالٍ، فسقط السؤال من أصله.
على أنَّ لطفهم بمكانه حاصل من وجه آخر، وهو أنَّ لمكانه يثقون بوصول جميع الشرع إليهم، ولولاه لما وثقوا بذلك وجوَّزوا أنْ يخفى عليهم كثير من الشرع وينقطع دونهم، وإذا علموا وجوده في الجملة أمنوا جميع ذلك، فكان اللطف بمكانه حاصلاً من هذا الوجه أيضاً.
[ذكر أنَّ ستر ولادة صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) ليس من خوارق العادات، وما لها من النظائر]:
وقد ذكرنا فيما تقدَّم أنَّ ستر ولادة صاحب الزمان (عليه السلام) ليس بخارق للعادات، إذ جرى أمثال ذلك فيما تقدَّم من أخبار الملوك، وقد ذكره العلماء من الفرس ومن روى أخبار الدولتين.
من ذلك ما هو مشهور كقصَّة كيخسرو وما كان من ستر أُمِّه حملها وإخفاء ولادتها، وأُمُّه بنت ولد أفراسياب مَلِك الترك، وكان جدُّه كيقاوس أراد قتل ولده فسترته أُمُّه إلى أنْ ولدته، وكان من قصَّته ما هو مشهور في كُتُب التواريخ، ذكره الطبري(٢٨٤).
وقد نطق القرآن بقصَّة إبراهيم (عليه السلام)، وأنَّ أُمَّه ولدته خفيًّا وغيَّبته في المغارة حتَّى بلغ، وكان من أمره ما كان(٢٨٥).
وما كان من قصَّة موسى (عليه السلام)، فإنَّ أُمَّه ألقته في البحر خوفاً عليه وإشفاقاً من فرعون عليه، وذلك مشهور نطق به القرآن(٢٨٦).
ومثل ذلك قصَّة صاحب الزمان (عليه السلام) سواء، فكيف يقال: إنَّ هذا خارج عن العادات.
ومن الناس من يكون له ولد من جارية يستتر بها(٢٨٧) من زوجته برهة من الزمان حتَّى إذا حضرته الوفاة أقرَّ به.
وفي الناس من يستر أمر ولده خوفاً من أهله أنْ يقتلوه طمعاً في ميراثه، قد جرت العادات بذلك، فلا ينبغي أنْ يُتعجَّب من مثله في صاحب الزمان (عليه السلام)، وقد شاهدنا من هذا الجنس كثيراً وسمعنا منه غير قليل، فلا نُطوِّل بذكره، لأنَّه معلوم بالعادات.
وكم وجدنا من ثبت نسبه بعد موت أبيه بدهر طويل، ولم يكن أحد يعرفه إذا شهد بنسبه رجلان مسلمان، ويكون الأب أشهدهما على نفسه ستراً عن أهله وخوفاً من زوجته وأهله، فوصَّى به فشهدا بعد موته، أو شهدا بعقده على امرأة عقداً صحيحاً فجاءت بولد يمكن أنْ يكون منه، فوجب بحكم الشرع إلحاقه به.
[إثبات ولادة صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) وإبطال ما أُورد عليه من الشُّبَه]:
والخبر بولادة ابن الحسن (عليه السلام) وارد من جهات أكثر ممَّا يثبت به الأنساب في الشرع، ونحن نذكر طرفاً من ذلك فيما بعد إنْ شاء الله تعالى(٢٨٨).
وأمَّا إنكار جعفر بن عليٍّ(٢٨٩) - عمّ صاحب الزمان (عليه السلام) - شهادة الإماميَّة بولد لأخيه الحسن بن عليٍّ وُلِدَ في حياته، ودفعه بذلك وجوده بعده، وأخذه تركته وحوزه ميراثه، وما كان منه في حمل سلطان الوقت على حبس جواري الحسن (عليه السلام) واستبدالهنَّ بالاستبراء لهنَّ من الحمل ليتأكُّد نفيه لولد أخيه وإباحته دماء شيعتهم بدعواهم خلفاً له بعده كان أحقّ بمقامه، فليس بشبهة يعتمد على مثلها أحد من المحصِّلين، لاتِّفاق الكلِّ على أنَّ جعفراً لم يكن له عصمة كعصمة الأنبياء فيمتنع عليه لذلك إنكار حقٍّ ودعوى باطل، بل الخطأ جائز عليه، والغلط غير ممتنع منه(٢٩٠).
وقد نطق القرآن بما كان من ولد يعقوب (عليه السلام) مع أخيهم يوسف (عليه السلام) وطرحهم إيَّاه في الجُبِّ، وبيعهم إيَّاه بالثمن البخس، وهم أولاد الأنبياء، وفي الناس من يقول: كانوا أنبياء.
فإذا جاز منهم مثل ذلك مع عظم الخطأ فيه، فلِمَ لا يجوز مثله من جعفر بن عليٍّ مع ابن أخيه، وأنْ يفعل معه من الجحد طمعاً في الدنيا ونيلها؟ وهل يمنع من ذلك أحد إلَّا مكابر معاند؟
فإنْ قيل: كيف يجوز أنْ يكون للحسن بن عليٍّ (عليه السلام) ولد مع إسناده وصيَّته في مرضه الذي تُوفّي فيه إلى والدته المسمَّاة بحديث، المكنَّاة بأُمِّ الحسن بوقوفه وصدقاته(٢٩١)، وأسند النظر إليها في ذلك، ولو كان له ولد لذكره في الوصيَّة.
قيل: إنَّما فعل ذلك قصداً إلى تمام ما كان غرضه في إخفاء ولادته، وستر حاله عن سلطان الوقت، ولو ذكر ولده أنْ أسند وصيَّته إليه لناقض غرضه خاصَّة وهو احتاج إلى الإشهاد عليها وجوه الدولة، وأسباب السلطان، وشهود القضاة ليتحرَّس بذلك وقوفه، ويتحفَّظ صدقاته، ويتمّ به الستر على ولده بإهمال ذكره وحراسة مهجته بترك التنبيه على وجوده، ومن ظنَّ أنَّ ذلك دليل على بطلان دعوى الإماميَّة في وجود ولد للحسن (عليه السلام)، كان بعيداً من معرفة العادات.
وقد فعل نظير ذلك الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام)(٢٩٢) حين أسند وصيَّته إلى خمسة نفر أوَّلهم المنصور إذ كان سلطان الوقت، ولم يُفرِد ابنه موسى (عليه السلام) بها إبقاءً عليه، وأشهد معه الربيع وقاضي الوقت وجاريته أُمَّ ولده حميدة البربريَّة، وختمهم بذكر ابنه موسى بن جعفر (عليهما السلام) لستر أمره وحراسة نفسه، ولم يذكر مع ولده موسى أحداً من أولاده الباقين لعلمه كان فيهم من يدَّعي مقامه من بعده، ويتعلَّق بإدخاله في وصيَّته، ولو لم يكن موسى (عليه السلام) ظاهراً مشهوراً في أولاده معروف المكان منه، وصحَّة نسبه واشتهار فضله وعلمه، وكان مستوراً لما ذكره في وصيَّته ولاقتصر على ذكر غيره، كما فعل الحسن بن عليٍّ والد صاحب الزمان (عليه السلام).
[استبعاد أنَّ صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) منذ وُلِدَ لا يعرف أحد مكانه]:
فإنْ قيل: قولكم: إنَّه منذ وُلِدَ صاحب الزمان (عليه السلام) إلى وقتنا هذا مع طول المدَّة لا يعرف أحد مكانه، ولا يعلم مستقرَّه، ولا يأتي بخبره من يوثق بقوله، خارج عن العادة، لأنَّ كلَّ من اتَّفق له الاستتار عن ظالم لخوف منه على نفس أو لغير ذلك من الأغراض يكون مدَّة استتاره قريبة ولا يبلغ عشرين سنة، ولا يخفى أيضاً على الكلِّ في مدَّة استتارة مكانه، ولا بدَّ من أنْ يعرف فيه بعض أوليائه وأهله مكانه، أو يخبر بلقائه، وقولكم بخلاف ذلك.
قلنا: ليس الأمر على ما قلتم، لأنَّ الإماميَّة تقول: إنَّ جماعة من أصحاب أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) قد شاهدوا وجوده في حياته(٢٩٣)، وكانوا أصحابه وخاصَّته بعد وفاته، والوسائط بينه وبين شيعته معروفون ربَّما ذكرناهم فيما بعد، ينقلون إلى شيعته معالم الدِّين، ويُخرجون إليهم أجوبته في مسائلهم فيه، ويقبضون منهم حقوقه، وهم جماعة كان الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) عدَّلهم في حياته، واختصَّهم أُمناء له في وقته، وجعل إليهم النظر في أملاكه، والقيام بأُموره بأسمائهم وأنسابهم وأعيانهم، كأبي عمرو عثمان بن سعيد السمَّان، وابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد، وغيرهم ممَّن سنذكر أخبارهم فيما بعد إنْ شاء الله تعالى، وكانوا أهل عقل وأمانة، وثقة ظاهرة، ودراية وفهم، وتحصيل ونباهة، وكانوا معظَّمين عند سلطان الوقت لعظم أقدارهم وجلالة محلِّهم، مكرَّمين لظاهر أمانتهم واشتهار عدالتهم، حتَّى إنَّه كان يدفع عنهم ما يضيفه إليهم خصومهم، وهذا يُسقِط قولهم: إنَّ صاحبكم لم يرَه أحد، ودعواهم خلافه.
فأمَّا بعد انقراض أصحاب أبيه، فقد كان مدَّة من الزمان أخباره واصلة من جهة السفراء الذين بينه وبين شيعته، ويُوثَق بقولهم، ويُرجَع إليهم لدينهم وأمانتهم وما اختصُّوا به من الدِّين والنزاهة، وربَّما ذكرنا طرفاً من أخبارهم فيما بعد(٢٩٤).
وقد سبق الخبر عن آبائه (عليهم السلام) بأنَّ القائم (عليه السلام) له غيبتان، أُخراهما أطول من الأُولى(٢٩٥)، فالأُولى يُعرَف فيها خبره، والأُخرى لا يُعرَف فيها خبره، فجاء ذلك موافقاً لهذه الأخبار، فكان ذلك دليلاً ينضاف إلى ما ذكرناه، وسنُوضِّح عن هذه الطريقة فيما بعد إنْ شاء الله تعالى.
فأمَّا خروج ذلك عن العادات، فليس الأمر على ما قالوه، ولو صحَّ لجاز أنْ ينقض الله تعالى العادة في ستر شخص، ويخفي أمره لضرب من المصلحة وحسن التدبير، لما يعرض من المانع من ظهوره.
وهذا الخضر (عليه السلام) موجود قبل زماننا من عهد موسى (عليه السلام) عند أكثر الأُمَّة وإلى وقتنا هذا باتِّفاق أهل السِّيَر لا يُعرَف مستقرُّه، ولا يعلم أحد له أصحاباً إلَّا ما جاء به القرآن من قصَّته مع موسى (عليه السلام)(٢٩٦).
وما يذكره بعض الناس أنَّه يظهر أحياناً ولا يُعرَف ويظنُّ من يراه أنَّه بعض الزُّهَّاد، فإذا فارق مكانه توهَّمه المسمَّى بالخضر، ولم يكن عرفه بعينه في الحال، ولا ظنَّه فيها، بل اعتقد أنَّه بعض أهل الزمان.
وقد كان من غيبة موسى بن عمران (عليه السلام) عن وطنه وهربه من فرعون ورهطه ما نطق به القرآن، ولم يظفر بن أحد مدَّة من الزمان، ولا عرفه بعينه حتَّى بعثه الله نبيًّا ودعا إليه فعرفه الوليُّ والعدوُّ(٢٩٧).
وقد كان من قصَّة يوسف بن يعقوب (عليه السلام) ما جاء به سورة في القرآن وتضمَّنت استتار خبره عن أبيه، وهو نبيُّ الله يأتيه الوحي صباحاً [ومساءً](٢٩٨)، وما يخفى عليه خبر ولده، وعن ولده أيضاً حتى إنَّهم كانوا يدخلون عليه ويعاملونه ولا يعرفونه، وحتَّى مضت على ذلك السنون والأزمان، ثمّ كشف الله أمره وظهر خبره، وجمع بينه وبين أبيه وإخوته(٢٩٩)، وإنْ لم يكن ذلك في عادتنا اليوم ولا سمعنا بمثله.
وكان من قصَّة يونس بن متَّى نبيِّ الله (عليه السلام) مع قومه وفراره منهم حين تطاول خلافهم له، واستخفافهم بحقوقه، وغيبته عنهم وعن كلِّ أحد حتَّى لم يعلم أحد من الخلق مستقرَّه، وستره الله تعالى في جوف السمكة، وأمسك عليه رمقه بضرب من المصلحة، إلى أنْ انقضت تلك المدَّة وردَّه الله تعالى إلى قومه، وجمع بينهم وبينه، وهذا أيضاً خارج عن عادتنا وبعيد من تعارفنا قد نطق به القرآن وأجمع عليه أهل الإسلام(٣٠٠).
ومثل ما حكيناه أيضاً قصَّة أصحاب الكهف وقد نطق بها القرآن وتضمَّن شرح حالهم واستتارهم عن قومهم فراراً بدينهم(٣٠١).
ولولا ما نطق القرآن به لكان مخالفونا يجحدونه دفعاً لغيبة صاحب الزمان (عليه السلام)، وإلحاقهم به، لكن أخبر الله تعالى أنَّهم بقوا ثلاثمائة سنة مثل ذلك مستترين خائفين، ثمّ أحياهم الله تعالى فعادوا إلى قومهم، وقصَّتهم مشهورة في ذلك.
وقد كان من أمر صاحب الحمار(٣٠٢) الذي نزل بقصَّته القرآن وأهل الكتاب يزعمون أنَّه كان نبيًّا فأماته الله تعالى مائة عام ثمّ بعثه، وبقي طعامه وشرابه لم يتغيَّر(٣٠٣).
وكان ذلك خارقاً للعادة.
وإذا كان ما ذكرناه معروفاً كائناً كيف يمكن مع ذلك إنكار غيبة صاحب الزمان (عليه السلام)؟ اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يكون المخالف دهريًّا معطِّلاً يُنكِر جميع ذلك ويحيله، فلا نتكلَّم معه في الغيبة، بل ننتقل معه إلى الكلام في أصل التوحيد، وأنَّ ذلك مقدور، وإنَّما نُكلِّم في ذلك من أقرَّ بالإسلام وجوَّز كون ذلك مقدوراً لله تعالى، فنُبيِّن لهم نظائره في العادات.
وأمثال ما قلناه كثيرة ممَّا رواه أصحاب السِّيَر والتواريخ من ملوك الفرس(٣٠٤) وغيبتهم عن أصحابهم مدَّة لا يعرفون خبرهم، ثمّ عودهم وظهورهم لضرب من التدبير، وإنْ لم ينطق به القرآن فهو مذكور في التواريخ، وكذلك جماعة من حكماء الروم والهند(٣٠٥) قد كانت لهم غيبات وأحوال خارجة عن العادات لا نذكرها، لأنَّ المخالف ربَّما جحدها على عادتهم جحد الأخبار وهو مذكور في التواريخ.
[الجواب عن الاعتراض بطول عمره (عجّل الله فرجه) بما يزيد عن العمر الطبيعي، وكونه خارقاً للعادة، وذكر المعمَّرين]:
فإنْ قيل: ادِّعاؤكم طول عمر صاحبكم أمر خارق للعادات مع بقائه على قولكم كامل العقل تامُّ القوة والشباب، لأنَّه على قولكم له في هذا الوقت - الذي هو سنة سبع وأربعين وأربعمائة - مائة وإحدى وتسعون سنة، لأنَّ مولده على قولكم سنة ست وخمسين ومائتين، ولم تجرِ العادة بأنْ يبقى أحد من البشر هذه المدَّة، فكيف انتقضت العادة فيه ولا يجوز انتقاضها إلَّا على يد الأنبياء؟
قلنا: الجواب عن ذلك من وجهين:
أحدهما: أنَّا لا نُسلِّم أنَّ ذلك خارق لجميع العادات، بل العادات فيما تقدَّم قد جرت بمثلها وأكثر من ذلك، وقد ذكرنا بعضها كقصَّة الخضر (عليه السلام)، وقصَّة أصحاب الكهف، وغير ذلك.
وقد أخبر الله تعالى عن نوح (عليه السلام) أنَّه لبث في قومه ألف سنة إلَّا خمسين عاماً(٣٠٦)، وأصحاب السِّيَر يقولون: إنَّه عاش أكثر من ذلك(٣٠٧)، وإنَّما دعا قومه إلى الله تعالى هذه المدَّة المذكورة بعد أنْ مضت عليه ستُّون من عمره.
٨٥ - وروى أصحاب الأخبار أنَّ سلمان الفارسي (رضي الله عنه) لقي عيسى بن مريم (عليه السلام) وبقي إلى زمان نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وخبره مشهور(٣٠٨).
وأخبار المعمَّرين من العرب والعجم معروفة مذكورة في الكُتُب والتواريخ(٣٠٩).
٨٦ - وروى أصحاب الحديث أنَّ الدجَّال موجود، وأنَّه كان في عصر النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّه باقٍ إلى الوقت الذي يخرج فيه، وهو عدوُّ الله(٣١٠).
فإذا جاز في عدوِّ الله لضرب من المصلحة، فكيف لا يجوز مثله في وليِّ الله؟ إنَّ هذا من العناد.
٨٧ - وروى من ذكر أخبار العرب أنَّ لقمان بن عاد كان أطول الناس عمراً، وأنَّه عاش ثلاثة آلاف سنة وخمسمائة سنة، ويقال: إنَّه عاش عمر سبعة أنسر، وكان يأخذ فرخ النسر الذَّكَر فيجعله في الجبل فيعيش النسر ما عاش، فإذا مات أخذ آخر فربَّاه حتَّى كان آخرها لبد، وكان أطولها عمراً، فقيل: (طال الأمد على لبد)، وفيه يقول الأعشى(٣١١):

لنفسك إذ تختار سبعة أنسـر * * * إذا ما مضـى نسـر خلدت إلى نسـرِ
فعمَّر حتَّى خال أنَّ نسوره * * * خلود وهل يبقى النفوس على الدهرِ
وقال لأدناهنَّ إذ حلَّ ريشه * * * هلكت وأهلكت ابن عاد وما تدري(٣١٢)

ومنهم: ربيع بن ضبع بن وهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عيس(٣١٣) بن فزارة، عاش ثلاثمائة سنة وأربعين سنة، فأدرك النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم يسلم.
وروي أنَّه عاش إلى أيَّام عبد المَلِك بن مروان، وخبره معروف، فإنَّه قال له: فصِّل لي عمرك، قال: عشت مائتي سنة في فترة عيسى، وعشرين ومائة سنة في الجاهليَّة وستِّين في الإسلام، فقال له: لقد طلبك جدٌّ غير عاثر، وأخباره معروفة، وهو الذي يقول وقد طعن في ثلاثمائة سنة:

أصبح منِّي الشباب قد حسـرا * * * إنْ ينأ عنِّي فقد ثوى عصـرا

والأبيات معروفة، وهو الذي يقول:

إذا كان الشتاء فأدفؤني * * * فإنَّ الشيخ يهدمه الشتاء
فأمَّا حين يذهب كلُّ قرٍّ * * * فسـربال خفيف أو رداء
إذا عاش الفتى مائتين عاماً * * * فقد أودى المسـرة والفتاء(٣١٤)،(٣١٥)

ومنهم: المستوغر بن ربيعة بن كعب بن زيد (بن)(٣١٦) مناة(٣١٧)، عاش ثلاثمائة وثلاثين سنة، حتَّى قال:

ولقد سئمت من الحياة وطولها * * * وعمَّرت من بعد السنين سنينا
مائة أتت من بعدها مائتان لي * * * وعمَّرت من عدد الشهور سنينا
هل ما بقي إلَّا كما قد فاتنا * * * يوم يكرُّ وليلة تحدونا(٣١٨)

ومنهم: أكثم بن صيفي الأسدي، عاش ثلاثمائة سنة وثلاثين سنة، وكان ممَّن أدرك النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وآمن به، ومات قبل أنْ يلقاه، وله أخبار كثيرة، وحِكَم وأمثال، وهو القائل:

وإنْ امرءاً قد عاش تسعين حجَّة * * * إلى مائة لم يسأم العيش جاهل
خلت مائتان غير ستٍّ وأربع(٣١٩) * * * وذلك من عدِّ الليالي قلائل(٣٢٠)

وكان والده صيفي بن رياح بن أكثم أيضاً من المعمَّرين، عاش مائتين وسبعين سنة لا يُنكَر من عقله شيء، وهو المعروف بذي الحلم الذي قال فيه المتلمس اليشكري(٣٢١):

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا * * * وما علم الإنسان إلَّا ليعلما(٣٢٢)

ومنهم: ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو، عاش مائتي سنة وعشرين سنة ولم يشب قطُّ، وأدرك الإسلام ولم يسلم.
وروى أبو حاتم والرياشي(٣٢٣)، عن العتبي(٣٢٤)، عن أبيه، قال: مات ضبيرة السهمي وله مائتا سنة وعشرون سنة، وكان أسود الشعر، صحيح الأسنان، ورثاه ابن عمِّه قيس بن عدي، فقال:

من يأمن الحدثان بعد * * * ضبيرة السهمي ماتا
سبقت منيَّته المشيب * * * وكان ميتته(٣٢٥) افتلاتا
فتزوَّدوا لا تهلكوا * * * من دون أهلكم خفاتا(٣٢٦)

ومنهم: دريد بن الصمة الجشمي، عاش مائتي سنة، وأدرك الإسلام فلم يسلم، وكان أحد قوَّاد المشركين يوم حنين ومقدَّمتهم(٣٢٧)، حضر حرب النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقُتِلَ يومئذٍ(٣٢٨).
ومنهم: محصن بن غسَّان بن ظالم الزبيدي، عاش مائتي سنة وستًّا وخمسين سنة(٣٢٩).
ومنهم: عمرو بن حممة الدوسي، عاش أربعمائة سنة، وهو الذي يقول:

كبرت وطال العمر حتَّى كأنَّني * * * سليم أفاع ليلة غير مودع
فما الموت أفناني ولكن تتابعت * * * عليَّ سنون من مصيف ومربع
ثلاث مئات قد مررن كواملا * * * وها أنا هذا أرتجي منه أربع(٣٣٠)،(٣٣١)

ومنهم: الحارث بن مضاض الجرهمي، عاش أربعمائة سنة، وهو القائل:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * * * أنيس ولم يسمر بمكَّة سامر
بلى نحن كنَّا أهلها فأبادنا(٣٣٢) * * * صروف الليالي والجدود العواثر(٣٣٣)

ومنهم: عبد المسيح بن بقيلة الغسَّاني، ذكر الكلبي(٣٣٤) وأبو عبيدة(٣٣٥) وغيرهما أنَّه عاش ثلاثمائة سنة وخمسين سنة، وأدرك الإسلام فلم يسلم، وكان نصرانيًّا، وخبره مع خالد بن الوليد - لـمَّا نزل على الحيرة - معروف، حتَّى قال له: كم أتى لك؟ قال: خمسون وثلاثمائة سنة، قال: فما أدركت؟ قال: أدركت سُفُن البحر ترفأ(٣٣٦) إلينا في هذا الجرف(٣٣٧)، ورأيت المرأة من أهل الحيرة تضع مكتلها على رأسها لا تُزوَّد إلَّا رغيفاً واحداً حتَّى تأتي الشام وقد أصبحت خراباً(٣٣٨)، وذلك دأب الله في العباد والبلاد، وهو القائل:

والناس أبناء علات(٣٣٩) فمن علموا * * * أنْ قد أقلَّ فمجفوٌّ ومحقور(٣٤٠)
وهم بنون لأُمٍّ إنْ رأوا نشبا * * * فذاك بالغيب محفوظ ومحصور(٣٤١)،(٣٤٢)

ومنهم: النابغة الجعدي من بني عامر بن صعصعة يُكنَّى أبا ليلى.
قال أبو حاتم السجستاني(٣٤٣): كان النابغة الجعدي أسنّ من النابغة الذبياني، وروي أنَّه كان يفتخر ويقول: أتيت النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأنشدته:

بلغنا السماء مجدنا وجدودنا * * * وإنَّا لنرجو فوق ذلك مظهرا(٣٤٤)

فقال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أين المظهر(٣٤٥) يا أبا ليلى؟»، فقلت: الجنَّة يا رسول الله، فقال: «أجل إنْ شاء الله تعالى»، ثمّ أنشدته:

ولا خير في حلم إذا لم يكن له * * * بوادر تحمي صفوه أنْ يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له * * * حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا

فقال له النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لا يُفضِض الله فاك».
وقيل: إنَّه عاش مائة وعشرين سنة ولم يسقط من فيه سنٌّ ولا ضرس.
وقال بعضهم: رأيته وقد بلغ الثمانين تزفُّ غروبه(٣٤٦)، وكان كلَّما سقطت له ثنية تنبت له أُخرى مكانها، وهو من أحسن الناس ثغراً(٣٤٧).
ومنهم: أبو الطمحان القيني من بني كنانة بن القين.
قال أبو حاتم(٣٤٨): عاش أبو الطمحان القيني من بني كنانة مائتي سنة.
وقال في ذلك:

حنتني حانيات الدهر حتَّى * * * كأنِّي خاتل(٣٤٩) أدنو(٣٥٠) لصيد
قصير الخطو يحسب من رآني * * * ولست مقيَّداً أنِّي بقيد(٣٥١)

وأخباره وأشعاره معروفة.
ومنهم: ذو الإصبع العدواني.
قال أبو حاتم(٣٥٢): عاش ثلاثمائة سنة، وهو أحد حُكَّام العرب في الجاهليَّة، وأخباره وأشعاره وحِكَمه معروفة(٣٥٣).
ومنهم: زهير بن جناب(٣٥٤) الحميري، لم نذكر نسبه لطوله.
قال أبو حاتم: عاش زهير بن جناب مائتي سنة وعشرين سنة، وواقع مائتي وقعة، وكان سيِّداً مطاعاً عاش شريفاً في قومه.
ويقال: كانت فيه عشر خصال لم يجتمعن في غيره من أهل زمانه، كان سيِّد قومه، وشريفهم، وخطيبهم، وشاعرهم، ووافدهم إلى الملوك، وطبيبهم - والطبُّ في ذلك الزمان شرف -، وحازي قومه - وهو الكاهن(٣٥٥) -، وكان فارس قومه، وله البيت فيهم، والعدد منهم، وأوصى إلى بنيه، فقال:

يا بنيَّ، إنِّي كبرت سنِّي وبلغت حرساً من دهري (أي دهراً)(٣٥٦)، فأحكمتني التجارب والأُمور تجربة واختبار(٣٥٧)، فاحفظوا عنِّي ما أقول وعوا، وإيَّاكم والخور عند المصائب، والتواكل عند النوائب، فإنَّ ذلك داعية الغمِّ، وشماتة العدوِّ، وسوء الظنِّ بالربِّ، وإيَّاكم أنْ تكونوا بالأحداث مغترِّين، ولها آمنين، ومنها ساخرين، فإنَّه ما سخر قوم قطُّ إلَّا ابتلوا، ولكن توقَّعوها، فإنَّما الإنسان [في الدنيا](٣٥٨) غرض تعاوره الزمان فمقصِّر دونه، ومجاوز موضعه، وواقع عن يمينه وشماله، ثمّ لا بدَّ أنْ يصيبه(٣٥٩).
وأقواله معروفة، وكذلك أشعاره(٣٦٠).
ومنهم: دويد بن نهد بن زيد بن أسود بن أسلُم(٣٦١) - بضمِّ اللَّام - بن ألحاف بن قضاعة.
قال أبو حاتم(٣٦٢): عاش دويد بن زيد أربعمائة وستًّا وخمسين سنة، ووصيَّته معروفة، وأخباره مشهورة، ومن قوله:

ألقى عليَّ الدهر رجلاً ويدا * * * والدهر ما أصلح يوماً أفسدا

يفسد ما أصلحه اليوم غدا(٣٦٣)

ومنهم: الحارث بن كعب بن عمرو بن وعلة المذحجي، ومذحج هي أُمُّ مالك بن أدد، وسُمّيت مذحجاً لأنَّها ولدت على أكمة تُسمَّى مذحجاً.
قال أبو حاتم(٣٦٤): جمع الحارث بن كعبة(٣٦٥) بنيه لـمَّا حضرته الوفاة، فقال: يا بنيَّ، قد أتت عليَّ ستُّون ومائة سنة ما صافحت يميني يمين غادر، ولا قنعت نفسي بحلَّة(٣٦٦) فاجر، ولا صبوت بابنة عمٍّ ولا كنَّة(٣٦٧)، ولا طرحت عندي مومسة قناعها، ولا بحت لصديق بسرٍّ(٣٦٨)، وإنِّي لعلى دين شعيب النبيِّ (عليه السلام) وما عليه أحد من العرب غيري وغير أسد بن خزيمة وتميم بن مر، فاحفظوا وصيَّتي، وموتوا على شريعتي، إلهكم فاتَّقوه يكفكم المهمَّ من أُموركم ويُصلِح لكم أعمالكم، وإيَّاكم ومعصيته، لا يحلُّ بكم الدمار، ويوحش منكم الديار.
يا بنيَّ، كونوا جميعاً ولا تتفرَّقوا فتكونوا شِيَعاً، فإنَّ موتاً في عزٍّ خير من حياة في ذلٍّ وعجز، وكلُّ ما هو كائن كائن، وكلُّ جمع(٣٦٩) إلى تبائن، الدهر ضربان، فضرب رجاء، وضرب بلاء(٣٧٠)، واليوم يومان، فيوم حبرة(٣٧١)، ويوم عبرة، والناس رجلان، فرجل لك، ورجل عليك، تزوَّجوا الأكفاء، وليستعملنَّ في طيبهنَّ الماء، وتجنَّبوا الحمقاء، فإنَّ ولدها إلى أفن(٣٧٢) ما يكون، ألَا إنَّه لا راحة لقاطع القرابة، وإذا اختلف القوم أمكنوا عدوَّهم، وآفة العدد اختلاف الكلمة، والتفضُّل بالحسنة يقي السيِّئة، والمكافأة بالسيِّئة الدخول فيها، والعمل بالسوء يزيل النعماء، وقطيعة الرحم تورث الهمَّ(٣٧٣)، وانتهاك الحرمة يزيل النعمة، وعقوق الوالدين يورث(٣٧٤) النكد، ويمحق العدد، ويخرب البلد، والنصيحة تجرُّ الفضيحة(٣٧٥)، والحقد يمنع الرفد(٣٧٦)، ولزوم الخطيئة يعقب البليَّة، وسوء الرعة(٣٧٧) يقطع أسباب المنفعة، الضغائن تدعو إلى التبائن، ثمّ أنشأ يقول:

أكلتُ شبابي فأفنيته * * * وأفنيتُ(٣٧٨) بعد دهور دهورا
ثلاثة أهلين صاحبتهم * * * فبادوا فأصبحت شيخاً كبيرا
قليل الطعام عسير القيام * * * قد ترك الدهر خطوي(٣٧٩) قصيرا
أبيت أراعي نجوم السماء * * * أقلب أمري بطوناً ظهورا(٣٨٠)

فهذا طرف من أخبار المعمَّرين من العرب واستيفاؤه في الكُتُب المصنَّفة في هذا المعنى موجود.
وأمَّا الفرس فإنَّها تزعم أنَّ فيما تقدَّم من ملوكها جماعة طالت أعمارهم، فيروون أنَّ الضحَّاك صاحب الحيِّتين عاش ألف سنة ومائتي سنة، وإفريدون العادل عاش فوق ألف سنة، ويقولون: إنَّ المَلِك الذي أحدث المهرجان عاش ألفي سنة وخمسمائة سنة، استتر منها عن قومه ستّمائة سنة.
وغير ذلك ممَّا هو موجود في تواريخهم وكُتُبهم لا نُطوِّل بذكرها، فكيف يقال: إنَّ ما ذكرناه في صاحب الزمان خارج عن العادات؟
ومن المعمَّرين من العرب: يعرب بن قحطان، واسمه ربيعة أوَّل من تكلَّم بالعربيَّة، ملك مائتي سنة على ما ذكره أبو الحسن النسَّابة الأصفهاني في كتاب (الفرع والشجر)، وهو أبو اليمن كلِّها، وهو منها كعدنان إلَّا شاذًّا نادراً(٣٨١).
ومنهم: عمرو بن عامر مزيقيا، روى الأصفهاني عن عبد المجيد بن أبي عيس(٣٨٢) الأنصاري، والشرقي بن قطامي أنَّه عاش ثمانمائة سنة، أربعمائة سنة سوقة في حياة أبيه، وأربعمائة سنة مَلِكاً، وكان في سني ملكه يلبس في كلِّ يوم حلَّتين، فإذا كان بالعشيِّ مُزِّقت الحلَّتان عنه لئلَّا يلبسهما غيره، فسُمِّي مزيقيا.
وقيل: إنَّما سُمِّي بذلك لأنَّ على عهده تمزَّقت الأزد فصاروا إلى أقطار الأرض، وكان ملك أرض سبأ فحدَّثته الكُهَّان بأنَّ الله يُهلِكها بالسيل العرم، فاحتال حتَّى باع ضياعه وخرج فيمن أطاعه من أولاده وأهله قبل السيل العرم، ومنه انتشرت الأزد كلُّها، والأنصار من ولده(٣٨٣).
ومنهم: جلهمة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن يعرب، ويقال لجلهمة: طيئ، وإليه تُنسَب طيئ كلُّها، وله خبر يطول شرحه، وكان له ابن أخ يقال له: يحابر بن مالك بن أدد، وكان قد أتى على كلِّ واحدٍ منهما خمسمائة سنة، وقع بينهما ملاحاة بسبب المرعى، فخاف جلهمة هلاك عشيرته، فرحل عنه، وطوى المنازل فسُمِّي طيئاً، وهو صاحب أجأ وسلمى - جبلين بطيئ(٣٨٤) -، ولذلك خبر يطول، معروف.
ومنهم: عمرو بن لحي، وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقيا، في قول علماء خزاعة، كان رئيس خزاعة في حرب خزاعة وجرهم، وهو الذي سنَّ السائبة الوصيلة والحام، ونقل صنمين وهما: هُبَل ومناة من الشام إلى مكَّة فوضعهما للعبادة، فسلَّم هُبَل إلى خزيمة بن مدركة، فقيل: هُبَل خزيمة، وصعد على أبي قبيس ووضع مناة بالمسلل(٣٨٥)، وقَدِمَ بالنرد، وهو أوَّل من أدخلها مكَّة، فكانوا يلعبون بها في الكعبة غدوةً وعشيَّةً.
٨٨ - فَرُوِيَ عَنِ اَلنَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ قَالَ: «رُفِعْتْ إِلَيَّ اَلنَّارُ فَرَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ رَجُلاً قَصِيراً أَحْمَرَ أَزْرَقَ يَجُرُّ قَصَبَهُ فِي اَلنَّارِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ».
وكان يلي من أمر الكعبة ما كان يليه جرهم قبله حتَّى هلك وهو ابن ثلاث مائة سنة وخمس وأربعين سنة، وبلغ ولده وأعقابهم ألف مقاتل فيما يذكرون(٣٨٦).
فإنْ كان المخالف لنا في ذلك من يحيل ذلك من المنجِّمين وأصحاب الطبائع، فالكلام معهم في أصل هذه المسألة، وأنَّ العالم مصنوع، وله صانع أجرى العادة بقصر الأعمار وطولها، وأنَّه قادر على إطالتها وعلى إفنائها، فإذا بُيِّن ذلك سهل الكلام.
وإنْ كان المخالف في ذلك من يُسلِّم ذلك غير أنَّه يقول: هذا خارج عن العادات، فقد بيَّنَّا أنَّه ليس بخارج عن جميع العادات.
ومتى قالوا: خارج عن عادتنا.
قلنا: وما المانع منه؟
فإنْ قيل: ذلك لا يجوز إلَّا في زمن الأنبياء.
قلنا: نحن ننازع في ذلك، وعندنا يجوز خرق العادات على يد الأنبياء والأئمَّة والصالحين، وأكثر أصحاب الحديث يُجوِّزون ذلك، وكثير من المعتزلة والحشويَّة، وإنْ سمُّوا ذلك كرامات، كان ذلك خلافاً في عبارة، وقد دلَلنا على جواز ذلك في كُتُبنا، وبيَّنَّا أنَّ المعجز إنَّما يدلُّ على صدق من يظهر على يده، ثمّ نعلمه نبيًّا أو إماماً أو صالحاً لقوله، وكلَّما يذكرونه من شُبَههم قد بيَّنَّا الوجه في كُتُبنا لا نُطوِّل بذكره هاهنا.
٨٩ - ووجدت بخطِّ الشريف الأجلّ الرضي أبي الحسن محمّد بن الحسين الموسوي (رضي الله عنه) تعليقاً في تقاويم جمعها مؤرَّخاً بيوم الأحد الخامس عشر من المحرَّم سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة أنَّه ذُكِرَ له حال شيخ في باب الشام قد جاوز المائة وأربعين سنة، فركبت إليه حتَّى تأمَّلته وحملته إلى القرب من داري بالكرخ، وكان أُعجوبة، شاهد الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليٍّ الرضا (عليهم السلام) أبا القائم (عليه السلام) ووصف صفته، إلى غير ذلك من العجائب التي شاهدها، هذه حكاية خطِّه بعينها.
فأمَّا ما يعرض من الهرم بامتداد الزمان وعلوِّ السنِّ وتناقض بنية الإنسان، فليس ممَّا لا بدَّ منه، وإنَّما أجرى الله العادة بأنْ يفعل ذلك عند تطاول الزمان ولا إيجاب هناك، وهو تعالى قادر أنْ لا يفعل ما أجرى العادة بفعله.
وإذا ثبتت هذه الجملة ثبت أنَّ تطاول العمر ممكن غير مستحيل، وقد ذكرنا فيما تقدَّم عن جماعة أنَّهم لم يتغيَّروا مع تطاول أعمارهم وعلوِّ سنِّهم، وكيف يُنكِر ذلك من يقرُّ بأنَّ الله تعالى يُخلِد المثابين في الجنَّة شُبَّاناً لا يبلون، وإنَّما يمكن أنْ ينازع في ذلك من يجحد ذلك ويسنده إلى الطبيعة وتأثير الكواكب الذي قد دلَّ الدليل على بطلان قولهم باتِّفاقٍ منَّا وممَّن خالفنا في هذه المسألة من أهل الشرع، فسقطت الشبهة من كلِّ وجه.
[الدليل على إمامة صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) من روايات المخالفين في الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام)]:
دليل آخر: وممَّا يدل على إمامة صاحب الزمان ابن الحسن بن عليِّ بن محمّد ابن الرضا (عليهم السلام) وصحَّة غيبته ما رواه الطائفتان المختلفتان، والفرقتان المتباينتان العامَّة والإماميَّة أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) بعد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اثنا عشر لا يزيدون ولا ينقصون، وإذا ثبت ذلك فكلُّ من قال بذلك قطع على الأئمَّة الاثني عشر الذين نذهب إلى إمامتهم، وعلى وجود ابن الحسن (عليه السلام) وصحَّة غيبته، لأنَّ من خالفهم في شيء من ذلك لا يقصر الإمامة على هذا العدد، بل يُجوِّز الزيادة عليها، وإذا ثبت بالأخبار التي نذكرها هذا العدد المخصوص ثبت ما أردناه.
فنحن نذكر جُمَلاً من ذلك، ونحيل الباقي على الكُتُب المصنَّفة في هذا المعنى، لئلَّا يطول به الكتاب إنْ شاء الله تعالى.
فممَّا روي في ذلك من جهة مخالفي الشيعة:
٩٠ - مَا أَخْبَرَنِي بِهِ أَبُو عَبْدِ اَلله أَحْمَدُ بْنُ عُبْدُونٍ اَلمَعْرُوفُ بِابْنِ اَلْحَاشِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلشُّجَاعِيُّ اَلْكَاتِبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اَلله مُحَمَّدُ اِبْنُ إِبْرَاهِيمَ اَلمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي زَيْنَبَ اَلنُّعْمَانِيِّ اَلْكَاتِبِ(٣٨٧)، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ اِبْنِ عَلَّانَ اَلذَّهَبِيُّ(٣٨٨) اَلْبَغْدَادِيُّ بِدِمَشْقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ اَلْجَعْدِ(٣٨٩)، قَالَ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ(٣٩٠)، عَنْ زِيَادِ بْنِ خَيْثَمَةَ، عَنِ اَلْأَسْوَدِ بْنِ سَعِيدٍ اَلْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ(٣٩١) يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «يَكُونُ بَعْدِي اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَتَتْهُ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: ثُمَّ يَكُونُ مَا ذَا؟
فَقَالَ: «ثُمَّ يَكُونُ اَلْهَرْجُ»(٣٩٢).
٩١ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ(٣٩٣) وَسِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ(٣٩٤) وَحُصَيْنِ اِبْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ(٣٩٥)، كُلِّهِمْ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً».
ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ(٣٩٦) لَمْ أَفْهَمْهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَأَلْتُ اَلْقَوْمَ، فَقَالُوا: [قَالَ](٣٩٧): «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(٣٩٨).
٩٢ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا اِبْنُ عَوْنٍ، عَنِ اَلشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: ذَكَرَ أَنَّ اَلنَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «لَا يَزَالُ أَهْلُ هَذَا اَلدِّينِ يُنْصَرُونَ عَلَى مَنْ نَاوَاهُمْ إِلَى اِثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً».
فَجَعَلَ اَلنَّاسُ يَقُومُونَ وَيَقْعُدُونَ، وَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَمْ أَفْهَمْهَا، فَقُلْتُ لِأَبِي أَوْ لِأَخِي: أَيَّ شَيْءٍ قَالَ؟
فَقَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(٣٩٩).
٩٣ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اَلله بْنُ عُمَرَ(٤٠٠)، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا اِبْنُ عَوْنٍ(٤٠١)، عَنِ اَلشَّعْبِيِّ(٤٠٢)، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: [ذَكَرَ](٤٠٣) أَنَّ اَلنَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «لَا يَزَالُ أَهْلُ [هَذَا] اَلدِّينِ يُنْصَرُونَ عَلَى مَنْ نَاوَاهُمْ إِلَى اِثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً».
فَجَعَلَ اَلنَّاسُ يَقُومُونَ وَيَقْعُدُونَ، وَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَمْ أَفْهَمْهَا، فَقُلْتُ لِأَبِي أَوْ لِأَخِي: أَيَّ شَيْءٍ قَالَ؟
فَقَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(٤٠٤).
٩٤ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ(٤٠٥)، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ(٤٠٦)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلله بْنُ صَالِحٍ(٤٠٧)، قَالَ: حَدَّثَنَا اَللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ(٤٠٨)، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ(٤٠٩)، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ(٤١٠)، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ(٤١١)، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ شُفَيٍّ اَلْأَصْبَحِيِّ(٤١٢)، فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اَلله بْنَ عُمَرَ(٤١٣) يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «يَكُونُ خَلْفِي اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»(٤١٤).
٩٥- وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ(٤١٥) وَيَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ اَلسَّيْلَحِينِيُّ(٤١٦)، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ(٤١٧)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلله بْنُ عُثْمَانَ(٤١٨)، عَنْ أَبِي اَلطُّفَيْلِ(٤١٩)، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اَلله بْنُ عُمَرَ(٤٢٠): يَا أَبَا اَلطُّفَيْلِ، عُدَّ اِثْنَيْ عَشَرَ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ(٤٢١)، ثُمَّ يَكُونُ اَلنَّقْفُ وَاَلنِّقَافُ(٤٢٢)،(٤٢٣).
٩٦ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا (أَحْمَدُ)(٤٢٤)، قَالَ: حَدَّثَنَا اَلمُقَدَّمِيُّ(٤٢٥)، عَنْ عَاصِمِ [بْنِ عُمَرَ](٤٢٦) بْنِ عَلِيِّ بْنِ مِقْدَامٍ أَبُو يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي(٤٢٧)، عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ(٤٢٨)، عَنْ أَبِي خَالِدٍ اَلْوَالِبِيِّ(٤٢٩)، قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ اِبْنُ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «لَا يَزَالُ هَذَا اَلدِّينُ ظَاهِراً لَا يَضُرُّهُ مَنْ نَاوَاهُ حَتَّى يَقُومَ اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(٤٣٠).
٩٧ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلله بْنُ جَعْفَرٍ اَلرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ(٤٣١)، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ(٤٣٢)، عَنِ اَلشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ(٤٣٣)، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ اِبْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: حَدَّثَكُمْ(٤٣٤) نَبِيُّكُمْ كَمْ يَكُونُ بَعْدَهُ مِنَ اَلْخُلَفَاءِ؟
فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ، وَإِنَّكَ لَأَحْدَثُ اَلْقَوْمِ سِنًّا، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَكُونُ بَعْدِي عِدَّةُ نُقَبَاءِ مُوسَى (عليه السلام)، قَالَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً﴾ [المائدة: ١٢]»(٤٣٥).
٩٨ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْنِ مُوسَى اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ(٤٣٦)، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلمَعْرُوفُ بِابْنِ اَلْخَضِيبِ اَلرَّازِيِّ(٤٣٧)، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ زَكَرِيَّا اَلتَّمِيمِيِّ(٤٣٨)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى اَلطُّوسِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اَلله بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنِ اَلْأَعْمَشِ(٤٣٩)، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَزَلَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) بِصَحِيفَةٍ مِنْ عِنْدِ اَلله عَلَى رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِيهَا اِثْنَا عَشَرَ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ اَللهَ تَعَالَى يَقْرَأُ عَلَيْكَ اَلسَّلَامَ وَيَأْمُرُكَ أَنْ تَدْفَعَ هَذِهِ اَلصَّحِيفَةَ إِلَى اَلنَّجِيبِ مِنْ أَهْلِكَ بَعْدَكَ، يَفُكُّ مِنْهَا أَوَّلَ خَاتَمٍ وَيَعْمَلُ بِمَا فِيهَا، فَإِذَا مَضَى دَفَعَهَا إِلَى وَصِيِّهِ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ اَلْأَوَّلُ يَدْفَعُهَا إِلَى اَلْآخَرِ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ»، فَفَعَلَ اَلنَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مَا أُمِرَ بِهِ، فَفَكَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) أَوَّلُهَا وَعَمِلَ بِمَا فِيهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، فَفَكَّ خَاتَمَهُ وَعَمِلَ بِمَا فِيهَا، وَدَفَعَهَا بَعْدَهُ إِلَى اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، ثُمَّ دَفَعَهَا اَلْحُسَيْنُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، ثُمَّ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى آخِرِهِمْ (عليهم السلام).
٩٩ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنِ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ(٤٤٠)، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْقُوهِسْتَانِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عِيسَى بْنَ مُوسَى(٤٤١)، فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ أَدْرَكْتَ مِنَ اَلتَّابِعِينَ؟
فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا تَقُولُ، وَلَكِنِّي كُنْتُ بِالْكُوفَةِ فَسَمِعْتُ شَيْخاً فِي جَامِعِهَا يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «قَالَ لِي رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يَا عَلِيُّ، اَلْأَئِمَّةُ اَلرَّاشِدُونَ اَلمَهْدِيُّونَ اَلمَغْصُوبُونَ حُقُوقَهُمْ مِنْ وُلْدِكَ أَحَدَ عَشَرَ إِمَاماً وَأَنْتَ...»، والحديث مختصر(٤٤٢).
١٠٠ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْنِ مُوسَى اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ(٤٤٣) اَلله اَلْهَاشِمِيِّ(٤٤٤)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ اِبْنِ عِيسَى بْنِ اَلمَنْصُورِ(٤٤٥)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْعَسْكَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ اَلْحُسَيْنِ اِبْنِ عَلِيٍّ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِمْ)، قَالَ: «قَالَ [لِي](٤٤٦) عَلِيٌّ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ): قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اَللهَ (عزَّ وجلَّ) آمِناً مُطَهَّراً لَا يَحْزُنُهُ اَلْفَزَعُ اَلْأَكْبَرُ فَلْيَتَوَلَّكَ، وَلْيَتَوَلَّ بَنِيكَ اَلْحَسَنَ وَاَلْحُسَيْنَ، وَعَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، وَجَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَمُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ، وَعَلِيَّ بْنَ مُوسَى، وَمُحَمَّداً، وَعَلِيًّا، وَاَلْحَسَنَ، ثُمَّ اَلمَهْدِيَّ، وَهُوَ خَاتَمُهُمْ. وَلَيَكُونَنَّ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ قَوْمٌ يَتَوَلَّوْنَكَ يَا عَلِيُّ يَشْنَأُهُمُ(٤٤٧) اَلنَّاسُ، وَلَوْ أَحَبَّهُمْ كَانَ خَيْراً لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، يُؤْثِرُونَكَ وَوُلْدَكَ عَلَى اَلْآبَاءِ وَاَلْأُمَّهَاتِ وَاَلْإِخْوَةِ وَاَلْأَخَوَاتِ، وَعَلَى عَشَائِرِهِمْ وَاَلْقَرَابَاتِ، صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ اَلصَّلَوَاتِ، أُولَئِكَ يُحْشَرُونَ تَحْتَ لِوَاءِ اَلْحَمْدِ، يُتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ، وَيَرْفَعُ دَرَجَاتِهِمْ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(٤٤٨).
[أخبار الخاصَّة على إمامة الاثني عشر (عليهم السلام)]:
فأمَّا ما روي من جهة الخاصَّة فأكثر من أنْ يُحصى، غير أنَّا نذكر طرفاً منها.
١٠١ - رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي اَلمُفَضَّلِ اَلشَّيْبَانِيِّ، عَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ.
وَأَخْبَرَنَا أَيْضاً جَمَاعَةٌ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ أَبَانِ اِبْنِ أَبِي عَيَّاشٍ(٤٤٩)، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اَلله بْنَ جَعْفَرٍ اَلطَّيَّارِ(٤٥٠) يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ أَنَا وَاَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ (عليهما السلام) وَعَبْدُ اَلله بْنُ عَبَّاسٍ وَعُمَرُ بْنُ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَجَرَى بَيْنِي وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ كَلَامٌ، فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «أَنَا أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ أَخِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا اُسْتُشْهِدَ عَلِيٌّ فَالْحَسَنُ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا مَضَى اَلْحَسَنُ فَالْحُسَيْنُ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا اُسْتُشْهِدَ فَابْنُهُ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَسَتُدْرِكُهُ يَا عَلِيُّ، ثُمَّ اِبْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. يَا عَلِيُّ، ثُمَّ يُكْمِلُهُ اِثْنَا عَشَرَ إِمَاماً تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ».
قَالَ عَبْدُ اَلله بْنُ جَعْفَرٍ: اِسْتَشْهَدْتُ اَلْحَسَنَ وَاَلْحُسَيْنَ وَعَبْدَ اَلله بْنَ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ اِبْنَ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَشَهِدُوا لِي عِنْدَ مُعَاوِيَةَ.
قَالَ سُلَيْمُ بْنُ قَيْسٍ: وَقَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ سَلْمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ وَاَلْمِقْدَادِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(٤٥١)،(٤٥٢).
١٠٢ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ(٤٥٣) مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، [عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْعُصْفُرِيِّ](٤٥٤)، عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ(٤٥٥)، عَنْ أَبِي اَلْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنِّي وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي وَأَنْتَ يَا عَلِيُّ زِرُّ اَلْأَرْضِ - أَعْنِي أَوْتَادَهَا وَجِبَالَهَا -، بِنَا أَوْتَدَ اَللهُ اَلْأَرْضَ أَنْ تَسِيخَ بِأَهْلِهَا، فَإِذَا ذَهَبَ اَلْاِثْنَا عَشَرَ مِنْ وُلْدِي سَاخَتِ اَلْأَرْضُ بِأَهْلِهَا وَلَمْ يُنْظَرُوا»(٤٥٦)،(٤٥٧).
١٠٣ - عَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نَعْمَةَ اَلسَّلُولِيِّ، عَنْ وُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ(٤٥٨)، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلْقَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي اَلسَّفَاتِجِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ (عليها السلام) وَبَيْنَ يَدَيْهَا [لَوْحٌ فِيهِ](٤٥٩) أَسْمَاءُ اَلْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِهَا، فَعَدَدْتُ اِثْنَيْ عَشَرَ اِسْماً آخِرُهُمْ اَلْقَائِمُ، ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ مُحَمَّدٌ، وَثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ عَلِيٌّ(٤٦٠).
١٠٤ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اِبْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ(٤٦١)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «يَكُونُ تِسْعَةُ أَئِمَّةٍ بَعْدَ اَلْحُسَيْنِ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ(٤٦٢)»(٤٦٣).
١٠٥ - مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ اَللهَ تَعَالَى أَرْسَلَ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلَى اَلْجِنِّ وَاَلْإِنْسِ عَامَّةً، وَكَانَ مِنْ بَعْدِهِ اِثْنَا عَشَرَ وَصِيًّا، مِنْهُمْ مَنْ سَبَقَنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ بَقِيَ، وَكُلُّ وَصِيٍّ جَرَتْ بِهِ اَلسُّنَّةُ وَاَلْأَوْصِيَاءُ اَلَّذِينَ مِنْ بَعْدِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عَلَى سُنَّةِ أَوْصِيَاءِ عِيسَى إِلَى مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَكَانُوا اِثْنَيْ عَشَرَ، وَكَانَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) عَلَى سُنَّةِ اَلمَسِيحِ»(٤٦٤)،(٤٦٥).
١٠٦ - عَنْهُ، عَنْ أَبِي اَلْحُسَيْنِ(٤٦٦). وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَبِي اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ اَلْآدَمِيِّ، عَنِ اَلْحَسَنِ اِبْنِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ اَلْحَرِيشِ اَلرَّازِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلثَّانِي (عليه السلام): «أَنَّ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ لَيْلَةَ اَلْقَدْرِ فِي كُلِّ سَنَةٍ(٤٦٧)، وَإِنَّهُ يَنْزِلُ فِي تِلْكَ اَللَّيْلَةِ أَمْرُ اَلسَّنَةِ، وَلِذَلِكَ اَلْأَمْرِ وُلَاةٌ بَعْدَ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ هُمْ؟ فَقَالَ: أَنَا وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ صُلْبِي أَئِمَّةٌ مُحَدَّثُونَ»(٤٦٨).
١٠٧ - مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ اَلْعَبَرْتَائِيِّ(٤٦٩)، عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - فِي حَدِيثٍ لَهُ -: «إِنَّ اَللهَ اِخْتَارَ مِنَ اَلنَّاسِ اَلْأَنْبِيَاءَ [وَاِخْتَارَ مِنَ اَلْأَنْبِيَاءِ](٤٧٠) اَلرُّسُلَ، وَاِخْتَارَنِي مِنَ اَلرُّسُلِ، وَاِخْتَارَ مِنِّي عَلِيًّا، وَاِخْتَارَ مِنْ عَلِيٍّ اَلْحَسَنَ وَاَلْحُسَيْنَ، وَاِخْتَارَ مِنَ اَلْحُسَيْنِ اَلْأَوْصِيَاءَ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُهُمْ وَبَاطِنُهُمْ(٤٧١)»(٤٧٢).
١٠٨ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيِّ(٤٧٣)، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ وَعَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيِّ، عَنْ أَبِي اَلْخَيْرِ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ اَلرَّازِيِّ(٤٧٤) وَاَلْحَسَنِ بْنِ ظَرِيفٍ جَمِيعاً، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «قَالَ أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْأَنْصَارِيِّ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَمَتَى يَخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ أَخْلُوَ بِكَ فَأَسْأَلَكَ عَنْهَا؟
قَالَ لَهُ جَابِرٌ: فِي أَيِّ اَلْأَوْقَاتِ أَحْبَبْتَ.
فَخَلَا بِهِ أَبِي فِي بَعْضِ اَلْأَوْقَاتِ، فَقَالَ لَهُ: يَا جَابِرُ، أَخْبِرْنِي عَنِ اَللَّوْحِ اَلَّذِي رَأَيْتَهُ فِي يَدِ أُمِّي فَاطِمَةَ (عليها السلام)، وَمَا أَخْبَرَتْكَ بِهِ أُمِّي أَنَّهُ فِي ذَلِكَ اَللَّوْحِ مَكْتُوبٌ.
فَقَالَ جَابِرٌ: أَشْهَدُ بِاللهِ أَنِّي دَخَلْتُ عَلَى أُمِّكَ فَاطِمَةَ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهَا) فِي حَيَاةِ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَهَنَّأْتُهَا بِوِلَادَةِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، وَرَأَيْتُ فِي يَدِهَا لَوْحاً أَخْضَرَ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ زُمُرُّدٌ، وَرَأَيْتُ فِيهِ كِتَاباً أَبْيَضَ شِبْهَ نُورِ اَلشَّمْسِ، فَقُلْتُ لَهَا: بِأَبِي وَأُمِّي يَا اِبْنَةَ(٤٧٥) رَسُولِ اَلله، مَا هَذَا اَللَّوْحُ؟ فَقَالَتْ: هَذَا اَللَّوْحُ أَهْدَاهُ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَى رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فِيهِ اِسْمُ أَبِي وَاِسْمُ بَعْلِي وَاِسْمُ اِبْنَيَّ(٤٧٦) وَأَسْمَاءُ اَلْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِي، فَأَعْطَانِيهِ أَبِي لِيَسُرَّنِي بِذَلِكَ.
قَالَ جَابِرٌ: فَأَعْطَتْنِيهِ أُمُّكَ فَاطِمَةُ (عليها السلام)، فَقَرَأْتُهُ، فَاسْتَنْسَخْتُهُ(٤٧٧).
قَالَ لَهُ أَبِي: فَهَلْ لَكَ يَا جَابِرُ أَنْ تَعْرِضَهُ عَلَيَّ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَمَشَى مَعَهُ أَبِي حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى مَنْزِلِ جَابِرٍ، فَأَخْرَجَ أَبِي صَحِيفَةً مِنْ رَقٍّ، وَقَالَ: يَا جَابِرُ، اُنْظُرْ فِي كِتَابِكَ لِأَقْرَأَ أَنَا عَلَيْكَ، فَنَظَرَ جَابِرٌ فِي نُسْخَتِهِ وَقَرَأَهُ أَبِي، فَمَا خَالَفَ حَرْفٌ حَرْفاً.
قَالَ جَابِرٌ: فَأَشْهَدُ بِاللهِ أَنِّي هَكَذَا رَأَيْتُ فِي اَللَّوْحِ مَكْتُوباً: بِسْمِ اَلله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنَ اَلله اَلْعَزِيزِ اَلْحَكِيمِ لِمُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَنُورِهِ وَسَفِيرِهِ وَحِجَابِهِ وَدَلِيلِهِ، نَزَلَ بِهِ اَلرُّوحُ اَلْأَمِينُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ، عَظِّمْ يَا مُحَمَّدُ أَسْمَائِي، وَاُشْكُرْ نَعْمَائِي، وَلَا تَجْحَدْ آلَائِي، إِنِّي أَنَا اَللهُ لَا إِلَهَ أَنَا، قَاصِمُ اَلْجَبَّارِينَ، وَمُدِيلُ اَلمَظْلُومِينَ، وَدَيَّانُ اَلدِّينِ، إِنِّي أَنَا اَللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، مَنْ رَجَا غَيْرَ فَضْلِي، أَوْ خَافَ غَيْرَ عَدْلِي، عَذَّبْتُهُ عَذَاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ اَلْعَالَمِينَ، فَإِيَّايَ فَاعْبُدْ، وَعَلَيَّ فَتَوَكَّلْ، إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيًّا فَكَمَلَتْ أَيَّامُهُ وَاِنْقَضَتْ مُدَّتُهُ إِلَّا جَعَلْتُ لَهُ وَصِيًّا، وَإِنِّي فَضَّلْتُكَ عَلَى اَلْأَنْبِيَاءِ، وَفَضَّلْتُ وَصِيَّكَ عَلِيًّا عَلَى اَلْأَوْصِيَاءِ، وَأَكْرَمْتُكَ بِشِبْلَيْكَ بَعْدَهُ وَسِبْطَيْكَ اَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ، فَجَعَلْتُ حَسَناً مَعْدِنَ عِلْمِي بَعْدَ اِنْقِضَاءِ مُدَّةِ أَبِيهِ، وَجَعَلْتُ حُسَيْناً خَازِنَ عِلْمِي، وَأَكْرَمْتُهُ بِالشَّهَادَةِ، وَخَتَمْتُ لَهُ بِالسَّعَادَةِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مَنِ اُسْتُشْهِدَ، وَأَرْفَعُ اَلشُّهَدَاءِ دَرَجَةً، جَعَلْتُ كَلِمَتِيَ اَلتَّامَّةَ مَعَهُ، وَحُجَّتِيَ اَلْبَالِغَةَ عِنْدَهُ، بِعِتْرَتِهِ(٤٧٨) أُثِيبُ وَأُعَاقِبُ. أَوَّلُهُمْ عَلِيٌّ سَيِّدُ اَلْعَابِدِينَ، وَزَيْنُ أَوْلِيَاءِ اَلمَاضِينَ، وَاِبْنُهُ شَبِيهُ جَدِّهِ اَلمَحْمُودِ مُحَمَّدٌ اَلْبَاقِرُ، بَاقِرُ عِلْمِي، وَاَلمَعْدِنُ لِحِكْمَتِي، سَيَهْلِكُ اَلمُرْتَابُونَ فِي جَعْفَرٍ، اَلرَّادُّ عَلَيْهِ كَالرَّادِّ عَلَيَّ، حَقَّ اَلْقَوْلُ مِنِّي لَأُكْرِمَنَّ مَثْوَى جَعْفَرٍ، وَلَأَسُرَّنَّهُ فِي أَشْيَاعِهِ وَأَنْصَارِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، أُنْتِجَ(٤٧٩) بَعْدَهُ فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ حِنْدِسٌ(٤٨٠)، لِأَنَّ خَيْطَ فَرْضِي لَا يَنْقَطِعُ، وَحُجَّتِي لَا تَخْفَى، وَإِنَّ أَوْلِيَائِي لَا يَشْقَوْنَ، أَلَا وَمَنْ جَحَدَ وَاحِداً مِنْهُمْ فَقَدْ جَحَدَ نِعْمَتِي، وَمَنْ غَيَّرَ آيَةً مِنْ كِتَابِي فَقَدِ اِفْتَرَى عَلَيَّ، وَوَيْلٌ لِلْمُفْتَرِينَ اَلْجَاحِدِينَ عِنْدَ اِنْقِضَاءِ مُدَّةِ عَبْدِي مُوسَى وَحَبِيبِي وَخِيَرَتِي. إِنَّ اَلمُكَذِّبَ بِالثَّامِنِ مُكَذِّبٌ بِكُلِّ أَوْلِيَائِي، وَعَلِيٌّ وَلِيِّي وَنَاصِرِي، وَمَنْ أَضَعُ عَلَيْهِ أَعْبَاءَ اَلنُّبُوَّةِ، وَأُمَتِّعُهُ(٤٨١) بِالْاِضْطِلَاعِ بِهَا، يَقْتُلُهُ عِفْرِيتٌ مُسْتَكْبِرٌ، يُدْفَنُ فِي اَلمَدِينَةِ اَلَّتِي بَنَاهَا اَلْعَبْدُ اَلصَّالِحُ إِلَى جَنْبِ شَرِّ خَلْقِي، حَقَّ اَلْقَوْلُ مِنِّي لَأُقِرَّنَّ عَيْنَيْهِ بِمُحَمَّدٍ اِبْنِهِ وَخَلِيفَتِهِ وَوَارِثِ عِلْمِهِ، فَهُوَ مَعْدِنُ عِلْمِي، وَمَوْضِعُ سِرِّي، وَحُجَّتِي عَلَى خَلْقِي، جَعَلْتُ اَلْجَنَّةَ مَثْوَاهُ، وَشَفَّعْتُهُ فِي سَبْعِينَ أَلْفٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ قَدِ اِسْتَوْجَبُوا اَلنَّارَ، وَأَخْتِمُ بِالسَّعَادَةِ لاِبْنِهِ عَلِيٍّ، وَلِيِّي وَنَاصِرِي، وَاَلشَّاهِدِ فِي خَلْقِي، وَأَمِينِي عَلَى وَحْيِي، أُخْرِجُ مِنْهُ اَلدَّاعِيَ إِلَى سَبِيلي، وَاَلْخَازِنَ لِعِلْمِيَ اَلْحَسَنَ. ثُمَّ أُكْمِلُ ذَلِكَ بِابْنِهِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، عَلَيْهِ كَمَالُ مُوسَى، وَبَهَاءُ عِيسَى، وَصَبْرُ أَيُّوبَ، سَيَذِلُّ أَوْلِيَائِي فِي زَمَانِهِ، وَيُتَهَادَى رُؤُوسُهُمْ كَمَا يُتَهَادَى رُؤُوسُ اَلتُّرْكِ وَاَلدَّيْلَمِ، فَيُقْتَلُونَ وَيُحْرَقُونَ وَيَكُونُونَ خَائِفِينَ مَرْعُوبِينَ وَجِلِينَ، تُصْبَغُ اَلْأَرْضُ بِدِمَائِهِمْ، وَيَفْشُو اَلْوَيْلُ وَاَلرَّنَّةُ فِي نِسَائِهِمْ، أُولَئِكَ أَوْلِيَائِي حَقًّا، بِهِمْ أَدْفَعُ كُلَّ فِتْنَةٍ عَمْيَاءَ حِنْدِسٍ، وَبِهِمْ أَكْشِفُ اَلزَّلَازِلَ، وَأَرْفَعُ اَلآصَارَ وَاَلْأَغْلَالَ، ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٥٧]».
قَالَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ سَالِمٍ: قَالَ لِي أَبُو بَصِيرٍ: لَوْ لَمْ تَسْمَعْ فِي دَهْرِكَ إِلَّا هَذَا اَلْحَدِيثَ لَكَفَاكَ، فَصُنْهُ إِلَّا عَنْ أَهْلِهِ(٤٨٢).
١٠٩ - وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنِ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ اَلْإِيَادِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سِنَانٍ اَلمَوْصِلِيِّ اَلْعَدْلِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْخَلِيليِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ اَلْهَمْدَانِيِّ(٤٨٣)، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ زِيَادِ(٤٨٤) بْنِ مُسْلِمٍ وَعَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ(٤٨٥)، عَنْ سَلَّامٍ(٤٨٦)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلْمَى(٤٨٧) رَاعِيَ اَلنَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «سَمِعْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِلَى اَلسَّمَاءِ، قَالَ اَلْعَزِيزُ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ): ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾.
قُلْتُ: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ٢٨٤].
قَالَ: صَدَقْتَ. يَا مُحَمَّدُ، مَنْ خَلَّفْتَ لِأُمَّتِكَ؟
قُلْتُ: خَيْرَهَا.
قَالَ: عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)؟
قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَبِّ.
قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي اِطَّلَعْتُ عَلَى اَلْأَرْضِ اِطِّلَاعَةً فَاخْتَرْتُكَ مِنْهَا، فَشَقَقْتُ لَكَ اِسْماً مِنْ أَسْمَائِي، فَلَا أُذْكَرُ فِي مَوْضِعٍ إِلَّا وَذُكِرْتَ مَعِي، فَأَنَا اَلمَحْمُودُ وَأَنْتَ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ اِطَّلَعْتُ اَلثَّانِيَةَ فَاخْتَرْتُ مِنْهَا عَلِيًّا، وَشَقَقْتُ لَهُ اِسْماً مِنْ أَسْمَائِي، فَأَنَا اَلْأَعْلَى وَهُوَ عَلِيٌّ. يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي خَلَقْتُكَ وَخَلَقْتُ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَاَلْحَسَنَ وَاَلْحُسَيْنَ مِنْ شَبَحِ نُورٍ مِنْ نُورِي(٤٨٨)، وَعَرَضْتُ وَلَايَتَكُمْ عَلَى أَهْلِ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرَضِينَ، فَمَنْ قَبِلَهَا كَانَ عِنْدِي مِنَ اَلمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ جَحَدَهَا كَانَ عِنْدِي مِنَ اَلْكَافِرِينَ. يَا مُحَمَّدُ، لَوْ أَنَّ عَبْداً مِنْ عِبَادِي عَبَدَنِي حَتَّى يَنْقَطِعَ وَيَصِيرَ مِثْلَ اَلشَّنِّ اَلْبَالِي، ثُمَّ أَتَانِي جَاحِداً بِوَلَايَتِكُمْ مَا غَفَرْتُ لَهُ حَتَّى يُقِرَّ بِوَلَايَتِكُمْ. يَا مُحَمَّدُ، أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهُمْ؟
قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَبِّ.
فَقَالَ: اِلْتَفِتْ عَنْ يَمِينِ اَلْعَرْشِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَاَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ وَعَلِيٍّ وَمُحَمَّدٍ وَجَعْفَرٍ وَمُوسَى وَعَلِيٍّ وَمُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَاَلْحَسَنِ وَاَلمَهْدِيِّ (عليهم السلام) فِي ضَحْضَاحٍ(٤٨٩) مِنْ نُورٍ، قِيَامٌ يُصَلُّونَ، وَاَلمَهْدِيُّ فِي وَسْطِهُمْ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَؤُلَاءِ اَلْحُجَجُ، وَهَذَا اَلثَّائِرُ مِنْ عِتْرَتِكَ. يَا مُحَمَّدُ، وَعِزَّتِي وَجَلَالِي إِنَّهُ اَلْحُجَّةُ اَلْوَاجِبَةُ لِأَوْلِيَائِي، وَاَلمُنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِي»(٤٩٠).
١١٠ - وَرَوَى جَابِرٌ اَلْجُعْفِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ تَأْوِيلِ قَوْلِ اَلله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: ٣٦]، قَالَ: فَتَنَفَّسَ سَيِّدِي اَلصُّعَدَاءَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا جَابِرُ، أَمَّا السَّنَةُ فَهِيَ جَدِّي رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَشُهُورُهَا اِثْنَا عَشَرَ شَهْراً، فَهُوَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (وَ)(٤٩١) إلَيَّ، وَإِلَى اِبْنِي جَعْفَرٍ، وَاِبْنِهِ مُوسَى، وَاِبْنِهِ عَلِيٍّ، وَاِبْنِهِ مُحَمَّدٍ، وَاِبْنِهِ عَلِيٍّ، وَإِلَى اِبْنِهِ اَلْحَسَنِ، وَإِلَى اِبْنِهِ مُحَمَّدٍ اَلْهَادِي اَلمَهْدِيِّ، اِثْنَا عَشَرَ إِمَاماً، حُجَجُ اَلله فِي خَلْقِهِ، وَأُمَنَاؤُهُ عَلَى وَحْيِهِ وَعِلْمِهِ. وَاَلْأَرْبَعَةُ اَلْحُرُمُ اَلَّذِينَ هُمُ اَلدِّينُ اَلْقَيِّمُ أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ يَخْرُجُونَ بِاسْمٍ وَاحِدٍ: عَلِيٌّ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ، وَأَبِي عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ، وَعَلِيُّ بْنُ مُوسَى، وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)، فَالْإِقْرَارُ بِهَؤُلَاءِ هُوَ اَلدِّينُ اَلْقَيِّمُ، ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ أَيْ قُولُوا بِهِمْ جَمِيعاً تَهْتَدُوا»(٤٩٢).
١١١ - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيِّ(٤٩٣)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سِنَانٍ اَلمَوْصِلِيِّ اَلْعَدْلِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْخَلِيلِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْمِصْرِيِّ(٤٩٤)، عَنْ عَمِّهِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ اَلْبَاقِرِ، عَنْ أَبِيهِ ذِي اَلثَّفِنَاتِ(٤٩٥) سَيِّدِ اَلْعَابِدِينَ، عَنْ أَبِيهِ اَلْحُسَيْنِ اَلزَّكِيِّ اَلشَّهِيدِ، عَنْ أَبِيهِ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - فِي اَللَّيْلَةِ اَلَّتِي كَانَتْ فِيهَا وَفَاتُهُ - لِعَلِيٍّ (عليه السلام): «يَا أَبَا اَلْحَسَنِ، أَحْضِرْ صَحِيفَةً وَدَوَاةً»، فَأَمْلَأَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَصِيَّتَهُ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى هَذَا اَلمَوْضِعِ، فَقَالَ: «يَا عَلِيُّ، إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي اِثْنَا عَشَرَ إِمَاماً، وَمِنْ بَعْدِهِمْ اِثْنَا عَشَرَ مَهْدِيًّا، فَأَنْتَ يَا عَلِيُّ أَوَّلُ اَلْاِثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً، سَمَّاكَ اَللهُ تَعَالَى فِي سَمَائِهِ: عَلِيًّا اَلمُرْتَضَى، وَأَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ، وَاَلصِّدِّيقَ اَلْأَكْبَرَ، وَاَلْفَارُوقَ اَلْأَعْظَمَ، وَاَلمَأْمُونَ، وَاَلمَهْدِيَّ، فَلَا تَصِحُّ هَذِهِ اَلْأَسْمَاءُ لِأَحَدٍ غَيْرِكَ. يَا عَلِيُّ، أَنْتَ وَصِيِّي عَلَى أَهْلِ بَيْتِي حَيِّهِمْ وَمَيِّتِهِمْ، وَعَلَى نِسَائِي، فَمَنْ ثَبَّتَّهَا لَقِيَتْنِي غَداً، وَمَنْ طَلَّقْتَهَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهَا، لَمْ تَرَنِي(٤٩٦) وَلَمْ أَرَهَا فِي عَرْصَةِ اَلْقِيَامَةِ، وَأَنْتَ خَلِيفَتِي عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي، فَإِذَا حَضَرَتْكَ اَلْوَفَاةُ فَسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِيَ اَلْحَسَنِ اَلْبَرِّ اَلْوَصُولِ(٤٩٧)، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِيَ اَلْحُسَيْنِ اَلشَّهِيدِ اَلزَّكِيِّ اَلمَقْتُولِ، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ سَيِّدِ اَلْعَابِدِينَ ذِي اَلثَّفِنَاتِ عَلِيٍّ، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ مُحَمَّدٍ اَلْبَاقِرِ(٤٩٨)، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ جَعْفَرٍ اَلصَّادِقِ، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ مُوسَى اَلْكَاظِمِ، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ عَلِيٍّ اَلرِّضَا، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ مُحَمَّدٍ اَلثِّقَةِ اَلتَّقِيِّ، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ عَلِيٍّ اَلنَّاصِحِ، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ اَلْحَسَنِ اَلْفَاضِلِ، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ مُحَمَّدٍ اَلمُسْتَحْفَظِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)، فَذَلِكَ اِثْنَا عَشَرَ إِمَاماً، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ اِثْنَا عَشَرَ مَهْدِيًّا، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ أَوَّلِ اَلمُقَرَّبِينَ، لَهُ ثَلَاثَةُ أَسَامِيَ: اِسْمٌ كَاسْمِي وَاِسْمِ أَبِي وَهُوَ عَبْدُ اَلله، وَأَحْمَدُ، وَاَلْاِسْمُ اَلثَّالِثُ اَلمَهْدِيُّ، هُوَ أَوَّلُ اَلمُؤْمِنِينَ»(٤٩٩).
١١٢ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ اَلْأَشْعَرِيِّ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اَلله، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مُوسَى اَلْخَشَّابِ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ رِبَاطٍ، عَنِ اِبْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «اَلْاِثْنَا عَشَرَ اَلْإِمَامَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ كُلُّهُمْ مُحَدَّثٌ [مِنْ](٥٠٠) وُلْدِ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَوُلْدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، فَرَسُولُ اَلله وَعَلِيٌّ (عليهما السلام) هُمَا اَلْوَالِدَانِ»(٥٠١).
١١٣ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ [بْنِ] اَلْحُسَيْنِ(٥٠٢)، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام). وَمُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى اَلمَدَنِيِّ(٥٠٣)، عَنْ أَبِي هَارُونَ اَلْعَبْدِيِّ(٥٠٤)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ حَاضِراً لَـمَّا هَلَكَ أَبُو بَكْرٍ وَاِسْتَخْلَفَ عُمَرَ أَقْبَلَ يَهُودِيٌّ مِنْ عُظَمَاءِ يَثْرِبَ يَزْعُمُ يَهُودُ اَلمَدِينَةِ أَنَّهُ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ حَتَّى رُفِعَ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ: يَا عُمَرُ، إِنِّي جِئْتُكَ أُرِيدُ اَلْإِسْلَامَ، فَإِنْ خَبَّرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ فَأَنْتَ أَعْلَمُ أَصْحَابِ هَذَا اَلْكِتَابِ وَاَلسُّنَّةِ وَجَمِيعِ مَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ.
قَالَ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكَ، لَكِنِّي أُرْشِدُكَ إِلَى مَنْ هُوَ أَعْلَمُ أُمَّتِنَا بِالْكِتَابِ وَاَلسُّنَّةِ وَجَمِيعِ مَا قَدْ تَسْأَلُ عَنْهُ، وَهُوَ ذَاكَ - وَأَوْمَأَ إِلَى عَلِيٍّ (عليه السلام) -.
فَقَالَ لَهُ اَلْيَهُودِيُّ: يَا عُمَرُ، إِنْ كَانَ هَذَا كَمَا تَقُولُ فَمَا لَكَ وَبِيعَةَ(٥٠٥) اَلنَّاسِ، وَإِنَّمَا ذَاكَ أَعْلَمُكُمْ؟
فَزَبَرَهُ(٥٠٦) عُمَرُ.
ثُمَّ إِنَّ اَلْيَهُودِيَّ قَامَ إِلَى عَلِيٍّ (عليه السلام)، فَقَالَ: أَنْتَ كَمَا ذَكَرَ عُمَرُ؟
فَقَالَ: «وَمَا قَالَ عُمَرُ؟».
فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: فَإِنْ كُنْتَ كَمَا قَالَ عُمَرُ سَأَلْتُكَ عَنْ أَشْيَاءَ أُرِيدُ أَنْ أَعْلَمَ هَلْ يَعْلَمُهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ فَأَعْلَمَ أَنَّكُمْ فِي دَعْوَاكُمْ خَيْرُ اَلْأُمَمِ وَأَعْلَمُهَا صَادِقُونَ؟ وَمَعَ ذَلِكَ أَدْخُلُ فِي دِينِكُمُ اَلْإِسْلَامِ.
فَقَالَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «نَعَمْ، أَنَا كَمَا ذَكَرَ لَكَ عُمَرُ، سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ أُخْبِرْكَ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اَللهُ تَعَالَى».
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَوَاحِدَةٍ.
قَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام): «يَا يَهُودِيٌّ، لِمَ لَمْ تَقُلْ: أَخْبِرْنِي عَنْ سَبْعٍ؟».
فَقَالَ اَلْيَهُودِيُّ: إِنَّكَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِالثَّلَاثِ سَأَلْتُكَ عَنِ اَلثَّلَاثِ وَإِلَّا كَفَفْتُ، وَإِنْ أَجَبْتَنِي فِي هَذِهِ اَلسَّبْعِ فَأَنْتَ أَعْلَمُ أَهْلِ اَلْأَرْضِ وَأَفْضَلُهُمْ وَأَوْلَى اَلنَّاسِ بِالنَّاسِ.
فَقَالَ: «سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ يَا يَهُودِيُّ».
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَوَّلِ حَجَرٍ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ، وَأَوَّلِ شَجَرَةٍ غُرِسَتْ عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ، وَأَوَّلِ عَيْنٍ نَبَعَتْ عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ، فَأَخْبَرَهُ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام).
ثُمَّ قَالَ لَهُ اَلْيَهُودِيُّ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ كَمْ لَهَا مِنْ إِمَامِ هُدًى؟ وَأَخْبِرْنِي عَنْ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ أَيْنَ مَنْزِلُهُ فِي اَلْجَنَّةِ؟ وَأَخْبِرْنِي مَنْ مَعَهُ فِي اَلْجَنَّةِ؟
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «إِنَّ لِهَذِهِ اَلْأُمَّةِ اِثْنَيْ عَشَرَ إِمَامَ هُدًى مِنْ ذُرِّيَّةِ نَبِيِّهَا، وَهُمْ مِنِّي. وَأَمَّا مَنْزِلُ نَبِيِّنَا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي اَلْجَنَّةِ فَهُوَ أَفْضَلُهَا وَأَشْرَفُهَا جَنَّةُ عَدْنٍ. وَأَمَّا مَنْ مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ مِنْهَا فَهَؤُلَاءِ اَلْاِثْنَا عَشَرَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَأُمُّهُمْ وَجَدَّتُهُمْ - أُمُّ أُمِّهِمْ - وَذَرَارِيُّهُمْ، لَا يَشْرَكُهُمْ فِيهَا أَحَدٌ»(٥٠٧)،(٥٠٨).
١١٤ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْبَرْقِيِّ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْجَعْفَرِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلثَّانِي (عليه السلام)، قَالَ: «أَقْبَلَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَمَعَهُ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِ سَلْمَانَ، فَدَخَلَ اَلمَسْجِدَ اَلْحَرَامَ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ اَلْهَيْأَةِ وَاَللِّبَاسِ، فَسَلَّمَ عَلَى أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، فَرَدَّ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ، فَجَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ، أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهِنَّ عَلِمْتُ أَنَّ اَلْقَوْمَ قَدْ رَكِبُوا مِنْ أَمْرِكَ مَا قُضِيَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ لَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ فِي دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ، وَإِنْ تَكُنِ اَلْأُخْرَى عَلِمْتُ أَنَّكَ وَهُمْ شَرَعٌ سَوَاءٌ.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ.
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ اَلرَّجُلِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ؟ وَعَنِ اَلرَّجُلِ كَيْفَ يَذْكُرُ وَيَنْسَى؟ وَعَنِ اَلرَّجُلِ يُشْبِهُ وَلَدُهُ اَلْأَعْمَامَ وَاَلْأَخْوَالَ.
فَالْتَفَتَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) إِلَى اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَجِبْهُ، فَأَجَابَهُ اَلْحَسَنُ (عليه السلام).
فَقَالَ اَلرَّجُلُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ، وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَلله، وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِذَلِكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ اَلله، وَاَلْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ - وَأَشَارَ إِلَى أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) -، وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّهُ وَاَلْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ - وَأَشَارَ إِلَى اَلْحَسَنِ -، وَأَشْهَدُ أَنَّ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَصِيُّ أَبِيهِ وَاَلْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ بَعْدَكَ، وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ أَنَّهُ اَلْقَائِمُ بِأَمْرِ اَلْحُسَيْنِ بَعْدَهُ، وَأَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ اَلْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، وَأَشْهَدُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ اَلْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَشْهَدُ عَلَى مُوسَى أَنَّهُ اَلْقَائِمُ بِأَمْرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ اَلْقَائِمُ بِأَمْرِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ اَلْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى، وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ اَلْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَشْهَدُ عَلَى اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ اَلْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ اَلْحَسَنِ لَا يُكَنَّى وَلَا يُسَمَّى حَتَّى يَظْهَرَ أَمْرُهُ فَيَمْلَأَهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، وَاَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اَلله وَبَرَكَاتُهُ، ثُمَّ قَامَ فَمَضَى.
فَقَالَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، اِتَّبِعْهُ اُنْظُرْ أَيْنَ يَقْصِدُ؟
فَخَرَجَ اَلْحَسَنُ (عليه السلام)، فَقَالَ (لَهُ)(٥٠٩): مَا كَانَ إِلَّا أَنْ وَضَعَ رِجْلَهُ خَارِجاً مِنَ اَلمَسْجِدِ فَمَا دَرَيْتُ أَيْنَ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ اَلله، فَرَجَعْتُ إِلَى أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَأَعْلَمْتُهُ.
فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَتَعْرِفُهُ؟
فَقُلْتُ: اَللهُ وَرَسُولُهُ وَأَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ.
فَقَالَ (عليه السلام): هُوَ اَلْخَضِرُ (عليه السلام)»(٥١٠).
فهذا طرف من الأخبار قد أوردناها، ولو شرعنا في إيراد (ما)(٥١١) من جهة الخاصَّة في هذا المعنى لطال به الكتاب، وإنَّما أوردنا ما أوردنا منها ليصحَّ ما قلناه من نقل الطائفتين المختلفتين، ومن أراد الوقوف(٥١٢) على ذلك فعليه بالكُتُب المصنَّفة في ذلك فإنَّه يجد من ذلك شيئاً كثيراً حسب ما قلناه.
[بيان صحَّة أخبار أنَّ الأئمَّة اثنا عشر، وأنَّ المراد منهم الأئمَّة الإماميَّة]:
فإنْ قيل: دلُّوا أوَّلاً على صحَّة هذه الأخبار، فإنَّها [أخبار](٥١٣) آحاد لا يُعوَّل عليها فيما طريقه العلم، وهذه مسألة علميَّة. ثمّ دلُّوا على أنَّ المعنيَّ بها مَنْ تذهبون إلى إمامته، فإنَّ الأخبار التي رويتموها عن مخالفيكم وأكثر ما رويتموها من جهة الخاصَّة إذا سُلِّمت، فليس فيها صحَّة ما تذهبون إليه، لأنَّها تتضمَّن العدد فحسب، ولا تتضمَّن غير ذلك، فمن أين لكم أنَّ أئمَّتكم هم المرادون بها دون غيرهم؟
قلنا: أمَّا الذي يدلُّ على صحَّتها فإنَّ الشيعة الإماميَّة يروونها على وجه التواتر خلفاً عن سلف، وطريقة تصحيح ذلك موجودة في كُتُب الإماميَّة النصوص(٥١٤) على أمير المؤمنين (عليه السلام)، والطريقة واحدة.
وأيضاً فإنَّ نقل الطائفتين المختلفتين المتباينتين في الاعتقاد يدلُّ على صحَّة ما قد اتَّفقوا على نقله، لأنَّ العادة جارية أنَّ كلَّ من اعتقد مذهباً وكان الطريق إلى صحَّة ذلك النقل، فإنَّ دواعيه تتوفَّر إلى نقله، وتتوفَّر دواعي من خالفه إلى إبطال ما نقله أو الطعن(٥١٥) عليه، والإنكار لروايته، بذلك جرت العادات في مدائح الرجال وذمِّهم وتعظيمهم والنقص منهم.
ومتى رأينا الفرقة المخالفة لهذه الفرقة قد نقلت مثل نقلها ولم تتعرَّض للطعن على نقله ولم تُنكِر متضمَّن الخبر دلَّ ذلك على أنَّ الله تعالى قد تولَّى نقله وسخَّرهم لروايته، وذلك دليل على صحَّة ما تضمَّنه الخبر.
وأمَّا الدليل على أنَّ المراد بالأخبار والمعنيَّ بها أئمَّتنا (عليهم السلام)، فهو أنَّه إذا ثبت بهذه الأخبار أنَّ الإمامة محصورة في الاثني عشر إماماً، وأنَّهم لا يزيدون ولا ينقصون، ثبت ما ذهبنا إليه، لأنَّ الأُمَّة بين قائلين: قائل يعتبر العدد الذي ذكرناه فهو يقول: إنَّ المراد بها من يذهب إلى إمامته، ومن خالف في إمامتهم لا يعتبر هذا العدد، فالقول - مع اعتبار العدد - إنَّ المراد غيرهم خروج عن الإجماع، وما أدَّى إلى ذلك وجب القول بفساده.
[دليل آخر على أنَّ إمامة صاحب الأمر (عجّل الله فرجه) من جهة إخبار الأئمَّة السابقة عليه بغيبته، وصفة غيبته، وحوادث زمان غيبته]:
ويدلُّ أيضاً على إمامة ابن الحسن (عليه السلام) وصحَّة غيبته ما ظهر وانتشر من الأخبار الشائعة الذائعة عن آبائه (عليهم السلام) قبل هذه الأوقات بزمان طويل من أنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة، وصفة غيبته وما يجري فيها من الاختلاف، ويحدث فيها من الحوادث، وأنَّه يكون له غيبتان إحداهما أطول من الأُخرى، وأنَّ الأُولى يُعرَف فيها خبره، والثانية لا يُعرَف فيها أخباره، فوافق ذلك على ما تضمَّنته الأخبار.
ولولا صحَّتها وصحَّة إمامته لما وافق ذلك، لأنَّ ذلك لا يكون إلَّا بإعلام الله تعالى على لسان نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهذه أيضاً طريقة معتمدة اعتمدها الشيوخ قديماً.
ونحن نذكر من الأخبار التي تضمَّنت ذلك طرفاً ليُعلَم صحَّة ما قلناه، لأنَّ استيفاء جميع ما روي في هذا المعنى يطول، وهو موجود في كُتُب الأخبار، من أراده وقف عليه من هناك.
١١٥ - فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْبَرَنَا بِهِ جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ اِبْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَلله، عَنْ مُوسَى اِبْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ(٥١٦)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) فِي قَوْلِ اَلله تَعَالَى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك: ٣٠]، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي اَلْإِمَامِ، فَقَالَ: (إِنْ)(٥١٧) أَصْبَحَ إِمَامُكُمْ غَائِباً عَنْكُمْ فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِإِمَامٍ ظَاهِرٍ يَأْتِيكُمْ بِأَخْبَارِ اَلسَّمَاءِ وَاَلْأَرْضِ وَبِحَلَالِ اَلله تَعَالَى وَحَرَامِهِ»، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا وَاَلله مَا جَاءَ تَأْوِيلُ هَذِهِ اَلْآيَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَجِيءَ تَأْوِيلُهَا»(٥١٨).
١١٦ - سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ(٥١٩)، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اِبْنِ أَبِي اَلرَّبِيعِ اَلمَدَائِنِيِّ(٥٢٠)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَسِيدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، قَالَتْ: لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) فَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اَلله تَعَالَى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ [التكوير: ١٥ و١٦].
فَقَالَ: «إِمَامٌ يَخْنِسُ فِي زَمَانِهِ عِنْدَ اِنْقِطَاعٍ(٥٢١) مِنْ عِلْمِهِ عِنْدَ اَلنَّاسِ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، ثُمَّ يَبْدُو كَالشِّهَابِ اَلْوَقَّادِ، فَإِنْ أَدْرَكْتِ ذَلِكَ قَرَّتْ عَيْنُكِ(٥٢٢)»(٥٢٣)،(٥٢٤).
١١٧ - سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُوسَى بْنِ قَاسِمٍ اَلْبَجَلِيِّ(٥٢٥) وَأَبِي قَتَادَةَ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ(٥٢٦)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا تَأْوِيلُ قَوْلِ اَلله تَعَالَى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك: ٣٠]؟
فَقَالَ: «إِذَا فَقَدْتُمْ إِمَامَكُمْ فَلَمْ تَرَوْهُ فَمَا ذَا تَصْنَعُونَ؟»(٥٢٧).
١١٨ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ اَلشَّاذَانِ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ(٥٢٨)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «إِنْ بَلَغَكُمْ عَنْ صَاحِبِكُمْ غَيْبَةٌ فَلَا تُنْكِرُوهَا»(٥٢٩)،(٥٣٠).
١١٩ - مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيُّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَلله، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلصَّيْرَفِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ اَلمُثَنَّى اَلْعَطَّارِ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «يَفْقِدُ اَلنَّاسُ إِمَامَهُمْ فَيَشْهَدُ اَلمَوْسِمَ فَيَرَاهُمْ وَلَا يَرَوْنَهُ»(٥٣١).
١٢٠ - أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلمُسْتَنِيرِ(٥٣٢)، عَنِ اَلمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا تَطُولُ حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ: مَاتَ، وَيَقُولَ بَعْضُهُمْ: قُتِلَ، وَيَقُولَ بَعْضُهُمْ: ذَهَبَ، حَتَّى لَا يَبْقَى عَلَى أَمْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَّا نَفَرٌ يَسِيرٌ، لَا يَطَّلِعُ عَلَى مَوْضِعِهِ أَحَدٌ مِنْ وُلْدِهِ وَلَا غَيْرِهِ إِلَّا اَلمَوْلَى اَلَّذِي يَلِي أَمْرَهُ»(٥٣٣).
١٢١ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ اَلنَّيْشَابُورِيِّ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، (عَنْ أَبِي بَصِيرٍ)(٥٣٤)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ مِنْ عُزْلَةٍ، وَلَا بُدَّ فِي عُزْلَتِهِ مِنْ قُوَّةٍ، وَمَا بِثَلَاثِينَ مِنْ وَحْشَةٍ، وَنِعْمَ اَلمَنْزِلُ طَيْبَةُ»(٥٣٥)،(٥٣٦).
١٢٢ - سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلزَّيْتُونِيِّ(٥٣٧)، عَنِ اَلزُّهْرِيِّ اَلْكُوفِيِّ، عَنْ بُنَانِ بْنِ حَمْدَوَيْهِ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيِّ (عليه السلام) مُضِيُّ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)(٥٣٨)، فَقَالَ: «ذَاكَ إِلَيَّ مَا دُمْتُ حَيًّا بَاقِياً، وَلَكِنْ كَيْفَ بِهِمْ إِذَا فَقَدُوا مَنْ بَعْدِي؟».
١٢٣ - وَأَخْبَرَنَا اِبْنُ أَبِي جِيدٍ اَلْقُمِّيُّ(٥٣٩)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْوَلِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ اَلصَّفَّارِ، عَنِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ حَمْدَوَيْهِ اِبْنِ اَلْبَرَاءِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ اَلْأَعْلَى مَوْلَى آلِ سَامٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، فَلَمَّا نَزَلْنَا اَلرَّوْحَاءَ نَظَرَ إِلَى جَبَلِهَا مُطلّاً عَلَيْهَا، فَقَالَ لِي: «تَرَى هَذَا اَلْجَبَلَ؟ هَذَا جَبَلٌ يُدْعَى رَضْوَى مِنْ جِبَالِ فَارِسَ أَحَبَّنَا فَنَقَلَهُ اَللهُ إِلَيْنَا، أَمَا إِنَّ فِيهِ كُلَّ شَجَرَةٍ مُطْعِمٍ، وَنِعْمَ أَمَانٌ لِلْخَائِفِ مَرَّتَيْنِ، أَمَا إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ فِيهِ غَيْبَتَيْنِ، وَاحِدَةٌ قَصِيرَةٌ، وَاَلْأُخْرَى طَوِيلَةٌ».
١٢٤ - أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْعَلَاءِ(٥٤٠)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «لَـمَّا دَخَلَ سَلْمَانُ (رضي الله عنه) اَلْكُوفَةَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا ذَكَرَ مَا يَكُونُ مِنْ بَلَائِهَا، حَتَّى ذَكَرَ مُلْكَ بَنِي أُمَيَّةَ وَاَلَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَالْزَمُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى يَظْهَرَ اَلطَّاهِرُ بْنُ اَلطَّاهِرِ اَلمُطَهَّرُ ذُو اَلْغَيْبَةِ اَلشَّرِيدُ اَلطَّرِيدُ».
١٢٥ - وَرَوَى أَبُو بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «فِي اَلْقَائِمِ شَبَهٌ مِنْ يُوسُفَ».
قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: «اَلْحَيْرَةُ وَاَلْغَيْبَةُ».
١٢٦ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي اَلمُفَضَّلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلْقَاسِمِ، عَنِ اَلمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) عَنْ تَفْسِيرِ جَابِرٍ.
فَقَالَ: «لَا تُحَدِّثْ بِهِ اَلسُّفْلَ(٥٤١) فَيُذِيعُونَهُ، أَمَا تَقْرَأُ كِتَابَ اَلله: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾ [المدَّثِّر: ٨]، إِنَّ مِنَّا إِمَاماً مُسْتَتِراً، فَإِذَا أَرَادَ اَللهُ إِظْهَارَ أَمْرِهِ نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً فَظَهَرَ فَقَامَ بِأَمْرِ اَلله تَعَالَى»(٥٤٢)،(٥٤٣).
١٢٧ - وَرَوَى عَبْدُ اَلله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ اَلْكُوفِيُّ(٥٤٤)، عَنْ مُنْذِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قَابُوسَ(٥٤٥)، عَنْ نَصْرِ بْنِ اَلسِّنْدِيِّ(٥٤٦)، عَنْ أَبِي دَاوُدَ سُلَيْمَانَ بْنِ سُفْيَانَ اَلمُسْتَرِقِّ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ(٥٤٧)، عَنْ مَالِكٍ اَلْجُهَنِيِّ(٥٤٨)، عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ اَلمُغِيرَةِ(٥٤٩)، عَنِ اَلْأَصْبَغِ اِبْنِ نُبَاتَةَ. وَرَوَاهُ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مَالِكٍ اَلْجُهَنِيِّ، عَنِ اَلْأَصْبَغِ اِبْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَوَجَدْتُهُ يَنْكُتُ فِي اَلْأَرْضِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ، مَا لِي أَرَاكَ مُفَكِّراً تَنْكُتُ فِي اَلْأَرْضِ، أَرَغْبَةً مِنْكَ فِيهَا؟
قَالَ(٥٥٠): «لَا وَاَلله مَا رَغِبْتُ فِيهَا وَلَا فِي اَلدُّنْيَا قَطُّ، وَلَكِنِّي تَفَكَّرْتُ فِي مَوْلُودٍ يَكُونُ مِنْ ظَهْرِي(٥٥١)، اَلْحَادِي عَشَرَ مِنْ وُلْدِي هُوَ اَلمَهْدِيُّ اَلَّذِي يَمْلَأُهَا عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، يَكُونُ لَهُ حَيْرَةٌ وَغَيْبَةٌ تَضِلُّ فِيهَا أَقْوَامٌ وَيَهْتَدِي فِيهَا آخَرُونَ».
قُلْتُ: يَا مَوْلَايَ، فَكَمْ تَكُونُ اَلْحَيْرَةُ وَاَلْغَيْبَةُ؟
قَالَ: «سِتَّةُ أَيَّامٍ، أَوْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، أَوْ سِتُّ سِنِينَ».
فَقُلْتُ: وَإِنَّ هَذَا اَلْأَمْرَ لَكَائِنٌ؟
فَقَالَ: «نَعَمْ كَمَا أَنَّهُ مَخْلُوقٌ، وَأَنَّى لَكَ بِهَذَا اَلْأَمْرِ يَا أَصْبَغُ، أُولَئِكَ خِيَارُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ مَعَ أَبْرَارِ هَذِهِ اَلْعِتْرَةِ».
قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ؟
قَالَ: «ثُمَّ يَفْعَلُ اَللهُ مَا يَشَاءُ، فَإِنَّ لَهُ بَدَاءَاتٍ وَإِرَادَاتٍ وَغَايَاتٍ وَنِهَايَاتٍ»(٥٥٢)،(٥٥٣).
١٢٨ - وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عِيسَى اَلْعَلَوِيِّ(٥٥٤)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما السلام)، قَالَ(٥٥٥): قَالَ لِي: «يَا بُنَيَّ، إِذَا فُقِدَ اَلْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ اَلسَّابِعِ مِنَ اَلْأَئِمَّةِ فَاللهَ اَللهَ فِي أَدْيَانِكُمْ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ يَغِيبُهَا حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ هَذَا اَلْأَمْرِ مَنْ كَانَ يَقُولُ بِهِ. يَا بُنَيَّ، إِنَّمَا هِيَ مِحْنَةٌ مِنَ اَلله اِمْتَحَنَ بِهَا خَلْقَهُ، لَوْ عَلِمَ آبَاؤُكُمْ وَأَجْدَادُكُمْ دِيناً أَصَحَّ مِنْ هَذَا اَلدِّينِ لَاتَّبَعُوهُ».
قَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، مَنِ اَلْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ اَلسَّابِعِ؟
قَالَ: «يَا بُنَيَّ، عُقُولُكُمْ تَصْغُرُ عَنْ هَذَا، وَأَحْلَامُكُمْ تَضِيقُ عَنْ حَمْلِهِ، وَلَكِنْ إِنْ تَعِيشُوا تُدْرِكُوهُ»(٥٥٦)،(٥٥٧).
١٢٩ - أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي اَلمُفَضَّلِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اَلله اِبْنِ اَلمُطَّلِبِ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرِ بْنِ سَهْلٍ اَلشَّيْبَانِيُّ اَلرُّهْنِيُّ(٥٥٨)، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ اَلْحَارِثِ، عَنْ سَعْدِ(٥٥٩) بْنِ اَلمَنْصُورِ اَلْجَوَاشِنِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْبُدَيْلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ سَدِيرٍ اَلصَّيْرَفِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَاَلمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ وَدَاوُدُ بْنُ كَثِيرٍ اَلرَّقِّيُّ وَأَبُو بَصِيرٍ وَأَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ عَلَى مَوْلَانَا اَلصَّادِقِ (عليه السلام)، فَرَأَيْنَاهُ جَالِساً عَلَى اَلتُّرَابِ، وَعَلَيْهِ مِسْحٌ(٥٦٠) خَيْبَرِيٌّ مِطْرَفٌ(٥٦١) بِلَا جَيْبٍ مُقَصَّرُ اَلْكُمَّيْنِ، وَهُوَ يَبْكِي بُكَاءَ اَلْوَالِهَةِ اَلثَّكْلَى ذَاتِ اَلْكَبِدِ اَلْحَرَّى، قَدْ نَالَ اَلْحُزْنُ مِنْ وَجْنَتَيْهِ وَشَاعَ اَلتَّغَيُّرُ فِي عَارِضَيْهِ وَأَبْلَى اَلدَّمْعُ مَحْجِرَيْهِ(٥٦٢)، وَهُوَ يَقُولُ: «سَيِّدِي غَيْبَتُكَ نَفَتْ رُقَادِي، وَضَيَّقَتْ عَلَيَّ مِهَادِي، وَاِبْتَزَّتْ مِنِّي رَاحَةَ فُؤَادِي، سَيِّدِي غَيْبَتُكَ أَوْصَلَتْ مَصَائِبِي(٥٦٣) بِفَجَائِعِ اَلْأَبَدِ، وَفَقْدَ(٥٦٤) اَلْوَاحِدِ بَعْدَ اَلْوَاحِدِ بِفَنَاءِ اَلْجَمْعِ وَاَلْعَدَدِ، فَمَا أُحِسُّ بِدَمْعَةٍ تَرْقَأُ مِنْ عَيْنِي، وَأَنِينٍ يُفْشَا مِنْ صَدْرِي(٥٦٥)».
قَالَ سَدِيرٌ: فَاسْتَطَارَتْ عُقُولُنَا وَلَهاً، وَتَصَدَّعَتْ قُلُوبُنَا جَزَعاً مِنْ ذَلِكَ اَلْخَطْبِ اَلْهَائِلِ وَاَلْحَادِثِ اَلْغَائِلِ(٥٦٦)، فَظَنَنَّا أَنَّهُ سَمَتَ(٥٦٧) لِمَكْرُوهَةٍ قَارِعَةً، أَوْ حَلَّتْ بِهِ مِنَ اَلدَّهْرِ بَائِقَةٌ، فَقُلْنَا: لَا أَبْكَى اَللهُ عَيْنَيْكَ يَا اِبْنَ خَيْرِ اَلْوَرَى، مِنْ أَيَّةِ حَادِثَةٍ تَسْتَذْرِفُ(٥٦٨) دَمْعَتَكَ، وَتَسْتَمْطِرُ عَبْرَتَكَ؟ وَأَيَّةُ حَالَةٍ حَتَمَتْ عَلَيْكَ هَذَا اَلمَأْتَمَ؟
قَالَ: فَزَفَرَ(٥٦٩) اَلصَّادِقُ (عليه السلام) زَفْرَةً اِنْتَفَخَ مِنْهَا جَوْفُهُ، وَاِشْتَدَّ مِنْهَا خَوْفُهُ، فَقَالَ: «وَيْكَمُ(٥٧٠) إِنِّي نَظَرْتُ صَبِيحَةَ هَذَا اَلْيَوْمِ فِي كِتَابِ اَلْجَفْرِ اَلمُشْتَمِلِ عَلَى عِلْمِ اَلْبَلَايَا وَاَلمَنَايَا وَعِلْمِ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ اَلَّذِي خَصَّ اَللهُ تَقَدَّسَ اِسْمُهُ بِهِ مُحَمَّداً وَاَلْأَئِمَّةَ مِنْ بَعْدِهِ (عليهم السلام)، وَتَأَمَّلْتُ فِيهِ مَوْلِدَ قَائِمِنَا (عليه السلام) وَغَيْبَتَهُ وَإِبْطَاءَهُ وَطُولَ عُمُرِهِ وَبَلْوَى اَلمُؤْمِنِينَ مِنْ بَعْدِهِ فِي ذَلِكَ اَلزَّمَانِ، وَتَوَلُّدَ اَلشُّكُوكِ فِي قُلُوبِ اَلشِّيعَةِ مِنْ طُولِ غَيْبَتِهِ، وَاِرْتِدَادِ أَكْثَرِهِمْ عَنْ دِينِهِ، وَخَلْعِهِمْ رِبْقَةَ اَلْإِسْلَامِ مِنْ أَعْنَاقِهِمُ اَلَّتِي قَالَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ [الإسراء: ١٣]، يَعْنِي اَلْوَلَايَةَ، فَأَخَذَتْنِي اَلرِّقَّةُ، وَاِسْتَوْلَتْ عَلَيَّ اَلْأَحْزَانُ».
فَقُلْنَا: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَلله، كَرِّمْنَا وَفَضِّلْنَا بِإِشْرَاكِكَ إِيَّانَا فِي بَعْضِ مَا أَنْتَ تَعْلَمُهُ مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ.
قَالَ: «إِنَّ اَللهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَدَارَ فِي اَلْقَائِمِ مِنَّا ثَلَاثَةً أَدَارَهَا لِثَلَاثَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ، قَدَّرَ مَوْلِدَهُ تَقْدِيرَ مَوْلِدِ مُوسَى (عليه السلام)، وَقَدَّرَ غَيْبَتَهُ تَقْدِيرَ غَيْبَةِ عِيسَى (عليه السلام)، وَقَدَّرَ إِبْطَاءَهُ تَقْدِيرَ إِبْطَاءِ نُوحٍ (عليه السلام)، وَجَعَلَ(٥٧١) لَهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عُمُرَ اَلْعَبْدِ اَلصَّالِحِ - أَعْنِي اَلْخَضِرَ (عليه السلام) - دَلِيلاً عَلَى عُمُرِهِ».
فَقُلْنَا: اِكْشِفْ لَنَا يَا اِبْنَ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عَنْ وُجُوهِ هَذِهِ اَلمَعَانِي.
قَالَ: «أَمَّا مَوْلِدُ مُوسَى (عليه السلام)، فَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَـمَّا وَقَفَ عَلَى أَنَّ زَوَالَ مُلْكِهِ عَلَى يَدِهِ، أَمَرَ بِإِحْضَارِ اَلْكَهَنَةِ، فَدَلُّوا عَلَى نَسَبِهِ وَأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمْ يَزَلْ يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِشَقِّ بُطُونِ اَلْحَوَامِلِ مِنْ نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى قُتِلَ فِي طَلَبِهِ نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ مَوْلُودٍ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ اَلْوُصُولُ إِلَى قَتْلِ مُوسَى (عليه السلام) بِحِفْظِ اَلله تَعَالَى إِيَّاهُ. كَذَلِكَ بَنُو أُمَيَّةَ وَبَنُو اَلْعَبَّاسِ لَـمَّا أَنْ وَقَفُوا عَلَى أَنَّ [بِهِ](٥٧٢) زَوَالَ مَمْلَكَةِ(٥٧٣) اَلْأُمَرَاءِ وَاَلْجَبَابِرَةِ مِنْهُمْ عَلَى يَدَيِ اَلْقَائِمِ مِنَّا، نَاصَبُونَا لِلْعَدَاوَةِ، وَوَضَعُوا سُيُوفَهُمْ فِي قَتْلِ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَإِبَادَةِ نَسْلِهِ، طَمَعاً مِنْهُمْ فِي اَلْوُصُولِ إِلَى قَتْلِ اَلْقَائِمِ (عليه السلام)، فَأَبَى اَللهُ أَنْ يَكْشِفَ أَمْرَهُ لِوَاحِدٍ مِنَ اَلظَّلَمَةِ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ اَلمُشْرِكُونَ.
وَأَمَّا غَيْبَةُ عِيسَى (عليه السلام) فَإِنَّ اَلْيَهُودَ وَاَلنَّصَارَى اِتَّفَقَتْ(٥٧٤) عَلَى أَنَّهُ قُتِلَ، فَكَذَّبَهُمُ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٧]، كَذَلِكَ غَيْبَةُ اَلْقَائِمِ فَإِنَّ اَلْأُمَّةَ سَتُنْكِرُهَا لِطُولِهَا، فَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يُولَدْ، وَقَائِلٍ يَفْتَرِي بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ وُلِدَ وَمَاتَ، وَقَائِلٍ يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ حَادِيَ عَشَرَنَا كَانَ عَقِيماً، وَقَائِلٍ يَمْرُقُ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ يَتَعَدَّى إِلَى ثَالِثَ عَشَرَ فَصَاعِداً، وَقَائِلٍ يَعْصِي اَللهَ بِدَعْوَاهُ أَنَّ رُوحَ اَلْقَائِمِ (عليه السلام) يَنْطِقُ فِي هَيْكَلِ غَيْرِهِ.
وَأَمَّا إِبْطَاءُ نُوحٍ (عليه السلام) فَإِنَّهُ لَـمَّا اِسْتَنْزَلَ اَلْعُقُوبَةَ مِنَ اَلسَّمَاءِ بَعَثَ اَللهُ إِلَيْهِ جَبْرَئِيلَ (عليه السلام) مَعَهُ سَبْعُ(٥٧٥) نَوَيَاتٍ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اَلله، إِنَّ اَللهَ جَلَّ اِسْمُهُ يَقُولُ لَكَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ خَلَائِقِي وَعِبَادِي لَسْتُ أُبِيدُهُمْ بِصَاعِقَةٍ مِنْ صَوَاعِقِي إِلَّا بَعْدَ تَأْكِيدِ اَلدَّعْوَةِ وَإِلْزَامِ اَلْحُجَّةِ، فَعَاوِدِ اِجْتِهَادَكَ فِي اَلدَّعْوَةِ لِقَوْمِكَ فَإِنِّي مُثِيبُكَ عَلَيْهِ، وَاِغْرِسْ هَذَا اَلنَّوَى فَإِنَّ لَكَ فِي نَبَاتِهَا وَبُلُوغِهَا وَإِدْرَاكِهَا إِذَا أَثْمَرَتْ اَلْفَرَجَ وَاَلْخَلَاصَ، وَبَشِّرْ بِذَلِكَ مَنْ تَبِعَكَ مِنَ اَلمُؤْمِنِينَ. فَلَمَّا نَبَتَتِ اَلْأَشْجَارُ وَتَأَزَّرَتْ وَتَسَوَّقَتْ وَأَغْصَنَتْ وَزَهَا اَلثَّمَرُ عَلَيْهَا(٥٧٦) بَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ اُسْتُنْجِزَ مِنَ اَلله اَلْعِدَةُ، فَأَمَرَهُ اَللهُ تَعَالَى أَنْ يَغْرِسَ مِنْ نَوَى تِلْكَ اَلْأَشْجَارِ، وَيُعَاوِدَ اَلصَّبْرَ وَاَلْاِجْتِهَادَ، وَيُؤَكِّدَ اَلْحُجَّةَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ اَلطَّوَائِفَ اَلَّتِي آمَنَتْ بِهِ، فَارْتَدَّ مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ، وَقَالُوا: لَوْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ نُوحٌ حَقًّا لَمَا وَقَعَ فِي عِدَتِهِ خُلْفٌ. ثُمَّ إِنَّ اَللهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ يَأْمُرُهُ عِنْدَ إِدْرَاكِهَا كُلَّ مَرَّةٍ أَنْ يَغْرِسَ(٥٧٧) تَارَةً بَعْدَ أُخْرَى إِلَى أَنْ غَرَسَهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَمَا زَالَتْ تِلْكَ اَلطَّوَائِفُ مِنَ اَلمُؤْمِنِينَ تَرْتَدُّ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ بَعْدَ طَائِفَةٍ إِلَى أَنْ عَادُوا إِلَى نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ رَجُلاً، فَأَوْحَى اَللهُ (عزَّ وجلَّ) عِنْدَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَقَالَ: اَلْآنَ أَسْفَرَ اَلصُّبْحُ عَنِ اَللَّيْلِ لِعَيْنِكَ(٥٧٨) حِينَ صَرَحَ اَلْحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ وَصَفَا اَلْأَمْرُ لِلْإِيمَانِ مِنَ اَلْكَدَرِ بِارْتِدَادِ كُلِّ مَنْ كَانَتْ طِينَتُهُ خَبِيثَةً، فَلَوْ أَنِّي أَهْلَكْتُ اَلْكُفَّارَ وَأَبْقَيْتُ مَنِ اِرْتَدَّ مِنَ اَلطَّوَائِفِ اَلَّتِي كَانَتْ آمَنَتْ بِكَ لَمَا كُنْتُ صَدَّقْتُ وَعْدِيَ اَلسَّابِقَ لِلْمُؤْمِنِينَ اَلَّذِينَ أَخْلَصُوا لِيَ اَلتَّوْحِيدَ مِنْ قَوْمِكَ وَاِعْتَصَمُوا بِحَبْلِ نُبُوَّتِكَ، بِأَنْ أَسْتَخْلِفَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ، وَأُمَكِّنَ لَهُمْ دِينَهُمْ، وَأُبَدِّلَ خَوْفَهُمْ بِالْأَمْنِ، لِكَيْ(٥٧٩) تَخْلُصَ اَلْعِبَادَةُ لِي بِذَهَابِ اَلشَّكِّ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَكَيْفَ يَكُونُ اَلْاِسْتِخْلَافُ وَاَلتَّمْكِينُ وَبَدَلُ اَلْخَوْفِ بِالْأَمْنِ مِنِّي لَهُمْ، مَعَ مَا كُنْتُ أَعْلَمُ مِنْ ضَعْفِ يَقِينِ اَلَّذِينَ اِرْتَدُّوا وَخُبْثِ طِينَتِهِمْ وَسُوءِ سَرَائِرِهِمُ اَلَّتِي كَانَتْ نَتَائِجَ اَلنِّفَاقِ وَسُنُوخِ(٥٨٠) اَلضَّلَالَةِ؟ فَلَوْ أَنَّهُمْ تَنَسَّمُوا(٥٨١) مِنَ اَلمُلْكِ اَلَّذِي أُوتِيَ اَلمُؤْمِنُونَ وَقْتَ اَلْاِسْتِخْلَافِ إِذَا هَلَكَتْ(٥٨٢) أَعْدَاؤُهُمْ (لَنَشَقُوا)(٥٨٣) رَوَائِحَ صِفَاتِهِ(٥٨٤)، وَلَاسْتَحْكَمَ (سَرَائِرُ) نِفَاقِهِمْ، وَتَأَبَّدَ خَبَالُ ضَلَالَةِ قُلُوبِهِمْ، وَلَكَاشَفُوا إِخْوَانَهُمْ بِالْعَدَاوَةِ، وَحَارَبُوهُمْ عَلَى طَلَبِ اَلرِّئَاسَةِ، وَاَلتَّفَرُّدِ بِالْأَمْرِ وَاَلنَّهْيِ عَلَيْهِمْ، وَكَيْفَ يَكُونُ اَلتَّمْكِينُ فِي اَلدِّينِ وَاِنْتِشَارُ اَلْأَمْرِ فِي اَلمُؤْمِنِينَ مَعَ إِثَارَةِ اَلْفِتَنِ وَإِيقَاعِ اَلْحُرُوبِ؟ كُلَّا، فَـ ﴿اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ [هود: ٣٧]».
قَالَ اَلصَّادِقُ (عليه السلام): «وَكَذَلِكَ اَلْقَائِمُ (عليه السلام) فَإِنَّهُ تَمْتَدُّ غَيْبَتُهُ لِيَصْرَحَ اَلْحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ، وَيَصْفُوَ اَلْإِيمَانُ مِنَ اَلْكَدَرِ بِارْتِدَادِ كُلِّ مَنْ كَانَتْ طِينَتُهُ خَبِيثَةً مِنَ اَلشِّيعَةِ اَلَّذِينَ يُخْشَى عَلَيْهِمُ اَلنِّفَاقُ إِذَا أَحَسُّوا بِالْاِسْتِخْلَافِ وَاَلتَّمْكِينِ وَاَلْأَمْنِ اَلمُنْتَشِرِ فِي عَهْدِ اَلْقَائِمِ (عليه السلام)».
قَالَ اَلمُفَضَّلُ: فَقُلْتُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَلله، فَإِنَّ اَلنَّوَاصِبَ تَزْعُمُ (أَنَّ)(٥٨٥) هَذِهِ اَلْآيَةَ أُنْزِلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ.
فَقَالَ: «لَا هَدَى اَللهُ قُلُوبَ اَلنَّاصِبَةِ، مَتَى كَانَ اَلدِّينُ اَلَّذِي اِرْتَضَاهُ [اَللهُ وَرَسُولُهُ](٥٨٦) مُتَمَكِّناً بِانْتِشَارِ اَلْأَمْنِ فِي اَلْأُمَّةِ، وَذَهَابِ اَلْخَوْفِ مِنْ قُلُوبِهَا، وَاِرْتِفَاعِ اَلشَّكِّ مِنْ صُدُورِهَا فِي عَهْدِ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ فِي عَهْدِ عَلِيٍّ (عليه السلام)، مَعَ اِرْتِدَادِ اَلمُسْلِمِينَ وَاَلْفِتَنِ اَلَّتِي كَانَتْ تَثُورُ فِي أَيَّامِهِمْ، وَاَلْحُرُوبِ وَاَلْفِتَنِ اَلَّتِي كَانَتْ تَشُبُّ بَيْنَ(٥٨٧) اَلْكُفَّارِ وَبَيْنَهُمْ؟»، ثُمَّ تَلَا اَلصَّادِقُ (عليه السلام) هَذِهِ اَلْآيَةَ مَثَلاً لِإِبْطَاءِ اَلْقَائِمِ (عليه السلام): «﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا...﴾ اَلْآيَةَ [يوسف: ١١٠].
وَأَمَّا اَلْعَبْدُ اَلصَّالِحُ - أَعْنِي اَلْخَضِرَ (عليه السلام) - فَإِنَّ اَللهَ تَعَالَى مَا طَوَّلَ عُمُرَهُ لِنُبُوَّةٍ قَرَّرَهَا(٥٨٨) لَهُ، وَلَا لِكِتَابٍ نَزَّلَ(٥٨٩) عَلَيْهِ، وَلَا لِشَرِيعَةٍ يَنْسِخُ بِهَا شَرِيعَةَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ اَلْأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام)، وَلَا لِإِمَامَةٍ يُلْزِمُ عِبَادَهُ اَلْاِقْتِدَاءَ بِهَا، وَلَا لِطَاعَةٍ يَفْرِضُهَا، بَلَى إِنَّ اَللهَ تَعَالَى لَـمَّا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنْ يُقَدِّرَ مِنْ عُمُرِ اَلْقَائِمِ (عليه السلام) فِي أَيَّامِ غَيْبَتِهِ مَا يُقَدِّرُهُ(٥٩٠)، وَعَلِمَ مَا يَكُونُ مِنْ إِنْكَارِ عِبَادِهِ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ اَلْعُمُرِ فِي اَلطُّولِ، طَوَّلَ عُمُرَ اَلْعَبْدِ اَلصَّالِحِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ إِلَّا لِعِلَّةِ اَلْاِسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى عُمُرِ اَلْقَائِمِ (عليه السلام)، لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ حُجَّةَ اَلمُعَانِدِينَ، ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ﴾ [النساء: ١٦٥]»(٥٩١).
والأخبار في هذا المعنى أكثر من أنْ تُحصى ذكرنا طرفاً منها لئلَّا يطول به الكتاب.
فإنْ قيل: هذه كلُّها أخبار آحاد لا يُعوَّل على مثلها في هذه المسألة، لأنَّها مسألة علميَّة.
قلنا: موضع الاستدلال من هذه الأخبار ما تضمَّن الخبر بالشيء قبل كونه، فكان كما تضمَّنه، فكان ذلك دلالة على صحَّة ما ذهبنا إليه من إمامة ابن الحسن، لأنَّ العلم بما يكون لا يحصل إلَّا من جهة علَّام الغيوب، فلو لم يرو إلَّا خبر واحد ووافق مخبره ما تضمَّنه الخبر لكان ذلك كافياً، ولذلك كان ما تضمَّنه القرآن من الخبر بالشيء قبل كونه دليلاً على صدق النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّ القرآن من قِبَل الله تعالى، وإنْ كانت المواضع التي تضمَّنت ذلك محصورة، ومع ذلك مسموعة من مخبر واحد، لكن دلَّ على صدقه من الجهة التي قلناها.
على أنَّ هذه الأخبار متواتر بها لفظاً ومعنًى.
فأمَّا اللفظ فإنَّ الشيعة تواترت بكلِّ خبر منه، وأمَّا المعنى فإنَّ كثرة الأخبار، واختلاف جهاتها، وتباين طُرُقها، وتباعد رواتها، يدلُّ على صحَّتها، لأنَّه لا يجوز أنْ يكون كلُّها باطلة، ولذلك يُستَدلُّ في مواضع كثيرة على معجزات النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) التي هي سوى القرآن وأُمور كثيرة في الشرع تتواتر معنًى، وإنْ كان كلُّ لفظ منها منقولاً من جهة الآحاد، وذلك معتمد عند من خالفنا في هذه المسألة، فلا ينبغي أنْ يتركوه وينسوه إذا جئنا إلى الكلام في الإمامة، والعصبيَّة لا ينبغي أنْ تنتهي بالإنسان إلى حدٍّ يجحد الأُمور المعلومة.
وهذا الذي ذكرناه معتبر في مدائح الرجال وفضائلهم، ولذلك استُدِلَّ على سخاء حاتم وشجاعة عمرو وغير ذلك بمثل ذلك وإنْ كان كلُّ واحد ممَّا يُروى من عطاء حاتم ووقوف عمرو في موقف من المواقف من جهة الآحاد، وهذا واضح.
وممَّا يدلُّ أيضاً على إمامة ابن الحسن (عليهما السلام) زائداً على ما مضى أنَّه لا خلاف بين الأُمَّة أنَّه سيخرج في هذه الأُمَّة مهدي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، وإذا بيَّنَّا أنَّ ذلك المهدي من ولد الحسين (عليه السلام)، وأفسدنا قول كلِّ من يدَّعي ذلك من ولد الحسين سوى ابن الحسن (عليه السلام) ثبت أنَّ المراد به هو (عليه السلام).
[الروايات الدالَّة على خروج المهدي (عجّل الله فرجه)]:
والأخبار المرويَّة في ذلك أكثر من أنْ تُحصى، غير أنَّا نذكر طرفاً من ذلك.
فممَّا روي من أنَّه لا بدَّ من خروج مهدي في هذه الأُمَّة:
١٣٠ - رَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَالِكٍ اَلْفَزَارِيِّ، عَنْ حَيْدَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْفَزَارِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنِ اَلْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: ٢٢]، قَالَ: هُوَ خُرُوجُ اَلمَهْدِيِّ (عليه السلام)(٥٩٢).
١٣١ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾: يَعْنِي يُصْلِحُ اَلْأَرْضَ بِقَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ، مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا يَعْنِي مِنْ بَعْدِ جَوْرِ أَهْلِ مَمْلَكَتِهَا، ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ﴾ بِقَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الحديد: ١٧](٥٩٣).
١٣٢ - وَأَخْبَرَنَا اَلشَّرِيفُ أَبُو مُحَمَّدٍ اَلمُحَمَّدِيُّ (رحمه الله)(٥٩٤)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ تَمَّامٍ(٥٩٥)، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْقِطَعِيِّ(٥٩٦)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَاتِمٍ اَلْبَزَّازِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنِ اَلْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلْعَبَّاسِ فِي قَوْلِ اَلله تَعَالَى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَ رَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ [الذاريات: ٢٢ و٢٣]، قَالَ: قِيَامُ اَلْقَائِمِ (عليه السلام)، وَمِثْلُهُ: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً﴾ [البقرة: ١٤٨]، قَالَ: أَصْحَابُ اَلْقَائِمِ (عليه السلام)، يَجْمَعُهُمُ اَللهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ.
١٣٣ - مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ اَلمُقْرِي(٥٩٧)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْعَبَّاسِ اَلمُقَانِعِيِّ(٥٩٨)، عَنْ بَكَّارِ بْنِ أَحْمَدَ(٥٩٩)، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ سُفْيَانَ اَلْجَرِيرِيِّ(٦٠٠)، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَاشِمٍ اَلطَّائِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ(٦٠١) فِي هَذِهِ اَلْآيَةِ: ﴿فَوَ رَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ [الذاريات: ٢٣]، قَالَ: قِيَامُ قَائِمٍ (عليه السلام) مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). قَالَ: وَفِيهِ نَزَلَتْ: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ [النور: ٥٥]، قَالَ: نَزَلَتْ فِي اَلمَهْدِيِّ (عليه السلام)(٦٠٢).
١٣٤ - وَأَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ اَلنَّيْشَابُورِيِّ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ اَلنَّيْشَابُورِيِّ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنِ اَلمُثَنَّى اَلْحَنَّاطِ(٦٠٣)، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ اَلصَّيْقَلِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اَلْقَائِمَ لَا يَقُومُ حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ اَلسَّمَاءِ تَسْمَعُ اَلْفَتَاةُ فِي خِدْرِهَا وَيَسْمَعُ أَهْلُ اَلمَشْرِقِ وَاَلمَغْرِبِ، وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ اَلْآيَةُ: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء: ٤]»(٦٠٤).
١٣٥ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْنِ مُوسَى اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَلِيِّ اَلرَّازِيِّ، عَنِ اِبْنِ أَبِي دَارِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْعَبَّاسِ اَلسِّنْدِيِّ اَلمُقَانِعِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَاشِمٍ اَلْقَيْسِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ تَمَّامٍ اَلْبَصْرِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ اَلْقَطَّانِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ(٦٠٥)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «اَلمَهْدِيُّ يَخْرُجُ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ».
١٣٦ - مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ اَلمُقْرِي، عَنِ اَلمُقَانِعِيِّ، عَنْ بَكَّارِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنِ اَلمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ، عَنِ اَلْعَلَاءِ بْنِ بَشِيرٍ اَلمُرَادِيِّ، عَنْ أَبِي اَلصِّدِّيقِ اَلنَّاجِي(٦٠٦)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أُبَشِّرُكُمْ بِالمَهْدِيِّ يُبْعَثُ فِي أُمَّتِي عَلَى اِخْتِلَافٍ مِنَ اَلنَّاسِ وَزِلْزَالٍ، يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ اَلسَّمَاءِ وَسَاكِنُ اَلْأَرْضِ»(٦٠٧).
١٣٧ - عَنْهُ، عَنِ اَلمُقَانِعِيِّ، عَنْ بَكَّارِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ تَلِيدٍ(٦٠٨)، عَنْ أَبِي اَلْجَحَّافِ(٦٠٩)، [عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اَلمَلِكِ، عَنْ مَطَرٍ اَلْوَرَّاقِ، عَنِ اَلنَّاجِي يَعْنِي أَبَا اَلصِّدِّيقِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ](٦١٠)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أَبْشِرُوا بِالمَهْدِيِّ - قَالَ ثَلَاثاً -، يَخْرُجُ عَلَى حِينِ اِخْتِلَافٍ مِنَ اَلنَّاسِ وَزِلْزَالٍ شَدِيدٍ، يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، يَمْلَأُ قُلُوبَ عِبَادِهِ عِبَادَةً، وَيَسَعُهُمْ عَدْلُهُ»(٦١١).
١٣٨ - مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ اَلمُقْرِي، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْعَبَّاسِ اَلمُقَانِعِيِّ، عَنْ بَكَّارِ اِبْنِ أَحْمَدَ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ سُفْيَانَ اَلْجَرِيرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اَلمُؤْمِنِ(٦١٢)، عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ جُوَيْنٍ اَلْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ عَلَى اَلْمِنْبَرِ: «إِنَّ اَلمَهْدِيَّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ، يَنْزِلُ لَهُ مِنَ اَلسَّمَاءِ قَطْرُهَا، وَتُخْرِجُ لَهُ اَلْأَرْضُ بَذْرَهَا، فَيَمْلَأُ اَلْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مَلَأَهَا اَلْقَوْمُ ظُلْماً وَجَوْراً».
١٣٩ - عَنْهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْعَبَّاسِ اَلمُقَانِعِيِّ، عَنْ بَكَّارِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ مُصَبِّحٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اَللهُ ذَلِكَ اَلْيَوْمَ حَتَّى يُخْرِجَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(٦١٣).
١٤٠ - عَنْهُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ بَكَّارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ قَادِمٍ(٦١٤)، عَنْ فِطْرٍ(٦١٥)، عَنْ عَاصِمٍ(٦١٦)، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ(٦١٧)، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اَللهُ تَعَالَى ذَلِكَ اَلْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ رَجُلاً مِنِّي يُوَاطِئُ اِسْمُهُ اِسْمِي وَاِسْمُ أَبِيهِ اِسْمَ أَبِي(٦١٨)، يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً»(٦١٩).
١٤١ - وَعَنْهُ، عَنِ اَلمُقَانِعِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلزُّهْرِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ اَلرَّبِيعِ(٦٢٠) وَغَيْرِهِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا تَذْهَبُ اَلدُّنْيَا حَتَّى يَلِيَ أُمَّتِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقَالُ لَهُ: اَلمَهْدِيُّ»(٦٢١).
١٤٢ - مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ(٦٢٢)، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ اَلسَّمَّاكِ(٦٢٣)، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْهَاشِمِيِّ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْفَضْلِ اَلْبُوصَرَائِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَلْحَمِيدِ اَلْأَنْصَارِيِّ(٦٢٤)، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ زِيَادٍ اَلْيَمَامِيِّ(٦٢٥)، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ(٦٢٦)، عَنْ إِسْحَاقَ اِبْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ أَبِي طَلْحَةَ(٦٢٧)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «نَحْنُ بَنُو عَبْدِ اَلمُطَّلِبِ سَادَةُ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ: أَنَا، وَعَلِيٌّ، وَحَمْزَةُ، وَجَعْفَرٌ، وَاَلْحَسَنُ، وَاَلْحُسَيْنُ، وَاَلمَهْدِيُّ»(٦٢٨).
١٤٣ - عَنْهُ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْقِطَعِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ مَرْوَانَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ يَحْيَى اَلثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ(٦٢٩)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ (عليه السلام) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القَصص: ٥]، قَالَ: «هُمْ آلُ مُحَمَّدٍ يَبْعَثُ اَللهُ مَهْدِيَّهُمْ بَعْدَ جَهْدِهِمْ فَيُعِزُّهُمْ وَيُذِلُّ عَدُوَّهُمْ»(٦٣٠).
والأخبار في هذا المعنى أكثر من أنْ تُحصى لا نُطوِّل بذكرها الكتاب.
[الروايات الدالَّة على أنَّ المهدي (عجّل الله فرجه) من ولد عليٍّ (عليه السلام)]:
فأمَّا الذي يدلُّ على أنَّ المهدي يكون من ولد عليٍّ (عليه السلام) ثمّ من ولد الحسين (عليه السلام):
١٤٤ - مَا أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ اَلنَّيْشَابُورِيِّ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ اِبْنِ لَهِيعَةَ(٦٣١)، عَنْ أَبِي قُبَيْلٍ(٦٣٢)، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ عَمْرِو بْنِ اَلْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: «فَعِنْدَ ذَلِكَ خُرُوجُ اَلمَهْدِيِّ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ هَذَا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) -، بِهِ يَمْحَقُ اَللهُ اَلْكَذِبَ، وَيُذْهِبُ اَلزَّمَانَ اَلْكَلِبَ، وَبِهِ يُخْرِجُ ذُلَّ اَلرِّقِّ مِنْ أَعْنَاقِكُمْ»، ثُمَّ قَالَ: «أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ، وَاَلمَهْدِيُّ أَوْسَطُهَا، وَعِيسَى آخِرُهَا، وَبَيْنَ ذَلِكَ شَيْخٌ أَعْوَجُ(٦٣٣)».
١٤٥ - مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ اَلسَّمَّاكِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْهَاشِمِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ اَلمَرْوَزِيِّ، عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ اَلْوَلِيدِ(٦٣٤)، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ(٦٣٥)، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ يَعْقُوبَ اَلرُّخَامِيِّ(٦٣٦)، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ(٦٣٧)، عَنْ أَبِي اَلمَلِيحِ(٦٣٨)، عَنْ زِيَادِ بْنِ بَيَانٍ(٦٣٩)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ نُفَيْلٍ(٦٤٠)، عَنْ سَعِيدِ بْنِ اَلمُسَيَّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «اَلمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ»(٦٤١).
١٤٦ - أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ مُصَبِّحٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، عَمَّنْ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ(٦٤٢) يَقُولُ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا وَهْبُ، ثُمَّ يَخْرُجُ اَلمَهْدِيُّ، قُلْتُ: مِنْ وُلْدِكَ؟ قَالَ: لَا وَاَلله مَا هُوَ مِنْ وُلْدِي، وَلَكِنْ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ (عليه السلام)، وَطُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ زَمَانَهُ، وَبِهِ يُفَرِّجُ اَللهُ عَنِ اَلْأُمَّةِ حَتَّى يَمْلَأَهَا قِسْطاً وَعَدْلاً... إِلَى آخِرِ اَلْخَبَرِ.
١٤٧ - أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ(٦٤٣)، عَنِ اَلمُنَخَّلِ بْنِ جَمِيلٍ، عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «اَلمَهْدِيُّ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ، وَهُوَ رَجُلٌ آدَمُ».
١٤٨ - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنِ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ اَلسَّمَّاكِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ اَلْعَلَاءِ(٦٤٤) اَلْهَاشِمِيِّ، عَنْ أَبِي اَلمَلِيحِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ بَيَانٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ نُفَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ اَلمُسَيَّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «اَلمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ».
١٤٩ - أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْفَضْلِ(٦٤٥)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ(٦٤٦)، عَنْ يَحْيَى بْنِ اَلْعَلَاءِ اَلرَّازِيِّ(٦٤٧)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «يُنْتِجُ اَللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ اَلْأُمَّةِ رَجُلاً مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، يَسُوقُ اَللهُ تَعَالَى بِهِ بَرَكَاتِ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ، فَيُنْزِلُ اَلسَّمَاءُ قَطْرَهَا، وَيُخْرِجُ اَلْأَرْضُ بَذْرَهَا، وَتَأْمَنُ وُحُوشُهَا وَسِبَاعُهَا، وَيَمْلَأُ اَلْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، وَيَقْتُلُ حَتَّى يَقُولَ اَلْجَاهِلُ: لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ ذُرِّيَّةِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لَرَحِمَ».
[الروايات الدالَّة على أنَّ المهدي (عجّل الله فرجه) من ولد الحسين (عليه السلام)]:
وأمَّا الذي يدلُّ على أنَّه يكون من ولد الحسين (عليه السلام)، فالأخبار التي أوردناها في أنَّ الأئمَّة اثنا عشر، وذكر تفاصيلهم هي متضمِّنة لذلك، ولأنَّ كلَّ من اعتبر العدد الذي ذكرناه قال: المهدي من ولد الحسين (عليه السلام)، وهو من أشرنا إليه.
ويزيد ذلك وضوحاً:
١٥٠ - مَا أَخْبَرَنِي بِهِ جَمَاعَةٌ، عَنِ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ اَلمُقْرِئِ(٦٤٨)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْعَبَّاسِ اَلمُقَانِعِيِّ، عَنْ بَكَّارِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ سُفْيَانَ اَلْجَرِيرِيِّ، عَنِ اَلْفُضَيْلِ بْنِ اَلزُّبَيْرِ(٦٤٩)، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ (عليه السلام) يَقُولُ: هَذَا اَلمُنْتَظَرُ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي ذُرِّيَّةِ اَلْحُسَيْنِ وَفِي عَقِبِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، وَهُوَ اَلمَظْلُومُ اَلَّذِي قَالَ اَللهُ تَعَالَى: ﴿مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ﴾، قَالَ: وَلِيُّهُ رَجُلٌ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ عَقِبِهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: ٢٨]. ﴿سُلْطَاناً فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾ [الإسراء: ٣٣]، قَالَ: سُلْطَانُهُ حُجَّتُهُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ خَلَقَ اَللهُ تَعَالَى حَتَّى يَكُونَ لَهُ اَلْحُجَّةُ عَلَى اَلنَّاسِ، وَلَا يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حُجَّةٌ.
١٥١ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ سُفْيَانَ اَلْجَرِيرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى(٦٥٠) يَقُولُ: وَاَلله لَا يَكُونُ اَلمَهْدِيُّ أَبَداً إِلَّا مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام).
١٥٢ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ اَلْحَكَمِ بْنِ ظُهَيْرٍ(٦٥١)، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ(٦٥٢)، عَنِ اَلْأَعْمَشِ(٦٥٣)، عَنْ أَبِي وَائِلٍ(٦٥٤)، قَالَ: نَظَرَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) إِلَى اِبْنِهِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، فَقَالَ: «إِنَّ اِبْنِي هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ [رَسُولُ](٦٥٥) اَلله سَيِّداً، وَسَيُخْرِجُ اَللهُ تَعَالَى مِنْ صُلْبِهِ رَجُلاً بِاسْمِ نَبِيِّكُمْ، فَيُشْبِهُهُ فِي اَلْخَلْقِ وَاَلْخُلُقِ، يَخْرُجُ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنَ اَلنَّاسِ، وَإِمَاتَةٍ مِنَ اَلْحَقِّ، وَإِظْهَارٍ مِنَ اَلْجَوْرِ، وَاَلله لَوْ لَمْ يَخْرُجْ لَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، يَفْرَحُ (لِخُرُوجِهِ) أَهْلُ اَلسَّمَاءِ وَسُكَّانُهَا، يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً...» تَمَامَ اَلْخَبَرِ(٦٥٦).
١٥٣ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ(٦٥٧)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُذَافِرٍ(٦٥٨)، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ يُونُسَ(٦٥٩)، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ شَرِيكٍ(٦٦٠) فِي حَدِيثٍ لَهُ اِخْتَصَرْنَاهُ، قَالَ: مَرَّ اَلْحُسَيْنُ (عليه السلام) عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي مَسْجِدِ اَلرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: «أَمَا وَاَلله لَا تَذْهَبُ اَلدُّنْيَا حَتَّى يَبْعَثَ اَللهُ مِنِّي رَجُلاً يَقْتُلُ مِنْكُمْ أَلْفاً وَمَعَ اَلْأَلْفِ أَلْفاً وَمَعَ اَلْأَلْفِ أَلْفاً».
فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ هَؤُلَاءِ أَوْلَادُ كَذَا وَكَذَا لَا يَبْلُغُونَ هَذَا.
فَقَالَ: «وَيْحَكَ إِنَّ فِي ذَلِكَ اَلزَّمَانِ يَكُونُ لِلرَّجُلِ مِنْ صُلْبِهِ كَذَا وَكَذَا رَجُلاً، وَإِنَّ مَوْلَى اَلْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ».
١٥٤ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ اَلْأَهْوَازِيِّ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عُلْوَانَ(٦٦١)، عَنْ أَبِي هَارُونَ اَلْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ فِي حَدِيثٍ لَهُ طَوِيلٍ اِخْتَصَرْنَاهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لِفَاطِمَةَ (عليها السلام): «يَا بُنَيَّةِ، إِنَّا أُعْطِينَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ سَبْعاً لَمْ يُعْطَهَا أَحَدٌ قَبْلَنَا: نَبِيُّنَا خَيْرُ اَلْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ أَبُوكِ، وَوَصِيُّنَا خَيْرُ اَلْأَوْصِيَاءِ وَهُوَ بَعْلُكِ، وَشَهِيدُنَا خَيْرُ اَلشُّهَدَاءِ وَهُوَ عَمُّ أَبِيكَ حَمْزَةُ، وَمِنَّا مَنْ لَهُ جَنَاحَانِ خَضِيبَانِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي اَلْجَنَّةِ وَهُوَ اِبْنُ عَمِّكَ جَعْفَرٌ، وَمِنَّا سِبْطَا هَذِهِ اَلْأُمَّةِ وَهُمَا اِبْنَاكَ اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ، وَمِنَّا وَاَلله اَلَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَهْدِيُّ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ اَلَّذِي يُصَلِّي خَلْفَهُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ»، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، فَقَالَ: «مِنْ هَذَا» ثَلَاثاً(٦٦٢).
فإنْ قيل: أليس قد خالف جماعة، فيهم من قال: المهدي من ولد عليٍّ(عليه السلام)، فقال: هو محمّد بن الحنفيَّة، وفيهم من قال من السبائيَّة(٦٦٣): هو عليٌّ (عليه السلام) لم يمت، وفيهم من قال: جعفر بن محمّد لم يمت، وفيهم من قال: موسى بن جعفر لم يمت، وفيهم من قال الحسن بن علي العسكري لم يمت، وفيهم من قال: المهدي هو، أخوه محمّد بن عليٍّ(٦٦٤)، وهو حيٌّ باقٍ لم يمت.
ما الذي يُفسِد قول هؤلاء؟
قلنا في نسخة: هذه الأقوال كلُّها أفسدناها بما دلَلنا عليه من موت من ذهبوا إلى حياته.
وبما بيَّنَّا أنَّ الأئمَّة اثنا عشر.
وبما دلَلنا على صحَّة إمامة ابن الحسن (عليه السلام) من الاعتبار.
وبما سنذكره من صحَّة ولادته وثبوت معجزاته الدالَّة على إمامته، غير أنَّا نشير إلى إبطال هذه الأقوال بجُمَل من الأخبار، ولا نُطوِّل بذكرها، لئلَّا يطول به الكتاب ويملّه القارئ.
[إبطال قول السبائيَّة في أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) حيٌّ باقٍ بالأخبار وغيرها]:
فأمَّا من خالف في موت أمير المؤمنين، وذكر أنَّه حيٌّ باقٍ فهو مكابر، لأنَّ العلم بموته وقتله أظهر وأشهر من قتل كلِّ أحد وموت كلِّ إنسان، والشكُّ في ذلك يُؤدِّي إلى الشكِّ في موت النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وجميع أصحابه.
ثمّ ما ظهر من وصيَّته وإخبار النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إيَّاه أنَّك تُقتَل وتُخضَب لحيتك من رأسك يُفسِد ذلك أيضاً، وذلك أشهر من أنْ يحتاج إلى أنْ يُروى فيه الأخبار.
١٥٥ - أَخْبَرَنَا اِبْنُ أَبِي جِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْوَلِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْبَرْقِيِّ(٦٦٥)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَبِي سَمِينَةَ اَلْكُوفِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ(٦٦٦)، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ اَلْهِلَالِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْأَنْصَارِيِّ، عَنْ(٦٦٧) عَبْدِ اَلله بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي وَصِيَّتِهِ لِأَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «يَا عَلِيُّ، إِنَّ قُرَيْشاً سَتَظَاهَرُ(٦٦٨) عَلَيْكَ، وَتَجْتَمِعُ كَلِمَتُهُمْ عَلَى ظُلْمِكَ وَقَهْرِكَ، فَإِنْ وَجَدْتَ أَعْوَاناً فَجَاهِدْهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَكُفَّ يَدَكَ وَاِحْقِنْ دَمَكَ، فَإِنَّ اَلشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ، لَعَنَ اَللهُ قَاتِلَكَ»(٦٦٩).
١٥٦ - أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلْجَبَّارِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو اَلْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عليهما السلام) بِهَذِهِ اَلْوَصِيَّةِ مَعَ اَلْأُخْرَى.
١٥٧ - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبْدُونٍ، عَنِ اِبْنِ أَبِي اَلزُّبَيْرِ اَلْقُرَشِيِّ(٦٧٠)، عَنْ عَلِيِّ اِبْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ زُرَارَةَ، عَمَّنْ رَوَاهُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «هَذِهِ وَصِيَّةُ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) [إِلَى اَلْحَسَنِ (عليه السلام)]».
وَهِيَ نُسْخَةُ كِتَابِ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ اَلْهِلَالِيِّ رَفَعَهَا إِلَى أَبَانٍ وَقَرَأَهَا عَلَيْهِ. قَالَ أَبَانٌ: وَقَرَأْتُهَا عَلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام)، فَقَالَ: «صَدَقَ سُلَيْمٌ (رحمه الله)».
قَالَ سُلَيْمٌ: فَشَهِدْتُ وَصِيَّةَ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) حِينَ أَوْصَى إِلَى اِبْنِهِ اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، وَأَشْهَدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ اَلْحُسَيْنَ (عليه السلام) وَمُحَمَّداً(٦٧١) وَجَمِيعَ وُلْدِهِ وَرُؤَسَاءَ شِيعَتِهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ، وَقَالَ: «يَا بُنَيَّ، أَمَرَنِي رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنْ أُوصِيَ إِلَيْكَ، وَأَنْ أَدْفَعَ إِلَيْكَ كُتُبِي وَسِلَاحِي»، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «يَا بُنَيَّ، أَنْتَ وَلِيُّ اَلْأَمْرِ وَوَلِيُّ اَلدَّمِ، فَإِنْ عَفَوْتَ فَلَكَ، وَإِنْ قَتَلْتَ فَضَرْبَةً مَكَانَ ضَرْبَةٍ وَلَا تَأْثَمْ».
ثُمَّ ذَكَرَ اَلْوَصِيَّةَ إِلَى آخِرِهَا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ وَصِيَّتِهِ قَالَ: «حَفِظَكُمُ اَللهُ وَحَفِظَ فِيكُمْ نبيَّكم، أَسْتَوْدِعُكُمُ اَللهَ وَأَقْرَأُ عَلَيْكُمُ اَلسَّلَامَ وَرَحْمَةَ اَلله»، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ» حَتَّى قُبِضَ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ اَلْجُمُعَةِ سَنَةَ أَرْبَعِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَكَانَ ضُرِبَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ(٦٧٢).
١٥٨ - وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ قُبِضَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَضُرِبَ لَيْلَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ، وهي الأظهر.
[إبطال قول الكيسانيَّة في أنَّ محمّد بن الحنفيَّة حيٌّ وأنَّه القائم بالأخبار وغيرها]:
وأمَّا وفاة محمّد بن عليِّ بن الحنفيَّة وبطلان قول من ذهب إلى إمامته، فقد بيَّنَّاه فيما مضى من الكتاب(٦٧٣)، وعلى هذه الطريقة إذا بيَّنَّا أنَّ المهدي من ولد الحسين (عليه السلام) بطل قول المخالف في إمامته (عليه السلام).
ويزيده بياناً:
١٥٩ - مَا رَوَاهُ اَلْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اَلله، عَنِ اَلْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «لَـمَّا تَوَجَّهَ اَلْحُسَيْنُ (عليه السلام) إِلَى اَلْعِرَاقِ دَفَعَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ اَلنَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اَلْوَصِيَّةَ وَاَلْكُتُبَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهَا: إِذَا أَتَاكِ أَكْبَرُ وُلْدِي فَادْفَعِي إِلَيْهِ مَا قَدْ دَفَعْتُ إِلَيْكِ، فَلَمَّا قُتِلَ اَلْحُسَيْنُ (عليه السلام) أَتَى عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) أُمَّ سَلَمَةَ، فَدَفَعَتْ إِلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَاهَا اَلْحُسَيْنُ (عليه السلام)».
١٦٠ - وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ يُونُسَ اِبْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «لَا تَعُودُ اَلْإِمَامَةُ فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ اَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام)، وَلَا يَكُونُ بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) إِلَّا فِي اَلْأَعْقَابِ وَأَعْقَابِ اَلْأَعْقَابِ»(٦٧٤).
وما جرى بين محمّد بن الحنفيَّة وعليِّ بن الحسين (عليه السلام) ومحاكمتهما إلى الحجر معروف(٦٧٥) لا نُطوِّل بذكره هاهنا.
[إبطال قول الناووسيَّة في أنَّ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) حيٌّ وأنَّه المهدي بالأخبار وغيرها]:
وأمَّا الناووسيَّة الذين وقفوا على أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليه السلام)، وقالوا: هو المهدي.
قد بيَّنَّا أيضاً فساد قولهم بما علمناه من موته واشتهار الأمر فيه، ولصحَّة إمامة ابنه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، وبما ثبت من إمامة الاثني عشر (عليهم السلام)، ويُؤكِّد ذلك ما ثبت من صحَّة وصيَّته إلى من أوصى إليه، وظهور الحال في ذلك.
١٦١ - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ اِبْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَحْمَرَ(٦٧٦)، عَنْ سَالِمَةَ مَوْلَاةِ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)(٦٧٧)، قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَلله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) حِينَ حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ، وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: «أَعْطُوا اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ - وَهُوَ اَلْأَفْطَسُ - سَبْعِينَ دِينَاراً، وَأَعْطُوا فُلَاناً كَذَا، وَفُلَاناً كَذَا».
فَقُلْتُ: أَتُعْطِي رَجُلاً حَمَلَ عَلَيْكَ بِالشَّفْرَةِ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ؟
قَالَ: «تُرِيدِينَ أَنْ لَا أَكُونَ مِنَ اَلَّذِينَ قَالَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾ [الرعد: ٢١]، نَعَمْ يَا سَالِمَةُ إِنَّ اَللهَ تَعَالَى خَلَقَ اَلْجَنَّةَ فَطَيَّبَهَا وَطَيَّبَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفَيْ عَامٍ، وَلَا يَجِدُ رِيحَهَا عَاقٌّ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ».
١٦٢ - وَرَوَى أَبُو أَيُّوبَ اَلْخُوزِيُّ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ اَلمَنْصُورُ فِي جَوْفِ اَللَّيْلِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ شَمْعَةٌ وَفِي يَدِهِ كِتَابٌ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ رَمَى اَلْكِتَابَ إِلَيَّ وَهُوَ يَبْكِي، وَقَالَ: هَذَا كِتَابُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ يُخْبِرُنَا أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - ثَلَاثاً -، وَأَيْنَ مِثْلُ جَعْفَرٍ؟! ثُمَّ قَالَ لِي: اُكْتُبْ، فَكَتَبْتُ صَدْرَ اَلْكِتَابِ، ثُمَّ قَالَ: اُكْتُبْ إِنْ كَانَ قَدْ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَقَدِّمْهُ وَاِضْرِبْ عُنُقَهُ.
قَالَ: فَرَجَعَ اَلْجَوَابُ إِلَيْهِ: أَنَّهُ قَدْ أَوْصَى إِلَى خَمْسَةٍ، أَحَدُهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ اَلمَنْصُورُ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدِ اَلله وَمُوسَى اِبْنَيْ جَعْفَرٍ، وَحَمِيدَةَ.
فَقَالَ اَلمَنْصُورُ: لَيْسَ إِلَى قَتْلِ هَؤُلَاءِ سَبِيلٌ(٦٧٨).
[إبطال قول الواقفة]:
وأمَّا الواقفة الذين وقفوا على موسى بن جعفر (عليهما السلام)، وقالوا: هو المهدي، فقد أفسدنا أقوالهم بما دلَلنا عليه من موته، واشتهار الأمر فيه، وثبوت إمامة ابنه الرضا (عليه السلام)، وفي ذلك كفاية لمن أنصف.
[إبطال قول المحمّديَّة في أنَّ محمّد بن عليٍّ العسكري (عليه السلام) لم يمت وأنَّه المهدي بالأخبار وغيرها]:
وأمَّا المحمّديَّة الذين قالوا بإمامة محمّد بن عليٍّ العسكري(٦٧٩)، وإنَّه حيٌّ لم يمت، فقولهم باطل لما دلَلنا به على إمامة أخيه الحسن بن عليٍّ أبي القائم (عليهم السلام)، وأيضاً فقد مات محمّد في حياة أبيه (عليه السلام) موتاً ظاهراً، كما مات أبوه وجدُّه، فالمخالف في ذلك مخالف في الضرورات.
ويزيد ذلك بياناً:
١٦٣ - مَا رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ سَيَّارٍ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْبَصْرِيِّ(٦٨٠)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ اَلنَّوْفَلِيِّ(٦٨١)، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيِّ (عليه السلام) فِي دَارِهِ، فَمَرَّ عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ، فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا صَاحِبُنَا؟
فَقَالَ: «لَا، صَاحِبُكُمْ اَلْحَسَنُ»(٦٨٢).
١٦٤ - وَعَنْهُ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ سَعْدَانَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَجَا صَاحِبِ اَلتُّرْكِ، قَالَ: قَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام): «اَلْحَسَنُ اِبْنِي اَلْقَائِمُ مِنْ بَعْدِي»(٦٨٣).
١٦٥ - عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى اَلْعَلَوِيِّ مِنْ وُلْدِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) بِصَرْيَا(٦٨٤)، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا نَحْنُ بِأَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي مُحَمَّدٍ قَدْ دَخَلَا، فَقُمْنَا إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ لِنُسَلِّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام): «لَيْسَ هَذَا صَاحِبَكُمْ، عَلَيْكُمْ بِصَاحِبِكُمْ» وَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام).
١٦٦ - وَرَوَى يَحْيَى بْنُ بَشَّارٍ اَلْقَنْبَرِيُّ(٦٨٥)، قَالَ: أَوْصَى أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام) إِلَى اِبْنِهِ اَلْحَسَنِ (عليه السلام) قَبْلَ مُضِيِّهِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَأَشْهَدَنِي عَلَى ذَلِكَ وَجَمَاعَةً مِنَ اَلمَوَالِي(٦٨٦)،(٦٨٧).
[أخبار وفاة محمّد في حياة أبيه الإمام الهادي (عليه السلام)]:
وأمَّا موت محمّد في حياة أبيه (عليه السلام):
١٦٧ - فَقَدْ رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله اَلْأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هَاشِمٍ دَاوُدُ اِبْنُ اَلْقَاسِمِ اَلْجَعْفَرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) وَقْتَ وَفَاةِ اِبْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ - وَقَدْ كَانَ أَشَارَ إِلَيْهِ وَدَلَّ عَلَيْهِ -، فَإِنِّي لَأُفَكِّرُ فِي نَفْسِي وَأَقُولُ: هَذِهِ قَضِيَّةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَقَضِيَّةُ إِسْمَاعِيلَ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، فَقَالَ: «نَعَمْ يَا أَبَا هَاشِمٍ بَدَا لِلهِ تَعَالَى فِي أَبِي جَعْفَرٍ وَصَيَّرَ مَكَانَهُ أَبَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَدَا لِلهِ فِي إِسْمَاعِيلَ بَعْدَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام) وَنَصَبَهُ، وَهُوَ كَمَا حَدَّثَتْ بِهِ نَفْسُكَ وَإِنْ كَرِهَ اَلمُبْطِلُونَ، أَبُو مُحَمَّدٍ اِبْنِي اَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي، عِنْدَهُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَمَعَهُ آلَةُ اَلْإِمَامَةِ، وَاَلْحَمْدُ لِلهِ»(٦٨٨).
١٦٨ - سَعْدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْكُلَيْنِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلنَّخَعِيِّ(٦٨٩)، عَنْ شَاهَوَيْهِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْجَلَّابِ(٦٩٠)، قَالَ: كُنْتُ رُوِّيتُ عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيِّ (عليه السلام) فِي أَبِي جَعْفَرٍ اِبْنِهِ رِوَايَاتٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ، فَلَمَّا مَضَى أَبُو جَعْفَرٍ قَلِقْتُ لِذَلِكَ، وَبَقِيتُ مُتَحَيِّراً لَا أَتَقَدَّمُ وَلَا أَتَأَخَّرُ، وَخِفْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَلَا أَدْرِي مَا يَكُونُ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ أَسْأَلُهُ اَلدُّعَاءَ وَأَنْ يُفَرِّجَ اَللهُ تَعَالَى عَنَّا فِي أَسْبَابٍ مِنْ قِبَلِ اَلسُّلْطَانِ كُنَّا نَغْتَمُّ بِهَا فِي غِلْمَانِنَا، فَرَجَعَ اَلْجَوَابُ بِالدُّعَاءِ وَرَدِّ اَلْغِلْمَانِ عَلَيْنَا، وَكَتَبَ فِي آخِرِ اَلْكِتَابِ: «أَرَدْتَ أَنْ تَسْأَلَ عَنِ اَلْخَلَفِ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ، وَقَلِقْتَ لِذَلِكَ، فَلَا تَغْتَمَّ، فَإِنَّ اَللهَ لَا ﴿يُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ﴾ [التوبة: ١١٥]، صَاحِبُكُمْ بَعْدِي أَبُو مُحَمَّدٍ اِبْنِي، وَعِنْدَهُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، يُقَدِّمُ اَللهُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ، ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِها﴾ [البقرة: ١٠٦]، قَدْ كَتَبْتُ بِمَا فِيهِ بَيَانٌ وَقِنَاعٌ لِذِي عَقْلٍ يَقْظَانَ»(٦٩١).
قال محمّد بن الحسن(٦٩٢): ما تضمَّن الخبر المتقدِّم من قوله: «بَدَا لِله فِي مُحَمَّدٍ كَمَا بَدَا لَهُ فِي إِسْمَاعِيلَ»، معناه: ظهر من الله وأمره في أخيه الحسن ما زال الريب والشكَّ في إمامته، فإنَّ جماعة من الشيعة كانوا يظنُّون أنَّ الأمر في محمّد من حيث كان الأكبر، كما كان يظنُّ جماعة أنَّ الأمر في إسماعيل بن جعفر دون موسى(عليه السلام)، فلمَّا مات محمّد ظهر من أمر الله فيه، وأنَّه لم ينصبه إماماً، كما ظهر في إسماعيل مثل ذلك، لا أنَّه كان نصَّ عليه ثمّ بدا له في النصِّ على غيره، فإنَّ ذلك لا يجوز على الله تعالى العالم بالعواقب.
١٦٩ - وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْعَلَوِيِّ(٦٩٣)، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيَّ (عليه السلام) يَقُولُ: «اَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي اَلْحَسَنُ، فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِ اَلْخَلَفِ؟».
فَقُلْتُ: وَلِمَ، جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكَ؟
فَقَالَ: «لِأَنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ شَخْصَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ».
فَقُلْتُ: فَكَيْفَ نَذْكُرُهُ؟
فَقَالَ: «قُولُوا: اَلْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(٦٩٤).
١٧٠ - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ، عَنِ اِبْنِ أَبِي اَلصُّهْبَانِ(٦٩٥)، قَالَ: لَـمَّا مَاتَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى (عليهم السلام) وُضِعَ لِأَبِي اَلْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) كُرْسِيٌّ فَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) قَائِماً فِي نَاحِيَةٍ، فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ غُسْلِ أَبِي جَعْفَرٍ اِلْتَفَتَ أَبُو اَلْحَسَنِ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: «يَا بُنَيَّ أَحْدِثْ لِلهِ شُكْراً، فَقَدْ أَحْدَثَ فِيكَ أَمْراً»(٦٩٦).
[معجزات الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)]:
وأمَّا معجزاته الدالَّة على إمامته فأكثر من أنْ تُحصى، منها:
١٧١ - مَا رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله اَلْأَشْعَرِيُّ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) فَاسْتُؤْذِنَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ اَلْيَمَنِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ طَوِيلٌ جَسِيمٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْوَلَايَةِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَيْتَ شِعْرِي مَنْ هَذَا؟
فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «هَذَا مِنْ وُلْدِ اَلْأَعْرَابِيَّةِ صَاحِبَةِ اَلْحَصَاةِ اَلَّتِي طَبَعَ فِيهَا آبَائِي بِخَوَاتِيمَ فَانْطَبَعَتْ»، ثُمَّ قَالَ: «هَاتِهَا».
فَأَخْرَجَ حَصَاةً، وَفِي جَانِبٍ مِنْهَا مَوْضِعٌ أَمْلَسُ(٦٩٧)، فَطَبَعَ فِيهَا فَانْطَبَعَ، وَكَأَنِّي أَقْرَأُ نَقْشَ خَاتَمِهِ اَلسَّاعَةَ: (اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ).
ثُمَّ نَهَضَ اَلرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: رَحْمَةُ اَلله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ اَلْبَيْتِ، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، أَشْهَدُ أَنَّ حَقَّكَ اَلْحَقُّ اَلْوَاجِبُ كَوُجُوبِ حَقِّ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ وَاَلْأَئِمَّةِ (عليهم السلام)، وَإِلَيْكَ اِنْتَهَتِ اَلْحِكْمَةُ وَاَلْوَلَايَةُ، وَأَنَّكَ وَلِيُّ اَلله اَلَّذِي لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي اَلْجَهْلِ بِكَ.
فَسَأَلْتُهُ عَنِ اِسْمِهِ، فَقَالَ: اِسْمِي مِهْجَعُ بْنُ اَلصَّلْتِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ سِمْعَانَ بْنِ غَانِمِ اِبْنِ أُمِّ غَانِمٍ، وَهِيَ الْأَعْرَابِيَّةُ اَلْيَمَانِيَّةُ صَاحِبَةُ اَلْحَصَاةِ اَلَّتِي خَتَمَ فِيهَا أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)... تَمَامَ اَلْحَدِيثِ(٦٩٨).
١٧٢ - وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ اَلصَّيْمَرِيُّ(٦٩٩)، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي أَحْمَدَ عُبَيْدِ اَلله بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ طَاهِرٍ وَ بَيْنَ يَدَيْهِ رُقْعَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فِيهَا: «إِنِّي نَازَلْتُ اَللهَ(٧٠٠) فِي هَذَا اَلطَّاغِي - يَعْنِي اَلمُسْتَعِينَ -، وَهُوَ آخِذُهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ»، فَلَمَّا كَانَ اَلْيَوْمُ اَلثَّالِثُ خُلِعَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى أَنْ قُتِلَ(٧٠١).
١٧٣ - وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ مَحْبُوساً مَعَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) فِي حَبْسِ اَلمُهْتَدِي بْنِ اَلْوَاثِقِ، فَقَالَ لِي: «يَا بَا هَاشِمٍ، إِنَّ هَذَا اَلطَّاغِيَ أَرَادَ أَنْ يَعْبَثَ(٧٠٢) بِاللهِ فِي هَذِهِ اَللَّيْلَةِ، وَقَدْ بَتَرَ اَللهُ عُمُرَهُ وَجَعَلَهُ لِلْقَائِمِ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي وَلَدٌ، وَسَأُرْزَقُ وَلَداً».
قَالَ أَبُو هَاشِمٍ: فَلَمَّا أَصْبَحْنَا شُغِبَ(٧٠٣) اَلْأَتْرَاكُ عَلَى اَلمُهْتَدِي فَقَتَلُوهُ، وَوَلِيَ اَلمُعْتَمِدُ مَكَانَهُ، وَسَلَّمَنَا اَللهُ تَعَالَى(٧٠٤).
١٧٤ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنِ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ رَزِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو اَلْحَسَنِ اَلمُوسَوِيُّ اَلْخَيْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ يَغْشَى أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) بِسُرَّ مَنْ رَأَى كَثِيراً، وَأَنَّهُ أَتَاهُ يَوْماً فَوَجَدَهُ وَقَدْ قُدِّمَتْ إِلَيْهِ دَابَّتُهُ لِيَرْكَبَ إِلَى دَارِ اَلسُّلْطَانِ، وَهُوَ مُتَغَيِّرُ اَللَّوْنِ مِنَ اَلْغَضَبِ، وَكَانَ يَجِيئُهُ رَجُلٌ مِنَ اَلْعَامَّةِ، فَإِذَا رَكِبَ دَعَا لَهُ وَجَاءَ بِأَشْيَاءَ يُشَيِّعُ بِهَا عَلَيْهِ، فَكَانَ (عليه السلام) يَكْرَهُ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ اَلْيَوْمُ زَادَ اَلرَّجُلُ فِي اَلْكَلَامِ وَأَلَحَّ، فَسَارَ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى مَفْرَقِ اَلطَّرِيقَيْنِ، وَضَاقَ عَلَى اَلرَّجُلِ أَحَدُهُمَا مِنَ اَلدَّوَابِّ، فَعَدَلَ إِلَى طَرِيقٍ يَخْرُجُ مِنْهُ وَيَلْقَاهُ فِيهِ، فَدَعَا (عليه السلام) بِبَعْضِ خَدَمِهِ وَقَالَ لَهُ: «اِمْضِ فَكَفِّنْ هَذَا»، فَتَبِعَهُ اَلْخَادِمُ، فَلَمَّا اِنْتَهَى (عليه السلام) إِلَى اَلسُّوقِ وَنَحْنُ مَعَهُ، خَرَجَ اَلرَّجُلُ مِنَ اَلدَّرْبِ لِيُعَارِضَهُ، وَكَانَ فِي اَلمَوْضِعِ بَغْلٌ وَاقِفٌ، فَضَرَبَهُ اَلْبَغْلُ فَقَتَلَهُ، وَوَقَفَ اَلْغُلَامُ فَكَفَّنَهُ كَمَا أَمَرَهُ، وَسَارَ (عليه السلام) وَسِرْنَا مَعَهُ(٧٠٥).
١٧٥ - وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَاسِمٍ اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: «إِذَا قَامَ اَلْقَائِمُ يَهْدِمُ اَلمَنَارَ(٧٠٦) وَاَلمَقَاصِيرَ اَلَّتِي فِي اَلمَسَاجِدِ».
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لِأَيِّ مَعْنَى هَذَا؟
فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «مَعْنَى هَذَا أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ مُبْتَدَعَةٌ لَمْ يَبْنِهَا نَبِيٌّ وَلَا حُجَّةٌ»(٧٠٧).
١٧٦ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «مِنَ اَلذُّنُوبِ اَلَّتِي لَا تُغْفَرُ قَوْلُ اَلرَّجُلِ: لَيْتَنِي لَا أُؤَاخَذُ إِلَّا بِهَذَا».
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إِنَّ هَذَا لَهُوَ اَلدَّقِيقُ، يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَفَقَّدَ مِنْ أَمْرِهِ وَمِنْ نَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ.
فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: «يَا أَبَا هَاشِمٍ، صَدَقْتَ فَالْزَمْ مَا حَدَّثَتْ بِهِ نَفْسُكَ، فَإِنَّ اَلْإِشْرَاكَ فِي اَلنَّاسِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ اَلذَّرِّ عَلَى اَلصَّفَا فِي اَللَّيْلَةِ اَلظَّلْمَاءِ، وَمِنْ دَبِيبِ اَلذَّرِّ عَلَى اَلْمِسْحِ(٧٠٨) اَلْأَسْوَدِ»(٧٠٩).
١٧٧ - سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ(٧١٠)، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْهَيْثَمِ بْنُ سَيَابَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ - لَـمَّا أَمَرَ اَلمُعْتَزُّ بِدَفْعِهِ إِلَى سَعِيدٍ اَلْحَاجِبِ عِنْدَ مُضِيِّهِ إِلَى اَلْكُوفَةِ وَأَنْ يُحَدِّثَ فِيهِ مَا يُحَدِّثُ بِهِ اَلنَّاسَ بِقَصْرِ اِبْنِ هُبَيْرَةَ -: جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكَ، بَلَغَنَا خَبَرٌ قَدْ أَقْلَقَنَا وَأَبْلَغَ مِنَّا، فَكَتَبَ (عليه السلام) إِلَيْهِ: «بَعْدَ ثَالِثٍ يَأْتِيكُمُ اَلْفَرَجُ»، فَخُلِعَ اَلمُعْتَزُّ اَلْيَوْمَ اَلثَّالِثَ.
١٧٨ - أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي اَلمُفَضَّلِ اَلشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَحْرِ بْنِ سَهْلٍ اَلشَّيْبَانِيِّ اَلرُّهْنِي(٧١١)، قَالَ: قَالَ بِشْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ اَلنَّخَّاسُ - وَهُوَ مِنْ وُلْدِ أَبِي أَيُّوبَ اَلْأَنْصَارِيِّ أَحَدُ مَوَالِي أَبِي اَلْحَسَنِ وَأَبِي مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) وَجَارُهُمَا بِسُرَّ مَنْ رَأَى -: أَتَانِي كَافُورٌ اَلْخَادِمُ(٧١٢)، فَقَالَ: مَوْلَانَا أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْعَسْكَرِيُّ (عليهما السلام) يَدْعُوكَ إِلَيْهِ، فَأَتَيْتُهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لِي: «يَا بِشْرُ، إِنَّكَ مِنْ وُلْدِ اَلْأَنْصَارِ، وَهَذِهِ اَلمُوَالَاةُ لَمْ تَزَلْ فِيكُمْ يَرِثُهَا خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ، وَأَنْتُمْ ثِقَاتُنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ، وَإِنِّي مُزَكِّيكَ وَمُشَرِّفُكَ بِفَضِيلَةٍ تَسْبِقُ بِهَا اَلشِّيعَةَ فِي اَلمُوَالَاةِ بِهَا بِسِرٍّ أُطْلِعُكَ عَلَيْهِ، وَأُنْفِذُكَ فِي اِبْتِيَاعِ أَمَةٍ»، فَكَتَبَ كِتَاباً لَطِيفاً بِخَطٍّ رُومِيٍّ وَلُغَةٍ رُومِيَّةٍ، وَطَبَعَ عَلَيْهِ خَاتَمَهُ، وَأَخْرَجَ شَقِيقَةً(٧١٣) صَفْرَاءَ فِيهَا مِائَتَانِ وَعِشْرُونَ دِينَاراً، فَقَالَ: «خُذْهَا وَتَوَجَّهْ بِهَا إِلَى بَغْدَادَ، وَاحْضُرْ مَعْبَرَ اَلْفُرَاتِ ضَحْوَةَ يَوْمِ كَذَا، فَإِذَا وَصَلَتْ إِلَى جَانِبِكَ زَوَارِيقُ اَلسَّبَايَا، وَتَرَى اَلْجَوَارِيَ فِيهَا، سَتَجِدُ طَوَائِفَ اَلمُبْتَاعِينَ مِنْ وُكَلَاءِ قُوَّادِ بَنِي اَلْعَبَّاسِ وَشِرْذِمَةً مِنْ فِتْيَانِ اَلْعَرَبِ، فَإِذَا رَأَيْتَ ذَلِكَ فَأَشْرِفْ مِنَ اَلْبُعْدِ عَلَى اَلمُسَمَّى عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ اَلنَّخَّاسَ عَامَّةَ نَهَارِكَ إِلَى أَنْ تُبْرَزَ لِلْمُبْتَاعِينَ جَارِيَةٌ صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا، لَابِسَةٌ حَرِيرَيْنِ صَفِيقَيْنِ(٧١٤)، تَمْتَنِعُ مِنَ اَلْعَرْضِ وَلَمسِ اَلمُعْتَرِضِ وَاَلْاِنْقِيَادِ لِمَنْ يُحَاوِلُ لَمسَهَا، وَتَسْمَعُ صَرْخَةً رُومِيَّةً مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ رَقِيقٍ، فَاعْلَمْ أَنَّهَا تَقُولُ: وَا هَتْكَ سِتْرَاهْ، فَيَقُولُ بَعْضُ اَلمُبْتَاعِينَ: عَلَيَّ ثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ، فَقَدْ زَادَنِي اَلْعَفَافُ فِيهَا رَغْبَةً، فَتَقُولُ لَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ: لَوْ بَرَزْتَ فِي زِيِّ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ وَعَلَى شِبْهِ مُلْكِهِ مَا بَدَتْ لِي فِيكَ رَغْبَةٌ، فَأَشْفِقْ عَلَى مَالِكَ، فَيَقُولُ اَلنَّخَّاسُ: فَمَا اَلْحِيلَةُ؟ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيْعِكِ، فَتَقُولُ اَلْجَارِيَةُ: وَمَا اَلْعَجَلَةُ؟ وَلَا بُدَّ مِنِ اِخْتِيَارِ مُبْتَاعٍ يَسْكُنُ قَلْبِي إِلَيْهِ وَإِلَى وَفَائِهِ وَأَمَانَتِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قُمْ إِلَى عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ اَلنَّخَّاسِ(٧١٥)، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ مَعَكَ كِتَاباً مُلْصَقاً(٧١٦) لِبَعْضِ اَلْأَشْرَافِ كَتَبَهُ بِلُغَةٍ رُومِيَّةٍ وَخَطٍّ رُومِيٍّ وَوَصَفَ فِيهِ كَرَمَهُ وَوَفَاءَهُ وَنُبْلَهُ وَسَخَاءَهُ، فَنَاوِلْهَا لِتَتَأَمَّلَ مِنْهُ أَخْلَاقَ صَاحِبِهِ، فَإِنْ مَالَتْ إِلَيْهِ وَرَضِيَتْهُ فَأَنَا وَكِيلُهُ فِي اِبْتِيَاعِهَا مِنْكَ».
قَالَ بِشْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: فَامْتَثَلْتُ جَمِيعَ مَا حَدَّهُ لِي مَوْلَايَ أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام) فِي أَمْرِ اَلْجَارِيَةِ، فَلَمَّا نَظَرَتْ فِي اَلْكِتَابِ بَكَتْ بُكَاءً شَدِيداً، وَقَالَتْ لِعُمَرَ(٧١٧) بْنِ يَزِيدَ: بِعْنِي مِنْ صَاحِبِ هَذَا اَلْكِتَابِ، وَحَلَفَتْ بِالمُحَرَّجَةِ وَاَلمُغَلَّظَةِ(٧١٨) أَنَّهُ مَتَى اِمْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا مِنْهُ قَتَلَتْ نَفْسَهَا، فَمَا زِلْتُ أُشَاحُّهُ فِي ثَمَنِهَا حَتَّى اِسْتَقَرَّ اَلْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مِقْدَارِ مَا كَانَ أَصْحَبَنِيهِ مَوْلَايَ (عليه السلام) مِنَ اَلدَّنَانِيرِ، فَاسْتَوْفَاهُ مِنِّي، وَتَسَلَّمْتُ اَلْجَارِيَةَ ضَاحِكَةً مُسْتَبْشِرَةً، وَاِنْصَرَفْتُ بِهَا إِلَى اَلْحُجَيْرَةِ اَلَّتِي كُنْتُ آوِي إِلَيْهَا بِبَغْدَادَ، فَمَا أَخَذَهَا اَلْقَرَارُ حَتَّى أَخْرَجَتْ كِتَابَ مَوْلَانَا (عليه السلام) مِنْ جَيْبِهَا وَهِيَ تَلْثِمُهُ وَتُطْبِقُهُ عَلَى جَفْنِهَا وَتَضَعُهُ عَلَى خَدِّهَا وَتَمْسَحُهُ عَلَى بَدَنِهَا(٧١٩).
فَقُلْتُ تَعَجُّباً مِنْهَا: تَلْثِمِينَ كِتَاباً لَا تَعْرِفِينَ صَاحِبَهُ.
فَقَالَتْ: أَيُّهَا اَلْعَاجِزُ اَلضَّعِيفُ اَلمَعْرِفَةِ بِمَحَلِّ أَوْلَادِ اَلْأَنْبِيَاءِ، أَعِرْنِي(٧٢٠) سَمْعَكَ وَفَرِّغْ لِي قَلْبَكَ، أَنَا مَلَيْكَةُ بِنْتُ يَشُوعَا بْنِ قَيْصَرَ مَلِكِ اَلرُّومِ، وَأُمِّي مِنْ وُلْدِ اَلْحَوَارِيِّينَ تُنْسَبُ إِلَى وَصِيِّ اَلمَسِيحِ شَمْعُونَ، أُنَبِّئُكَ بِالْعَجَبِ.
إِنَّ جَدِّي قَيْصَرَ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَنِي مِنِ اِبْنِ أَخِيهِ وَأَنَا مِنْ بَنَاتِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَجَمَعَ فِي قَصْرِهِ مِنْ نَسْلِ اَلْحَوَارِيِّينَ مِنَ اَلْقِسِّيسِينَ وَاَلرُّهْبَانِ ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ، وَمِنْ ذَوِي اَلْأَخْطَارِ مِنْهُمْ سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ، وَجَمَعَ مِنْ أُمَرَاءِ اَلْأَجْنَادِ وَقُوَّادِ اَلْعَسْكَرِ وَنُقَبَاءِ اَلْجُيُوشِ وَمُلُوكِ اَلْعَشَائِرِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَأَبْرَزَ مِنْ بَهِيِّ مُلْكِهِ عَرْشاً مَصْنُوعاً(٧٢١) مِنْ أَصْنَافِ اَلْجَوْهَرِ إِلَى صَحْنِ اَلْقَصْرِ، وَرَفَعَهُ(٧٢٢) فَوْقَ أَرْبَعِينَ مِرْقَاةً، فَلَمَّا صَعِدَ اِبْنُ أَخِيهِ، وَأَحْدَقَتِ اَلصُّلُبُ(٧٢٣)، وَقَامَتِ اَلْأَسَاقِفَةُ عُكَّفاً، وَنُشِرَتْ أَسْفَارُ اَلْإِنْجِيلِ، تَسَافَلَتِ اَلصُّلُبُ مِنَ اَلْأَعْلَى فَلَصِقَتْ بِالْأَرْضِ، وَتَقَوَّضَتْ أَعْمِدَةُ اَلْعَرْشِ، فَانْهَارَتْ إِلَى اَلْقَرَارِ، وَخَرَّ اَلصَّاعِدُ مِنَ اَلْعَرْشِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَتَغَيَّرَتْ أَلْوَانُ اَلْأَسَاقِفَةِ، وَاِرْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُمْ، فَقَالَ كَبِيرُهُمْ لِجَدِّي: أَيُّهَا اَلمَلِكُ أَعْفِنَا مِنْ مُلَاقَاةِ هَذِهِ اَلنُّحُوسِ اَلدَّالَّةِ عَلَى زَوَالِ دَوْلَةِ هَذَا اَلدِّينِ اَلمَسِيحِيِّ وَاَلمَذْهَبِ اَلمَلِكَانِيِّ، فَتَطَيَّرَ جَدِّي مِنْ ذَلِكَ تَطَيُّراً شَدِيداً، وَقَالَ لِلْأَسَاقِفَةِ: أَقِيمُوا هَذِهِ اَلْأَعْمِدَةَ وَاِرْفَعُوا اَلصُّلْبَانَ وَأَحْضِرُوا أَخَا هَذَا اَلمُدْبِرِ اَلْعَاثِرِ(٧٢٤) اَلمَنْكُوسِ جَدُّهُ لِأُزَوِّجَهُ هَذِهِ اَلصَّبِيَّةَ، فَيُدْفَعَ(٧٢٥) نُحُوسُهُ عَنْكُمْ بِسُعُودِهِ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ حَدَثَ عَلَى اَلثَّانِي مِثْلُ مَا حَدَثَ عَلَى اَلْأَوَّلِ، وَتَفَرَّقَ اَلنَّاسُ، وَقَامَ جَدِّي قَيْصَرُ مُغْتَمًّا، فَدَخَلَ مَنْزِلَ اَلنِّسَاءِ، وَأُرْخِيَتِ اَلسُّتُورُ، وَأُرِيتُ فِي تِلْكَ اَللَّيْلَةِ كَأَنَّ اَلمَسِيحَ وَشَمْعُونَ وَعِدَّةً مِنَ اَلْحَوَارِيِّينَ قَدِ اِجْتَمَعُوا فِي قَصْرِ جَدِّي، وَنَصَبُوا فِيهِ مِنْبَراً مِنْ نُورٍ يُبَارِي اَلسَّمَاءَ عُلُوًّا وَاِرْتِفَاعاً فِي اَلمَوْضِعِ اَلَّذِي كَانَ نَصَبَ جَدِّي فِيهِ عَرْشَهُ، وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَخَتَنُهُ وَوَصِيُّهُ (عليه السلام) وَعِدَّةٌ مِنْ أَبْنَائِهِ (عليهم السلام).
فَتَقَدَّمَ اَلمَسِيحُ إِلَيْهِ فَاعْتَنَقَهُ، فَيَقُولُ لَهُ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَا رُوحَ اَلله، إِنِّي جِئْتُكَ خَاطِباً مِنْ وَصِيِّكَ شَمْعُونَ فَتَاتَهُ مُلَيْكَةَ لاِبْنِي هَذَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ(عليه السلام) اِبْنِ صَاحِبِ هَذَا اَلْكِتَابِ -»، فَنَظَرَ اَلمَسِيحُ إِلَى شَمْعُونَ وَقَالَ لَهُ: قَدْ أَتَاكَ اَلشَّرَفُ، فَصِلْ رَحِمَكَ رَحِمَ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، فَصَعِدَ ذَلِكَ اَلْمِنْبَرَ، فَخَطَبَ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَزَوَّجَنِي مِنِ اِبْنِهِ، وَشَهِدَ اَلمَسِيحُ (عليه السلام)، وَشَهِدَ أَبْنَاءُ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) وَاَلْحَوَارِيُّونَ.
فَلَمَّا اِسْتَيْقَظْتُ أَشْفَقْتُ أَنْ أَقُصَّ هَذِهِ اَلرُّؤْيَا عَلَى أَبِي وَجَدِّي مَخَافَةَ اَلْقَتْلِ، فَكُنْتُ أُسِرُّهَا وَلَا أُبْدِيهَا لَهُمْ، وَضَرَبَ صَدْرِي بِمَحَبَّةِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) حَتَّى اِمْتَنَعْتُ مِنَ اَلطَّعَامِ وَاَلشَّرَابِ، فَضَعُفَتْ نَفْسِي، وَدَقَّ(٧٢٦) شَخْصِي، وَمَرِضْتُ مَرَضاً شَدِيداً، فَمَا بَقِيَ فِي مَدَائِنِ اَلرُّومِ طَبِيبٌ إِلَّا أَحْضَرَهُ جَدِّي، وَسَأَلَهُ عَنْ دَوَائِي، فَلَمَّا بَرِحَ بِهِ اَلْيَأْسُ قَالَ: يَا قُرَّةَ عَيْنِي، وَهَلْ يَخْطُرُ بِبَالِكِ شَهْوَةٌ فَأُزَوِّدَكِهَا فِي هَذِهِ اَلدُّنْيَا؟ فَقُلْتُ: يَا جَدِّي، أَرَى أَبْوَابَ اَلْفَرَجِ عَلَيَّ مُغْلَقَةً، فَلَوْ كَشَفْتَ اَلْعَذَابَ عَمَّنْ فِي سِجْنِكَ مِنْ أُسَارَى اَلمُسْلِمِينَ، وَفَكَكْتَ عَنْهُمُ اَلْأَغْلَالَ، وَتَصَدَّقْتَ عَلَيْهِمْ، وَمَنَّيْتَهُمُ اَلْخَلَاصَ، رَجَوْتُ أَنْ يَهَبَ لِيَ اَلمَسِيحُ وَأُمُّهُ عَافِيَةً.
فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ تَجَلَّدْتُ فِي إِظْهَارِ اَلصِّحَّةِ مِنْ بَدَنِي قَلِيلاً، وَتَنَاوَلْتُ يَسِيراً مِنَ اَلطَّعَامِ، فَسَّرَ بِذَلِكَ، وَأَقْبَلَ عَلَى إِكْرَامِ اَلْأُسَارَى وَإِعْزَازِهِمْ، فَأُرِيتُ أَيْضاً بَعْدَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً كَأَنَّ سَيِّدَةَ نِسَاءِ اَلْعَالَمِينَ فَاطِمَةَ (عليها السلام) قَدْ زَارَتْنِي وَمَعَهَا مَرْيَمُ اِبْنَةُ عِمْرَانَ وَأَلْفٌ مِنْ وَصَائِفِ اَلْجِنَانِ، فَتَقُولُ لِي مَرْيَمُ: هَذِهِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ اَلْعَالَمِينَ أُمُّ زَوْجِكِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَأَتَعَلَّقُ بِهَا وَأَبْكِي وَأَشْكُو إِلَيْهَا اِمْتِنَاعَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) مِنْ زِيَارَتِي.
فَقَالَتْ سَيِّدَةُ اَلنِّسَاءِ (عليها السلام): «إِنَّ اِبْنِي أَبَا مُحَمَّدٍ لَا يَزُورُكِ وَأَنْتِ مُشْرِكَةٌ بِاللهِ عَلَى مَذْهَبِ اَلنَّصَارَى، وَ هَذِهِ أُخْتِي مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ تَبْرَأُ إِلَى اَلله تَعَالَى مِنْ دِينِكِ، فَإِنْ مِلْتِ إِلَى رِضَى اَلله وَرِضَى اَلمَسِيحِ وَمَرْيَمَ (عليهما السلام) وَزِيَارَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ إِيَّاكِ، فَقُولِي: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ، وَأَنَّ أَبِي مُحَمَّداً رَسُولُ اَلله»، فَلَمَّا تَكَلَّمْتُ بِهَذِهِ اَلْكَلِمَةِ ضَمَّتْنِي إِلَى صَدْرِهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ اَلْعَالَمِينَ (عليها السلام)، وَطَيَّبَتْ نَفْسِي، وَقَالَتْ: «اَلْآنَ تَوَقَّعِي زِيَارَةَ أَبِي مُحَمَّدٍ، فَإِنِّي مُنْفِذَتُهُ إِلَيْكِ»، فَانْتَبَهْتُ وَأَنَا أَنُولُ(٧٢٧) وَأَتَوَقَّعُ لِقَاءَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام).
فَلَمَّا كَانَ فِي اَللَّيْلَةِ اَلْقَابِلَةِ رَأَيْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، وَكَأَنِّي أَقُولُ لَهُ: جَفَوْتَنِي يَا حَبِيبِي بَعْدَ أَنْ أَتْلَفَتْ نَفْسِي مُعَالَجَةُ حُبِّكَ، فَقَالَ: «مَا كَانَ تَأَخُّرِي عَنْكِ إِلَّا لِشِرْكِكِ، فَقَدْ أَسْلَمْتِ، وَأَنَا زَائِرُكِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إِلَى أَنْ يَجْمَعَ اَللهُ تَعَالَى شَمْلَنَا فِي اَلْعَيَانِ»، فَمَا قَطَعَ عَنِّي زِيَارَتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى هَذِهِ اَلْغَايَةِ.
قَالَ بِشْرٌ: فَقُلْتُ لَهَا: وَكَيْفَ وَقَعْتِ فِي اَلْأُسَارَى؟
فَقَالَتْ: أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) لَيْلَةً مِنَ اَللَّيَالِي أَنَّ جَدَّكِ سَيُسَيِّرُ جَيْشاً إِلَى قِتَالِ اَلمُسْلِمِينَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ يَتْبَعُهُمْ، فَعَلَيْكِ بِاللِّحَاقِ بِهِمْ مُتَنَكِّرَةً فِي زِيِّ اَلْخَدَمِ مَعَ عِدَّةٍ مِنَ اَلْوَصَائِفِ مِنْ طَرِيقِ كَذَا، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَوَقَعَتْ عَلَيْنَا طَلَايِعُ اَلمُسْلِمِينَ حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِي مَا رَأَيْتَ وَشَاهَدْتَ، وَمَا شَعَرَ بِأَنِّي اِبْنَةُ مَلِكِ اَلرُّومِ إِلَى هَذِهِ اَلْغَايَةِ أَحَدٌ سِوَاكَ، وَذَلِكَ بِإِطْلَاعِي إِيَّاكَ عَلَيْهِ، وَلَقَدْ سَأَلَنِي اَلشَّيْخُ اَلَّذِي وَقَعْتُ إِلَيْهِ فِي سَهْمِ اَلْغَنِيمَةِ عَنِ اِسْمِي، فَأَنْكَرْتُهُ وَقُلْتُ: نَرْجِسُ، فَقَالَ: اِسْمُ اَلْجَوَارِي.
قُلْتُ: اَلْعَجَبُ أَنَّكِ رُومِيَّةٌ وَلِسَانُكِ عَرَبِيٌّ.
قَالَتْ: نَعَمْ مِنْ وُلُوعِ جَدِّي وَحَمْلِهِ إِيَّايَ عَلَى تَعَلُّمِ اَلْآدَابِ أَنْ أَوْعَزَ(٧٢٨) إِلَيَّ اِمْرَأَةً تَرْجُمَانَةً لِي(٧٢٩) فِي اَلْاِخْتِلَافِ إِلَيَّ، وَكَانَتْ تَقْصُدُنِي صَبَاحاً وَمَسَاءً، وَتُفِيدُنِي اَلْعَرَبِيَّةَ حَتَّى اِسْتَمَرَّ لِسَانِي عَلَيْهَا وَاِسْتَقَامَ.
قَالَ بِشْرٌ: فَلَمَّا اِنْكَفَأْتُ(٧٣٠) بِهَا إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى دَخَلَتْ عَلَى مَوْلَايَ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، فَقَالَ: «كَيْفَ أَرَاكِ اَللهُ عِزَّ اَلْإِسْلَامِ وَذُلَّ اَلنَّصْرَانِيَّةِ وَشَرَفَ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ (عليهم السلام)؟»، قَالَتْ: كَيْفَ أَصِفُ لَكَ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَلله مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي؟ قَالَ: «فَإِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أُكْرِمَكِ، فَمَا أَحَبُّ إِلَيْكِ، عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ أَمْ بُشْرَى لَكِ بِشَرَفِ اَلْأَبَدِ؟»، قَالَتْ: بُشْرَى بِوَلَدٍ لِي، قَالَ لَهَا: «أَبْشِرِي بِوَلَدٍ يَمْلِكُ اَلدُّنْيَا شَرْقاً وَغَرْباً، وَيَمْلَأُ اَلْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»، قَالَتْ: مِمَّنْ؟ قَالَ: «مِمَّنْ خَطَبَكِ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لَهُ لَيْلَةَ كَذَا فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا بِالرُّومِيَّةِ؟»، قَالَتْ: مِنَ اَلمَسِيحِ وَوَصِيِّهِ، قَالَ لَهَا: «مِمَّنْ زَوَّجَكِ اَلمَسِيحُ (عليه السلام) وَوَصِيُّهُ؟»، قَالَتْ: مِنِ اِبْنِكَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: «هَلْ تَعْرِفِينَهُ؟»، قَالَتْ: وَهَلْ خَلَتْ لَيْلَةٌ لَمْ يَرَنِي فِيهَا مُنْذُ اَللَّيْلَةِ اَلَّتِي أَسْلَمْتُ عَلَى يَدِ سَيِّدَةِ اَلنِّسَاءِ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهَا)؟
قَالَ: فَقَالَ مَوْلَانَا: «يَا كَافُورُ، اُدْعُ أُخْتِي حَكِيمَةَ»، فَلَمَّا دَخَلَتْ قَالَ لَهَا: «هَا هِيَهْ»، فَاعْتَنَقَتْهَا طَوِيلاً، وَسُرَّتْ بِهَا كَثِيراً، فَقَالَ لَهَا أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام): «يَا بِنْتَ رَسُولِ اَلله، خُذِيهَا إِلَى مَنْزِلِكِ وَعَلِّمِيهَا اَلْفَرَائِضَ وَاَلسُّنَنَ، فَإِنَّهَا زَوْجَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَأُمُّ اَلْقَائِمِ (عليه السلام)»(٧٣١).
١٧٩ - وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْنِ مُوسَى اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ (رحمه الله)، قَالَ: كُنْتُ فِي دِهْلِيزِ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ (رحمه الله) عَلَى دَكَّةٍ إِذْ مَرَّ بِنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِ دُرَّاعَةٌ، فَسَلَّمَ عَلَى أَبِي عَلِيِّ بْنِ هَمَّامٍ، فَرَدَّ عَلَيْهِ اَلسَّلَامَ وَمَضَى.
فَقَالَ لِي: أَتَدْرِي مَنْ هُوَ هَذَا؟
فَقُلْتُ: لَا.
فَقَالَ: هَذَا شَاكِرِيٌّ(٧٣٢) لِسَيِّدِنَا أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، أَفَتَشْتَهِي أَنْ تَسْمَعَ مِنْ أَحَادِيثِهِ عَنْهُ شَيْئاً؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ لِي: مَعَكَ شَيْءٌ تُعْطِيهِ؟
فَقُلْتُ لَهُ: مَعِي دِرْهَمَانِ صَحِيحَانِ.
فَقَالَ: هُمَا يَكْفِيَانِهِ.
فَمَضَيْتُ خَلْفَهُ فَلَحِقْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَبُو عَلِيٍّ يَقُولُ لَكَ تَنْشَطُ لِلْمَصِيرِ(٧٣٣) إِلَيْنَا؟
فَقَالَ: نَعَمْ.
فَجِئْنَا إِلَى أَبِي عَلِيِّ بْنِ هَمَّامٍ، فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَغَمَزَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَنْ أُسَلِّمَ إِلَيْهِ اَلدِّرْهَمَيْنِ، فَسَلَّمْتُهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: مَا يَحْتَاجُ(٧٣٤) إِلَى هَذَا، ثُمَّ أَخَذَهُمَا.
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ هَمَّامٍ: يَا بَا عَبْدِ اَلله مُحَمَّدٌ، حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) مَا رَأَيْتَ.
فَقَالَ: كَانَ أُسْتَاذِي صَالِحاً مِنْ بَيْنِ اَلْعَلَوِيِّينَ لَمْ أَرَ قَطُّ مِثْلَهُ، وَكَانَ يَرْكَبُ بِسَرْجٍ صفته بُزْيُونٌ(٧٣٥) مِسْكِيٌّ وَأَزْرَقُ، قَالَ: وَكَانَ يَرْكَبُ إِلَى دَارِ اَلْخِلَافَةِ بِسُرَّ مَنْ رَأَى فِي كُلِّ اِثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، قَالَ: وَكَانَ يَوْمَ اَلنَّوْبَةِ يَحْضُرُ مِنَ اَلنَّاسِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، وَيَغُصُّ اَلشَّارِعُ بِالدَّوَابِّ وَاَلْبِغَالِ وَاَلْحَمِيرِ وَاَلضَّجَّةِ، فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مَوْضِعٌ يَمْشِي وَلَا يَدْخُلُ بَيْنَهُمْ.
قَالَ: فَإِذَا جَاءَ أُسْتَاذِي سَكَنَتِ اَلضَّجَّةُ، وَهَدَأَ صَهِيلُ اَلْخَيْلِ وَنُهَاقُ اَلْحَمِيرِ، قَالَ: وَتَفَرَّقَتِ اَلْبَهَائِمُ حَتَّى يَصِيرَ اَلطَّرِيقُ وَاسِعاً لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَتَوَقَّى مِنَ اَلدَّوَابِّ تَحُفُّهُ لِيَزْحَمَهَا، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَجْلِسُ فِي مَرْتَبَتِهِ اَلَّتِي جُعِلَتْ لَهُ، فَإِذَا أَرَادَ اَلْخُرُوجَ وَصَاحَ اَلْبَوَّابُونَ: هَاتُوا دَابَّةَ أَبِي مُحَمَّدٍ، سَكَنَ صِيَاحُ اَلنَّاسِ وَصَهِيلُ اَلْخَيْلِ، فَتَفَرَّقَتِ اَلدَّوَابُّ حَتَّى يَرْكَبَ وَيَمْضِيَ.
وَقَالَ اَلشَّاكِرِيُّ: وَاِسْتَدْعَاهُ يَوْماً اَلْخَلِيفَةُ، وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَخَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَعَى بِهِ إِلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَحْسُدُهُ عَلَى مَرْتَبَتِهِ مِنَ اَلْعَلَوِيِّينَ وَاَلْهَاشِمِيِّينَ، فَرَكِبَ وَمَضَى إِلَيْهِ، فَلَمَّا حَصَلَ فِي اَلدَّارِ قِيلَ لَهُ: إِنَّ اَلْخَلِيفَةَ قَدْ قَامَ، وَلَكِنِ اِجْلِسْ فِي مَرْتَبَتِكَ أَوِ اِنْصَرِفْ، قَالَ: فَانْصَرَفَ، وَجَاءَ إِلَى سُوقِ اَلدَّوَابِّ وَفِيهَا مِنَ اَلضَّجَّةِ وَاَلمُصَادَمَةِ وَاِخْتِلَافِ اَلنَّاسِ شَيْءٌ كَثِيرٌ.
فَلَمَّا دَخَلَ إِلَيْهَا سَكَنَ اَلنَّاسُ وَهَدَأَتِ اَلدَّوَابُّ، قَالَ: وَجَلَسَ إِلَى نَخَّاسٍ كَانَ يَشْتَرِي لَهُ اَلدَّوَابَّ، قَالَ: فَجِيءَ لَهُ بِفَرَسٍ كَبُوسٍ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ، قَالَ: فَبَاعُوهُ إِيَّاهُ بِوَكْسٍ(٧٣٦)، فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، قُمْ فَاطْرَحِ اَلسَّرْجَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَقُلْتُ(٧٣٧): إِنَّهُ لَا يَقُولُ لِي مَا يُؤْذِينِي، فَحَلَلْتُ اَلْحِزَامَ وَطَرَحْتُ اَلسَّرْجَ عَلَيْهِ، فَهَدَأَ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ، وَجِئْتُ بِهِ لِأَمْضِيَ بِهِ، فَجَاءَ اَلنَّخَّاسُ فَقَالَ لِي: لَيْسَ يُبَاعُ، فَقَالَ لِي: «سَلِّمْهُ إِلَيْهِمْ»، قَالَ: فَجَاءَ اَلنَّخَّاسُ لِيَأْخُذَهُ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ اِلْتِفَاتَةً ذَهَبَ مِنْهُ مُنْهَزِماً.
قَالَ: وَرَكِبَ وَمَضَيْنَا، فَلَحِقَنَا اَلنَّخَّاسُ فَقَالَ: صَاحِبُهُ يَقُولُ: أَشْفَقْتُ أَنْ يَرُدَّ، فَإِنْ كَانَ [قَدْ] عَلِمَ مَا فِيهِ مِنَ اَلْكَبْسِ فَلْيَشْتَرِهِ، فَقَالَ لِي(٧٣٨) أُسْتَادِي: «قَدْ عَلِمْتُ»، فَقَالَ: قَدْ بِعْتُكَ، فَقَالَ لِي: «خُذْهُ»، فَأَخَذْتُهُ.
[قَالَ]: فَجِئْتُ بِهِ إِلَى اَلْإِصْطَبْلِ، فَمَا تَحَرَّكَ وَلَا آذَانِي بِبَرَكَةِ أُسْتَاذِي.
فَلَمَّا نَزَلَ جَاءَ إِلَيْهِ وَأَخَذَ أُذُنَهُ اَلْيُمْنَى فَرَقَاهُ، ثُمَّ أَخَذَ أُذُنَهُ اَلْيُسْرَى فَرَقَاهُ، فَوَاَلله لَقَدْ كُنْتُ أَطْرَحُ اَلشَّعِيرَ لَهُ فَأُفَرِّقُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَتَحَرَّكُ، هَذَا بِبَرَكَةِ أُسْتَاذِي.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ هَمَّامٍ: هَذَا اَلْفَرَسُ يُقَالُ لَهُ: اَلصَّؤُولُ(٧٣٩)، قَالَ: يَرْجُمُ بِصَاحِبِهِ حَتَّى يَرْجُمَ بِهِ اَلْحِيطَانَ، وَيَقُومُ عَلَى رِجْلَيْهِ وَيَلْطِمُ صَاحِبَهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ اَلشَّاكِرِيُّ: كَانَ أُسْتَاذِي أَصْلَحَ مَنْ رَأَيْتُ مِنَ اَلْعَلَوِيِّينَ وَاَلْهَاشِمِيِّينَ، مَا كَانَ يَشْرَبُ هَذَا اَلنَّبِيذَ، كَانَ يَجْلِسُ فِي اَلْمِحْرَابِ وَيَسْجُدُ، فَأَنَامُ وَأَنْتَبِهُ وَأَنَامُ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَكَانَ قَلِيلَ اَلْأَكْلِ، كَانَ يَحْضُرُهُ اَلتِّينُ وَاَلْعِنَبُ وَاَلْخَوْخُ وَمَا شَاكَلَهُ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ اَلْوَاحِدَةَ وَاَلثِّنْتَيْنِ، وَيَقُولُ: «شُلْ هَذَا يَا مُحَمَّدُ إِلَى صِبْيَانِكَ»، فَأَقُولُ: هَذَا كُلَّهُ؟ فَيَقُولُ: «خُذْهُ»، مَا رَأَيْتُ قَطُّ أَسْدَى مِنْهُ(٧٤٠).
فهذه بعض دلائله، ولو استوفيناها لطال به الكتاب، وكان مع إمامته من أكرم الناس وأجودهم.
١٨٠ - أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنِ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْإِيَادِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيُّ (رضي الله عنه) أَنَّ أَبَا طَاهِرِ بْنَ بُلْبُلٍ حَجَّ فَنَظَرَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْهَمَانِيِّ(٧٤١)، وَهُوَ يُنْفِقُ اَلنَّفَقَاتِ اَلْعَظِيمَةَ، فَلَمَّا اِنْصَرَفَ كَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَوَقَّعَ فِي رُقْعَتِهِ: «قَدْ كُنَّا أَمَرْنَا لَهُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، ثُمَّ أَمَرْنَا لَهُ بِمِثْلِهَا فَأَبَى قَبُولَهَا إِبْقَاءً عَلَيْنَا، مَا لِلنَّاسِ وَاَلدُّخُولِ فِي أَمْرِنَا فِيمَا لَمْ نُدْخِلْهُمْ فِيهِ؟»(٧٤٢).
[الردُّ على من قال بأنَّ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) حيٌّ باقٍ]:
فأمَّا القائلون بأنَّ الحسن بن عليٍّ لم يمت، وهو حيٌّ باقٍ، وهو المهدي، فقولهم باطل بما علمنا موته، كما علمنا موت من تقدَّم من آبائه، والطريقة واحدة، والكلام عليهم واحد، هذا مع انقراض القائلين به واندراسهم، ولو كانوا محقِّين لما انقرضوا.
ويدلُّ أيضاً على صحَّة وفاته:
١٨١ - مَا رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله اَلْأَشْعَرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عُبَيْدِ اَلله بْنِ خَاقَانَ(٧٤٣) - وَهُوَ عَامِلُ اَلسُّلْطَانِ بِقُمَّ - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ اِخْتَصَرْنَاهُ، قَالَ: لَـمَّا اِعْتَلَّ أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام) بَعَثَ إِلَى أَبِي أَنَّ اِبْنَ اَلرِّضَا قَدِ اِعْتَلَّ، فَرَكِبَ مُبَادِراً إِلَى دَارِ اَلْخِلَافَةِ، ثُمَّ رَجَعَ مُسْتَعْجِلاً وَمَعَهُ خَمْسَةٌ مِنْ خَدَمِ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ مِنْ ثِقَاتِهِ وَخَاصَّتِهِ، مِنْهُمْ نِحْرِيرٌ، فَأَمَرَهُمْ بِلُزُومِ دَارِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَتَعَرُّفِ خَبَرِهِ وَحَالِهِ، وَبَعَثَ إِلَى نَفَرٍ مِنَ اَلمُتَطَبِّبِينَ، فَأَمَرَهُمْ بِالْاِخْتِلَافِ إِلَيْهِ وَتَعَهُّدِهِ صَبَاحاً وَمَسَاءً.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ، فَرَكِبَ حَتَّى نَظَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ اَلمُتَطَبِّبِينَ بِلُزُومِهِ، وَبَعَثَ إِلَى قَاضِي اَلْقُضَاةِ فَأَحْضَرَهُ مَجْلِسَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ أَصْحَابِهِ عَشَرَةً، فَبَعَثَ بِهِمْ إِلَى دَارِ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَأَمَرَهُمْ بِلُزُومِهِ لَيْلاً وَنَهَاراً.
فَلَمْ يَزَالُوا هُنَاكَ حَتَّى تُوُفِّيَ (عليه السلام) لِأَيَّامٍ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، فَصَارَتْ سُرَّ مَنْ رَأَى ضَجَّةً وَاحِدَةً: مَاتَ اِبْنُ اَلرِّضَا.
ثُمَّ أَخَذُوا فِي تَهْيِئَتِهِ، وَعُطِّلَتِ اَلْأَسْوَاقُ، وَرَكِبَ أَبِي وَبَنُو هَاشِمٍ وَسَائِرُ اَلنَّاسِ إِلَى جَنَازَتِهِ، وَأَمَرَ اَلسُّلْطَانُ أَبَا عِيسَى بْنَ اَلمُتَوَكِّلِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَلَمَّا وُضِعَتِ اَلْجِنَازَةُ دَنَا أَبُو عِيسَى فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ وَعَرَضَهُ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ مِنَ اَلْعَلَوِيَّةِ وَاَلْعَبَّاسِيَّةِ وَاَلْقُوَّادِ وَاَلْكُتَّابِ وَاَلْقُضَاةِ وَاَلْفُقَهَاءِ اَلمُعَدَّلِينَ(٧٤٤)، وَقَالَ: هَذَا اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلرِّضَا، مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، حَضَرَهُ مِنْ خَدَمِ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ مِنْ ثِقَاتِهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، ثُمَّ غَطَّى وَجْهَهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ خَمْساً(٧٤٥)، وَأَمَرَ بِحَمْلِهِ، فَحُمِلَ مِنْ وَسَطِ دَارِهِ، وَدُفِنَ فِي اَلْبَيْتِ اَلَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَبُوهُ(٧٤٦).
[الردُّ على من قال: إنَّ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) يحيى بعد موته ويعيش وهو القائم]:
وأمَّا من قال: إنَّ الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) يعيش بعد موته، وإنَّه القائم بالأمر، وتعلُّقهم بما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: «إنَّما سُمِّي القائم [قائماً](٧٤٧) لأنَّه يقوم بعدما يموت»(٧٤٨).
فقوله باطل بما دلَلنا عليه من موته، وادِّعاؤهم أنَّه يعيش يحتاج إلى دليل، ولو جاز لهم ذلك لجاز أنْ تقول الواقفة: إنَّ موسى بن جعفر (عليهما السلام) يعيش بعد موته.
على أنَّ هذا يُؤدِّي إلى خلوِّ الزمان من إمام بعد موت الحسن (عليه السلام) إلى حين يحيى، وقد دلَلنا بأدلَّة عقليَّة على فساد ذلك.
ويدلُّ على فساد ذلك أيضاً:
١٨٢ - مَا رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله اَلْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْن بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَضْلِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ، قاَلَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام): أَتَبْقَى اَلْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟
فَقَالَ: «لَوْ بَقِيَتِ اَلْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ سَاعَةً لَسَاخَتْ»(٧٤٩).
١٨٣ - وَقَوْلُ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «اَللَّهُمَّ إِنَّكَ لَا تُخْلِي اَلْأَرْضَ مِنْ حُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً أَوْ خَائِفاً مَغْمُوراً»(٧٥٠) يدلُّ على ذلك.
على أنَّ قوله: «يقوم بعدما يموت» لو صحَّ الخبر احتمل أنْ يكون أراد: يقوم(٧٥١) بعدما يموت ذكره، ويخمل ولا يُعرَف، وهذا جائز في اللغة.
وما دلَلنا به على أنَّ الأئمَّة اثنا عشر يُبطِل هذا المقال، لأنَّ الحسن بن عليٍّ (عليه السلام) هو الحادي عشر، فيبطل قولهم.
على أنَّ القائلين بذلك قد انقرضوا ولله الحمد، ولو كان حقًّا لما انقرض القائلون به.
[الردُّ على من قال بالفترة بعد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)]:
وأمَّا من ذهب إلى الفترة بعد الحسن بن عليٍّ (عليه السلام) وخلوِّ الزمان من إمام، فقولهم باطل بما دلَلنا عليه من أنَّ الزمان لا يخلو من إمام في حال من الأحوال، بأدلَّة عقليَّة وشرعيَّة.
وتعلُّقهم بالفترات بين الرُّسُل باطل، لأنَّ الفترة عبارة عن خلوِّ الزمان من نبيٍّ، ونحن لا نوجب النبوَّة في كلِّ حالٍ، وليس في ذلك دلالة على خلوِّ الزمان من إمام.
على أنَّ القائلين بذلك قد انقرضوا ولله الحمد، فسقط هذا القول أيضاً.
[الردُّ على من قال بإمامة جعفر بن عليٍّ بعد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)]:
وأمَّا القائلون بإمامة جعفر بن عليٍّ بعد أخيه (عليه السلام)، فقولهم باطل بما دلَلنا عليه من أنَّه يجب أنْ يكون الإمام معصوماً لا يجوز عليه الخطأ، وأنَّه يجب أنْ يكون أعلم الأُمَّة بالأحكام، وجعفر لم يكن معصوماً بلا خلاف، وما ظهر من أفعاله التي تنافي العصمة أكثر من أنْ يُحصى، لا نُطوِّل بذكرها الكتاب، وإنْ عرض فيما بعد ما يقتضي ذكر بعضها ذكرناه.
وأمَّا كونه عالماً فإنَّه كان خالياً منه، فكيف تثبت إمامته؟
على أنَّ القائلين بهذه المقالة قد انقرضوا أيضاً ولله الحمد والمنَّة.
وأمَّا من قال: لا ولد لأبي محمّد (عليه السلام)، فقوله يبطل بما دلَلنا عليه من إمامة الاثني عشر، وسياقة الأمر فيهم.
ويزيده بياناً:
١٨٤ - مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى اَلْأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام): قَدْ بَلَغْتَ مَا بَلَغْتَ وَلَيْسَ لَكَ وَلَدٌ.
فَقَالَ: «يَا عُقْبَةَ بْنَ جَعْفَرٍ، إِنَّ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَرَى وَلَدَهُ مِنْ بَعْدِهِ»(٧٥٢).
١٨٥ - عَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْخَزَّازِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ(٧٥٣)، عَنِ اَلْحَسَنِ(٧٥٤) بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «يَا أبَا حَمْزَةَ، إِنَّ اَلْأَرْضَ لَنْ تَخْلُوَ إِلَّا وَفِيهَا عَالِمٌ مِنَّا، فَإِنْ زَادَ اَلنَّاسُ قَالَ: قَدْ زَادُوا، وَإِنْ نَقَصُوا قَالَ: قَدْ نَقَصُوا، وَلَنْ يُخْرِجَ اَللهُ ذَلِكَ اَلْعَالِمَ حَتَّى يرى فِي وُلْدِهِ مَنْ يَعْلَمُ مِثْلَ عِلْمِهِ، أَوْ مَا شَاءَ اَللهُ»(٧٥٥).
١٨٦ - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيُّ رَفَعَهُ، قَالَ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) - حِينَ وُلِدَ اَلْحُجَّةُ (عليه السلام) -: «زَعَمَ اَلظَّلَمَةُ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَنِي لِيَقْطَعُوا(٧٥٦) هَذَا اَلنَّسْلَ، فَكَيْفَ رَأَوْا قُدْرَةَ اَلله؟»، وَسَمَّاهُ: اَلمُؤَمَّلَ(٧٥٧).
١٨٧ - وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ مَحْبُوساً مَعَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) فِي حَبْسِ اَلمُهْتَدِي بْنِ اَلْوَاثِقِ، فَقَالَ لِي: «يَا أَبَا هَاشِمٍ، إِنَّ هَذَا اَلطَّاغِيَ أَرَادَ أَنْ يَعْبَثَ(٧٥٨) بِاللهِ فِي هَذِهِ اَللَّيْلَةِ، وَقَدْ بَتَرَ اَللهُ تَعَالَى عُمُرَهُ، وَقَدْ جَعَلَهُ اَللهُ لِلْقَائِمِ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي وَلَدٌ، وَسَأُرْزَقُ وَلَداً».
قَالَ أَبُو هَاشِمٍ: فَلَمَّا أَصْبَحْنَا [وَطَلَعَتِ اَلشَّمْسُ] شَغَبَ(٧٥٩) اَلْأَتْرَاكُ عَلَى اَلمُهْتَدِي فَقَتَلُوهُ، وَوُلِّيَ اَلمُعْتَمِدُ مَكَانَهُ، وَسَلَّمَنَا اَللهُ(٧٦٠).
[الردُّ على من قال بأنَّه مشتبه في أنَّ للعسكري (عليه السلام) ولداً أم لا، فيتوقَّف]:
فأمَّا من زعم أنَّ الأمر قد اشتبه عليه، فلا يدري هل لأبي محمّد (عليه السلام) ولد أم لا، إلَّا أنَّهم متمسِّكون بالأوَّل حتَّى يصحَّ لهم الآخر.
فقوله باطل بما دلَلنا عليه من صحَّة إمامة ابن الحسن، وبما بيَّنَّا من أنَّ الأئمَّة اثنا عشر، ومع ذلك لا ينبغي التوقُّف، بل يجب القطع على إمامة ولده.
وبما قدَّمناه أيضاً من أنَّه لا يمضي إمام حتَّى يُولَد له ويرى عقبه(٧٦١).
ويُؤكِّد ذلك:
١٨٨ - مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ رَشِيدٍ(٧٦٢)، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْخَزَّازِ، قَالَ: دَخَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ إِمَامٌ؟
قَالَ: «نَعَمْ».
فَقَالَ لَهُ: إِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) يَقُولُ: «لَا يَكُونُ اَلْإِمَامُ إِلَّا وَلَهُ عَقِبٌ».
فَقَالَ: «أَنَسِيتَ يَا شَيْخُ أَوْ تَنَاسَيْتَ(٧٦٣)؟ لَيْسَ هَكَذَا قَالَ جَعْفَرٌ (عليه السلام)، إِنَّمَا قَالَ جَعْفَرٌ (عليه السلام): لَا يَكُونُ اَلْإِمَامُ إِلَّا وَلَهُ عَقِبٌ إِلَّا اَلْإِمَامُ اَلَّذِي يَخْرُجُ عَلَيْهِ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام)، فَإِنَّهُ لَا عَقِبَ لَهُ».
فَقَالَ لَهُ: صَدَقْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ، هَكَذَا سَمِعْتُ جَدَّكَ يَقُولُ(٧٦٤).
وما دلَلنا عليه من أنَّ الزمان لا يخلو من إمام عقلاً وشرعاً يُفسِد هذا القول أيضاً.
١٨٩ - فأمَّا تمسُّكهم بما روي: «تَمَسَّكُوا بِالْأَوَّلِ حَتَّى يَصِحَّ لَكُمُ اَلْآخِرُ»(٧٦٥)، فهو خبر واحد، ومع هذا فقد تأوَّله سعد بن عبد الله بتأويل قريب، قال: قوله: «تَمَسَّكُوا بِالْأَوَّلِ حَتَّى يَظْهَرَ لَكُمُ اَلْآخِرُ»، هو دليل على إيجاب الخلف، لأنَّه يقتضي وجوب التمسُّك بالأوَّل، ولا يبحث عن أحوال الآخر إذا كان مستوراً غائباً في تقيَّة حتَّى يأذن الله في ظهوره، ويكون الذي يُظهِر أمره ويُشهِر نفسه.
على أنَّ القائلين بذلك قد انقرضوا والحمد لله.
[ردُّ القول بأنَّ الإمامة انقطعت بعد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) كما انقطعت النبوَّة]:
وأمَّا(٧٦٦) من قال بإمامة الحسن(عليه السلام)، وقالوا: انقطعت الإمامة كما انقطعت النبوَّة.
فقولهم باطل بما دلَلنا عليه من أنَّ الزمان لا يخلو عن(٧٦٧) إمام عقلاً وشرعاً، وبما بيَّنَّاه من أنَّ الأئمَّة اثنا عشر، وسنُبيِّن(٧٦٨) صحَّة ولادة القائم (عليه السلام) بعده، فسقط قولهم من كلِّ وجه.
على أنَّ هؤلاء قد انقرضوا بحمد الله.
[إبطال قول الفطحيَّة]:
وقد بيَّنَّا فساد قول الذاهبين إلى إمامة جعفر بن عليٍّ من الفطحيَّة الذين قالوا بإمامة عبد الله بن جعفر [لـمَّا مات](٧٦٩) الصادق (عليه السلام)، فلمَّا مات عبد الله ولم يُخلِف ولداً رجعوا إلى القول بإمامة موسى بن جعفر، ومن بعده إلى الحسن بن عليٍّ (عليهم السلام)، فلمَّا مات الحسن (عليه السلام) قالوا بإمامة جعفر، وقول هؤلاء يبطل من وجوه أفسدناها(٧٧٠)، ولأنَّه لا خلاف بين الإماميَّة أنَّ الإمامة لا تجتمع في أخوين بعد الحسن والحسين، وقد رووا في ذلك أخباراً كثيرة(٧٧١)، منها:
[الأخبار الدالَّة على أنَّ الإمامة لا تجتمع في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام)، وذمِّ جعفر بن عليٍّ الكذَّاب]:
١٩٠ - مَا رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْوَلِيدِ اَلْخَزَّازِ، عَنْ يُونُسَ اِبْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «أَبَى اَللهُ أَنْ يَجْعَلَ اَلْإِمَامَةَ لِأَخَوَيْنِ بَعْدَ اَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام)»(٧٧٢).
١٩١ - عَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى اَلْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «لَا تَجْتَمِعُ اَلْإِمَامَةُ فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ اَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام)، إِنَّمَا هِيَ فِي اَلْأَعْقَابِ وَأَعْقَابِ اَلْأَعْقَابِ»(٧٧٣).
١٩٢ - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «لَا تَعُودُ اَلْإِمَامَةُ فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ اَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام) أَبَداً، إِنَّهَا جَرَتْ مِنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام) كَمَا قَالَ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَأُولُوا الْأَرحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ﴾ [الأحزاب: ٦]، فَلَا تَكُونُ بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام) إِلَّا فِي اَلْأَعْقَابِ وَأَعْقَابِ اَلْأَعْقَابِ»(٧٧٤).
ومنها أنَّه لا خلاف أنَّه لم يكن معصوماً، وقد بيَّنَّا أنَّ من شرط الإمام أنْ يكون معصوماً، وما ظهر من أفعاله ينافي العصمة.
١٩٣ - وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَـمَّا وُلِدَ لِأَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) جَعْفَرٌ هَنَّئُوهُ بِهِ، فَلَمْ يَرَوْا بِهِ سُرُوراً، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: «هَوِّنْ عَلَيْكَ أَمْرَهُ، سَيُضِلُّ خَلْقاً كَثِيراً»(٧٧٥).
١٩٤ - وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، قَالَ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو هَاشِمٍ دَاوُدُ اِبْنُ اَلْقَاسِمِ اَلْجَعْفَرِيُّ، وَاَلْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْعَبَّاسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ اَلْعَمْرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ كَانَ حُبِسَ بِسَبَبِ قَتْلِ عَبْدِ اَلله بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْعَبَّاسِيِّ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) وَأَخَاهُ جَعْفَراً دَخَلَا عَلَيْهِمْ لَيْلاً.
قَالُوا: كُنَّا لَيْلَةً مِنَ اَللَّيَالِي جُلُوساً نَتَحَدَّثُ إِذْ سَمِعْنَا حَرَكَةَ بَابِ اَلسِّجْنِ فَرَاعَنَا ذَلِكَ، وَكَانَ أَبُو هَاشِمٍ عَلِيلاً، فَقَالَ لِبَعْضِنَا: اِطَّلِعْ وَاُنْظُرْ مَا تَرَى، فَاطَّلَعَ إِلَى مَوْضِعِ اَلْبَابِ فَإِذَا اَلْبَابُ فُتِحَ، وَإِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ قَدْ أُدْخِلَا إِلَى اَلسِّجْنِ وَرُدَّ اَلْبَابُ وَأُقْفِلَ، فَدَنَا مِنْهُمَا، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: نَحْنُ قَوْمٌ مِنَ اَلطَّالِبِيَّةِ حُبِسْنَا، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَ: «أَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَهَذَا جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ»، فَقَالَ لَهُمَا: جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكُمَا إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَدْخُلَا اَلْبَيْتَ، وَبَادَرَ إِلَيْنَا وَإِلَى أَبِي هَاشِمٍ فَأَعْلَمَنَا وَدَخَلَا.
فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمَا أَبُو هَاشِمٍ قَامَ عَنْ مِضْرَبَةٍ(٧٧٦) كَانَتْ تَحْتَهُ، فَقَبَّلَ وَجْهَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) وَأَجْلَسَهُ عَلَيْهَا، وَجَلَسَ جَعْفَرٌ قَرِيباً مِنْهُ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: وَا شَطْنَاهُ، بِأَعْلَى صَوْتِهِ - يَعْنِي جَارِيَةً لَهُ -، فَزَجَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) وَقَالَ لَهُ: «اُسْكُتْ»، وَإِنَّهُمْ رَأَوْا فِيهِ آثَارَ اَلسُّكْرِ، وَأَنَّ اَلنَّوْمَ غَلَبَهُ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَهُمْ، فَنَامَ عَلَى تِلْكَ اَلْحَالِ.
وما روي فيه وله من الأفعال والأقوال الشنيعة أكثر من أنْ تُحصى نُنزِّه كتابنا عن ذلك.
[ردُّ القول بأنَّ الأئمَّة ثلاثة عشر، وأنَّ للحجَّة (عليه السلام) ولداً]:
فأمَّا من قال: إنَّ للخلف ولداً، وإنَّ الأئمَّة ثلاثة عشر، فقولهم يفسد بما دلَلنا عليه من أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) اثنا عشر، فهذا القول يجب إطراحه.
على أنَّ هذه الفِرَق كلَّها قد انقرضت بحمد الله، ولم يبقَ قائل يقول بقولها، وذلك دليل على بطلان هذه الأقاويل.

* * *
[الفصل الثاني]: [الكلام في ولادة صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) وصحَّتها]

فصل:
فأمَّا الكلام في ولادة صاحب الزمان وصحَّتها فأشياء اعتباريَّة وأشياء إخباريَّة، فأمَّا الاعتباريَّة فهو أنَّه إذا ثبت إمامته بما دلَلنا عليه من الأقسام، وإفساد كلِّ قسم منها إلَّا القول بإمامته، ثبتت إمامته، وعلمنا بذلك صحَّة ولادته إنْ لم يُرْوَ فيه خبر أصلاً.
وأيضاً ما دلَلنا عليه من أنَّ الأئمَّة اثنا عشر يدلُّ على صحَّة ولادته، لأنَّ العدد لا يكون إلَّا لموجود.
وما دلَلنا على أنَّ صاحب الأمر لا بدَّ له من غيبتين يُؤكِّد ذلك، لأنَّ كلَّ ذلك مبنيٌّ على صحَّة ولادته.
وأمَّا تصحيح ولادته من جهة الأخبار فسنذكر في هذا الكتاب طرفاً ممَّا روي فيه جملةً وتفصيلاً، ونذكر بعد ذلك جملة من أخبار من شاهده ورآه، لأنَّ استيفاء ما روي في هذا المعنى يطول به الكتاب.
١٩٥ - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْنِ مُوسَى اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ زَكَرِيَّا، عَنِ اَلثِّقَةِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اَلله بْنُ اَلْعَبَّاسِ اَلْعَلَوِيُّ - وَمَا رَأَيْتُ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْهُ، وَكَانَ خَالَفَنَا(٧٧٧) فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ -، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو اَلْفَضْلِ اَلْحُسَيْنُ بْنُ اَلْحَسَنِ اَلْعَلَوِيُّ(٧٧٨)، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) بِسُرَّ مَنْ رَأَى، فَهَنَّأْتُهُ بِسَيِّدِنَا صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) لَـمَّا وُلِدَ.
١٩٦ - مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى حَكِيمَةَ(٧٧٩) بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلرِّضَا (عليه السلام) سَنَةَ اِثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، فَكَلَّمْتُهَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَسَأَلْتُهَا عَنْ دِينِهَا، فَسَمَّتْ لِي مَنْ تَأْتَمُّ بِهِمْ، قَالَتْ: فُلَانٌ اِبْنُ اَلْحَسَنِ، فَسَمَّتْهُ. فَقُلْتُ لَهَا: جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكِ، مُعَايَنَةً أَوْ خَبَراً؟ فَقَالَتْ: خَبَراً عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) كَتَبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ، قُلْتُ لَهَا: فَأَيْنَ اَلْوَلَدُ؟ قَالَتْ: مَسْتُورٌ، فَقُلْتُ: إِلَى مَنْ تَفْزَعُ اَلشِّيعَةُ؟ قَالَتْ: إِلَى اَلْجَدَّةِ أُمِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَقُلْتُ: أَقْتَدِي بِمَنْ وَصِيَّتُهُ إِلَى اِمْرَأَةٍ؟ فَقَالَتْ: اِقْتَدِ بِالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) أَوْصَى إِلَى أُخْتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيٍّ (عليه السلام) فِي اَلظَّاهِرِ، وَكَانَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام) مِنْ عِلْمٍ يُنْسَبُ إِلَى زَيْنَبَ سَتْراً عَلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام). ثُمَّ قَالَتْ: إِنَّكُمْ قَوْمٌ أَصْحَابُ أَخْبَارٍ، أَمَا رَوَيْتُمْ أَنَّ اَلتَّاسِعَ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) يُقْسَمُ مِيرَاثُهُ وَهُوَ فِي اَلْحَيَاةِ؟
وَرَوَى هَذَا اَلْخَبَرَ اَلتَّلَّعُكْبَرِيُّ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلنَّهَاوَنْدِيِّ(٧٨٠)، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُسْلِمٍ اَلْحَنَفِيِّ، عَنْ أَبِي حَامِدٍ اَلمَرَاغِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ حَكِيمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ أُخْتَ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيِّ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ(٧٨١).
١٩٧ - وَقَدْ تَقَدَّمَتِ اَلرِّوَايَةُ(٧٨٢) مِنْ قَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) حِينَ وُلِدَ لَهُ: «وَزَعَمَتِ اَلظَّلَمَةُ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَنِي لِيَقْطَعُوا هَذَا اَلنَّسْلَ، فَكَيْفَ رَأَوْا قُدْرَةَ اَلله؟»، وَسَمَّاهُ: اَلمُؤَمَّلَ.
١٩٨ - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْأَشْعَرِيِّ، عَنِ اَلمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: خَرَجَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) حِينَ قُتِلَ اَلزُّبَيْرِيُّ: «هَذَا جَزَاءُ مَنِ اِفْتَرَى عَلَى اَلله وَعَلَى أَوْلِيَائِهِ، زَعَمَ أَنَّهُ يَقْتُلُنِي وَلَيْسَ لِي عَقِبٌ، فَكَيْفَ رَأَى قُدْرَةَ اَلله؟»، وَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ، وَسَمَّاهُ: مُحَمَّداً، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ(٧٨٣)،(٧٨٤).
١٩٩ - أَبُو هَاشِمٍ اَلْجَعْفَرِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام): جَلَالَتُكَ تَمْنَعُنِي عَنْ مَسْأَلَتِكَ، فَتَأْذَنُ لِي فِي أَنْ أَسْأَلَكَ؟ قَالَ: «سَلْ»، قُلْتُ: يَا سَيِّدِي، هَلْ لَكَ وَلَدٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: فَإِنْ حَدَثَ حَدَثٌ فَأَيْنَ أَسْأَلُ عَنْهُ؟ فَقَالَ: «بِالمَدِينَةِ»(٧٨٥).
٢٠٠ - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، رَفَعَهُ عَنْ نَسِيمٍ اَلْخَادِمِ، وَخَادِمِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) بَعْدَ مَوْلِدِهِ بِعَشْرِ لَيَالٍ، فَعَطَسْتُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: «يَرْحَمُكِ اَللهُ»، فَفَرِحْتُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «أَلَا أُبَشِّرُكِ فِي اَلْعُطَاسِ؟ هُوَ أَمَانٌ مِنَ اَلمَوْتِ ثَلَاثَ أَيَّامٍ»(٧٨٦).
٢٠١ - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ عَلِيٍّ اَلْقَيْسِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَيَّةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «إِذَا اِجْتَمَعَ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ: مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَاَلْحَسَنُ، فَالرَّابِعُ اَلْقَائِمُ (عليه السلام)»(٧٨٧).
٢٠٢ - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ ضَوْءِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْعِجْلِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ - سَمَّاهُ -، قَالَ: أَتَيْتُ سُرَّ مَنْ رَأَى، وَلَزِمْتُ بَابَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَدَعَانِي مِنْ غَيْرِ أَنِ اسْتَأْذَنْتُ(٧٨٨)، فَلَمَّا دَخَلْتُ فَسَلَّمْتُ قَالَ لِي: «يَا فُلَانُ، كَيْفَ حَالُكَ؟»، ثُمَّ قَالَ: «اُقْعُدْ، يَا فُلَانُ»، ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ مِنْ أَهْلِي، ثُمَّ قَالَ لِي: «مَا اَلَّذِي أَقْدَمَكَ؟».
قُلْتُ: رَغْبَةٌ فِي خِدْمَتِكَ.
قَالَ: «فَالْزَمِ اَلدَّارَ».
قَالَ: فَكُنْتُ فِي اَلدَّارِ مَعَ اَلْخَدَمِ، ثُمَّ صِرْتُ أَشْتَرِي لَهُمُ اَلْحَوَائِجَ مِنَ اَلسُّوقِ، وَكُنْتُ أَدْخُلُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ إِذَا كَانَ فِي دَارِ اَلرِّجَالِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ يَوْماً وَهُوَ فِي دَارِ اَلرِّجَالِ، فَسَمِعْتُ حَرَكَةً فِي اَلْبَيْتِ، وَنَادَانِي: «مَكَانَكَ لَا تَبْرَحْ»، فَلَمْ أَجْسُرْ أَخْرُجُ وَلَا أَدْخُلُ، فَخَرَجَتْ عَلَيَّ جَارِيَةٌ مَعَهَا شَيْءٌ مُغَطًّى، ثُمَّ نَادَانِي: «اُدْخُلْ»، فَدَخَلْتُ، ثُمَّ نَادَى اَلْجَارِيَةَ، فَرَجَعَتْ، فَقَالَ لَهَا: «اِكْشِفِي عَمَّا مَعَكِ»، فَكَشَفَتْ عَنْ غُلَامٍ أَبْيَضَ، حَسَنِ اَلْوَجْهِ، فَكَشَفَ عَنْ بَطْنِهِ، فَإِذَا شَعْرٌ نَابِتٌ مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ، أَخْضَرُ لَيْسَ بِأَسْوَدَ، فَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ»، ثُمَّ أَمَرَهَا، فَحَمَلَتْهُ، فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام).
فَقَالَ ضَوْءُ بْنُ عَلِيٍّ: قُلْتُ لِلْفَارِسِيِّ: كَمْ كُنْتَ تُقَدِّرُ لَهُ مِنَ اَلسِّنِينَ؟ قَالَ: سَنَتَيْنِ. قَالَ اَلْعَبْدِيُّ(٧٨٩): فَقُلْتُ لِضَوْءٍ: كَمْ تُقَدِّرُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو عَبْدِ اَلله(٧٩٠): وَنَحْنُ نُقَدِّرُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً(٧٩١).
٢٠٣ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ عَمْرٍو اَلْأَهْوَازِيِّ، قَالَ: أَرَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) اِبْنَهُ، وَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي»(٧٩٢).
٢٠٤ - وَأَخْبَرَنِي اِبْنُ أَبِي جِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْوَلِيدِ، عَنِ اَلصَّفَّارِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ اَلْقُمِّيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله اَلمُطَهَّرِيِّ، عَنْ حَكِيمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدِ اِبْنِ عَلِيٍّ اَلرِّضَا، قَالَتْ: بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ فِي اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَقَالَ: «يَا عَمَّةِ، اِجْعَلِي اَللَّيْلَةَ إِفْطَارَكِ عِنْدِي، فَإِنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) سَيَسُرُّكِ بِوَلِيِّهِ وَحُجَّتِهِ عَلَى خَلْقِهِ، خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي»، قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَتَدَاخَلَنِي لِذَلِكَ سُرُورٌ شَدِيدٌ، وَأَخَذْتُ ثِيَابِي عَلَيَّ وَخَرَجْتُ مِنْ سَاعَتِي حَتَّى اِنْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، وَهُوَ جَالِسٌ فِي صَحْنِ دَارِهِ، وَجَوَارِيهِ حَوْلَهُ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا سَيِّدِي، اَلْخَلَفُ مِمَّنْ هُوَ؟ قَالَ: «مِنْ سَوْسَنَ»، فَأَدَرْتُ طَرْفِي فِيهِنَّ، فَلَمْ أَرَ جَارِيَةً عَلَيْهَا أَثَرٌ غَيْرَ سَوْسَنَ.
قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمَّا أَنْ صَلَّيْتُ اَلمَغْرِبَ وَاَلْعِشَاءَ اَلْآخِرَةَ أُتِيتُ بِالمَائِدَةِ، فَأَفْطَرْتُ أَنَا وَسَوْسَنُ، وَبَايَتُّهَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، فَغَفَوْتُ غَفْوَةً(٧٩٣)، ثُمَّ اِسْتَيْقَظْتُ، فَلَمْ أَزَلْ مُفَكِّرَةً فِيمَا وَعَدَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) مِنْ أَمْرِ وَلِيِّ اَلله (عليه السلام)، فَقُمْتُ قَبْلَ اَلْوَقْتِ اَلَّذِي كُنْتُ أَقُومُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِلصَّلَاةِ، فَصَلَّيْتُ صَلَاةَ اَللَّيْلِ حَتَّى بَلَغْتُ إِلَى اَلْوَتْرِ، فَوَثَبَتْ سَوْسَنُ فَزِعَةً، وَخَرَجْتُ فَزِعَةً وَ[خَرَجَتْ](٧٩٤) وَأَسْبَغَتِ اَلْوُضُوءَ، ثُمَّ عَادَتْ فَصَلَّتْ صَلَاةَ اَللَّيْلِ، وَبَلَغَتْ إِلَى اَلْوَتْرِ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّ اَلْفَجْرَ (قَدْ)(٧٩٥) قَرُبَ، فَقُمْتُ لِأَنْظُرَ، فَإِذَا بِالْفَجْرِ اَلْأَوَّلِ قَدْ طَلَعَ، فَتَدَاخَلَ قَلْبِيَ اَلشَّكُّ مِنْ وَعْدِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَنَادَانِي مِنْ حُجْرَتِهِ: «لَا تَشُكِّي، وَكَأَنَّكِ(٧٩٦) بِالْأَمْرِ اَلسَّاعَةَ قَدْ رَأَيْتِهِ إِنْ شَاءَ اَللهُ تَعَالَى».
قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، وَمِمَّا وَقَعَ فِي قَلْبِي، وَرَجَعْتُ إِلَى اَلْبَيْتِ وَأَنَا خَجِلَةٌ، فَإِذَا هِيَ قَدْ قَطَعَتِ اَلصَّلَاةَ وَخَرَجَتْ فَزِعَةً، فَلَقِيتُهَا عَلَى بَابِ اَلْبَيْتِ، فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتِ (وَأُمِّي)(٧٩٧)، هَلْ تُحِسِّينَ شَيْئاً؟ قَالَتْ: نَعَمْ يَا عَمَّةِ، إِنِّي لَأَجِدُ أَمْراً شَدِيداً، قُلْتُ: لَا خَوْفٌ عَلَيْكِ إِنْ شَاءَ اَللهُ تَعَالَى، وَأَخَذْتُ وِسَادَةً فَأَلْقَيْتُهَا فِي وَسَطِ اَلْبَيْتِ، وَأَجْلَسْتُهَا عَلَيْهَا، وَجَلَسْتُ مِنْهَا حَيْثُ تَقْعُدُ اَلمَرْأَةُ مِنَ اَلمَرْأَةِ لِلْوِلَادَةِ، فَقَبَضَتْ عَلَى كَفِّي، وَغَمَزَتْ غَمْزَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ أَنَّتْ أَنَّةً، وَتَشَهَّدَتْ، وَنَظَرْتُ تَحْتَهَا، فَإِذَا أَنَا بِوَلِيِّ اَلله (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ) مُتَلَقِّياً اَلْأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ، فَأَخَذْتُ بِكَتِفَيْهِ، فَأَجْلَسْتُهُ فِي حَجْرِي، فَإِذَا هُوَ نَظِيفٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ، فَنَادَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «يَا عَمَّةِ، هَلُمِّي فَأْتِينِي بِابْنِي»، فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَتَنَاوَلَهُ، وَأَخْرَجَ لِسَانَهُ، فَمَسَحَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ، فَفَتَحَهَا(٧٩٨)، ثُمَّ أَدْخَلَهُ فِي فِيهِ، فَحَنَّكَهُ، ثُمَّ [أَدْخَلَهُ] فِي أُذُنَيْهِ وَأَجْلَسَهُ فِي رَاحَتِهِ اَلْيُسْرَى، فَاسْتَوَى وَلِيُّ اَلله جَالِساً، فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ لَهُ: «يَا بُنَيَّ، اِنْطِقْ بِقُدْرَةِ اَلله»، فَاسْتَعَاذَ وَلِيُّ اَلله (عليه السلام) مِنَ اَلشَّيْطَانِ اَلرَّجِيمِ، وَاِسْتَفْتَحَ: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القَصص: ٥ و٦]، وَصَلَّى عَلَى رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَعَلَى أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ وَاَلْأَئِمَّةِ(عليهم السلام) وَاحِداً وَاحِداً حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى أَبِيهِ، فَنَاوَلَنِيهِ(٧٩٩) أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) وَقَالَ: «يَا عَمَّةِ، رُدِّيهِ إِلَى أُمِّهِ حَتَّى ﴿تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [القَصص: ١٣]، فَرَدَدْتُهُ إِلَى أُمِّهِ وَقَدِ اِنْفَجَرَ اَلْفَجْرُ اَلثَّانِي، فَصَلَّيْتُ اَلْفَرِيضَةَ وَعَقَّبْتُ إِلَى أَنْ طَلَعَتِ اَلشَّمْسُ، ثُمَّ وَدَّعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) وَاِنْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ اِشْتَقْتُ إِلَى وَلِيِّ اَلله، فَصِرْتُ إِلَيْهِمْ، فَبَدَأْتُ بِالْحُجْرَةِ اَلَّتِي كَانَتْ سَوْسَنُ فِيهَا، فَلَمْ أَرَ أَثَراً وَلَا سَمِعْتُ ذِكْراً، فَكَرِهْتُ أَنْ أَسْأَلَ، فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَبْدَأَهُ بِالسُّؤَالِ، فَبَدَأَنِي، فَقَالَ: «هُوَ يَا عَمَّةِ فِي كَنَفِ اَلله وَحِرْزِهِ وَسِتْرِهِ وَغَيْبِهِ حَتَّى يَأْذَنَ اَللهُ لَهُ، فَإِذَا غَيَّبَ اَللهُ شَخْصِي وَتَوَفَّانِي وَرَأَيْتِ شِيعَتِي قَدِ اِخْتَلَفُوا فَأَخْبِرِي اَلثِّقَاتَ مِنْهُمْ، وَلْيَكُنْ عِنْدَكِ وَعِنْدَهُمْ مَكْتُوماً، فَإِنَّ وَلِيَّ اَلله يُغَيِّبُهُ اَللهُ عَنْ خَلْقِهِ وَيَحْجُبُهُ عَنْ عِبَادِهِ، فَلَا يَرَاهُ أَحَدٌ حَتَّى يُقَدِّمَ لَهُ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) فَرَسَهُ، ﴿لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً﴾ [الأنفال: ٤٢]».
٢٠٥ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْوَلِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى اَلْعَطَّارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّوَيْهِ اَلرَّازِيِّ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رِزْقِ اَلله، عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ(٨٠٠)، قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَكِيمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) بِمِثْلِ مَعْنَى اَلْحَدِيثِ اَلْأَوَّلِ إِلَّا أَنَّهَا قَالَتْ: فَقَالَ لِي أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «يَا عَمَّةِ، إِذَا كَانَ اَلْيَوْمُ اَلسَّابِعُ فَأْتِينَا»، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ جِئْتُ لِأُسَلِّمَ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، وَكَشَفْتُ عَنِ اَلسِّتْرَ لِأَتَفَقَّدَ سَيِّدِي، فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا فَعَلَ سَيِّدِي؟ فَقَالَ: «يَا عَمَّةِ، اِسْتَوْدَعْنَاهُ اَلَّذِي اِسْتَوْدَعَتْ أُمُّ مُوسَى»، فَلَمَّا كَانَ اَلْيَوْمُ اَلسَّابِعُ جِئْتُ فَسَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ، فَقَالَ: «هَلُمُّوا اِبْنِي»، فَجِيءَ بِسَيِّدِي وَهُوَ فِي خِرَقٍ صُفْرٍ، فَفَعَلَ بِهِ كَفِعْلِهِ(٨٠١) اَلْأَوَّلِ، ثُمَّ أَدْلَى لِسَانَهُ فِي فِيهِ كَأَنَّمَا يُغَذِّيهِ لَبَناً وَعَسَلاً، ثُمَّ قَالَ: «تَكَلَّمْ، يَا بُنَيَّ»، فَقَالَ (عليه السلام): «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ»، وَثَنَّى بِالصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى اَلْأَئِمَّةِ (عليهم السلام) حَتَّى وَقَفَ عَلَى أَبِيهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ...﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القَصص: ٥ و٦](٨٠٢).
٢٠٦ - أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَمِيعِ بْنِ بُنَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي اَلدَّارِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اَلله، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ رَوْحٍ اَلْأَهْوَازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَكِيمَةَ بِمِثْلِ مَعْنَى اَلْحَدِيثِ اَلْأَوَّلِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَالَتْ: بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) لَيْلَةَ اَلنِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَتْ: وَقُلْتُ لَهُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَلله، مَنْ أُمُّهُ؟ قَالَ: «نَرْجِسُ»، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ فِي اَلْيَوْمِ اَلثَّالِثِ اِشْتَدَّ شَوْقِي إِلَى وَلِيِّ اَلله، فَأَتَيْتُهُمْ عَائِدَةً، فَبَدَأْتُ بِالْحُجْرَةِ اَلَّتِي فِيهَا اَلْجَارِيَةُ، فَإِذَا أَنَا بِهَا جَالِسَةً فِي مَجْلِسِ اَلمَرْأَةِ اَلنُّفَسَاءِ، وَعَلَيْهَا أَثْوَابٌ صُفْرٌ، وَهِيَ مُعَصَّبَةُ اَلرَّأْسِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهَا، وَاِلْتَفَتُّ إِلَى جَانِبِ اَلْبَيْتِ وَإِذَا بِمَهْدٍ عَلَيْهِ أَثْوَابٌ خُضْرٌ، فَعَدَلْتُ إِلَى اَلمَهْدِ وَرَفَعْتُ عَنْهُ اَلْأَثْوَابَ، فَإِذَا أَنَا بِوَلِيِّ اَلله نَائِمٌ عَلَى قَفَاهُ غَيْرَ مَحْزُومٍ وَلَا مَقْمُوطٍ، فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَجَعَلَ يَضْحَكُ وَيُنَاجِينِي بِإِصْبَعِهِ(٨٠٣)، فَتَنَاوَلْتُهُ وَأَدْنَيْتُهُ إِلَى فَمِي لِأُقَبِّلَهُ، فَشَمِمْتُ مِنْهُ رَائِحَةً مَا شَمِمْتُ قَطُّ أَطْيَبَ مِنْهَا، وَنَادَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «يَا عَمَّتِي، هَلُمِّي فَتَايَ إِلَيَّ»، فَتَنَاوَلَهُ وَقَالَ(٨٠٤): «يَا بُنَيَّ، اِنْطِقْ»، وَذَكَرَ اَلْحَدِيثَ.
قَالَتْ: ثُمَّ تَنَاوَلْتُهُ مِنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: «يَا بُنَيَّ، أَسْتَوْدِعُكَ اَلَّذِي اِسْتَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى، كُنْ فِي دَعَةِ اَلله وَسِتْرِهِ وَكَنَفِهِ وَجِوَارِهِ»، وَقَالَ: «رُدِّيهِ إِلَى أُمِّهِ يَا عَمَّةِ، وَاُكْتُمِي خَبَرَ هَذَا اَلمَوْلُودِ عَلَيْنَا، وَلَا تُخْبِرِي بِهِ أَحَداً حَتَّى يَبْلُغَ اَلْكِتَابُ أَجَلَهُ»، فَأَتَيْتُ أُمَّهُ، وَوَدَّعْتُهُمْ، وَذَكَرَ اَلْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ.
أحمد بن عليٍّ الرازي، عن محمّد بن عليٍّ، عن حنظلة بن زكريَّا، قال: حدَّثني الثقة، عن محمّد بن عليِّ بن بلال(٨٠٥)، عن حكيمة، بمثل ذلك.
٢٠٧ - وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ اَلشُّيُوخِ أَنَّ حَكِيمَةَ حَدَّثَتْ بِهَذَا اَلْحَدِيثِ، وَذَكَرَتْ أَنَّهُ كَانَ لَيْلَةَ اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَأَنَّ أُمَّهُ نَرْجِسُ، وَسَاقَتِ اَلْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهَا: فَإِذَا أَنَا بِحِسِّ سَيِّدِي وَبِصَوْتِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) وَهُوَ يَقُولُ: «يَا عَمَّتِي، هَاتِي اِبْنِي إِلَيَّ»، فَكَشَفْتُ عَنْ سَيِّدِي، فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ مُتَلَقِّياً اَلْأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ، وَعَلَى ذِرَاعِهِ اَلْأَيْمَنِ مَكْتُوبٌ: ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾ [الإسراء: ٨١]، فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ، فَوَجَدْتُهُ مَفْرُوغاً مِنْهُ، فَلَفَّفْتُهُ فِي ثَوْبٍ وَحَمَلْتُهُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام).
وَذَكَرُوا اَلْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَلله، وَأَنَّ عَلِيًّا أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ حَقًّا»، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَعُدُّ اَلسَّادَةَ اَلْأَوْصِيَاءَ إِلَى أَنْ بَلَغَ إِلَى نَفْسِهِ، وَدَعَا لِأَوْلِيَائِهِ بِالْفَرَجِ عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ أَحْجَمَ.
وَقَالَتْ: ثُمَّ رُفِعَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) كَالْحِجَابِ، فَلَمْ أَرَ سَيِّدِي، فَقُلْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ: يَا سَيِّدِي، أَيْنَ مَوْلَايَ؟ فَقَالَ: «أَخَذَهُ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْكَ وَمِنَّا».
ثُمَّ ذَكَرُوا اَلْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ، وَزَادُوا فِيهِ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَإِذَا مَوْلَانَا اَلصَّاحِبُ يَمْشِي فِي اَلدَّارِ، فَلَمْ أَرَ وَجْهاً أَحْسَنَ مِنْ وَجْهِهِ، وَلَا لُغَةً أَفْصَحَ مِنْ لُغَتِهِ، فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «هَذَا اَلمَوْلُودُ اَلْكَرِيمُ عَلَى اَلله (عزَّ وجلَّ)»، فَقُلْتُ: سَيِّدِي أَرَى مِنْ أَمْرِهِ مَا أَرَى وَلَهُ أَرْبَعُونَ يَوْماً، فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: «يَا عَمَّتِي، أَمَا عَلِمْتِ أَنَّا مَعَاشِرَ اَلْأَئِمَّةِ نَنْشَأُ فِي اَلْيَوْمِ مَا يَنْشَأُ غَيْرُنَا فِي اَلسَّنَةِ»، فَقُمْتُ فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ وَاِنْصَرَفْتُ، ثُمَّ عُدْتُ وَتَفَقَّدْتُهُ، فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام): مَا فَعَلَ مَوْلَانَا؟ فَقَالَ: «يَا عَمَّةِ، اِسْتَوْدَعْنَاهُ اَلَّذِي اِسْتَوْدَعَتْ أُمُّ مُوسَى»(٨٠٦).
٢٠٨ - أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ زَكَرِيَّا، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ بِلَالِ بْنِ دَاوُدَ اَلْكَاتِبُ، وَكَانَ عَامِّيًّا بِمَحَلٍّ مِنَ اَلنَّصْبِ لِأَهْلِ اَلْبَيْتِ (عليهم السلام)، يُظْهِرُ ذَلِكَ وَلَا يَكْتُمُهُ، وَكَانَ صَدِيقاً لِي يُظْهِرُ مَوَدَّةً بِمَا فِيهِ مِنْ طَبْعِ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ، فَيَقُولُ - كُلَّمَا لَقِيَنِي -: لَكَ عِنْدِي خَبَرٌ تَفْرَحُ بِهِ وَلَا أُخْبِرُكَ بِهِ، فَأَتَغَافَلُ عَنْهُ، إِلَى أَنْ جَمَعَنِي وَإِيَّاهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ، فَاسْتَقْصَيْتُ عَنْهُ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يُخْبِرَنِي بِهِ، فَقَالَ: كَانَتْ دُورُنَا بِسُرَّ مَنْ رَأَى مُقَابِلَ دَارِ اِبْنِ اَلرِّضَا - يَعْنِي أَبَا مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ (عليه السلام) -، فَغِبْتُ عَنْهَا دَهْراً طَوِيلاً إِلَى قَزْوِينَ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ قُضِيَ لِيَ اَلرُّجُوعُ إِلَيْهَا، فَلَمَّا وَافَيْتُهَا وَقَدْ كُنْتُ فَقَدْتُ جَمِيعَ مَنْ خَلَّفْتُهُ مِنْ أَهْلِي وَقَرَابَاتِي إِلَّا عَجُوزاً كَانَتْ رَبَّتْنِي، وَلَهَا بِنْتٌ مَعَهَا، وَكَانَتْ مِنْ طَبْعِ اَلْأَوَّلِ(٨٠٧) مَسْتُورَةً صَائِنَةً لَا تُحْسِنُ اَلْكَذِبَ، وَكَذَلِكَ مَوَالِيَاتٌ لَنَا بَقِينَ فِي اَلدَّارِ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُنَّ أَيَّاماً ثُمَّ عَزَمْتُ اَلْخُرُوجَ، فَقَالَتِ اَلْعَجُوزَةُ: كَيْفَ تَسْتَعْجِلُ اَلاِنْصِرَافَ وَقَدْ غِبْتَ زَمَاناً؟ فَأَقِمْ عِنْدَنَا لِنَفْرَحَ بِمَكَانِكَ، فَقُلْتُ لَهَا عَلَى جِهَةِ اَلْهُزْءِ: أُرِيدُ أَنْ أَصِيرَ إِلَى كَرْبَلَاءَ، وَكَانَ اَلنَّاسُ لِلْخُرُوجِ فِي اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ لِيَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، أُعِيذُكَ بِالله أَنْ تَسْتَهِينَ مَا ذَكَرْتَ أَوْ تَقُولَهُ عَلَى وَجْهِ اَلْهُزْءِ، فَإِنِّي أُحَدِّثُكَ بِمَا رَأَيْتُهُ بعيني بَعْدَ خُرُوجِكَ مِنْ عِنْدِنَا بِسَنَتَيْنِ.
كُنْتُ فِي هَذَا اَلْبَيْتِ نَائِمَةً بِالْقُرْبِ مِنَ اَلدِّهْلِيزِ، وَمَعِي اِبْنَتِي، وَأَنَا بَيْنَ اَلنَّائِمَةِ وَاَلْيَقْظَانَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ حَسَنُ اَلْوَجْهِ نَظِيفُ اَلثِّيَابِ طَيِّبُ اَلرَّائِحَةِ، فَقَالَ: يَا فُلَانَةُ، يَجِيئُكِ اَلسَّاعَةَ مَنْ يَدْعُوكِ فِي اَلْجِيرَانِ، فَلَا تَمْتَنِعِي مِنَ اَلذَّهَابِ مَعَهُ، وَلَا تَخَافِي، فَفَزِعْتُ، فَنَادَيْتُ اِبْنَتِي، وَقُلْتُ لَهَا: هَلْ شَعَرْتِ بِأَحَدٍ دَخَلَ اَلْبَيْتَ؟ فَقَالَتْ: لَا، فَذَكَرْتُ اَللهَ وَقَرَأْتُ وَنِمْتُ، فَجَاءَ اَلرَّجُلُ بِعَيْنِهِ، وَقَالَ لِي مِثْلَ قَوْلِهِ، فَفَزِعْتُ وَصِحْتُ بِابْنَتِي، فَقَالَتْ: لَمْ يَدْخُلِ اَلْبَيْتَ، فَاذْكُرِي اَللهَ وَلَا تَفْزَعِي، فَقَرَأْتُ وَنِمْتُ.
فَلَمَّا كَانَ فِي اَلثَّالِثَةِ جَاءَ اَلرَّجُلُ وَقَالَ: يَا فُلَانَةُ، قَدْ جَاءَكِ مَنْ يَدْعُوكِ وَيَقْرَعُ اَلْبَابَ، فَاذْهَبِي مَعَهُ، وَسَمِعْتُ دَقَّ اَلْبَابِ، فَقُمْتُ وَرَاءَ اَلْبَابِ وَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: اِفْتَحِي وَلَا تَخَافِي، فَعَرَفْتُ كَلَامَهُ وَفَتَحْتُ اَلْبَابَ، فَإِذَا خَادِمٌ مَعَهُ إِزَارٌ، فَقَالَ: يَحْتَاجُ إِلَيْكِ بَعْضُ اَلْجِيرَانِ لِحَاجَةٍ مُهِمَّةٍ، فَادْخُلِي، وَلَفَّ رَأْسِي بِالمُلَاءَةِ وَأَدْخَلَنِي اَلدَّارَ وَأَنَا أَعْرِفُهَا، فَإِذَا بِشِقَاقٍ(٨٠٨) مَشْدُودَةٍ وَسَطَ اَلدَّارِ وَرَجُلٌ قَاعِدٌ بِجَنْبِ اَلشِّقَاقِ، فَرَفَعَ اَلْخَادِمُ طَرَفَهُ، فَدَخَلْتُ وَإِذَا اِمْرَأَةٌ قَدْ أَخَذَهَا اَلطَّلْقُ وَاِمْرَأَةٌ قَاعِدَةٌ خَلْفَهَا كَأَنَّهَا تَقْبَلُهَا.
فَقَالَتِ اَلمَرْأَةُ: تُعينينا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَعَالَجْتُهَا بِمَا يُعَالَجُ بِهِ مِثْلُهَا، فَمَا كَانَ إِلَّا قَلِيلاً حَتَّى سَقَطَ غُلَامٌ، فَأَخَذْتُهُ عَلَى كَفِّي وَصِحْتُ: غُلَامٌ غُلَامٌ، وَأَخْرَجْتُ رَأْسِي مِنْ طَرَفِ اَلشِّقَاقِ أُبَشِّرُ اَلرَّجُلَ اَلْقَاعِدَ، فَقِيلَ لِي: لَا تَصِيحِي، فَلَمَّا رَدَدْتُ وَجْهِي إِلَى اَلْغُلَامِ قَدْ كُنْتُ فَقَدْتُهُ مِنْ كَفِّي، فَقَالَتْ لِيَ اَلمَرْأَةُ اَلْقَاعِدَةُ: لَا تَصِيحِي، وَأَخَذَ اَلْخَادِمُ بِيَدِي وَلَفَّ رَأْسِي بِالمُلَاءَةِ وَأَخْرَجَنِي مِنَ اَلدَّارِ وَرَدَّنِي إِلَى دَارِي وَنَاوَلَنِي صُرَّةً، وَقَالَ: لَا تُخْبِرِي بِمَا رَأَيْتِ أَحَداً.
فَدَخَلْتُ اَلدَّارَ وَرَجَعْتُ إِلَى فِرَاشِي فِي هَذَا اَلْبَيْتِ وَاِبْنَتِي نَائِمَةٌ بَعْدُ، فَأَنْبَهْتُهَا وَسَأَلْتُهَا: هَلْ عَلِمْتِ بِخُرُوجِي وَرُجُوعِي؟ فَقَالَتْ: لَا، وَفَتَحْتُ اَلصُّرَّةَ فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ وَإِذَا فِيهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ عَدَداً، وَمَا أَخْبَرْتُ بِهَذَا أَحَداً إِلَّا فِي هَذَا اَلْوَقْتِ لَـمَّا تَكَلَّمْتَ بِهَذَا اَلْكَلَامِ عَلَى حَدِّ(٨٠٩) اَلْهُزْءِ، فَحَدَّثْتُكَ إِشْفَاقاً عَلَيْكَ، فَإِنَّ لِهَؤُلَاءِ اَلْقَوْمِ عِنْدَ اَلله (عزَّ وجلَّ) شَأْناً وَمَنْزِلَةً، وَكُلُّ مَا يَدَّعُونَهُ حَقٌّ.
قَالَ: فَعَجِبْتُ(٨١٠) مِنْ قَوْلِهَا وَصَرَفْتُهُ إِلَى اَلسُّخْرِيَّةِ وَاَلْهُزْءِ وَلَمْ أَسْأَلْهَا عَنِ اَلْوَقْتِ غَيْرَ أَنِّي أَعْلَمُ يَقِيناً أَنِّي غِبْتُ عَنْهُمْ فِي سَنَةِ نَيِّفٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ وَرَجَعْتُ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى فِي وَقْتٍ أَخْبَرَتْنِي اَلْعَجُوزَةُ بِهَذَا اَلْخَبَرِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ فِي وِزَارَةِ عُبَيْدِ اَلله بْنِ سُلَيْمَانَ(٨١١) لَـمَّا قَصَدْتُهُ.
قَالَ حَنْظَلَةُ: فَدَعَوْتُ بِأَبِي اَلْفَرَجِ اَلمُظَفَّرِ بْنِ أَحْمَدَ حَتَّى سَمِعَ مَعِي [مِنْهُ] هَذَا اَلْخَبَرَ.
٢٠٩ - مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيِّ، قَالَ: اِجْتَمَعْتُ وَاَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدٍ اَلْأَشْعَرِيِّ، فَغَمَزَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ اَلْخَلَفِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَمْرٍو، إِنِّي لَأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ شَيْءٍ وَمَا أَنَا بِشَاكٍّ فِيمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ، فَإِنَّ اِعْتِقَادِي وَدِينِي أَنَّ اَلْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ إِلَّا إِذَا كَانَ قَبْلَ اَلْقِيَامَةِ بِأَرْبَعِينَ يَوْماً (رُفِعَ اَلْحُجَّةَ وَغُلِقَ بَابُ اَلتَّوْبَةِ فلم يكن ينفع)(٨١٢) ﴿نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾ [الأنعام: ١٥٨]، فَأُولَئِكَ شِرَارُ [مَنْ](٨١٣) خَلَقَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ)، وَهُمُ اَلَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِمُ اَلْقِيَامَةُ، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَزْدَادَ يَقِيناً، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ كَيْفَ يُحْيِي اَلمَوْتَى، ﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠].
وَقَدْ أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا اَلْحَسَنِ صَاحِبَ اَلْعَسْكَرِ (عليه السلام)، وَقَالَ: مَنْ أُعَامِلُ، وَعَمَّنْ آخُذُ، وَقَوْلَ مَنْ أَقْبَلُ؟ فَقَالَ [لَهُ]: «اَلْعَمْرِيُّ ثِقَتِي، فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ فَعَنِّي يُؤَدِّي، وَمَا قَالَ لَكَ فَعَنِّي يَقُولُ، فَاسْمَعْ لَهُ وَأَطِعْ، فَإِنَّهُ اَلثِّقَةُ اَلمَأْمُونُ».
وَأَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: «اَلْعَمْرِيُّ وَاِبْنُهُ ثِقَتَانِ، فَمَا أَدَّيَا إِلَيْكَ فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ، وَمَا قَالَا فَعَنِّي يَقُولَانِ، فَاسْمَعْ لَهُمَا وَأَطِعْهُمَا فَإِنَّهُمَا اَلثِّقَتَانِ اَلمَأْمُونَانِ»، فَهَذَا قَوْلُ إِمَامَيْنِ قَدْ مَضَيَا فِيكَ.
[قَالَ]: فَخَرَّ أَبُو عَمْرٍو سَاجِداً وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: سَلْ حَاجَتَكَ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ رَأَيْتَ اَلْخَلَفَ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)؟ فَقَالَ: إِي وَاَلله، وَرَقَبَتُهُ مِثْلُ هَذَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ -، فَقُلْتُ: بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ، فَقَالَ: هَاتِ، قُلْتُ: اَلاِسْمُ، قَالَ: مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا عَنْ ذَلِكَ، وَلَا أَقُولُ هَذَا مِنْ عِنْدِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُحَلِّلَ وَلَا أُحَرِّمَ وَلَكِنْ عَنْهُ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ)، فَإِنَّ اَلْأَمْرَ عِنْدَ اَلسُّلْطَانِ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) مَضَى وَلَمْ يُخَلِّفْ وَلَداً، وَقَسَّمَ مِيرَاثَهُ وَأَخَذَ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ، فَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ ذَا عُمَّالُهُ يَجُولُونَ، فَلَيْسَ أَحَدٌ يَجْسُرُ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَيْهِمْ وَيَسْأَلَهُمْ شَيْئاً، وَإِذَا وَقَعَ اَلاِسْمُ وَقَعَ اَلطَّلَبُ، فَاللهَ اَللهَ، اِتَّقُوا اَللهَ وَأَمْسِكُوا عَنْ ذَلِكَ(٨١٤)،(٨١٥).
٢١٠ - وَرُوِيَ: أَنَّ بَعْضَ أَخَوَاتِ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) كَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ رَبَّتْهَا تُسَمَّى: نَرْجِسَ، فَلَمَّا كَبِرَتْ دَخَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: أَرَاكَ يَا سَيِّدِي تَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَقَالَ: «إِنِّي مَا نَظَرْتُ إِلَيْهَا إِلَّا مُتَعَجِّباً، أَمَا إِنَّ اَلمَوْلُودَ اَلْكَرِيمَ عَلَى اَلله تَعَالَى يَكُونُ مِنْهَا»، ثُمَّ أَمَرَهَا أَنْ تَسْتَأْذِنَ أَبَا اَلْحَسَنِ (عليه السلام) فِي دَفْعِهَا إِلَيْهِ، فَفَعَلَتْ، فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ(٨١٦).
٢١١ - وَرَوَى عَلَّانٌ اَلْكُلَيْنِيُّ(٨١٧)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلنَّيْشَابُورِيِّ اَلدَّقَّاقِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما السلام)، عَنِ اَلسَّيَّارِيِّ(٨١٨)، قَالَ: حَدَّثَنِي نَسِيمٌ وَمَارِيَةُ، قَالَتْ(٨١٩): لَـمَّا خَرَجَ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ سَقَطَ جَاثِياً عَلَى رُكْبَتَيْهِ، رَافِعاً سَبَّابَتَهُ نَحْوَ اَلسَّمَاءِ، ثُمَّ عَطَسَ فَقَالَ: «اَلْحَمْدُ لِله رَبِّ اَلْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اَللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ عَبْداً دَاخِراً لِله غَيْرَ مُسْتَنْكِفٍ وَلَا مُسْتَكْبِرٍ»، ثُمَّ قَالَ: «زَعَمَتِ اَلظَّلَمَةُ أَنَّ حُجَّةَ اَلله دَاحِضَةٌ، وَلَوْ أُذِنَ لَنَا فِي اَلْكَلَامِ لَزَالَ اَلشَّكُّ»(٨٢٠).
٢١٢ - وَرَوَى عَلَّانٌ بِإِسْنَادِهِ: أَنَّ اَلسَّيِّدَ (عليه السلام) وُلِدَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ مِنَ اَلْهِجْرَةِ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي اَلْحَسَنِ بِسَنَتَيْنِ(٨٢١).
٢١٣ - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلشَّلْمَغَانِيُّ فِي كِتَابِ (اَلْأَوْصِيَاءِ)، قَالَ: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ نَصْرٍ غُلَامُ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَـمَّا وُلِدَ اَلسَّيِّدُ (عليه السلام) تَبَاشَرَ أَهْلُ اَلدَّارِ بِذَلِكَ، فَلَمَّا نَشَأَ خَرَجَ إِلَيَّ اَلْأَمْرُ أَنْ أَبْتَاعَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَعَ اَللَّحْمِ قَصَبَ مُخٍّ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا لِمَوْلَانَا اَلصَّغِيرِ (عليه السلام)(٨٢٢).
٢١٤ - وَعَنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي اَلثِّقَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِدْرِيسَ(٨٢٣)، قَالَ: وَجَّهَ إِلَيَّ مَوْلَايَ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) بِكَبْشٍ وَقَالَ: «عُقَّهُ عَنِ اِبْنِي فُلَانٍ، وَكُلْ وَأَطْعِمْ أَهْلَكَ»، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لِي: «اَلمَوْلُودُ اَلَّذِي وُلِدَ لِي مَاتَ»، ثُمَّ وَجَّهَ إِلَيَّ بِكَبْشَيْنِ، وَكَتَبَ: «بِسْمِ اَلله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، عُقَّ هَذَيْنِ اَلْكَبْشَيْنِ عَنْ مَوْلَاكَ، وَكُلْ هَنَّأَكَ اَللهُ وَأَطْعِمْ إِخْوَانَكَ»، فَفَعَلْتُ، وَلَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَا ذَكَرَ لِي شَيْئاً(٨٢٤).
٢١٥ - وَرَوَى عَلَّانٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي ظَرِيفٌ أَبُو نَصْرٍ اَلْخَادِمُ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ - يَعْنِي صَاحِبَ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) -، فَقَالَ لِي: «عَلَيَّ بِالصَّنْدَلِ اَلْأَحْمَرِ»، فَقَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَقَالَ (عليه السلام): «أَتَعْرِفُنِي؟»، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «مَنْ أَنَا؟»، فَقُلْتُ: أَنْتَ سَيِّدِي وَاِبْنُ سَيِّدِي، فَقَالَ: «لَيْسَ عَنْ هَذَا سَأَلْتُكَ»، قَالَ ظَرِيفٌ: فَقُلْتُ: جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكَ، فَسِّرْ لِي، فَقَالَ: «أَنَا خَاتَمُ اَلْأَوْصِيَاءِ، وَبِي يَدْفَعُ اَللهُ اَلْبَلَاءَ عَنْ أَهْلِي وَشِيعَتِي»(٨٢٥).
٢١٦ - جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اَلله(٨٢٦)، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: وَجَّهَ قَوْمٌ مِنَ اَلمُفَوِّضَةِ وَاَلمُقَصِّرَةِ كَامِلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ اَلمَدَنِيَّ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، قَالَ كَامِلٌ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَسْأَلُهُ لَا يَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَ مَعْرِفَتِي وَقَالَ بِمَقَالَتِي، قَالَ: فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) نَظَرْتُ إِلَى ثِيَابٍ بَيَاضٍ نَاعِمَةٍ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ فِي نفْسِي: وَلِيُّ اَلله وَحُجَّتُهُ يَلْبَسُ اَلنَّاعِمَ مِنَ اَلثِّيَابِ وَيَأْمُرُنَا نَحْنُ بِمُوَاسَاةِ اَلْإِخْوَانِ وَيَنْهَانَا عَنْ لُبْسِ مِثْلِهِ، فَقَالَ مُتَبَسِّماً: «يَا كَامِلُ» وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، فَإِذَا مِسْحٌ أَسْوَدُ خَشِنٌ عَلَى جِلْدِهِ، فَقَالَ: «هَذَا لِله، وَهَذَا لَكُمْ»، فَسَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ إِلَى بَابٍ عَلَيْهِ سِتْرٌ مُرْخًى، فَجَاءَتِ اَلرِّيحُ فَكَشَفَتْ طَرَفَهُ، فَإِذَا أَنَا بِفَتًى كَأَنَّهُ فِلْقَةُ قَمَرٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ مِثْلِهَا.
فَقَالَ لِي: «يَا كَامِلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ»، فَاقْشَعْرَرْتُ مِنْ ذَلِكَ وَأُلْهِمْتُ أَنْ قُلْتُ: لَبَّيْكَ، يَا سَيِّدِي، فَقَالَ: «جِئْتَ إِلَى وَلِيِّ اَلله وَحُجَّتِهِ وَبَابِهِ تَسْأَلُهُ: هَلْ يَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَ مَعْرِفَتَكَ وَقَالَ بِمَقَالَتِكَ؟»، فَقُلْتُ: إِي وَاَلله، قَالَ: «إِذَنْ وَاَلله يَقِلُّ دَاخِلُهَا، وَاَلله إِنَّهُ لَيَدْخُلُهَا قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمُ: اَلْحَقِّيَّةُ»، قُلْتُ: يَا سَيِّدِي، وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: «قَوْمٌ مِنْ حُبِّهِمْ لِعَلِيٍّ يَحْلِفُونَ بِحَقِّهِ وَلَا يَدْرُونَ مَا حَقُّهُ وَفَضْلُهُ».
ثُمَّ سَكَتَ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ) عَنِّي سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «وَجِئْتَ تَسْأَلُهُ عَنْ مَقَالَةِ اَلمُفَوِّضَةِ، كَذَبُوا بَلْ قُلُوبُنَا أَوْعِيَةٌ لِمَشِيَّةِ اَلله، فَإِذَا شَاءَ شِئْنَا، وَاَللهُ يَقُولُ: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾ [الإنسان: ٣٠]»، ثُمَّ رَجَعَ اَلسِّتْرُ إِلَى حَالَتِهِ، فَلَمْ أَسْتَطِعْ كَشْفَهُ، فَنَظَرَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) مُتَبَسِّماً، فَقَالَ: «يَا كَامِلُ، مَا جُلُوسُكَ وَقَدْ أَنْبَأَكَ بِحَاجَتِكَ اَلْحُجَّةُ مِنْ بَعْدِي؟»، فَقُمْتُ وَخَرَجْتُ وَلَمْ أُعَايِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَلَقِيتُ كَامِلاً، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا اَلْحَدِيثِ، فَحَدَّثَنِي بِهِ.
وروى هذا الخبر أحمد بن عليٍّ الرازي، عن محمّد بن عليٍّ، عن عليِّ بن عبد الله بن عائذ الرازي، عن الحسن بن وجناء النصيبي(٨٢٧)، قال: سمعت أبا نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري، وذكر مثله(٨٢٨).
٢١٧ - مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ اَلنَّضْرِ(٨٢٩)، عَنِ اَلْقَنْبَرِيِّ - مِنْ وُلْدِ قَنْبَرٍ اَلْكَبِيرِ - مَوْلَى أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام)، قَالَ: جَرَى حَدِيثُ جَعْفَرٍ، فَشَتَمَهُ، فَقُلْتُ: فَلَيْسَ غَيْرُهُ، فَهَلْ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: لَمْ أَرَهُ، وَلَكِنْ رَآهُ غَيْرِي، قُلْتُ: وَمَنْ رَآهُ؟ قَالَ: رَآهُ جَعْفَرٌ مَرَّتَيْنِ، وَلَهُ حَدِيثٌ(٨٣٠)،(٨٣١).
٢١٨ - وَحَدَّثَ عَنْ رَشِيقٍ صَاحِبِ اَلمَادَرَايِ(٨٣٢)، قَالَ: بَعَثَ إِلَيْنَا اَلمُعْتَضِدُ(٨٣٣) وَنَحْنُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، فَأَمَرَنَا أَنْ يَرْكَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا فَرَساً وَنَجْنُبَ(٨٣٤) آخَرَ وَنَخْرُجَ مُخِفِّينَ(٨٣٥) لَا يَكُونُ مَعَنَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إِلَّا عَلَى اَلسَّرْجِ مُصَلًّى(٨٣٦)، وَقَالَ لَنَا: اِلْحَقُوا بِسَامِرَّةَ، وَوَصَفَ لَنَا مَحَلَّةً وَدَاراً، وَقَالَ: إِذَا أَتَيْتُمُوهَا تَجِدُونَ عَلَى اَلْبَابِ خَادِماً أَسْوَدَ، فَاكْبِسُوا(٨٣٧) اَلدَّارَ، وَمَنْ رَأَيْتُمْ فِيهَا فَأْتُونِي بِرَأْسِهِ.
فَوَافَيْنَا سَامِرَّةَ، فَوَجَدْنَا اَلْأَمْرَ كَمَا وَصَفَهُ، وَفِي اَلدِّهْلِيزِ خَادِمٌ أَسْوَدُ وَفِي يَدِهِ تِكَّةٌ يَنْسِجُهَا، فَسَأَلْنَاهُ عَنِ اَلدَّارِ وَمَنْ فِيهَا، فَقَالَ: صَاحِبُهَا، فَوَاَلله مَا اِلْتَفَتَ إِلَيْنَا وَقَلَّ اِكْتِرَاثُهُ بِنَا، فَكَبَسْنَا اَلدَّارَ كَمَا أَمَرَنَا، فَوَجَدْنَا دَاراً سَرِيَّةً، وَمُقَابِلُ اَلدَّارِ سِتْرٌ مَا نَظَرْتُ قَطُّ إِلَى أَنْبَلَ(٨٣٨) مِنْهُ، كَأَنَّ اَلْأَيْدِيَ رُفِعَتْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي اَلدَّارِ أَحَدٌ.
فَرَفَعْنَا اَلسِّتْرَ، فَإِذَا بَيْتٌ كَبِيرٌ كَأَنَّ بَحْراً فِيهِ مَاءٌ، وَفِي أَقْصَى اَلْبَيْتِ حَصِيرٌ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَلَى اَلمَاءِ، وَفَوْقَهُ رَجُلٌ مِنْ أَحْسَنِ اَلنَّاسِ هَيْأَةً قَائِمٌ يُصَلِّي، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْنَا وَلَا إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَسْبَابِنَا، فَسَبَقَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اَلله لِيَتَخَطَّى اَلْبَيْتَ، فَغَرِقَ فِي اَلمَاءِ، وَمَا زَالَ يَضْطَرِبُ حَتَّى مَدَدْتُ يَدِي إِلَيْهِ فَخَلَّصْتُهُ وَأَخْرَجْتُهُ وَغُشِيَ عَلَيْهِ وَبَقِيَ سَاعَةً، وَعَادَ صَاحِبِيَ اَلثَّانِي إِلَى فِعْلِ ذَلِكَ اَلْفِعْلِ، فَنَالَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَبَقِيتُ مَبْهُوتاً، فَقُلْتُ لِصَاحِبِ اَلْبَيْتِ: اَلمَعْذِرَةُ إِلَى اَلله وَإِلَيْكَ، فَوَاَلله مَا عَلِمْتُ كَيْفَ اَلْخَبَرُ، وَلَا إِلَى مَنْ أَجِيءُ، وَأَنَا تَائِبٌ إِلَى اَلله، فَمَا اِلْتَفَتَ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا قُلْنَا، وَمَا اِنْفَتَلَ عَمَّا كَانَ فِيهِ، فَهَالَنَا ذَلِكَ، وَاِنْصَرَفْنَا عَنْهُ، وَقَدْ كَانَ اَلمُعْتَضِدُ يَنْتَظِرُنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ إِلَى اَلْحُجَّابِ إِذَا وَافَيْنَاهُ أَنْ نَدْخُلَ عَلَيْهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ، فَوَافَيْنَاهُ فِي بَعْضِ اَللَّيْلِ، فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ، فَسَأَلَنَا عَنِ اَلْخَبَرِ، فَحَكَيْنَا لَهُ مَا رَأَيْنَا، فَقَالَ: وَيْحَكُمْ لَقِيَكُمْ أَحَدٌ قَبْلِي، وَجَرَى مِنْكُمْ إِلَى أَحَدٍ سَبَبٌ أَوْ قَوْلٌ؟ قُلْنَا: لَا، فَقَالَ: أَنَا نَفِيٌّ(٨٣٩) مِنْ جَدِّي، وَحَلَفَ بِأَشَدِّ أَيْمَانٍ لَهُ أَنَّهُ رَجُلٌ إِنْ بَلَغَهُ هَذَا اَلْخَبَرُ لَيَضْرِبَنَّ أَعْنَاقَنَا، فَمَا جَسَرْنَا أَنْ نُحَدِّثَ بِهِ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ(٨٤٠).
٢١٩ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْفَرَجِ اَلمُؤَذِّنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَسَنٍ اَلْكَرْخِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هَارُونَ - رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِنَا - يَقُولُ: رَأَيْتُ صَاحِبَ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) وَوَجْهُهُ يُضِيءُ كَأَنَّهُ اَلْقَمَرُ لَيْلَةَ اَلْبَدْرِ، وَرَأَيْتُ عَلَى سُرَّتِهِ شَعْراً يَجْرِي كَالْخَطِّ، وَكَشَفْتُ اَلثَّوْبَ عَنْهُ فَوَجَدْتُهُ مَخْتُوناً، فَسَأَلْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «هَكَذَا وُلِدَ، وَهَكَذَا وُلِدْنَا، وَلَكِنَّا سَنُمِرُّ اَلمُوسَى عَلَيْهِ لِإِصَابَةِ اَلسُّنَّةِ»(٨٤١).
٢٢٠ - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي اَلمُفَضَّلِ اَلشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ نَصْرِ بْنِ عِصَامِ بْنِ اَلمُغِيرَةِ اَلْفِهْرِيِّ اَلمَعْرُوفِ بِقَرْقَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ اَلمَرَاغِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) عَنْ صَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ، أَي إِنَّهُ حَيٌّ غَلِيظُ اَلرَّقَبَةِ.
٢٢١ - أَخْبَرَنِي اِبْنُ أَبِي جِيدٍ اَلْقُمِّيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْوَلِيدِ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام)، عَنْ أَبِي اَلْفَضْلِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ اَلْحَسَنِ(٨٤٢) بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، قَالَ: وَرَدْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) بِسُرَّ مَنْ رَأَى، فَهَنَّأْتُهُ بِوِلَادَةِ اِبْنِهِ (عليه السلام)(٨٤٣).
٢٢٢ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ اَلمُتَوَكِّلِ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ (رضي الله عنه)، فَقُلْتُ لَهُ: رَأَيْتَ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَآخِرُ عَهْدِي بِهِ عِنْدَ بَيْتِ اَلله اَلْحَرَامِ وَهُوَ يَقُولُ: «اَللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي».
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ (رَضِيَ اَلله عَنْهُ وَأَرْضَاهُ): وَرَأَيْتُهُ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقاً بِأَسْتَارِ اَلْكَعْبَةِ فِي اَلمُسْتَجَارِ وَهُوَ يَقُولُ: «اَللَّهُمَّ اِنْتَقِمْ لِي مِنْ أَعْدَائِكَ»(٨٤٤).

* * *
[الفصل الثالث]: [الأخبار المتضمِّنة لمن رآه (عليه السلام) وهو لا يعرفه أو عرفه فيما بعد]

فصل:
وأمَّا ما روي من الأخبار المتضمِّنة لمن رآه (عليه السلام) وهو لا يعرفه أو عرفه فيما بعد، فأكثر من أنْ تُحصى غير أنَّا نذكر طرفاً منها:
٢٢٣ - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْنِ مُوسَى اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ وَرَدَ اَلرَّيَّ عَلَى أَبِي اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيِّ، فَرَوَى لَهُ حَدِيثَيْنِ فِي صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) وَسَمِعْتُهُمَا مِنْهُ كَمَا سَمِعَ، وَأَظُنُّ ذَلِكَ قَبْلَ سَنَةِ ثَلَاثِمِائَةٍ أَوْ قَرِيباً مِنْهَا، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ اَلْفَدَكِيُّ، قَالَ: قَالَ اَلْأَوْدِيُّ(٨٤٥): بَيْنَا أَنَا فِي اَلطَّوَافِ قَدْ طُفْتُ سِتَّةً وَأُرِيدُ أَنْ أَطُوفَ اَلسَّابِعَةَ فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ عَنْ يَمِينِ اَلْكَعْبَةِ وَشَابٌّ حَسَنُ اَلْوَجْهِ، طَيِّبُ اَلرَّائِحَةِ، هَيُوبٌ، وَمَعَ هَيْبَتِهِ مُتَقَرِّبٌ إِلَى اَلنَّاسِ، فَتَكَلَّمَ فَلَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْ كَلَامِهِ، وَلَا أَعْذَبَ مِن مَنْطِقِهِ فِي حُسْنِ جُلُوسِهِ، فَذَهَبْتُ أُكَلِّمُهُ، فَزَبَرَنِي اَلنَّاسُ، فَسَأَلْتُ بَعْضَهُمْ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: اِبْنُ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَظْهَرُ لِلنَّاسِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْماً لِخَوَاصِّهِ فَيُحَدِّثُهُمْ وَيُحَدِّثُونَهُ، فَقُلْتُ: مُسْتَرْشِدٌ أَتَاكَ، فَأَرْشِدْنِي هَدَاكَ اَللهُ، قَالَ: فَنَاوَلَنِي حَصَاةً، فَحَوَّلْتُ وَجْهِي، فَقَالَ لِي بَعْضُ جُلَسَائِهِ: مَا اَلَّذِي دَفَعَ إِلَيْكَ اِبْنُ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ فَقُلْتُ: حَصَاةً، فَكَشَفْتُ عَنْ يَدِي، فَإِذَا أَنَا بِسَبِيكَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، [فَذَهَبْتُ](٨٤٦) وَإِذَا أَنَا بِهِ قَدْ لَحِقَنِي، فَقَالَ: «ثَبَتَتْ عَلَيْكَ اَلْحُجَّةُ، وَظَهَرَ لَكَ اَلْحَقُّ، وَذَهَبَ عَنْكَ اَلْعَمَى، أَتَعْرِفُنِي؟»، فَقُلْتُ: اَللَّهُمَّ لَا، فَقَالَ: «أَنَا اَلمَهْدِيُّ، أَنَا قَائِمُ اَلزَّمَانِ، أَنَا اَلَّذِي أَمْلَأُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، إِنَّ اَلْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ، وَلَا يَبْقَى اَلنَّاسُ فِي فَتْرَةٍ أَكْثَرَ مِنْ تِيهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ ظَهَرَ أَيَّامُ خُرُوجِي، فَهَذِهِ أَمَانَةٌ فِي رَقَبَتِكَ فَحَدِّثْ بِهَا إِخْوَانَكَ مِنْ أَهْلِ اَلْحَقِّ»(٨٤٧).
٢٢٤ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ خَلَفٍ، قَالَ: نَزَلْنَا مَسْجِداً فِي اَلمَنْزِلِ اَلمَعْرُوفِ بِالْعَبَّاسِيَّةِ - عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ فُسْطَاطِ مِصْرَ -، وَتَفَرَّقَ غِلْمَانِي فِي اَلنُّزُولِ، وَبَقِيَ مَعِي فِي اَلمَسْجِدِ غُلَامٌ أَعْجَمِيٌّ، فَرَأَيْتُ فِي زَاوِيَتِهِ شَيْخاً كَثِيرَ اَلتَّسْبِيحِ، فَلَمَّا زَالَتِ اَلشَّمْسُ رَكَعْتُ وَسَجَدْتُ وَصَلَّيْتُ اَلظُّهْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَدَعَوْتُ بِالطَّعَامِ، وَسَأَلْتُ اَلشَّيْخَ أَنْ يَأْكُلَ مَعِي، فَأَجَابَنِي.
فَلَمَّا طَعِمْنَا سَأَلْتُ عَنِ اِسْمِهِ وَاِسْمِ أَبِيهِ، وَعَنْ بَلَدِهِ وَحِرْفَتِهِ وَمَقْصَدِهِ، فَذَكَرَ أَنَّ اِسْمَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ قُمَّ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَسِيحُ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً فِي طَلَبِ اَلْحَقِّ وَيَتَنَقَّلُ فِي اَلْبُلْدَانِ وَاَلسَّوَاحِلِ، وَأَنَّهُ أَوْطَنَ مَكَّةَ وَاَلمَدِينَةَ نَحْوَ عِشْرِينَ سَنَةً يَبْحَثُ عَنِ اَلْأَخْبَارِ وَيَتَّبِعُ اَلْآثَارَ.
فَلَمَّا كَانَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ طَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ صَارَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)، فَرَكَعَ فِيهِ، وَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ، فَأَنْبَهَهُ صَوْتُ دُعَاءٍ لَمْ يَجْرِ فِي سَمْعِهِ مِثْلُهُ، قَالَ: فَتَأَمَّلْتُ اَلدَّاعِيَ، فَإِذَا هُوَ شَابٌّ أَسْمَرُ لَمْ أَرَ قَطُّ فِي حُسْنِ صُورَتِهِ وَاِعْتِدَالِ قَامَتِهِ، ثُمَّ صَلَّى فَخَرَجَ وَسَعَى، فَاتَّبَعْتُهُ، وَأَوْقَعَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) فِي نَفْسِي أَنَّهُ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ (عليه السلام).
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ قَصَدَ بَعْضَ اَلشِّعَابِ، فَقَصَدْتُ أَثَرَهُ، فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنْهُ إِذْ أَنَا بِأَسْوَدَ(٨٤٨) مِثْلِ اَلْفَنِيقِ(٨٤٩) قَدِ اِعْتَرَضَنِي، فَصَاحَ بِي بِصَوْتٍ لَمْ أَسْمَعْ أَهْوَلَ مِنْهُ: مَا تُرِيدُ، عَافَاكَ اَللهُ؟ فَأُرْعِدْتُ وَوَقَفْتُ، وَزَالَ اَلشَّخْصُ عَنْ بَصَرِي وَبَقِيتُ مُتَحَيِّراً.
فَلَمَّا طَالَ بِيَ اَلْوُقُوفُ وَاَلْحَيْرُةُ اِنْصَرَفْتُ أَلُومُ نَفْسِي وَأَعْذِلُهَا بِانْصِرَافِي بِزَجْرَةِ اَلْأَسْوَدِ، فَخَلَوْتُ بِرَبِّي (عزَّ وجلَّ) أَدْعُوهُ وَأَسْأَلُهُ بِحَقِّ رَسُولِهِ وَآلِهِ (عليهم السلام) أَنْ لَا يُخَيِّبَ سَعْيِي، وَأَنْ يُظْهِرَ لِي مَا يَثْبُتُ بِهِ قَلْبِي وَيَزِيدُ فِي بَصَرِي.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سِنِينَ زُرْتُ قَبْرَ اَلمُصْطَفَى (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَبَيْنَا أَنَا أُصَلِّي فِي اَلرَّوْضَةِ اَلَّتِي بَيْنَ اَلْقَبْرِ وَاَلْمِنْبَرِ إِذْ غَلَبَتْنِي عَيْنِي، فَإِذَا مُحَرِّكٌ يُحَرِّكُنِي، فَاسْتَيْقَظْتُ، فَإِذَا أَنَا بِالْأَسْوَدِ، فَقَالَ: مَا خَبَرُكَ؟ وَكَيْفَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ: اَلْحَمْدُ لِله(٨٥٠)، وَأَذُمُّكَ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي أُمِرْتُ بِمَا خَاطَبْتُكَ بِهِ، وَقَدْ أَدْرَكْتَ خَيْراً كَثِيراً، فَطِبْ نَفْساً وَاِزْدَدْ مِنَ اَلشُّكْرِ لِله (عزَّ وجلَّ) مَا أَدْرَكْتَ وَعَايَنْتَ، مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ وَسَمَّى بَعْضَ إِخْوَانِيَ اَلمُسْتَبْصِرِينَ، فَقُلْتُ: بِبُرْقَةَ، فَقَالَ: صَدَقْتَ، فَفُلَانٌ، وَسَمَّى رَفِيقاً لِي مُجْتَهِداً فِي اَلْعِبَادَةِ، مُسْتَبْصِراً فِي اَلدِّيَانَةِ، فَقُلْتُ: بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، حَتَّى سَمَّى لِي عِدَّةً مِنْ إِخْوَانِي.
ثُمَّ ذَكَرَ اِسْماً غَرِيباً، فَقَالَ: مَا فَعَلَ نُقْفُورُ؟ قُلْتُ: لَا أَعْرِفُهُ، فَقَالَ: كَيْفَ تَعْرِفُهُ وَهُوَ رُومِيٌّ يَهْدِيهِ اَللهُ فَيَخْرُجُ نَاصِراً مِنْ قُسْطَنْطِينِيَّةَ؟ ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ رَجُلٍ آخَرَ، فَقُلْتُ: لَا أَعْرِفُهُ، فَقَالَ هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هِيتَ مِنْ أَنْصَارِ مَوْلَايَ (عليه السلام)، اِمْضِ إِلَى أَصْحَابِكَ، فَقُلْ لَهُمْ: نَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أَذِنَ اَللهُ فِي اَلاِنْتِصَارِ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ وَفِي اَلاِنْتِقَامِ مِنَ اَلظَّالِمِينَ، وَلَقَدْ لَقِيتُ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِي وَأَدَّيْتُ إِلَيْهِمْ وَأَبْلَغْتُهُمْ مَا حُمِّلْتُ وَأَنَا مُنْصَرِفٌ وَأُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَتَلَبَّسَ بِمَا يَثْقُلُ بِهِ ظَهْرُكَ وَيَتْعَبُ بِهِ جِسْمُكَ، وَأَنْ تَحْبِسَ نَفْسَكَ عَلَى طَاعَةِ رَبِّكَ، فَإِنَّ اَلْأَمْرَ قَرِيبٌ إِنْ شَاءَ اَللهُ تَعَالَى.
فَأَمَرْتُ خَازِنِي، فَأَحْضَرَ لِي خَمْسِينَ دِينَاراً، وَسَأَلْتُهُ قَبُولَهَا، فَقَالَ: يَا أَخِي، قَدْ حَرَّمَ اَللهُ عَلَيَّ أَنْ آخُذَ مِنْكَ مَا أَنَا مُسْتَغْنٍ عَنْهُ كَمَا أَحَلَّ لِي أَنْ آخُذَ مِنْكَ اَلشَّيْءَ إِذَا اِحْتَجْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ سَمِعَ هَذَا اَلْكَلَامَ مِنْكَ أَحَدٌ غَيْرِي مِنْ أَصْحَابِ اَلسُّلْطَانِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، (أَخُوكَ)(٨٥١) أَحْمَدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلْهَمَدَانِيُّ اَلمَدْفُوعُ عَنْ نِعْمَتِهِ بِآذَرْبِيجَانَ، وَقَدِ اِسْتَأْذَنَ لِلْحَجِّ تَأْمِيلاً أَنْ يَلْقَى مَنْ لَقِيتَ، فَحَجَّ أَحْمَدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلْهَمَدَانِيُّ (رحمه الله) فِي تِلْكَ اَلسَّنَةِ، فَقَتَلَهُ ذِكْرَوَيْهِ بْنُ مَهْرَوَيْهِ، وَاِفْتَرَقْنَا وَاِنْصَرَفْتُ إِلَى اَلثَّغْرِ.
ثُمَّ حَجَجْتُ، فَلَقِيتُ بِالمَدِينَةِ رَجُلاً اِسْمُهُ طَاهِرٌ(٨٥٢) مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ اَلْأَصْغَرِ(٨٥٣)، يُقَالُ: إِنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ هَذَا اَلْأَمْرِ شَيْئاً، فَثَابَرْتُ عَلَيْهِ حَتَّى أَنِسَ بِي، وَسَكَنَ لِي(٨٥٤)، وَوَقَفَ عَلَى صِحَّةِ عَقِيدَتِي، فَقُلْتُ لَهُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَلله، بِحَقِّ آبَائِكَ اَلطَّاهِرِينَ (عليهم السلام) لَـمَّا جَعَلْتَنِي مِثْلَكَ فِي اَلْعِلْمِ بِهَذَا اَلْأَمْرِ، فَقَدْ شَهِدَ(٨٥٥) عِنْدِي مَنْ تُوَثِّقُهُ بِقَصْدِ اَلْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ وَهْبٍ(٨٥٦) إِيَّايَ لِمَذْهَبِي وَاِعْتِقَادِي، وَأَنَّهُ أَغْرَى بِدَمِي مِرَاراً، فَسَلَّمَنِيَ اَللهُ مِنْهُ.
فَقَالَ: يَا أَخِي، اُكْتُمْ مَا تَسْمَعُ مِنِّي اَلْخَبَرَ فِي هَذِهِ اَلْجِبَالِ، وَإِنَّمَا يَرَى اَلْعَجَائِبَ اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ اَلزَّادَ فِي اَللَّيْلِ وَيَقْصِدُونَ بِهِ مَوَاضِعَ يَعْرِفُونَهَا، وَقَدْ نُهِينَا عَنِ اَلْفَحْصِ وَاَلتَّفْتِيشِ، فَوَدَّعْتُهُ وَاِنْصَرَفْتُ عَنْهُ.
٢٢٥ - وَأَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُبْدُونٍ اَلمَعْرُوفُ بِابْنِ اَلْحَاشِرِ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلشُّجَاعِيِّ اَلْكَاتِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ اَلنُّعْمَانِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَحْمَدَ (مُحَمَّدٍ خ ل)(٨٥٧) اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: حَجَجْتُ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَجَاوَرْتُ بِمَكَّةَ تِلْكَ اَلسَّنَةَ وَمَا بَعْدَهَا إِلَى سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ عَنْهَا مُنْصَرِفاً إِلَى اَلشَّامِ، فَبَيْنَا أَنَا فِي بَعْضِ اَلطَّرِيقِ وَقَدْ فَاتَتْنِي صَلَاةُ اَلْفَجْرِ، فَنَزَلْتُ مِنَ اَلمَحْمِلِ وَتَهَيَّأْتُ لِلصَّلَاةِ، فَرَأَيْتُ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ فِي مَحْمِلٍ، فَوَقَفْتُ أَعْجَبَ مِنْهُمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: مِمَّ تَعْجَبُ؟ تَرَكْتَ صَلَاتَكَ، وَخَالَفْتَ مَذْهَبَكَ.
فَقُلْتُ لِلَّذِي يُخَاطِبُنِي: وَمَا عِلْمُكَ بِمَذْهَبِي؟ فَقَالَ: تُحِبُّ أَنْ تَرَى صَاحِبَ زَمَانِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَوْمَأَ إِلَى أَحَدِ اَلْأَرْبَعَةِ، فَقُلْتُ (لَهُ): إِنَّ لَهُ دَلَائِلَ وَعَلَامَاتٍ، فَقَالَ: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَنْ تَرَى اَلْجَمَلَ وَمَا عَلَيْهِ صَاعِداً إِلَى اَلسَّمَاءِ، أَوْ تَرَى اَلمَحْمِلَ صَاعِداً إِلَى اَلسَّمَاءِ؟ فَقُلْتُ: أَيُّهُمَا كَانَ فَهِيَ دَلَالَةٌ، فَرَأَيْتُ اَلْجَمَلَ وَمَا عَلَيْهِ يَرْتَفِعُ إِلَى اَلسَّمَاءِ، وَكَأَنَّ اَلرَّجُلَ أَوْمَأَ إِلَى رَجُلٍ بِهِ سُمْرَةٌ، وَكَانَ لَوْنُهُ اَلذَّهَبَ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ سَجَّادَةٌ(٨٥٨).
٢٢٦ - أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ(٨٥٩)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ اَلْأَنْصَارِيِّ(٨٦٠) اَلْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْهَاشِمِيِّ مِنْ وُلْدِ اَلْعَبَّاسِ، قَالَ: حَضَرْتُ دَارَ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) بِسُرَّ مَنْ رَأَى يَوْمَ تُوُفِّيَ، وَأُخْرِجَتْ جَنَازَتُهُ وَوُضِعَتْ، وَنَحْنُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلاً قُعُودٌ نَنْتَظِرُ، حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا(٨٦١) غُلَامٌ عُشَارِيٌّ حَافٍ عَلَيْهِ رِدَاءٌ قَدْ تَقَنَّعَ بِهِ، فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ قُمْنَا هَيْبَةً لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَعْرِفَهُ، فَتَقَدَّمَ وَقَامَ اَلنَّاسُ فَاصْطَفُّوا خَلْفَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَمَشَى، فَدَخَلَ بَيْتاً غَيْرَ اَلَّذِي خَرَجَ مِنْهُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله اَلْهَمَدَانِيُّ: فَلَقِيتُ بِالمَرَاغَةِ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ تَبْرِيزَ يُعْرَفُ بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلتَّبْرِيزِيِّ، فَحَدَّثَنِي بِمِثْلِ حَدِيثِ اَلْهَاشِمِيِّ لَمْ يُخْرَمْ مِنْهُ شَيْءٌ، قَالَ: فَسَأَلْتُ اَلْهَمَدَانِيَّ، فَقُلْتُ: غُلَامٌ عُشَارِيُّ اَلْقَدِّ أَوْ عُشَارِيُّ اَلسِّنِّ؟ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ اَلْوِلَادَةَ كَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَتْ غَيْبَةُ(٨٦٢) أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) سَنَةَ سِتّين وَمِائَتَيْنِ بَعْدَ اَلْوِلَادَةِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ. فَقَالَ: لَا أَدْرِي، هَكَذَا سَمِعْتُ، فَقَالَ لِي شَيْخٌ مَعَهُ حَسَنُ اَلْفَهْمِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لَهُ رِوَايَةٌ وَعِلْمٌ: عُشَارِيُّ اَلْقَدِّ(٨٦٣).
٢٢٧ - عَنْهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَائِذٍ اَلرَّازِيِّ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ وَجْنَاءَ اَلنَّصِيبِيِّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كُنْتُ حَاضِراً عِنْدَ اَلمُسْتَجَارِ بِمَكَّةَ وَجَمَاعَةٌ زُهَاءَ ثَلَاثِينَ رَجُلاً لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مُخْلِصٌ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْعَلَوِيِّ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ فِي اَلْيَوْمِ اَلسَّادِسِ مِنْ ذِي اَلْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا شَابٌّ مِنَ اَلطَّوَافِ عَلَيْهِ إِزَارَانِ تاختج(٨٦٤) مُحْرِمٌ بِهِمَا، وَفِي يَدِهِ نَعْلَانِ.
فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ قُمْنَا جَمِيعاً هَيْبَةً لَهُ، وَلَمْ يَبْقَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا قَامَ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَجَلَسَ مُتَوَسِّطاً وَنَحْنُ حَوْلَهُ، ثُمَّ اِلْتَفَتَ يَمِيناً وَشِمَالاً، ثُمَّ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا كَانَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ فِي دُعَاءِ اَلْإِلْحَاحِ؟»، قُلْنَا: وَمَا كَانَ يَقُولُ؟، قَالَ: «كَانَ يَقُولُ: اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ اَلَّذِي بِهِ تَقُومُ اَلسَّمَاءُ، وَبِهِ تَقُومُ اَلْأَرْضُ، وَبِهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ اَلْحَقِّ وَاَلْبَاطِلِ، وَبِهِ تَجْمَعُ بَيْنَ اَلمُتَفَرِّقِ، وَبِهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ اَلمُجْتَمِعِ، وَبِهِ أَحْصَيْتَ عَدَدَ اَلرِّمَالِ، وَزِنَةَ اَلْجِبَالِ، وَكَيْلَ اَلْبِحَارِ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَجْعَلَ لِي مِنْ أَمْرِي فَرَجاً».
ثُمَّ نَهَضَ وَدَخَلَ اَلطَّوَافَ، فَقُمْنَا لِقِيَامِهِ حَتَّى اِنْصَرَفَ، وَأُنْسِينَا أَنْ نَذْكُرَ أَمْرَهُ، وَأَنْ نَقُولَ: مَنْ هُوَ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ هُوَ؟ إِلَى اَلْغَدِ فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا مِنَ اَلطَّوَافِ، فَقُمْنَا لَهُ كَقِيَامِنَا بِالْأَمْسِ، وَجَلَسَ فِي مَجْلِسِهِ مُتَوَسِّطاً، فَنَظَرَ يَمِيناً وَشِمَالاً، وَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا كَانَ يَقُولُ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) بَعْدَ صَلَاةِ اَلْفَرِيضَةِ؟»، فَقُلْنَا: وَمَا كَانَ يَقُولُ؟ قَالَ: «كَانَ يَقُولُ: إِلَيْكَ رُفِعَتِ اَلْأَصْوَاتُ، [وَدُعِيَتِ اَلدَّعَوَاتُ، وَلَكَ](٨٦٥) عَنَتِ اَلْوُجُوهُ، وَلَكَ وُضِعَتِ(٨٦٦) اَلرِّقَابُ، وَإِلَيْكَ اَلتَّحَاكُمُ فِي اَلْأَعْمَالِ، يَا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ، وَيَا خَيْرَ مَنْ أَعْطَى، يَا صَادِقُ يَا بَارِئُ، يَا مَنْ لَا يُخْلِفُ اَلْمِيعَادَ ، يَا مَنْ أَمَرَ بِالدُّعَاءِ وَوَعَدَ بِالْإِجَابَةِ، يَا مَنْ قَالَ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠]، يَا مَنْ قَالَ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: ١٨٦]، وَيَا مَنْ قَالَ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: ٥٣]، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، هَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ اَلمُسْرِفُ، وَأَنْتَ اَلْقَائِلُ: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾ [الزمر: ٥٣]»، ثُمَّ نَظَرَ يَمِيناً وَشِمَالاً بَعْدَ هَذَا اَلدُّعَاءِ، فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا كَانَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَقُولُ فِي سَجْدَةِ اَلشُّكْرِ؟»، فَقُلْنَا: وَمَا كَانَ يَقُولُ؟ قَالَ: «كَانَ يَقُولُ: يَا مَنْ لَا يَزِيدُهُ كَثْرَةُ اَلدُّعَاءِ إِلَّا سَعَةً وَعَطَاءً، يَا مَنْ لَا تَنْفَدُ خَزَائِنُهُ، يَا مَنْ لَهُ خَزَائِنُ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ، يَا مَنْ لَهُ خَزَائِنُ مَا دَقَّ وَجَلَّ، لَا تَمْنَعُكَ(٨٦٧) إِسَاءَتِي مِنْ إِحْسَانِكَ، أَنْتَ تَفْعَلُ بِيَ اَلَّذِي أَنْتَ أَهْلُهُ، (فَإِنَّكَ) أَنْتَ أَهْلُ اَلْكَرَمِ وَاَلْجُودِ، وَاَلْعَفْوِ وَاَلتَّجَاوُزِ، يَا رَبِّ يَا اَللهُ، لَا تَفْعَلْ بِيَ اَلَّذِي أَنَا أَهْلُهُ، فَإِنِّي أَهْلُ اَلْعُقُوبَةِ وَقَدِ اِسْتَحْقَقْتُهَا، لَا حُجَّةَ لِي وَلَا عُذْرَ لِي عِنْدَكَ، أَبُوءُ لَكَ بِذُنُوبِي كُلِّهَا، وَأَعْتَرِفُ بِهَا كَيْ تَعْفُوَ عَنِّي، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهَا مِنِّي، أَبُوءُ لَكَ بِكُلِّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتُهُ، وَكُلِّ خَطِيئَةٍ اِحْتَمَلْتُهَا، وَكُلِّ سَيِّئَةٍ عَمِلْتُهَا، رَبِّ اِغْفِرْ وَاِرْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ اَلْأَعَزُّ اَلْأَكْرَمُ».
وَقَامَ وَدَخَلَ اَلطَّوَافَ، فَقُمْنَا لِقِيَامِهِ، وَعَادَ مِنَ اَلْغَدِ فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ، فَقُمْنَا لِإِقْبَالِهِ كَفِعْلِنَا فِيمَا مَضَى، فَجَلَسَ مُتَوَسِّطاً وَنَظَرَ يَمِيناً وَشِمَالاً، فَقَالَ: «كَانَ عَلِيُّ اِبْنُ اَلْحُسَيْنِ سَيِّدُ اَلْعَابِدِينَ (عليه السلام) يَقُولُ فِي سُجُودِهِ فِي هَذَا اَلمَوْضِعِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى اَلْحِجْرِ تَحْتَ اَلْمِيزَابِ -: عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ، فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ، سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ، يَسْأَلُكَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُكَ»، ثُمَّ نَظَرَ يَمِيناً وَشِمَالاً، وَنَظَرَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ اَلْقَاسِمِ مِنْ بَيْنِنَا، فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدَ بْنَ اَلْقَاسِمِ، أَنْتَ عَلَى خَيْرٍ إِنْ شَاءَ اَللهُ تَعَالَى»، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْقَاسِمِ يَقُولُ بِهَذَا اَلْأَمْرِ، ثُمَّ قَامَ وَدَخَلَ اَلطَّوَافَ، فَمَا بَقِيَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ أُلْهِمَ مَا ذَكَرَهُ مِنَ اَلدُّعَاءِ، وَأُنْسِينَا أَنْ نَتَذَاكَرَ أَمْرَهُ إِلَّا فِي آخِرِ يَوْمٍ.
فَقَالَ لَنَا أَبُو عَلِيٍّ اَلمَحْمُودِيُّ: يَا قَوْمِ، أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ هَذَا وَاَلله صَاحِبُ زَمَانِكُمْ، فَقُلْنَا: وَكَيْفَ عَلِمْتَ، يَا أَبَا عَلِيٍّ؟ فَذَكَرَ أَنَّهُ مَكَثَ سَبْعَ سِنِينَ يَدْعُو رَبَّهُ وَيَسْأَلُهُ مُعَايَنَةَ صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام)، قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ يَوْماً عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَإِذَا بِالرَّجُلِ بِعَيْنِهِ يَدْعُو بِدُعَاءٍ وَعَيْتُهُ، فَسَأَلْتُهُ مِمَّنْ هُوَ؟ فَقَالَ: «مِنَ اَلنَّاسِ»، قُلْتُ: مِنْ أَيِّ اَلنَّاسِ؟ قَالَ: «مِنْ عَرَبِهَا»، قُلْتُ: مِنْ أَيِّ عَرَبِهَا؟ قَالَ: «مِنْ أَشْرَفِهَا»، قُلْتُ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: «بَنُو هَاشِمٍ»، قُلْتُ: [وَ](٨٦٨) مِنْ أَيِّ بَنِي هَاشِمٍ؟ فَقَالَ: «مِنْ أَعْلَاهَا ذِرْوَةً وَأَسْنَاهَا»، قُلْتُ: مِمَّنْ؟ قَالَ: «مِمَّنْ فَلَقَ اَلْهَامَ، وَأَطْعَمَ اَلطَّعَامَ، وَصَلَّى وَاَلنَّاسُ نِيَامٌ»، قَالَ: فَعَلِمْتُ أَنَّهُ عَلَوِيٌّ، فَأَحْبَبْتُهُ عَلَى اَلْعَلَوِيَّةِ، ثُمَّ اِفْتَقَدْتُهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، فَلَمْ أَدْرِ كَيْفَ مَضَى، فَسَأَلْتُ اَلْقَوْمَ اَلَّذِينَ كَانُوا حَوْلَهُ: تَعْرِفُونَ هَذَا اَلْعَلَوِيَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، يَحُجُّ مَعَنَا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَاشِياً، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اَلله وَاَلله مَا أَرَى بِهِ أَثَرَ مَشْيٍ، قَالَ: فَانْصَرَفْتُ إِلَى اَلمُزْدَلِفَةِ كَئِيباً حَزِيناً عَلَى فِرَاقِهِ، وَنِمْتُ مِنْ لَيْلَتِي تِلْكَ، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: «يَا أَحْمَدُ(٨٦٩)، رَأَيْتَ طَلِبَتَكَ؟»، فَقُلْتُ: وَمَنْ ذَاكَ، يَا سَيِّدِي، فَقَالَ: «اَلَّذِي رَأَيْتَهُ فِي عَشِيَّتِكَ، وَهُوَ صَاحِبُ زَمَانِكَ».
قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْهُ عَاتَبْنَاهُ أَنْ لَا يَكُونَ أَعْلَمَنَا ذَلِكَ، فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يُنْسَى أَمْرَهُ إِلَى وَقْتِ مَا حَدَّثَنَا بِهِ.
وأخبرنا جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسى التلعكبري، عن أبي عليٍّ محمّد بن همَّام، عن جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، عن محمّد بن جعفر بن عبد الله، عن أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري، وساق الحديث بطوله(٨٧٠).
٢٢٨ - وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنِ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ رَجُلٍ - ذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ قَزْوِينَ لَمْ يَذْكُرِ اِسْمَهُ -، عَنْ حَبِيبِ اِبْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ بْنِ شَاذَانَ اَلصَّنْعَانِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ اَلْأَهْوَازِيِّ(٨٧١)، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آلِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: يَا أَخِي، لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ، حَجَجْتُ عِشْرِينَ حِجَّةً كُلًّا أَطْلُبُ بِهِ عِيَانَ اَلْإِمَامِ فَلَمْ أَجِدْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً، فَبَيْنَا أَنَا لَيْلَةً نَائِمٌ فِي مَرْقَدِي إِذْ رَأَيْتُ قَائِلاً يَقُولُ: يَا عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، قَدْ أَذِنَ اَلله لَكَ فِي اَلْحَجِّ، فَلَمْ أَعْقِلْ لَيْلَتِي حَتَّى أَصْبَحْتُ فَأَنَا مُفَكِّرٌ فِي أَمْرِي أَرْقُبُ اَلمَوْسِمَ لَيْلِي وَنَهَارِي.
فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ اَلمَوْسِمِ أَصْلَحْتُ أَمْرِي، وَخَرَجْتُ مُتَوَجِّهاً نَحْوَ اَلمَدِينَةِ، فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ حَتَّى دَخَلْتُ يَثْرِبَ، فَسَأَلْتُ عَنْ آلِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَلَمْ أَجِدْ لَهُ أَثَراً وَلَا سَمِعْتُ لَهُ خَبَراً، فَأَقَمْتُ مُفَكِّراً فِي أَمْرِي حَتَّى خَرَجْتُ مِنَ اَلمَدِينَةِ أُرِيدُ مَكَّةَ، فَدَخَلْتُ اَلْجُحْفَةَ وَأَقَمْتُ بِهَا يَوْماً، وَخَرَجْتُ مِنْهَا مُتَوَجِّهاً نَحْوَ اَلْغَدِيرِ، وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مِنَ اَلْجُحْفَةِ، فَلَمَّا أَنْ دَخَلْتُ اَلمَسْجِدَ صَلَّيْتُ وَعَفَّرْتُ وَاِجْتَهَدْتُ فِي اَلدُّعَاءِ وَاِبْتَهَلْتُ إِلَى اَلله لَهُمْ، وَخَرَجْتُ أُرِيدُ عُسْفَانَ، فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ حَتَّى دَخَلْتُ مَكَّةَ، فَأَقَمْتُ بِهَا أَيَّاماً أَطُوفُ اَلْبَيْتَ وَاِعْتَكَفْتُ.
فَبَيْنَا أَنَا لَيْلَةً فِي اَلطَّوَافِ إِذَا أَنَا بِفَتًى حَسَنِ اَلْوَجْهِ، طَيِّبِ اَلرَّائِحَةِ، يَتَبَخْتَرُ فِي مِشْيَتِهِ، طَائِفٌ حَوْلَ اَلْبَيْتِ، فَحَسَّ قَلْبِي بِهِ، فَقُمْتُ نَحْوَهُ فَحَكَكْتُهُ، فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ اَلرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ، فَقَالَ: مِنْ أَيِّ اَلْعِرَاقِ؟ قُلْتُ: مِنَ اَلْأَهْوَازِ، فَقَالَ لِي: تَعْرِفُ بِهَا اَلْخَصِيبَ؟ فَقُلْتُ: رَحِمَهُ اَللهُ، دُعِيَ فَأَجَابَ، فَقَالَ: رَحِمَهُ اَللهُ، فَمَا كَانَ أَطْوَلَ لَيْلَتَهُ وَأَكْثَرَ تَبَتُّلَهُ وَأَغْزَرَ دَمْعَتَهُ، أَفَتَعْرِفُ عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ اِبْنِ اَلمَازِيَارِ(٨٧٢)؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: حَيَّاكَ اَللهُ أَبَا اَلْحَسَنِ، مَا فَعَلْتَ بِالْعَلَامَةِ اَلَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام)؟ فَقُلْتُ: مَعِي، قَالَ: أَخْرِجْهَا، فَأَدْخَلْتُ يَدِي فِي جَيْبِي فَاسْتَخْرَجْتُهَا، فَلَمَّا أَنْ رَآهَا لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ تَغَرْغَرَتْ(٨٧٣) عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ، وَبَكَى مُنْتَحِباً حَتَّى بَلَّ أَطْمَارَهُ، ثُمَّ قَالَ: أُذِنَ لَكَ اَلْآنَ يَا اِبْنَ مَازِيَارَ، صِرْ إِلَى رَحْلِكَ وَكُنْ عَلَى أُهْبَةٍ مِنْ أَمْرِكَ حَتَّى إِذَا لَبِسَ اَللَّيْلُ جِلْبَابَهُ وَغَمَرَ اَلنَّاسَ ظَلَامُهُ سِرْ إِلَى شِعْبِ بَنِي عَامِرٍ، فَإِنَّكَ سَتَلْقَانِي هُنَاكَ.
فَسِرْتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَلَمَّا أَنْ أَحْسَسْتُ بِالْوَقْتِ أَصْلَحْتُ رَحْلِي وَقَدَّمْتُ رَاحِلَتِي وَعَكَمْتُهُ(٨٧٤) شَدِيداً، وَحَمَلْتُ وَصِرْتُ فِي مَتْنِهِ، وَأَقْبَلْتُ مُجِدًّا فِي اَلسَّيْرِ حَتَّى وَرَدْتُ اَلشِّعْبَ، فَإِذَا أَنَا بِالْفَتَى قَائِمٌ يُنَادِي: يَا أَبَا اَلْحَسَنِ إِلَيَّ، فَمَا زِلْتُ(٨٧٥) نَحْوَهُ، فَلَمَّا قَرُبْتُ بَدَأَنِي بِالسَّلَامِ وَقَالَ لِي: سِرْ بِنَا يَا أَخِي، فَمَا زَالَ يُحَدِّثُنِي وَأُحَدِّثُهُ حَتَّى تَخَرَّقْنَا(٨٧٦) جِبَالَ عَرَفَاتٍ، وَسِرْنَا إِلَى جِبَالِ مِنًى، وَاِنْفَجَرَ اَلْفَجْرُ اَلْأَوَّلُ وَنَحْنُ قَدْ تَوَسَّطْنَا جِبَالَ اَلطَّائِفِ.
فَلَمَّا أَنْ كَانَ هُنَاكَ أَمَرَنِي بِالنُّزُولِ، وَقَالَ لِي: اِنْزِلْ فَصَلِّ صَلَاةَ اَللَّيْلِ، فَصَلَّيْتُ، وَأَمَرَنِي بِالْوَتْرِ فَأَوْتَرْتُ، وَكَانَتْ فَائِدَةً مِنْهُ، ثُمَّ أَمَرَنِي بِالسُّجُودِ وَاَلتَّعْقِيبِ، ثُمَّ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَرَكِبَ وَأَمَرَنِي بِالرُّكُوبِ، وَسَارَ وَسِرْتُ مَعَهُ حَتَّى عَلَا ذِرْوَةَ اَلطَّائِفِ، فَقَالَ: هَلْ تَرَى شَيْئاً؟ قُلْتُ: نَعَمْ، أَرَى كَثِيبَ رَمْلٍ عَلَيْهِ بَيْتُ شَعْرٍ يَتَوَقَّدُ اَلْبَيْتُ نُوراً.
فَلَمَّا أَنْ رَأَيْتُهُ طَابَتْ نَفْسِي، فَقَالَ لِي: هُنَاكَ اَلْأَمَلُ وَاَلرَّجَاءُ، ثُمَّ قَالَ: سِرْ بِنَا يَا أَخِي، فَسَارَ وَسِرْتُ بِمَسِيرِهِ إِلَى أَنِ اِنْحَدَرَ مِنَ اَلذِّرْوَةِ وَسَارَ فِي أَسْفَلِهِ، فَقَالَ: اِنْزِلْ، فَهَاهُنَا يَذِلُّ كُلُّ صَعْبٍ، وَيَخْضَعُ كُلُّ جَبَّارٍ، ثُمَّ قَالَ: خَلِّ عَنْ زِمَامِ اَلنَّاقَةِ، قُلْتُ: فَعَلَى مَنْ أُخَلِّفُهَا؟ فَقَالَ: حَرَمُ اَلْقَائِمِ (عليه السلام) لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يَخْرُجُ(٨٧٧) مِنْهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، فَخَلَّيْتُ مِنْ زِمَامِ رَاحِلَتِي، وَسَارَ وَسِرْتُ مَعَهُ إِلَى أَنْ دَنَا مِنْ بَابِ اَلْخِبَاءِ، فَسَبَقَنِي بِالدُّخُولِ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَقِفَ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَيَّ، ثُمَّ قَالَ لِي: اُدْخُلْ هَنَأَكَ اَلسَّلَامَةُ.
فَدَخَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِهِ جَالِسٌ، قَدِ اِتَّشَحَ بِبُرْدِهِ وَاِتَّزَرَ بِأُخْرَى، وَقَدْ كَسَرَ بُرْدَتَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَهُوَ كَأُقْحُوَانَةِ أُرْجُوَانٍ قَدْ تَكَاثَفَ عَلَيْهَا اَلنَّدَى وَأَصَابَهَا أَلَمُ اَلْهَوَى، وَإِذَا هُوَ كَغُصْنِ بَانٍ أَوْ قَضِيبِ رَيْحَانٍ، سَمْحٌ سَخِيٌّ تَقِيٌّ نَقِيٌّ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ اَلشَّامِخِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ اَللَّازِقِ، بَلْ مَرْبُوعُ اَلْقَامَةِ، مُدَوَّرُ اَلْهَامَةِ، صَلْتُ اَلْجَبِينِ، أَزَجُّ اَلْحَاجِبَيْنِ، أَقْنَى اَلْأَنْفِ، سَهْلُ اَلْخَدَّيْنِ، عَلَى خَدِّهِ اَلْأَيْمَنِ خَالٌ كَأَنَّهُ فُتَاتُ مِسْكٍ عَلَى رَضْرَاضَةِ عَنْبَرٍ.
فَلَمَّا أَنْ رَأَيْتُهُ بَدْأَتُهُ بِالسَّلَامِ، فَرَدَّ عَلَيَّ أَحْسَنَ مَا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَشَافَهَنِي وَسَأَلَنِي عَنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ، فَقُلْتُ: سَيِّدِي، قَدْ أُلْبِسُوا جِلْبَابَ اَلذِّلَّةِ، وَهُمْ بَيْنَ اَلْقَوْمِ أَذِلَّاءُ، فَقَالَ لِي: «يَا اِبْنَ اَلمَازِيَارِ، لَتَمْلِكُونَهُمْ كَمَا مَلَكُوكُمْ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَذِلَّاءُ»، فَقُلْتُ: سَيِّدِي، لَقَدْ بَعُدَ اَلْوَطَنُ وَطَالَ اَلمَطْلَبُ، فَقَالَ: «يَا اِبْنَ اَلمَازِيَارِ، (أَبِي)(٨٧٨) أَبُو مُحَمَّدٍ عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ لَا أُجَاوِرَ قَوْماً غَضِبَ اَللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَلَهُمُ اَلْخِزْيُ فِي اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْكُنَ مِنَ اَلْجِبَالِ إِلَّا وَعْرَهَا، وَمِنَ اَلْبِلَادِ إِلَّا عَفْرَهَا(٨٧٩)، وَاَللهُ مَوْلَاكُمْ أَظْهَرَ اَلتَّقِيَّةَ فَوَكَلَهَا بِي، فَأَنَا فِي اَلتَّقِيَّةِ إِلَى يَوْمٍ يُؤْذَنُ لِي فَأَخْرُجُ»، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، مَتَى يَكُونُ هَذَا اَلْأَمْرُ؟ فَقَالَ: «إِذَا حِيلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ سَبِيلِ اَلْكَعْبَةِ، وَاِجْتَمَعَ اَلشَّمْسُ وَاَلْقَمَرُ(٨٨٠)، وَاِسْتَدَارَ بِهِمَا(٨٨١) اَلْكَوَاكِبُ وَاَلنُّجُومُ»، فَقُلْتُ: مَتَى، يَا اِبْنَ رَسُولِ اَلله؟ فَقَالَ لِي: «فِي سَنَةِ كَذَا وَكَذَا تَخْرُجُ دَابَّةُ اَلْأَرْضِ مِنْ بَيْنِ اَلصَّفَا وَاَلمَرْوَةِ، وَمَعَهُ عَصَا مُوسَى وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ، يَسُوقُ اَلنَّاسَ إِلَى اَلمَحْشَرِ».
قَالَ: فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ أَيَّاماً، وَأَذِنَ لِي بِالْخُرُوجِ بَعْدَ أَنِ اِسْتَقْصَيْتُ لِنَفْسِي، وَخَرَجْتُ نَحْوَ مَنْزِلِي، وَاَلله لَقَدْ سِرْتُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى اَلْكُوفَةِ وَمَعِي غُلَامٌ يَخْدُمُنِي، فَلَمْ أَرَ إِلَّا خَيْراً، وَصَلَّى اَللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً(٨٨٢).
٢٢٩ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ وَغَيْرِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ بَعْضِ جَلَاوِزَةِ اَلسَّوَادِ(٨٨٣)، قَالَ: شَهِدْتُ نَسِيماً(٨٨٤) آنِفاً بِسُرَّ مَنْ رَأَى، وَقَدْ كَسَرَ بَابَ اَلدَّارِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ طَبَرْزِينٌ، فَقَالَ: «مَا تَصْنَعُ فِي دَارِي؟»، قَالَ نَسِيمٌ: إِنَّ جَعْفَراً زَعَمَ أَنَّ أَبَاكَ مَضَى وَلَا وَلَدَ لَهُ، فَإِنْ كَانَتْ دَارَكَ فَقَدِ اِنْصَرَفْتُ عَنْكَ، فَخَرَجَ عَنِ اَلدَّارِ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ قَيْسٍ: فَقَدِمَ عَلَيْنَا غُلَامٌ مِنْ خُدَّامِ اَلدَّارِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا اَلْخَبَرِ، فَقَالَ: مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا؟ قُلْتُ: حَدَّثَنِي بَعْضُ جَلَاوِزَةِ اَلسَّوَادِ، فَقَالَ لِي: لَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَى اَلنَّاسِ شَيْءٌ(٨٨٥).
٢٣٠ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام)(٨٨٦)، وَكَانَ أَسَنَّ شَيْخٍ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قَالَ: رَأَيْتُهُ بَيْنَ اَلمَسْجِدَيْنِ(٨٨٧) وَهُوَ غُلَامٌ(٨٨٨).
٢٣١ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ خَادِمٍ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدَةَ اَلنَّيْسَابُورِيِّ(٨٨٩)، قَالَ: كُنْتُ وَاقِفاً مَعَ إِبْرَاهِيمَ عَلَى اَلصَّفَا، فَجَاءَ غُلَامٌ(٨٩٠) حَتَّى وَقَفَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَقَبَضَ عَلَى كِتَابِ مَنَاسِكِهِ وَحَدَّثَهُ بِأَشْيَاءَ(٨٩١).
٢٣٢ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِدْرِيسَ(٨٩٢)، قَالَ: رَأَيْتُهُ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) حِينَ أَيْفَعَ(٨٩٣)، وَقَبَّلْتُ يَدَيْهِ وَرَأْسَهُ(٨٩٤).
٢٣٣ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ بْنِ مُطَهَّرٍ(٨٩٥)، قَالَ: رَأَيْتُهُ، وَوَصَفَ قَدَّهُ(٨٩٦).
٢٣٤ - أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سُورَةَ - وَهُوَ مُحَمَّدُ اِبْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلتَّمِيمِيُّ - وَكَانَ زَيْدِيًّا -، قَالَ: سَمِعْتُ هَذِهِ اَلْحِكَايَةَ عَنْ جَمَاعَةٍ يَرْوُونَهَا عَنْ أَبِي (رحمه الله) أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى اَلْحَيْرِ، قَالَ: فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى اَلْحَيْرِ إِذَا شَابٌّ حَسَنُ اَلْوَجْهِ يُصَلِّي، ثُمَّ إِنَّهُ وَدَّعَ وَوَدَّعْتُ، وَخَرَجْنَا فَجِئْنَا إِلَى اَلمَشْرَعَةِ، فَقَالَ لِي: «يَا بَا سُورَةَ، أَيْنَ تُرِيدُ؟»، فَقُلْتُ: اَلْكُوفَةَ، فَقَالَ لِي: «مَعَ مَنْ؟»، قُلْتُ: مَعَ اَلنَّاسِ، قَالَ لِي: «لَا تُرِيدُ نَحْنُ جَمِيعاً نَمْضِي؟»، قُلْتُ: وَمَنْ مَعَنَا؟ فَقَالَ: «لَيْسَ نُرِيدُ مَعَنَا أَحَداً»، قَالَ: فَمَشَيْنَا لَيْلَتَنَا، فَإِذَا نَحْنُ عَلَى مَقَابِرِ مَسْجِدِ اَلسَّهْلَةِ، فَقَالَ لِي: «هُوَ ذَا مَنْزِلُكَ، فَإِنْ شِئْتَ فَامْضِ»، ثُمَّ قَالَ لِي: «تَمُرُّ إِلَى اِبْنِ اَلزُّرَارِيِّ(٨٩٧) عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى، فَتَقُولُ لَهُ يُعْطِيكَ اَلمَالَ اَلَّذِي عِنْدَهُ»، فَقُلْتُ لَهُ: لَا يَدْفَعُهُ إِلَيَّ، فَقَالَ لِي: «قُلْ لَهُ: بِعَلَامَةِ أَنَّهُ كَذَا وَكَذَا دِينَاراً، وَكَذَا وَكَذَا دِرْهَماً، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، وَعَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا مُغَطًّى»، فَقُلْتُ لَهُ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ بْنُ اَلْحَسَنِ(٨٩٨)»، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنِّي وَطُولِبْتُ بِالدِّلَالَةِ؟ فَقَالَ: «أَنَا وَرَاكَ»، قَالَ: فَجِئْتُ إِلَى اِبْنِ اَلزُّرَارِيِّ، فَقُلْتُ لَهُ، فَدَفَعَنِي، فَقُلْتُ لَهُ اَلْعَلَامَاتِ اَلَّتِي قَالَ لِي، وَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قَالَ لِي: «أَنَا وَرَاكَ»، فَقَالَ: لَيْسَ بَعْدَ هَذَا شَيْءٌ، وَقَالَ: لَمْ يَعْلَمْ بِهَذَا إِلَّا اَللهُ تَعَالَى، وَدَفَعَ إِلَيَّ اَلمَالَ(٨٩٩).
٢٣٥ - وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْهُ، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ أَبُو سُورَةَ: فَسَأَلَنِي اَلرَّجُلُ عَنْ حَالِي، فَأَخْبَرْتُهُ بِضِيقِي(٩٠٠) وَبِعَيْلَتِي، فَلَمْ يَزَلْ يُمَاشِينِي حَتَّى اِنْتَهَيْنَا إِلَى اَلنَّوَاوِيسِ فِي اَلسَّحَرِ، فَجَلَسْنَا، ثُمَّ حَفَرَ بِيَدِهِ، فَإِذَا اَلمَاءُ قَدْ خَرَجَ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ قَالَ لِي: «اِمْضِ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى، فَاقْرَأْ عَلَيْهِ اَلسَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ اَلرَّجُلُ: اِدْفَعْ إِلَى أَبِي سُورَةَ مِنَ اَلسَّبْعِ مِائَةِ دِينَارٍ اَلَّتِي مَدْفُونَةٌ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا مِائَةَ دِينَارٍ»، وَإِنِّي مَضَيْتُ مِنْ سَاعَتِي إِلَى مَنْزِلِهِ، فَدَقَقْتُ اَلْبَابَ، فَقَالَ(٩٠١): مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: قَوْلِي لِأَبِي اَلْحَسَنِ: هَذَا أَبُو سُورَةَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا لِي وَلِأَبِي سُورَةَ؟ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقَصَصْتُ عَلَيْهِ اَلْخَبَرَ، فَدَخَلَ وَأَخْرَجَ إِلَيَّ مِائَةَ دِينَارٍ، فَقَبَضْتُهَا، فَقَالَ لِي: صَافَحْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَخَذَ يَدِي فَوَضَعَهَا عَلَى عَيْنَيْهِ وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ.
قال أحمد بن عليٍّ: وقد روي هذا الخبر عن محمّد بن عليٍّ الجعفري وعبد الله بن الحسن بن بشر الخزَّاز وغيرهما، وهو مشهور عندهم(٩٠٢).
٢٣٦ - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ رَفَعَهُ، عَنِ اَلزَّهَرِيِّ، قَالَ: طَلَبْتُ هَذَا اَلْأَمْرَ طَلَباً شَاقًّا حَتَّى ذَهَبَ لِي فِيهِ مَالٌ صَالِحٌ، فَوَقَعْتُ إِلَى اَلْعَمْرِيِّ وَخَدَمْتُهُ وَلَزِمْتُهُ، وَسَأَلْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام)، فَقَالَ لِي: لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ وُصُولٌ، فَخَضَعْتُ، فَقَالَ لِي: بَكِّرْ بِالْغَدَاةِ، فَوَافَيْتُ(٩٠٣)، فَاسْتَقْبَلَنِي وَمَعَهُ شَابٌّ مِنْ أَحْسَنِ اَلنَّاسِ وَجْهاً، وَأَطْيَبِهِمْ رَائِحَةً بِهَيْأَةِ اَلتُّجَّارِ، وَفِي كُمِّهِ شَيْءٌ كَهَيْأَةِ اَلتُّجَّارِ، فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ دَنَوْتُ مِنَ اَلْعَمْرِيِّ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ(٩٠٤)، فَعَدَلْتُ إِلَيْهِ وَسَأَلْتُهُ، فَأَجَابَنِي عَنْ كُلِّ مَا أَرَدْتُ، ثُمَّ مَرَّ لِيَدْخُلَ اَلدَّارَ - وَكَانَتْ مِنَ اَلدُّورِ اَلَّتِي لَا يُكْتَرَثُ(٩٠٥) لَهَا -، فَقَالَ اَلْعَمْرِيُّ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَسْأَلَ سَلْ، فَإِنَّكَ لَا تَرَاهُ بَعْدَ ذَا، فَذَهَبْتُ لِأَسْأَلَ، فَلَمْ يَسْمَعْ وَدَخَلَ اَلدَّارَ، وَمَا كَلَّمَنِي بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالَ: «مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ أَخَّرَ اَلْعِشَاءَ إِلَى أَنْ تَشْتَبِكَ اَلنُّجُومُ(٩٠٦)، مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ أَخَّرَ اَلْغَدَاةَ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ اَلنُّجُومُ(٩٠٧)»، وَدَخَلَ اَلدَّارَ(٩٠٨).
٢٣٧ - أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَاقَانَ اَلدِّهْقَانِ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ دَادِ بْنِ غَسَّانَ(٩٠٩) اَلْبَحْرَانِيِّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي سَهْلٍ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ اَلنَّوْبَخْتِيِّ(٩١٠)، قَالَ: مَوْلِدُ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ اِبْنِ عَلِيٍّ اَلرِّضَا بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ اَلصَّادِقِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْبَاقِرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ اِبْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ): وُلِدَ (عليه السلام) بِسَامِرَّاءَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، أُمُّهُ صَقِيلُ، وَيُكَنَّى أَبَا اَلْقَاسِمِ، بِهَذِهِ اَلْكُنْيَةِ أَوْصَى اَلنَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ قَالَ: «اِسْمُهُ كَاسْمِي(٩١١)، وَكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي»، لَقَبُهُ اَلمَهْدِيُّ، وَهُوَ اَلْحُجَّةُ، وَهُوَ اَلمُنْتَظَرُ، وَهُوَ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ (عليه السلام).
قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) فِي اَلمَرْضَةِ اَلَّتِي مَاتَ فِيهَا، وَأَنَا عِنْدَهُ إِذْ قَالَ لِخَادِمِهِ عَقِيدٍ - وَكَانَ اَلْخَادِمُ أَسْوَدَ نُوبِيًّا قَدْ خَدَمَ مِنْ قَبْلِهِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ رَبَّى اَلْحَسَنَ (عليه السلام) -، فَقَالَ لَهُ: «يَا عَقِيدُ، أَغْلِ لِي مَاءً بِمُصْطَكِيِّ»، فَأَغْلَى لَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ بِهِ صَقِيلُ اَلْجَارِيَةُ أُمُّ اَلْخَلَفِ (عليه السلام)، فَلَمَّا صَارَ اَلْقَدَحُ فِي يَدَيْهِ وَهَمَّ بِشُرْبِهِ فَجَعَلَتْ يَدُهُ تَرْتَعِدُ حَتَّى ضَرَبَ اَلْقَدَحَ ثَنَايَا اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، فَتَرَكَهُ مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ لِعَقِيدٍ: «اُدْخُلِ اَلْبَيْتَ، فَإِنَّكَ تَرَى صَبِيًّا سَاجِداً، فَأْتِنِي بِهِ».
قَالَ أَبُو سَهْلٍ: قَالَ عَقِيدٌ: فَدَخَلْتُ أَتَحَرَّى، فَإِذَا أَنَا بِصَبِيٍّ سَاجِدٍ رَافِعٍ سَبَّابَتَهُ نَحْوَ اَلسَّمَاءِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَأَوْجَزَ فِي صَلَاتِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّ سَيِّدِي يَأْمُرُكَ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِ، إِذَا جَاءَتْ أُمُّهُ صَقِيلُ، فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ وَأَخْرَجَتْهُ إِلَى أَبِيهِ اَلْحَسَنِ (عليه السلام).
قَالَ أَبُو سَهْلٍ: فَلَمَّا مَثُلَ اَلصَّبِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ سَلَّمَ، وَإِذَا هُوَ دُرِّيُّ اَللَّوْنِ، وَفِي شَعْرِ رَأْسِهِ قَطَطٌ، مُفَلَّجُ اَلْأَسْنَانِ، فَلَمَّا رَآهُ اَلْحَسَنُ (عليه السلام) بَكَى وَقَالَ: «يَا سَيِّدَ أَهْلِ بَيْتِهِ، اِسْقِنِي اَلمَاءَ فَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي»، وَأَخَذَ اَلصَّبِيُّ اَلْقَدَحَ اَلمَغْلِيَّ بِالمُصْطُكِيِّ بِيَدِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ، ثُمَّ سَقَاهُ، فَلَمَّا شَرِبَهُ قَالَ: «هَيِّئُونِي لِلصَّلَاةِ»، فَطُرِحَ فِي حِجْرِهِ مِنْدِيلٌ، فَوَضَّأَهُ اَلصَّبِيُّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَقَدَمَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «أَبْشِرْ يَا بُنَيَّ، فَأَنْتَ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ، وَأَنْتَ اَلمَهْدِيُّ، وَأَنْتَ حُجَّةُ اَلله عَلَى أَرْضِهِ، وَأَنْتَ وَلَدِي وَوَصِيِّي وَأَنَا وَلَدْتُكَ، وَأَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ اِبْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام)، وَلَدَكَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَأَنْتَ خَاتَمُ [اَلْأَوْصِيَاءِ] اَلْأَئِمَّةِ اَلطَّاهِرِينَ، وَبَشَّرَ بِكَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَسَمَّاكَ وَكَنَّاكَ، وَبِذَلِكَ عَهِدَ إِلَيَّ أَبِي عَنْ آبَائِكَ اَلطَّاهِرِينَ، صَلَّى اَللهُ عَلَى أَهْلِ اَلْبَيْتِ رَبُّنَا إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»، وَمَاتَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ وَقْتِهِ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)(٩١٢).
٢٣٨ - عَنْهُ، عَنْ أَبِي اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ اَلْأَشْعَرِيُّ اَلْقُمِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ يُوسُفَ اَلضَّرَّابُ اَلْغَسَّانِيُّ - فِي مُنْصَرَفِهِ مِنْ أَصْفَهَانَ -، قَالَ: حَجَجْتُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَكُنْتُ مَعَ قَوْمٍ مُخَالِفِينَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ تَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ، فَاكْتَرَى لَنَا دَاراً فِي زُقَاقٍ بَيْنَ سُوقِ اَللَّيْلِ، وَهِيَ دَارُ خَدِيجَةَ (عليها السلام)، تُسَمَّى دَارَ اَلرِّضَا (عليه السلام)، وَفِيهَا عَجُوزٌ سَمْرَاءُ، فَسَأَلْتُهَا - لَـمَّا وَقَفْتُ عَلَى أَنَّهَا دَارُ اَلرِّضَا (عليه السلام) -: مَا تَكُونِينَ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ اَلدَّارِ؟ وَلِمَ سُمِّيَتْ دَارَ اَلرِّضَا؟ فَقَالَتْ: أَنَا مِنْ مَوَالِيهِمْ، وَهَذِهِ دَارُ اَلرِّضَا عَلِيِّ بْنِ مُوسَى (رحمه الله)، أَسْكَنِيهَا(٩١٣) اَلْحَسَنُ اِبْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، فَإِنِّي كُنْتُ مِنْ خَدَمِهِ.
فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْهَا أَنِسْتُ بِهَا، وَأَسْرَرْتُ اَلْأَمْرَ عَنْ رُفَقَائِيَ اَلمُخَالِفِينَ، فَكُنْتُ إِذَا اِنْصَرَفْتُ مِنَ اَلطَّوَافِ بِاللَّيْلِ أَنَامُ مَعَهُمْ فِي رِوَاقٍ فِي اَلدَّارِ، وَنُغْلِقُ اَلْبَابَ وَنُلْقِي خَلْفَ اَلْبَابِ حَجَراً كَبِيراً كُنَّا نُدِيرُ خَلْفَ اَلْبَابِ.
فَرَأَيْتُ غَيْرَ لَيْلَةٍ ضَوْءَ اَلسِّرَاجِ فِي اَلرِّوَاقِ اَلَّذِي كُنَّا فِيهِ شَبِيهاً بِضَوْءِ اَلمَشْعَلِ، وَرَأَيْتُ اَلْبَابَ قَدِ اِنْفَتَحَ وَلَا أَرَى أَحَداً فَتَحَهُ مِنْ أَهْلِ اَلدَّارِ، وَرَأَيْتُ رَجُلاً رَبْعَةً(٩١٤)، أَسْمَرَ إِلَى اَلصُّفْرَةِ(٩١٥)، مَا هُوَ قَلِيلَ اَللَّحْمِ، فِي وَجْهِهِ سَجَّادَةٌ، عَلَيْهِ قَمِيصَانِ، وَإِزَارٌ رَقِيقٌ قَدْ تَقَنَّعَ بِهِ، وَفِي رِجْلِهِ نَعْلٌ طَاقٌ(٩١٦)، فَصَعِدَ إِلَى اَلْغُرْفَةِ فِي اَلدَّارِ حَيْثُ كَانَتِ اَلْعَجُوزُ تَسْكُنُ.
وَكَانَتْ تَقُولُ لَنَا: إِنَّ فِي اَلْغُرْفَةِ اِبْنَةً، لَا تَدَعُ أَحَداً يَصْعَدُ إِلَيْهَا، فَكُنْتُ أَرَى اَلضَّوْءَ اَلَّذِي رَأَيْتُهُ يُضِيءُ فِي اَلرِّوَاقِ عَلَى اَلدَّرَجَةِ عِنْدَ صُعُودِ اَلرَّجُلِ إِلَى اَلْغُرْفَةِ اَلَّتِي يَصْعَدُهَا، ثُمَّ أَرَاهُ فِي اَلْغُرْفَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَرَى اَلسِّرَاجَ بِعَيْنِهِ، وَكَانَ اَلَّذِينَ مَعِي يَرَوْنَ مِثْلَ مَا أَرَى، فَتَوَهَّمُوا أَنْ يَكُونَ هَذَا اَلرَّجُلُ يَخْتَلِفُ إِلَى اِبْنَةِ اَلْعَجُوزِ، وَأَنْ يَكُونَ قَدْ تَمَتَّعَ بِهَا.
فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ اَلْعَلَوِيَّةُ يَرَوْنَ اَلمُتْعَةَ، وَهَذَا حَرَامٌ لَا يَحِلُّ فِيمَا زَعَمُوا. وَكُنَّا نَرَاهُ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ، وَنَجِيءُ إِلَى اَلْبَابِ وَإِذَا اَلْحَجَرُ عَلَى حَالِهِ اَلَّذِي تَرَكْنَاهُ، وَكُنَّا نُغْلِقُ هَذَا اَلْبَابَ خَوْفاً عَلَى مَتَاعِنَا، وَكُنَّا لَا نَرَى أَحَداً يَفْتَحُهُ وَلَا يُغْلِقُهُ، وَاَلرَّجُلُ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَاَلْحَجَرُ خَلْفَ اَلْبَابِ إِلَى وَقْتِ نُنَحِّيهِ إِذَا خَرَجْنَا.
فَلَمَّا رَأَيْتُ هَذِهِ اَلْأَسْبَابَ ضَرَبَ عَلَى قَلْبِي، وَوَقَعَتْ فِي قَلْبِي فِتْنَةٌ، فَتَلَطَّفْتُ اَلْعَجُوزَ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَقِفَ عَلَى خَبَرِ اَلرَّجُلِ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا فُلَانَةُ، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْأَلَكِ وَأُفَاوِضَكِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ مَنْ مَعِي فَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَأَنَا أُحِبُّ إِذَا رَأَيْتِنِي فِي اَلدَّارِ وَحْدِي أَنْ تَنْزِلِي إِلَيَّ لِأَسْأَلَكِ عَنْ أَمْرٍ، فَقَالَتْ لِي مُسْرِعَةً: وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُسِرَّ إِلَيْكَ شَيْئاً فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لِي ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ مَنْ مَعَكَ، فَقُلْتُ: مَا أَرَدْتِ أَنْ تَقُولِي؟ فَقَالَتْ: يَقُولُ(٩١٧) لَكَ - وَلَمْ تَذْكُرْ أَحَداً -: لَا تُخَاشِنْ(٩١٨) أَصْحَابَكَ وَشُرَكَاءَكَ وَلَا تُلَاحِهِمْ(٩١٩)، فَإِنَّهُمْ أَعْدَاؤُكَ، وَدَارِهِمْ، فَقُلْتُ لَهَا: مَنْ يَقُولُ؟ فَقَالَتْ: أَنَا أَقُولُ، فَلَمْ أَجْسُرْ لِمَا دَخَلَ قَلْبِي مِنَ اَلْهَيْبَةِ أَنْ أُرَاجِعَهَا، فَقُلْتُ: أَيَّ أَصْحَابِي تَعْنِينَ؟ فَظَنَنْتُ أَنَّهَا تَعْنِي رُفَقَائِيَ اَلَّذِينَ كَانُوا حُجَّاجاً مَعِي، قَالَتْ: شُرَكَاؤُكَ اَلَّذِينَ فِي بَلَدِكَ وَفِي اَلدَّارِ مَعَكَ، وَكَانَ جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَ اَلَّذِينَ مَعِي فِي اَلدَّارِ عَنَتٌ فِي اَلدِّينِ، فَسَعَوْا بِي حَتَّى هَرَبْتُ وَاِسْتَتَرْتُ بِذَلِكَ اَلسَّبَبِ، فَوَقَفْتُ عَلَى أَنَّهَا عَنَتْ أُولَئِكَ، فَقُلْتُ لَهَا: مَا تَكُونِينَ أَنْتِ مِنَ اَلرِّضَا؟ فَقَالَتْ: كُنْتُ خَادِمَةً لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، فَلَمَّا اِسْتَيْقَنْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: لَأَسْأَلَنَّهَا عَنِ اَلْغَائِبِ (عليه السلام)، فَقُلْتُ: بِالله عَلَيْكِ رَأَيْتِهِ بِعَيْنِكِ؟ فَقَالَتْ: يَا أَخِي، لَمْ أَرَهُ بِعَيْنِي، فَإِنِّي خَرَجْتُ وَأُخْتِي حُبْلَى وَبَشَّرَنِي اَلْحَسَنُ اِبْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام) بِأَنِّي سَوْفَ أَرَاهُ فِي آخِرِ عُمُرِي، وَقَالَ لِي: «تَكُونِينَ لَهُ كَمَا كُنْتِ لِي»، وَأَنَا اَلْيَوْمَ مُنْذُ كَذَا بِمِصْرَ، وَإِنَّمَا قُدِّمْتُ اَلْآنَ بِكِتَابِةٍ وَنَفَقَةٍ وَجَّهَ بِهَا إِلَيَّ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ لَا يُفْصِحُ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَهِيَ ثَلَاثُونَ دِينَاراً، وَأَمَرَنِي أَنْ أَحُجَّ سَنَتِي هَذِهِ، فَخَرَجْتُ رَغْبَةً مِنِّي فِي أَنْ أَرَاهُ(٩٢٠)، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّ اَلرَّجُلَ اَلَّذِي كُنْتُ أَرَاهُ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ هُوَ هُوَ.
فَأَخَذْتُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ صِحَاحاً فِيهَا سِتَّةٌ رَضَوِيَّةٌ مِنْ ضَرْبِ اَلرِّضَا (عليه السلام) قَدْ كُنْتُ خَبَأْتُهَا لِأُلْقِيَهَا فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)، وَكُنْتُ نَذَرْتُ وَنَوَيْتُ ذَلِكَ، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَدْفَعُهَا إِلَى قَوْمٍ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ (عليها السلام) أَفْضَلُ مِمَّا أُلْقِيهَا فِي اَلمَقَامِ وَأَعْظَمُ ثَوَاباً، فَقُلْتُ لَهَا: اِدْفَعِي هَذِهِ اَلدَّرَاهِمَ إِلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهَا مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ (عليها السلام)، وَكَانَ فِي نِيَّتِي أَنَّ اَلَّذِي رَأَيْتُهُ هُوَ اَلرَّجُلُ، وَإِنَّمَا تَدْفَعُهَا إِلَيْهِ، فَأَخَذَتِ اَلدَّرَاهِمَ وَصَعِدَتْ، وَبَقِيَتْ سَاعَةً ثُمَّ نَزَلَتْ، فَقَالَتْ: يَقُولُ لَكَ: «لَيْسَ لَنَا فِيهَا حَقٌّ، اِجْعَلْهَا فِي اَلمَوْضِعِ اَلَّذِي نَوَيْتَ، وَلَكِنْ هَذِهِ اَلرَّضَوِيَّةُ خُذْ مِنَّا بَدَلَهَا وَأَلْقِهَا فِي اَلمَوْضِعِ اَلَّذِي نَوَيْتَ»، فَفَعَلْتُ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: اَلَّذِي أُمِرْتُ بِهِ عَنِ اَلرَّجُلِ.
ثُمَّ كَانَ مَعِي نُسْخَةُ تَوْقِيعٍ خَرَجَ إِلَى اَلْقَاسِمِ بْنِ اَلْعَلَاءِ بِآذَرْبِيجَانَ، فَقُلْتُ لَهَا: تَعْرِضِينَ هَذِهِ اَلنُّسْخَةَ عَلَى إِنْسَانٍ قَدْ رَأَى تَوْقِيعَاتِ اَلْغَائِبِ، فَقَالَتْ: نَاوِلْنِي فَإِنِّي أَعْرِفُهَا، فَأَرَيْتُهَا اَلنُّسْخَةَ، وَظَنَنْتُ أَنَّ اَلمَرْأَةَ تُحْسِنُ أَنْ تَقْرَأَ، فَقَالَتْ: لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَقْرَأَ فِي هَذَا اَلمَكَانِ، فَصَعِدَتِ اَلْغُرْفَةَ ثُمَّ أَنْزَلَتْهُ، فَقَالَتْ: صَحِيحٌ، وَفِي اَلتَّوْقِيعِ: «أُبَشِّرُكُمْ بِبُشْرَى مَا بَشَّرْتُ بِهِ إِيَّاهُ» وَغَيْرَهُ.
ثُمَّ قَالَتْ: يَقُولُ لَكَ: «إِذَا صَلَّيْتَ عَلَى نَبِيِّكَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كَيْفَ تُصَلِّي عَلَيْهِ؟»، فَقُلْتُ: أَقُولُ: اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَأَفْضَلِ مَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
فَقَالَ: «لَا، إِذَا صَلَّيْتَ عَلَيْهِمْ فَصَلِّ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ وَسَمِّهِمْ»، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَلَمَّا كَانَتْ مِنَ اَلْغَدِ نَزَلَتْ وَمَعَهَا دَفْتَرٌ صَغِيرٌ، فَقَالَتْ: يَقُولُ لَكَ: «إِذَا صَلَّيْتَ عَلَى اَلنَّبِيِّ فَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْصِيَائِهِ عَلَى هَذِهِ اَلنُّسْخَةِ»، فَأَخَذْتُهَا، وَكُنْتُ أَعْمَلُ بِهَا، وَرَأَيْتُ عِدَّةَ لَيَالٍ قَدْ نَزَلَ مِنَ اَلْغُرْفَةِ وَضَوْءُ اَلسِّرَاجِ قَائِمٌ.
وَكُنْتُ أَفْتَحُ اَلْبَابَ وَأَخْرُجُ عَلَى أَثَرِ اَلضَّوْءِ وَأَنَا أَرَاهُ - أَعْنِي اَلضَّوْءَ - وَلَا أَرَى أَحَداً حَتَّى يَدْخُلَ اَلمَسْجِدَ، وَأَرَى جَمَاعَةً مِنَ اَلرِّجَالِ مِنْ بُلْدَانٍ شَتَّى يَأْتُونَ بَابَ هَذِهِ اَلدَّارِ، فَبَعْضُهُمْ يَدْفَعُونَ إِلَى اَلْعَجُوزِ رِقَاعاً مَعَهُمْ، وَرَأَيْتُ اَلْعَجُوزَ قَدْ دَفَعَتْ إِلَيْهِمْ كَذَلِكَ اَلرِّقَاعَ، فَيُكَلِّمُونَهَا وَتُكَلِّمُهُمْ وَلَا أَفْهَمُ عَنْهُمْ، وَرَأَيْتُ مِنْهُمْ فِي مُنْصَرَفِنَا جَمَاعَةً فِي طَرِيقِي إِلَى أَنْ قَدِمْتُ بَغْدَادَ.
نُسْخَةُ اَلدَّفْتَرِ اَلَّذِي خَرَجَ: «بِسْمِ اَلله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ اَلمُرْسَلِينَ، وَخَاتَمِ اَلنَّبِيِّينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ، اَلمُنْتَجَبِ فِي اَلْمِيثَاقِ، اَلمُصْطَفَى فِي اَلظِّلَالِ، اَلمُطَهَّرِ مِنْ كُلِّ آفَةٍ، اَلْبَرِيءِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، اَلمُؤَمَّلِ لِلنَّجَاةِ، اَلمُرْتَجَى لِلشَّفَاعَةِ، اَلمُفَوَّضِ إِلَيْهِ دِينُ اَلله، اَللَّهُمَّ شَرِّفْ بُنْيَانَهُ، وَعَظِّمْ بُرْهَانَهُ، وَأَفْلِجْ حُجَّتَهُ، وَاِرْفَعْ دَرَجَتَهُ، وَأَضِئْ نُورَهُ، وَبَيِّضْ وَجْهَهُ، وَأَعْطِهِ اَلْفَضْلَ وَاَلْفَضِيلَةَ، وَاَلدَّرَجَةَ وَاَلْوَسِيلَةَ اَلرَّفِيعَةَ، وَاِبْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً، يَغْبِطُهُ بِهِ اَلْأَوَّلُونَ وَاَلْآخِرُونَ.
وَصَلِّ عَلَى أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ اَلْغُرِّ اَلمُحَجَّلِينَ، وَسَيِّدِ اَلْوَصِيِّينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى اَلْخَلَفِ اَلصَّالِحِ اَلْهَادِي اَلمَهْدِيِّ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، اَلْأَئِمَّةِ اَلْهَادِينَ اَلمَهْدِيِّينَ، اَلْعُلَمَاءِ اَلصَّادِقِينَ، اَلْأَبْرَارِ اَلمُتَّقِينَ، دَعَائِمِ دِينِكَ، وَأَرْكَانِ تَوْحِيدِكَ، وَتَرَاجِمَةِ وَحْيِكَ، وَحُجَجِكَ عَلَى خَلْقِكَ، وَخُلَفَائِكَ فِي أَرْضِكَ، اَلَّذِينَ اِخْتَرْتَهُمْ لِنَفْسِكَ، وَاِصْطَفَيْتَهُمْ عَلَى عِبَادِكَ، وَاِرْتَضَيْتَهُمْ لِدِينِكَ، وَخَصَصْتَهُمْ بِمَعْرِفَتِكَ، وَجَلَّلْتَهُمْ بِكَرَامَتِكَ، وَغَشَّيْتَهُمْ بِرَحْمَتِكَ، وَرَبَّيْتَهُمْ بِنِعْمَتِكَ، وَغَذَّيْتَهُمْ بِحِكْمَتِكَ، وَأَلْبَسْتَهُمْ نُورَكَ، وَرَفَعْتَهُمْ فِي مَلَكُوتِكَ، وَحَفَفْتَهُمْ بِمَلَائِكَتِكَ، وَشَرَّفْتَهُمْ بِنَبِيِّكَ.
اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِمْ صَلَاةً كَثِيرَةً دَائِمَةً طَيِّبَةً، لَا يُحِيطُ بِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَسَعُهَا إِلَّا عِلْمُكَ، وَلَا يُحْصِيهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ.
اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى وَلِيِّكَ، اَلمُحْيِي سُنَّتَكَ، اَلْقَائِمِ بِأَمْرِكَ، اَلدَّاعِي إِلَيْكَ، اَلدَّلِيلِ عَلَيْكَ، وَحُجَّتِكَ عَلَى خَلْقِكَ، وَخَلِيفَتِكَ فِي أَرْضِكَ، وَشَاهِدِكَ عَلَى عِبَادِكَ.
اَللَّهُمَّ أَعِزَّ نَصْرَهُ، وَمُدَّ فِي عُمُرِهِ، وَزَيِّنِ اَلْأَرْضَ بِطُولِ بَقَائِهِ.
اَللَّهُمَّ اِكْفِهِ بَغْيَ اَلْحَاسِدِينَ، وَأَعِذْهُ مِنْ شَرِّ اَلْكَائِدِينَ، وَاِدْحَرْ عَنْهُ إِرَادَةَ اَلظَّالِمِينَ، وَتَخَلَّصْهُ مِنْ أَيْدِي اَلْجَبَّارِينَ.
اَللَّهُمَّ أَعْطِهِ فِي نَفْسِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَشِيعَتِهِ وَرَعِيَّتِهِ وَخَاصَّتِهِ وَعَامَّتِهِ وَعَدُوِّهِ وَجَمِيعِ أَهْلِ اَلدُّنْيَا مَا تُقِرُّ بِهِ عَيْنَهُ، وَتَسُرُّ بِهِ نَفْسَهُ، وَبَلِّغْهُ أَفْضَلَ أَمَلِهِ فِي اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
اَللَّهُمَّ جَدِّدْ بِهِ مَا مُحِيَ مِنْ دِينِكَ، وَأَحْيِ بِهِ مَا بُدِّلَ مِنْ كِتَابِكَ، وَأَظْهِرْ بِهِ مَا غُيِّرَ مِنْ حُكْمِكَ، حَتَّى يَعُودَ دِينُكَ بِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ غَضًّا جَدِيداً، خَالِصاً مُخْلَصاً لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ مَعَهُ، وَلَا بَاطِلَ عِنْدَهُ، وَلَا بِدْعَةَ لَدَيْهِ.
اَللَّهُمَّ نَوِّرْ بِنُورِهِ كُلَّ ظُلْمَةٍ، وَهُدَّ بِرُكْنِهِ كُلَّ بِدْعَةٍ، وَاهْدِمْ بِعِزَّتِهِ كُلَّ ضَلَالَةٍ، وَاِقْصِمْ(٩٢١) بِهِ كُلَّ جَبَّارٍ، وَأَخْمِدْ بِسَيْفِهِ(٩٢٢) كُلَّ نَارٍ، وَأَهْلِكْ بِعَدْلِهِ كُلَّ جَبَّارٍ، وَأَجْرِ حُكْمَهُ عَلَى كُلِّ حُكْمٍ، وَأَذِلَّ لِسُلْطَانِهِ(٩٢٣) كُلَّ سُلْطَانٍ.
اَللَّهُمَّ أَذِلَّ كُلَّ مَنْ نَاوَاهُ، وَأَهْلِكْ كُلَّ مَنْ عَادَاهُ، وَاُمْكُرْ بِمَنْ كَادَهُ، وَاِسْتَأْصِلْ مَنْ(٩٢٤) جَحَدَ حَقَّهُ، وَاِسْتَهَانَ بِأَمْرِهِ، وَسَعَى فِي إِطْفَاءِ نُورِهِ، وَأَرَادَ إِخْمَادَ ذِكْرِهِ.
اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ اَلمُصْطَفَى، وَعَلِيٍّ اَلمُرْتَضَى، وَفَاطِمَةَ اَلزَّهْرَاءِ، وَاَلْحَسَنِ اَلرِّضَا، وَاَلْحُسَيْنِ اَلمُصْطَفَى، وَجَمِيعِ اَلْأَوْصِيَاءِ، مَصَابِيحِ اَلدُّجَى، وَأَعْلَامِ اَلْهُدَى، وَمَنَارِ اَلتُّقَى، وَاَلْعُرْوَةِ اَلْوُثْقَى، وَاَلْحَبْلِ اَلمَتِينِ، وَاَلصِّرَاطِ اَلمُسْتَقِيمِ، وَصَلِّ عَلَى وَلِيِّكَ، وَوُلَاةِ عَهْدِهِ، وَاَلْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ، وَمُدَّ فِي أَعْمَارِهِمْ، وَأَزِدْ(٩٢٥) فِي آجَالِهِمْ، وَبَلِّغْهُمْ أَقْصَى آمَالِهِمْ [دِيناً](٩٢٦)، دُنْيَا وَآخِرَةً، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(٩٢٧).

* * *
[الفصل الرابع]: [ظهور المعجزات الدالَّة على إمامة الحجَّة (عجّل الله فرجه)]

فصل: [ظهور المعجزات الدالَّة على صحَّة إمامته (عجّل الله فرجه) في زمان الغيبة]:
وأمَّا ظهور المعجزات الدالَّة على صحَّة إمامته في زمان الغيبة، فهي أكثر من أنْ تُحصى، غير أنَّا نذكر طرفاً منها:
٢٣٩ - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي اَلْقَاسِمِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، رَفَعَهُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ، قَالَ: شَكَكْتُ عِنْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، وَكَانَ اِجْتَمَعَ عِنْدَ أَبِي مَالٌ جَلِيلٌ، فَحَمَلَهُ وَرَكِبَ اَلسَّفِينَةَ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ مُشَيِّعاً لَهُ، فَوُعِكَ وَعْكاً شَدِيداً، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، رُدَّنِي (رُدَّنِي)(٩٢٨)، فَهُوَ اَلمَوْتُ، وَاِتَّقِ اَللهَ فِي هَذَا اَلمَالِ، وَأَوْصَى إِلَيَّ وَمَاتَ.
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَمْ يَكُنْ أَبِي لِيُوصِيَ بِشَيْءٍ غَيْرِ صَحِيحٍ، أَحْمِلُ هَذَا اَلمَالَ إِلَى اَلْعِرَاقِ، وَأَكْتَرِي دَاراً عَلَى اَلشَّطِّ، وَلَا أُخْبِرُ أَحَداً، فَإِنْ وَضَحَ لِي شَيْءٌ كَوُضُوحِهِ أَيَّامَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) أَنْفَذْتُهُ، وَإِلَّا تَصَدَّقْتُ بِهِ(٩٢٩).
فَقَدِمْتُ اَلْعِرَاقَ، وَاِكْتَرَيْتُ دَاراً عَلَى اَلشَّطِّ، وَبَقِيتُ أَيَّاماً، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولٍ مَعَهُ رُقْعَةٌ فِيهَا: «يَا مُحَمَّدُ، مَعَكَ كَذَا (وَكَذَا) فِي جَوْفِ كَذَا وَكَذَا»، حَتَّى قَصَّ عَلَيَّ جَمِيعَ مَا مَعِي مِمَّا لَمْ أُحِطْ بِهِ عِلْماً، فَسَلَّمْتُ اَلمَالَ إِلَى اَلرَّسُولِ، وَبَقِيتُ أَيَّاماً لَا يُرْفَعُ بِي(٩٣٠) رَأْسٌ، فَاغْتَمَمْتُ، فَخَرَجَ إِلَيَّ: «قَدْ أَقَمْنَاكَ مَقَامَ أَبِيكَ، فَاحْمَدِ اَللهَ»(٩٣١)،(٩٣٢).
٢٤٠ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْفَضْلِ بْنِ يَزِيدَ(٩٣٣) اَلْيَمَانِيِّ، قَالَ: كَتَبْتُ فِي مَعْنَيَيْنِ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَكْتُبَ فِي اَلثَّالِثِ، وَاِمْتَنَعْتُ مِنْهُ مَخَافَةَ أَنْ يَكْرَهَ ذَلِكَ، فَوَرَدَ جَوَابُ اَلمَعْنَيَيْنِ وَاَلثَّالِثِ اَلَّذِي طَوَيْتُهُ مُفَسَّراً(٩٣٤).
٢٤١ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ بَدْرٍ - غُلَامِ أَحْمَدَ بْنِ اَلْحَسَنِ -، قَالَ: وَرَدْتُ اَلْجَبَلَ وَأَنَا لَا أَقُولُ بِالْإِمَامَةِ، أُحِبُّهُمْ جُمْلَةً، إِلَى أَنْ مَاتَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اَلمَلِكِ(٩٣٥)، فَأَوْصَى إِلَيَّ فِي عِلَّتِهِ أَنْ يُدْفَعَ اَلشِّهْرِيُّ(٩٣٦) اَلسَّمَنْدُ(٩٣٧) وَسَيْفُهُ وَمِنْطَقَتُهُ إِلَى مَوْلَاهُ، فَخِفْتُ إِنْ لَمْ أَدْفَعِ اَلشِّهْرِيَّ إِلَى إِذْكُوتَكِينَ نَالَنِي مِنْهُ اِسْتِخْفَافٌ، فَقَوَّمْتُ اَلدَّابَّةَ وَاَلسَّيْفَ وَاَلْمِنْطَقَةَ بِسَبْعِمِائَةِ دِينَارٍ فِي نَفْسِي، وَلَمْ أُطْلِعْ عَلَيْهِ(٩٣٨) أَحَداً، فَإِذَا اَلْكِتَابُ قَدْ وَرَدَ عَلَيَّ مِنَ اَلْعِرَاقِ أَنْ «وَجِّهِ اَلسَّبْعَمِائَةِ دِينَارٍ اَلَّتِي لَنَا قِبَلَكَ مِنْ ثَمَنِ اَلشَّهْرِيِّ اَلسَّمَنْدِ وَاَلسَّيْفِ وَاَلْمِنْطَقَةِ»(٩٣٩).
٢٤٢ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ عَلِيٍّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، قَالَ: وُلِدَ لِي مَوْلُودٌ، فَكَتَبْتُ أَسْتَأْذِنُ فِي تَطْهِيرِهِ (فِي)(٩٤٠) اَلْيَوْمِ اَلسَّابِعِ، فَوَرَدَ: «لَا تَفْعَلْ»، فَمَاتَ اَلْيَوْمَ اَلسَّابِعَ أَوِ اَلثَّامِنَ، ثُمَّ كَتَبْتُ بِمَوْتِهِ، فَوَرَدَ: «سَيُخْلِفُ اَللهُ غَيْرَهُ وَتُسَمِّيهِ أَحْمَدَ، وَمِنْ بَعْدِ أَحْمَدَ جَعْفَرٌ»، فَجَاءَ كَمَا قَالَ(٩٤١).
٢٤٣ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ عِيسَى بْنِ نَصْرٍ قَالَ: كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ اَلصَّيْمَرِيُّ يَلْتَمِسُ كَفَناً، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: «إِنَّكَ تَحْتَاجُ [إِلَيْهِ](٩٤٢) فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ»، فَمَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِالْكَفَنِ قَبْلَ مَوْتِهِ(٩٤٣).
٢٤٤ - مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: خَرَجَ نَهْيٌ عَنْ زِيَارَةِ مَقَابِرِ قُرَيْشٍ وَاَلْحَيْرِ(٩٤٤)، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَشْهُرٍ دَعَا اَلْوَزِيرُ اَلْبَاقَطَانِيَّ(٩٤٥) فَقَالَ لَهُ: اِلْقَ بَنِي اَلْفُرَاتِ وَاَلْبُرْسِيِّينَ(٩٤٦) وَقُلْ لَهُمْ: لَا تَزُورُوا مَقَابِرَ قُرَيْشٍ، فَقَدْ أَمَرَ اَلْخَلِيفَةُ أَنْ يُتَفَقَّدَ كُلُّ مَنْ زَارَ فَيُقْبَضَ عَلَيْهِ(٩٤٧).
[ظهور المعجزات من جهته (عجّل الله فرجه) من التوقيعات]:
وأمَّا ما ظهر من جهته (عليه السلام) من التوقيعات فكثيرة، نذكر طرفاً منها:
٢٤٥ - أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ(٩٤٨) اَلْقُمِّيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بُنَانِ اَلطَّلْحِيُّ اَلْآبِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدَةَ اَلنَّيْسَابُورِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ اَلرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي اَلشَّيْخُ اَلمَوْثُوقُ(٩٤٩) بِهِ بِمَدِينَةِ اَلسَّلَامِ، قَالَ: تَشَاجَرَ اِبْنُ أَبِي غَانِمٍ اَلْقَزْوِينِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ فِي اَلْخَلَفِ، فَذَكَرَ اِبْنُ أَبِي غَانِمٍ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) مَضَى وَلَا خَلَفَ لَهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ كَتَبُوا فِي ذَلِكَ كِتَاباً وَأَنْفَذُوهُ إِلَى اَلنَّاحِيَةِ، وَأَعْلَمُوهُ بِمَا تَشَاجَرُوا فِيهِ، فَوَرَدَ جَوَابُ كِتَابِهِمْ بِخَطِّهِ (عَلَيْهِ وَعَلَى آبَائِهِ اَلسَّلَامُ):
«بِسْمِ اَلله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، عَافَانَا اَللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ اَلضَّلَالَةِ(٩٥٠) وَاَلْفِتَنِ، وَوَهَبَ لَنَا وَلَكُمْ رُوحَ اَلْيَقِينِ، وَأَجَارَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنْ سُوءِ اَلمُنْقَلَبِ، إِنَّهُ أُنْهِيَ إِلَيَّ اِرْتِيَابُ جَمَاعَةٍ مِنْكُمْ فِي اَلدِّينِ، وَمَا دَخَلَهُمْ مِنَ اَلشَّكِّ وَاَلْحَيْرَةِ فِي وُلَاةِ أُمُورِهِمْ، فَغَمَّنَا ذَلِكَ لَكُمْ لَا لَنَا، وَسَاءَنَا فِيكُمْ لَا فِينَا، لِأَنَّ اَللهَ مَعَنَا وَلَا فَاقَةَ بِنَا إِلَى غَيْرِهِ، وَاَلْحَقُّ مَعَنَا فَلَنْ يُوحِشَنَا مَنْ قَعَدَ عَنَّا، وَنَحْنُ صَنَائِعُ رَبِّنَا، وَاَلْخَلْقُ بَعْدُ صَنَائِعُنَا. يَا هَؤُلَاءِ، مَا لَكُمْ فِي اَلرَّيْبِ تَتَرَدَّدُونَ، وَفِي اَلْحَيْرَةِ تَنْعَكِسُونَ(٩٥١)؟ أَوَ مَا سَمِعْتُمُ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]؟ أَوَ مَا عَلِمْتُمْ مَا جَاءَتْ بِهِ اَلْآثَارُ مِمَّا يَكُونُ وَيَحْدُثُ فِي أَئِمَّتِكُمْ عَنِ(٩٥٢) اَلمَاضِينَ وَاَلْبَاقِينَ مِنْهُمْ (عليهم السلام)؟ أَوَ مَا رَأَيْتُمْ كَيْفَ جَعَلَ اَللهُ لَكُمْ مَعَاقِلَ تَأْوُونَ إِلَيْهَا، وَأَعْلَاماً تَهْتَدُونَ بِهَا مِنْ لَدُنْ آدَمَ (عليه السلام) إِلَى أَنْ ظَهَرَ اَلمَاضِي (عليه السلام)، كُلَّمَا غَابَ عَلَمٌ بَدَا عَلَمٌ، وَإِذَا أَفَلَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ؟ فَلَمَّا قَبَضَهُ اَللهُ إِلَيْهِ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اَللهَ تَعَالَى أَبْطَلَ دِينَهُ، وَقَطَعَ اَلسَّبَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، كَلَّا مَا كَانَ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ حَتَّى تَقُومَ اَلسَّاعَةُ، وَيَظْهَرَ أَمْرُ اَلله سُبْحَانَهُ وَهُمْ كَارِهُونَ.
وَإِنَّ اَلمَاضِيَ (عليه السلام) مَضَى سَعِيداً فَقِيداً عَلَى مِنْهَاجِ آبَائِهِ (عليهم السلام) حَذْوَ اَلنَّعْلِ بِالنَّعْلِ، وَفِينَا وَصِيَّتُهُ وَعِلْمُهُ، وَمَنْ هُوَ خَلَفُهُ، وَمَنْ هُوَ يَسُدُّ مَسَدَّهُ، لَا يُنَازِعُنَا مَوْضِعَهُ إِلَّا ظَالِمٌ آثِمٌ، وَلَا يَدَّعِيهِ دُونَنَا إِلَّا جَاحِدٌ كَافِرٌ، وَلَوْ لَا أَنَّ أَمْرَ اَلله تَعَالَى لَا يُغْلَبُ، وَسِرَّهُ لَا يُظْهَرُ وَلَا يُعْلَنُ، لَظَهَرَ لَكُمْ مِنْ حَقِّنَا مَا تَبَيَّنَ(٩٥٣) مِنْهُ عُقُولُكُمْ، وَيُزِيلُ شُكُوكَكُمْ، لَكِنَّهُ مَا شَاءَ اَللهُ كَانَ، وَلِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ.
فَاتَّقُوا اَللهَ، وَسَلِّمُوا لَنَا، وَرُدُّوا اَلْأَمْرَ إِلَيْنَا، فَعَلَيْنَا اَلْإِصْدَارُ كَمَا كَانَ مِنَّا اَلْإِيرَادُ، وَلَا تُحَاوِلُوا كَشْفَ مَا غُطِّيَ عَنْكُمْ، وَلَا تَمِيلُوا عَنِ اَلْيَمِينِ وَتَعْدِلُوا إِلَى اَلشِّمَالِ، وَاِجْعَلُوا قَصْدَكُمْ إِلَيْنَا بِالمَوَدَّةِ عَلَى اَلسُّنَّةِ اَلْوَاضِحَةِ، فَقَدْ نَصَحْتُ لَكُمْ، وَاَللهُ شَاهِدٌ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ، وَلَوْ لَا مَا عِنْدَنَا مِنْ مَحَبَّةِ صَلَاحِكُمْ وَرَحْمَتِكُمْ وَاَلْإِشْفَاقِ عَلَيْكُمْ لَكُنَّا عَنْ مُخَاطَبَتِكُمْ فِي شُغُلٍ فِيمَا قَدِ اُمْتُحِنَّا بِهِ مِنْ مُنَازَعَةِ اَلظَّالِمِ اَلْعُتُلِّ(٩٥٤) اَلضَّالِّ اَلمُتَتَابِعِ فِي غَيِّهِ، اَلمُضَادِّ لِرَبِّهِ، اَلدَّاعِي مَا لَيْسَ لَهُ، اَلْجَاحِدِ حَقَّ مَنِ اِفْتَرَضَ اَللهُ طَاعَتَهُ، اَلظَّالِمِ اَلْغَاصِبِ، وَفِي اِبْنَةِ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لِي أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، وَسَيُرْدِي اَلْجَاهِلَ رَدَاءَةُ(٩٥٥) عَمَلِهِ، وَسَيَعْلَمُ اَلْكَافِرُ لِمَنْ عُقْبَى اَلدَّارِ، عَصَمَنَا اَللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ اَلمَهَالِكِ وَاَلْأَسْوَاءِ وَاَلْآفَاتِ وَاَلْعَاهَاتِ كُلِّهَا بِرَحْمَتِهِ، فَإِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ، وَاَلْقَادِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ، وَكَانَ لَنَا وَلَكُمْ وَلِيًّا وَحَافِظاً، وَاَلسَّلَامُ عَلَى جَمِيعِ اَلْأَوْصِيَاءِ وَاَلْأَوْلِيَاءِ وَاَلمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اَلله وَبَرَكَاتُهُ، وَصَلَّى اَللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً»(٩٥٦).
٢٤٦ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيِّ (رضي الله عنه)، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا اَلشَّيْخُ اَلصَّدُوقُ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدٍ اَلْأَشْعَرِيُّ (رحمه الله) أَنَّهُ جَاءَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُعْلِمُهُ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ عَلِيٍّ كَتَبَ إِلَيْهِ كِتَاباً يُعَرِّفُهُ فِيهِ نَفْسَهُ، وَيُعْلِمُهُ أَنَّهُ اَلْقَيِّمُ بَعْدَ أَخِيهِ، وَأَنَّ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ اَلْحَلَالِ وَاَلْحَرَامِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ اَلْعُلُومِ كُلِّهَا.
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا قَرَأْتُ اَلْكِتَابَ كَتَبْتُ إِلَى صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام)، وَصَيَّرْتُ كِتَابَ جَعْفَرٍ فِي دَرْجِهِ، فَخَرَجَ اَلْجَوَابُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ:
«بِسْمِ اَلله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، أَتَانِي كِتَابُكَ أَبْقَاكَ اَللهُ، وَاَلْكِتَابُ اَلَّذِي أَنْفَذْتَهُ دَرْجَهُ، وَأَحَاطَتْ مَعْرِفَتِي بِجَمِيعِ مَا تَضَمَّنَهُ عَلَى اِخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ، وَتَكَرُّرِ اَلْخَطَإِ فِيهِ، وَلَوْ تَدَبَّرْتَهُ لَوَقَفْتَ عَلَى بَعْضِ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَاَلْحَمْدُ لِله رَبِّ اَلْعَالَمِينَ، حَمْداً لَا شَرِيكَ لَهُ عَلَى إِحْسَانِهِ إِلَيْنَا، وَفَضْلِهِ عَلَيْنَا، أَبَى اَللهُ (عزَّ وجلَّ) لِلْحَقِّ إِلَّا إِتْمَاماً، وَلِلْبَاطِلِ إِلَّا زُهُوقاً، وَهُوَ شَاهِدٌ عَلَيَّ بِمَا أَذْكُرُهُ، وَلِي عَلَيْكُمْ بِمَا أَقُولُهُ إِذَا اِجْتَمَعْنَا لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَيَسْأَلُنَا عَمَّا نَحْنُ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ، إِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِصَاحِبِ اَلْكِتَابِ عَلَى اَلمَكْتُوبِ إِلَيْهِ وَلَا عَلَيْكَ وَلَا عَلَى أَحَدٍ مِنَ اَلْخَلْقِ جَمِيعاً إِمَامَةً مُفْتَرَضَةً، وَلَا طَاعَةً وَلَا ذِمَّةً، وَسَأُبَيِّنُ لَكُمْ جُمْلَةً تَكْتَفُونَ بِهَا إِنْ شَاءَ اَللهُ تَعَالَى.
يَا هَذَا، يَرْحَمُكَ اَللهُ، إِنَّ اَللهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقِ اَلْخَلْقَ عَبَثاً، وَلَا أَهْمَلَهُمْ سُدًى، بَلْ خَلَقَهُمْ بِقُدْرَتِهِ، وَجَعَلَ لَهُمْ أَسْمَاعاً وَأَبْصَاراً وَقُلُوباً وَأَلْبَاباً، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمُ اَلنَّبِيِّينَ (عليهم السلام) مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ، يَأْمُرُونَهُمْ بِطَاعَتِهِ وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَيُعَرِّفُونَهُمْ مَا جَهِلُوهُ مِنْ أَمْرِ خَالِقِهِمْ وَدِينِهِمْ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً، وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَائِكَةً يَأْتِينَ(٩٥٧) بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ بَعَثَهُمْ إِلَيْهِمْ بِالْفَضْلِ اَلَّذِي جَعَلَهُ لَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَمَا آتَاهُمْ مِنَ اَلدَّلَائِلِ اَلظَّاهِرَةِ، وَاَلْبَرَاهِينِ اَلْبَاهِرَةِ، وَاَلْآيَاتِ اَلْغَالِبَةِ.
فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ اَلنَّارَ عَلَيْهِ بَرْداً وَسَلَاماً، وَاِتَّخَذَهُ خَلِيلاً، وَمِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَهُ تَكْلِيماً، وَجَعَلَ عَصَاهُ ثُعْبَاناً مُبِيناً، وَمِنْهُمْ مَنْ أَحْيَا اَلمَوْتَى بِإِذْنِ اَلله، وَأَبْرَأَ اَلْأَكْمَهَ، وَاَلْأَبْرَصَ بِإِذْنِ اَلله، وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَّمَهُ مَنْطِقَ اَلطَّيْرِ، وَأُوتِيَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ بَعَثَ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَتَمَّمَ بِهِ نِعْمَتَهُ، وَخَتَمَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ، وَأَرْسَلَهُ إِلَى اَلنَّاسِ كَافَّةً، وَأَظْهَرَ مِنْ صِدْقِهِ مَا أَظْهَرَ، وَبَيَّنَ مِنْ آيَاتِهِ وَعَلَامَاتِهِ مَا بَيَّنَ، ثُمَّ قَبَضَهُ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حَمِيداً فَقِيداً سَعِيداً، وَجَعَلَ اَلْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ إِلَى أَخِيهِ وَاِبْنِ عَمِّهِ وَوَصِيِّهِ وَوَارِثِهِ عَلِيِّ اِبْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، ثُمَّ إِلَى اَلْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِهِ وَاحِداً وَاحِداً، أَحْيَا بِهِمْ دِينَهُ، وَأَتَمَّ بِهِمْ نُورَهُ، وَجَعَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِهِمْ وَبَنِي عَمِّهِمْ وَاَلْأَدْنَيْنِ فَالْأَدْنَيْنِ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِمْ فُرْقَاناً(٩٥٨) بَيِّناً يُعْرَفُ بِهِ اَلْحُجَّةُ مِنَ اَلمَحْجُوجِ، وَاَلْإِمَامُ مِنَ اَلمَأْمُومِ، بِأَنْ عَصَمَهُمْ مِنَ اَلذُّنُوبِ، وَبَرَّأَهُمْ مِنَ اَلْعُيُوبِ، وَطَهَّرَهُمْ مِنَ اَلدَّنَسِ، وَنَزَّهَهُمْ مِنَ اَللَّبْسِ، وَجَعَلَهُمْ خُزَّانَ عِلْمِهِ، وَمُسْتَوْدَعَ حِكْمَتِهِ، وَمَوْضِعَ سِرِّهِ، وَأَيَّدَهُمْ بِالدَّلَائِلِ، وَلَوْ لَا ذَلِكَ لَكَانَ اَلنَّاسُ عَلَى سَوَاءٍ، وَلَادَّعَى أَمْرَ اَلله (عزَّ وجلَّ) كُلُّ أَحَدٍ، وَلَمَا عُرِفَ اَلْحَقُّ مِنَ اَلْبَاطِلِ، وَلَا اَلْعَالِمُ مِنَ اَلْجَاهِلِ.
وَقَدِ اِدَّعَى هَذَا اَلمُبْطِلُ اَلمُفْتَرِي عَلَى اَلله اَلْكَذِبَ بِمَا اِدَّعَاهُ، فَلَا أَدْرِي بِأَيَّةِ حَالَةٍ هِيَ لَهُ رَجَاءَ أَنْ يُتِمَّ دَعْوَاهُ، أَبِفِقْهٍ فِي دِينِ اَلله؟ فَوَاَلله مَا يَعْرِفُ حَلَالاً مِنْ حَرَامٍ، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ خَطَإٍ وَصَوَابٍ، أَمْ بِعِلْمٍ؟ فَمَا يَعْلَمُ حَقًّا مِنْ بَاطِلٍ، وَلَا مُحْكَماً مِنْ مُتَشَابِهٍ، وَلَا يَعْرِفُ حَدَّ اَلصَّلَاةِ وَوَقْتَهَا، أَمْ بِوَرَعٍ؟ فَاللهُ شَهِيدٌ عَلَى تَرْكِهِ اَلصَّلَاةَ اَلْفَرْضَ أَرْبَعِينَ يَوْماً، يَزْعُمُ ذَلِكَ لِطَلَبِ اَلشَّعْوَذَةِ(٩٥٩)، وَلَعَلَّ خَبَرَهُ قَدْ تَأَدَّى إِلَيْكُمْ، وَهَاتِيكَ ظُرُوفُ مُسْكِرِهِ مَنْصُوبَةٌ، وَآثَارُ عِصْيَانِهِ لِله (عزَّ وجلَّ) مَشْهُورَةٌ قَائِمَةٌ، أَمْ بِآيَةٍ؟ فَلْيَأْتِ بِهَا، أَمْ بِحُجَّةٍ؟ فَلْيُقِمْهَا، أَمْ بِدَلَالَةٍ؟ فَلْيَذْكُرْهَا، قَالَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) فِي كِتَابِهِ: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَا ذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف: ١ - ٦].
فَالْتَمِسْ تَوَلَّى اَللهُ تَوْفِيقَكَ مِنْ هَذَا اَلظَّالِمِ مَا ذَكَرْتُ لَكَ، وَاِمْتَحِنْهُ، وَسَلْهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اَلله يُفَسِّرْهَا، أَوْ صَلَاةِ فَرِيضَةٍ يُبَيِّنْ حُدُودَهَا وَمَا يَجِبُ فِيهَا، لِتَعْلَمَ حَالَهُ وَمِقْدَارَهُ، وَيَظْهَرَ لَكَ عُوَارُهُ(٩٦٠) وَنُقْصَانُهُ، وَاَللهُ حَسِيبُهُ.
حَفِظَ اَللهُ اَلْحَقَّ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَقَرَّهُ فِي مُسْتَقَرِّهِ، وَقَدْ أَبَى اَللهُ (عزَّ وجلَّ) أَنْ تَكُونَ اَلْإِمَامَةُ فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ اَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام)، وَإِذَا أَذِنَ اَللهُ لَنَا فِي اَلْقَوْلِ ظَهَرَ اَلْحَقُّ، وَاِضْمَحَلَّ اَلْبَاطِلُ، وَاِنْحَسَرَ عَنْكُمْ، وَإِلَى اَلله أَرْغَبُ فِي اَلْكِفَايَةِ، وَجَمِيلِ اَلصُّنْعِ وَاَلْوَلَايَةِ، وَحَسْبُنَا اَللهُ وَنِعْمَ اَلْوَكِيلُ، وَصَلَّى اَللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ»(٩٦١).
٢٤٧ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ وَأَبِي غَالِبٍ اَلزُّرَارِيِّ (وَغَيْرِهِمَا)(٩٦٢)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيَّ (رحمه الله) أَنْ يُوصِلَ لِي كِتَاباً قَدْ سَأَلْتُ فِيهِ عَنْ مَسَائِلَ أَشْكَلَتْ عَلَيَّ، فَوَرَدَ اَلتَّوْقِيعُ بِخَطِّ مَوْلَانَا صَاحِبِ اَلدَّارِ (عليه السلام)(٩٦٣): «أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ - أَرْشَدَكَ اَللهُ وَثَبَّتَكَ - مِنْ أَمْرِ اَلمُنْكِرِينَ لِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِنَا وَبَنِي عَمِّنَا، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ اَلله (عزَّ وجلَّ) وَبَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَةٌ، وَمَنْ أَنْكَرَنِي فَلَيْسَ مِنِّي، وَسَبِيلُهُ سَبِيلُ اِبْنِ نُوحٍ (عليه السلام)، وَأَمَّا سَبِيلُ عَمِّي جَعْفَرٍ وَوُلْدِهِ فَسَبِيلُ إِخْوَةِ يُوسُفَ (عَلَى نَبِيِّنَا وَآلِهِ وَعَلَيْهِ اَلسَّلَامُ)، وَأَمَّا اَلْفُقَّاعُ فَشُرْبُهُ حَرَامٌ، وَلَا بَأْسَ بِالشَّلْمَابِ(٩٦٤)، وَأَمَّا أَمْوَالُكُمْ فَمَا نَقْبَلُهَا إِلَّا لِتُطَهَّرُوا، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصِلْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَقْطَعْ، فَمَا آتَانَا اَللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ، وَأَمَّا ظُهُورُ اَلْفَرَجِ فَإِنَّهُ إِلَى اَلله (عزَّ وجلَّ)، كَذَبَ(٩٦٥) اَلْوَقَّاتُونَ، وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اَلْحُسَيْنَ (عليه السلام) لَمْ يُقْتَلْ فَكُفْرٌ وَتَكْذِيبٌ وَضَلَالٌ، وَأَمَّا اَلْحَوَادِثُ اَلْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا، فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ، وَأَنَا حُجَّةُ اَلله (عَلَيْكُمْ)(٩٦٦)، وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيُّ (رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ وَعَنْ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ)، فَإِنَّهُ ثِقَتِي وَكِتَابُهُ كِتَابِي، وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ اَلْأَهْوَازِيُّ فَسَيُصْلِحُ اَللهُ قَلْبَهُ، وَيُزِيلُ عَنْهُ شَكَّهُ، وَأَمَّا مَا وَصَلْتَنَا بِهِ فَلَا قَبُولَ عِنْدَنَا إِلَّا لِمَا طَابَ وَطَهُرَ، وَثَمَنُ اَلمُغَنِّيَةِ حَرَامٌ، وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ بْنِ نُعَيْمٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ مِنْ شِيعَتِنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ، وَأَمَّا أَبُو اَلْخَطَّابِ مُحَمَّدُ بْنُ (أَبِي)(٩٦٧) زَيْنَبَ اَلْأَجْدَعُ مَلْعُونٌ وَأَصْحَابُهُ مَلْعُونُونَ، فَلَا تُجَالِسْ أَهْلَ مَقَالَتِهِمْ، وَإِنِّي مِنْهُمْ بَرِيءٌ، وَآبَائِي (عليهم السلام) مِنْهُمْ بُرَآءُ، وَأَمَّا اَلمُتَلَبِّسُونَ بِأَمْوَالِنَا فَمَنِ اِسْتَحَلَّ مِنْهَا شَيْئاً فَأَكَلَهُ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ اَلنِّيرَانَ، وَأَمَّا اَلْخُمُسُ(٩٦٨) فَقَدْ أُبِيحَ لِشِيعَتِنَا وَجُعِلُوا مِنْهُ فِي حِلٍّ إِلَى وَقْتِ ظُهُورِ أَمْرِنَا، لِتَطِيبَ وِلَادَتُهُمْ وَلَا تَخْبُثَ، وَأَمَّا نَدَامَةُ قَوْمٍ قَدْ شَكُّوا فِي دِينِ اَلله عَلَى مَا وَصَلُونَا بِهِ، فَقَدْ أَقَلْنَا مَنِ اِسْتَقَالَ، وَلَا حَاجَةَ لَنَا فِي صِلَةِ اَلشَّاكِّينَ، وَأَمَّا عِلَّةُ مَا وَقَعَ مِنَ اَلْغَيْبَةِ فَإِنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١]، إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ آبَائِي إِلَّا وَقَدْ وَقَعَتْ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ لِطَاغِيَةِ زَمَانِهِ، وَإِنِّي أَخْرُجُ حِينَ أَخْرُجُ وَلَا بَيْعَةَ لِأَحَدٍ مِنَ اَلطَّوَاغِيتِ فِي عُنُقِي، وَأَمَّا وَجْهُ اَلاِنْتِفَاعِ فِي غَيْبَتِي فَكَالاِنْتِفَاعِ بِالشَّمْسِ إِذَا غَيَّبَتْهَا عَنِ اَلْأَبْصَارِ اَلسَّحَابُ، وَإِنِّي لَأَمَانُ أَهْلِ اَلْأَرْضِ كَمَا أَنَّ اَلنُّجُومَ أَمَانٌ لِأَهْلِ اَلسَّمَاءِ، فَأَغْلِقُوا اَلسُّؤَالَ عَمَّا لَا يَعْنِيكُمْ، وَلَا تَتَكَلَّفُوا عَلَى مَا قَدْ كُفِيتُمْ، وَأَكْثِرُوا اَلدُّعَاءَ بِتَعْجِيلِ اَلْفَرَجِ، فَإِنَّ ذَلِكَ فَرَجُكُمْ، وَاَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا إِسْحَاقَ بْنَ يَعْقُوبَ، وَعَلَى مَنِ اِتَّبَعَ اَلْهُدَى»(٩٦٩).
٢٤٨ - وَأَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ(٩٧٠)، عَنْ أَبِي اَلْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ نُوحٍ(٩٧١)، عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اَلله بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْكَاتِبِ(٩٧٢)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو اَلْحَسَنِ أَحْمَدُ اِبْنُ مُحَمَّدِ بْنِ تربك(٩٧٣) اَلرُّهَاوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ اِبْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ - أَوْ قَالَ: أَبُو اَلْحَسَنِ (عَلِيُّ بْنُ)(٩٧٤) أَحْمَدَ اَلدَّلَّالُ اَلْقُمِّيُّ، قَالَ:
اِخْتَلَفَ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ فِي أَنَّ اَلله (عزَّ وجلَّ) فَوَّضَ إِلَى اَلْأَئِمَّةِ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيهِم) أَنْ يَخْلُقُوا أَوْ يَرْزُقُوا؟ فَقَالَ قَوْمٌ: هَذَا مُحَالٌ، لَا يَجُوزُ عَلَى اَلله تَعَالَى، لِأَنَّ اَلْأَجْسَامَ لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِهَا غَيْرُ اَلله (عزَّ وجلَّ)، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ اَللهُ تَعَالَى أَقْدَرَ اَلْأَئِمَّةَ عَلَى ذَلِكَ، وَفَوَّضَهُ إِلَيْهِمْ، فَخَلَقُوا وَرَزَقُوا، وَتَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ تَنَازُعاً شَدِيداً، فَقَالَ قَائِلٌ: مَا بَالُكُمْ لَا تَرْجِعُونَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ، فَتَسْأَلُونَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَيُوَضِّحَ(٩٧٥) لَكُمُ اَلْحَقَّ فِيهِ، فَإِنَّهُ اَلطَّرِيقُ إِلَى صَاحِبِ اَلْأَمْرِ (عجّل الله فرجه)؟ فَرَضِيَتِ اَلْجَمَاعَةُ بِأَبِي جَعْفَرٍ وَسَلَّمَتْ وَأَجَابَتْ إِلَى قَوْلِهِ، فَكَتَبُوا اَلمَسْأَلَةَ وَأَنْفَذُوهَا إِلَيْهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ جِهَتِهِ تَوْقِيعٌ نُسْخَتُهُ:
«إِنَّ اَللهَ تَعَالَى هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ اَلْأَجْسَامَ وَقَسَمَ اَلْأَرْزَاقَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا حَالٌّ فِي جِسْمٍ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ، وَأَمَّا(٩٧٦) اَلْأَئِمَّةُ (عليهم السلام) فَإِنَّهُمْ يَسْأَلُونَ اَللهَ تَعَالَى فَيَخْلُقُ، وَيَسْأَلُونَهُ فَيَرْزُقُ، إِيجَاباً لِمَسْأَلَتِهِمْ، وَإِعْظَاماً لِحَقِّهِمْ»(٩٧٧).
٢٤٩ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اَلله بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ بِنْتِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ بَنِي نَوْبَخْتَ، مِنْهُمْ: أَبُو اَلْحَسَنِ اِبْنُ كَثِيرٍ اَلنَّوْبَخْتِيُّ(٩٧٨) (رحمه الله)، وَحَدَّثَتْنِي بِهِ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ (رضي الله عنه) أَنَّهُ حَمَلَ إِلَى أَبِي [جَعْفَرٍ](٩٧٩) (رضي الله عنه) فِي وَقْتٍ مِنَ اَلْأَوْقَاتِ مَا يُنْفِذُهُ إِلَى صَاحِبِ اَلْأَمْرِ (عليه السلام) مِنْ قُمَّ وَنَوَاحِيهَا، فَلَمَّا وَصَلَ اَلرَّسُولُ إِلَى بَغْدَادَ وَدَخَلَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَأَوْصَلَ إِلَيْهِ مَا دُفِعَ إِلَيْهِ وَوَدَّعَهُ وَجَاءَ لِيَنْصَرِفَ، قَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: قَدْ بَقِيَ شَيْءٌ مِمَّا اُسْتُودِعْتَهُ، فَأَيْنَ هُوَ؟ فَقَالَ لَهُ اَلرَّجُلُ: لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يَا سَيِّدِي فِي يَدِي إِلَّا وَقَدْ سَلَّمْتُهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: بَلَى، قَدْ بَقِيَ شَيْءٌ، فَارْجَعْ إِلَى مَا مَعَكَ وَفَتِّشْهُ وَتَذَكَّرْ مَا دُفِعَ إِلَيْكَ، فَمَضَى اَلرَّجُلُ، فَبَقِيَ أَيَّاماً يَتَذَكَّرُ وَيَبْحَثُ وَيُفَكِّرُ، فَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئاً، وَلَا أَخْبَرَهُ مَنْ كَانَ فِي جُمْلَتِهِ، فَرَجَعَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَقَالَ لَهُ: لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ فِي يَدِي مِمَّا سُلِّمَ إِلَيَّ وَقَدْ حَمَلْتُهُ إِلَى حَضْرَتِكَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإِنَّهُ يُقَالُ لَكَ: «اَلثَّوْبَانِ اَلسَّرْدَانِيَّانِ(٩٨٠) اَللَّذَانِ دَفَعَهُمَا إِلَيْكَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مَا فَعَلَا؟»، فَقَالَ لَهُ اَلرَّجُلُ: إِي وَاَلله يَا سَيِّدِي لَقَدْ نَسِيتُهُمَا حَتَّى ذَهَبَا عَنْ قَلْبِي، وَلَسْتُ أَدْرِي اَلْآنَ أَيْنَ وَضَعْتُهُمَا، فَمَضَى اَلرَّجُلُ، فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ كَانَ مَعَهُ إِلَّا فَتَّشَهُ وَحَلَّهُ(٩٨١)، وَسَأَلَ مَنْ حَمَلَ إِلَيْهِ شَيْئاً مِنَ اَلمَتَاعِ أَنْ يُفَتِّشَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَقِفْ لَهُمَا عَلَى خَبَرٍ، فَرَجَعَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: يُقَالُ لَكَ: «اِمْضِ إِلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ اَلْقَطَّانِ اَلَّذِي حَمَلْتَ إِلَيْهِ اَلْعِدْلَيْنِ اَلْقُطْنَ فِي دَارِ اَلْقُطْنِ، فَافْتُقْ أَحَدَهُمَا وَهُوَ اَلَّذِي عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّهُمَا فِي جَانِبِهِ»، فَتَحَيَّرَ اَلرَّجُلُ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَمَضَى لِوَجْهِهِ إِلَى اَلمَوْضِعِ، فَفَتَقَ اَلْعِدْلَ اَلَّذِي قَالَ لَهُ: اُفْتُقْهُ، فَإِذَا اَلثَّوْبَانِ فِي جَانِبِهِ قَدِ اِنْدَسَّا مَعَ اَلْقُطْنِ، فَأَخَذَهُمَا وَجَاءَ (بِهِمَا) إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَسَلَّمَهُمَا إِلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: لَقَدْ نَسِيتُهُمَا، لِأَنِّي لَـمَّا شَدَدْتُ اَلمَتَاعَ بَقِيَا، فَجَعَلْتُهُمَا فِي جَانِبِ اَلْعِدْلِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَحْفَظَ لَهُمَا.
وَتَحَدَّثَ اَلرَّجُلُ بِمَا رَآهُ وَأَخْبَرَهُ بِهِ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ عَجِيبِ اَلْأَمْرِ اَلَّذِي لَا يَقِفُ إِلَيْهِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ إِمَامٌ مِنْ قِبَلِ اَلله اَلَّذِي يَعْلَمُ اَلسَّرَائِرَ وَمَا تُخْفِي اَلصُّدُورُ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا اَلرَّجُلُ يَعْرِفُ أَبَا جَعْفَرٍ، وَإِنَّمَا أُنْفِذَ عَلَى يَدِهِ كَمَا يُنْفِذُ اَلتُّجَّارُ إِلَى أَصْحَابِهِمْ عَلَى يَدِ مَنْ يَثِقُونَ بِهِ، وَلَا كَانَ مَعَهُ تَذْكِرَةٌ سَلَّمَهَا إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَلَا كِتَابٌ، لِأَنَّ اَلْأَمْرَ كَانَ حَادًّا جِدًّا فِي زَمَانِ اَلمُعْتَضِدِ، وَاَلسَّيْفُ يَقْطُرُ دَماً كَمَا يُقَالُ، وَكَانَ سِرًّا بَيْنَ اَلْخَاصِّ مِنْ أَهْلِ هَذَا اَلشَّأْنِ، وَكَانَ مَا يُحْمَلُ بِهِ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ لَا يَقِفُ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَى خَبَرِهِ وَلَا حَالِهِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: اِمْضِ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَسَلِّمْ مَا مَعَكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْعَرَ بِشَيْءٍ، وَلَا يُدْفَعَ إِلَيْهِ كِتَابٌ، لِئَلَّا يُوقَفَ عَلَى مَا تَحْمِلُهُ مِنْهُ.
٢٥٠ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى اَلدَّقَّاقُ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اَلسِّنَانِيُّ وَاَلْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ هِشَامٍ اَلمُؤَدِّبُ، عَنْ أَبِي اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيِّ اَلْكُوفِيِّ (رضي الله عنه) أَنَّهُ وَرَدَ عَلَيْهِ فِيمَا وَرَدَ مِنْ جَوَابِ مَسَائِلِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ (قدّس سره): «وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنَ اَلصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ اَلشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا، فَلَئِنْ كَانَ كَمَا يَقُولُ اَلنَّاسُ: إِنَّ اَلشَّمْسَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَتَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، فَمَا أُرْغِمَ أَنْفُ اَلشَّيْطَانِ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ اَلصَّلَاةِ(٩٨٢)، فَصَلِّهَا وَأَرْغِمْ [أَنْفَ](٩٨٣) اَلشَّيْطَانِ»(٩٨٤).
٢٥١ - وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ بَابَوَيْهِ فِي اَلْخَبَرِ اَلَّذِي رُوِيَ(٩٨٥) فِيمَنْ أَفْطَرَ يَوْماً فِي(٩٨٦) شَهْرِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّداً إنَّ عَلَيْهِ ثَلَاثَ كَفَّارَاتٍ: فَإِنِّي أُفْتِي بِهِ فِيمَنْ أَفْطَرَ بِجِمَاعٍ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ، أَوْ بِطَعَامٍ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ، لِوُجُودِ ذَلِكَ فِي رِوَايَاتِ أَبِي اَلْحُسَيْنِ اَلْأَسَدِيِّ(٩٨٧) فِيمَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنَ اَلشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ (رضي الله عنه)(٩٨٨).
٢٥٢ - أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَعَلَى خَاتَمِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلسَّمَّانِ (رضي الله عنه): (لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ اَلمَلِكُ اَلْحَقُّ اَلمُبِينُ)، فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ - يَعْنِي صَاحِبَ اَلْعَسْكَرِ (عليه السلام)، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، أَنَّهُمْ قَالُوا: «كَانَ لِفَاطِمَةَ (عليها السلام) خَاتَمٌ فَصُّهُ عَقِيقٌ، فَلَمَّا حَضَرَتْهَا اَلْوَفَاةُ دَفَعَتْهُ إِلَى اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ دَفَعَهُ إِلَى اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، قَالَ اَلْحُسَيْنُ (عليه السلام): فَاشْتَهَيْتُ أَنْ أَنْقُشَ عَلَيْهِ شَيْئاً، فَرَأَيْتُ فِي اَلنَّوْمِ اَلمَسِيحَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ (عَلَى نَبِيِّنَا وَآلِهِ وَعَلَيْهِ اَلسَّلَامُ)، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رُوحَ اَلله، مَا أَنْقُشُ عَلَى خَاتَمِي هَذَا؟ قَالَ: اُنْقُشْ عَلَيْهِ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ اَلمَلِكُ اَلْحَقُّ اَلمُبِينُ)، فَإِنَّهُ أَوَّلُ اَلتَّوْرَاةِ، وَآخِرُ اَلْإِنْجِيلِ».
٢٥٣ - وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اَلله اِبْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام)(٩٨٩)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْكُلَيْنِيُّ، قَالَ: كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ اَلصَّيْمَرِيُّ يَسْأَلُ صَاحِبَ اَلزَّمَانِ (عجّل الله فرجه) كَفَناً يَتَيَمَّنُ بِمَا يَكُونُ مِنْ عِنْدِهِ، فَوَرَدَ: «إِنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ»، فَمَاتَ (رحمه الله) فِي هَذَا اَلْوَقْتِ اَلَّذِي حَدَّهُ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِالْكَفَنِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ(٩٩٠).
٢٥٤ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَيَّاشٍ(٩٩١)، قَالَ: حَدَّثَنِي اِبْنُ مَرْوَانَ اَلْكُوفِيُّ(٩٩٢)، قَالَ: حَدَّثَنِي اِبْنُ أَبِي سُورَةَ، قَالَ: كُنْتُ بِالْحَائِرِ زَائِراً عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَخَرَجْتُ مُتَوَجِّهاً عَلَى طَرِيقِ اَلْبَرِّ، فَلَمَّا اِنْتَهَيْتُ [إِلَى](٩٩٣) اَلمُسَنَّاةِ جَلَسْتُ إِلَيْهَا مُسْتَرِيحاً، ثُمَّ قُمْتُ أَمْشِي وَإِذَا رَجُلٌ عَلَى ظَهْرِ اَلطَّرِيقِ، فَقَالَ لِي: «هَلْ لَكَ فِي اَلرِّفْقَةِ؟»، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَمَشَيْنَا مَعاً يُحَدِّثُنِي وَأُحَدِّثُهُ، وَسَأَلَنِي عَنْ حَالِي، فَأَعْلَمْتُهُ أَنِّي مُضَيَّقٌ لَا شَيْءَ مَعِي وَلَا فِي يَدِي، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ لِي: «إِذَا دَخَلْتَ اَلْكُوفَةَ فَائْتِ أبا طَاهِرٍ اَلزُّرَارِيِّ فَاقْرَعْ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ إِلَيْكَ(٩٩٤) وَفِي يَدِهِ دَمُ اَلْأُضْحِيَّةِ، فَقُلْ لَهُ: يُقَالُ لَكَ: أَعْطِ هَذَا اَلرَّجُلَ اَلصُّرَّةَ اَلدَّنَانِيرَ اَلَّتِي عِنْدَ رِجْلِ اَلسَّرِيرِ»، فَتَعَجَّبْتُ مِنْ هَذَا، ثُمَّ فَارَقَنِي وَمَضَى لِوَجْهِهِ لَا أَدْرِي أَيْنَ سَلَكَ.
وَدَخَلْتُ اَلْكُوفَةَ، فَقَصَدْتُ أَبَا طَاهِرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ اَلزُّرَارِيِّ(٩٩٥)، فَقَرَعْتُ بَابَهُ كَمَا قَالَ لِي، وَخَرَجَ إِلَيَّ وَفِي يَدِهِ دَمُ اَلْأُضْحِيَّةِ، فَقُلْتُ لَهُ: يُقَالُ لَكَ: أَعْطِ هَذَا اَلرَّجُلَ اَلصُّرَّةَ اَلدَّنَانِيرَ اَلَّتِي عِنْدَ رِجْلِ اَلسَّرِيرِ، فَقَالَ: سَمْعاً وَطَاعَةً، وَدَخَلَ فَأَخْرَجَ إِلَيَّ اَلصُّرَّةَ فَسَلَّمَهَا إِلَيَّ، فَأَخَذْتُهَا وَاِنْصَرَفْتُ.
٢٥٥ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلزُّرَارِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اَلله مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مَرْوَانَ(٩٩٦)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْجَعْفَرِيُّ وَأَبُو اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلرَّقَّامِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو سُورَةَ - قَالَ أَبُو غَالِبٍ: وَقَدْ رَأَيْتُ اِبْناً لِأَبِي سُورَةَ، وَكَانَ أَبُو سُورَةَ أَحَدَ مَشَايِخِ اَلزَّيْدِيَّةِ اَلمَذْكُورِينَ -، قَالَ أَبُو سُورَةَ: خَرَجْتُ إِلَى قَبْرِ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أُرِيدُ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَعَرَّفْتُ(٩٩٧) يَوْمَ عَرَفَةَ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ عِشَاءِ اَلْآخِرَةِ صَلَّيْتُ وَقُمْتُ، فَابْتَدَأْتُ أَقْرَأُ مِنَ اَلْحَمْدِ وَإِذَا شَابٌّ حَسَنُ اَلْوَجْهِ عَلَيْهِ جُبَّةٌ سَيْفِيٌّ، فَابْتَدَأَ أَيْضاً مِنَ اَلْحَمْدِ وَخَتَمَ قَبْلِي أَوْ خَتَمْتُ قَبْلَهُ، فَلَمَّا كَانَ اَلْغَدَاةُ خَرَجْنَا جَمِيعاً مِنْ بَابِ اَلْحَائِرِ، فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى شَاطِئِ اَلْفُرَاتِ قَالَ لِيَ اَلشَّابُّ: «أَنْتَ تُرِيدُ اَلْكُوفَةَ، فَامْضِ»، فَمَضَيْتُ طَرِيقَ اَلْفُرَاتِ، وَأَخَذَ اَلشَّابُّ طَرِيقَ اَلْبَرِّ.
قَالَ أَبُو سُورَةَ: ثُمَّ أَسِفْتُ عَلَى فِرَاقِهِ، فَاتَّبَعْتُهُ، فَقَالَ لِي: «تَعَالَ»، فَجِئْنَا جَمِيعاً إِلَى أَصْلِ حِصْنِ اَلمُسَنَّاةِ، فَنِمْنَا جَمِيعاً، وَاِنْتَبَهْنَا فَإِذَا نَحْنُ عَلَى اَلْعَوْفِيِّ(٩٩٨) عَلَى جَبَلِ اَلْخَنْدَقِ، فَقَالَ لِي: «أَنْتَ مُضَيَّقٌ وَعَلَيْكَ عِيَالٌ، فَامْضِ إِلَى أَبِي طَاهِرٍ اَلزُّرَارِيِّ، فَيَخْرُجُ إِلَيْكَ(٩٩٩) مِنْ مَنْزِلِهِ وَفِي يَدِهِ اَلدَّمُ مِنَ اَلْأُضْحِيَّةِ(١٠٠٠)، فَقُلْ لَهُ: شَابٌّ مِنْ صِفَتِهِ كَذَا يَقُولُ: لَكَ صُرَّةٌ فِيهَا عِشْرُونَ دِينَاراً جَاءَكَ بِهَا بَعْضُ إِخْوَانِكَ، فَخُذْهَا مِنْهُ».
قَالَ أَبُو سُورَةَ: فَصِرْتُ إِلَى أَبِي طَاهِرِ اَلزُّرَارِيِّ كَمَا قَالَ اَلشَّابُّ، وَوَصَفْتُهُ لَهُ، فَقَالَ: اَلْحَمْدُ لِله، وَرَأَيْتُهُ، فَدَخَلَ وَأَخْرَجَ إِلَيَّ اَلصُّرَّةَ اَلدَّنَانِيرَ، فَدَفَعَهَا إِلَيَّ وَاِنْصَرَفْتُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مَرْوَانَ - وَهُوَ أَيْضاً مِنْ أَحَدِ مَشَايِخِ اَلزَّيْدِيَّةِ -: حَدَّثْتُ بِهَذَا اَلْحَدِيثِ أَبَا اَلْحَسَنِ مُحَمَّدَ بْنَ عُبَيْدِ اَلله اَلْعَلَوِيَّ وَنَحْنُ نُزُولٌ بِأَرْضِ اَلْهِرِّ، فَقَالَ: هَذَا حَقٌّ، جَاءَنِي رَجُلٌ شَابٌّ فَتَوَسَّمْتُ(١٠٠١) فِي وَجْهِهِ سِمَةً، فَانْصَرَفَ(١٠٠٢) اَلنَّاسُ كُلُّهُمْ، وَقُلْتُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ اَلْخَلَفِ (عليه السلام) إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِهِ بِبَغْدَادَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَعَكَ رَاحِلَةٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ فِي دَارِ اَلطَّلْحِيِّينَ، فَقُلْتُ لَهُ: قُمْ فَجِئْ بِهَا، وَوَجَّهْتُ مَعَهُ غُلَاماً، فَأَحْضَرَ رَاحِلَتَهُ وَأَقَامَ عِنْدِي يَوْمَهُ ذَلِكَ، وَأَكَلَ مِنْ طَعَامِي، وَحَدَّثَنِي بِكَثِيرٍ مِنْ سِرِّي وَضَمِيرِي، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: عَلَى أَيِّ طَرِيقٍ تَأْخُذُ؟ قَالَ: أَنْزِلُ إِلَى هَذِهِ اَلنَّجَفَةِ، ثُمَّ آتِي وَادِيَ اَلرَّمْلَةِ، ثُمَّ آتِي اَلْفُسْطَاطَ، (وَأَتَّبِعُ اَلرَّاحِلَةَ)(١٠٠٣)، فَأَرْكَبُ إِلَى اَلْخَلَفِ (عليه السلام) إِلَى اَلمَغْرِبِ.
قَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله: فَلَمَّا كَانَ مِنَ اَلْغَدِ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَرَكِبْتُ مَعَهُ حَتَّى صِرْنَا إِلَى قَنْطَرَةِ دَارِ صَالِحٍ، فَعَبَرَ اَلْخَنْدَقَ وَحْدَهُ وَأَنَا أَرَاهُ حَتَّى نَزَلَ اَلنَّجَفَ وَغَابَ عَنْ عَيْنِي.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ: فَحَدَّثْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي دَارِمٍ اَلْيَمَامِيَّ(١٠٠٤) - وَهُوَ مِنْ أَحَدِ مَشَايِخِ اَلْحَشْوِيَّةِ - بِهَذَيْنِ اَلْحَدِيثَيْنِ، فَقَالَ: هَذَا حَقٌّ، جَاءَنِي مُنْذُ سُنَيَّاتٍ اِبْنُ أُخْتِ أَبِي بَكْرِ بْنِ اَلنُّخَالِيِّ اَلْعَطَّارِ - وَهُوَ صُوفِيٌّ يَصْحَبُ اَلصُّوفِيَّةَ -، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ وَأَيْنَ كُنْتَ؟ فَقَالَ لِي: أَنَا مُسَافِرٌ مُنْذُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَقُلْتُ لَهُ: فَأَيش(١٠٠٥) أَعْجَبُ مَا رَأَيْتَ؟ فَقَالَ: نَزَلْتُ فِي اَلْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فِي خَانٍ يَنْزِلُهُ اَلْغُرَبَاءُ، وَكَانَ فِي وَسَطِ اَلْخَانِ مَسْجِدٌ يُصَلِّي فِيهِ أَهْلُ اَلْخَانِ، وَلَهُ إِمَامٌ وَكَانَ شَابٌّ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتٍ لَهُ أَوْ غُرْفَةٍ، فَيُصَلِّي خَلْفَ اَلْإِمَامِ وَيَرْجِعُ مِنْ وَقْتِهِ إِلَى بَيْتِهِ، وَلَا يَلْبَثُ مَعَ اَلْجَمَاعَةِ.
قَالَ: فَقُلْتُ - لَـمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيَّ وَرَأَيْتُ مَنْظَرَهُ شَابٌّ نَظِيفٌ عَلَيْهِ عَبَاءٌ -: أَنَا وَاَلله أُحِبُّ خِدْمَتَكَ وَاَلتَّشَرُّفَ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ: «شَأْنَكَ»، فَلَمْ أَزَلْ أَخْدُمُهُ حَتَّى أَنِسَ بِيَ اَلْأُنْسَ اَلتَّامَّ، فَقُلْتُ لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ: مَنْ أَنْتَ أَعَزَّكَ اَللهُ؟ قَالَ: «أَنَا صَاحِبُ اَلْحَقِّ»، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، مَتَى تَظْهَرُ؟ فَقَالَ: «لَيْسَ هَذَا أَوَانَ ظُهُورِي، وَقَدْ بَقِيَ مُدَّةٌ مِنَ اَلزَّمَانِ»، فَلَمْ أَزَلْ عَلَى خِدْمَتِهِ تِلْكَ وَهُوَ عَلَى حَالَتِهِ مِنْ صَلَاةِ اَلْجَمَاعَةِ وَتَرْكِ اَلْخَوْضِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، إِلَى أَنْ قَالَ: «أَحْتَاجُ إِلَى اَلسَّفَرِ»، فَقُلْتُ لَهُ: أَنَا مَعَكَ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، مَتَى يَظْهَرُ أَمْرُكَ؟ قَالَ: «عَلَامَةُ ظُهُورِ أَمْرِي(١٠٠٦) كَثْرَةُ اَلْهَرْجِ وَاَلمَرْجِ وَاَلْفِتَنِ، وَآتِي مَكَّةَ، فَأَكُونُ فِي اَلمَسْجِدِ اَلْحَرَامِ، فَيَقُولُ اَلنَّاسُ: اِنْصِبُوا لَنَا إِمَاماً، وَيَكْثُرُ اَلْكَلَامُ حَتَّى يَقُومَ رَجُلٌ مِنَ اَلنَّاسِ فَيَنْظُرَ فِي وَجْهِي ثُمَّ يَقُولَ: يَا مَعْشَرَ اَلنَّاسِ، هَذَا المَهْدِيُّ، اُنْظُرُوا إِلَيْهِ، فَيَأْخُذُونَ بِيَدِي وَيَنْصِبُونِّي بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَاَلمَقَامِ، فَيُبَايِعُ اَلنَّاسُ عِنْدَ إِيَاسِهِمْ عَنِّي(١٠٠٧)»، قَالَ: وَسِرْنَا إِلَى سَاحِلِ اَلْبَحْرِ، فَعَزَمَ عَلَى رُكُوبِ اَلْبَحْرِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، أَنَا وَاَلله أَفْرَقُ مِنْ رُكُوبِ اَلْبَحْرِ، فَقَالَ: «وَيْحَكَ تَخَافُ وَأَنَا مَعَكَ؟»، فَقُلْتُ: لَا وَلَكِنْ أَجْبُنُ، قَالَ: فَرَكِبَ اَلْبَحْرَ، وَاِنْصَرَفْتُ عَنْهُ(١٠٠٨).
٢٥٦ -أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ اَلزُّرَارِيِّ، قَالَ: قَدِمْتُ مِنَ اَلْكُوفَةِ وَأَنَا شَابٌّ إِحْدَى قَدَمَاتِي وَمَعِي رَجُلٌ مِنْ إِخْوَانِنَا قَدْ ذَهَبَ(١٠٠٩) عَلَى أَبِي عَبْدِ اَلله اِسْمُهُ، وَذَلِكَ(١٠١٠) فِي أَيَّامِ اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رحمه الله) وَاِسْتِتَارِهِ وَنَصْبِهِ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ اَلمَعْرُوفَ بِالشَّلْمَغَانِيِّ، وَكَانَ مُسْتَقِيماً لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنَ اَلْكُفْرِ وَاَلْإِلْحَادِ، وَكَانَ اَلنَّاسُ يَقْصِدُونَهُ وَيَلْقَوْنَهُ، لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ، سَفِيراً بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فِي حَوَائِجِهِمْ وَمُهِمَّاتِهِمْ.
فَقَالَ لِي صَاحِبِي: هَلْ لَكَ أَنْ تَلْقَى أَبَا جَعْفَرٍ وَتُحْدِثَ بِهِ عَهْداً؟ فَإِنَّهُ اَلمَنْصُوبُ اَلْيَوْمَ لِهَذِهِ اَلطَّائِفَةِ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ شَيْئاً مِنَ اَلدُّعَاءِ يَكْتُبُ بِهِ إِلَى اَلنَّاحِيَةِ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: نَعَمْ، فَدَخَلْنَا إِلَيْهِ، فَرَأَيْنَا عِنْدَهُ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَجَلَسْنَا، فَأَقْبَلَ عَلَى صَاحِبِي، فَقَالَ: مَنْ هَذَا اَلْفَتَى مَعَكَ؟ فَقَالَ لَهُ: رَجُلٌ مِنْ آلِ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: مِنْ أَيِّ زُرَارَةَ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، أَنَا مِنْ وُلْدِ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ أَخِي زُرَارَةَ، فَقَالَ: أَهْلُ بَيْتٍ جَلِيلٍ عَظِيمِ اَلْقَدْرِ فِي هَذَا اَلْأَمْرِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ صَاحِبِي، فَقَالَ لَهُ: يَا سَيِّدَنَا، أُرِيدُ اَلمُكَاتَبَةَ فِي شَيْءٍ مِنَ اَلدُّعَاءِ، فَقَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُ هَذَا اِعْتَقَدْتُ أَنْ أَسْأَلَ أَنَا أَيْضاً مِثْلَ ذَلِكَ، وَكُنْتُ اِعْتَقَدْتُ فِي نَفْسِي مَا لَمْ أُبْدِهِ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اَلله حَالَ وَالِدَةِ أَبِي اَلْعَبَّاسِ اِبْنِي، وَكَانَتْ كَثِيرَةَ اَلْخِلَافِ وَاَلْغَضَبِ عَلَيَّ، وَكَانَتْ مِنِّي بِمَنْزِلَةٍ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَسْأَلُ اَلدُّعَاءَ لِي فِي أَمْرٍ قَدْ أَهَمَّنِي وَلَا أُسَمِّيهِ، فَقُلْتُ: أَطَالَ اَللهُ بَقَاءَ سَيِّدِنَا، وَأَنَا أَسْأَلُ حَاجَةً، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: اَلدُّعَاءَ لِي بِالْفَرَجِ مِنْ أَمْرٍ قَدْ أَهَمَّنِي، قَالَ: فَأَخَذَ دَرْجاً بَيْنَ يَدَيْهِ كَانَ أَثْبَتَ فِيهِ حَاجَةَ اَلرَّجُلِ، فَكَتَبَ: وَاَلزُّرَارِيُّ يَسْأَلُ اَلدُّعَاءَ لَهُ فِي أَمْرٍ قَدْ أَهَمَّهُ.
قَالَ: ثُمَّ طَوَاهُ، فَقُمْنَا وَاِنْصَرَفْنَا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ قَالَ لِي صَاحِبِي: أَلَا نَعُودُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ فَنَسْأَلَهُ عَنْ حَوَائِجِنَا اَلَّتِي كُنَّا سَأَلْنَاهُ؟ فَمَضَيْتُ مَعَهُ، وَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَحِينَ جَلَسْنَا عِنْدَهُ أَخْرَجَ اَلدَّرْجَ، وَفِيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ قَدْ أُجِيبَ فِي تَضَاعِيفِهَا، فَأَقْبَلَ عَلَى صَاحِبِي فَقَرَأَ عَلَيْهِ جَوَابَ مَا سَأَلَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ وَهُوَ يَقْرَأُ: «وَأَمَّا اَلزُّرَارِيُّ وَحَالُ اَلزَّوْجِ وَاَلزَّوْجَةِ فَأَصْلَحَ اَللهُ ذَاتَ بَيْنِهِمَا»، قَالَ: فَوَرَدَ عَلَيَّ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَقُمْنَا فَانْصَرَفْنا، فَقَالَ لِي: قَدْ وَرَدَ عَلَيْكَ هَذَا اَلْأَمْرُ، فَقُلْتُ: أَعْجَبُ مِنْهُ، قَالَ: مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ؟ فَقُلْتُ: لِأَنَّهُ سِرٌّ لَمْ يَعْلَمْهُ إِلَّا اَللهُ تَعَالَى وَغَيْرِي فَقَدْ أَخْبَرَنِي بِهِ، فَقَالَ: أَتَشُكُّ فِي أَمْرِ اَلنَّاحِيَةِ؟ أَخْبِرْنِي اَلْآنَ مَا هُوَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَعَجِبَ مِنْهُ.
ثُمَّ قَضَى أَنْ عُدْنَا إِلَى اَلْكُوفَةِ، فَدَخَلْتُ دَارِي وَكَانَتْ أُمُّ أَبِي اَلْعَبَّاسِ مُغَاضِبَةً لِي فِي مَنْزِلِ أَهْلِهَا، فَجَاءَتْ إِلَيَّ فَاسْتَرْضَتْنِي، وَاِعْتَذَرَتْ وَوَافَقَتْنِي وَلَمْ تُخَالِفْنِي حَتَّى فَرَّقَ اَلمَوْتُ بَيْنَنَا.
٢٥٧ - وَأَخْبَرَنِي بِهَذِهِ اَلْحِكَايَةِ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي غَالِبٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ اَلزُّرَارِيِّ (رحمه الله) إِجَازَةً، وَكَتَبَ عَنْهُ بِبَغْدَادَ أَبُو اَلْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ اَلمُظَفَّرِ فِي مَنْزِلِهِ بِسُوَيْقَةِ غَالِبٍ فِي يَوْمِ اَلْأَحَدِ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي اَلْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ: كُنْتُ تَزَوَّجْتُ بِأُمِّ وَلَدِي وَهِيَ أَوَّلُ اِمْرَأَةٍ تَزَوَّجْتُهَا، وَأَنَا حِينَئِذٍ حَدَثُ اَلسِّنِّ وَسِنِّي إذْ ذَاكَ دُونَ اَلْعِشْرِينَ سَنَةً، فَدَخَلْتُ بِهَا فِي مَنْزِلِ أَبِيهَا، فَأَقَامَتْ فِي مَنْزِلِ أَبِيهَا سِنِينَ وَأَنَا أَجْتَهِدُ بِهِمْ فِي أَنْ يُحَوِّلُوهَا إِلَى مَنْزِلِي وَهُمْ لَا يُجِيبُونِّي إِلَى ذَلِكَ، فَحَمَلَتْ مِنِّي فِي هَذِهِ اَلمُدَّةِ، وَوَلَدَتْ بِنْتاً، فَعَاشَتْ مُدَّةً ثُمَّ مَاتَتْ، وَلَمْ أَحْضُرْ فِي وِلَادَتِهَا وَلَا فِي مَوْتِهَا وَلَمْ أَرَهَا مُنْذُ وُلِدَتْ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَتْ لِلشُّرُورِ اَلَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ.
ثُمَّ اِصْطَلَحْنَا عَلَى أَنَّهُمْ يَحْمِلُونَهَا إِلَى مَنْزِلِي، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِمْ فِي مَنْزِلِهِمْ وَدَافَعُونِي فِي نَقْلِ اَلمَرْأَةِ إِلَيَّ، وَقُدِّرَ أَنْ حَمَلَتِ اَلمَرْأَةُ مَعَ هَذِهِ اَلْحَالِ، ثُمَّ طَالَبْتُهُمْ بِنَقْلِهَا إِلَى مَنْزِلِي عَلَى مَا اِتَّفَقْنَا عَلَيْهِ، فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، فَعَادَ اَلشَّرُّ بَيْنَنَا، وَاِنْتَقَلْتُ عَنْهُمْ، وَوَلَدَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا بِنْتاً، وَبَقِينَا عَلَى حَالِ اَلشَّرِّ وَاَلمُضَارَمَةِ(١٠١١) سِنِينَ لَا آخُذُهَا.
ثُمَّ دَخَلْتُ بَغْدَادَ، وَكَانَ اَلصَّاحِبَ(١٠١٢) بِالْكُوفَةِ فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اَلزجوزجيُّ (رحمه الله)، وَكَانَ لِي كَالْعَمِّ أَوِ اَلْوَالِدِ، فَنَزَلْتُ عِنْدَهُ بِبَغْدَادَ، وَشَكَوْتُ إِلَيْهِ مَا أَنَا فِيهِ مِنَ اَلشُّرُورِ اَلْوَاقِعَةِ بَيْنِي وَبَيْنَ اَلزَّوْجَةِ وَبَيْنَ اَلْأَحْمَاءِ، فَقَالَ لِي: تَكْتُبُ رُقْعَةً وَتَسْأَلُ اَلدُّعَاءَ فِيهَا، فَكَتَبْتُ رُقْعَةً وَذَكَرْتُ فِيهَا حَالِي وَمَا أَنَا فِيهِ مِنْ خُصُومَةِ اَلْقَوْمِ لِي وَاِمْتِنَاعِهِمْ مِنْ حَمْلِ اَلمَرْأَةِ إِلَى مَنْزِلِي، وَمَضَيْتُ بِهَا أَنَا وَأَبُو جَعْفَرٍ (رحمه الله) إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ اَلْوَاسِطَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، وَهُوَ إِذْ ذَاكَ اَلْوَكِيلُ، فَدَفَعْنَاهَا إِلَيْهِ وَسَأَلْنَاهُ إِنْفَاذَهَا، فَأَخَذَهَا مِنِّي، وَتَأَخَّرَ اَلْجَوَابُ عَنِّي أَيَّاماً، فَلَقِيتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ سَاءَنِي تَأَخُّرُ اَلْجَوَابِ عَنِّي، فَقَالَ لِي: لَا يَسُوءُكَ هَذَا فَإِنَّهُ أَحَبُّ لِي وَلَكَ، وَأَوْمَأَ إِلَيَّ أَنَّ اَلْجَوَابَ إِنْ قَرُبَ كَانَ مِنْ جِهَةِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، وَإِنْ تَأَخَّرَ كَانَ مِنْ جِهَةِ اَلصَّاحِبِ (عليه السلام)، فَانْصَرَفْتُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ - وَلَا أَحْفَظُ اَلمُدَّةَ إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ قَرِيبَةً -، فَوَجَّهَ إِلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ الزجوزجيُّ (رحمه الله) يَوْماً مِنَ اَلْأَيَّامِ، فَصِرْتُ إِلَيْهِ، فَأَخْرَجَ لِي فَصْلاً مِنْ رُقْعَةٍ، وَقَالَ لِي: هَذَا جَوَابُ رُقْعَتِكَ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَنْسَخَهُ فَانْسَخْهُ وَرُدَّهُ، فَقَرَأْتُهُ، فَإِذَا فِيهِ: «وَاَلزَّوْجُ وَاَلزَّوْجَةُ فَأَصْلَحَ اَللهُ ذَاتَ بَيْنِهِمَا»، وَنَسَخْتُ اَللَّفْظَ وَرَدَدْتُ عَلَيْهِ اَلْفَصْلَ، وَدَخَلْنَا اَلْكُوفَةَ فَسَهَّلَ اَللهُ لِي نَقْلَ اَلمَرْأَةِ بِأَيْسَرِ كُلْفَةٍ، وَأَقَامَتْ مَعِي سِنِينَ كَثِيرَةً وَرُزِقَتْ مِنِّي أَوْلَاداً، وَأَسَأْتُ إِلَيْهَا إِسَاءَاتٍ وَاِسْتَعْمَلْتُ مَعَهَا كُلَّ مَا لَا تَصْبِرُ اَلنِّسَاءُ عَلَيْهِ، فَمَا وَقَعَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهَا لَفْظَةُ شَرٍّ وَلَا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا إِلَى أَنْ فَرَّقَ اَلزَّمَانُ بَيْنَنَا.
قَالُوا: قَالَ أَبُو غَالِبٍ (رحمه الله): وَكُنْتُ قَدِيماً قَبْلَ هَذِهِ اَلْحَالِ قَدْ كَتَبْتُ رُقْعَةً أَسْأَلُ فِيهَا أَنْ يَقْبَلَ ضَيْعَتِي، وَلَمْ يَكُنْ اِعْتِقَادِي فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ اَلتَّقَرُّبَ إِلَى اَلله (عزَّ وجلَّ) بِهَذِهِ اَلْحَالِ، وَإِنَّمَا كَانَ شَهْوَةٌ مِنِّي لِلاِخْتِلَاطِ بِالنَّوْبَخْتِيِّينَ وَاَلدُّخُولِ مَعَهُمْ فِيمَا كَانُوا فِيهِ مِنَ اَلدُّنْيَا، فَلَمْ أُجَبْ إِلَى ذَلِكَ، وَأَلْحَحْتُ فِي ذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيَّ: «أَنِ اِخْتَرْ مَنْ تَثِقُ بِهِ، فَاكْتُبِ اَلضَّيْعَةَ بِاسْمِهِ، فَإِنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَيْهَا»، فَكَتَبْتُهَا بِاسْمِ أَبِي اَلْقَاسِمِ مُوسَى بْنِ اَلْحَسَنِ اَلزجوزجيِّ اِبْنِ أَخِي أَبِي جَعْفَرٍ (رحمه الله)، لِثِقَتِي بِهِ وَمَوْضِعِهِ مِنَ اَلدِّيَانَةِ وَاَلنِّعْمَةِ.
فَلَمْ تَمْضِ اَلْأَيَّامُ حَتَّى أَسَرُونِي اَلْأَعْرَابُ وَنَهَبُوا اَلضَّيْعَةَ اَلَّتِي كُنْتُ أَمْلِكُهَا، وَذَهَبَ مِنِّي فِيهَا مِنْ غَلَّاتِي وَدَوَابِّي وَآلَتِي نَحْوٌ مِنْ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَقَمْتُ فِي أَسْرِهِمْ مُدَّةً إِلَى أَنِ اِشْتَرَيْتُ نَفْسِي بِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلَزِمَنِي فِي أُجْرَةِ اَلرُّسُلِ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَخَرَجْتُ وَاِحْتَجْتُ إِلَى اَلضَّيْعَةِ، فَبِعْتُهَا.

٢٥٨ - وَأَخْبَرَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ دَاوُدَ اَلْقُمِّيِّ (رحمه الله)، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ بْنِ هَمَّامٍ، قَالَ: أَنْفَذَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلشَّلْمَغَانِيُّ اَلْعَزَاقِرِيُّ إِلَى اَلشَّيْخِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يُبَاهِلَهُ، وَقَالَ: أَنَا صَاحِبُ اَلرَّجُلِ، وَقَدْ أُمِرْتُ بِإِظْهَارِ اَلْعِلْمِ، وَقَدْ أَظْهَرْتُهُ بَاطِناً وَظَاهِراً، فَبَاهِلْنِي، فَأَنْفَذَ إِلَيْهِ اَلشَّيْخُ (رضي الله عنه) فِي جَوَابِ ذَلِكَ: أَيُّنَا تَقَدَّمَ صَاحِبَهُ فَهُوَ اَلمَخْصُومُ، فَتَقَدَّمَ اَلْعَزَاقِرِيُّ فَقُتِلَ وَصُلِبَ وَأُخِذَ مَعَهُ اِبْنُ أَبِي عَوْنٍ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ(١٠١٣).
٢٥٩ - قَالَ اِبْنُ نُوحٍ: وَأَخْبَرَنِي جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ نُوحٍ(١٠١٤) (رضي الله عنه)، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ صَالِحٍ اَلصَّيْمَرِيُّ، قَالَ: لَـمَّا أَنْفَذَ اَلشَّيْخُ أَبُو اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنُ بْنُ رَوْحٍ (رضي الله عنه) اَلتَّوْقِيعَ فِي لَعْنِ اِبْنِ أَبِي اَلْعَزَاقِرِ أَنْفَذَهُ مِنْ مَحْبَسِهِ فِي دَارِ اَلمُقْتَدِرِ إِلَى شَيْخِنَا أَبِي عَلِيٍّ بْنِ هَمَّامٍ (رحمه الله) فِي ذِي اَلْحِجَّةِ سَنَةَ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَأَمْلَاهُ أَبُو عَلِيٍّ (رحمه الله) عَلَيَّ، وَعَرَّفَنِي أَنَّ أَبَا اَلْقَاسِمِ (رضي الله عنه) رَاجَعَ فِي تَرْكِ إِظْهَارِهِ، فَإِنَّهُ فِي يَدِ اَلْقَوْمِ وَفِي حَبْسِهِمْ، فَأُمِرَ بِإِظْهَارِهِ وَأَنْ لَا يَخْشَى وَيَأْمَنَ، فَتَخَلَّصَ فَخَرَجَ مِنَ اَلْحَبْسِ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، وَاَلْحَمْدُ لِله.
٢٦٠ - قَالَ: وَوَجَدْتُ فِي أَصْلٍ عَتِيقٍ كُتِبَ بِالْأَهْوَازِ فِي اَلمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ: أَبُو عَبْدِ اَلله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ اِبْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ اَلْجُرْجَانِيُّ، قَالَ: كُنْتُ بِمَدِينَةِ قُمَّ، فَجَرَى بَيْنَ إِخْوَانِنَا كَلَامٌ فِي أَمْرِ رَجُلٍ أَنْكَرَ وَلَدَهُ، فَأَنْفَذُوا رَجُلاً إِلَى اَلشَّيْخِ (صَانَهُ اَللهُ)، وَكُنْتُ حَاضِراً عِنْدَهُ (أَيَّدَهُ اَللهُ)، فَدَفَعَ إِلَيْهِ اَلْكِتَابَ، فَلَمْ يَقْرَأْهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اَلله اَلْبَزَوْفَرِيِّ(١٠١٥) (أَعَزَّهُ اَللهُ)، لِيُجِيبَ عَنِ اَلْكِتَابِ، فَصَارَ إِلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ، فَقَالَ [لَهُ](١٠١٦) أَبُو عَبْدِ اَلله: اَلْوَلَدُ وَلَدُهُ، وَوَاقَعَهَا فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَقُلْ لَهُ: فَيَجْعَلُ اِسْمَهُ مُحَمَّداً، فَرَجَعَ اَلرَّسُولُ إِلَى اَلْبَلَدِ وَعَرَّفَهُمْ وَوَضَحَ عِنْدَهُمُ اَلْقَوْلُ، وَوُلِدَ اَلْوَلَدُ وَسُمِّيَ مُحَمَّداً.
٢٦١ - قَالَ اِبْنُ نُوحٍ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اَلله اَلْحُسَيْنُ مُحَمَّدُ بْنُ سَوْرَةَ اَلْقُمِّيُّ (رحمه الله) حِينَ قَدِمَ عَلَيْنَا حَاجًّا، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ يُوسُفَ اَلصَّائِغُ اَلْقُمِّيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلصَّيْرَفِيُّ اَلمَعْرُوفُ بِابْنِ اَلدَّلَّالِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ مَشَايِخِ أَهْلِ قُمَّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ عَمِّهِ مُحَمَّدِ اِبْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ، فَلَمْ يُرْزَقْ مِنْهَا وَلَداً، فَكَتَبَ إِلَى اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ اِبْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه) أَنْ يَسْأَلَ اَلْحَضْرَةَ أَنْ يَدْعُوَ اَللهَ أَنْ يَرْزُقَهُ أَوْلَاداً فُقَهَاءَ، فَجَاءَ اَلْجَوَابُ: «إِنَّكَ لَا تُرْزَقُ مِنْ هَذِهِ، وَسَتَمْلِكُ جَارِيَةً دَيْلَمِيَّةً وَتُرْزَقُ مِنْهَا وَلَدَيْنِ فَقِيهَيْنِ».
قَالَ: وَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَلله بْنُ سَوْرَةَ (حَفَظَهُ اَللهُ): وَلِأَبِي اَلْحَسَنِ بْنِ بَابَوَيْهِ (رحمه الله) ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ: مُحَمَّدٌ وَاَلْحُسَيْنُ فَقِيهَانِ مَاهِرَانِ فِي اَلْحِفْظِ، وَيَحْفَظَانِ مَا لَا يَحْفَظُ غَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ قُمَّ، وَلَهُمَا أَخٌ اِسْمُهُ اَلْحَسَنُ، وَهُوَ اَلْأَوْسَطُ مُشْتَغِلٌ بِالْعِبَادَةِ وَاَلزُّهْدِ، لَا يَخْتَلِطُ بِالنَّاسِ، وَلَا فِقْهَ لَهُ.
قَالَ اِبْنُ سَوْرَةَ: كُلَّمَا رَوَى أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَبْدِ اَلله اِبْنَا عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ شَيْئاً يَتَعَجَّبُ اَلنَّاسُ مِنْ حِفْظِهِمَا، وَيَقُولُونَ لَهُمَا: هَذَا اَلشَّأْنُ خُصُوصِيَّةٌ لَكُمَا بِدَعْوَةِ اَلْإِمَامِ لَكُمَا، وَهَذَا أَمْرٌ مُسْتَفِيضٌ فِي أَهْلِ قُمَّ(١٠١٧).
٢٦٢ - قالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله بْنَ سَوْرَةَ اَلْقُمِّيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَرْوَراً - وَكَانَ رَجُلاً عَابِداً مُجْتَهِداً لَقِيتُهُ بِالْأَهْوَازِ غَيْرَ أَنِّي نَسِيتُ نَسَبَهُ - يَقُولُ: كُنْتُ أَخْرَسَ لَا أَتَكَلَّمُ، فَحَمَلَنِي أَبِي وَعَمِّي فِي صِبَايَ، وَسِنِّي إِذْ ذَاكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَوْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ إِلَى اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، فَسَأَلَاهُ أَنْ يَسْأَلَ اَلْحَضْرَةَ أَنْ يَفْتَحَ اَللهُ لِسَانِي، فَذَكَرَ اَلشَّيْخُ أَبُو اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنُ بْنُ رَوْحٍ أَنَّكُمْ أُمِرْتُمْ بِالْخُرُوجِ إِلَى اَلْحَائِرِ.
قَالَ سَرْوَرٌ: فَخَرَجْنَا أَنَا وَأَبِي وَعَمِّي إِلَى اَلْحَائِرِ، فَاغْتَسَلْنَا وَزُرْنَا، قَالَ: فَصَاحَ بِي أَبِي وَعَمِّي: يَا سَرْوَرُ، فَقُلْتُ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ: لَبَّيْكَ، فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ تَكَلَّمْتَ، فَقُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله بْنُ سَوْرَةَ: وَكَانَ سَرْوَرٌ هَذَا رَجُلاً لَيْسَ بِجَهْوَرِيِّ اَلصَّوْتِ(١٠١٨).
٢٦٣ - أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اَلنُّعْمَانِ وَاَلْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ أَحْمَدَ اَلصَّفْوَانِيِّ (رحمه الله)، قَالَ: رَأَيْتُ اَلْقَاسِمَ بْنَ اَلْعَلَاءِ(١٠١٩) وَقَدْ عُمِّرَ مِائَةَ سَنَةٍ وَسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، مِنْهَا ثَمَانُونَ سَنَةً صَحِيحَ اَلْعَيْنَيْنِ، لَقِيَ مَوْلَانَا أَبَا اَلْحَسَنِ وَأَبَا مُحَمَّدٍ اَلْعَسْكَرِيَّيْنِ (عليهما السلام)، وَحُجِبَ بَعْدَ اَلثَّمَانِينَ، وَرُدَّتْ عَلَيْهِ عَيْنَاهُ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ.
وَذَلِكَ أَنِّي كُنْتُ مُقِيماً عِنْدَهُ بِمَدِينَةِ اَلرَّانِ مِنْ أَرْضِ آذَرْبَايِجَانَ، وَكَانَ لَا تَنْقَطِعُ تَوْقِيعَاتُ مَوْلَانَا صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) عَلَى يَدِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ، وَبَعْدَهُ عَلَى يَدِ أَبِي اَلْقَاسِمِ [اَلْحُسَيْنِ] بْنِ رَوْحٍ (قَدَّسَ اَللهُ رُوحَهُمَا)، فَانْقَطَعَتْ عَنْهُ اَلمُكَاتَبَةُ نَحْواً مِنْ شَهْرَيْنِ، فَقَلِقَ (رحمه الله) لِذَلِكَ.
فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ نَأْكُلُ إِذْ دَخَلَ اَلْبَوَّابُ مُسْتَبْشِراً، فَقَالَ لَهُ: فَيْجُ اَلْعِرَاقِ لَا يُسَمَّى بِغَيْرِهِ، فَاسْتَبْشَرَ اَلْقَاسِمُ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى اَلْقِبْلَةِ فَسَجَدَ، وَدَخَلَ كَهْلٌ قَصِيرٌ يُرَى أَثَرُ اَلْفُيُوجِ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِصْرِيَّةٌ، وَفِي رِجْلِهِ نَعْلٌ مَحَامِلِيٌّ، وَعَلَى كَتِفِهِ مِخْلَاةٌ، فَقَامَ اَلْقَاسِمُ فَعَانَقَهُ وَوَضَعَ اَلْمِخْلَاةَ عَنْ عُنُقِهِ، وَدَعَا بِطَشْتٍ وَمَاءٍ فَغَسَلَ يَدَهُ وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ، فَأَكَلْنَا وَغَسَلْنَا أَيْدِيَنَا، فَقَامَ اَلرَّجُلُ فَأَخْرَجَ كِتَاباً أَفْضَلَ مِنَ اَلنِّصْفِ اَلمُدَرَّجِ(١٠٢٠)، فَنَاوَلَهُ اَلْقَاسِمَ، فَأَخَذَهُ وَقَبَّلَهُ وَدَفَعَهُ إِلَى كَاتِبٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ: اِبْنُ أَبِي سَلَمَةَ، فَأَخَذَهُ أَبُو عَبْدِ اَلله فَفَضَّهُ وَقَرَأَهُ حَتَّى أَحَسَّ اَلْقَاسِمُ بِنِكَايَةٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اَلله خَيْرٌ، فَقَالَ: خَيْرٌ، فَقَالَ: وَيْحَكَ خَرَجَ فِيَّ شَيْءٌ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله: مَا تَكْرَهُ فَلَا، قَالَ اَلْقَاسِمُ: فَمَا هُوَ؟ قَالَ: نَعْيُ اَلشَّيْخِ إِلَى نَفْسِهِ بَعْدَ وُرُودِ هَذَا اَلْكِتَابِ بِأَرْبَعِينَ يَوْماً، وَقَدْ حُمِلَ إِلَيْهِ سَبْعَةُ أَثْوَابٍ، فَقَالَ اَلْقَاسِمُ: فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِينِي؟ فَقَالَ: فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِينِكَ، فَضَحِكَ (رحمه الله)، فَقَالَ: مَا أُؤَمِّلُ بَعْدَ هَذَا اَلْعُمُرِ؟
فَقَامَ اَلرَّجُلُ اَلْوَارِدُ فَأَخْرَجَ مِنْ مِخْلَاتِهِ ثَلَاثَةَ أُزُرٍ وَحِبَرَةً يَمَانِيَّةً حَمْرَاءَ وَعِمَامَةً وَثَوْبَيْنِ وَمِنْدِيلاً، فَأَخَذَهُ اَلْقَاسِمُ، وَكَانَ عِنْدَهُ قَمِيصٌ خَلَعَهُ عَلَيْهِ مَوْلَانَا اَلرِّضَا أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، وَكَانَ لَهُ صَدِيقٌ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْبَدْرِيُّ(١٠٢١)، وَكَانَ شَدِيدَ اَلنَّصْبِ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اَلْقَاسِمِ (نَضَّرَ اَللهُ وَجْهَهُ) مَوَدَّةٌ فِي أُمُورِ اَلدُّنْيَا شَدِيدَةٌ، وَكَانَ اَلْقَاسِمُ يَوَدُّهُ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ وَافَى إِلَى اَلدَّارِ لِإِصْلَاحٍ بَيْنَ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ حُمْدُونٍ اَلْهَمْدَانِيِّ وَبَيْنَ خَتَنِهِ اِبْنِ اَلْقَاسِمِ.
فَقَالَ اَلْقَاسِمُ لِشَيْخَيْنِ مِنْ مَشَايِخِنَا اَلمُقِيمَيْنِ مَعَهُ، أَحَدُهُمَا يُقَالُ لَهُ: أَبُو حَامِدٍ عِمْرَانُ بْنُ اَلمُفَلَّسِ، وَاَلْآخَرُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ جَحْدَرٍ: أَنْ أَقْرِئَا هَذَا اَلْكِتَابَ عَبْدَ اَلرَّحْمَنِ اِبْنَ مُحَمَّدٍ، فَإِنِّي أُحِبُّ هِدَايَتَهُ، وَأَرْجُو [أَنْ](١٠٢٢) يَهْدِيَهُ اَللهُ بِقِرَاءَةِ هَذَا اَلْكِتَابِ، فَقَالَا لَهُ: اَللهَ اَللهَ اَللهَ فَإِنَّ هَذَا اَلْكِتَابَ لَا يَحْتَمِلُ مَا فِيهِ خَلْقٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ، فَكَيْفَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ أَنِّي مُفْشٍ لِسِرٍّ لَا يَجُوزُ لِي إِعْلَانُهُ، لَكِنْ مِنْ مَحَبَّتِي لِعَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَشَهْوَتِي أَنْ يَهْدِيَهُ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) لِهَذَا اَلْأَمْرِ هُوَ ذَا أُقْرِئُهُ اَلْكِتَابَ.
فَلَمَّا مَرَّ فِي ذَلِكَ اَلْيَوْمِ - وَكَانَ يَوْمُ اَلْخَمِيسِ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَجَبٍ - دَخَلَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَ اَلْقَاسِمُ اَلْكِتَابَ، فَقَالَ لَهُ: اِقْرَأْ هَذَا اَلْكِتَابِ وَاُنْظُرْ لِنَفْسِكَ، فَقَرَأَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ اَلْكِتَابَ، فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى مَوْضِعِ اَلنَّعْيِ رَمَى اَلْكِتَابَ عَنْ يَدِهِ وَقَالَ لِلْقَاسِمِ: يَا أبَا مُحَمَّدٍ، اِتَّقِ اَللهَ فَإِنَّكَ رَجُلٌ فَاضِلٌ فِي دِينِكَ، مُتَمَكِّنٌ مِنْ عَقْلِكَ، وَاَللهُ (عزَّ وجلَّ) يَقُولُ: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَا ذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ [لقمان: ٣٤]، وَقَالَ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً﴾، فَضَحِكَ اَلْقَاسِمُ وَقَالَ لَهُ: أَتِمَّ اَلْآيَةَ، ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجنّ: ٢٦ و٢٧]، وَمَوْلَايَ (عليه السلام) هُوَ اَلرِّضَا مِنَ اَلرَّسُولِ، وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا، وَلَكِنْ أَرِّخِ اَلْيَوْمَ، فَإِنْ أَنَا عِشْتُ بَعْدَ هَذَا اَلْيَوْمِ اَلمُؤَرَّخِ فِي هَذَا اَلْكِتَابِ فَاعْلَمْ أَنِّي لَسْتُ عَلَى شَيْءٍ، وَإِنْ أَنَا مِتُّ فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ، فَوَرَّخَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ اَلْيَوْمَ وَاِفْتَرَقُوا.
وَحُمَّ اَلْقَاسِمُ يَوْمَ اَلسَّابِعِ مِنْ وُرُودِ اَلْكِتَابِ، وَاِشْتَدَّتْ بِهِ فِي ذَلِكَ اَلْيَوْمِ اَلْعِلَّةُ، وَاِسْتَنَدَ فِي فِرَاشِهِ إِلَى اَلْحَائِطِ، وَكَانَ اِبْنُهُ اَلْحَسَنُ بْنُ اَلْقَاسِمِ مُدْمِناً عَلَى شُرْبِ اَلْخَمْرِ، وَكَانَ مُتَزَوِّجاً إِلَى أَبِي عَبْدِ اَلله بْنِ حُمْدُونٍ اَلْهَمْدَانِيِّ، وَكَانَ جَالِساً وَرِدَاؤُهُ مَسْتُورٌ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ اَلدَّارِ، وَأَبُو حَامِدٍ فِي نَاحِيَةٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ بْنُ جَحْدَرٍ وَأَنَا وَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اَلْبَلَدِ نَبْكِي، إِذِ اِتَّكَى اَلْقَاسِمُ عَلَى يَدَيْهِ إِلَى خَلْفٍ وَجَعَلَ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، يَا عَلِيُّ، يَا حَسَنُ، يَا حُسَيْنُ، يَا مَوَالِيَّ كُونُوا شُفَعَائِي إِلَى اَلله (عزَّ وجلَّ)، وَقَالَهَا اَلثَّانِيَةَ، وَقَالَهَا اَلثَّالِثَةَ، فَلَمَّا بَلَغَ فِي اَلثَّالِثَةِ: يَا مُوسَى، يَا عَلِيُّ، تَفَرْقَعَتْ أَجْفَانُ عَيْنَيْهِ كَمَا يُفَرْقِعُ اَلصِّبْيَانُ شَقَائِقَ اَلنُّعْمَانِ، وَاِنْتَفَخَتْ(١٠٢٣) حَدَقَتُهُ، وَجَعَلَ يَمْسَحُ بِكُمِّهِ عَيْنَيْهِ(١٠٢٤)، وَخَرَجَ مِنْ عَيْنَيْهِ شَبِيهٌ بِمَاءِ اَللَّحْمِ، مَدَّ طَرْفَهُ إِلَى اِبْنِهِ، فَقَالَ: يَا حَسَنُ إِلَيَّ، يَا أبَا حَامِدٍ [إِلَيَّ]، يَا أبَا عَلِيٍّ إِلَيَّ، فَاجْتَمَعْنَا حَوْلَهُ، وَنَظَرْنَا إِلَى اَلْحَدَقَتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو حَامِدٍ: تَرَانِي؟ وَجَعَلَ يَدَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا.
وَشَاعَ اَلْخَبَرُ فِي اَلنَّاسِ وَاَلْعَامَّةِ، وَاِنْتَابَهُ اَلنَّاسُ مِنَ اَلْعَوَامِّ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَرَكِبَ اَلْقَاضِي إِلَيْهِ، وَهُوَ أَبُو اَلسَّائِبِ عُتْبَةُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله(١٠٢٥) اَلمَسْعُودِيُّ، وَهُوَ قَاضِي اَلْقُضَاةِ بِبَغْدَادَ(١٠٢٦)، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا بَا مُحَمَّدٍ، مَا هَذَا اَلَّذِي بِيَدِي؟ وَأَرَاهُ خَاتَماً فَصُّهُ فَيْرُوزَجٌ، فَقَرَّبَهُ مِنْهُ، فَقَالَ: عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَسْطُرٍ، فَتَنَاوَلَهُ اَلْقَاسِمُ (رحمه الله)، فَلَمْ يُمْكِنْهُ قِرَاءَتُهُ، وَخَرَجَ اَلنَّاسُ مُتَعَجِّبِينَ يَتَحَدَّثُونَ بِخَبَرِهِ، وَاِلْتَفَتَ اَلْقَاسِمُ إِلَى اِبْنِهِ اَلْحَسَنِ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ اَللهَ مُنَزِّلُكَ مَنْزِلَةً وَمُرَتِّبُكَ مَرْتَبَةً، فَاقْبَلْهَا بِشُكْرٍ، فَقَالَ لَهُ اَلْحَسَنُ: يَا أَبَهْ، قَدْ قَبِلْتُهَا، قَالَ اَلْقَاسِمُ: عَلَى مَا ذَا؟ قَالَ: عَلَى مَا تَأْمُرُنِي بِهِ، يَا أَبَةِ، قَالَ: عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَمَّا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ شُرْبِ اَلْخَمْرِ، قَالَ اَلْحَسَنُ: يَا أَبَهْ، وَحَقِّ مَنْ أَنْتَ فِي ذِكْرِهِ لَأَرْجِعَنَّ عَنْ شُرْبِ اَلْخَمْرِ، وَمَعَ اَلْخَمْرِ أَشْيَاءَ لَا تَعْرِفُهَا، فَرَفَعَ اَلْقَاسِمُ يَدَهُ إِلَى اَلسَّمَاءِ وَقَالَ: اَللَّهُمَّ أَلْهِمِ اَلْحَسَنَ طَاعَتَكَ، وَجَنِّبْهُ مَعْصِيَتَكَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ دَعَا بِدَرْجٍ، فَكَتَبَ وَصِيَّتَهُ بِيَدِهِ (رحمه الله)، وَكَانَتِ اَلضِّيَاعُ اَلَّتِي فِي يَدِهِ لِمَوْلَانَا وَقْفٌ وَقَفَهُ أَبُوهُ.
وَكَانَ(١٠٢٧) فِيمَا أَوْصَى اَلْحَسَنَ أَنْ قَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنْ أُهِّلْتَ(١٠٢٨) لِهَذَا اَلْأَمْرِ - يَعْنِي اَلْوَكَالَةَ لِمَوْلَانَا - فَيَكُونُ قُوتُكَ مِنْ نِصْفِ ضَيْعَتِيَ اَلمَعْرُوفَةِ بِفَرْجِيذَةَ، وَسَائِرُهَا مِلْكٌ لِمَوْلَايَ، وَإِنْ لَمْ تُؤَهَّلْ لَهُ فَاطْلُبْ خَيْرَكَ مِنْ حَيْثُ يَتَقَبَّلُ اَللهُ، وَقَبِلَ اَلْحَسَنُ وَصِيَّتَهُ عَلَى ذَلِكَ.
فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْمِ اَلْأَرْبَعِينَ وَقَدْ طَلَعَ اَلْفَجْرُ مَاتَ اَلْقَاسِمُ (رحمه الله)، فَوَافَاهُ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ يَعْدُو فِي اَلْأَسْوَاقِ حَافِياً حَاسِراً، وَهُوَ يَصِيحُ: وَا سَيِّدَاهْ، فَاسْتَعْظَمَ اَلنَّاسُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَجَعَلَ اَلنَّاسُ يَقُولُونَ: مَا اَلَّذِي تَفْعَلُ بِنَفْسِكَ؟ فَقَالَ: اسْكِنُوا فَقَدْ رَأَيْتُ مَا لَمْ تَرَوْهُ(١٠٢٩)، وَتَشَيَّعَ وَرَجَعَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَوَقَفَ اَلْكَثِيرَ مِنْ ضِيَاعِهِ.
وَتَوَلَّى أَبُو عَلِيِّ بْنُ جَحْدَرٍ غُسْلَ اَلْقَاسِمِ، وَأَبُو حَامِدٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ اَلمَاءَ، وَكُفِّنَ فِي ثَمَانِيَةِ أَثْوَابٍ عَلَى بَدَنِهِ قَمِيصُ مَوْلَاهُ(١٠٣٠) أَبِي اَلْحَسَنِ، وَمَا يَلِيهِ اَلسَّبْعَةُ اَلْأَثْوَابِ اَلَّتِي جَاءَتْهُ مِنَ اَلْعِرَاقِ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ وَرَدَ كِتَابُ تَعْزِيَةٍ عَلَى اَلْحَسَنِ مِنْ مَوْلَانَا (عليه السلام)، فِي آخِرِهِ دُعَاءٌ: «أَلْهَمَكَ اَللهُ طَاعَتَهُ، وَجَنَّبَكَ مَعْصِيَتَهُ»، وَهُوَ اَلدُّعَاءُ اَلَّذِي كَانَ دَعَا بِهِ أَبُوهُ، وَكَانَ آخِرُهُ: «قَدْ جَعَلْنَا أَبَاكَ إِمَاماً لَكَ، وَفَعَالَهُ(١٠٣١) لَكَ مِثَالاً»(١٠٣٢).
٢٦٤ - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنِ اَلصَّفْوَانِيِّ، قَالَ: وَافَى اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْوَجْنَاءُ اَلنَّصِيبِيُّ(١٠٣٣) سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَمَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْفَضْلِ اَلمَوْصِلِيُّ، وَكَانَ رَجُلاً شِيعِيًّا غَيْرَ أَنَّهُ يُنْكِرُ وَكَالَةَ أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، يَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ اَلْأَمْوَالَ تُخْرَجُ فِي غَيْرِ حُقُوقِهَا.
فَقَالَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْوَجْنَاءُ لِمُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَضْلِ: يَا ذَا اَلرَّجُلُ، اِتَّقِ اَللهَ فَإِنَّ صِحَّةَ وَكَالَةِ أَبِي اَلْقَاسِمِ كَصِحَّةِ وَكَالَةِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ، وَقَدْ كَانَا نَزَلَا بِبَغْدَادَ عَلَى اَلزَّاهِرِ(١٠٣٤)، وَكُنَّا حَضَرْنَا لِلسَّلَامِ عَلَيْهِمَا، وَكَانَ قَدْ حَضَرَ هُنَاكَ شَيْخٌ لَنَا يُقَالُ لَهُ: أَبُو اَلْحَسَنِ بْنُ ظَفَرٍ، وَأَبُو اَلْقَاسِمِ بْنُ اَلْأَزْهَرِ، فَطَالَ اَلْخِطَابُ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَضْلِ وَبَيْنَ اَلْحَسَنِ (بْنِ عَلِيٍّ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْفَضْلِ لِلْحَسَنِ)(١٠٣٥): مَنْ لِي بِصِحَّةِ مَا تَقُولُ وَتُثبِتُ وَكَالَةَ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ؟ فَقَالَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْوَجْنَاءُ: أُبَيِّنُ لَكَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ يَثْبُتُ فِي نَفْسِكَ، وَكَانَ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَضْلِ دَفْتَرٌ كَبِيرٌ فِيهِ وَرَقٌ طَلْحِيٌّ مُجَلَّدٌ بِأَسْوَدَ فِيهِ حُسْبَانَاتُهُ، فَتَنَاوَلَ اَلدَّفْتَرَ اَلْحَسَنُ وَقَطَعَ مِنْهُ نِصْفَ وَرَقَةٍ كَانَ فِيهِ بَيَاضٌ، وَقَالَ لِمُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَضْلِ: اِبْرُوا لِي قَلَماً، فَبَرَى قَلَماً، وَاِتَّفَقَا عَلَى شَيْءٍ بَيْنَهُمَا لَمْ أَقِفْ أَنَا عَلَيْهِ، وَأَطْلَعَ عَلَيْهِ أَبَا اَلْحَسَنِ بْنَ ظَفَرٍ، وَتَنَاوَلَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْوَجْنَاءُ اَلْقَلَمَ، وَجَعَلَ يَكْتُبُ مَا اِتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي تِلْكَ اَلْوَرَقَةِ بِذَلِكَ اَلْقَلَمِ اَلمَبْرِيِّ بِلَا مِدَادٍ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ حَتَّى مَلَأَ اَلْوَرَقَةَ، ثُمَّ خَتَمَهُ وَأَعْطَاهُ لِشَيْخٍ كَانَ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَضْلِ أَسْوَدَ يَخْدُمُهُ، وَأَنْفَذَ بِهَا إِلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ، وَمَعَنَا اِبْنُ اَلْوَجْنَاءِ لَمْ يَبْرَحْ، وَحَضَرَتْ صَلَاةُ اَلظُّهْرِ فَصَلَّيْنَا هُنَاكَ، وَرَجَعَ اَلرَّسُولُ فَقَالَ: قَالَ لِي: اِمْضِ فَإِنَّ اَلْجَوَابَ يَجِيءُ، وَقُدِّمَتِ اَلمَائِدَةُ، فَنَحْنُ فِي اَلْأَكْلِ إِذْ وَرَدَ اَلْجَوَابُ فِي تِلْكَ اَلْوَرَقَةِ(١٠٣٦) مَكْتُوبٌ بِمِدَادٍ عَنْ فَصْلٍ فَصْلٍ، فَلَطَمَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْفَضْلِ وَجْهَهُ وَلَمْ يَتَهَنَّأْ بِطَعَامِهِ، وَقَالَ لاِبْنِ اَلْوَجْنَاءِ: قُمْ مَعِي، فَقَامَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، وَبَقِيَ يَبْكِي وَيَقُولُ: يَا سَيِّدِي، أَقِلْنِي أَقَالَكَ اَللهُ، فَقَالَ أَبُو اَلْقَاسِمِ: يَغْفِرُ اَللهُ لَنَا وَلَكَ إِنْ شَاءَ اَللهُ.
٢٦٥ - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى اَلْعَلَوِيُّ اِبْنُ أَخِي طَاهِرٍ(١٠٣٧) بِبَغْدَادَ طَرَفَ سُوقِ اَلْقُطْنِ(١٠٣٨) فِي دَارِهِ، قَالَ: قَدِمَ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلْعَقِيقِيُّ(١٠٣٩) بَغْدَادَ(١٠٤٠) إِلَى عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ الجَرَّاحِ(١٠٤١) - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ وَزِيرٌ - فِي أَمْرِ ضَيْعَةٍ لَهُ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أَهْلَ بَيْتِكَ فِي هَذَا اَلْبَلَدِ كَثِيرٌ، فَإِنْ ذَهَبْنَا نُعْطِي كُلَّمَا سَأَلُونَا طَالَ ذَلِكَ، أَوْ كَمَا قَالَ، فَقَالَ لَهُ اَلْعَقِيقِيُّ: فَإِنِّي أَسْأَلُ مَنْ فِي يَدِهِ قَضَاءُ حَاجَتِي، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى: مَنْ هُوَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: اَللهُ (جَلَّ ذِكْرُهُ)، فَخَرَجَ وَهُوَ مُغْضَبٌ، قَالَ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا أَقُولُ: فِي اَلله عَزَاءٌ مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرَكٌ مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، قَالَ: فَانْصَرَفْتُ، فَجَاءَنِي اَلرَّسُولُ مِنْ عِنْدِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ، فَذَهَبَ مِنْ عِنْدِي، فَأَبْلَغَهُ، فَجَاءَنِي اَلرَّسُولُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَدَد وَوَزْن مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَمِنْدِيلٍ وَشَيْءٍ مِنْ حَنُوطٍ وَأَكْفَانٍ، وَقَالَ لِي: مَوْلَاكَ يُقْرِئُكَ اَلسَّلَامَ، وَيَقُولُ: «إِذَا هَمَّكَ أَمْرٌ أَوْ غَمٌّ فَامْسَحْ بِهَذَا اَلْمِنْدِيلِ وَجْهَكَ، فَإِنَّ هَذَا مِنْدِيلُ مَوْلَاكَ، وَخُذْ هَذِهِ اَلدَّرَاهِمَ وَهَذَا اَلْحَنُوطَ وَهَذِهِ اَلْأَكْفَانَ، وَسَتُقْضَى حَاجَتُكَ فِي هَذِهِ اَللَّيْلَةِ، فَإِذَا قَدِمْتَ إِلَى مِصْرَ مَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ مِنْ قَبْلِكَ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ مِتَّ بَعْدَهُ، فَيَكُونُ هَذَا كَفَنَكَ، وَهَذَا حَنُوطَكَ، وَهَذَا جَهَازَكَ، فَأَخَذْتُ ذَلِكَ وَحَفِظْتُهُ وَاِنْصَرَفَ اَلرَّسُولُ، وَإِذَا أَنَا بِالمَشَاعِلِ عَلَى بَابِي وَاَلْبَابُ يُدَقُّ، فَقُلْتُ لِغُلَامِي خَيْرٍ: يَا خَيْرُ، اُنْظُرْ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ ذَا؟ فَقَالَ: هَذَا غُلَامُ حُمَيْدِ(١٠٤٢) بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْكَاتِبِ اِبْنِ عَمِّ اَلْوَزِيرِ، فَأَدْخَلَهُ إِلَيَّ، فَقَالَ لِي: قَدْ طَلَبَكَ اَلْوَزِيرُ، وَيَقُولُ لَكَ مَوْلَايَ حُمَيْدٌ: اِرْكَبْ إِلَيَّ، فَرَكِبْتُ وَفُتِحَتِ اَلشَّوَارِعُ وَاَلدُّرُوبُ، وَجِئْتُ إِلَى شَارِعِ اَلْوَزَّانِينَ، فَإِذَا بِحُمَيْدٍ قَاعِدٌ يَنْتَظِرُنِي، فَلَمَّا رَآنِي أَخَذَ بِيَدِي وَرَكِبْنَا فَدَخَلْنَا عَلَى اَلْوَزِيرِ، فَقَالَ لِيَ اَلْوَزِيرُ: يَا شَيْخُ، قَدْ قَضَى اَللهُ حَاجَتَكَ، وَاِعْتَذَرَ إِلَيَّ، وَدَفَعَ إِلَيَّ اَلْكُتُبَ مَكْتُوبَةً مَخْتُومَةً قَدْ فَرَغَ مِنْهَا، قَالَ: فَأَخَذْتُ ذَلِكَ وَخَرَجْتُ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ: فَحَدَّثَنَا أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ اَلْعَقِيقِيُّ بِنَصِيبِينَ بِهَذَا، وَقَالَ لِي: مَا خَرَجَ هَذَا اَلْحَنُوطُ إِلَّا إِلَى عَمَّتِي فُلَانَةَ(١٠٤٣)، فَلَمْ يُسَمِّهَا، وَقَدْ نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَقَدْ قَالَ لِيَ اَلْحُسَيْنُ بْنُ رَوْحٍ (رحمه الله): إِنِّي أَمْلِكُ اَلضَّيْعَةَ، وَقَدْ كُتِبَ(١٠٤٤) لِي بِالَّذِي أَرَدْتُ، فَقُمْتُ(١٠٤٥) إِلَيْهِ وَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ وَعَيْنَيْهِ، وَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، أَرِنِي اَلْأَكْفَانَ وَاَلْحَنُوطَ وَاَلدَّرَاهِمَ، قَالَ: فَأَخْرَجَ لِيَ اَلْأَكْفَانَ، فَإِذَا فِيهِ بُرْدُ حِبَرٍ مُسَهَّمٌ(١٠٤٦) مِنْ نَسْجِ اَلْيَمَنِ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ مَرْوِيٌّ(١٠٤٧) وَعِمَامَةٌ، وَإِذَا اَلْحَنُوطُ فِي خَرِيطَةٍ، فَأَخْرَجَ اَلدَّرَاهِمَ فَوَزْنُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَدَدُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، هَبْ لِي مِنْهَا دِرْهَماً أَصُوغُهُ خَاتَماً، فَقَالَ: وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ خُذْ مِنْ عِنْدِي مَا شِئْتَ، فَقُلْتُ: أُرِيدُ مِنْ هَذِهِ، وَأَلْحَحْتُ عَلَيْهِ، وَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ وَعَيْنَيْهِ، فَأَعْطَانِي دِرْهَماً شَدَدْتُهُ فِي مِنْدِيلِي وَجَعَلْتُهُ فِي كُمِّي، فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى اَلْخَانِ فَتَحْتُ زِنْفِيلَجَةً(١٠٤٨) مَعِي، وَجَعَلْتُ اَلْمِنْدِيلَ فِي اَلزِّنْفِيلَجَةِ وَفِيهِ اَلدِّرْهَمُ مَشْدُودٌ، وَجَعَلْتُ كُتُبِي وَدَفَاتِرِي فِيهَا، وَأَقَمْتُ أَيَّاماً، ثُمَّ جِئْتُ أَطْلُبُ اَلدِّرْهَمَ، فَإِذَا اَلصُّرَّةُ مَصْرُورَةٌ بِحَالِهَا وَلَا شَيْءَ فِيهَا، فَأَخَذَنِي شِبْهُ اَلْوَسْوَاسِ، فَصِرْتُ إِلَى بَابِ اَلْعَقِيقِيِّ، فَقُلْتُ لِغُلَامِهِ خَيْرٍ: أُرِيدُ اَلدُّخُولَ إِلَى اَلشَّيْخِ، فَأَدْخَلَنِي إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: مَا لَكَ، يَا سَيِّدِي؟ فَقُلْتُ: اَلدِّرْهَمُ اَلَّذِي أَعْطَيْتَنِي مَا أَصَبْتُهُ فِي اَلصُّرَّةِ، فَدَعَا بِزِنْفِيلَجَةٍ وَأَخْرَجَ اَلدَّرَاهِمَ، فَإِذَا هِيَ مِائَةٌ عَدَداً وَوَزْناً، وَلَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ أَتَّهِمُهُ، فَسَأَلْتُهُ رَدَّهُ إِلَيَّ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مِصْرَ وَأَخَذَ اَلضَّيْعَةَ، وَمَاتَ قَبْلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بِعَشَرَةٍ كَمَا قِيلَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ (رحمه الله) وَكُفِّنَ فِي اَلْأَكْفَانِ اَلَّتِي دُفِعَتْ إِلَيْهِ(١٠٤٩).
٢٦٦ - وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى اِبْنِ بَابَوَيْهِ وَأَبِي عَبْدِ اَلله اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ أَخِيهِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْأَسْوَدُ(١٠٥٠) (رحمه الله)، قَالَ: سَأَلَنِي عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ (رضي الله عنه) بَعْدَ مَوْتِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ (قدّس سره) أَنْ أَسْأَلَ أَبَا اَلْقَاسِمِ اَلرَّوْحِيَّ (قَدَّسَ اَللهُ رُوحَهُ) أَنْ يَسْأَلَ مَوْلَانَا صَاحِبَ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) أَنْ يَدْعُوَ اَللهَ أَنْ يَرْزُقَهُ وَلَداً ذَكَراً.
قَالَ: فَسَأَلْتُهُ، فَأَنْهَى ذَلِكَ، ثُمَّ أَخْبَرَنِي بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَنَّهُ قَدْ دَعَا لِعَلِيِّ اِبْنِ اَلْحُسَيْنِ (رحمه الله)، فَإِنَّهُ سَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ مُبَارَكٌ يَنْفَعُ اَللهُ بِهِ، وَبَعْدَهُ أَوْلَادٌ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْأَسْوَدُ: وَسَأَلْتُهُ فِي أَمْرِ نَفْسِي أَنْ يَدْعُوَ لِي أَنْ أُرْزَقَ وَلَداً (ذَكَراً)، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَيْهِ، وَقَالَ لِي: لَيْسَ إِلَى هَذَا سَبِيلٌ.
قَالَ: فَوُلِدَ لِعَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (رضي الله عنه) تِلْكَ اَلسَّنَةَ اِبْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَبَعْدَهُ أَوْلَادٌ، وَلَمْ يُولَدْ لِي.
قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ بَابَوَيْهِ: وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْأَسْوَدُ كَثِيراً مَا يَقُولُ لِي - إِذَا رَآنِي أَخْتَلِفُ إِلَى مَجْلِسِ شَيْخِنَا مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْوَلِيدِ (رضي الله عنه) وَأَرْغَبُ فِي كَتْبِ اَلْعِلْمِ وَحِفْظِهِ -: لَيْسَ بِعَجَبٍ أَنْ تَكُونَ لَكَ هَذِهِ اَلرَّغْبَةُ فِي اَلْعِلْمِ وَأَنْتَ وُلِدْتَ بِدُعَاءِ اَلْإِمَامِ (عليه السلام)(١٠٥١).
٢٦٧ - وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله بْنُ بَابَوَيْهِ: عَقَدْتُ اَلمَجْلِسَ وَلِي دُونَ اَلْعِشْرِينَ سَنَةً، فَرُبَّمَا كَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْأَسْوَدُ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَى إِسْرَاعِي فِي اَلْأَجْوِبَةِ فِي اَلْحَلَالِ وَاَلْحَرَامِ يُكْثِرُ اَلتَّعَجُّبَ لِصِغَرِ سِنِّي، ثُمَّ يَقُولُ: لَا عَجَبَ لِأَنَّكَ وُلِدْتَ بِدُعَاءِ اَلْإِمَامِ (عليه السلام).
٢٦٨ - وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَتيل، قَالَ: كَانَتِ اِمْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا: زَيْنَبُ مِنْ أَهْلِ آبَةَ، وَكَانَتِ اِمْرَأَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عِبْدِيلٍ(١٠٥٢) اَلْآبِيِّ، مَعَهَا ثَلَاثُمِائَةِ دِينَارٍ، فَصَارَتْ إِلَى عَمِّي جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَتيل، وَقَالَتْ: أُحِبُّ أَنْ يُسَلَّمَ هَذَا اَلمَالُ مِنْ يَدِي إِلَى يَدِ أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، قَالَ: فَأَنْفَذَنِي مَعَهَا أُتَرْجِمُ عَنْهَا، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه) أَقْبَلَ عَلَيْهَا بِلِسَانٍ آبِيٍّ فَصِيحٍ، فَقَالَ لَهَا: (زينب چونا چون بدا(١٠٥٣) كوليه جونسته)، وَمَعْنَاهُ: كَيْفَ أَنْتِ؟ وَكَيْفَ كُنْتِ؟ وَمَا خَبَرُ صِبْيَانِكِ؟ فَاسْتَغْنَتْ مِنَ اَلتَّرْجُمَةِ، وَسَلَّمَتِ اَلمَالَ وَرَجَعَتْ(١٠٥٤).
٢٦٩ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى اِبْنِ بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ اَلطَّالَقَانِيُّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه) مَعَ جَمَاعَةٍ فِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى اَلْقَصْرِيُّ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ لَهُ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ، وَذَكَرَ مَسَائِلَ ذَكَرْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا اَلمَوْضِعِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ: فَعُدْتُ إِلَى اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه) مِنَ اَلْغَدِ، وَأَنَا أَقُولُ فِي نَفْسِي: أَتَرَاهُ ذَكَرَ لَنَا أَمْسِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ؟ فَابْتَدَأَنَا فَقَالَ: يَا مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، لَئِنْ أَخِرَّ مِنَ اَلسَّمَاءِ فَتَخْطَفَنِي اَلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِيَ اَلرِّيحُ مِنْ مَكَانٍ سَحِيقٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ فِي دِينِ اَلله (عزَّ وجلَّ) بِرَأْيِي وَمِنْ عِنْدِ نَفْسِي، بَلْ ذَلِكَ عَنِ اَلْأَصْلِ، وَمَسْمُوعٌ مِنَ اَلْحُجَّةِ (عليه السلام)(١٠٥٥).
٢٧٠ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا اَلمُقِيمِينَ كَانُوا بِبَغْدَادَ فِي اَلسَّنَةِ اَلَّتِي خَرَجَتِ اَلْقَرَامِطَةُ(١٠٥٦) عَلَى اَلْحَاجِّ، وَهِيَ سَنَةُ تَنَاثُرِ اَلْكَوَاكِبِ أَنَّ وَالِدِي (رضي الله عنه) كَتَبَ إِلَى اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه) يَسْتَأْذِنُ فِي اَلْخُرُوجِ إِلَى اَلْحَجِّ، فَخَرَجَ فِي اَلْجَوَابِ: «لَا تَخْرُجْ فِي هَذِهِ اَلسَّنَةِ»، فَأَعَادَ، فَقَالَ: هُوَ نَذْرٌ وَاجِبٌ، أَفَيَجُوزُ لِيَ اَلْقُعُودُ عَنْهُ؟ فَخَرَجَ اَلْجَوَابُ: «إِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَكُنْ فِي اَلْقَافِلَةِ اَلْأَخِيرَةِ»، فَكَانَ فِي اَلْقَافِلَةِ اَلْأَخِيرَةِ فَسَلِمَ بِنَفْسِهِ وَقُتِلَ مَنْ تَقَدَّمَهُ فِي اَلْقَوَافِلِ اَلْأُخَرِ.
٢٧١ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَمَّارُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ إِسْحَاقَ اَلْأُسْرُوشَنِيُّ(١٠٥٧)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو اَلْعَبَّاسِ أَحْمَدُ اِبْنُ اَلْحَسَنِ(١٠٥٨) بْنِ أَبِي صَالِحٍ اَلْخُجَنْدِيُّ(١٠٥٩) وَكَانَ قَدْ أَلَحَّ فِي اَلْفَحْصِ وَاَلطَّلَبِ، وَسَارَ فِي اَلْبِلَادِ، وَكَتَبَ عَلَى يَدِ اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه) إِلَى اَلصَّاحِبِ (عليه السلام) يَشْكُو تَعَلُّقَ قَلْبِهِ وَاِشْتِغَالَهُ بِالْفَحْصِ وَاَلطَّلَبِ، وَيَسْأَلُ اَلْجَوَابَ بِمَا تَسْكُنُ إِلَيْهِ نَفْسُهُ، وَيَكْشِفُ لَهُ عَمَّا يَعْمَلُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيَّ تَوْقِيعٌ نُسْخَتُهُ: «مَنْ بَحَثَ فَقَدْ طَلَبَ، وَمَنْ طَلَبَ فَقَدْ دَلَّ(١٠٦٠)، وَمَنْ دَلَّ فَقَدْ أَشَاطَ، وَمَنْ أَشَاطَ فَقَدْ أَشْرَكَ»، قَالَ: فَكَفَفْتُ عَنِ اَلطَّلَبِ، وَسَكَنَتْ نَفْسِي، وَعُدْتُ إِلَى وَطَنِي مَسْرُوراً، وَاَلْحَمْدُ لِله(١٠٦١).
٢٧٢ - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلزُّرَارِيِّ، قَالَ: جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَ وَالِدَةِ أَبِي اَلْعَبَّاسِ - يَعْنِي اِبْنَهُ - مِنَ اَلْخُصُومَةِ وَاَلشَّرِّ أَمْرٌ عَظِيمٌ مَا لَا يَكَادُ أَنْ يَتَّفِقَ، وَتَتَابَعَ ذَلِكَ وَكَثُرَ إِلَى أَنْ ضَجِرْتُ بِهِ، وَكَتَبْتُ عَلَى يَدِ أَبِي جَعْفَرٍ أَسْأَلُ اَلدُّعَاءَ، فَأَبْطَأَ عَنِّي اَلْجَوَابُ مُدَّةً، ثُمَّ لَقِيَنِي أَبُو جَعْفَرٍ فَقَالَ: قَدْ وَرَدَ جَوَابُ مَسْأَلَتِكَ، فَجِئْتُهُ، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ مُدْرَجاً، فَلَمْ يَزَلْ يُدْرِجُهُ إِلَى أَنْ أَرَانِي فَصْلاً مِنْهُ، فِيهِ: «وَأَمَّا اَلزَّوْجُ وَاَلزَّوْجَةُ فَأَصْلَحَ اَللهُ بَيْنَهُمَا»، فَلَمْ تَزَلْ عَلَى حَالِ اَلاِسْتِقَامَةِ، وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَنَا بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ يَجْرِي، وَقَدْ كُنْتُ أَتَعَمَّدُ مَا يُسْخِطُ