الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الحركة هي من ضمن الحركات الضالة والتي تزعم صلتها بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أو العقيدة المهدوية بشكل خاص، وهي عادة تستهدف أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بالخصوص، والمتابع لطبيعة هذه الحركات وأنواعها يجد بوضوح عدم خلو عصر من العصور ولا زمان من الأزمنة من أمثال هذه الحركات والدعاوى الباطلة، فليس هي من ظواهر عصرنا الحاضر أو إفرازات وقتنا الحالي، بل هي قديمة بقدم الديانات والعقائد.
ولذا نجد الشيخ الطوسي (رحمه الله) والذي هو من علماء القرن الثالث الهجري، عقد فصلاً كاملاً في كتابه (الغيبة) عنونه بـــ(ذكر المذمومين الذين ادَّعوا البابية والسفارة) وتكلم عن بعض تلك الشخصيات والفرق، فليس ما نواجهه اليوم من هؤلاء الدجالين أمراً حادثاً أو طارئاً، لاسيما فيما يرتبط بالعقيدة المهدوية وحيثياتها التفصيلية، وليس ذلك لنقطة ضعف في هذه العقيدة كما قد يظنه البعض، بل لرسوخها وتجذرها في الوجدان الإسلامي بشكل عام والشيعي بشكل خاص، وما يوفره هذا الثابت الديني من مقومات الإثارة والتفاعل عند غالبية المسلمين.
وحينها لا نستغرب أن يسجل لنا التاريخ في ماضيه وحاضره وجود عشرات الدجالين، بل والمئات منهم وهم يحاولون التعكز على هذه العقيدة استغلالاً وانتهازاً بغية الوصول إلى مآربهم الخبيثة.
والذي يتزعم هذه الحركة شخصية مجهولة الهوية والعنوان يسمي نفسه (المنصور الهاشمي الخراساني) يتواصل مع أتباعه عن طريق موقعه على الشبكة المليء بالنرجسية الفارغة والغرور الخاوي، فهو يزعم هناك أنه أعلم العلماء وأنه لا مثيل له، ويبرر عدم نشر صورته أو التعريف عن هويته لكونه مطلوباً من قبل جميع حكام المنطقة! ويدعو لمقاطعة علماء الدين والمراجع ومتابعته وحده وجباية الحقوق الشرعية له بالخصوص باعتباره خليفة الله تعالى في الأرض!
وعليه؛ فإن الرجل إن لم يكن يعاني من لوثة عقلية ومرض نفسي فهو مبتلى بحب السلطة والظهور محاولاً التسلق على العقيدة المهدوية وحضورها في وجدان المؤمنين وليأخذ بعد هذا وذاك من الدين ما يتكسب به للدنيا كحال الكثير من أصحاب هذه الدعوات المزيفة الذين ظهروا قديماً وسيظهرون مستقبلاً... فقد روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): دون الساعة اثنان وسبعون دجالاً منهم من لا يتبعه إلّا رجل واحد. [الفتن لنعيم بن حماد المروزي: ص٢٩]
ولا نستبعد أن هدف هؤلاء الأدعياء والدجالين في عصرنا الحالي - والذين تكاثروا فيه - بين من يدّعي أنه ابن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أو أنه اليماني صاحب أهدى الرايات أو القحطاني وزير الإمام (عجّل الله فرجه) أو المنادي على أسوار دمشق، جميعاً يعملون في ضمن حلقة ترجع جميع خيوطها إلى مغزل واحد هدفها توهين العقيدة المهدوية وإسقاطها في نفوس الناس لا من خلال التشكيك فيها والإشكال عليها، بل من خلال خلط أوراقها من الداخل وصناعة فوضى تقوم على خلق أحداث متعمدة من قبل أُناس مجهولي الشخصية والمنشأ يعملون وراء الكواليس وفق مخطط محدد يؤدي إلى إصابة المؤمنين بالحيرة والتيه في معرفة ما هو حق مما هو باطل لينتهي البعض في ذلك إلى وضع عنوان الخرافة والوهم على مجمل الفكرة المهدوية.
فقد روى الشيخ الكليني عن المفضل عن الإمام الصادق (عليه السلام): ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أي من أي، قال: فبكيت، فقال: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ فقلت: جعلت فداك، كيف لا أبكي وأنت تقول: اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أي من أي!؟ قال: وفي مجلسه كوة تدخل فيها الشمس، فقال: أبيِّنَةٌ هذه؟ فقلت: نعم، قال: أمرنا أبيَن من هذه الشمس. [الكافي للشيخ الكليني: ج١، ص٣٣٩]
مع أنهم (عليهم السلام) لم يتركوا شيعتهم وأتباعهم سدى وهملاً من غير أن يوضحوا لهم طريق نجاتهم وخلاصهم سواء من خلال التوجه والتوسل إلى الله تعالى لطلب السلامة من مضلات تلك الفتن، كما روي ذلك في المواظبة على قراءة دعاء الغريق أو من خلال الالتزام بخط علماء الدين والفقهاء الموثوقين، فقد روي عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٤٨٤]
وبطبيعة الحال ليس كل من روى أحاديثهم أو تكلم بالولاء فيهم يكون مصداقاً مأموناً يصح الأخذ منه أو الرجوع إليه، فهناك الكثير من الشخصيات التي ظهرت أو ستظهر وهي طارئة على ساحة المنتظرين وأهل الولاء من المؤمنين، ولذا صار التجذر والقدم من ضمن المقاييس التي أرشد إليها الأئمة (عليهم السلام) لتكون معياراً عند تقييم الرموز الدينية وشرعية الرجوع إليهم، فقد سأل أحمد بن حاتم وأخوه الإمام الهادي (عليه السلام) عمن يأخذا معالم دينهما؟ فأجابهما (عليه السلام): فاصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا، وكل كثير القدم في أمرنا، فإنهما كافوكما إن شاء الله تعالى. [وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي: ج٢٧، ص١٥١]
مضافاً لما ورد عن الإمام العسكري (عليه السلام): فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم. [وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي: ج٢٧، ص١٣١]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)