الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة البيعة وماهيتها هي الإقرار اللساني والاعتقاد القلبي والالتزام من قبل المبايع ببذل الطاعة والانقياد للمبايع له، وهي بهذا المعنى واجبة على كل مسلم لا يمكن له أن يتخلف عنها باعتبارها تحكي عن عقيدة لازمة يؤدي التفريط بها والتقاعس عنها أن يموت الإنسان ميتة جاهلية، ومن خلال ما تقدم من التعريف السابق للبيعة نفهم أن إعطاءها للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لا يُشترط حضوره بيننا باعتبار إمكانية تحققها بالإقرار والاعتقاد، وهذا المعنى ذكره أهل اللغة والفقهاء، فقد ذكر الراغب الأصفهاني في المفردات: وبايع السلطان إذا تضمن بذل الطاعة له بما رضخ له ويقال لذلك بيعة ومبايعة. [المفرادت للراغب الأصفهاني: ص٦٦]
وذكر الشيخ مكارم الشيرازي في بحوثه الفقهية ما يقربُ من هذا المعنى: وأمّا البيعة فهي تعهد من ناحية المبايع على أن يطيع لمن بايعه ولا يتخلف عن أمره. [بحوث فقهية مهمة للشيخ مكارم الشيرازي: ص٤٧٨]
وأمّا الصفق بالأيدي أو المصافحة فهي قضية شكلية الغاية منها إظهارها والتأكيد على الالتزام بها وليست هي حقيقة البيعة، ولذا يقول ابن خلدون في مقدمته: اعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة؛ كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلِّم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، ولا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلّفه به من الأمر على المنشط والمكره. وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيداً للعهد. [مقدمة ابن خلدون: ص١٤٧]
وذكر الميرزا الأصفهاني في كتابه وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام (عجّل الله فرجه): واعلم أن معنى البيعة على قول أهل اللغة: العهد والاتّفاق على أمر، والمراد من البيعة والعهد معه (عليه السلام) هو أن يقر المؤمن بلسانه ويعزم بقلبه أن يطيعه كل الطاعة، وينصره في أي وقت ظهر فيه. [وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) للميرزا محمد تقي الموسوي الأصفهاني: ص٥٠]
وعلى ضوء ما تقدم نفهم أن المراد من بيعة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في عصر الغيبة هو أن يقر المؤمن بلسانه ويعزم بقلبه أن يطيعه كل الطاعة، وينصره في أي وقت ظهر فيه ولا يُشترط في تحقق هذه البيعة حضور الإمام (عجّل الله فرجه) أو اللقاء به، بل أن ذلك مما لا يتسنى عادة لكل أحد حتى في زمن الحضور لكثرة المسلمين من جهة والمسافات البعيدة التي تفصل البلدان الإسلامية بعضها عن بعض، وهو ما لم يفعله حتى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) حينما أراد أخذ البيعة لأمير المؤمنين (عليه السلام) في يوم الغدير، فقد روي عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بعد أن نصّب الأمير علي (عليه السلام) خليفة له، أوضح جملة من فضائله ثم قال: معاشر الناس إنّكم أكثر من أن تصافقوني بكف واحدة وأمرني الله (عزَّ وجلَّ) أن أخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدتُ لعلي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين، ومن جاء بعده من الأئمة مني ومنه على ما أعلمتكم أنّ ذريتي من صلبه فقولوا بأجمعكم: إنا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلَّغت من أمر ربنا وربك في أمر علي أمير المؤمنين وأمر وُلْده من صلبه من الأئمة. [اليقين للسيد ابن طاووس: ص٣٥٩]
ويتجلى هذا المعنى بوضوح ويتحقق تنفيذه كما أمر به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في دعاء العهد المروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) والذي جاء في بعض فقراته: اللهم بلغ مولانا الإمام المهدي القائم بأمر الله (صلّى الله عليه وآله وعلى آبائه الطاهرين)، عن جميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها وسهلها وجبلها وبرها وبحرها، وعني وعن والدي من الصلاة زنة عرش الله، وعدد كلماته وما أحصاه كتابه، وأحاط به علمه، اللهم إني أجدد له في صبيحة هذا اليوم وما عشت به في أيامي، عهداً وعقداً وبيعة له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول. اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه وأنصاره والذابين عنه، والمسارعين في حوائجه والممتثلين لأوامره، والمحامين عنه، والمستشهدين بين يديه. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٥٣، ص٩٦]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)