الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
نعم فإن الحجة لا تقوم إلّا بوجود الإمام المعصوم (عليه السلام)، وهذا مدلول عدة روايات معتبرة السند، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): إن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلّا بإمام حتى يُعرف. [الكافي للشيخ الكليني: ج١، ص٢٢٥]، ولكن إقامة الحجة لا تقتضي أن يمارس الإمام (عجّل الله فرجه) دور الهداية التشريعية بشكل مباشر لكل أحد، فالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان هو الحجة في زمانه وهو المبين للدين، ولكن قيام حجيته على الناس لا يستلزم حضوره الفعلي عند كل أحد، بل إن نبينا الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) هو نبي هذه الأمة إلى قيام الساعة، وقد كان في أيام حياته غائباً عن أكثر الناس الذين آمنوا به، وبعضهم لم يره طيلة حياته حتى مات بسبب بعد المسافات وعدم إمكان السفر إليه، فإذا كان عدم الحضور يقدح في قيام الحجة لقدح ذلك في وجوب الإيمان بالدين الذي جاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولم يؤاخذ المسلمون بذلك، وهذا ما لا يقول به أحد، وبعد هذه المقدمة نفهم أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يمارس دور هدايته التشريعية إمّا بالمباشرة كما في زمن حضوره أو بالواسطة من خلال السفراء والنواب في زمن غيبته، ولذا ورد عن الإمام الهادي (عليه السلام): لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلّا ارتد عن دين الله. [الاحتجاج للشيخ الطبرسي: ج١، ص٩]
فالعلماء والفقهاء ليس لهم إلّا الدلالة والدعوة والأخذ عنه (عجّل الله فرجه) ليكونوا الواسطة والسبب الرابط بين الناس وبين الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) في إيصال هدايته لهم، وهذا ما يمارسه علماؤنا ومراجعنا في زمن الغيبة الكبرى، فإن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إنما أرجع الناس إلى العلماء بشرط الأخذ من أحاديثهم ورواياتهم لا كيفما اتفق، فقد ورد في توقيعه (عجّل الله فرجه): وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٤٨٤]
ولذلك الروايات التي أشارت إلى لابدية وجود الإمام أو الحجة هي نفسها أوضحت أنه ليس من الضروري أن يكون الإمام ظاهراً، بل يمكن أن يكون غائباً، وهو مفاد الحديث المعتبر الذي رواه الصدوق (رحمه الله) في علل الشرائع عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا تبقى الأرض بغير إمام ظاهر أو باطن. [علل الشرائع للشيخ الصدوق: ج١، ص٢٣٥]
وكذلك ما جاء في الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبيناته. [نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح: ص٤٩٧]
إذن الحجة قائمة والشريعة موجودة والباري تعالى يحاسبنا على المقدار الذي وصلنا منها ولا يكلفنا بغير ذلك، وإنما الذي نفتقده هو التطبيق العملي للدين وإقامة الحق المتوقف على حضور المعصوم (عليه السلام) وهذا موضوع آخر يختلف عن السؤال السابق، وقد بينّا في عدة أجوبة سابقة الأسباب والعلل التي تقف خلف غيبة الإمام (عجّل الله فرجه)، وبينّا أن أحد أهم أسبابها هم الناس الذين قصروا في القيام بمسؤولياتهم ونصرة الإمام (عجّل الله فرجه)، فقد روى النعماني عن أمير المؤمنين (عليه السلام): واعلموا أن الأرض لا تخلو من حجة لله (عزَّ وجلَّ)، ولكن الله سيعمي خلقه عنها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم. [الغيبة للشيخ النعماني: ص١٤٤]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)