الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
لم تغفل الروايات ذكر أسباب الغيبة، بل ذكرت ذلك في عدة روايات وكذلك أصحاب الأئمة (عليهم السلام) أكثروا من السؤال عن ذلك، فقد جاء عن محمد بن أبي عمير، عن أبان وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لابد للغلام من غيبة، فقيل له: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: يخاف القتل. [علل الشرائع للشيخ الصدوق: ج١، ص٢٨١]
وروى زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن للقائم غيبة قبل ظهوره، قلت: ولِمَ؟ قال: يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه -، قال زرارة: يعني القتل. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٥١١]
وكذلك ورد أن من أسباب الغيبة لئلا يكون في عنقه بيعة لأحد طواغيت عصره، فقد جاء عن الإمام الرضا (عليه السلام): كأني بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه، قلت له: ولم ذاك يا بن رسول الله؟ قال: لأن إمامهم يغيب عنهم، فقلت: ولِمَ؟ قال: لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٤٨٠]
وبعض الروايات أرجعت سبب الغيبة إلى المحنة والامتحان كما جاء في خبر الإمام الكاظم (عليه السلام): يا بني، إنه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة، حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هي محنة من الله (عزَّ وجلَّ) امتحن بها خلقه. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٣٣٦]
بطبيعة الحال نحن نؤمن أنه ما من شيء تقرره السماء إلّا كان محفوفاً بالحكمة والمصلحة ومهما أوتينا من العلم نبقى عاجزين عن إدراك كل مراتب هذه الحكمة الإلهية وعمقها، ولذا من الممكن أن نحيط علماً ببعض وجوه الحكمة ونتعرف عليها ومنها ما نعجز عن الإحاطة به، ومن هنا تعددت بيانات أهل البيت (عليهم السلام) في ذكر علل وأسباب الغيبة وهي في المحصلة النهائية لا تتنافى مع بعضها البعض، بل كلها صحيحة من الجهة التي يجري الكلام فيها، وكمثال على ذلك لتقريب الصورة لو رأينا ناراً متَّقدة يمكن أن نذكر عدة أسباب لاتِّقادها، كأن نقول إن سبب هذه النار هو وجود الوقود أو وجود الهواء أو شدة الحرارة، ولا يخفى أن كل هذه الأسباب صحيحة في نفسها ولكن مع صحتها قد لا تفسر السبب النهائي والعلة الحاسمة التي تكون منشأ لكل تلك الأسباب التي تتفرع عنها، والذي تذكره الروايات الشريفة هو قريب من هذا المثال، فهناك أسباب وعلل أشار إليها أهل البيت (عليهم السلام) كما في الروايات السابقة التي ذكرناها أعلاه.
وهناك سبب نهائي لم تصرح به الروايات وأمرت بالسكوت عنه كما في رواية عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله: إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام)، إلى وقت افتراقهما، يا بن الفضل، إن هذا الأمر أمرٌ من (أمر) الله تعالى وسرٌ من سرِّ الله، وغيبٌ من غيب الله، ومتى علمنا أنه (عزَّ وجلَّ) حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة، وإن كان وجهها غير منكشف. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٤٨٢]
وكذلك ما ورد في التوقيع الشريف: وأمّا علة ما وقع من الغيبة فإن الله (عزَّ وجلَّ) يقول: ﴿يا أَيـُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص٢٩٢]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)