الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
الحديث رواه الشيخ الصدوق في كتابه كمال الدين عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: كأني أنظر إلى القائم على منبر الكوفة وحوله أصحابه الثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية، وهم حكام الله في أرضه على خلقه، حتى يستخرج كتاباً من قبائه مختوماً بخاتم من ذهب، عهد معهود من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فيجفلون عنه إجفال الغنم البكم، فلا يبقى منهم إلّا الوزير وأحد عشر نقيباً، كما بقوا مع موسى بن عمران (عليه السلام)، فيجولون في الأرض ولا يجدون عنه مذهباً، فيرجعون إليه. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٦٧٢]
الروايات التي تحدثت عن أصحاب الإمام (عجّل الله فرجه) لم تقل إنهم معصومون ومبرؤون من كل نقص وشائبة، ولا وصفتهم بالكمال المطلق، وإنما الذي نستفيده من الروايات أنهم الأكمل قياساً بغيرهم من المؤمنين الآخرين، وحتى خُلص المؤمنين أيضاً يتفاوتون بكمالاتهم العلمية والمعرفية وصولاً إلى اختلافهم في درجات التحمل والصبر، وأنصار الإمام (عجّل الله فرجه) ليسوا استثناءً من هذه القاعدة، بل إن التمايز والتفاوت واقع فيما بينهم أيضاً، فقد روى المفضل قال: قلت: جعلت فداك أيهم أعظم إيماناً؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٣٢٧]
بل إن هذا المعنى واقع حتى على مستوى الأنبياء (عليهم السلام) فهذه قصة موسى والخضر (عليهما السلام) وكيف أن القرآن الكريم حكى لنا عن الاعتراضات التي كان يقوم بها موسى (عليه السلام) في كل تصرفات الخضر (عليه السلام) التي شاهدها منه، والسبب في ذلك بطبيعة الحال يرجع إلى مقدار العلم وحدوده الذي يتيح لحامله استيعاب الأمر وإدراكه على حقيقته الواقعية، ولذا نجد أن الخضر (عليه السلام) كان يقدم العذر والمبرر لعدم تحمل موسى (عليه السلام) بقوله: وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً. وإذا كان الأمر كذلك فلا نتفاجأ إذا رأينا الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما. [الكافي للشيخ الكليني: ج١، ص٢٦١]
وهي تدل بوضوح على أن علم المعصومين (عليهم السلام) كما ورد مستفيضاً لا يحتمله إلّا نبي مرسل أو مَلَكٌ مقرب أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، وخيرُ شاهدٍ على ذلك ما رواه الكليني (رحمه الله) عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ذكرت التقية يوماً عند علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال: والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بينهما، فما ظنكم بسائر الخلق، إن علم العلماء صعب مستصعب، لا يحتمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، فقال: وإنما صار سلمان من العلماء لأنه امرؤ منا أهل البيت، فلذلك نسبته إلى العلماء. [الكافي للشيخ الكليني: ج١، ص٤٠١]
كما أننا نستفيد من الرواية أن التمحيص والامتحان ليس له حد يتوقف عنده الإنسان، فقد تنجح في بلوغ مرحلة ما، ولكي ترتقي إلى ما هو أعظم منها عليك أن تنجح في عبور امتحان المرحلة اللاحقة، فيونس (عليه السلام) حينما خرج من بطن الحوت لم يكن كيونس قبل أن يبتلعه الحوت بل زاد علماً وبصيرة في مقامه وأمره.
فإن لكل رتبة متطلباتها ولكل منزلة مقتضياتها، وليس الفشل في الدرجة الأعلائية يستدعي بالضرورة الفشل في الرتبة العليا بعد أن كانت جميع تلك المنازل والدرجات هي ميزة وقيمة في حد ذاتها، وإنما تتفاوت الدرجات في الخصوصيات والامتيازات تبعاً للمقايسة فيما بينها.
لاسيما أننا نجهل حقيقة وعمق العلم الذي سيتكلم به الإمام (عجّل الله فرجه) معهم، والذي أدّى إلى ما عبرت عنه الرواية (فَيَجْفلُونَ عَنْهُ إِجْفَالَ الغَنَمِ البُكْمِ)، ولكن الذي نعرفه أن ما سيأتي به الإمام (عجّل الله فرجه) من المعارف والأسرار يتجاوز المعرفة التي وصلتنا من الأنبياء السابقين (عليهم السلام) بمراحل عدة وبما يتعدى مستوى المقارنة.
فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): العلم سبعة وعشرون حرفاً، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام القائم (عليه السلام) أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبَّثها في الناس وضمَّ إليها الحرفين، حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً. [مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي: ص١١٧]
وعلى كل حال يدل الخبر في محصلته النهائية على عدم تحمل هؤلاء الأنصار بعض علم الإمام (عجّل الله فرجه) وأسرار كلامه، فيهربون عنه ويفزعون جائلين، ثم مآلهم وختامهم الطاعة له والتسليم إليه.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)