الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
لا يتكلم الحديث الصحيح عن شخصيتين وإنما عن شخصية واحدة، ولكن قد يفهم من روايات غير صحيحة السند الكلام عن شخصية ثانية بأوصاف ثانية تذكر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) كما هو الحال في روايات اسم الإمام، فإن الروايات الصحيحة ذكرت أنه محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام) ولكن الروايات غير الصحيحة ذكرت أنه محمد بن عبد الله.
فلا يعني هذا وجود شخصيتين وإنما هذه الروايات ناظرة إلى شخصية واحدة، ولكن تدخلت الأيادي الوضاعة لإرباك الأمة ووصفته بأنه محمد بن عبد الله، فهكذا الحال في أوصافه، وهكذا الحال في كل مسألة فيها روايات متعارضة، فإن مقامنا فيه روايات على قسمين:
القسم الأول: ما يفهم منها بحسب الوهلة الأولى التعارض، ولكن مع التأمل البسيط يتضح عدم التعارض، لأنها تصف زماناً أو مكاناً معيناً أي تصف الإمام (عجّل الله فرجه) حال صغر سنّه مثلاً أو غير ذلك.
القسم الثاني: ما يفهم منها التعارض المستقر، وفي هذا الحال يرجع فيها إلى مرجّحات باب التعارض من قبيل موافقة الشهرة أو غيره.
عن ضريس الكناسي، قال: (سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: إن صاحب هذا الأمر فيه سنة من يوسف ابن أمة سوداء، يصلح الله (عزَّ وجلَّ) أمره في ليلة واحدة. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٣٢٩]
وعلّق المدعو العقيلي على هذه الرواية بقوله: (فالإمام المهدي (عليه السلام) أمه السيدة نرجس، وهي حفيدة الوصي شمعون -وصي عيسى (عليه السلام) -وليس بشرتها سوداء، في حين أنّ هناك رجلاً من آل محمد (عليهم السلام) أُطلق عليه هذا الوصف [صاحب الأمر] أيضاً، ولكن أُمُّه أَمَة سوداء) [وحدة شخصية المهدي الأول والقائم واليماني:٨]
ولا يخلو الاستدلال بهذه الرواية عن تأمل ظاهر، وذلك بالالتفات إلى نقاط:
الأولى: إنَّ عنوان (صاحب الأمر) لا يخلو إمّا أن يكون منصرفاً إلى خصوص الحجة المهدي (عجّل الله فرجه)، وإمّا ينطبق على غيره من أولي الأمر أيضاً، فإن قيل بانصرافه ثبت رجوع الرواية -ولاحقتها- إليه (عجّل الله فرجه)، وإن قيل بعمومه لم يُعلم المصداق المقصود من الرواية؛ إذ إنَّ غير واحد من الأئمة (عليهم السلام) أمهاتهم من الإماء.
الثانية: إنَّ الاستدلال المذكور مبني على مقدمة خاطئة، وهي: أنَّ أُمّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من الروم، ومقتضى روميتها أن تكون بيضاء اللون، ولا يخفاك وَهْنُ هذه المقدمة؛ فإنه لا ملازمة بين الأمرين؛ إذ ربما تكون المرأة من أهل الروم إلّا أنها لسببٍ أو لآخر -ككون أُمِّها من الإماء، باعتبار أنَّ والدها من ملوك الروم، فتكون تحته بحسب العادة مجموعة من الإماء والجواري- قد تكون امرأة سمراء.
الثالثة: إنَّ التصريح بلون أمهات الأئمة (عليهنَّ السلام) على خلاف سيرة الأئمة (عليهم السلام) الجارية على التحفظ على خصوصيات نسائهم تحفظاً شديداً، بل هو على خلاف سيرة المتشرعة وأصحاب الغيرة من الناس جميعاً؛ فإنَّ هذا مما لم يُعهد من سائر أهل العفة فما بالك بالأئمة الطاهرين (عليهم السلام)؟!.
وهذا ما ينتهي بنا إلى الجزم إمّا بزيادة مفردة (سوداء) في الرواية، وإمّا بصدورها بهدف التعمية والتلبيس، نظراً لما يعلمه الإمام الباقر (عليه السلام) من مستقبل الهجوم على بيت الإمام العسكري (عليه السلام) وتفتيش نسائه بحثاً عن أمّ الإمام المهدي (أرواحنا لتراب نعليه المقدّسين الفداء).
أضف إلى ذلك: أنَّ إمام القوم المدعو (أحمد الحسن) حينما وصل في شرائع إسلامه ٣ / ١٩٩ إلى أحكام نساء الإماء قال: (وأعرض عن التفصيل؛ لعدم الحاجة في الوقت الحاضر)، فمن أين صارت أُمُّه من الإماء، رغم إلماحه في كلامه هذا إلى انقراضهن؟!.
وهذا يعني أن الكلام ليس عن شخصيتين، حتى يكون الثاني هو أحمد الحسن.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)