الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
قد يفهم البعض أن هذه الرواية وما يماثلها تدل على حرمة مطلق الخروج على الحاكم الجائر أو الدفاع عن الحقوق المشروعة للمسلمين، ووجوب السكوت في عصر الغيبة، وعدم التدخل في الشؤون السياسية.
إلا أن ذلك يتعارض مع الكثير من الأدلة التي توجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتصدي للظالمين.
والذي يمكن قوله في المقصود من هذا الحديث وأمثاله أن رفع الرايات والدعوة لها على قسمين:
الأولى: الراية التي تدعو للخروج لنفسها وهي تمضي على غير هدى ورشاد فيكون محركها الرئيس ودافعها: الاستيلاء على السلطة والملك، وهي ليست على خط الأئمة (عليهم السلام) ومنهجهم، ولذا ورد في الروايات أن الطاغوت هو كل وليجة ومدخل من غير طريق أهل البيت (عليهم السلام).
ورد في تفسير العياشي عن أبي الصباح الكناني قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يا أبا الصباح إياكم والولائج، فإن كل وليجة دوننا فهي طاغوت، أو قال: ند. [تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي: ج٢، ص٨٣]
والذي يؤيد هذا المعنى ما رواه الشيخ الكليني عن الإمام الباقر (عليه السلام): وإنه ليس من أحد يدعو إلى أن يخرج الدجال إلا سيجد من يبايعه، ومن رفع راية ضلالة فصاحبها طاغوت.
فقيد الرواية التي يكون صاحبها طاغوت براية الضلال لا مطلق الرايات، وهي بهذا المعنى ستكون في قبال راية القائم (عليه السلام) وعلى خلاف منهجه. [روضة الكافي للشيخ الكليني: ج٨، ص٢٩٦]
الثانية: الراية التي ترفع وهي مؤتمّة ومهتدية بهم (عليهم السلام) والتي تدعو لنقض الباطل وإقامة الحق، وهي بهذا العنوان ستكون خارجة عن قصد الرواية والاتصاف بالضلال والطغيان.
والذي يؤيد هذا المعنى ما روي عن أبي بصير عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): وليس في الرايات راية أهدى من اليماني هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم. [الغيبة للشيخ النعماني: ص١٧١]، ويظهر من هذا الخبر أن هناك رايات هدى قبل القائم (عجّل الله فرجه)، وأن الملاك في وصف رايته بالهدى لا لخصوصية في شخص اليماني وإنما لكونه يدعو لصاحبكم وليس لنفسه.
وكذلك عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: كأنّي بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه حتى يقوموا، ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم. قتلاهم شهداء. أما إني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر (عليه السلام) [الغيبة للشيخ النعماني: ١٨٢]
وهي أيضاً دالة على وجود فئة ثائرة بالحق وأن قتلاهم شهداء عند الله تعالى، وكل ذلك حاصل قبل قيام الإمام (عجّل الله فرجه) وإنما سيدفعونها إليه إذا خرج (عجّل الله فرجه).
بعد هذا البيان يمكن أن نفهم أن الرواية السابقة إنما هي بصدد الحديث عن الفئة المقابلة لراية الإمام (عجّل الله فرجه) والتي تعمل لأجل أهوائها ومقاصدها الشخصية بعيداً عن أهل البيت (عليهم السلام).
وللاستزادة ننقل ما ذكره الشيخ جواد التبريزي في تعليقته على المكاسب: ج٣، ص٣٦، فقد علق على هذه الروايات بقوله (رحمه الله): ولا يخفى أن ما ورد في بعض الأخبار من الأمر بإلزام البيت والصبر إلى خروج السفياني وغيره من العلامات الخروج القائم (عجّل الله فرجه) لا ينافي ما ذكرنا فإن المراد من تلك الروايات أمر الناس بعدم الاستجابة لمن يدعو من أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) الخلافة لنفسه، وأن الأئمة (عليهم السلام) لا يتصدون لأمر الخلافة والوصاية للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى ذلك الزمان ومن يدعو الناس إلى الخروج إنما يريد الخروج لنفسه لا للإمام (عجّل الله فرجه)، وإن لخروجه وقتاً محدوداً لا بد من انتظاره.
وأما قضية الدفاع عن الحوزة الإسلامية في زمان الغيبة والتصدي للأمور العامة للمسلمين تحفظاً على أعراضهم وأموالهم وتمكين الناس من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وإسقاط الفسقة والفجرة عن القدرة وإيكالها على من هو صالح للتصدي لها حسبة من غير أن يدعى المتصدي الوصاية والخلافة لنفسه فليس فيها نظر إلى ذلك فلاحظها.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)