العلمانية الجديدة وزيارة الحسين عليه السلام
الشيخ محمد السند
ان البعض من مدعي العلمانية الجديدة يستنكر قضية السير الى الامام الحسين عليه السلام لأنه يسبب تعطيل وتجميد حياة الكثير من الناس والمواطنين حسب ادعائه, وهذا البعض يرى ان الحضارة والتمدن هو القائم على طلبات البدن والمادة, واما ما يتصل بالروح فلا نصيب له في التحضر والتطور, فتراه يستنكر ان تحصل عطلة مدتها اسبوعين لمهرجان روحي, تتبدل فيه الانماط الخلقية الروحية من الانانية الذاتية الى التكافل الاجتماعي وايثار الاخاء والتعاون المثالي وذلك في زيارة اربعين الامام الحسين عليه السلام, بينما تعطل الدول العربية قاطبة للأعياد المسيحية ورأس السنة الميلادية لنفس هذه المادة وأكثر فلا يستكرها وهو قابع في احضانهم, مع ان تلك الأعياد عندهم قائمة على التوغل في الفحشاء وانهدام الاسرة, فها هو الغرب يعاني من خطر يهدد حضارته المادية وهو الشيخوخة وقلة النسل, المنذرة بانقراض تلك الشعوب وزحف المد البشري الاسلامي ووراثته لبلدان الغرب, وهذا مؤشر استراتيجي لان الحضارة لا يمكن ان تقوم على البدن والمادة وحدها, بل لا بد من استيفاء نصيب الروح فيها كذلك, فان الخلقة الالهية قائمة على التركيب بين الطرفين.
الا يرى هذا المنبهر بالمادة والقائل بان النجاة هي بالطواف المركزي حول المادة, الا يرى ان الباري تعالى شرع موسم الحج لبيته الحرام ثلاثة اشهر في السنة, وان مراسم الحج لا تستغرق اكثر من اسبوعين غالب من يحج من المسلمين, بل جعل تعالى العمرة مندوبة في كل شهر من اشهر السنة, وجعل بيته الحرام الكعبة مثابة للناس على طول السنة, وذلك حفظاً للتوازن بين المادة الروح, وبين الدنيا والاخرة, بل ان عمارة المادة والدنيا لا قوام لها الا بعمارة الاخرة, كما ان طريق الاخرة يمر عبر الدنيا, فهلاك الروح هلاك للمادة الذي يحرص عليها كل الحرص هذا البعض.
إن النشاط والعمل والجدية لا تنحصر ببرامج الدنيا والمادة, فان للروح برامج وعملاً ونشاطاً, فهل توزيع الوقت على كلا الطرفين يعتبر كسلاً وعطلاً وفشلاً؟ الا يعلم هذا البعض ان اسباب الازمة المالية التي يعاني منها الغرب والعالم عدة سنين حالياً ترجع اسبابها الخلفية الى انعدام فلسفة الفضيلة في الاقتصاد الرأسمالي القائم على الشره والحرص والطمع اللامحدود, والاستهلاك المادي المفرط بلا قناعة, وانفجار الغرائز الحيوانية بشراسة, الامر الذي يبدو كأنه يروق لهذا البعض, فيعتبر ذلك نجاة للامة, واما نمو وازدهار الفضيلة الروحية عبر اسبوعين من مراسيم ذكر لعنف الشره الغريزي الحيواني, انه هلاك لشراسة الاخلاق المادية, لكنه نجاة للفضيلة الروحية والتربية السامية, الا يرى كم تصرف الدول على التربية من الاوقات والاموال, افي ذلك هلاك؟! نعم في ذلك هلاك للرذائل المزيلة لأمن المجتمع واستقراره ورقيه. الا يرى هذا كم تصرف الدول في جانب الثقافة, من الاوقات والاموال, افي ذلك هلاك؟! وكم ينعجن ثقافياً من يتردد على مجالس الوعظ والخطابة, الا يرى كم تصرف الدول في جانب التربية التعبوية العسكرية والامنية لمجتمعاتها, كي تزيد من تنصيب القوة الروحية الدفاعية لها؟
وكم يتعبأ روحياً وحماسة الذي يشترك في مجالس العزاء على قادة الفضيلة والصلاح من ائمة اهل البيت عليهم السلام فتزيد من صموده وثباته وشجاعته واعداده الروحي للمقاومة؟ الم تنتصر المقاومة من اتباع اهل البيت عليهم السلام الاسلامية في جنوب لبنان على الاسطورة الاسرائيلية التي هزمت جيوش كل انظمة العرب طيلة خمسين عاماً؟ وذلك بفضل كل من الاعداد الروحي المقام والعداد العسكري الآلي, والاعداد الروحي, الم يكن ذلك بشعار (يا حسين) (يا ابا الفضل العباس) فلماذا يتعامى هذا البعض عن كل هذه البركات لشعائر ومراسيم العزاء؟
الم تبق هذه الشعائر في مقاومة ومواجهة البعث وصدام حتى اطاحت به؟ الم ير هذا البعض ان قوة روح شعب العراق في مواجهة الارهاب والتكفيريين انما هي ببركات المشاركات في هذه الشعائر, فلماذا يريد ان يخسر الشعب كل هذه القوة والعظمة والمجد؟ ولماذا يغيظه قوة الامة الايمانية وها هي تنتشر في أرجاء الارض ناشرة بذلك ما يسعد البشر من روح السلم والتآخي والمودة والالفة.
ثم الا يرى القران الكريم كم يمتدح البكاء والحزن ويذم الفرح والبطر, فان الحالة الاولى كفيلة بردع غرائز الانسان عن الطغيان والعتو فيأمن المجتمع من الفراعنة و الطواغيت, بينما الحالة الثانية تولد في المجتمع الانانية والذاتية والطغيان، فان الانسان يحتاج الى دوام التذكير و الوعظ كي لا يفشو التكاليب والتقاتل على الاموال، وعلى القدرة، بل ان البكاء والحزن يبث روح المسؤولية والخدمة للآخرين فيما ايها البعض لا تغتظ من هلاك الرذيلة وهلاك الضعف الروحي في الامة.
ولا تغتص من نجاة الفضيلة واسباب القوة وازدهار الحضارة.
و الغريب من هذا البعض الذي يتخوف على المتدينين والمقيمي العزاء لأهل البيت عليهم السلام يخاف عليهم ردة الفعل والتحلل من ثوابت الدين مع ان هذا البعض وجملة من رفاقه في فكره قد تبنوا العلمانية الجديدة (الحداثويات) طولا وعرضا حتى تملص كثير منهم من الثوابت القرآنية.