تمهيدنا
قانون الأُسوة
تحكم الوجود مجموعة كبيرة من القوانين سواء كان الوجود في الدنيا ام في الدار الأخرى، وسواء كان على الارض ام غيرها، وسواء كانت الارض يسكنها من يؤمن بالله سبحانه وتعالى أو لا, فقضية المحكومية لمجموعة من القوانين امر من الوضوح بمكان.
ومن بين هذه القوانين قانون الاسوية وهو ان يتخذ كل فرد من الافراد اسوة له وقدوة يقتدي به ويجعله ميزاناً ومرآة يتحاكم اليها خلال مسيرة تحقيق الاهداف والامنيات والرغبات.
فالصالح من الناس يتخذ اسوة صالحة، والمنحرف يتخذ اسوة منحرفة ولا تجد أياً منهما إلا وله اسوة يتحدث بها كلما اتيحت له فرصة الحديث عن اسوته التي يقتفي اثرها.
ان الدين الاسلامي والمنهج القرآني ليس ببعيد عن ذلك، بل أكده وقوى دعائمه وجعله من الاسس والقواعد التي لا يمكن التخلي عنها إلا إذا اراد الانسان ان يضل وينحرف، فضرب الانبياء اسوة للناس وقدوة، وحث على اتباعهم واقتفاء آثارهم والعمل بسننهم والرجوع اليهم في المشكلات وعند الوقوع في المعضلات حتى يأمن الناس بذلك الوقوع في الزلات والسقوط في الفتن.
والإمام المهدي عليه السلام رغم كونه إماماً معصوماً هادياً للناس بل وكونه الشخص الذي سيحقق الله سبحانه وتعالى على يديه العدل والاستقامة لم يستثن من هذه القاعدة، فنجده يجعل لنفسه اسوة وقدوة يقتفي اثرها ويسير على ضوء منهجها وهذا يجعلنا نتساءل كثيراً وبالحاح شديد عمّن تكون هذه الاسوة، ومن ذلك الذي يقتدي به الإمام المهدي عليه السلام ولماذا؟.
ويجيبنا الإمام عليه السلام في توقيع شريف له إذ يقول: (ولي ببنت رسول الله اسوة حسنة).
فالإمام عليه السلام يجعل من الصديقة الشهيدة الطاهرة المعصومة عليها السلام اسوة له وقدوة يقتفي اثرها.
وهنا نسأل لماذا الزهراء عليها السلام بالتحديد ولماذا هي دون غيرها، ولماذا كانت قدوته امرأة وليس رجلاً؟.
في الحقيقة ان المهم عند الإمام المهدي عليه السلام أن تكون تلك الاسوة تتناسب وتتلائم مع الدور الذي يقع على عاتقه وينبغي عليه أن يحققه بغض النظر عن كون تلك الاسوة امرأة أو رجلاً فالهدف عند الإمام عليه السلام ان تكون اسوته باعثاً له لتحقيق هدفه.
أما لماذا الزهراء عليها السلام, فالذي يظهر لنا من خلال التتبع لسيرتها المباركة انها عليها السلام لم تكن لها بيعة لطاغية من طغاة زمانها والإمام المهدي عليه السلام _كما نعرف_ ليس عليه بيعة لطاغية، فمن هنا ومن هذا الجانب جاءت اسوية الزهراء عليها السلام للامام المهدي عليه السلام ومن جانب آخر نجد ان الزهراء عليها السلام لم تتلبس بالتقية وجاهرت في الدفاع عن عقيدتها وأوضحتها على الملأ حتى استشهدت من أجل ذلك، والامام المهدي عليه السلام كما تنص الاخبار لا يعمل بالتقية بل سترفع التقية عند قيامه, ومن جهة ثالثة فان الإمام الصادق عليه السلام عندما يسأل عن علة تسمية الإمام المهدي عليه السلام بذلك يقول: (لانه يهدي إلى امر خفي) وفي روايات متعددة تحدثنا عن هذا الامر الخفي فتصفه بانه امر فطري مضلول عنه ويظهر من خلال الجمع بين بعض الروايات انه الولاية وان اشد ما سيواجهه عليه السلام هو هذا الأمر.
وان اشد ما واجهته الزهراء عليها السلام في مسيرتها بعد شهادة ابيها صلى الله عليه وآله وسلم هو دفاعها عن هذا الامر وشهادتها دونه، فانها لم تدخر جهدا في سبيل ابراز هذه الحقيقة، والامام عليه السلام سيجعلها اسوة له وقدوة في هدايته لهذا الامر.
ينكشف لنا من خلال ما تقدم بعضاً من اوجه اسوية الزهراء للمهدي عليه السلام والباعث وراء اتخاذها من قبله عليه السلام اسوة.
رئيس التحرير