المجالس النجفية وإهتماماتها المهدوية
بقلم : راصد
لقد منّ الله سبحانه على مدينة النجف الاشرف فجعلها مثوى سيد البلغاء والمتكلمين وامام الموحدين ابي الحسن علي بن ابي طالب عليه السلام فكانت المدينة التي يليق بها ان تحتضن هذا الجثمان الطاهر علما وادبا وثقافة، ثم كان ان هاجر اليها شيخ الطائفة ابو الحسن الطوسي قدس سره ليجعلها مقر الدراسات الحوزوية، والمكان الآمن لنشر علوم اهل البيت عليهم السلام فاصبحت منذ ذلك الوقت كعبة للعلم والبحث والدراسة ومقراً للمرجعية الدينية للطائفة الشيعية.
وامتازت هذه المدينة اضافة الى ما ذكر عن باقي المدن الاسلامية والحواضر العربية بكثرة المجالس الادبية الاسبوعية والشهرية والموسمية التي يرتادها الادباء والعلماء والشعراء والاكاديميون في مختلف العلوم والمعارف، تلقى فيها المحاضرات ويناقش المحاضرون بحرية تامة نقاشات علمية موضوعية تحترم الرأي والرأي الاخر.
وبعد ان سقط النظام الظالم سنة ٢٠٠٣ م عاشت النجف فسحة من الحرية فكثرت فيها المجالس الادبية وتنوعت الموضوعات التي تطرح للبحث وتناول الحاضرون موضوعات البحث بكل حرية واحترام فازدادت المجالس عمقاً وموضوعية وتعمقت روح المناقشة والحوار وطرحت في المجالس الادبية شتى الموضوعات العلمية والادبية والتراثية حتى الهندسية والطبية لكننا لم نسمع عن هذا الحضور في قضية الامام المهدي عليه السلام وحياته وظهور دولته المرتقبة وعلاقتها بالعقيدة الاسلامية بشكل عام والشيعية بشكل خاص وما لها من اهمية عقائدية وسياسية وارتباطها بالحركات المتعددة على مر العصور التي تنتسب اليا او تدعي الاتصال بها.
وفي عام ٢٠٠٥م طرق الباحث الاستاذ حسن الظالمي في مجلس التراث النجفي اول موضوع مهدوي وهو (معركة هرمجدون الفاصلة) وسأل مقدم الندوة الحاضرين : هل سمعتم بهذه المعركة ؟ اجابوا : لا بما فيهم اكاديميون متخصصون في التاريخ، وتناول المحاضر الملحمة الكبرى كما يسميها المسلمون و(هرمجدون) كما يسميها غيرهم بطرح موضوعي واشار الى اهمية هذا الموضوع وما يستعد الغرب به لهذه المعركة. ورحب بعض الجالسين بالموضوع وتبرم آخرون وعلق عليه البعض انه موضوع غيبي يجب ان لا يطرق في مجالس ثقافية.
واردف الكاتب نفسه الموضوع ببحث حول (سلاح الامام المهدي عليه السلام في عصر الظهور) الذي استند فيه الى روايات صحيحة ومتواترة عن النبيN واهل بيته تتحدث عن ظهور الامام ومعاركه وسلاحه، لكن الموضوع اثار ضجة اكبر فعلق احدهم قائلاً: لقد ابحر الباحث كثيراً في عالم الخيال، وقال احد منتسبي العتبة العلوية المقدسة معلقا على الروايات الواردة عن الامام الصادق عليه السلام التي تحث على الاستعداد ليوم الظهور واقتناء السلاح للمشاركة في حركة الامام عليه السلام قال : تريد منا ان نكون ارهابيين؟
و حمل احد الاساتذة على المحاضر وشكك في الروايات التي استند اليها فاجابه المحاضر : قس نفسك بالحديث المتواتر الصادر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (من انكر المهدي فقد كفر)، فثارت ثائرة الدكتور وقال المحاضر : من اين يعلم الامام الغيب حتى يقول لنائبه الرابع : انت ميت بعد ستة ايام، وعندما اجابه المحاضر امتعض واستاء مما استدعى تدخل الدكتور حسن الحكيم لتلطيف الاجواء ...
وفي الملتقى الثقافي لادباء العترة عليهم السلام كانت محاضرة (فقهاء عصر الظهور)، وفي مجلس الدكتور عبد الكاظم الياسري (اشكالية طول عمر الامام المهدي عليه السلام) طرقت قضية الامام المهدي عليه السلام اسماع الادباء والمثقفين واصبحت في متناولهم، وقد علق احد العلمانيين على المحاضر متهكماً وقال (اسميتك حسن المهدي وليس الظالمي)، وهكذا كثرت الاسئلة حول فقرات البحوث.
و الذي نخلص اليه من كل هذا هو ان القضية المهدوية تبدو غائبة عن مثل هذه المجالس وعن اوساط المثقفين، والمطلوب ادامة هذه المحاضرات والموضوعات واغناء البحوث بالادلة المقنعة والاجابة على اشكالات المتداخلين بشكل موضوعي وعلمي، وانه لجميل ان نسمع من الاكاديمي الدكتور محمد كاظم البكاء تعليقه على محاضرة (ولادة الامام المهدي عليه السلام في جمعية منتدى النشر بقوله : لاول مرة اسمع بحثا اكاديميا وموضوعيا حول الامام المهدي عليه السلام).
ان الواقع يفرض على كل المهتمين بالشأن المهدوي من علماء وباحثين واكاديميين ان يطرقوا ابواب هذه المجالس لاهمية ومكانة مرتاديها من الاساتذة والمدرسين لننشر من خلالهم ثقافة الانتظار لطلابنا الاعزاء او على الاقل رد شبهات العلمانيين والمشككين التي تثار حول المحاضرات المهدوية.
وقد شارك الاستاذ محمد الخاقاني عضو الملتقى الثقافي لادباء العترة عليه السلام بالقاء بعض البحوث المهدوية حيث خاطب بعض الجالسين مرة قائلاً : مالكم اذا طرق موضوع الامام المهدي عليه السلام تجمهت وجوهكم ؟ واذا طرق موضوع اخر انبسطت اساريركم ؟
انه واقع مرير يجب علينا جميعا ان ننتبه له ونضع الحلول السريعة والناجعة لمعالجته والله الموفق.