الوهابية ومعوقات التمهيد
سلسلة من الابحاث تسلط الضوء على الحركة الوهابية وتكشف ارتباطاتها الخفية
عبد الله القحطاني
جيش الاخوان و الإفساد في الارض
عاث جيش الاخوان العرمرم في الارض فساداً لتدعيم النفوذ الوهابي بالجزيرة وما حولها، مثله في ذلك مثل جيش مسيلمة الذي اباد خضراء المسلمين وذهب على يديه كثير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن الفرق هنا في القيادة، فقيادة الوهابية العليا التوجيهية كانت بيد النصارى؛ يقول فيلي في كتابه (اربعون عاماً في الجزيرة العربية) : (بعد ان يئسنا من الحسين حركنا جنود الاخوان بقيادة خالد بن لؤي وفيصل الدويش وسلطان بن بجاد لسفك دماء غزيرة في الطائف لإيقاع الرعب في قلوب الحجازيين: البادية والحاضرة)، ويقول عن دوره في تركيع عبد الله بن الحسين بالاردن : ( .. فامرت عبد العزيز بإرسال مجموعة من (الاخوان) البدو من ناحية قريات الملح لمطاردة عبد الله بن الحسين وقتله. كما طلبنا من ابن عدوان ان يثور من داخل الاردن على عبد الله بن الحسين ... فقتلوا باسلحتهم الحديثة بضعة آلاف من قبائل البلقاء وقبائل الحويطات وبني صخر ومن بينهم العديد من الاطفال والنساء).
قلب السنن والاعراف :
لقد غير جيش الاخوان _بتعليمات محمد بن عبد الوهاب_ قوانين الحرب في صحراء الجزيرة، فقد كان قتل النساء أو سبيهن أو سرقة حليهن محرماً باتفاق اهل البادية ويعتبر دليلاً على خسة الطبع، وكان البدوي اذا شعر بالهزيمة هرب وترك نساءه واطفاله خلفه موقناً ان لا بأس سيصيبهم لان الاعراف تقتضي انهم خارج دائرة القتل والنهب والسلب، ولكن جيش الاخوان قلب هذه الموازين، فكم من امرأة قيدت ليستمتع بها امراء الوهابية (الملك عبد العزيز امير القوم وقدوتهم نكح اكثر من اربع مائة امرأة كثير منهن من السبايا واحداهن زوجة ابن فيصل الدويش الذي قتله) ! يقول ديكسون المخلص للوهابية والذي فكك جيش الاخوان من بعد كما سيأتي : (ولسوء الحظ فان المتعصبين من الاخوان خلال السنوات التي كان نجمهم فيها في صعود، واصبحوا يشكلون خطراً في الصحراء على العدو والصديق فعلوا الكثير لقلب هذا النظام وغيره من العادات السامية التي كانت عزيزة على قلب كل عربي صحيح) ودفاع ديكسون هذا عن الاخوان بنسبة السبي للمتعصبين _اي الاكثر تديناً_ من الاخوان غير مقبول، فهو لايجد مندوحة من ان يعترف في مكان اخر بانهم كلهم من غير استثناء يقتلون النساء والاطفال؛ حيث يقول : (وقد قام الاخوان اثناء هذه الهجمات بقتل عدد من النساء والاطفال على نحو لا يغتفر).
وكذلك كان للاسير حرمة، ولكن لما جاء جيش الاخوان استحل دماء الاسرى، يقول ديكسون : (ولكن عندما كان الاخوان في اوج قوتهم في نجد وبخاصة من ١٩٢٠ إلى ١٩٣٠ ضربوا عرض الحائط بقوانين الله والناس فان مثل هذه التوسلات كانت تذهب ادراج الرياح؛ اذ كانوا يقطعون عنق من استسلم ومن لم يستسلم).
اكتشاف الخدعة :
لقد كان ابناء محمد بن عبد الوهاب ومشائخ الوهابية يحرضون جنود الاخوان على القتال ويعدونهم بالجنة ولكن عندما يحمى الوطيس ينتقلون إلى الصفوف الخلفية؛ ويحذرونهم من موالاة الكفار بينما يرى الاخوان ان الانجليز هم المخطط الحقيقي لقيادتهم؛ فعرف اخيراً قادة الاخوان الجهلة(اكثر قادة الوهابية جهلة يشتهرون بسوء الخلق، واشهرهم في ذلك حزام الحثلين الذي يقول عنه ديكسون في كتابه (عرب الصحراء، ص٣٦٠) : (وكان من كبار قادة الاخوان المتعصبين وكانت شتائمه التي يكيلها فاحشة) هؤلاء هم قادة الفتح الوهابي!) انهم كانوا مخدوعين وان هناك من يلعب لعبة خطرة مع الانجليز.
عقد الاخوان بقيادة فيصل الدويش ومعه ابن حثلين وابن بجاد مؤتمراً في الغطغط عرف فيما بعد باسم مؤتمر الارطاوية في اواخر ١٩٢٦م وخرجوا منه بعريضة بها سبعة مطالب اهمها منع استخدام الهاتف والسيارة في بلاد المسلمين وادخال شيعة الاحساء في الدين الوهابي أو قتلهم، ولكنهم ومع هذه المطالب فان الازمة لم تبلغ بهم بعد حد الانفصال حيث لم يتردداو في ذلك الوقت في مبايعة ابن سعود باسم (ملك الحجاز ونجد وملحقاتها) وذلك في اوائل سنة ١٩٢٧م.
خلال هذه الفترة كانت تحركات الاخوان مثيرة للقلق بالنسبة للقيادة الوهابية العليا؛ حيث استعانوا بخمسة عشر عالماً واصدروا فتاوى مناصرة لمطالبهم بمؤتمر الارطاوية، وبعد معركة السبلة (٢٩/٣/١٩٢٩) تفجر الموقف، حيث قام الاخوان بثورة مسلحة ضد الزعامة الوهابية بقيادة سلطان بن حميد العتبي وفيصل بن سلطان الدويش المطيري(هو احد الانصار الثلاثة والعشرين الذين هجموا على الرياض مع عبد العزيز للاستيلاء عليها ثانية، ومستشاره الامين وقائده الفذ في العديد من المهام العسكرية والذي تولى قتل مئات الابرياء في الجزيرة والعراق، وهو الذي حاصر المدينة المنورة وقطع عليها السبل واجاع اهلها حتى استسلموا للوهابية، وكان سيفاً مصلتا على قبيلة امة العجمان طيلة حياته)، فما كان من ذرية محمد بن عبد الوهاب الا ان افتوا بان هؤلاء خوارج تحل دماؤهم، ولكن كيف السبيل الى ذلك وهم الجنود، والجيش السعودي الاحدث لم يشب بعد عن الطوق؟!
هنا كان لابد ان تدخل اليد البريطانية بكل وضوح براً وجواً ومن دون أي تورية، فساقت بريطانيا قوتها للقضاء على من يريد ان يكشف الحقيقة، فضرب عليهم الحصار ومنعوا من الحصول على التموين الغذائي، وتولى سلاح الجوي الملكي البريطاني قصفهم من الجو بشكل عنيف، اما براً فكانت مشاة سلاح الجو البريطاني تهاجمه! حتل قتل ابن حميد والكثير من رجالات الاخوان، ولم يبق امام الاحياء منهم الا الاستسلام او الموت فخارت قوى فيصل الدويش خصوصاً بعد مقتل ابنه.
النهاية :
استسلم فيصل الدويش على يد العميد ديكسون السياسي البريطاني في الكويت والذي سلمه الى(السير س.س. بيرنت) قائد القوات البريطانية في البصرة اسيراً في ٨/١/١٩٣٠، والذي استلم سيفه ايذاناً بنهاية عصر الاخوان، ومن هناك حمل الدويش الى الرياض في سجن الملك عبد العزيز سنة ١٩٣٢، والطريف ان الدويش الذي يكره الانجليز عهد بزوجته _ساعة الاستلام_ واخواته الثلاث وطفليه الصغيرين وسبعة وعشرين من قريباته الى ديكسون، قائلاً له : (اهلي في ذمتك ياابو سعود).
اما من بقي من الاخوان فقد تمت تصفية قادتهم مع الكثير من شجعانهم جسدياً بعد الاستسلام.
وبهذا طويت صفحة الجيش الوهابي الذي رمى بذرته محمد بن عبد الوهاب ورعاه ابناؤه من بعده؛ فركع اغلب الجزيرة العرب تحت لواء الدولة الوهابية، ولكن لم تكن نهايته الا لتقوم من بعده قوات اكثر تنظيماً واعظم اخلاصاً مستعدة حتى لقتل الحجاج في البيت الحرام!!