رحلة في الفضاء
محمد رضا حكيمي
ان البشرية بعد آلاف السنين من العناء, والمتابعة على طريق التجربة واكتشاف الطبيعة والعالم, وبعد قرون من الفكر والعمل والتجريب, والوان المتاعب التي شاهدتها، والآلام التي تجرعتها، والقرابين والاموال التي قدمتها, وبعد مجيء وسعي آلاف العلماء والمفكرين والمجربين على طول القرون والعصور, وتوفرهم على مراكز علمية, وبذلهم الجهود التي عهدوا بها إلى تلاميذهم والى الاجيال من بعدهم. بعد كل ذلك لم تلتمس الطريق إلى الفضاء والرحلات الفضائية إلا قبل حفنة سنين. ولم يك هذا الاكتشاف إلا خطوات تمهيدية ومحدودة على هذا الطريق.
فقبل زمننا المعاصر لم يدر حديث حول رحلة الانسان إلى الفضاء ولم تطرح امكانية الرحلة إلى السماء بصورة جدية بين البشرية وعلمائها.
بعد جلاء هذه الافكار نلاحظ الرواية التالية التي وردت عن الإمام محمد الباقر عليه السلام حيث يمضي على تاريخ صدورها اكثر من (١٢٩٠)عاما:
(ما كان من سحاب فيه رعد وصاعقة أو برق فصاحبكم يركبه اما انه سيركب السحاب, ويرقى في الاسباب اسباب السموات...) وقد جاء في رواية أخرى-من روايات المعراج-خطاب إلى النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم كما يلي:
يا محمد هؤلاء اوليائي واحبائي واصفيائي, وحججي بعدك على بريتي, وهم اوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك, وعزتي وجلالي لأظهرن بهم ديني ولأعلين بهم كلمتي, ولأطهرن الارض بآخرهم من اعدائي, ولأملكنّه مشارق الارض ومغاربها, ولأسخرنّ له الرياح, ولأذللنّ له السحاب الصعاب ولارقّينّه في الاسباب.
جاء التعبير في نص الرواية الاولى: ان المهدي عليه السلام يذهب إلى السموات بواسطة السحاب المثقل بالرعد والبرق أو الصاعقة. كما جاء الحديث في رواية المعراج حول السحاب. ومن المناسب جدا ان يكون سياق التعبير كناية عن مركبة من اشكال المراكب الفضائية الحديثة, أو مركبة اكثر تطورا ستستحدث فيما بعد, أو مركبة سيأمر الإمام المهدي عليه السلام نفسه باستحداثها. واذا كان النظر إلى نفس السحاب الطبيعي فأهمية خرقه للعادة واضحة جدا.
وانّ التعبير بـ (اسباب السموات) الذي ورد في كلا الروايتين يستحق الكثير من العناية، فما هي اسباب السموات؟ فهل هي طرق لطي السماء, أو انها ادوات ووسائل متوفرة في الارض, ولابد من اكتشافها, والاستفادة منها للسفر بواسطتها إلى السماء؟
منذ اليوم الذي قيلت فيه هذه الروايات يمضي من السنين بين (١٢٩٠) عاما إلى عام (١٤٠٠). والذي كان يسود آنذك في وسط علماء وفلاسفة البشرية, هو: ان السفر والرحلة إلى السماء محكومة بالاستحالة. فقد كان فلاسفة اليونان على اعتقاد بان السفر إلى السموات محال. وقد كان هذا الاتجاه وجهة نظر علماء الفلك آنذاك, وهم انفسهم فلكيو نظرية بطليموس. ولابد من القول بأن اولئك لم يعدوا السماء شيئا مؤهلا للسفر من حيث الاساس.
وقد كانت مراكز الحضارة آنذاك على هذا الوضع الذي اشرنا اليه, فضلا عن بقاع من العالم نظير الجزيرة العربية.
في هذا الضوء فأي علم واية ثقافة تطرح قضية السفر إلى السماوات, ومسألة (ادوات ووسائل السفر إلى السماوات) في ذلك الجو بصراحة ويسر؟
وفي رواية الإمام الباقر عليه السلام قيل ان اكثر السماوات عامرة, وهي محل سكنى.ومن الواضح ان هذا النهج هو المعرفة الفضائية الاسلامية التي تستقى من منهج الائمة الطاهرين عليهم السلام. ولا علاقة لها بعلم الفلك اليوناني وغيره. فالذي كان سائدا في اوساط علم الفضاء اليوناني انما هو محدودية الافلاك والكواكب, وقد كان الامر على العكس تماما في علم الفضاء الاسلامي, حيث كان الحديث عن الابعاد العظمى والكواكب التي لا تحصى والمجرات الهائلة في هذا الكون. وطرح مثل هذه الافكار آنذاك لا يمكن دون الاتكاء على علم الغيب, والاطلاع على الواقع العظيم لعوالم الوجود.وليس هذا العلم إلا علما من الله حباه لهداة سبيله.