تحت المجهر
سلسلة مقالات تتناول بالدراسة أدعياء المهدوية والسفارة قديما وحديثا وتسلط الضوء على أدلتهم والرد عليها باسلوب علمي
كفر مدّعي السفارة
الشيخ محمد السند
يذكر الشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة) كذلك تحفل كتب الشيعة الروائية الأخرى بذكر أحداث الغيبة الصغرى وبداية الغيبة الكبرى يذكرون فتوى لابن قولويه وهي (من ادعى النيابة الخاصة والسفارة بعد السمري فهو كافر مُنمّس (محتال) ضال) وهذه الفتوى لم يتبناها ابن قولويه فقط، وإنما الكثير من المتقدمين من فقهاء الغيبة الصغرى والكبرى كالشيخ الطوسي، إذ يتضح ذلك من كلامه في الفرق البابية أو التي ادعت النيابة في الغيبة الصغرى.
والسؤال في المقام أن أولئك الفقهاء لِمَ حكموا بكفر المُدّعي للسفارة أو النيابة الخاصة, وهل هناك تخريج صناعي لهذه الفتوى ولِمَ لم يقل الفقهاء عن المدعين إنهم أهل ضلال وما داموا على الشهادتين فهم مسلمون, اذ لا مانع أن تكون بعض الفرق داخلة في الاسلام ولكنها ضالة، أي ضلت عن إصابة الايمان أي زاغوا ولم يهتدوا للايمان؟
يتبين ويتجلى التخريج الصناعي لحكم الفقهاء بالكفر بناءً على أن أولئك الذين اعتقدوا بنيابة هؤلاء النواب المدعين زيفاً حكّموا حجية هؤلاء المدعين على ضرورات الدين, وهذا بغض النظر عن زيف دعواهم لأنه قد يحكم عليهم بالضلال والافتراء والكذب كما ورد في التوقيع المبارك, ولكن الأمر الذي دائماً ما يُبتلى به هؤلاء المدعون زيفاً وحيلة ودجلاً ونصباً للنيابة الخاصة وأتباعهم كذلك, أنهم يتبنون تحكيم قولهم على ضروريات الدين لأنهم يأخذون قولهم بنحو محتم ويتأولون ويلتوون ويلتفون ويقفزون حتى على ضروريات سنن أهل البيت عليه السلام، فضلاً عن سنن النبي صلى الله علي وآله وسلم وضرورات فرائض الله, ومن الواضح أن الذي يلتف أو يعتقد في شخص أن له حجية تهيمن وتكبر حجية أئمة أهل البيت عليهم السلام وحجية النبي صلى الله علي وآله وسلم وحجية الله عزوجل، فإنّ هذه هي الالوهية.
فأولئك المدعون اما أن يبتلوا بالألوهية وإن لم يقولوا نحن آلهة، واما أن يدّعوا بأنّ لهم صلاحيات في تغيير ضروريات دين الله وسنة نبيه، وبالتالي فإنّ التمرد _ولو بالتأويل_ على ضروريات دين الله هو تأليه وكفر وخروج عن الاسلام, والتمرد على ضروريات سنن النبي صلى الله علي وآله وسلم أيضاً خروج عن الإسلام أيضاً، والمتمرد على ضروريات سنن الائمة عليه السلام فهو ليس بمؤمن وبالتالي هو كافر بمعنى الكفر المقابل للايمان وإن لم يكن كافراً بمعنى الكفر المقابل للاسلام.
وعليه فإنّ أولئك المُدعين للنيابة أو السفارة أو أتباعهم يتبنون كون حجية المدعين تعلو ضرورات الدين, فهو تأليه وإن لم يُسموه ألوهية، لذلك كفّرهم فقهاء الغيبة الصغرى.
فإنّه لابد من التمسك والانقياد والتخضع لضروريات الدين من قبل الجميع حتى الرسول صلى الله علي وآله وسلم، ولابد من التمسك والانقياد والتخضع لضرورات سنن النبي صلى الله علي وآله وسلم من قبل الجميع حتى الائمة عليهم السلام.
ومن يحاول الالتفاف والقفز والتمرد إعتقاداً وتنظيراً وتشريعاً على صلاحيات الله الضرورية أو صلاحيات النبي الضرورية فذلك خروج عن الاسلام.
وبالتالي فإنّ كل من يدعي النيابة الخاصة والسفارة بعد السفراء الأربعة رضي الله عنهم فهو كافر، اما كفر في قبال الاسلام فيما لو تصدى المدعي والعياذ بالله من خلال نيابته للقفز أو التمرد على ضروريات الدين وفرائض الله وضروريات سنن النبي صلى الله علي وآله وسلم فيكون خارجاً من ربقة الاسلام, لأن هؤلاء المدعين للنيابة عموماً يدعون النيابة زيفاً لعدم علمهم بمدى وحقيقة وخطورة هذا المنصب، فتكون دعواهم بالنتيجة مخالفة لضروريات فرائض الله وضروريات سنن النبي صلى الله علي وآله وسلم.
وإما أن تكون دعواه للنيابة تمرداً وقفزاً على ضروريات سنن الأئمة ومنهاجهم عليهم السلام فهم مارقون من الايمان، فهو كفر في قبال الايمان.
وكيف كان فإنّ مدّعي النيابة زيفاً وبطلاناً محكوم عليه بالكفر لأنه خالف الضرورة والبديهية.
ولا يقتصر عنوان دعوى السفارة على خصوص السفير أو النائب الخاص بل هناك عدة أوجه وعناوين وأقنعة قد يتلبس بها المدعي، فمنذ أكثر من اثني عشر قرناً ظهرت عدة وجوه ومدّعيات وهلوسات أخذت ألواناً ونماذج عديدة جداً كلها بالتالي تصب في حقيقتها إلى ادعاء النيابة أو السفارة ومن تلك العناوين على سبيل المثال:-
- سفير خاص أو نائب خاص.
- دعوى الاتصال أو القدرة على الاتصال بالإمام عليه السلام، والقدرة على إيصال الأسئلة وإرجاع الأجوبة للناس من دون عنوان السفير أو النائب.
- دعوى القدرة والمكنة من التشرف برؤية الإمام عليه السلام بأي وقت يشاء.
- دعوى تلقي الاوامر والنواهي من الإمام عليه السلام مباشرةً.
- دعوى أن الإمام عليه السلام له عناية خاصة به ويرعاه ووو...
وغير ذلك من العناوين التي تصب في دعوى السفارة أو النيابة الخاصة وان لم يتسّم بها، وهذه كلها سواءً كانت على نحو التصريح أم الكناية بالتعريض أو غيرها، والمهم أن المدعي لها يريد أن يُفهم ويوصل معنى لعموم الناس أنه على ارتباط خاص بالإمام عليه السلام، يريد بذلك إبراز الشأنية لنفسه وجمع ما أمكن من السذج والعمياويين حوله كأتباع، ويكوّنوا لأنفسهم الرئاسات الباطلة ليسود في متاع هذه الدنيا الدنية.
ولنراجع في ذلك كلام الشيخ الطوسي في (الغيبة) والصدوق في (كمال الدين) والنعماني والنوبختي وسعد بن عبد الله وغيرهم من فقهاء ومراجع الشيعة ورؤساء الطائفة.
وهذا لا ينافي أصل التشرف بلقاء ورؤية الإمام عليه السلام، فلعل بعض العلماء الأتقياء الصلحاء يتشرف في العمر مرة أو مرتين أو أكثر برؤية ولقاء الإمام عليه السلام ولكن من دون إبراز ذلك بصيغة المقام والمنصب والوساطة لأن منصب الوساطة، والارتباط لا يعطى لأحد مهما كان، فإنّ الإمام عليه السلام نفاه ومنعه.
فإنّ التشرف بالرؤية غير ممتنع وقد ذكرت حول ذلك مئات بل آلاف الموارد التي تشرف فيها أعلام متقون صلحاء، ولكن لو افترضنا أن أحد أولئك المتشرفين بالرؤيا أبرز تلك الرؤيا وأظهرها ليدعي لنفسه تقلد منصب رسمي وتمثيل عن الإمام عليه السلام فإنّ ذلك دجال وكذاب وإن كان حقيقة قد تشرف بالرؤيا، فإنّ التشرف بالرؤيا شيء، وصلاحيات التمثيل شيء آخر.
وبمثال أكثر وضوحاً أنه لو فرضنا أن راوٍ من الرواة في زمن أحد الائمة عليهم السلام ويروي عنهم، ثم يدعي أن له الوكالة عنهم عليهم السلام فإنّ ذلك ليس بحجة ولا كاشف عن صحة دعواه, فإنّ الرواية شيء والوكالة شيء آخر، وهذا طبعاً من باب التنظير وإلا فالفارق كبير بين دعوى الوكالة ودعوى السفارة والتمثيل الرسمي والنيابة، كما أن الأمر حتى مع الرواية في زمن الغيبة مختلف، فإنّ أصل الرواية عن الإمام المهدي عليه السلام في زمن الغيبة لا حجية لها فضلاً عن ادعاء شيء آخر؟!..
وهذا لا ينافي القيام بحركات تحررية حتى لو كانت بعنوان نصرة المذهب أو نصرة الإمام المهدي عليه السلام لكن بشرط عدم ادعاء أي نحو من الحجية، فإنّ مفاد الروايات نفي حجية الاتصال أو النيابة الخاصة عن الإمام عليه السلام بل حتى مثل شخصيات الظهور كاليماني والخراساني وغيرهم فإنّ مفاد الروايات ليس فيه إعطاهم أي نحو من الحجية, نعم غاية ما تثبته الروايات لمثل هذه الشخصيات أنهم على الحق وأنهم يدعون لنصرة الإمام المهدي عليه السلام أو لرفع الظلم أو نحو ذلك من دون أي منصب ومقام خاص إلا أنهم على الحق.
وانّما الدعوة لنصرتهم ومؤازرتهم إنما هي باعتبار حقانية دعوتهم وحجية الثوابت والموازين التي يرفعونها ويطالبون بها، إذ الحق بما هو حق يجب أن يتبع بغض النظر عمن طلبه وكيف طلب, وهذه الشخصيات هناك دعوى لنصرتهم لا لشخصهم بل لأنهم يدعون للرضا من آل محمد صلى الله علي وآله وسلم, وإلا فالموجود في الروايات من المدح والثناء وكَيل الصفات على اليماني مثلاً لم يبلغ ما مذكور في حق زيد بن علي بن الحسينJ, ومع كل ذلك لم يكن له أي نحو من الحجية، وإنما ذلك المدح له باعتبار انه كان يدعو للرضا من آل محمد وهي دعوة حق، فالمدح والثناء كان باعتبار دعوته.
لذا فإنّ بعض الروايات تفيد أن كل دعوى كانت وفق الموازين وكان المطلوب فيها هو الحق فلابد من دعمها وتأييدها قدر الامكان، كما عن المجلسيJ، حيث جزم أن دعوة الصفويين كانت دعوة حق ليست لأنها سياسية أو عسكرية أو أو ... بل لأنهم طلبوا الحق وأرادوا رفع الظلم وإقامة الدين من دون أن يدعوا أي منصب ديني كالسفارة أو النيابة الخاصة أو العصمة أو غيرها وإنما قالوا نحن عبيد الله ومطيعون للائمة عليهم السلام, لذلك فإنّ مجموعة من أساطين وأسود الفقه الشيعي وظفوا كل إمكاناتهم لنصرتهم كالشيخ جعفر كاشف الغطاء والشيخ الكركي وغيرهم.
وما ذلك إلا لأنها دعوة حق وفق الموازين, فالنصرة كانت وتكون للدعوة لا للأشخاص سواء كان الشخص اليماني أم الخراساني أم غيره, نعم لو كان الشخص هو الإمام المعصوم فالنصرة تكون له بما هو، بعد أن يثبت أنه الإمام حقاً لأننا مأمورون باتباعه هو, وهكذا أي واحد من أنصار الإمام المهدي عليه السلام الـ (٣١٣)، فإنّه بحسب الروايات ليس لهم أي نحو من النيابة ولا السفارة ولا أية حجية قبل ظهوره.
وبهذا الفهم والادراك والالتفات للمراحل نسد الباب أمام الدجالين والمضلين، ولا ينخدع بألاعيبهم حينئذ إلا السذج وقليلو والفهم والادراك وضعاف البصيرة.