الإمام الحسين عليه السلام والإمام المهدي عليه السلام مشروع إصلاح متواصل
أحمد جاسم ثاني الركابي
حظي الإمام الحسين عليه السلام بمنزلة رفيعة لا تدانيها منزلة في الدنيا والآخرة، وقد اختصّه الله تعالى بثلاث خصال، إذ جعل الإمامة في ذريته والشفاء في تربته واستجابة الدعاء تحت قبته، فانحدر من نسله الشريف الأئمة المعصومون عليهم السلام، حتى وصل الأمر إلى الإمام الحجة بن الحسن المنتظر عليه السلام، وهو الإمام الغائب عن الأنظار، والحجة الحاضر بيننا الذي لولا وجوده لساخت الأرض بما فيها، الموعود الذي يحيي الله به البلاد والعباد.
ومن المعلوم أن ما قام به الإمام الحسين عليه السلام من دور إصلاحي في أمة جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا يقل أهمية عن دور الرسول ومبلغ الرسالة، وهو القائل: (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت لأجل الإصلاح في أمة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي مهمة كان قد أوكلها إيّاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل رحيله من الدنيا، ورسم له الخطوط التي تبيّن له كل ما يجري عليه وعلى آل بيته في كربلاء، فهو دور مكمل لما ابتدأه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم؛ لذلك يقال: إن الإسلام محمدي الوجود وحسيني البقاء، فلولا نهضة الإمام الحسين عليه السلام ولولا دماؤه الزكية لما وصل إلينا الإسلام، وهذا الموقف الإصلاحي له الكثير من أوجه الشبه بالقضية المهدوية والمهمة الموكلة للإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وهو ـ بلا شك ـ تخطيط إلهي محسوب بكل دقة، فالإمام الحسين عليه السلام هو أبو الأئمة، والإمام المهدي عليه السلام هو خاتم الأوصياء وآخرهم، فهناك منهج إصلاحي ممتد وخط رسالي متواصل من أول الأئمة إلى آخرهم عليهم السلام، وكل الأئمة من ولد الحسين قد أدوا أداورهم الإصلاحية ولكن كل بحسب الظرف الذي عاش فيه، فمنهم من استخدم الدعاء والبكاء وسيلة للإصلاح كالإمام زين العابدين عليه السلام، ومنهم من اتخذ من نشر العلم وسيلة لذلك، كالإمامين الباقر والصادق عليهما السلام ... وهكذا فلم يكن السيف هو السبيل الوحيد لأهل البيت عليهم السلام في تثبيت الإسلام والمحافظة عليه وإصلاح ما فسد منه، بل تعددت أدوارهم والهدف واحد.
ومن أوجه الشبه بين ثورة الإمام الحسين عليه السلام وثورة الإمام المهدي عليه السلام وحدة الهدف؛ فهدف الإمام الحسين هو الإصلاح في أمة جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإمام المهدي كذلك، فهو المصلح الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، ومبدأ النهضة والثورة ضد الظلم والطغيان، فالإمام الحسين ثار ضد مملكة الجور والفساد؛ ألا وهي دولة بني أمية، الشجرة الملعونة في القرآن، فعندما طُلِب منه عليه السلام أن يبايع أمير الفاسقين يزيد أجاب عليه السلام بكل شجاعة وثبات، وقالها بصراحة تامة: (إن يزيد رجل مستحل للحرمات يعاقر الخمرة، ويلاعب القردة، ومثلي لا يبايع مثله) وهذه الكلمات الحسينية البليغة هزت عرش الطاغية وزلزلت أركان الدولة الأموية، إذ لخص فيها الإمام الحسين عليه السلام طبيعة هذه العصابة الباغية المغتصبة لحق أهل البيت عليهم السلام، فكانت بمثابة البيان الأول لثورته المباركة، تلك الثورة التي قلبت كل الموازين الطبيعية، فانتصر فيها الدم على السيف، وصدق الشاعر حينما قال:
ظنّوا بأن قتل الحسينَ يزيدُهم
لكـنّما قتـل الحسـيـــنُ يزيـدَا
وكذلك هو مبدأ الإمام المهدي عليه السلام الذي ينهض بوجه الظلم العالمي الذي يقوده ثنائي الجور والطغيان أمريكا وإسرائيل، ومن لف لفهم وأعانهم على ذلك، ويقيم دولة العدل الإلهي، وهو ما يعبر عنه العلماء بأمل الأنبياء.
ومما يكشف عن هذا المنهج الإصلاحي المتواصل هو أن الإمام الحجة بن الحسن عليه السلام عند ظهوره المبارك والعاجل إن شاء الله تعالى يرفع شعار (يالثارات الحسين)، فأول هذا المنهج التضحية والفداء والشهادة وآخره الطلب والثأر لتلك التضحيات والدماء الزاكيات، والاقتصاص من المجرمين والقتلة بحكم الله العادل، فهو نتيجة لمقدمة قام بها الإمام الحسين عليه السلام، وقد ورد هذا المعنى في دعاء الندبة: (أين الطالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء، أين الطالب بدم المقتول بكربلاء ...).