لابدّ في كل زمان من إمام
السيد علي الحسيني الميلاني
إنّة لابدّ في كلّ زمان من إمام يعتقد به الناس _أي المسلمون_ ويقتدون به، ويجعلونه حجة بينهم وبين ربهم، وذلك (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ) و(لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَة وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة) و(قُلْ فَلِلّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ).
يقول أمير المؤمنين عليه السلام كما في نهج البلاغة: (اللهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً وإمّا خائفاً مغموراً ، لئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته).
الروايات الواردة في هذا الباب أيضاً كثيرة، ولا أظنّ أنّ أحداً يجرؤ على المناقشة في أسانيد هذه الروايات ومداليلها ، إنّها روايات واردة في الصحيحين، وفي المسانيد، وفي السنن، وفي المعاجم، وفي جميع كتب الحديث والروايات، ومقبولة عند الفريقين.
فقد اتفق المسلمون على رواية : (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة).
إنّ هذا الحديث بهذا اللفظ موجود في بعض المصادر ، وقد أرسله سعد الدين التفتازاني إرسال المسلّم ، وبنى عليه بحوثه في كتابه (شرح المقاصد).
(ولهذا الحديث ألفاظ أُخرى قد تختلف بنحو الإجمال مع معنى هذا الحديث ، إلاّ أنّي أعتقد بأنّ جميع هذه الالفاظ لابدّ وأن ترجع إلى معنى واحد ، ولابدّ أن تنتهي إلى مقصد واحد يقصده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
فمثلاً في مسند أحمد : (من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية) ، وكذا في عدّة من المصادر : (كمسند أبي داود الطيالسي) و(صحيح ابن حبّان)، و(المعجم الكبير للطبراني)، وغيرها.
خصوصيات للحديث الشريف:
(من مات ولم يعرف)، لابدّ وأنْ تكون المعرفة هذه مقدمة للاعتقاد، أي: من مات ولم يعتقد بإمام زمانه، لا مطلق إمام الزمان، بل إمام زمانه الحق الشرعي، المنصوب من قبل الله سبحانه وتعالى.
(من مات ولم يعرف إمام زمانه) بالقيود المتقدمة يكون قد (مات ميتة جاهلية)، وإلاّ لو كان المراد من إمام الزمان أيّ حاكم سيطر على شؤون المسلمين وتغلَّب على أُمور المؤمنين، لا تكون معرفة هكذا شخص واجبة، ولا يكون عدم معرفته موجباً للدخول في النار، ولا يكون موته موت جاهلية.
إذن، لابدّ من أن يكون الإمام الذي تجب معرفته إماماً شرعياً، فحينئذ، على الإنسان أن يعتقد بإمامة هذا الشخص، ويجعله حجةً بينه وبين ربّه، وهذا واجب، بحيث لو أنّه لم يعتقد بإمامته ومات، يكون موته موت جاهلية، وبعبارة أُخرى : (فليمت إنْ شاء يهودياً وإنْ شاء نصرانياً).
وذكر المؤرخون : أنّ عبدالله بن عمر، الذي امتنع من بيعة أمير المؤمنين عليه السلام، طرق على الحجّاج بابه ليلاً ليبايعه لعبد الملك، كي لا يبيت تلك الليلة بلا إمام، وكان قصده من ذلك هو العمل بهذا الحديث كما قال، فقد طرق باب الحجّاج ودخل عليه في تلك الليلة وطلب منه أن يبايعه قائلاً: سمعت رسول الله يقول: (من مات ولا إمام له مات ميتة جاهلية)، لكن الحجّاج احتقر عبدالله بن عمر، ومدّ رجله وقال: بايع رجلي، فبايع عبدالله بن عمر الحجّاج بهذه الطريقة.
وطبيعي أنّ من يأبى عن البيعة لمثل أمير المؤمنين عليه السلام يبتلي في يوم من الايّام بالبيعة لمثل الحجّاج وبهذا الشكل.
وعلى كلّ حال لسنا بصدد الكلام عن عبدالله بن عمر أو غيره ، وإنّما أردنا أن نذكر نماذج من الكتاب والسنة وسيرة الصحابة على أنّ هذه المسألة _مسألة أنّ في كلّ زمان ولكلّ زمان إمام لابدّ وأنْ يعتقد المسلمون بإمامته ويجعلونه حجةً بينهم وبين ربهم_ من ضروريات عقائد الإسلام.