تكلّم الإمام المهدي عليه السلام وهو في المهد
السيد محمد القبانجي
إظهار المعجز على يد الأنبياء والأولياء حقيقة لا تقبل الإنكار، وذلك للتدليل على صحَّة دعواهم كما هو مقرَّر في علم الكلام، وأنَّهم على اتّصال بالقدرة المطلقة، وإلاَّ لما وضح الفرق بين الرسل وبين أدعياء الرسالة، ونؤكد هنا أنَّ الإمام المهدي عليه السلام عنده جميع معاجز الأنبياء والرسل، كما جاء في الرواية عن أبي جعفر عليه السلام: (نحن جنب الله، ونحن صفوته، ونحن حوزته، ونحن مستودع مواريث الأنبياء...) وكما جاء في الحديث الشريف (ما من معجزة من معاجز الأنبياء والأوصياء إلا ويظهر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا لإتمام الحجة على الأعداء) (اثبات الهداة ج٣/٧٠٠) مضافاً إلى ما قُرّر في علم الكلام من أنَّ الأفضلية المطلقة _ وليست الجهوية _ لأهل البيت عليهم السلام وحسب اعتقاد الطائفة الحقّة تقتضي إحراز أهل البيت عليهم السلام ومنهم الإمام المهدي عليه السلام على جميع فضائل ومقامات الأنبياء والرسل السابقين عليهم السلام، ومن ضمنها المعاجز التي جرت على أيديهم عليه السلام.
ومن جملة الآيات والمعجزات التي ظهرت على يديه تكلّمه وهو في المهد صبياً، وهذا الأمر المعجز قد تحقَّق على يد نبيّ الله عيسى عليه السلام بنصّ القرآن الكريم، قال تعالى: (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَني نَبِيًّا).
وبما أنَّ مقام الإمام المهدي عليه السلام هو بلا شكّ أفضل من مقام سائر الأنبياء والرسل عدا خاتمهم وسيّدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، خصوصاً وأنَّ عيسى عليه السلام يصلّي خلفه بعد ظهوره، ومن الواضح لدى جميع الفِرَق أنَّ الإمام أفضل من المأموم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من تقدَّم على قوم من المسلمين يرى أنَّ فيهم من هو أفضل منه فقد خان الله ورسوله والمسلمين).
لذا فمن الطبيعي تحقّق هذا المعجز على يديه أيضاً، وقد أشارت الروايات الكريمة إلى ذلك ونحن نذكر الموارد التي تكلَّم فيها عليه السلام وهو في المهد صبياً، كالتالي:
١ _ تشهّده الشهادتين حين الولادة، كما في رواية حكيمة عمّة الإمام الحسن عليه السلام وهي طويلة، وفيها: (... فجئت به _ أي الإمام المهدي عليه السلام _ إليه، فوضع يديه تحت أليتيه وظهره ووضع قدميه على صدره ثمّ أدلى لسانه في فيه وأمرَّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثمّ قال: (تكلَّم يا بني)، فقال: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأشهد أنَّ محمّداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ صلّى على أمير المؤمنين وعلى الأئمّة عليهم السلام إلى أن وقف على أبيه، ثمّ أحجم).
٢ _ سلامه على اُمّه نرجس حين الولادة، وفي رواية حكيمة أيضاً: (ثمّ قال أبو محمّد عليه السلام: (يا عمّة اذهبي به إلى اُمّه ليسلّم عليها وائتني به)، فذهبت به فسلَّم عليها...).
٣ _ تكلّمه عليه السلام بعد عطاسه حين الولادة، فعن السياري، قال: حدَّثتني نسيم ومارية، قالتا: إنَّه لمَّا سقط صاحب الزمان عليه السلام من بطن اُمّه جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبّابتيه إلى السماء، ثمّ عطس فقال: (الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله، زعمت الظلمة أنَّ حجّة الله داحضة، لو اُذن لنا في الكلام لزال الشكّ).
٤ _ تشهده عليه السلام الشهادتين ودعاءه بالفرج حال السجود حين الولادة، وبسند آخر عن حكيمة أيضاً، قالت: (فرجعت فلم ألبث أن كشف الغطاء الذي كان بيني وبينها، وإذا أنا بها _ أي اُمّ الإمام المهدي عليه السلام _ وعليها من أثر النور ما غشى بصري، وإذا أنا بالصبي عليه السلام ساجداً لوجهه، جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبّابتيه، وهو يقول: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأنَّ جدّي محمّداً رسول الله، وأنَّ أبي أمير المؤمنين)، ثمّ عدَّ إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه. ثمّ قال: (اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني، وأتمم لي أمري، وثبّت وطأتي، واملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً)).
٥ _ قراءته عليه السلام للقرآن حين الولادة وهو ساجد، فعن محمّد بن عثمان العمري، قال: لمَّا ولد الخلف المهدي عليه السلام سَطَعَ نُورٌ مِنْ فَوْقِ رَأسِهِ إِلَى أعْنَانِ السَّمَاءِ، ثمّ سقط لوجهه ساجداً لربّه تعالى ذكره، ثمّ رفع رأسه وهو يقول: (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ).
٦ _ استعاذته عليه السلام من الشيطان الرجيم وقراءته آيات من القرآن حين ولادته في رواية أخرى عن حكيمة أيضاً: (... وقال له _ أي الإمام العسكري عليه السلام_: (يا بني انطق بقدرة الله)، فاستعاذ وليّ الله عليه السلام من الشيطان الرجيم، واستفتح: (بسم الله الرحمن الرحيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ*وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)، وصلّى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام واحداً واحداً حتَّى انتهى إلى أبيه).
٧ _ وفي رواية أخرى تكلّمه عليه السلام حين الولادة بعد عطاسه، قالت حكيمة: (لَمَّا سَقَطَ مِنْ بَطْن اُمَّهِ إِلَى الأرْض وُجِدَ جَاثِياً عَلَى رُكْبَتَيْهِ رَافِعاً بِسَبَّابَتَيْهِ، ثُمَّ عَطَسَ فَقَالَ: (الْحَمْدُ للهِ رَبَّ الْعالَمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ عَبْداً دَاخِراً غَيْرَ مُسْتَنْكِفٍ وَلاَ مُسْتَكْبِرٍ)، ثُمَّ قَالَ عليه السلام: (زَعَمَتِ الظَّلَمَةُ أنَّ حُجَّةَ اللهِ دَاحِضَةٌ لَوْ اُذِنَ لِي لَزَالَ الشَّكُّ).
٨ _ كلامه عليه السلام مع الخادمة نسيم في بشارة العطاس بعد مولده بليلة، فعن نسيم خادم أبي محمّد عليه السلام، قالت: قال ليس صاحب الزمان عليه السلام وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة، فعطست عنده فقال لي: (يرحمك الله)، قالت نسيم: ففرحت بذلك، فقال لي عليه السلام: (ألا اُبشّرك في العطاس؟)، فقلت: بلى يا مولاي، فقال: (هو أمان من الموت ثلاثة أيّام).
٩ _ تشهّده الشهادتين وقراءة القرآن في اليوم السابع، وفي رواية حكيمة أيضاً: (... قالت حكيمة: فلمَّا كان في اليوم السابع جئت فسلَّمت وجلست، فقال: (هلمّي إليَّ ابني)، فجئت بسيّدي عليه السلام وهو في الخرقة، ففعل به كفعلته الأولى، ثمّ أدلى لسانه في فيه كأنَّه يغذيه لبناً أو عسلاً، ثمّ قال: (تكلَّم يا بني)، فقال: أشهد أن لا إلاَّ إله الله)، وثنّى بالصلاة على محمّد وعلى أمير المؤمنين وعلى الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين حتَّى وقف على أبيه عليه السلام، ثمّ تلا هذه الآية: بسم الله الرحمن الرحيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ*وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ).
١٠ _ قراءته عليه السلام لجميع صحف الأنبياء والمرسلين في اليوم السابع من ولادته كما في رواية حكيمة أيضاً: (...ثُمَّ قَالَ لَهُ: (اقْرَأ يَا بُنَيَّ مِمَّا أنْزَلَ اللهُ عَلَى أنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ)، فَابْتَدَأ بِصُحُفِ آدَمَ فَقَرَأهَا بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَكِتَابِ إِدْريسَ، وَكِتَابِ نُوح، وَكِتَابِ هُودٍ، وَكِتَابِ صَالِح، وَصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ، وَتَوْرَاةِ مُوسَى، وَزَبُور دَاوُدَ، وَإِنْجِيل عِيسَى، وَفُرْقَان جَدَّي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، ثُمَّ قَصَّ قِصَصَ الأنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ إِلَى عَهْدِهِ).
١١ _ كلامه عليه السلام مع الخادمة نسيم في البشارة بالعطاس بعد مولده بعشر ليال، فعن نسيم الخادم، خادم أبي محمّد عليه السلام، قالت: دخلت على صاحب الزمان عليه السلام بعد مولده بعشر ليال، فعطست عنده فقال لي: (يرحمك الله)، ففرحت بذلك، فقال: (ألا اُبشّرك في العطاس؟ هو أمان من الموت ثلاثة أيّام).
ولا مانع من التكرار في كلامه عليه السلام حين العطاس، فلا تعارض بين الحديث الثامن وهذا الحديث لإمكانية حدوثه مرَّتين.