الإمامُ المهدي عليه السلام وحتمية السنن الإلهية في تحقق الظهور الشريف
مرتضى علي الحلي
إنّ المهدوية بإطلاقها المفهومي والقيمي من مشموليتها لعنصر الهداية لدى الأنبياء والأئمة المعصومين عليهم السلام وختما بمهدوية الإمام المهدي عليه السلام هي بذاتها سنّة إلهية قطعية حتمية قد تحققت بمصاديقها النبوية والإمامية. ولم يبق منها إلاّ سُنَّة الظهور المهدوي الأخير للإمام المهدي عليه السلام ثمّ إنّ المقصود بمفهوم السنة الإلهية قرآنيا هو إطرادها، (أي تحققها في كل زمان ومكان وجريانها على كل إنسان) وفاعلية القوانين الإلهية التكوينية وجوديا بمعنى أنّ السنة الإلهية تستبطن الشروط والجزاءات في ماهيتها.
فمثلا لو تمعنا بسنة وقانون (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) لوجدنا أنّ الجزاء التكويني في صورة السنة الألهية الشرطية منحفظاً في تطبيقه الحتمي وهو(تغيير الله تعالى لحال القوم)، في حال تحقق شرطه الوجودي وهو تغيير ما بالنفس على مستوى الفرد والمجتمع.
هذا شاهد وجيز من صور السنن الألهية في نظام الطبيعة. وإذا ما أردنا تفعيل تلك السنة الإلهية وتوظيفها في تعجيل فرج إمامنا المهدي عليه السلام فما علينا إلاّ إستثمار طاقة الشرط وحيويته في التغيير الصالح والمُصلح لحالنا أفرادا وجماعات. وبعدها يقيناً سيتحقق الجزاء وهو الظهور للإمام عليه السلام، وإن طالت المدة، لأنّ السنن تختزل في ذاتها أبعادا أخلاقية وفكرية وإجتماعية تتنشط من خلالها إمكانيات الأفراد والمجتمعات في حال وعيها ودركها لمعيارية وغائية السنة الإلهية.
فالسنن الإلهية ما وجدت إلاّ لتنضيج سلوك الأفراد والمجتمعات في تعاطيهم الحياتي مع مفردات وشؤون قد تحكمهم بقاهريتها مثل الطواغيت البشرية، أو قد لاتحكمهم كالحاجات البشرية المباحة شرعيا، وخيارات الناس المفتوحة في إستثمارها أو عدم إستثمارها بالوجه الحق والعادل.
ومثال على ذلك، هو أنّ الركون إلى سلطة الطاغوت والظالم حرام شرعا، وقبيح عقلا، وهنا تأتي السنة الإلهية الحتمية لتكشف عن جزائها السلبي في صورة تعاطي الناس مع الظالم ونصرته وإعانته، وتنذر بمسيس النار (تعبير كنائي) عن حتمية نزول العذاب الدنيوي على الظلمة وأعوانهم فضلا عن دخولهم النار أخرويّا.
وهذه السنة الإلهية تتجلى في قوله تعالى (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ). أي: ولا تركنوا: أي تميلوا (إلى الذين ظلموا) بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم (فتمسكم) تصيبكم (النار وما لكم من دون الله) أي غيره (أولياء) يحفظونكم منه (ثم لا تنصرون) أي: لاتُمنعون من عذابه.
إذن فالسنة الإلهية مأخوذٌ في حركتها ومسارها، الإختبار والتمحيص والجزاء والنفع والضرر كلٌ بحسب استحقاقه.
وحتمية وقطعية تحقق جزاءات السنن الإلهية مقطوع به قرآنيا وعقليا.
وإنّ أغلب الناس في وقت الإمام العسكري عليه السلام كانوا مُستضعفين ولربما في الغالب خانعين للظالم.
وبفعل الركون للظالم من قبل الناس قد وقعت الغيبة الصغرى بل وحتى الكبرى لأنّ الظلم قد استمر وأخذ طابع الإستبداد الديني والسياسي. هذا ومن المعلوم روائيا أنّ الإمام المهدي عليه السلام يخرج وليس في عنقه بيعة لأحد أياً كان.
فعن أبي عبد الله(الصادق عليه السلام) أنه قال: ( يقوم القائم وليس في عنقه بيعة لأحد). وهنا يتبين أكثر، وجه وحكمة السنن الإلهية في مفاداتها وثمارها في الصورة الإيجابية فيما لو تحققت فعلا. لكن _وخاصة_ في قانون الركون إلى الظالمين لم تتفاعل الأمة مع إمامها المعصوم عليه السلام الحاضر من قبل والغائب اليوم في تركها للركون إلى الظلمة وعلى مدى التأريخ المنصرم، فأسهمت وبوجه ما في تأخير الظهور الشريف للإمام المهدي عليه السلام فضلا عن إسهامها في تطويل حاكمية الظلمة زمنيا مما لم يوفّر عنصر الظهور الحيوي للإمام المهدي عليه السلام وهو خروجه وليس في عنقه بيعة لأحد.
فالله تعالى صرّح مرارا (بذلك) أي إطراد وحتمية السنن الإلهية.
فقال سبحانه وتعالى: (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ).
فقد سبقت طريقة الأولين, وهي أنهم إذا كذبوا واستمروا على عنادهم أننا نعاجلهم بالعذاب والعقوبة.
وقوله تعالى: (سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً) وقوله (مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً) وقوله (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) وقوله (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً).
فالتبديل والتحويل في سنن الله تعالى ممنوع حكميا ووجوديا على مستوى عالم التكوين والتشريع.
والعقل القويم يدرك وبصورة استقلالية ضرورة ولزوم عدم تخلف إرادات الله تعالى في تحققاتها وخاصة الحكمية منها
بمعنى أنّ الله تعالى له أغراض وغايات ترجع في معطياتها إلى البشرية لابد من تنجزها فعليا في أرض الواقع والإمكان في هذه الحياة الدنيا وحتى الحياة الآخرة باعتبارها دار الجزاء والثواب والعقاب.
ومعلوم أنّ التراث العقَدي والمعرفي المتعلّق بقضية الإمام المهدي عليه السلام قد التفت إلى علاقة القضية المهدوية بالسنن الإلهية وجوديا فلذا راح أغلب الأئمة المعصومين عليه السلام يستدلون بكون غيبة الإمام المهدي عليه السلام وقضيته هي معلولة للسنن الإلهية، فكانوا عليهم السلام يُبينون وجه الشبه بين حال الإمام المهدي عليه السلام في غيبته وحال الأنبياء عليهم السلام من قبله.
عن أبي بصير قال: سمعتُ أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول: (في صاحب هذا الامر(أي الإمام المهدي) سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد صلى الله عليه وآله وسلم فأما من موسى فخائف يترقب، وأما من عيسى فيقال فيه ما (قد) قيل في عيسى، وأما من يوسف: فالسجن والغيبة، وأما من محمد صلى الله عليه وآله وسلم فالقيام بسيرته وتبيين آثاره ثم يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله عز وجل، قلتُ(أي أبو بصير) : وكيف يعلم أن الله تعالى قد رضي؟ قال عليه السلام: يلقي الله عز وجل في قلبه الرحمة).
وهذا شاهد معرفي وعقدي لبيان رفد المعصومين في تفهمهم للسنن الإلهية وطريقتهم في رفد المؤمنين والمُنتظرين بوعي سديد يجعل من صاحبه مقتنعا في عقيدته بالإمام المهدي عليه السلام.
وأخيراً إنّ فهم علاقة السنن الإلهية وترابطها مع قضية الإمام المهدي عليه السلام فهما علميا وأخلاقيا وتربويا وحتى منهجيا يؤسس لعمل صالح يُمهد في تطبيقه لتعجيل فرج الإمام المهدي عليه السلام في مُقتَبَل الوقت القادم.
لأنّ قيام الإمام المهدي عليهم السلام سينطلق من الواقع الموضوعي المُعاش قُبَيل الظهور الشريف وهذا الواقع لا يخرج عن حاكمية السنن الإلهية في تأثيرها في التحقق الحتمي للظهور.
نعم وإن كان لله تعالى دوره المُدّخر غيبيا لنصرة الإمام المهدي عليه السلام وإعلاء كلمة الله تعالى في الوجود مطلقا:
ولكن يبقى الأمر في وضعه الطبيعي المراد ربانيا. (لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وقوله (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).