رصدنا
صفحة الرصد المهدوي تهتم بتوثيق ونشر كل ما يتعلق بالقضية المهدوية من أخبار وموضوعات في المواقع الالكترونية والمنتديات والقنوات الفضائية والصحف والمجلات والإذاعات وتقويمها ورد الشبهات التي فيها إن كانت تتطلب ذلك خصوصا الموضوعات المنقولة من المواقع المخالفة للقضية المهدوية بهدف إطلاع القارئ على ما يدور في تلك المواقع ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وكذلك تحديد الايجابيات والسلبيات في كيفية تناول القضية المهدوية في تلك الوسائل والتواصل معها في سبيل تطوير الايجابيات ومعالجة السلبيات.
المهدويــــــــــــــــــــــــــة في الدراسات الاستشراقية
هيئة التحرير
عند مطالعة الكتب التي ألفت حول الإمام المنتظر عليه السلام نجد عبارات (مزاعم المستشرقين، شبهات المستشرقين، إنكار بعض المستشرقين، ترديد ما يقوله المستشرقون) عن المهدي المنتظر عليه السلام، عبارات تجعل القارئ يقف متسائلا عن ماهية هؤلاء المستشرقين.
ولأن رصدنا عودت قراءها الكرام على بيان كل ما يجول في أذهانهم من اسئلة واستفسارات حول القضية المهدوية حرصت أن يكون رصدها لهذا العدد عن دراسات المستشرقين وأقوالهم عن المهدي المنتظر عليه السلام وأهمية هذا الموضوع ليست علمية ذهنيّة فقط، بل هي خطيرة على واقع العقيدة ومستقبلها.
الاستشراق وتأريخه:
الاستشراق هو علم يختص بالدراسات التي تتعلق بالشرق، ومعرفة ما يتعلّق به من أفكار، وهذا الاهتمام يعود إلى الأزمان الغابرة، ثمّ تلت ذلك حركة الاستشراق في القرون الوسطى، لتؤكّد ذلك من خلال الوقائع التاريخية والنصوص الجغرافية، وكتب الأسفار وغيرها.
ويمكن القول: إنّ المساعي التي بذلها الباحثون من إيطاليا وبريطانيا والبرتغال لدراسة الشرق، كانت في القرن الخامس عشر والسادس عشر الميلادي. وفي القرن السابع عشر والثامن عشر أخذ الاستشراق بالانتشار. ومنذ أواخر القرن السابع عشر الميلادي أصبحت مدينتا لندن وباريس من المراكز الرئيسة في تدريس الاستشراق، ثمّ توسّع حتّى أصبحت أكثر البلدان الأوربية في الوقت الحاضر لديها معاهد خاصّة بتدريس الاستشراق بجميع أقسامه، وتخرّج في كلّ عام أعداداً كبيرة من الأساتذة، الذين يغذّون البحوث والدراسات في أوربا في مجال الاستشراق.
المستشرقون الحقيقيون
إنّ الذين جاءوا لدراسة الشرق كانوا أفراداً متفاوتين، فمنهم من جاء بلباس عسكري، أو بصفة أطباء أو معلّمين، لكنّهم في حقيقة الأمر قساوسة كان هدفهم التبشير بالدين المسيحي، وكانوا يتردّدون بكثرة على لبنان وسورية ومصر. وظلّت حركة الاستشراق موضع شكّ لدى الكثير، وبسبب هذا الغموض انقسم الناس نحوها إلى فريقين: الأول: ينظر إلى المستشرقين بعين الاحترام. والثاني: ينظر إليهم بعين أخرى، لأنّه كان من بينهم أُناس قد مهّدوا للاستعمار الغربي، وكانوا أدوات لتسلّط الغرب على الشرق، كما لا يخفى أنّ منهم جماعة دفعهم شوق التعرّف على الشرق وأسراره، وتحمّلوا في سبيل ذلك كثيراً من الصعوبات والمشاق.
وعلى أيّة حال ومهما كانت الأغراض والدوافع التي دفعت للاستشراق، فإنّ الاستشراق شيء والمستشرقين شيء آخر. إلا أنّ بعض المستشرقين كانوا وما يزالون لهم دور بارز في خلق الشبهات حول المعتقدات الاسلامية، وتزييف الحقائق من خلال مناهجهم المعروفة بالتسقيط والتشكيك والمقابلة ...الخ.
المستشرقون والغزو الفكري للمجتمع الإسلامي:
ذكرت مجلة (عالم الفكر): أن أكثر من (٢٠٠) ألف مستشرق غزوا الشرق الأوسط في مدة (٢٠٠) سنة, فدخلوا المكاتب والمساجد والقاعات, وسمعوا العلماء والمحاضرين, ودرسوا المجتمع الإسلامي والعوامل المؤثّرة في قوّته وضعفه, ودرسوا الفكر الإسلامي دراسة دقيقة؛ ليتعرفوا على المناطق التي من خلالها يمكن العبور والنفوذ, ثمّ كتبوا تقاريرَ لحكوماتهم ولسلطاتهم عن هذا المجتمع الإسلامي وعن الشرق الأوسط, وبالتالي بدأت الخطة للغزو الفكري لهذا المجتمع, حيث بدأ هذا الغزو بتشكيك المسلمين في أصول وجذور فكرهم الإسلامي, فحاول بعض المستشرقين والكثير من المبشّرين أن يخضعوا هذا الدين إلى موجة من التحريف والتزوير, وما زالت خططهم ومكائدهم وإستراتيجياتهم تركّز على ذلك من خلال محاولة تحريف بعض الآيات, وتزوير بعض الأحاديث وتركيز بعض المفاهيم المنحرفة, ومن خلال بثّ بعض الشائعات والمغالطات, حيث يحاولون بين فينة وأخرى وبين حين وآخر أن يهزّوا هذا الدين من جذوره وذلك كما صنعوا مع التوراة والإنجيل، ومن جملة تلك المعتقدات التي حاولوا ضربها وتحريفها والتشكيك بها عقيدة انتظار المهدي المنتظر عليه السلام كما سيتضح.
المستشرقون الذين كتبوا عن الإمام المهدي عليه السلام:
ينقسم المستشرقون في كتاباتهم عن الإمام المهدي عليه السلام إلى قسمين، الأول هم الذين كانوا ينشدون الموضوعية في كتاباتهم أمثال (هنري كوربان) المستشرق الفرنسي. والقسم الثاني: هم الذين ربطوا الاعتقاد بالمهدي المنتظر عليه السلام بالأخذ التقليدي، وقالوا إنه عبارة عن اقتباس أخذه المسلمون عن بعض الشعوب من دون أن يكون هناك عامل شعوري مشترك؛ ومن أصحاب هذا القول المستشرق الالماني (جولد تسيهر) الذي يرى أن القضية المهدوية مقتبسة من اليهود بشكل أو بآخر خاصة مسألة الرجعة التي قال عنها: (إن فكرة الرجعة ذاتها ليست من وضع الشيعة أو من عقائدهم التي اختصوا بها ويحتمل أن تكون قد تسربت إلى الإسلام عن طريق المؤثرات اليهودية والمسيحية. فعند اليهود والنصارى إن النبي إيليا قد رفع إلى السماء، وإنه لابد أن يعود إلى الأرض في آخر الزمان لإقامة دعائم الحق والعدل).
كما أن المستشرق (تويال) عبر عن غيبة الإمام بأنها مغادرة للأرض كصعود عيسى للسماء بقوله: (المهدي غادر الأرض والبشر ليقودهم على وجه أفضل، تاركا وراءه الشيعة الاثنى عشرية). ومنهم من ربط الاعتقاد بالمهدي بالفكر الوضعي في بعده السياسي، أي أن _الفكرة_ جاءت نتيجة للظلم والاستبداد الذي تعرض له الناس من حكام الجور وطواغيت السلطة، أمثال المستشرق (فان فلوتن) في كتاب (السيادة العربية) حيث قال: (إن ظلم العباسيين لم يكن أقل من ظلم الأمويين، وهذا الظلم جعل المتضررين منه يبحثون عن أمل الخلاص، ولذلك ابتكروا عقيدة المهدي المخلص، ليخففوا عنهم عناء ما يكابدون).
ويؤيد (دونالدسن) في كتاب (عقيدة الشيعة): هذا القول، حتى ذهب المستشرق (يوليوس فلهاوزن) إلى أن عقيدة المنتظر هي سبب تحول الموالي إلى شيعة غلاة. وممن أكد هذا الرأي المستشرق (مونتكمري وات)، إذ إن الذين اتخذوا من عقيدة المهدي خلاصا لهم نتيجة الاضطهاد والظلم لابد أن تكون عقيدة المهدي شائعة عند الناس قبل حصول ذلك الظلم والجور فاستفادوا منها.
كما يرى المستشرق المنصف (آربري) في كتاب (مستشرقون والإسلام) للدكتور عرفان عبد الحميد، تمثل باقتطاع النصوص من سياقها، وبالتحليل السطحي، هذا فضلا عن المغالطات والمفارقات المنهجية كالإحالة الى المصادر بصورة غير دقيقة وغير أمينة، وكالتدليس والكذب في نسبة الآراء، إذ يوردون نصوصا ثم يذكرون المصادر على سبيل التمويه، والأنكى والأعجب أنهم وبحسب تحليلهم السطحي يطرحون فهمهم لبعض المطالب على أنه المفهوم والرأي عند المذهب أو الطائفة، وهو فهم غير صحيح، ثم يحاولون أن يحشدوا النصوص ويقسروها لتتلاءم مع تصوراتهم وأفهامهم هم، وليس مع ما ذهب إليه أبناء المذهب أو مع ما كان مقبولا ومعتمدا لديهم.
هذه المواقف من أولئك المستشرقين كانت قبل مئة عام إلا ان مساعي المستشرقين المعاصرين لم تختلف عن أسلافهم في محاولات فاشلة لتشويه المعتقدات وتأجيج الاحقاد ضدها كما سيتضح.
ففي مقال نشرته شبكة (الألوكة) بتاريخ ١٥/١١/٢٠١٠ تحت عنوان (جاك فان إمب) مستشرق يجهز الروم لأرمجدون جاء فيه: إن هذا القس بدأ يجهز الروم لأرمجدون من خلال برنامجه التلفزيوني الشهير (هاف أوار) half-hour الذي يبث من التلفاز الأمريكي والكندي، وقد صرح في حلقة تحت عنوان (اعرف مسيحك الدجال) بأن المسيح الدجال سيدعي أنه المهدي المنتظر، وهو السليل المباشر لنبي الاسلام الذي لابد من محاربته (انتهى).
وهو محض افتراء لم يستدل عليه بأي دليل، بل هو يشكك حتى في عودة عيسى المسيح ومجيئه مما يؤكد انتماءه اليهودي المعروف بعدائه للإسلام.
وفي السياق ذاته جاء المستشرق (جويل ريتشاردسون) ليهيئ الغرب لمبايعة المسيح الدجال حسبما نقلته شبكة ألوكة في مقالها المعنون (جويل ريتشاردسون المستشرق الذي يهيئ الروم لمبايعة المسيح الدجال) المنشور بتاريخ ٣/١١/ ٢٠١٠. ومن الحقائق التي زيفها حقيقة المهدي المنتظر عليه السلام، حيث أكد متجنيا على المسلمين بأنهم ينتظرون المسيح الدجال، لا ليرفضوه بل ليقبلوه. وذلك في كتابه المقيت (المسيح الدجال الإسلامي حقائق صادمة)، وله كتاب آخر بعنوان المسيح الدجال، المسلمون ينتظرون المسيح الدجال، كذلك وظف (ريتشاردسون) (الهلال) رمزاً وحرفاً في اسم المسيح الدجال، ليوحي لغير المسلمين بأن هذا الرمز الإسلامي وضع أساسًا للمسيح الدجال الذي ينتظره المسلمون، مما جعل (د. أمبروزيوس أورليوس) يعلق على كتابه (المسيح الدجال الإسلامي) بقوله: إنه تحليل مقارن مخيف للعلم الأخروي الإسلامي والمسيحي، لكونه ميز المسيح الإسلامي المنتظر، بأنه محمد المهدي، وتعمد ريتشاردسون الكذب والتدليس بشكل صريح في ذلك بزعمه أن المهدي يتشابه تمامًا مع المسيح الدجال المسيحي،كما وصف في سفر الرؤيا، وفي النبوءات اليهودية لحزيقال ودانيال. كذلك بيّن (رورت نيومان) أن كتاب المسيح الإسلامي المنتظر يمثل اقتراحًا جديدًا بخصوص شكل أوقات النهاية، فالسيناريوهات السابقة مالت نحو منظور يركز على أن المسيح الدجال يشبه امتلاك السلطة الحاكمة بالإرتباط مع المجموعة الأوربية التي تنمو حول العالم كدكتاتورية، إلا أن المؤلف هنا اقترح أن السيناريو التوراتي أكثر اتساقًا مع الصورة الموجودة في التقاليد الإسلامية،وحتى يتعرف القارئ أكثر بكيفية تشويه هؤلاء للإسلام وللمهدوية ليلاحظ جيدا ما يقوله (غاريت كيكوياما) إذ يقرن أحداث النهاية في الإسلام والمسيحية جنبًا إلى جنب، والنتائج شكلها مخيف: تحطيم الأرض، مسيح الإسلام المنتظر يتشابه كثيرًا مع المسيح الدجال، السيد المسيح الإسلامي مثل النبي المزيف، مسيح الإسلام الدجال مثل السيد المسيح، ويزعم كذبًا و بهتانًا أن هذه معتقدات الإسلام.
أما المستشرق (جون ولفوورد) المترجم العالمي الأول للنبوءة التوراتية، ورئيس كلية دالاس اللاهوتية، روّج بكتبه للحرب العالمية الفاصلة، وقد ازداد شهرة على شهرته، بعمله الأكثر رواجًا (النبوءة التوراتية، أرمجدون، النفط والإرهاب، وأزمة الشرق الأوسط)، وقد ألف أكثر من ثلاثين كتابًا يُركز فيها على علم اللاهوت، ونهاية العالم، والمسيح الدجال، ونشوة النصر (وهي حالة تعتري المسيحيين عند هبوط المسيح عليه السلام، يزعمون أنهم سيحاربون حربًا دينية مقدسة سرعان ما تنقل إلى حرب دنيوية يهلك فيها الكثير في أرمجدون أو على أبواب القدس)، وهو واحد من الذين أسسوا التحالف الإنجيلي اليهودي (EJA)، واستكمالا لحملته هذه وابعادا ليهودية الدجال اتهم الإسلام بأن المسيح الدجال هو نفسه المهدي الذي ينتظره المسلمون. (انتهى)
وهذا الاتهام لانجده من قبل المستشرقين فحسب بل من بعض المسلمين مع الاسف كما جاء في المقال الذي نشره (مركز التنوير للدراسات الإنسانية) تحت عنوان (قراءة في النبوءات (المسيح الدجال)) من ان المسيح الدجال هو ذاته من ينتظره الروافض ويسمونه المهدي وهو كذلك نفس الرجل الذي ينتظره اليهود ويعتقدون فيه الخلاص والذي سيرفع أمرهم. (انتهى) وهنا تسكب العبرات على أمة أقرّت أن لا تقرأ، وإن هي قرأت فإنها ستقرأ ما يحلو لها وتترك ما يعارض مصالحها وكأنها مسألة مزاجية، فهم بدلاً من ان يدفعوا هذا الاتهام عن الاسلام يتهمون به طائفة منه، وكالمعتاد هو اتهام بلا دليل ولا تحليل.
كلمة رصدنا
هذا النهج الذي سلكه هؤلاء المستشرقون نهج الصليبية المتصهينة التي تم الحديث عنها في رصد سابق (العدد ٢١ السنة الثانية)- وهو ليس وليد اللحظة، بل له جذوره كنظام لاهوتي نَشأ في بدايات القرن التاسع عشر في إنكلترا. اعتمد على تزييف الحقائق وكيل التهم بأدلة إن وجدت فهي مقتطعة او مأخوذة من مصادر ضعيفة، ومن الغريب جدا أن يتهم هؤلاء نبي الاسلام بأن الدجال من ذريته في حين أن المصادر نفسها التي اعتمدوها تبين أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حذر من فتنة الدجال واتباعه وهذا الامر لم يتم التعرض له من قبل المستشرقين وكأنهم يرون بعين واحدة كعين دجالهم، الذي اعمى بصيرتهم قبل بصرهم وهذا النهج والاسلوب ليس بغريب على حركات التنصير بل ماهو اغرب ان ينصاع بعض المسلمين وراء هذه الشبهات ويتهمون بها اخوانهم في الإسلام ويشككون بعقائدهم دون أن يبحثوا عن الحقيقة. ومهما يكن فهذا التشكيك وذلك التسقيط ماهو إلاّ دليل على صحة عقيدة المهدي المنتظر وأصالة وجودها وإلا مامعنى كل هذه الحرب عليها لولا أنهم استيقنوها وجحدتها أنفسهم، ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.