الثورات قبل الظهور وما هو حكمها
السيد هاشم الهاشمي
بخصوص النهي عن الخروج وإقامة ثورات وانتفاضات في زمن الغيبة، لم نجد في الروايات التي صحت سنداً إلا روايات الكلينيJ في (الكافي)، مع وجود بعض الاختلاف في بعضها.
أما استفادة جواز الخروج وعدمه منها فهو منوط بالفقهاء دون غيرهم، وخاصة مع وجود أدلة أدعي تعارضها معها، ومن ثم فليس لي أن أعطي رأيا في الموضوع ولكنني أستطع أن أنقل لكم كيفية تعاطي الفقهاء معها ضمن تتبعي المتواضع، مع إبداء بعض الملاحظات الجانبية.
لم أجد من تناول تلك الروايات في الكتب الفقهية لعلمائنا المتقدمين بل وأغلب المتأخرين في أبواب الجهاد والأمر بالمعروف، وهي مظان ورودها، مما يكشف أنهم لم يرتبوا عليها كبير أثر في مقام الاستنباط.
وأن بعضهم كالحر العاملي أوردها تحت عنوان: (حكم الخروج بالسيف قبل قيام القائم) كما في (الوسائل) (ج١٥ ص٥٠)، وتبعه على ذلك المحدث النوري (مستدرك الوسائل) ( ج١١ ص٣٤) من دون أن يحددا ذلك الحكم، فإن فهم من كلامهما الحرمة فإنهما الوحيدان القائلان بالحرمة وفق تتبعي ضمن ما لدي من مصادر، وقد يؤيد إرادة الحر العاملي للحرمة أنه جعل عنوانا آخر لبعض تلك الأحاديث في كتابه (الفصول المهمة في أصول الأئمة) وهو: (أن كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها ظالم). (الفصول المهمة) (ج١ ص٤٥١).
وقد يكون سبب إعراض أغلب فقهائنا عن هذه الروايات من جهة موافقتها مع ما دل على العمل بالتقية قبل الظهور الشريف، وأن التقية تسقط مع ظهور الإمام عليه السلام.
نعم وجدت القول بحرمة الخروج صريحا عند اثنين من أعلام الإمامية وهما:
- المولى صالح المازندراني في شرح (أصول الكافي) (ج١٢ ص٤١١)، وهو مع جلالته وفضله وكما يشهد بذلك شرحه للكافي وقد قيل أنه بعد فراغه من شرح اصول الكافي أراد ان يشرح فروعه أيضا فقيل له: يحتمل أن لايكون لك رتبة الاجتهاد فترك لأجل ذلك شرح الفروع. (شرح أصول الكافي ج١ ص٨).
والثاني هو السيد علي خان المدني في (رياض السالكين) (ج١ ص٩٤)، وهو كالمازندراني لايوجد ما يدل على اجتهاده لمن راجع ما ذكر في ترجمته. (راجع مقدمة رياض السالكين).
أما بالنسبة للقائلين بجواز الخروج فقد صرح بعضهم بأن تلك الروايات لا دلالة لها على حرمة رفع الراية وذم صاحبها، وذكر لها وجوها لا تتنافى مع القول بجواز الخروج أو وجوبه.
قال السيد الخوئي بعد أن تبنى الرأي بمشروعية الجهاد ووجوبه في عصر الغيبة:
(وأما ما ورد في عدة من الروايات من حرمة الخروج بالسيف على الحكام وخلفاء الجور قبل قيام قائمنا عليه السلام فهو أجنبي عن مسألتنا هذه، وهي الجهاد مع الكفار رأسا ولايرتبط بها نهائيا). كما ورد في (منهاج الصالحين) بتعليق الشيخ الوحيد الخراساني (ج٢ ص٤١٢).
ويظهر من كلامه أن الوجه في كونها أجنبية أنها لا تتطرق إلى مسألة الجهاد ضد الكفار بل الظالمين من المسلمين.
وأحب أن أسجل هنا بعض الملاحظات العابرة على تلك الروايات:
إن تلك الروايات مختلفة في مضامينها فبعضها ذام إلى درجة اعتبار الخارج طاغوتا (ولعل هذه الروايات هي الأهم في الدلالة على النهي)، وبعضها تخبر أن الخارج يبتلى بالصعوبات والشدائد وليست في صدد بيان الحكم الشرعي، وبعضها يؤكد على مفهوم التقية الوارد في بقية الروايات والتي تثبت أن التقية مستمرة حتى ظهور الإمام عليه السلام.
يحتمل في الروايات التي تخبر أن من يرفع الراية قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت، أن يكون المقصود منها من يدعو إلى نفسه لا إليهم، بدليل أن هناك من يقوم قبل قيامه عليه السلام وقد مدحته الروايات كاليماني.
ولكن الرواية الثالثة المعتبرة تجعل النهي خاصا بمن يخرج قبل اليماني (باعتبار اليماني من العلامات التي تسبق الظهور)، وبما أن النهي متوجه للخروج قبل خروج اليماني، فلايمكن الاستدلال بما ورد من مدح خروج اليماني قبل قيام القائم عليه السلام.
غير أنه يمكن مع ذلك الاستشهاد بمن مدح الأئمة عليهم السلام خروجه قبل تلك العلامات ممن لايصدق عليه عنوان الطاغوت وما شاكله من عناوين ذامة، مثل الشهيد زيد بن علي الشهيدJ، مما يقوي الرأي القائل بأن المقصود من الراية هي التي تكون في مقابل رايتهم لا التي تكون مأذونة من قبلهم.
وراجع تعليق السيد الخوئي قدس سره على الرواية التاسعة من الروايات الدالة على عدم رضا الإمام الصادق عليه السلام على خروج زيد رضي الله عنه أو وجود منقصة فيه في (معجم رجال الحديث) ج٧ ص٣٥٤.
يحتمل في الروايات الصادرة عن أهل البيت عليهم السلام والتي تنهى عن الخروج والتي تدعو إلى التقية والتزام البيت (وهو كناية عن عدم الثورة وعدم الخروج) أن تكون ناظرة إلى الحالة الغالبة التي يكون عليها وضع الشيعة قبل ظهوره الشريف.
كما يحتمل فيها أنها بصدد دفع شبهة وجوب الخروج التي يقول بها بعض الشيعة كالزيدية وليست بصدد إثبات حرمة الخروج.
يحتمل أن يكون المقصود من لقب القائم عليه السلام في بعض الروايات هو عموم الأئمة عليهم السلام وليس الإمام المهدي عليه السلام فقط، لأن بعض الروايات نصت على أنهم عليهم السلام كلهم قائمون بالحق، وقد عقد الكليني بابا في (الكافي) ج١ ص٥٣٦.
ومن ثم يكون مقصود مثل هذه الروايات بيان عدم جواز تخطي الإمام عليه السلام في الموقف، وحرمة التقدم على المعصوم وعدم الرجوع إليه وأخذ الإذن منه فيما يرتبط بالأمور الشرعية وخاصة في أمر الدماء أمر محرم بلا شك، وينطبق عليه مضمون روايات كثيرة تنص على أن المتقدم عليهم مارق.
نعم قد لا يساعد هذا الاحتمال الرواية الثالثة للكليني والتي تذم الخروج قبل ظهور العلامات المحتومة كاليماني والسفياني التي تسبق قيام القائم عليه السلام إذ لايحتمل في هذه الرواية إرادة جميع الأئمة عليه السلام.
ويحتمل ان بعض الروايات الواردة عن الأئمة عليهم السلام والناهية عن الخروج خاصة بظروف بعض الأئمة عليهم السلام كالإمام الصادق عليه السلام مثلا ولا يمكن أن يؤخذ منها حكم عام ليشمل جميع الأعصار.