لكي ينجـــــــــــــح القائد
الشيخ حسين الأسدي
كثيرة هي المواصفات التي تذكر للقائد الناجح، كالكفاءة والخبرة والشجاعة وغيرها من المواصفات، إلاّ انّ هناك صفة مهمة جدا إذا ما توفرت فإنّ من شأنها أن تزرع الثقة في نفوس المجتمع، بل من شأنها أن تنمي هذه الثقة إلى الحد الذي يكون الافراد مستعدين للتضحية بكل ما لديهم من غال ونفيس من اجل قائدهم ودولتهم, وتلك الصفة هي صفة الإنصاف. والإنصاف ينطبق على مفردات عديدة تشمل:
- تواضع القائد بحيث يتمثل بأقل الرعية على حد قول أمير المؤمنين عليه السلام: (أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش...).
- وكذلك معاملة الخاصة معاملة العامة أو اشد، حتى يطمئن العامة من سطوة الخاصة.
- وكذلك ضمان شمولية تطبيق القوانين والأحكام على جميع أفراد الشعب من دون محاباة، فإنّ ذلك يضمن حقوق الأفراد ويجعلهم يمتلكون الجرأة على قول الحق والعمل به، ويشعرهم بالتفاؤل بأن دولتهم تسير في الطريق الصحيح، ويحسسهم بالكرامة في نفوسهم، وبالتالي سوف يعيشون في مركز الحياة لا في هامشها، وهي منية كل انسان في هذه الحياة.
والواقع يشهد أنّ عصر الغيبة الذي نعيشه لم يوجد فيه من يمتلك تلك الصفة بالنحو المطلوب، فالمحاباة والمحسوبية وعدم انطباق القانون بشكل متساو على الأفراد هي السمات الظاهرة لقادة اليوم، ولم نشهد قائدا يمتلك تلك الصفة ويجعلها منهجا لحكمه بكل شجاعة إلاّ إذا أدركنا قائم آل محمد عليه السلام.
فإن من يدركه سيرى انصافاً لا مثيل له كما حكت لنا ذلك الروايات الشريفة, فالقائد في نفسه لا يلبس إلا الغليظ ولا يأكل إلا الجشب... إنّه لا يميز بين قريب وبعيد، فهو أبعد ما يكون عن القومية, حتى إنه سيقدم قوما من قريش ويقطع رؤوسهم لاستحقاقهم ذلك وهو هو الذي من قريش.
إنّه لا يحابي ولا يجامل المخطيء ولو كان من خاصة خاصته ، فبينا الرجل على رأسه قائم حتى يأمر به فتضرب عنقه...
انه سيوجه اهتمامه إلى تربية المجتمع وتكميل عقولهم وإلى ترفيه المجتمع، كل المجتمع وزيادة سيولته المالية إلى الحد الذي ينعدم فيه الفقر في جميع أرجاء العالم.
وأمّا اتباعه وخواصه فإنّهم لا يكونون كذلك ولا يقبلهم تحت لوائه، حتى يأخذ عليهم العهد بالتزام أمور هي غاية في الدقة وإنهم:
- لا يفعلون محرما أبدا ولا يأتون بفاحشة...
- لا يضربون أحداً إلا بحق
- لا يكنزون ذهبا ولا فضة ولا برّاً ولا شعيرا...
- يتوسدون التراب لا الحرير والديباج...
- يأمرون بالمعروف ويعملون به وينهون عن المنكر ويبتعدون عنه...
- من خشية ربهم مشفقون، فهم قيام بالليل كالرهبان وإن كانوا شجعانا في النهار كالليوث يتمنون أن يقتلوا في سبيل الله...
ولهذا وذاك سيكون هؤلاء الاتباع محبوبين من الجميع (فليس من شيء إلاّ وهو مطيع لهم حتى سباع الأرض وسباع الطير, يُطلَب رضاهم في كل شيء حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول مر بي اليوم رجل من أصحاب القائم) كما جاء في بحار الأنوار ج٥٢ ص٣٢٧.
إنّها صفات لو وجد عشر معشارها في قادة اليوم وأتباعهم فلربما اختلف وجه الدنيا، ولربما ندرت الحروب وانعدمت الإمراض، ولربما عشنا حياة لا يتمنى المرء معها الموت... ولكن الحال أن الكثير من الناس اليوم يعيش في حال وصفها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليأتين على الناس زمان... يمر أحدكم بقبر اخيه فيتمعك عليه كما تتمعك الدابة في مراعيها ويقول يا ليتني مكانه، ما به شوق إلى الله, ولا عمل صالح قدمه إلاّ لما ينزل به من البلاء).