شرح دعــــــاء الندبة/ الحلقة الخامسة
رابطة إحياء دعاء الندبة
الفقرة (فَقَبِلْتَهُمْ وَقَرَّبْتَهُمْ، وَقَدَّمْتَ لَهُمُ الذِّكْرَ الْعَلِيَّ وَالثَّناءَ الْجَلِىَّ).
بعد أن وقفنا على فكرة المشارطة فيما تقدم نقف الآن على نتائج تلك المشارطة وما ترتب عليها.
ويجدر الإنتباه إلى أنّ عملية المشارطة التي تقدمت والتي كان محورها الزهد بدرجات هذه الدنيا، وهنا عبارة لطيفة جداً عندما قال الدعاء درجات هذه الدنيا ويمكن الاستفادة أن الزهد على درجات قد لا يمكن لنا إحصائها، وأعلى مرتبة من مراتبها قد حازها أهل البيت عليهم السلام، وسنلاحظ ما رتب عليها الدعاء من نتائج وآثار وهناك درجات أخرى يمكن لنا إذا ما التزمنا بهذه المشارطة ان نحصل على الآثار المترتبة عليها وإن كانت بدرجات متفاوتة.
وهنا إشارة مهمة وهي أن ما يترتب على الزهد بدرجات هذه الدنيا من الآثار الآتية، وان كان مختصا بأهل البيت عليهم السلام بدرجته العليا لكنه غير ممنوع عنّا بدرجاته الأخرى.
يشير المقطع الآنف الذكر إلى جملة من المطالب الغنية بالمعارف الإلهية، ونجملها ضمن النقاط التالية:
١. شير المقطع إلى أن الله سبحانه وتعالى بعد حصول المشارطة قبل من أهل البيت عليهم السلام _والأنبياء والعلماء والأولياء_ هذه المشارطة ومعنى قبوله ليس قبولا لمحض ذواتهم، بل علاوة عليها ما يترتب من آثارهم وأفعالهم وأقوالهم فكلها قد قبلها الله سبحانه وتعالى، وينبغي أن نلتفت إلى ان قبول الله سبحانه له مراتب وقبوله لأهل البيت قبولا بأعلى مرتبة، ويمكن لنا أن نصيغ هذا القبول دليلاً على عصمتهم لأنّ قبولهم كان مطلقا وهو يعني قبول كل مايصدر عنهم، وهذا معناه أن الصادر منهم، فعلاً كان أو قولا بل وامضاءً هو عين الحقيقة والصواب وليس ذلك إلاّ معنى العصمة.
٢. يحدثنا المقطع عن أنّ ماترتب على تلك المشارطة _وعلم الله سبحانه ووفاء أهل البيت عليهم السلام بها_ أنه قربهم وهذا التقريب ليس محض القرب المادي وإنما هو قربهم من الدين، وقربهم من الحقيقة وقربهم من القداسة وقربهم في كل شيء، وهذا يؤكد ما أشرنا إليه وما سيأتي أيضاً في طيّات هذا الدعاء من أن هذا القرب هو حقيقة جعلهم وسائط الفيض الإلهي فلأنهم أقرب شيء إلى الله فإن ما يصدر عنه تعالى يمر من خلالهم إلى عباده، وهذا ارفع مرتبة من مراتب القرب فضلا عن غيرها من المعاني التي ذكرها القران الكريم عن القرب الإلهي (كقرب الإجابة) الذي تحدث عنه آية ١٨٦ من سورة البقرة (فَإِنِّي قَريبٌ أُجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) و(قرب النصر) في نفس السورة رقم ٢١٤ (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَريبٌ) و(قرب التوبة) كما في ١٧ النساء (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَريبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) و(قرب الرحمة) كما في ٥٦ الاعراف (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَريبٌ مِنَ الْمُحْسِنينَ) بل و(قرب العذاب) كما في ٦٤ هود (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَريبٌ) و(قرب الفرج) ٨١ هود (أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَريبٍ) وغيرها من المعاني التي ذكرها القرآن الكريم والتي من خلال هذا المقطع يجوز لنا أن نقول إن كل قرب، قرب خير كالفرج والدعاء والتوبة لايكون إلاّ من خلالهم أو قرب بعد وغضب وسخط وحرمان ولا يكون إلاّ ببغضهم.
٣. ويشير المقطع أيضاً إلى أن ما ترتب على تلك المشارطة أنّ الله سبحانه وتعالى قدّم لأهل البيت عليهم السلام الذكر العلي والثناء الجلي الواضح وهذا لايخفى على أنّه في أعلى مراتبه ويمكن لغيرهم إذا التزم بالمشارطة أن يحصله بمراتبه الأخرى فمن يزهد في هذه الدنيا مشارطاً الله سبحانه بذلك فإنه لا محالة يترتب عليه نتيجة بقاء الذكر والثناء من قبل الله ومن قبل عباده، نعم إن الذكر العلي الذي يعني أن أهل البيت عليهم السلام مذكورون في السماء وعند الأنبياء فضلاً عن أهل الأرض والأولياء بل وهم المذكورون في حضرة الله وعنده تعالى هذا هو الذكر العلي بأن يذكرهم الجميع ويكون ذكرهم شرفا للذاكر والثناء عليهم من منقبة المثني، بل حتى عند أعدائهم نجد ذكرهم والثناء عليهم رغم بغض الأعداء لهم عليهم السلام.
هذه بعض الإشارات بما يسمح به المجال والمقطع الآنف الذكر يحمل الكثير من الأبعاد التي ينبغي تسليط الأضواء عليها والإشارة إليها والتي منها:
١. إنّ للقبول أنواعاً وأصنافاً مختلفة، كالقبول العبادي والقبول الأخلاقي والقبول الاجتماعي وعلى الإنسان السعي في أن يكون مقبولاً في كل الميادين عند الله تعالى كما كان أهل البيت عليهم السلام مقبولون عنده كذلك، وكذلك يأتي الكلام في القرب.
٢. إنّ الذكر والثناء، منه ماهو جلي، ومنه ماهو خفي ومنه ماهو قولي ومنه ماهو عملي، فلابدّ من الالتفات لذلك.
الحلقة الرابعة مفقودة من سلسلة شرح دعاء الندبة ؟
شكراً