ضرورة الارتباط بالمرجعية
السيد علي الحكيم
ضمن الحديث عن الأدلة على الرجوع إلى العلماء والفقهاء _أي التقليد_ نستعرض الآيات الواردة في هذا الشأن:
١. آية النفر: (َلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).
٢. آية الذكر: (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
٣. التوقيع الصادر عن الإمام الحجة عليه السلام: (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله).
٤. عن شعيب العقرقوفي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام ربما احتجنا ان نسأل عن الشيء، فمن نسأل؟، قال: (عليك بالأسدي) يعني أبا بصير.
٥. عن عبد الله بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام إنه ليس كل ساعة ألقاك ولا يمكن القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه فقال: (ما يمنعك عن محمد بن مسلم الثقفي فانه سمع من أبي وكان عنده وجيهاً).
تقليد الاعلم:
ربما يتفق الكثيرون على ضرورة التقليد بالنسبة لغير المجتهد والمحتاط، ولكن هناك سؤال يتبادر إلى الذهن، وهو أن الرجوع إلى المجتهدين لما كان ضرورياً فلماذا الالتزام برأي الأعلم؟ أي لماذا لا يستطيع الإنسان الرجوع إلى من يشاء من الفقهاء ما دام أي منهم يستطيع استنباط الحكم الشرعي ولديه ملكة الاجتهاد؟ فكما أن الإنسان عندما يمرض، فإنه لا يبحث دائماً عن الأعلم من الأطباء وإنما يكتفي بالرجوع إلى من يتيسر له الرجوع لهم، فلماذا لا يكون الأمر كذلك بالنسبة إلى موضوع الرجوع إلى العلماء؟
وفي الجواب على هذه التساؤلات نقول: إن مسألة الرجوع إلى الأعلم من المسائل الخلافية بين الفقهاء، فمنهم من لا يشترط الرجوع إليه، ومنهم من يشترط وحتى فقهاء العامة، فإنّ منهم من يوجب الرجوع إلى الأعلم، فقد ذكر الآمدي في كتابه (احكام الاحكام) بعد ذكره لإلتزام البعض باختيار الأعلم، حيث قال: وهو مذهب (أحمد بن حنبل) و(ابن سريج) و(القفال) من أصحاب الشافعي. وذكر الغزالي أيضاً ذلك في كتابه (المستصفى) فقال: والأولى عندي إتّباع الأفضل، فمن اعتقد أن الشافعي رحمه الله أعلم، فالصواب على مذهبه فليس له أن يأخذ بمذهب مخالفه بالتشهي.
وهذا المبنى هو المشهور بين علماء الشيعة، بل إن ظاهر كلام السيد المرتضى في (الذريعة) أنه من المسلمات عند الشيعة.
واستدل المانعون بعدة أدلة مناقش فيها، واستدل القائلون بوجوب الرجوع إلى الأعلم بعدة أدلة أيضاً، وفي كل أدلتهم نقاش لا مجال لذكره، وأهم دليل في هذا المقام هو بناء العقلاء، إذ أنّ بناءهم على الأخذ برأي الأعلم من الأحياء في الأمور المهمة.
ونحن إذا رجعنا إلى المجتمع الإنساني لوجدنا أن هذه الظاهرة واضحة أيضاً، إذ مع وجود الأعلم في فنه وإمكانية الرجوع إليه، لا يرجع الإنسان إلى غيره، والمثال الذي ذكرناه من الرجوع إلى الأطباء لا يمكن القياس عليه، لان مراجعة الطبيب الأعلم في كل شيء غير متيسر، حيث لا يمكنه ان يكشف على كل الناس، ولكن أي إنسان عاقل إذا خيّر بين طبيبين أحدهما أكثر حذقاً من الآخر فإنه لاشك يختار الأحذق، وهكذا الأمر في كل صنعة وفن.
وعليه فتقليد الأعلم لاشك أنه مجزء ومبرء للذمة، أمّا لانّه هو المتعين في الرجوع إليه، أو لانّه أحد طرفي التخيير، فالقائل بجواز التخيير بين الفقهاء يقول بجواز تقليد الأعلم، وبالتالي فإننا نقطع بأن تقليد الأعلم مبرء للذمة، وتقليد غير الأعلم مشكوك فيه للاختلاف بين الفقهاء في هذه المسألة، وبالتالي لا يقدم المشكوك على المقطوع، فالرجوع إلى الأعلم هو المتعين بمقتضى الأصل لدوران الأمر بين التعيين والتخيير.