لا تستغربوا
مجموعة من النقولات التاريخية تهدف إلى رفع حالة الاستغراب التي تنشأ من الادعاءات الكاذبة. إذ يرصد وعبر التاريخ أسماء من ادّعوا الإلوهية أو النبوة أو الإمامة أو البابية والنيابة أو غيرها
هيئة التحرير
نحن في زمان كثر فيه ادّعاء الباطل وأهليّة من ليس بأهل لتسنّم المناصب الروحية، سواء على مستوى الألوهية أو النبوة أو الإمامة أو غيرها من المناصب الأخرى، ولكي لا نستغرب عندما نواجه دعوة من مثل هذه الدعاوى فلابدّ لنا أن نبرز قضايا قديمة وحديثة تتحد موضوعاً مع موضوع هؤلاء الأدعياء، بينما لا نستغرب من تلك ونستغرب من هذه.
ففكرة لا تستغربوا تعتمد على ذكر الأشباه والنظائر ممن ثبتت حالة الإنحراف لديهم مع وجود أتباع لهم ومريدين كثيرين جداً يؤمنون بهم على أنهم عناصر هدى وحق وإسعاد وخلاص بينما _وبعد فترة من الزمن_ يتبيّن للأتباع قبل غيرهم إنحراف هؤلاء، من هنا تأتي أهمية أن نأتي بالأشباه والنظائر ونكثر من بيان الحالات التي كانوا يستدلّون بها على حقانيتهم ويصورونها على أنها أدلّة لدعواهم، بينما تبيّنت بعد ذلك أنها من المتشابهات، ولا تحمل من حقيقتها إلاّ الألفاظ.
وهذا ما تهدف إليه _لا تستغربوا_ إذ أنها لا تريد بالضرورة أن تقدم الأدلّة العلمية لتزييف دعاوى أهل الباطل والضلال، بقدر ما تريد أن تضع المواد المتشابهة والعناصر التي كانت لها نفس الحظوة التي يتمتع بها هؤلاء إلاّ أنّه تبين انحرافها وزيف مدّعياتها فيأتي التساؤل في نفس كل قارئ أنّه ما فرق هؤلاء عن أولئك.
وهذه بعض أمثلة نطلعكم عليها ... فلا تستغربوا ...
١. القطران يبتلع الإله المقنّع (سنة ١٩٥ هـ):
(هشام بن حكيم) رجل من أهالي (مرو) بمدينة (خراسان) التي كانت معقلاً لأهل السنة في أيام العباسيين، يعد هشام من الرجال الأذكياء والمشعوذين والسحرة. جمع عدداً كبيراً من الأنصار حوله. وسجّل الشعر العربي حركته على لسان أبي العلاء المعري قائلاً:
أفق إنّما البدر المقنّع رأسه ضلال وغيًّ مثل بدر المقنّعِ
أدّعى الإلوهية والتفّ حوله جماعة كبيرة من الناس، وكانوا يسجدون له.
من أبرز ما يثبت براعته في أعمال السحر أنه أظهر للناس صورة قمر يطلع ويرى من مسافة شهرين من المسير، وكان يستخدم انعكاس الشمس في المرايا ليضفي على نفسه النور إذا ألحّ عليه أتباعه برؤيته.
سجّل التاريخ أنه اتّخذ قناعاً من ذهب يستر به وجهه، وكان يقول إن الناس لا يستطيعون تحمّل نور وجهي فأتخذت هذا القناع لكي لا يحرقوا بنور وجهي ولذلك سمّي بالمقنّع.
ويسجل التاريخ لنا أن السبب الحقيقي وراء اتخاذه القناع أنه كان أعوراً أصلعاً وفي غاية القبح، ولذا اتخذ القناع ليخفي وجهه.
وحيث أنّ هشام بن حكيم كان من أحد قيادات أبي مسلم الخراساني فقد أدّعى في بداية أمره أن أبا مسلم لم يمت وأن الإمامة فيه وأنه وكيله، وأن الإمامة لم تنتقل إلى أبي جعفر المنصور من أبي العباس السفاح وإنما انتقلت إلى أبي مسلم، وأن أبا جعفر العباسي مغتصب لها، ولذا قام بالتخلص من أبي مسلم ظاهراً بينما في الحقيقة أن أبا مسلم لم يمت، وأن أبا مسلم طلب من هشام بن حكيم عن طريق الوحي لينتقم لمقتله.
وبعد أن زاد أتباعه غيّر آرائه وقال أن روح الإلهة كانت في آدم لذلك أمر الله الملائكة بالسجود لآدم ثم تحولت هذه الروح الإلهية إلى أن استقرت في المقنع الخراساني.
قام بإسقاط جميع الفرائض عن أتباعه من صلاة وصوم، وألغى الحلال والحرام، وأباح المال والناس لأتباعه.
وثبّت تكليفاً واحداً عليهم فقط وهو السجود له إذا رأوه في أي مكان، وكان أتباعه يسجدون له بعد أن أقنعهم بذلك من خلال تأويله للآية الكريمة (وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ أَبى).
وكان يأوّل هذه الآية لأصحابه بأن الشيطان استحق لعنة الله لأنّه لم يسجد لله المتحول في صورة آدم والتي انتقلت إليه فيجب السجود له.
وقد انظم إليه كثير من الناس من مدن (الصغد) و(بخارى) وغيرها مما وراء النهر وكانوا ينادون في المعارك: يا هاشم أعنّا.
وكان مركز المقنع في قلعة في جبال السنام في مدينة (كش) القريبة من بخارى، وكانت قلعة منيعة، وقد اتّخذ المقنّع من سلب القوافل ونهب قرى المسلمين حرفة، وبعد ذلك سار إلى سجستان فاستولى عليها، وفي أيام المهدي سيّر إليه جيشاً كبيراً من ثلاثين ألفاً فحاصروه فلما استيقن من الهزيمة جمع نساءه وحاشيته فسقاهم السم فماتوا جميعا وأوقد هو تنوراً أذاب فيه النحاس والقطران وألقى نفسه فيه بعد أن تناول السم، فاحترق واختفى فادّعى أصحابه أنه لم يمت بل رفع إلى السماء.
وكان أصحاب المقنّع يسمّون أنفسهم المبيّضة لأنهم اتخذوا البياض شعاراً لهم خلافاً للعباسيين.
إنّه إله لا يؤمن بنفسه أنه إله، بينما الآخرون يسجدون له، تقنع عنهم في الدنيا، وأحرق نفسه، فما يكون مصيره في الآخرة، رغم ذلك كان له اتباع ومريدون ... فلا تستغربوا.
٢. نبي الأمريكان يدعم المرشح الجديد (١٨٠٥ م):
(جوزيف سميث) المولود في ١٨٠٥م في ولاية فيرمونت في الولايات المتحدة الأمريكية والذي يعتبره أعضاء كنيسة المرمون نبياً من الأنبياء.
في عام ١٨٢٣م أعلن جوزيف أنّ وحياً من السماء أتاه وأخبره أنه رسول القارة الأمريكية لتأسيس الكنيسة الأصولية، وأن على يديه سوف يظهر الله الألواح الذهبية المختفية والتي أسماها بالألواح المصرية القديمة، وفي سنة ١٨٢٧م نزل عليه وحي من السماء ادعى بأن اسمه مورني وبعد أن سلّمه تلك الألواح قام جوزيف بترجمتها إلى الانكليزية، وهذه الترجمة أصبحت فيما بعد كتاب (المورمون المقدس) وفي عام ١٨٣٠م قام جوزيف بتأسيس كنيسته وأسماها يسوع المسيح للقديسين الجدد وسمي دينه بـ (المورمونية) وقد استجاب لدعوته العديد من المسيحيين، إذ يبلغ أتباعه الآن أكثر من سبعة ملايين نسمة في العالم.
وسمات دينه الجديد هي السماح بتعدد الزوجات واعتبار المذاهب الأخرى من المسيحية مرتدة.
يعتبر المورمون أن كتابهم المقدس هو نسخة وتكملة للألواح التي نزلت على موسى، وفي عام ٦٠٠ ق.م هاجر مجموعة من أسباط بني إسرائيل مع نبي أسمه (مورمون) لإحياء القارة الأمريكية وهناك انقسموا إلى قسمين، الأول واسمهم اللامانيين، وهؤلاء نسوا تعاليمهم مع مرور الزمن وهم ما عرفوا بعد ذلك بالهنود الحمر، والثاني واسمهم نافييس، وهؤلاء حافظوا على عقائدهم، لكنّ الفريق الأول هجم على الثاني فدمّر حضارته وأبادها في سنة ٤٠٠ ق.م، إلاّ أن النافييس استطاعوا إخفاء الألواح لذلك الرسول المورموني حيث قام ابنه ورووني بدفنها، وبقيت هذه الألواح مدفونة هذه المدة حتى سلمت لجوزيف عبر الوحي.
يتواجد المورمونيون في بعض البلدان بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية البلد الأم، ففي لبنان وسوريا والأردن يوجد لهم أتباع.
يوجد مجموعة من الشهود يبلغ عددهم أحد عشر، أقرّوا بأنهم رأوا الألواح ولمسوها وهذا ما يعرف عندهم بإقرار الشهود الثلاثة والثمانية ومطبوع إقرارهم في مقدمة كتاب المورمون.
وقد سجل سميث مساهمة لأحد الجيران ويدّعى (مارتن هاريس) وهو أحد الشهود الثلاثة، ففي سنة ١٨٢٨م طلب هاريس من سميث بإلحاح وإيعاز من زوجته (لوسي هاريس) إعارته بعض الصفحات التي تمت ترجمتها غير أن سميث رفض بشدة ذلك الطلب، فقامت لوسي بسرقة الصفحات الـ ١١٦ من الكتاب _وهذا يشبه إلى حد ما رواية الداجن التي أكلت من القرآن على زعم البخاري وبعد اختفاء هذه الصفحات زعم سميث أنه فقد القدرة على الترجمة وأن موروني استرجع منه الألواح ورفض أن يعيدها إلاّ إذا أعلن سميث التوبة، وفي وقت آخر أعلن سميث أنّ الرب سمح له باستكمال الترجمة بجزء آخر غير الذي فقد.
تقول بعض صفحات كتاب مورمون إن الهدف من هذه الرسالة هو ليرى من تبقى من أبناء إسرائيل الأشياء العظيمة التي صنعها الرب لآبائهم، كذلك لإقناع اليهود والأغيار أنّ يسوع هو المسيح الإله الباقي الذي يظهر ذاته لجميع الامم.
يتضمن كتاب مورمون مجموعة من التعاليم العقائدية والفلسفية المتعلقة بعدد كبير من الأمور التي تتراوح بين أساسيات المسيحية واليهودية والتعاليم السياسية والأيديولوجية، حيث يوصف الرب بأنه ينزل إلى أبناء البشر وسوف يخلّص شعبه وهو الأب والابن الأب لانّه حمل قوة الرب والإبن من طريق الجسد وبالتالي فهو الأب والابن، وهما إله واحد، نعم إله السماء والأرض السرمدي.
ويعتقدون أيضاً بإعادة جمع إسرائيل، وعن استعادة القبائل الأسباط العشرة ويؤمنون بأن _صهيون_ أورشليم الجديدة ستقام على القارة الأمريكية وبأنّ المسيح شخصياً سيسود على الأرض وبأنها ستكون متجددة ومجيدة.
ومن الناحية الاقتصادية فإنّ كل مورموني يدفع عشرة بالمائة من دخله للكنسية وبهذا تضمن الكنيسة عمليات الدعم المتواصل.
من أبرز الشخصيات الحالية للمورمونيين هو المرشح للرئاسة الأمريكية (ميت رومني).
أتباع بالملايين، إيمان لا بديل عنه، ولكن أين الأدلّة؟ لا نرى لها ذكراً سوى حكايات وفواصل زمنية بمئات السنين ورجل قد يكون صنيعة الوهم أو حب الشهرة أو المؤامرة يولد مذهباً ويصبح نبياً ويؤمن به من الشخصيات من يكون مرشحاً لرئاسة أكبر دولة على وجه الأرض ... هكذا يصنع الأدعياء ... فلا تستغربوا.
٣. المرشدية بين إدعاء الربوبية والمهدوية والسفارة:
قد نستغرب أن نجد شخصاً يدعي الربوبية أو تدّعى له وكذلك النبوة أو المهدوية أو الوكالة والنيابة، ولكننا نستغرب أكثر عندما نسمع عن شخص ادّعى الربوبية أو ادّعى الإمامة والنيابة في وقت واحد، وبغض النظر عن صحة ذلك من قبل نفس الشخص أو أتباعه، أو نسبة ذلك إليهم إلاّ أننا نبحث عن القضية من خلال ما يترجم إلينا من بعض الكتابات أو الصحف التي تتناول هذه القضية.
وبين أيدينا دعوى المرشدية التي تأرجحت بين إدّعاء الربوبية والمهدوية والنيابة.
(سلمان المرشد) المولود في ١٩٠٧م في قرية (جوبة برغال) من أعمال جبال النصيرية في سوريا وهو زعيم لطائفة تأرجحت في الانتساب كونها علوية، وأخرى مرشدية، كان يستلم الضرائب الخاصة من أتباعه على ما قيل لكونه هو الله وقال بعضهم إن هذه التهمة لفقت له من قبل الحكومة السورية آنذاك وبعد إعدامه في سنة ١٩٤٧م تولى ابنه زمام إدارة المرشدية.
نقل عنه أنه بشّر قومه بقرب ظهور القائم الموعود المهدي ليملأ الأرض قسطا وعدلا، ويعتبر المذهب المرشدي مذهباً أو ديناً روحياً يستند إلى الغيبة، ويؤكد أتباع هذا الدين أن سلمان المرشد لم يدعو الناس لأن يتخذوه إلهاً ولكنه إمام بشر الناس بقيام المهدي المنتظر، أصبح ابنه بعد إعدامه بنظر أتباعه هو القائم الموعود.
ويعتبر المرشديون أنفسهم أنهم دعوة مستقلة تماماً، بالاستقلال عن العلويين وأن سلمان المرشد دعى إلى تنقية المذهب المرشدي أو الدين المرشدي من التداخلات العلوية.
يبلغ عدد أتباع المرشدية عشرات الآلاف، إن لم نقل أكثر، ويتمركزون في ريف حماة وحمص واللاذقية، ومركزهم عشيرة بنو غسان وهي تتألف من عشائر الدراوسة والعمامرة والمهالبة.
وتؤكد المعلومات التي تحدثت عنهم أن نفس سلمان لم يدع الإلوهية أو الإمامة وإنّما هو بشر بظهور المهدي المنتظر وأنّ اتباعه يعتبرونه إماماً مبشراً، ويعتبرون ابنه هو الإمام.
ولندرة المعلومات التي يحصل عليها وهي تتحدث بوضوح عن عقيدتهم تأرجح من يكتب عنهم بين كون سلمان المرشد ادعى الإلوهية أو المهدوية أو النيابة عن المهدي، وفي كل الحالات فهو ادعاء لم يقدّم عليه دليل ولم يوجّه بتوجيه مقبول ومقنع.
مع كون الادعاء متأرجحاً، ومع كونه فاقداً للدليل، إلاّ أننا نجد الأتباع لهذا المذهب على طول خط الزمان المتصرم، من القرن السابق إلى الآن، فلا نستغرب أن يلتف بعض الناس حول أشخاص يدّعون أو ادّعي لهم ما ليس لهم بحق فينبغي أن ... لا نستغرب.