تمهيدنا
فاز السائرون
يسعى الإنسان بكل ما أوتي من طاقة وامكانات لان يسخرها قربا من ملهمه، ربا كان أو عبدا, والمؤمنون تدعمهم وتوظف لهم الروايات الشريفة مخزونا فكريا ينظم عملية استثمار الامكانات وتسخير الطاقات باتجاه يؤمّن لهم البعد المادي والمعنوي في حياتهم الدنيا والاخرى.
وقد ضمنت الشريعة المقدسة لمن يسير وفق تنظيمها وتسخيرها للطاقات البشرية جملة من الضمانات الكبرى على راسها أن يسعد الانسان في الدنيا ويفوز في الآخرة, ومن بين ما قدمته الشريعة المقدسة من أسس تنظم مخزونات الإنسان عملية الارتباط والرقي في هذا الارتباط، فالذي يرتبط بالله سبحانه وتعالى من خلال الصلاة، ويستثمر طاقاته وامكاناته لأجلها سيجد منها طريقا ميسرا للوصول، ولا يقتصر هذا الطريق على مرتبة واحدة بل سيجد ان لها مراتب كلما اعطى لها مزيدا من طاقته وامكاناته، فهي ليست رتبة واحدة يحصل عليها وتنتهي المسألة، وهذا أجمل ما في الشريعة المقدسة.
وما اعدته الشريعة للمؤمنين بها يختلف من بين كونه زمانياً أو مكانياً أو أنّه يجمع الامرين معا, فالحج ينظم طاقة الانسان لاستثمارها وهو زماني ومكاني، وشهر رمضان كذلك إلا انه زماني وهكذا بقية الشؤون العبادية أو غيرها التي سعت من خلالها الشريعة المقدسة ان توجد الانسان الصالح القادر على ان ينظم شؤون الدنيا ويكسب الآخرة.
ومن بين تلك النوافذ التي فتحتها الشريعة المقدسة، مشرعة الارتباط بالذوات المعصومة وبذل الطاقات البارزة والكامنة في سبيل هذا الارتباط.
واليوم نشهد احياء لشعيرة لو استثمرت فيها الطاقات بشكل أو بآخر فإنها سترتقي بالافراد الذين يتلبسون بها الى مراتب عليا في سلم الكمال.
وليست هذه الشعيرة المقدسة إلا السير على الاقدام لبلوغ مرقد سيد الشهداء عليه السلام, إذ ان هذا الزمان الخاص والمكان الخاص انقلبت فيه الموازين اجتماعيا، بل وحتى تلك الروايات التي وصلت إلى المؤمنين تؤكد هذا الانقلاب, ففي البعد الاجتماعي تجد الناس غير الناس، تجد الكرم المنقطع النظير، والخلق الرفيع، والبذل لكل شيء، والانقطاع عن الدنيا، فتجد كل صفة نبيلة أرادت الشريعة المقدسة ايجادها من خلال الصلاة أو الصيام أو غيرها، تجد ان الحسين عليه السلام قد اوجدها في نفوس سائريه.
وتجد ان الشريعة المقدسة قد نصت على ان السائرين في هذا الدرب يصلون الى مرتبة أن الملائكة لا يسجلون ما يصدر منهم من شر، بل يسجلون الخير فقط، فعن الصادق عليه السلام: (إن من أتاه وكل الله به ملكين يكتبان ما يخرج من فيه من خير ولا يكتبان ما يخرج من فيه من شر) وأن الضمانات التي قدمتها الشريعة لسائر هذا الدرب _واقلها أن لا يرى النار_ تؤكد على هذا الانقلاب وهذه الثورة.
ولكن هذه الثورة وهذا الانقلاب لا يمكن ان يكون كما غيره من العبادات إلاّ أن يكون ولي الامر حاضراً فيها، وقدوتها وراعيها، فلابد للسائرين من ان يلتفتوا الى ان كلما يريدون الحصول عليه وكل ما يؤسسون له وكلما يبذلونه من طاقات وامكانات لا يمكن ان يصب في مصبه الصحيح إلاّ بان يلحظوا الى جنب ذلك ان هذا مقدم بواسطة امام العصر وانه لا ينفذ ولا يجري ماؤه إلاّ اذا صب بين يدي ولي الأمر، وتلقاه بالقبول، وسيتلقاه إذا التفتنا بلا شك.
فلابد ان نلتفت الى أن ما نبتغي الحصول عليه انقلاب في ذواتنا، وان تصبح هذه الذوات قريبة من مراتب العصمة، إذ اكدت النصوص الشريفة على انه لا يسجل في هذا الطريق على السائرين شر ولا يكتب إلا الخير, ان ذلك كله لابد ان يكون مقرونا بالطاعة المطلقة لولي الأمر وصاحب الزمان عليه السلام، فالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله (عليهم السلام) التي ينبغي ان تكون قريننا الاول في سيرنا الملكوتي هذا، ينبغي ان تقرن بتعجيل لفرج مولانا عليه السلام والصدقة والبر وحب الخير وقضاء الحوائج، كل ذلك _فضلاً عن العبادات الواجبة_ يجب ان نلتفت أنها نوافذ أريد بها الوصول إلى مرتبة من الطاعة للإمام عليه السلام نصير معها مقبولين لديه، فإذا قبلنا عنده عليه السلام قُبلنا عند الله سبحانه وتعالى, وهذا هو الفوز الذي يتمنى كل سائر أن يحظى به ويرجع إلى محله، وقد اطمأنت نفسه بان حاله قد تغير نحو الخير وانه قد غفرت له مقترفاته السابقة وسيتجنب تلك الشرور بفضل هذا السير في المستقبل، وان كل هذه العملية وهذه الحالة التي مر بها انما كانت كذلك بفعل قربه من الإمام عليه السلام واستحضاره لوجوده، والاّ دون ذلك فهي بلا شك لا تعدو كونها حركة كسائر الحركات وسيرا كسائر مسيرنا، إن لم يؤخرنا فلا يقدمنا.
رئيس التحرير