شرح دعاء الندبة
الحلقة السادسة
رابطة إحياء دعاء الندبة
(وَاَهْبَطْتَ عَلَيْهِمْ مَلائِكَتَكَ وَكَرَّمْتَهُمْ بِوَحْيِكَ، وَرَفَدْتَهُمْ بِعِلْمِكَ).
مازال الحديث متواصلا بشرح مقاطع من فقرات هذا الدعاء المبارك المترتبة على قضية المشارطة بين الله سبحانه وأهل البيت عليهم السلام، وما ترتب على هذه المشارطة من آثار من قبل الله سبحانه وبمقتضى علمه بوفاء أهل البيت عليهم السلام بمشارطتهم معه تعالى، والآثار الذي نقف عليها في هذا المقطع (إهباط الملائكة والتكريم بالوحي والرفد بالعلم) فنقول:
إنّ الله سبحانه وتعالى بعد أن علم من أهل البيت عليهم السلام وفاءهم له بالزهد في جميع درجات هذه الدنيا كرّمهم بأن جعلهم أهل بيت الوحي، وجعل محالهم مهبطاً لجميع الملائكة، وهنا إشارة إلى ذلك العالم المقدس العالم العلوي، وهذا العالم لا يمكن أن ينزل ما فيه إلا (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ) وهذا التكريم الإلهي في جعل أهل البيت عليهم السلام محلاً للتنزل السماوي ومحلاً للتمثيل الإلهي في الأرض _فهم كعبة الدّين في الأرض التي ينبغي أن يحج الناس إليها لانّهم بيت الدين على وجه هذه البسيطة، لبيان التعاليم الإلهية_ وقد وردت كثير من الأخبار في الحديث عنه، حتى بوّب صاحب (الكافي) بابا في دخول الملائكة بيوت أهل البيت عليهم السلام وإنها تطأ بسطهم وتأتيهم بالأخبار، وفيه انهم يقذفون في قلوب أهل البيت عليهم السلام وينقرون في أسماعهم وعندهم الجفر والمصحف، بل وأنه يأتيهم من هو أعظم من جبرائيل.
وحيث نعلم بمقتضى ظواهر جملة من الآيات أن وظائف الملائكة متعددة، فلهم وظائف وجودية كقبض الأرواح والتصرف في بعض موجودات الكون بإذن الله وإنزال الشرائع على رسل الله فإن ما يتنزل على أيديهم لأهل البيت عليهم السلام أيضا متنوع ومتلون.
وإذا رجعنا إلتماساً لوصية أهل البيت عليهم السلام بمحاججة الناس بسورة (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) فإنّنا نجد أن هذه السورة المباركة وغيرها من آيات ليلة القدر (إِنَّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرينَ * فيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكيمٍ) (إِنَّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) تقول: إن ما يتنزل في شهر رمضان وفي ليلة القدر من كل أمر حكيم إنما يكون على من هو مؤهل لهذا التنزّل إذ لا معنى أن يتنزل الملائكة على جميع الخلق ولا معنى أن يتنزل على لا أحد، فلابدّ من وجود ذاك الفرد الأوحدي المؤهل لهذا التنزّل السماوي، ولا بد أن يكون في الأرض لتستمر عملية الترابط الإلهي البشري، السماوي والأرضي، وهذه العملية التي تنتج منها هداية الناس إلى الله وتأمين احتياجاتهم فيما إذا التزموا واهتدوا، إنّما هي ثمرة من ثمرات تلك المشارطة المقدسة التي نتج عنها أن جعل أهل البيت عليهم السلام، وكما في هذا النص الندبي المبارك مهبطا للملائكة ومحلاً للوحي.
اما الرفد بالعلم المتفرع على إنزال العلم الالهي _حسب ما تقتضيه الإرادة الإلهية_ فهو أبرز أثر نجم عن المشارطة المتقدمة وعن إنزال الملائكة وكونهم عليهم السلام مهبطاً للوحي إذ كل ما يأتي عن طريق الملائكة انما هو علم وإن اختلفت ألوانه فبعضه شرعي ينظم الحياة والعقيدة وبعضه اجتماعي وهكذا.