لا تستغربوا
مجموعة من النقولات التاريخية تهدف إلى رفع حالة الاستغراب التي تنشأ من الادعاءات الكاذبة. إذ يرصد وعبر التاريخ أسماء من ادّعوا الإلوهية أو النبوة أو الإمامة أو البابية والنيابة أو غيرها
هيئة التحرير
نحن في زمان كثر فيه ادّعاء الباطل وأهليّة من ليس بأهل لتسنّم المناصب الروحية، سواء على مستوى الإلوهية أو النبوة أو الإمامة أو غيرها من المناصب الأخرى، ولكي لا نستغرب عندما نواجه دعوى من مثل هذه الدعاوى فلابدّ لنا أن نبرز قضايا قديمة وحديثة تتحد موضوعاً مع موضوع هؤلاء الأدعياء، بينما لا نستغرب من تلك ونستغرب من هذه.
ففكرة (لا تستغربوا) تعتمد على ذكر الأشباه والنظائر ممن ثبتت حالة الإنحراف لديهم مع وجود أتباع لهم ومريدين كثيرين جداً يؤمنون بهم على أنهم عناصر هدى وحق وإسعاد وخلاص بينما _وبعد فترة من الزمن_ يتبيّن للأتباع قبل غيرهم إنحراف هؤلاء، من هنا تأتي أهمية أن نأتي بأهمية هذه الأشباه والنظائر ونكثر من بيان الحالات التي كانوا يستدلّون بها على حقانيتهم ويصورونها على أنها أدلّة لدعواهم، بينما تبيّنت بعد ذلك أنها من المتشابهات، ولا تحمل من حقيقتها إلاّ الألفاظ.
وهذا ما تهدف إليه _لا تستغربوا_ إذ أنها لا تريد بالضرورة أن تقدم الأدلّة العلمية لتزييف دعاوى أهل الباطل والضلال، بقدر ما تريد أن تضع المواد المتشابهة والعناصر التي كانت لها نفس الحظوة التي يتمتع بها هؤلاء إلاّ أنّه تبين انحرافها وزيف مدّعياتها فيأتي التساؤل في نفس كل قارئ أنّه ما فرق هؤلاء عن أولئك.
وهذه بعض أمثلة نطلعكم عليها ... فلا تستغربوا ...
١. إله الدنيا الأفريقي (بيساكا):
قرأنا وسنقرأ عن الأشخاص الذين ادعوا الإلوهية، ومر علينا من خلال الاطلاع على دعاواهم أشياء يقف عندها الإنسان متعجباً من الحالة التي يصل إليها أصحاب هذه الدعاوى في الإنكار والاستخفاف بالله سبحانه وتعالى، وفي نفس الوقت لابد ان نلتفت إلى تلك القدرة الإلهية العظمى التي مزجت بالرحمة والحكمة، ذلك الخالق المتّصف بجميع صفات الجمال والمنزّه عن كل صفة جلال، يرى ويسمع ما يقوله هؤلاء ولكن تأبى الحكمة الإلهية رغم ان القدرة الربانية وبقول كن فيكون لها إمكانية بل فعلية مسخ هذه الوجودات وجعلها كأن لم تكن.
- تأبى الحكمة الإلهية إلا ان تسيّر الكون في نظام الاختبار والامتحان، تصب البشرية في بوتقة الابتلاء والفتنة على حد تعبير الآية القرآنية (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ).
تطالعنا في هذا العدد دعوى لشخص من القارة الإفريقية، من أوغندا وبالتحديد في منطقة (موهورو) التابعة لمحافظة (كي بالي) حيث أدّعى هذا الشخص أنه الله بعد ان أنكر قصة خلق الإنسان واعتبر أبا البشر آدم عليه السلام أكبر أكذوبة دينية.
(دي سي تيور بيساكا) هو ذلك الشخص الذي أدعى الإلوهية وكذّب بجميع الأنبياء والرسل واعتبر جميع الأديان سبباً للفرقة والنزاعات بين البشر إلاّ دينه، والغريب في الأمر انّ كل الأديان لها أسماء إلاّ دين هذا الأوغندي، فانه لم يسم دينه بأي أسم.
وقد أنكر حقيقة البعث والحساب والقيامة وانه لا توجد دار أخرى يحاسب فيها المرء على أخطائه التي اغتفرها في دنياه.
(دي سي تيور بيساكا) الذي عمل عشرين سنة مسيحياً مؤمناً بالكاثوليكية في أحدى الكنائس، تطور به الأمر للعمل بالكهانة فانفتح له الباب لادعاء الربوبية وتهديم الأديان الأخرى بعد ان كثر له الأتباع وزاد عدد المريدين.
كان يدّعي المعرفة بالغيب وانه مطلع على ما خفي عن الناس ومن آيات إلوهيته انه يدعي القدرة على شفاء الأمراض دون استخدام أية آلة أو دواء.
استطاع (بيساكا) ان يجمع ثروة هائلة استخدمها لتوفير الطعام والشراب لأتباعه في أيام عبوديته، حيث حدد اليوم (٧-١٧-٢٧ و٩-١٩-٢٩ و٢-١٢-٢٢) أياماً لعبادته فكان يأتي المريدون والعبّاد ليلتقوا بإلههم الكيبالي لتقديم طقوس العبودية والطاعة.
كان (بيساكا) يأمر أتباعه بالنوم على التراب ليضربهم بعصا غليظة، ثم يلطم وجوههم لطرد الشياطين التي تتلبس بهم.
وضع الإله (بيساكا) أسماءً للأشهر تخالف الأسماء المعروفة لدينا، وأقام (٥٠٠) مكان لعبادته يتوافد إليها الناس.
ومن باب التمجيد والاحترام قام عبيده ببناء بيت كبير عبارة عن قصر ضخم تكريما وتمجيداً لهذا الإله، حيث يستخدمون هذا القصر المتعدد الطوابق للترويج لعبادة إلههم والإلتقاء أثناء أيام العبادة فيه، ولم يكتفوا بذلك بل اشتروا له مجموعة كبيرة من السيارات والدراجات النارية التي تستخدم في تبليغ دينهم.
يحرّم (بيساكا) الذبائح الإسلامية فضلاً عن تحريمه الانتماء إلى غير دينه.
يدعي (بيساكا) دائماً في أثناء لقاءاته بأتباعه انه سيهزم كل الأديان وسيعلو أمره في الدنيا كلها!
٢. النبي عيسى المجدد (نبي الجملة والنص):
في ولاية (البويرة) التي تبعد (١٢٠) كم شرق العاصمة الجزائرية (الجزائر) يبعث شخصٌ برسالة إلى الرئيس (بوتفليقه) يأمره بإيصالها إلى رؤساء العالم يخبره فيها انه النبي عيسى المجدد.
(كنان بلقاسم) البالغ من العمر ٤٣ سنة الذي يدعي انه نبي الجملة والنص.
ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي جاء بالقرآن انما هو نبي الكلمة.
كلام الله الجديد والذي انتقل من الكلمة إلى الجملة والنص ونزل على النبي عيسى _كنان بلقاسم_ انما نزل عليه في الرؤى والمنامات، وبالأحرى ان الكتاب السادس والصحيفة الثانية، كما يدعي هذا النبي المجدد انما نزلتا على ابنيه (عزيز) البالغ ١٢ سنة و(محمد) البالغ ١٠ سنوات وبواسطة ملكين يسميهما النبي الجديد (عزمائيل وعزمها) وكان هذان الملكان يترددان على الصبيين في المنام ويبلغانهما بكلام الله الجديد الجملة والنص.
النبي الجديد لم يكن شخصاً فقيراً ومعدم الحال ليستفيد من حركته هذه لجمع المال بل كان ميسوراً ويمتلك ثروة مالية لابأس بها.
فانت تلاحظ عزيزي القارئ ان هذا النبي الجديد انما قامت دعوته على اساس واحد وهو الرؤية في المنام.
٣. مهدي التكفير (ابن تومرت):
قائد قبائل مصمودة الامازيغية ومؤسس الدولة الموحدية (١٠٨٠-١١٢٨م)، في بلاد السوس أسس (ابن تومرت) مسجداً يجتمع فيه مع تلاميذه وزعماء قبيلته والمؤيدين له، واختار منهم نخبة لتكوين قاعدة لدعوته، حيث شرع بتدريس أصحابه وعلى شكل حلقات منظمة بث من خلالها أفكاره وأخذ يعد هؤلاء إعداداً دقيقاً ثم ألف لهم كتابه التوحيدي بلسانهم البربري وقسمه الى سبعة أحزاب وسماه (اعز ما يطلب) أودع فيه عقيدته ومنهجه بشكل كامل.
فلما شعر بالقبول في أوساط مريديه وأصحابه أطلق مقولته المشهورة (ان من لايحفظ كتاب التوحيد انما هو كافر ولا تؤكل ذبيحته) فصار هذا الكتاب عند المصامدة كالقرآن الكريم.
ادعى (محمد بن تومرت) في بادئ الأمر انه معصوم، وبعد ذلك أخذ بما يلائم اتجاهه ويخدم أهدافه من الفرق الإسلامية الأخرى وكفّر كل من لم يؤمن بما يقول واستباح دمه حتى لو كان من أتباعه.
كان يوزع مسؤوليات الدولة ووظائفها على أصحابه حسب ولائهم وطاعتهم له، وله مقولة وجهها للمخلصين من أتباعه (ما على وجه الأرض من يؤمن إيمانكم وانتم العصابة المعنيون بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، طائفة بالمغرب ظاهرون على الحق لايضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وانتم الذين يفتح الله بكم فارس والروم ويقتل الدجال ومنكم الأمير الذي يصلي بعيسى بن مريم ولا يزال الأمر فيكم إلى قيام الساعة) فاشتدت طاعة القوم له وأصبحوا يستميتون دونه.
فلما رأى منهم ذلك صرح بأنه مهدي آخر الزمان الذي وعد به النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث خطب في سنة (٥١٥هـ) قائلاً (الحمد لله الفعال لما يريد القاضي بما يشاء لا راد لأمره ولا معقب لحكمه وصلى الله على سيدنا محمد المبشر بالهدى الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا يبعثه الله اذا نسخ الحق بالباطل وأزيل العدل بالجور، مكانه بالمغرب الأقصى واسمه اسم النبي ونسبه نسب النبي)، فبايعه الناس على أنه المهدي وكان يلقب قبل ذلك بالإمام كما يقول (ابن خلدون) وبعد ذلك استتب له الأمر وسيطر على كثير من البقاع.
يقول المؤرخ عبد الواحد المراكشي بعد هزيمة الموحدين في معركة (البحيرة) سأل (ابن تومرت) أصحابه ، هل عبد المؤمن فيكم _وهو أحد أصحابه_، قالوا: نعم، قال: (قد بقي أمركم ما دام عبد المؤمن فيكم).
ثم دخل ولم يره أحد أبداً.
قالت لا تستغربوا:
تلاحظ أخي القارئ الكريم ان هذه الدعاوى التي مرت عليك في الأعداد السابقة وفي هذا العدد، وما سيمر عليك من دعاوى مزيفة باطلة تعتمد على أركان أساسية لترويج دعوتها، منها الرؤى والأحلام، ومنها التلفيق في الأحاديث وتطبيقها الباطل، ومنها التأويل بلا شاهد أو دليل، ومنها استثمار الأوضاع المضطربة في البلدان أو ضعف الدول، ومنها جهل الناس وبساطتهم وسذاجتهم ومنها المال الذي يتم به تجميع الأنصار والمريدين.
هذه الأسباب وغيرها تكاد تكون عناصر مشتركة لجميع من يدّعي دعوى باطلة مما مر عليك ومما سيأتي، ومما شاهدت وتشاهد كـ (دعوى عبد الزهرة الكرعاوي) الذي قتل في منطقة الزركة في النجف الاشرف، و(دعوى القحطاني) الذي ادعى انه اليماني، و(دعوى فاضل المرسومي) الذي يدعي انه صاحب النور الإلهي وانه المبعوث بالحق في هذا الزمان، و(دعوى احمد اسماعيل كاطع) الذي يدعي انه ابن الإمام، وغيرها من الدعاوى التي نعيشها في زماننا الحاضر .
فاقرأ أيها العزيز أدلة ما ذكر لك في الأعداد السابقة وما سطّرته (لاتستغربوا) من بيان حالهم، واقرأ أدلتهم وقارن بينهم والتمس الحق وتفحص الأمر جيداً قبل ان تضيع في غياهب التيه والضلال.