تمهيدنا
آليات القراءة الواعية
تختلف رؤيتنا للقضايا تبعاً للمرتكزات والخلفيات التي نؤمن بها، وهذا ما يعبر عنه بأسس البناء العقائدي للإنسان وتُكَوِّنُ هذا الأسس مجموعة من القواعد ينظمها الدين وجملة من العناصر الأخرى كالبيئة والاعراف وغيرها.
وقد حذر القرآن الكريم والشرائع السماوية بل والارضية من اختراقات تنال هذه المنظومة وتؤدي الى زعزعة أو زوال بعض تلك القواعد _وان كان الشكل والصورة محافظاً عليه_ لتلك البنية العقائدية.
فلا بدّ للإنسان ان يلتفت الى هذه القضية بعناية فائقة لان الاندساسيين حاولوا اختراق المنظومة العقائدية بشكل يزعزع عند الكثير من الناس غير الملتفتين إلى ذلك الاختراق بناءهم العقائدي ويدخلهم مسالك الانحراف.
من هنا تأتي أهمية الرجوع في هذه القضايا وفي تأسيس البنى التحتية وأسس المنظومة العقائدية إلى المتخصصين، ولا يمكن العَوم في ذلك من قبل الإنسان مفرداً في هذا المجال ليشكل رؤيته العقائدية، اذ لعل الاختراق ينسل إلى هذا البناء ويهده من الأساس _ما ان يتصور لهذا الفرد ان بناءه مكتمل_ فلا يبقى في يده سوى صورته.
وقد أصاب المنظومة العقائدية المسلمين وغيرهم بشكل عام الكثير من الهزات بل والانحرافات نتيجة لذلك.
ومن بين ما ابتلي بذلك، القضية المهدوية إذ حوفظ دينياً على عنوانها العام، وصورياً على بعض التفاصيل هنا وهناك إسلامياً، أمّا ما يمس الجوهر فليس بأيدي غالب المسلمين وضوح عنه، وان كان وجوده متوفراً بين أيديهم، فلا يُكاد يلتمس ذلك التشكيل الرصين بسبب ما اشرنا إليه من اندساسات وضربات تعرضت لها هذه العقيدة.
فالقراءة الواعية هي تلك القراءة التي تمتلك أدوات لا تختزل جانباً بإقصاء موازينه عن جانب آخر، إذ أن لهذه القضية المقدسة ولاكتمال قراءتها بشكل صحيح ثم تأسيسها في النفس بناءً عقائدياً متيناً، عدة جوانب لابد ان تلحظ وابعاداً لابد ان تدرس وفي اطار موازينها الخاصة وكل بعد بحسبه. فبعدها العقلي لابدّ ان يدرس وفي إطار موازينه المعدّة من قبل المتخصصين، وبعدها التاريخي لابد ان يدرس في اطار ما وضع له المتخصصون من اسس لدراسة المسائل التاريخية، وابعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفقهية وغيرها من الأبعاد لابد ان تدرس بهذه الكيفية كذلك، لتُستخرج النتائج بعد ذلك فتشكل لدى الانسان البناء الرصين المتين الذي لا يتزلزل أو يهتز او تنسل اليه آفات الانقراض مهما طال الزمن وتراكم، لاعتماده على موازين ثابتة ورؤى موثوقة، فيحفظ بذلك وضوح العقيدة ورصانتها وثباتها وديموميتها.
وفي زماننا الحاضر الذي يتسم في بعض جوانبه بحلحلة وحرية لبعض ما يعانيه المتقدمون، لابد ان نعكف ولزمن طويل على أمثال هذه القراءات لنستخرج من كنوز الروايات دُرر المعارف ونضعها بين أيدي الناس ليثَبتوا على عقيدتهم ولا يتأثروا بما يقال هنا أو هناك.
فرغم الصدمات الكثيرة والابتلاءات العظيمة لهذه العقيدة والمؤمنين بها، الاّ انها _وهذا واقعها_ قادرة على تجذير البناء العقائدي للإنسان وتفتيق أفقه لبناء فكريّ يستوعب الجميع ويحافظ في ذات الوقت على الأسس العقدية اذا ما قُرِئ قراءة موازينية، وهذا ما يندر ان تتمتع به قضية أو عقيدة غير هذه.
رئيس التحرير