دموع السماء تمسح العناء عن درب الإباء
قد نشاهد موقفاً نتأثر به أو نتألم لأجله وهذا أمر طبيعي، ولكن من غير المألوف أن نشاهد العشرات بل المئات من المواقف التي تتحيّر عقولنا أمام إدراك حقيقتها، ويعجز الخيال عن وصف واقعها وكيف تجسدت على الأرض، وذلك عندما نُشاهد السائرين في درب الإباء والنور وهم يسيرون متحدين مختلف الظروف وأسوأها، يتحدّون البرد القارص والمطر الشديد، والشبهات الوهابية، والأحاديث القشرية التي تحاول أن تمنعهم أو تحجّمهم أو تقصي بعضاً منهم أو تصادر حقوق النساء منهم فتميّزهن عداءً لهذه المسيرة، بينما تفتح الباب على مصراعيه عندما تكون الدعوة للشيطان فيجوز الاختلاط وله مبرراته.
ولكن الهمّة العالية والتفاني المنقطع النظير، والذوبان المتواصل حطّم كل ذلك وصهره فتلاشى، وكأنْ لم يكن.
وإن الصور التي تسجّل وتسطر من قبل أصحاب المواكب لا تقلّ عن أوصاف تلك الصور التي سجّلها زوّار الحسين عليه السلام في مسيرة الأنهار التي يجري بين ضفّتيها أمواج البشر والتي تنبع من كل أرض طيبة فتشكل نهر الولاء والوفاء في مسيرة تذوب فيها الأنا ويندكّ كل شيء في الحسين عليه السلام، فتنقلب الموازين وتنفلت المشاعر، ومع ذلك كلّه لا يمكن للمرء أن يعبّر عما يختلجه تجاه هذه الوقائع، فقط هي الصور التي تُرى وتحكي جزءاً من الواقع وتعبّر عن جزء الحقيقة، اما جزؤها الآخر فلا يدركه إلاّ صاحب المسيرة.
والمنظم الحقيقي لها وهو الإمام المهدي عليه السلام الذي يحفظ هذه المسيرة ويدفع الناس باتجاهها كما أنه هو عليه السلام الذي سيدافع عنها ويجعلها عالمية بمعنى الكلمة عند ظهوره المبارك.
ومن هنا ينبغي ان تكون تلك الصور مطرزة بلون الانتظار وان لا تخلو هذه اللوحة من لمسات الدعاء لتعجيل فرج الإمام الغائب.