المهدي عليه السلام طويل العمر وخفيّ الولادة
آية الله العظمى الشيخ لطف الله الصافي الكلبكاني
لقد استبعد بعض من العامة طول عمر الإمام عليه السلام حتى عاب على الشيعة قولهم ببقائه عليه السلام.
وأنت خبير بأنْ لا قيمة للاستبعاد في الأمور العلمية والمطالب الاعتقادية، بعد ما قام عليها البرهان، ودلّت عليها الأدلّة القطعيّة من العقل والنقل، فهذا نوع من سوء الظن بقدرة الله تعالى بل ليس مسألة طول عمره عليه السلام أغرب من خلقته وتكوينه وانتقاله من عالم الأصلاب إلى عالم الأرحام، ومنه إلى عالم الدنيا، وبهذا دفع الله استبعاد المنكرين للمعاد في كتابه الكريم، قال تعالى: (ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ...)، وقوله تعالى: (وَقالُوا أَ إِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً...) إلى آخر الآيات، هذا مع وقوع طول العمر في بعض الأنبياء كالخضر ونوح وعيسى عليهم السلام فكيف يكون الإيمان بطول عمر المهدي عليه السلام أمارة على الجهل مع تصريح القرآن الكريم بإمكان مثله في قوله تعالى:
(فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحينَ * لَلَبِثَ في بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)، ووقوعه بالنسبة إلى نوح عليه السلام في قوله تعالى: (فَلَبِثَ فيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسينَ عاماً)، وبالنسبة إلى المسيح عليه السلام في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)، وقد أخبر تعالى أيضاً بحياة إبليس، وأنّه من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ولم ينكر ذلك أحد من المسلمين ولم يستبعده.
وروى مسلم في صحيحه في القسم الثاني من الجزء الثاني في باب ابن صياد، والترمذي في سننه في الجزء الثاني، وأورد أبو داوود في صحيحه في باب خبر ابن صائد من كتاب الملاحم روايات متعددة في ابن صياد وابن صائد، وأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتمل أن يكون هو الدجال الذي يخرج في آخر الزمان، وروى ابن ماجة في صحيحه في الجزء الثاني في أبواب الفتن في باب فتنة الدجال وخروج عيسى عليه السلام، وأبو داوود في الجزء الثاني من سننه من كتاب (الملاحم) في باب خبر الجسّاسة، ومسلم في صحيحه في باب خروج الدجال ومكثه في الأرض، حديث تميم الداري، وهو صريح في أنّ الدجال كان حيّاً في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه يخرج في آخر الزمان.
فإن كان القول بطول عمر شخص يعتبر من الجهل، فلِم لَم يُنسب الجهل لمن جاء بهذه الأحاديث مع إخراجهم لها في كتبهم وصحاحهم؟ وكيف ينسب الجهل إلى من يعتقد بطول عمر المهدي عليه السلام مع تجويز النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله في عدوّ الله الدجال؟!
والحاصل: أنه بعد وقوع طول العمر لا موقع للتعجّب منه، فضلاً عن الاستبعاد والقول باستحالته.
والسر في خفاء ولادته عليه السلام هو أن بني العباس لمّا علموا من الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من أهل البيت عليهم السلام أن المهدي عليه السلام هو الثاني عشر من الأئمة، وهو الذي يملأ الأرض عدلاً، ويفتح حصون الضلالة، ويزيل دولة الجبابرة، ويقتل الطواغيت، ويملك الأرض شرقها وغربها، أرادوا إطفاء نوره بقتله، لذا عيّنوا العيون والجواسيس والقوابل للتفتيش في بيت والد الإمام الحجة عليه السلام الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام، ولكن يأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره، فأخفى عزوجل حمل أمّه نرجس عن الناس، حتى نقلوا أن المعتمد بعث القوابل سرّاً وأمرهن أن يدخلن دور بني هاشم سيّما دار العسكري عليه السلام بلا استئذان في أي وقت كان، لتفتيش أمره واستعلام حاله وخبره، فلم يقفن على شيء، وأبى الله إلاّ أن يجري في حجته سنّة نبيه موسى عليه السلام، فقد ركب أعداؤه سنة فرعون واتخذوا السياسة الفرعونية، حين علم أنّ زوال ملكه يكون بيد رجل من بني اسرائيل، فعيّن المفتشين على الحوامل ، وأخذ المواليد تحت المراقبة الشديدة، فإن كان المولود ذكراً ذبحوه، فقتلوا الوفاً من المواليد في طلب موسى عليه السلام، قال الله عزوجل: (يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ)، ومع ذلك جعل الله تعالى نبيه في حفظه، وأخفى عنهم ولادته، قال تعالى: (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافي وَلا تَحْزَني إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلينَ)، وقد ذكر في الروايات الكثيرة شباهة الإمام المهدي عليه السلام بإبراهيم وموسى عليهما السلام.