لا تستغربوا
مجموعة من النقولات التاريخية تهدف إلى رفع حالة الاستغراب التي تنشأ من الادعاءات الكاذبة. مثل دعوى (احمد اسماعيل كويطع) إذ يرصد وعبر التاريخ أسماء من ادّعوا الإلوهية أو النبوة أو الإمامة أو البابية والنيابة أو غيرها
هيئة التحرير
نحن في زمان كثر فيه ادّعاء الباطل وأهليّة من ليس بأهل لتسنّم المناصب الروحية، سواء على مستوى الإلوهية أو النبوة أو الإمامة أو غيرها من المناصب الأخرى، ولكي لا نستغرب عندما نواجه دعوة من مثل هذه الدعاوى فلابدّ لنا أن نبرز قضايا قديمة وحديثة تتحد موضوعاً مع موضوع هؤلاء الأدعياء، بينما لا نستغرب من تلك ونستغرب من هذه.
ففكرة (لا تستغربوا) تعتمد على ذكر الأشباه والنظائر ممن ثبتت حالة الإنحراف لديهم مع وجود أتباع لهم ومريدين كثيرين جداً يؤمنون بهم على أنهم عناصر هدى وحق وإسعاد وخلاص بينما _وبعد فترة من الزمن_ يتبيّن للأتباع قبل غيرهم إنحراف هؤلاء، من هنا تأتي أهمية أن نأتي بأهمية هذه الأشباه والنظائر ونكثر من بيان الحالات التي كانوا يستدلّون بها على حقانيتهم ويصورونها على أنها أدلّة لدعواهم، بينما تبيّنت بعد ذلك أنها من المتشابهات، ولا تحمل من حقيقتها إلاّ الألفاظ.
وهذا ما تهدف إليه _لا تستغربوا_ إذ أنها لا تريد بالضرورة أن تقدم الأدلّة العلمية لتزييف دعاوى أهل الباطل والضلال، بقدر ما تريد أن تضع المواد المتشابهة والعناصر التي كانت لها نفس الحظوة التي يتمتع بها هؤلاء إلاّ أنّه تبين انحرافها وزيف مدّعياتها فيأتي التساؤل في نفس كل قارئ أنّه ما فرق هؤلاء عن أولئك.
وهذه بعض أمثلة نطلعكم عليها ... فلا تستغربوا ...
١. مدينة الإله الضائعة في السحاب:
امبراطورية قديمة أسستها شعوب هندية تضرب اليوم بحدودها اجزاء من بلدان كثيرة كبوليفيا والبيرو والإكوادور وتشيلي والأرجنتين، تقع على ارتفاع ١١ ألف قدم فوق مستوى سطح البحر، ومساحتها ٩٩٠,٠٠٠ كم٢، تمّ الكشف حديثا عن بقايا آثارها وحضارتها، إنّها مملكة الانكا والتي تعني ابن الشمس الأوحد.
قوم كانوا يعبدون البشر ويجسّدون من ملوكهم الموتى آلِهة، فرغم رقيّهم الحضاري الذي عجز عن تفسيره إلى الآن كثير من خبراء العالم، ولم يقف على حقيقة تلك الحضارة الضاربة في جذور التاريخ وقبل عصر الصناعة، إذ كيف صنعت جسوراً معلّقة وبنت مدناً تناطح السحاب، مع ذلك نجد أنّ هؤلاء يعبدون البشر ويسجدون لملوكهم ولأجل أنْ يحافظ هؤلاء الملوك على الدم الملكي الإلهي كانوا يتزوجون بشقيقاتهم ويقال إن هذه العادة ما زالت موجودة في غابات بعض البلدان كالإكوادور وبوليفيا وغيرها.
ومن مظاهر عبوديتهم لملوكهم أن من يريد الدخول على ملك الأنكا يجب عليه أنْ يحمل ثقلا عظيماً على ظهره وأنْ يدخل زحفاً ولا يرفع عينيه عن الأرض عند الحديث مع الملك، هذا الملك الذي عادة ما يكون محاطاً بعدد من زوجاته وذلك لمسح لعابه عند الحديث لمنع السحر الذي قد يحمله بعض العوام ليصيب الملك.
يحمل الملك الرب على هودج من الذهب الخالص، ويرتدي ثياباً من أجود أنواع الصوف ولا يلمس الارض برجليه ويحمل صولجان الملك الذهبي ويرتدي قناعا ذهبيا على شاكلة شمس يسمى (ماسكايباشا)، يتدلّى منه حبل ذهبي مجدول يسمى (لولايتو)، ويعتمر قبعة من ريش النعام وحلقين ذهبيين وغطاء من جلد وصوف الفيكونا النادر من القدم وحتى الخاصرة مرصّع بالاحجار الكريمة والتركواز.
الملك ذلك الحاكم المطلق، يحكم شعباً ضارباً في الوثنية الكاملة ومتجذرا في عبودية الانسان والذي ما انفكّ شعبهم من صنع التماثيل بصورة مبالغ فيها رغم أنّ إلههم هو الشمس، حيث كانوا يقدّمون لهذا الإله القرابين، فإذا حدث كسوف للشمس يعتقدون أنّ إلههم قد اكتفى وشبع من الدم فيوقفون تقديم الدم.
يعتقد الأنكا ومن خلال طقوس خاصة يتعرفون فيها _على دنوّ أجلهم_ وإنّ الميت سيقضي في القبر ثلاثة أيام فقط ثم يعود للحياة بصورة شخص آخر ليعيش حياة جديدة.
وقد رصدت بعض القراءات عن الأنكا أنّ ديانتهم ديانة وثنيّة متعددة الآلهة، فمن آلهتهم (فراكوتشا) وهو سيّد الآلهة وهو الخالق، (ماماكتوشا) وهي إله البحر وزوجة (فراكوتشا)، (إنتي) وهو إله الشمس التي تمدهم بالقوة، (ماماكويلا) وهي إله القمر وابنة (فاركوتشا) وزوجة (إنتي) ووالدة (كون) وهو إله المطر، وهو ابن الإله (إنتي) والإله (ماماكويلا).
شعب عجز العلماء عن تفسير حضارته وإدراك سرّ رقيّه، فلا تستغربوا أنْ يعبد البشر ويجسّده بالحجر ويتخذ من الشمس والقمر آلهة لا تنفع ولا تضر.
٢. النبي (ناناك) هو رسول الله الجامع:
(أمريتسار) واحدة من أقدم المدن في العالم بالنسبة الى ٢٠ مليون نسمة يؤمنون ويعتقدون بأن (ناناك) رسولهم هو رسول الله الجامع أرسله ليوحّد ديني الإسلام والبوذية فينتج السيخية، تقع (أمريتسار) في إقليم البنجاب في الجانب الهندي من الإقليم، وهي تعني خمسة أنهر (بنج آب).
قام البريطانيون لأجل تسهيل السيطرة على الهند ذات الأديان المتعددة بابتكار دين جديد فأنشؤوا الديانة السيخيّة التي تجمع حالة وسطيّة بين الإسلام والبوذية.
المؤسس الأوّل لهذه الديانة هو (الغور ناناك) المولود سنة ١٤٦٩م.
يدّعي ناناك أنه إنّما أسس السيخية لانّه لم يلمس فرقا بين الله تعالى عند المسلمين، وفيشنو الإله الحافظ عند الهندوس، فأنكر الوحي وأثبته له ليجمع بين الخلائق.
عندما بلغ (الغور ناناك) الثلاثين من العمر اختفى عن الأنظار بضعة أيام، وجاء بعدها ليدّعي أنّه كلّف من قبل الإله الجامع ليرسل نبياً جامعاً وهو ناناك ويكون مبعوثاً للهندوس والمسلمين.
سافر ناناك إلى مكة وبغداد والتبت ومختلف أرجاء الهند.
في عهد (الغور عمار داس) أدخلت مجموعة من الطقوس إلى السيخية، منها الاغتسال في الأعياد والتركيز على زيارة الأنهار. (الغور آرجان) يعد بعد المؤسس من أهم الشخصيات، حيث بنى المعبد الرئيس المسمى معبد الذهب، وهو باق إلى اليوم، وهو نفسه الذي جمع تعاليم السيخية في كتاب أسمه (آديغرانت) ومعناه الكتاب الاول.
يصرّ السيخ على أنّ (الحرمن دير) وهي البحيرة المحيطة بالمعبد الذهبي، أنها منبع للرحيق الروحاني.
يعرف السيخي بخمس علامات سنّها الغور (جوفيندسنج) هي:
(الكيسا) ومعناها إطالة شعر الرأس واللحية وعدم حلقهما.
(الكنغاهل) وهو مشط يستعمله السيخي عند الضرورة ويعلّق في رأسه.
(الكاشا) وهو سروال متّسع ينتهي تحت الركبتين.
(الكارا) وهو سوار من الفولاذ يلفّ حول المعصم ويحرم عندهم جميع أنواع الحلي والجواهر غير (الكارا).
(الكيربان) وهو خنجر من الفولاذ يحمله السيخي للتحلّي به.
أركان الديانة السيخية:
أ. منع تمثيل الإله في صور.
ب. تحريم اللحوم المذبوحة على الطريقة الدينية.
ج. الابتعاد عن الماديّات، حتى الدينية منها، مثل الحجاب.
د. تحريم التدخين والخمر والمخدرات.
ه. الغورو، درجة دينية تأتي بعد الله، ويعتبر معصوماً لا يخطئ، وأنّ كل البشر يخطؤون ما عداه.
و. الزواج من واحدة فقط.
ز. تحريم الرهبنة.
قِبلة السيخ:
يعتبر السيخ المعبد الذهبي قبلتهم وهو من أقدس مقدساتهم.
ومن أعيادهم عيد (البيساكي) وهو عيد رأس السنة السيخية الموافق ١٥ أبريل من كل عام، وعيد (الغورو ناناك) في ٢٥ نوفمبر، وعيد ميلاد الغورور (غوبندسنج) في ٥ يناير.
وأيام الاسبوع عندهم ستة لا سبعة.
ينتشر السيخ الآن في بلدان كثيرة منها: بريطانيا، استراليا، كندا، الولايات المتحدة الامريكية، الدول الاسكندنافية، كينيا، اوغندا، تنزانيا، ملاوي، زامبيا، الهند، ماليزيا، باكستان وبنغلادش.
رغم أنْ لا دليل على هذه الديانة ورسولها الجامع إلاّ أنّ لها اتباع، يقدّرون بأكثر من ٢٠ مليون نسمة ينتشرون في بلدان متحضرة متطورة ... فلا تستغربوا أن تنشئ الدول أدياناً ومذاهب وجماعات كما انشأت الدين الجامع (السيخي) وصنعت له رسولا.
٣. القاضي ابن علي هو المهدي!
ضياء عبد الزهرة الأكرع من محافظة الديوانية، وقيل بابل، أحمر الوجه، أصهب الشعر، ثقيل اللسان يبلغ من العمر (٣٨) عاماً، سمّى نفسه قاضي السماء وألف كتاباً بهذا الاسم قال فيه:
أ. إن الكثير من الشيعة وتحديداً الاثني عشرية ضالون لأنهم يعتقدون ان للامام العسكري عليه السلام ولد يكمل العدد الثاني عشر للائمة وهو القائم عليه السلام وهذه فكرة ضالة وباطلة انما جاء بها الشيعة لاجل خداع الناس.
ب. ان طلبة الحوزة العلمية وفقهائهم ولأجل الطمع في الوجاهة والمكاسب المادية انساقوا وراء هذا الامر وانما هم في الحقيقة فقهاء ضلال:
على هذا وجب علينا _أي على ضياء الكرعاوي_ بيان الحق وإظهار الحقيقة التي طمست ثم قال: وأعلن وأظهر لكم أنا قائم آل محمد في هذا الكتاب عن شخصيتي الحقيقية وصفات الجسمانية وعلامات ثبوتية وعلوم علوية افاضية واكتسابية وصورة للسنخية وبشهادة مبينة على اسس علمية وادلة ثبوتية ومعرفة حقيقية.
وسأكشف لكم بايضاح الفارق بين الامامة التعيينية والامامة التعريضية للائمة الاثني عشر.
ولماذا ان الائمة لم يبيحوا ولم يأذن لهم بكشف هذا السر العظيم.
ج. ان الفقهاء يقولون لقائم آل محمد ارجع يا ابن فاطمة لا حاجة فيك وان الامام يقوم بقتل الفقهاء ومقلديهم وذلك لانكارهم الولادة الجنينية للقائم في عهد الزهراء وامير المؤمنين وانه اخ ثالث للامامين المعصومين الحسن والحسين وان هؤلاء هم اهله الاعلون اما اهله الادنون فهم الذين سيولد منهم مباشرة ثم يقول وهذا الكتاب حجة على جميع المسلمين ومن لم يعرفنا بالنورانية ليس منا وهذه دعوة لجميع المسلمين بان يعملوا بالحق ويتركوا الباطل بعد ان اظهرناه في هذا الكتاب ثم يقول في الفصل السابع الولادة الجنينية حيث يتحدث فيه عن نقل نطفته الى السماء وان له ولادة مباشرة من فاطمةP إلاّ أنها حفظت في السماء ثم نزلت الى الارض.
هذا وهناك مجموعة أمور أخرى تحدث عنها في كتابه آنف الذكر.
والحديث عن الادلة وكيفية سوق بعض الروايات وليّ العنق فيها ليستفيد منها في ما يريد اثباته مسبقاً، وكل ما قدمه لا يحتاج لاثبات بطلانه أكثر من التأمل في هذه الحالة التي مرت أمام أعيننا وهي:
- اتّهام ابناء الطائفة بالانحراف والضلال.
- تكفير وإقصاء كل من لا يتبعه.
- اتهام الفقهاء بالانحراف والميل إلى الأهواء والتكسّب بالدين، وأنّهم شر الناس وأن الإمام المهدي عليه السلام سيقتلهم.
وكل هذه الدعاوى لا يوجد عليها دليل واحد بل ولا نصف دليل، نعم هي تغريدات تلهج بها أفواه الوهابية، ومسموعات لا تخرج إلاّ من رحم التكفير التيمي، حقدا منهم على هذا المذهب الحق، وإنّما هؤلاء جنود للترويج ليس إلاّ.
وقد رأيتم كيف أنّ البريطانيين صنعوا ديناً جديدا في البنجاب وأرسلوا رسولا اسمه (الرسول الجامع).
أكد الدكتور علي عبد الله العميد السابق لأكاديمية الفنون الجميلة أنّ ضياء الكرعاوي كان أحد تلامذته في نهاية الستعينات حيث كان يدرس في قسم الموسيقى وأنّ ليس له علاقة بالدين، ويؤكد أحد زملائه ذلك انّه كان يرغب أن يكون مطربا وملحّناً في نفس الوقت.
ويوضح رياض الكرعاوي شقيق ضياء بأنّه _أي ضياء_ كان مسجونا في عهد النظام البائد وقد أفرِج عنه ثمّ تغيرت أحواله الاقتصادية، وقد سافر إلى أكثر من بلد.
بينما تؤكد التصريحات الحكومية بعد القضاء على حركة ضياء عبد الزهرة الكرعاوي التي ظهرت في النجف الاشرف وهي معروفة ومشهورة حيث قتل فيها ما يقارب ٣٠٠ شخص، واعتقل ما يقارب من ٦٠٠ شخص حكم على بعضهم بالإعدام وآخرين بالسجن المؤبّد، واطلق سراح بعضهم.
فقد أكّد أحمد الفتلاوي عضو اللجنة الامنية في النجف الاشرف آنذاك أنّ ضياء الكرعاوي المقتول في الزركة وقائد جند السماء الذي زعم أنه علي بن علي بن ابي طالب، وأنه مهدي آخر الزمان والذي قاد حركته لأجل قتل الفقهاء ومراجع الدين والسيطرة على مدينة النجف الاشرف أنّه كان على علاقة بـ(ابو علي الشيباني) الذي كان يخرج على قناة شهرزاد حيث ذكر الشيباني أنّ المهدي سيخرج في الشهر الثاني وستخرج معه قوات تدعمه لبسط سيطرته ونفوذه.
وأن ضياء الكرعاوي قد وزّع قبل إعلان الدعوة المسلحة له في العاشر من محرم الحرام عام ٢٠٠٦م في عدد من المحافظات كتاب قاضي السماء بشكل ملفت، أمام الدور والمحال التجارية وفي الأماكن العامة.
وانّ في عداد المقتولين والمقبوض عليهم من جماعة الكرعاوي مثقفين وجامعيين بل وأساتذة جامعة وبعض قادة الشُعب والفرق من البعثيين.
وهنا لابدّ أنْ لانستغرب من هذه الظاهرة ومما يشابهها من الظواهر الاخرى ولابدّ أنْ نلتفت إلى أنّ الجامع المشترك لظاهرة الكرعاوي والقحطاني واليماني هو الانتقاص من المذهب والفقهاء، ولا نستغرب أنّ في ضمن جمع هؤلاء مثقفين وجامعيين وشخصيات لها وزن علمي لا بأس به.