معرفة الإمام الحجة عليه السلام على ضوء الزيارات/ الحلقة الثانية
الشيخ حسين الصالح
وها نحن نعود مجدّداً في رحلة التعرّف على سيدنا الإمام الحجة عليه السلام، ونتوقف اليوم في محطة معرفته في الزيارات، وهو ما تصرّح به الروايات المنسوبة إليه من روايات الأئمة الأطهار عليهم السلام، فمن مقامات الإمام الحجة عليه السلام هو (داعي الله) كما ورد في زيارته الشريفة: (السلام عليك يا داعي الله وربّاني آياته) فلا ريب في أنّ مقام (الدعوة) إنّما هو له ولآبائه المعصومين عليهم السلام ومختصّة بهم بالاصالة، فهم (الدّعاة الى الله والمستقرين لأمر الله)، فليس لغيرهم هذا المقام _بقول مطلق_ إلاّ بإذنهم عليهم السلام. ويمتاز كل واحد من البشر بطريقة وأسلوب يختلف فيه عن الآخر، وقد يجمعه بالآخرين بعض الأساليب بتنوّعها وقد لا يجمعه.
أمّا إمامنا الكريم فهو كمن سبقه من الأئمة عليهم السلام يتوارث حتى الطريقة والأسلوب، فمنهج وطريقة دعوته إلى الحق كطريقة آبائه المعصومين عليهم السلام، فهو يدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدل بالتي هي أحسن، ودعوته تحيي قلوب الناس، وهي موجبة للبصيرة والحصانة عن الإنزلاق والإنتهاج إلى السبل الزائغة، كما ورد عن أبي جعفر الباقر عليه السلام في قوله تعالى: (قُلْ هذِهِ سَبيلي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَني) قال الباقر عليه السلام: (ذاك رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والأوصياء من بعدهم).
• أهمّ محاور دعوته عليه السلام:
والتي ينبثق منها وجهته ومضامين دعوته الممتدّة لوحدانية الله:
١. (الدعوة إلى الله) أي إلى معرفته وعبادته وطاعته وكيفيّتها، وهو الإمام من الله، والهادي الى الله تعالى، وقد منحه الله الولاية التكوينية والتشريعية كما ورد في زيارة آل يس: (فالحق ما رضيتموه والباطل ما سخطتموه والمعروف ما أمرتم به والمنكر ما نهيتم عنه) فهو عليه السلام يدعو جميع الموجودات الى الله بلسانه المختص به، فانّ لكل موجود نطقاً يختصّ به كما يظهر مِن قوله تعالى: (وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبيحَهُمْ) فمعرفة الله وعبادته والتخلّق باخلاقه إنّما هي منه، وعنه، وهو الداعي إليه من كلّ علم وعمل واعتقاد، فالعلوم بأجمعها، والمعارف بأكملها هي منه وعنه عليه السلام، كما أشار إليه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: (إنّ الله عزوجل خلقنا فأحسن خلقنا وصوّرنا فأحسن صورنا وجعلنا خُزّانه في سمائه وأرضه ولنا نطقت الشجرة وبعبادتنا عبد الله عزوجل ولولانا ما عُبد الله).
٢. (الدعوة إلى كتاب الله وسنّة رسول الله) كما ورد في حديث طويل عن أبي جعفر عليه السلام: (فيصبح بمكة فيدعو الناس الى كتاب الله وسُنّة نبيه فيجيبه نفر يسير).
٣. (الدعوة إلى ولاية أمير المؤمنين عليه السلام والبراءة من أعدائه) حيث أن ولايته عليه السلام أساس وكمال الدين وتمامه، ولا يكون المؤمن مؤمناً إلاّ بقبول ولايته والبراءة من أعدائه، فإنّ ولايته ولاية الله وولاية رسوله، ولاينكره إلاّ كافر، ولا يجحده إلاّ منافق، ومن ثمّ فمن أركان دعوة الإمام الحجة عليه السلام، الدعوة الى ولايته والبراءة من أعدائه: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ فقد استَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) فقد قال الإمام الباقر عليه السلام: (يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه والولاية لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه والبراءة من عدوه).
٤. (الدعوة إلى إمامته وحقّه وأنّه بقيّة الله): كما في قوله الإمام الصادق عليه السلام: (إذا أذن الله عزوجل للقائم عليه السلام في الخروج صعد المنبر ودعا الناس إلى نفسه وناشدهم بالله ودعاهم إلى حقّه).
وإلى هنا يتوقف قلم الرحلة ليخط لنا في السلسلة القادمة بإذن الله تكملة لمحطات التعرّف على الإمام الحجة عليه السلام بإذن الله.