الماسونية بين تهويل مصطنع وواقع مزيف
الشيخ حسين الأسدي
عندما تقع مشكلة ما فإنّ قليلاً من الناس يبحثون عن حلول مناسبة لها، أمّا الجمّ الأعظم منهم فإنّهم يجلسون على قارعة الطريق يعلنون الأسى ويندبون حظهم، ويرمون بالأخطاء على غيرهم، وينسبون المشاكل إلى خارج أنفسهم، ولو بذلوا عشر ما يبذلون من جهد على إيجاد الحلول لأفِلت المشاكل ولندرت الأخطاء، هذا أولاً.
وثانياً لا يعني هذا أنّ مشاكل الحياة كلّها ذاتية، بل إنّ للأسباب الخارجية دورا مهما في تعقيد الحياة وزيادة إبهامها، وتلك الأسباب تتفاوت من حيث شدّة التأثير السلبي ونوعيته، وهذه حقيقة واقعية لاينكرها إلاّ مكابر.
إلاّ أنّ الملاحظ هذه الأيام أنّ كثيراً من المسلمين يحاول أنْ يرمي مشاكل الحياة وصعابها على اليهود عموماً، وعلى ما يسمى (الماسونية) خصوصاً فلو أنّ قائداً ظالماً فتك بشعبه لقالوا إنّ الماسونية تدعمه، ولو أنّ زوجاً ظلم زوجته لقالوا إنّ للماسونية يداً خفية في ذلك، ولو أنّ شاباً ترك الصلاة وهجر القرآن لقالوا، وهل غير الماسونية فعلت ذلك.
هذا البعض يرى أنّ الماسونية هي محور الحياة، وهي اليد التي تمسك بعصب العالم، وهي العقل المدبر لسياسات الدول، وبالتالي هي المؤثّر الأقوى في كل ما يجري في العالم، وحتى تأخر ظهور الإمام المهدي عليه السلام سببه تلك المنظمة.
فهل لهذا الأمر واقع أو انّه تهويل فارغ، ومجرّد فقاعة هواء في بركة ماء عكر.
إن الماسونية هي منظمة يهودية سريّة تهدف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم وقد أرجع البعض جذورها الى (هيرودس اكريبا) المتوفى عام ٤٤م حيث كانت تهدف آنذاك إلى التنكيل بالنصارى واغتيالهم، ومنع دينهم من الانتشار، وكانت تسمى آنذاك بـ (القوة الخفيّة) لكنّها سميت بعد بضعة قرون بالماسونية، وتعني (البنائين الأحرار) لتتخذ من هذا الشعار لافتة تخدع بها البسطاء من الناس، وهي منتشرة في أنحاء كثيرة من العالم بصورة سرية، وتحاول جذب الناس إليها بطرق مختلفة.
وعلى أيّة حال فلا أحد ينكر خبث تلك الحركة، وسوء نيّات من يديرونها، ولاشك أنّها تعمل على بناء دولة يهودية تسيطر على العالم.
ونحن لا نريد أنْ ننصب أنفسنا للدفاع عنها وتبرئة ساحتها مما يحدث في العالم من مصائب، لكنْ أنْ نرمي بكل مشاكل الحياة عليها، وأنْ نجعلها سببا رئيسا في طول الغيبة _غيبة الإمام المنتظر عليه السلام_ فهذا ما لا يقبله الوجدان ولا يعضده البرهان.
إنّ من الثابت لدينا أنّ زمن الغيبة سيكون ميداناً لقوىً متناحرة في ما بينها، في الوقت الذي تشترك فيه هذه القوى بهدف محدد ينصبّ في عداوة مذهب أهل البيت عليهم السلام، فالروايات تشير مرّة إلى وجود ثلاث رايات مختلفة، وأخرى تصرّح باثنتي عشرة راية، روايات تشير إلى عداوة السفياني والأصهب والأبقع أجمع لمذهب أهل البيت عليهم السلام، واخرى تشرح كيف يقتل السفياني ذينك العدويين ليصفو له الميدان، لإبليس والنفس الأمّارة، أثرهما الفاعل في توليد صعاب جديدة للحياة.
والتقدم التكنولوجي أنسى الكثير من الناس هدفهم من الحياة فهاموا على وجوههم ينشدون الكماليات وضحّوا بأعمارهم وصحتهم ووقتهم وحتى عوائلهم من أجل أنْ يتماشوا مع قطار التقدم _التقني_ السريع، وآخرون صعدوا على التل وآثروا الاستطلاع من بعيد على أنْ يدخلوا في دوامة الحياة.
ومن بين تلك المؤثرات قامت تلك المنظمة الماسونية لتديف السم بالعسل وترمي بنبلها مع الرماة، لتبرز من بينهم كأشدّ ما يكون البروز، وليعضد حركتها إعلامٌ مهوّل وأبواق صارخة، والسن لبقة ترهب العالم من سطوتها، وتنذر الناس بقعقعتها، حتى بات كثيرون يخشونها كخشية الله أو أشد خشية _معاذ الله_.
أمام هذا الموقف علينا أنْ نلتفت إلى التالي:
أولاً: في الوقت الذي لايمكن إنكار دور الماسونية في مشاكل الحياة، علينا أنْ ندرك أنّها أضعف من أنْ تكون المؤثرة الوحيدة في العالم، ومن المتيقّن أنّ الله تعالى لم يشأ أنْ يوكل إليها أمور الحياة.
ثانيا: علينا أنْ نعلم أنّ تضخيم تأثيرها ربما يكون كذبة يعمل عليها طابورها الخامس، وما ذاك إلاّ خطّة مدروسة لزرع القلق والخوف من سطوتها ولو من دون واقع.
ثالثا: وليكن معلوماً أنّ ما من قوة مهما عظمت يمكنها أنْ تجاري عظمة ما عند الإمام المهدي عليه السلام وما وهبه الله له من قدرات، وهل يستطيع فرد أو جماعة أنْ يجاري من يسير الرعب أمامه شهراً، وأنْ يفكّر في مقاومة من يكون تحت إمرته جبريل وميكال، أو أنْ يقاتل رجالاً قلوبهم أشدّ من زبر الحديد وهم أجرى من الليوث.
رابعاً: وفي الوقت نفسه علينا أنْ لانبرّئ أنفسنا من تأثيرها سلباً في ما يتعلق بغيبة الإمام عليه السلام، وأنْ نعمل على قلع جذور الشر منها وتحلّيها بالفضائل، ولنتذكر قول الإمام المهدي عليه السلام: (ولو أنّ أشياعنا_وفّقهم الله لطاعته_ على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخّر عنهم اليُمن بلقائنا ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا).