الإستخارات
أحمد سلمان الأحمدي
احتج أنصار أحمد اسماعيل بالاستخارات، وجعلوها دليلاً على إمامته، بل ألّفوا بعض الكتب في إثبات حجيتها كما ألّفوا في الأحلام!
واحتجّوا في ذلك بروايتين اثنتين:
الأولى: ما رواه النعماني في رواية طويلة في وصف الإمام المهدي عليهم السلام، جاء فيها: أوسعكم كهفاً، وأكثركم علماً، وأوصلكم رحماً، اللهم فاجعل بعثه خروجاً من الغمّة، واجمع به شمل الأمة، فإن خار الله لك فاعزم، ولا تنثنٍ عنه إن وُفِّقتَ له، ولا تجوزنَّ عنه إن هُديتَ إليه، هاه – وأومأ بيده إلى صدره شوقاً إلى رؤيته.
وموضع الشاهد في هذه الرواية هو قول الإمام عليهم السلام: (فإن خار لك الله فاعزم).
قالوا: إن المقصود بهذه العبارة هو الاستخارة المعروفة.
والجواب على ذلك: أن العبارة لا دلالة فيها على الاستخارة، فإن الإمام عليهم السلام قال: (خار الله لك)، ولم يقل: (استخرتَ الله)، علماً أن قواميس ومعاجم اللغة قد تعرّضت لمعنى هذه العبارة.
فقد ورد في لسان العرب لابن منظور قوله: وخار الله لك: أي أعطاك ما هو خير لك.
والمعنى واضح، فالمقصود من (خار الله لك) هو أنه إذا اختار الله لك أن تكون موجوداً حين ظهوره، ووُفقتَ لذلك فلا تتردَّد في نصرته.
وقد ورد هذا التعبير في عدّة موارد أخرى.
منها: ما رواه الشيخ المفيد قدس سره في إرشاده عند ذكره محاورة سيد الشهداء عليهم السلام وبعض أصحابه، قال: فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير، فقلنا له: خار الله لك. فقال: رحمكما الله. فقال له أصحابه: إنك والله ما أنت مثل مسلم بن عقيل، ولو قدمتَ الكوفة لكان الناس إليك أسرع.
بل إنه وردت رواية تقطع دابر كل من أراد الاستدلال بهذه العبارة، وتسقط كل محتج بها، وهي المحاورة التي رواها المجلسي قدس سره في بحار الأنوار بين أبي سفيان والعباس بن عبد المطلب، حيث قال: هؤلاء الذين غزانا محمد لأجلهم، أما والله ما شُوورتُ فيهم، ولا علمته، ولقد كنت له كارهاً حيث بلغني، ولكنه أمر حتم، قال العباس: لقد خار الله لك في غزو محمد إياكم، دخلتم في الإسلام كافة.
ولا نظن أن عاقلاً يقول: إن العبارة هنا تعني الاستخارة؛ إذ كيف يعقل من كافر مثل أبي سفيان أن يستخير الله في حربه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! بل إن حمل (خار الله لك) على الاستخارة يستلزم ألا يكون للعبارة معنى صحيح؛ لأن سيكون معناها هو: (أنك استخرتَ الله في أن يغزوكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا معنى واضح الفساد.
الثاني: ما رواه الشيخ الطوسي قدس سره عن علي بن معاذ، قال: قلت لصفوان بن يحيى: بأي شيء قطعتَ على علي؟ قال: صلَّيت، ودعوت الله، واستخرت عليه، وقطعت عليه.
والجواب: أن هذه الرواية مما استدلت به الواقفة على بطلان إمامة الرض عليهم السلام، وعدم وجود دليل قطعي عليها، والشيخ الطوسي قدس سره إنما أوردها للرد عليها، وإثبات فسادها، فقد ذكرها في باب: (أخبار استُدلَّ بها على أن الإمام موسى الكاظم عليهم السلام هو القائم، وأنه حيٌّ لم يمت، والجواب عنها). ولك يكتف بها، بل عقَّب عليها قائلاً: فهذا ليس فيه أكثر من التشنيع على رجل بالتقليد، وإن صحَّ ذلك فليس فيه حُجة على غيره، على أن الرجل الذي ذُكر ذلك عنه فوق هذه المنزلة؛ لموضعه، وفضله، وزهده ودينه، فكيف يستحسن أن يقول لخصمه في مسألة علمية: إنه قال فيها بالاستخارة، اللهم إلا أن يُعتقد فيه من البله والغفلة ما يخرجه عن التكليف، فيسقط المعارضة لقوله.
وقال بعد الفراغ من تعداد الروايات التي تمسّك بها الواقفة: ومن طرائف الأمور أن يتوصل إلى الطعن على قوم أجلاء في الدين والعلم والورع بالحكايات عن أقوام لا يُعرفون، ثم لا يُقنَع بذلك حتى يُجعل ذلك دليلاً على فساد المذهب، إن هذه لعصبيّة ظاهرة وتحامل عظيم، ولو لا أن رجلاً منسوباً إلى العلم له صيت وهو من وجوه المخالفين لنا، أورد هذه الأخبار وتعلّق بها، لم يحسن إيرادها؛ لأنها كلها ضعيفة رواها من لا يوثق بقوله.
إذن الشيخ الطوسي قدس سره ردّ هذا الخبر من ثلاثة وجوه:
الأول: أن هذه الرواية ضعيفة السند، رواها من لا يُعرف بصدق ولا يُؤمَن على نقل، فلا تكون حجّة من هذه الجهة.
الثاني: أن صفوان أجلّ وأعلم من أن يعتقد بإمامة الرض عليهم السلام اعتماداً على الاستخارة.
الثالث: أنه لو صحّ ذلك عنه فلا مطعن في إمامة الرض عليهم السلام، بل الطعن في صفوان بن يحيى، إذ أن فعله هذا يكشف عن بلاهته وغفلته، ومن كان كذلك لا يكون فعله حجة علينا.
فالحجة عندنا هي ما دلّ عليه كتاب الله عزّ وجل، وما ورد عن المعصومين عليهم السلام، وليست الحجة ما فعله فلان أو علان من الناس، حتى لو كان من أمثال صفوان.