مناشئ الادّعاء وتأثيرها على الجمهور
السيد أحمد الاشكوري
مناشئ انحراف أرباب هذه الدعوى، والتي منها:
١ _ الأخذ ببعض الفكر وترك البعض الآخر: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) (البقرة: ٨٥).
٢ _ الأخذ بالمتشابه من القرآن وترك محكمه: (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْويلِهِ) (آل عمران: ٧).
٣ _ الأخذ بالجزئيات من دون إرجاعها إلى كلّياتها مع عكوفهم على ذلك.
٤ _ الأخذ بالنصوص الشاذّة، أو النادرة، أو المعرَض عنها، أو المعارضة للمشهور.
٥ _ السطحيون والمثقّفون غير المتخصّصين، فيسعى مثل هؤلاء للخوض في أبحاث شائكة، وتخصّصية، كمن حفظ شيئاً وغابت عنه أشياءُ.
٦ _ عدم ضبط الثوابت والرجوع والارتكاز إليها، فيتحرَّكون في أفق المتغيّر بمعزَل عن الثابت.
٧ _ عدم تأسيس نظرية معرفية لمادة البحث، أو الخلط في المناهج المعرفية، كالاعتماد على المنامات، أو العلوم الغريبة، أو المكاشفات، وهذه على فرض صحَّتها كبروياً وصغروياً، وكونها حجّة في حقّ صاحبها، لا تصلح أن تكون حجّة له على الآخرين، لاسيّما لمن أراد إثبات دعواه بمثل هذه السُبُل فضلاً عن إثبات حقّانية نفسه بها.
وقد ذُكر في محلّه أنَّه حتَّى من يعتمد على مثل هذه الوسائل فهو يرى أنَّ منها ما هو من دسائس الشيطان، أو أضغاث أحلام، أو أوهام شيطان، ولو صحَّ الاعتماد على هذه الطرق فيلزمه قبول المتنافيين والمتكاذبين.
٨ _ الاعتماد على مباني فاسدة، كمسالك الصوفية، والعلوم الدخيلة على الإسلام.
مناشئ تأثير الادّعاء على القواعد الجماهيرية:
أن نقف على مناشئ التأثير لهذه القوى الظلمانية على القواعد الجماهيرية، والتي منها:
١ _ الجهل، والمبالغة في الغيب، وعزل عالم التزاحم عن الأسباب الطبيعية، وتفسير الظواهر الكونية على أسس تخرّصية.
٢ _ الفقر، لكنَّ نفس الفقر ليس منشأ، وإنَّما المنشأ هو الإحساس بالفقر، والمظلومية، والحرمان وتسجيله واحتسابه على المؤسسة الدينية، أو اعتبار أنَّ المؤسسة السياسية هي المؤسسة الدينية، أو الإحساس الموهوم النفسي.
فإنَّ الإحساس بالفقر برؤية سلبية قد يكون منشأ لنفوذ هذا الفكر، إمَّا عن طريق ضخّ الأموال وشراء النفوس، وإمَّا بكون الفقر عاملاً مساعداً للارتباطات الروحية المزيّفة ولو على نحو التخدير أو العجز عن محاربة الفقر بالأسباب الطبيعية، فيتوسَّل بعوامل ما وراء الطبيعة أو العوامل الطبيعية للتغلّب على الفقر، أو البحث عن جهة حاضنة لمحاربة الفقر كفارس الأحلام.
٣ _ تنشيط الخطاب التخويني التكفيري، وإضفاء الحركة الحماسيّة في الخطاب، واستعمال هالة القداسة، وتوزيع أوسمة رمزية للمنتمين.
٤ _ استعمال أساليب جذّابة خطابياً وتثقيفياً، كمقولة: الفناء في الله، أو العودة إلى الله، أو عين اليقين وحقّ اليقين، فإنَّ بعض هذه الخطابات وإنْ كانت حقّة، إلاَّ أنَّها توزَّع بأبخس الأثمان وتُعامَل على أساس عرفاني مغلوط، أو الدعوى إلى المبالغة في حبّ آل البيت عليهم السلام إلى حدّ بلوغ مرتبة الباطنية.
٥ _ الهدم المنهجي للشخصية في الأفكار والمعتقد والقيم والسلوك، وذلك عن طريق التكرار والتقليد واستعمال أسلوب العقل الجمعي، والانقياد الأعمى، والتلقين، وخلق روح التمرّد على الروافد الفكرية.
٦ _ عزلها عن العلماء وإيجاد روح الكراهية والبغضاء لهم، بل إباحة دمائهم عن طريق تشويه صورهم بكونهم سبباً لعدم ظهور الإمام عليه السلام، أو أنَّ قتل العلماء يعجّل في ظهوره عليه السلام.
٧ _ الازدواجية في العمل، فمن جانب يُدعون إلى طقوس خاصّة دخيلة، ومن جانب تُعطَّل التكاليف الشرعية بدعوى أنَّها تكاليف ظاهرية وأنَّه لا بدَّ من البلوغ إلى باطن الشريعة، بل بلغ ببعضهم من ارتكاب المحرَّمات أن حرَّم ما هو محلَّل بالضرورة أو حلَّل ما هو محرَّم كذلك.
الوسائل العلاجية للانحراف:
وسادساً: أن نقف على المناعات التي يمكن أن تكون علاجاً لهذه الانحرافات، والتي منها:
١ _ اعتماد العلم:
أوّلاً: العلم على أنَّ الحركات الانحرافية موجودة على مرَّ التاريخ.
وثانياً: العلم والوعي على فهم القضيّة المهدوية وفهم الوظائف وفهم كيفية الانتظار.
٢ _ اعتماد مبدأ عدم الوثوق بالفكر الخفي والغريب والشاذ والموهم، وكذا الحركات والقيادات المظنونة والمجهولة والسلوكيّات واللقاءات السرّية.
٣ _ اعتماد أنَّ الأصالة للعمل الشرعي، وإمضاء قانون أنَّ الله لا يطاع من حيث يعصى، فالثوابت الشرعية (من الصلاة والصوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاحتراز عن المحرَّمات كإضرار النفس بلا مبرّر شرعي، ومقت الفكر الإرهابي لتكفير الآخر وإباحة دمه والتجاوز عن أعراض الناس) لها الأصالة والاعتماد في العمل والتشريع والإمضاء.
٤ _ اعتماد طريقة التحذير من السلوك والخطاب والمنهج الصوفي.
٥ _ الإذعان بأنَّ الفكر الشيعي أصيل، وله جذور ومنهج من عصر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا الفعلي، وهذا الطريق قد رسمه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والعترة الطاهرة عليهم السلام، وبالتالي تُرفض الوجودات النكرة والفكر المبتور والعقيم، فإنّا حقبة زمنية بين ماضٍ معروف ومستقبل مرسوم معلوم، فأيّ اتّجاه لا بدَّ أن يوزن على هذا الأساس، أمَّا الوجود المجهول الذي ليس له فقه مجذَّر، ولا فكر محدَّد، ولا مشروع متكامل وثابت، فلا يمكن قبوله والركون إليه.
٦ _ اعتماد ثقافة عدم قبول أدعياء العلم اللدنّي، وأدعياء الشذوذ العلمي، وأدعياء الطرق غير المعهودة عقلياً وعقلائياً ودينياً.
٧ _ إشاعة ثقافة عدم تشخصن القضيّة المهدوية، وأنَّها منحسرة ومتقولبة بقوالب فردية وشخصية.