شرح زيارة آل ياسين/ الحلقة الخامسة
هيئة التحرير
ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات الزيارة المهدوية المباركة، زيارة آل ياسين، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح فقرة (...وَدَيَّانَ دِينِهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا خَلِيفَةَ اللهِ وَنَاصِرَ حَقِّهِ).
الفقرة الشريفة تتحدث عن القاضي والحاكم الذي يفسره اللغويون للفظة الديّان، ولا يكتمل المعنى لهذا المصطلح بشكل وافٍ إلاّ بما يضاف إليه، وقد أضافته الزيارة المباركة بعد أنْ جعلت الإمامة باب الله الحصري والوحيد فأردفته بأنّه ديّان دين الله فسلّمت على الإمام بـ(السلام عليك يا ديّان دينه)، فأضافت الديّان إلى الدين وأضافت الدين إلى الله سبحانه وتعالى، فالإمام عليه السلام كما هو باب الله الوحيد، كذلك هو الحاكم على الدّين والقاضي بأمر الدّين، وهذه النسبة من الديّان إلى الدين إلى الله سبحانه وتعالى وبملاحظة معنى الديّان تعطينا مفهوماً يؤكّد الحقيقة العقائدية التي يؤمن بها أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام من أنّ الصلاحيات الممنوحة للإمام عليه السلام في إدارة الشأن الديني وحاكميّته على الدين صلاحيات مطلقة وتخويل إلهي لا حدّ له إلا حدّ الله سبحانه وتعالى، فكل أمر ديني وكل شأن ترجع نهاياته إلى القضايا الدينية، سواء أكانت في بعدها العقائدي، أو العبادي، أو الأخلاقي، فإنّ الذي يفصل النزاع فيها إن كان _والذي يقدم الحكم فيها للسائل_ إن كان، بل الذي يبين ذلك إبتداءً هو الإمام عليه السلام.
هذا من الجانب الفكري التنظيري لهذا المفهوم، أمّا من الجانب الإثباتي والعملي فقد زاوله أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام ومارسوه طيلة فترة معايشتهم الأئمة عليهم السلام بل وحتى عند غيبة آخرهم عليهم السلام فأنّهم كانوا لا يأخذون الأحكام إلاّ منهم عليهم السلام إيماناً منهم بأنّ أهل البيت عليهم السلام هم ديّانو دين الله وحكّامه وقضاته، وتعلل الفقرة التالية التي تحدثت عنها الزيارة المباركة وتؤكد ما تقدم إذْ قالت: (السلام عليك يا خليفة الله)، فبعد أنْ ثبتّت الفقرة الأولى انّ الإمام عليه السلام هو الباب الحصري والحاكم الوحيد والقاضي الفريد، جاءت لتعطي بعداً ثبوتياً وحالة تعليلية لهذه المعاني المتقدمة، فإنّ القاضي والحاكم الإلهي والباب الحصري لله هو ذلك المجعول خليفة لله تعالى من قبله، فركّز معنى الخلافة المعاني المتقدمة وأعطاها بعداً برهانياً لإثبات ما تقدم، بل وما سيتفرع عليها من صفات، حيث قال في المقطع الذي يتلوه (وناصر حقّه)، فإنّ من الطبيعي أنْ يكون خليفة الله والمعيّن قاضياً وحاكماً عن الشأن الإلهي، لابدّ أنْ يكون المتفرع على هذه الوظيفة والصلاحيات ناصراً لحق الله ومدافعاً عنه، ولا يمكن أنْ يتصور في حقّه أنْ يحيد عن نصرة الحق الإلهي، مهما كانت السياسة في إدارة البلاد والعباد تقتضي ذلك.
لانّ وظيفته إنّما هي نصرة الحق الإلهي، وهذا واحد من المعاني التي يؤمن بها أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام في عصمة أئمتهم، وأنّهم رغم اختلاف الظروف السياسية التي كانت تحيط بهم، ورغم تمكنهم من إدارة الشأن السياسي والإداري والمالي للأمّة الإسلامية، وإمكانيتهم في أنْ يتصدّوا لتلك الشؤون إلاّ أنّهم لم يحيدوا لأجل هذه الأمور عن نصرة الحق الإلهي.
وقد أكدت بعض الروايات الشريفة هذه المعاني عندما نصت رواية رويت ليس في مجامعنا الحديثية فقط، وإنما في مجامع أبناء العامّة من أنّ المهدي عليه السلام هو خليفة الله، وأنّ النبيصلى الله عليه وآله وسلم في رواية ثوبان عنه قد أمر باتباعه ومبايعته عليه السلام تعليلا لخلافته عن الله، بينما جاءت روايات أخر لتؤكد لنا ان رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم كان يخاطب أمير المؤمنين عليه السلام: (يا علي أنتَ ديّان هذه الأمّة...)، هذا فضلاً عمّا ورد من مثل هذا المضمون في الأدعية والزيارات.