شرح دعاء الندبة/ الحلقة السادسة عشرة
رابطة إحياء دعاء الندبة
ما زال الحديث متواصلا وشرح فقرات هذا الدعاء الشريف، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح الفقرة التالية:
(ثُمَّ جَعَلْتَ اَجْرَ مُحَمَّدٍ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ مَوَدَّتَهُمْ في كِتابِكَ فَقُلْتَ: (قُلْ لا اَسْاَلُكُمْ عَلَيْهِ اَجْراً اِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبى) وَقُلْتَ (ما سَألْتُكُمْ مِنْ اَجْر فَهُوَلَكُمْ) وَقُلْتَ: (ما اَسْاَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ اَجْر الاّ مَنْ شاءَ اَنْ يَتَّخِذَ اِلى رَبِّهِ سَبيلاً)، فَكانُوا هُمُ السَّبيلَ اِلَيْكَ وَالْمَسْلَكَ اِلى رِضْوانِكَ).
الفقرة الشريفة تتحدث عمّا ترتب على أتعاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجاه أمّته في كونه الشخص الذي أوطئ مشارق الأرض ومغاربها، وأودع علم ما كان وما يكون، وانّه مستخلص الله ومستخلص دينه، وانّه واسطة الفيض ومجرى نزول الرحمة وكل أمر حكيم، فذات بهذه الصفات، وتقدم هذه الهبات والمكرمات للبشرية لابدّ أنْ يترتب على ما تقوم به اتعاب، لانّ القانون الإلهي الكوني يقضي بأنّ من يعمل مثقال ذرة خيراً يره، وهو يقتضي أنْ يكون هذا العمل الصغير موجباً للثواب وإعطاء الأجر. فيكف بما قام به الخاتم؟.
والمقطع الندبي المبارك يتحدث عن ثلاثة ألوان من الأجر المترتب على تحمّل الرسالة من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والنحو الأول هو (الأجر المودّي) فيجب على الأمّة أنْ تودّ أهل البيت عليهم السلام لأنّ الإسلام جُعل عقداً فاشتراه المسلمون بأجر المودّة، وكل لم يعط هذا الأجر يكون غاصباً، لاتخاذه الإسلام ديناً، ويكون كمن يشتري ويأكل ولا يدفع الثمن، وهذا الأجر _المودّي_ قد جُعل عقده منصوصاً في الكتاب، لكي لا تصل إليه يد التحريف والتزوير ويد المستأكلين بالإسلام، وقد جعل هذا الأجر حصرياً بأهل البيت عليهم السلام وبكونه مودّياً. كما نصّت الآية المتقدمة.
أمّا الأجر الثاني فهو (الأجر الّلكُمي) فمع كون الأجر على اتخاذ الإسلام ديناً يقرّب إلى الله سبحانه وتعالى، ومن لايتخذه يكون بعيداً عنه، وأنّ أجر هذا الاتخاذ هو المودّة، فكذلك هناك أجر آخر يتفرع على هذه المودّة ينتفع منه نفس المشتري، فإنّ من يشتري طعاماً ليأكله في أول الأمر يعلم جيداً أنّه يجب عليه أنّ يأكل هذا الطعام، وإلاّ فإنه سيهلك، وهذا معنى لزوم اتخاذ الدين وسيلة في القرب إلى الله، وإلاّ فالهلاك والضلال، ويعلم ثانياً انّ هذا الطعام لابدّ انْ يشتريه بثمن، وهذا معنى الأجر المودّي وانّه بدون الثمن يكون سارقاً، ثم يعلم ثالثاً انه إذا اشترى الطعام واكله فإنّه سينتفع منه ويتقوى به وهذا هو الأجر الّلكُمي أي ذلك الأجر الذي يعود بالنفع على الإنسان. (ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ).
ثم إنّ هذا الأجر يتفرع عليه نحو من الأجر الثالث وهو (الأجر السبيلي) الذي على أساسه يكون التقرّب، فمن لا يأكل الطعام يموت، ومن يأكل الطعام المسموم يموت، فلابدّ أنْ ينتقي طعاماً أولاً، وأنْ يكون صالحاً للاستعمال والتغذية ثانياً وهنا الأجر المترتب على اتخاذ الإسلام ديناً هو انْ يكون سبيلاً لله سبحانه وتعالى.
وهذا الأجر الثالث _الأجر السبيلي_ اجر جعل بإزاء ما قدّمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأمة من إيصاله _دين الإسلام_ لها، وهو سبيل التقرّب إلى الله سبحانه وتعالى الوحيد، وحيث أنّ هذا السبيل يكون أخذه متقوّماً بوجود واسطة للتلقّي والإعطاء جاء المقطع ليؤكد هذه الحالة فقال: (فكانوا هم السبيل إليك والمسلك إلى رضوانك) فمن يريد أنْ يصل إلى طعام مرضي مغذّ حلال ينفعه، ويكون سبيلاً للتقوّت والتقوية، لابدّ أنْ يعطي أجر ذلك الطعام، بعد أنْ يختار الطعام المناسب، ويعرف كيف يستعمله ويستخدمه في أوقاته، لكي لا يكون مضرّاً به، وكذا الحال في طعام الروح وزاد التقرّب، وإنّ خير الزاد التقوى.