البحث العلمي في القضية المهدوية
السيد عبد الستار الجابري
إن البحث العلمي في أية قضية من القضايا يتوقف على تشخيص تلك القضية كي يتم بناء على ذلك تحديد الدائرة البحثية التي يجب أن تدرس فيها.
فالقضية التاريخية مثلا بعد أن يتم تشخيص نوعها تدرس ضمن الأطر العلمية للبحث التاريخي, وبهذه الطريقة يتم التوصل إلى النتائج الصحيحة المتوخاة منها وكذا الحال في القضايا الطبية أو النفسية ...
وفي قضية كقضية الإمام المهدي عليه السلام ينبغي ان نشخص طبيعتها لنعرف هل هي من القضايا الفقهية كي تبحث ضمن الأطر العلمية في الدائرة الفقهية بما يدخل فيها من أساليب البحث في الدليل وحجيته ووثاقة رجاله والنظرية الأصولية وإمكان الالتزام بها في هذا البحث، أم هي من قضايا اصول الدين كي تدرس طبق الضوابط العلمية التي يجب مراعاتها في مثل هذا البحث, سواء أكان المنهج المتبع فيه منهجا كلاميا أو فلسفيا أو كان يعتمد النص الديني من الكتاب العزيز والسنة المطهرة, أم أن القضية تندرج ضمن القضايا التكوينية التي أنبأ عنها النص الشريف؟
إن هناك جملة من القضايا التكوينية التي دلت عليها النصوص الشريفة كالأدوار الجنينية مثلا والتي أشار إليها القران الكريم, أو حركة الرياح التي تسبب نزول الغيث, أو العلاقة بين البرق وخصوبة الأرض والمطر, أو منازل القمر في حركته الشهرية, لابد من دراستها على ضوء دلالات ذلك النص الشريف والمكتشفات العلمية على الصعيد التقني.
نقول هل إن قضية الإمام المهدي عليه السلام تندرج ضمن واحدة من هذه القضايا أم إن لكل واحدة من هذه القضايا دخل في قضية الامام المهدي عليه السلام؟
إننا عند الرجوع إلى الجانب المعرفي والمعلوماتي نجد أن هذه القضية لم يكن لأحد أن يقف عليها لولا ورود النصوص بها, ولذا فهي تدخل ضمن المباحث الدينية, إذ لا يستطيع الفيلسوف أن يثبت أن مهديا سيظهر في آخر الزمان, وان يحدد نسبه أو كيفية أدائه, ذلك لأن موضوع الفلسفة هو البحث في الموجود بوجه عام, والبحث حول المهدي عليه السلام بحث في أمر شخصي, فهو خارج عن مباحث الفلسفة ابتداء.
وكذا المتكلم فإنه وان كان يمكن أن يبحث قضية المهدي عليه السلام في مبحث الإمامة إلا ان بحثه ذاك يعتمد بالدرجة الأساس على ورود النص, وغاية ما يمكن للمتكلم أن يبحثه فيه هو ضرورة تعيين الإمام عليه السلام والنص عليه, فالبحث عن المهدي عليه السلام إنما هو فرع للبحث في الإمامة وتعيين الأئمة عليهم السلام والنص عليهم, وبالتالي فإنه يبحث في علم الكلام بإطاره الخاص بحسب النصوص الواردة فيه.
وإن بحث قضية الإمام المهدي عليه السلام أمر لا يتعلق به البحث الفقهي إلا بنحو الالتزام, ذلك لأن الفقه يبحث عما يتعين على المكلف القيام به في عباداته ومعاملاته وما يحل وما يحرم, أي أن البحث فيه يتناول كيفية العبادة والعقود والإيقاعات الصحيحة وتقسيم الميراث والقضايا الجزائية في الحدود والتعزيرات والديات, أي ان البحث الفقهي يتناول القانون الذي ينظم العلاقة بين العبد وربه من جهة وبين أفراد المجتمع من جهة اخرى, بمعنى انه يبحث في أفعال المكلف وتروكه, ومن الواضح جدا أن المهدي عليه السلام لن يكون من صنع الأفراد كي يخاطبوا بإيجاده, ولا يتوقف وجوده على أعمالهم كي تكون هناك علاقة بينه وبين أعمال المكلفين. نعم أشارت بعض النصوص إلى أن لأعمال العباد مدخلاً في التعجيل بظهوره عليه السلام أو تأخير الظهور, ولكن هذا أمر آخر لا علاقة له بأصل القضية عليه السلام.
ومن هنا يتضح ان قضية الإمام المهدي عليه السلام من القضايا التكوينية وليست من القضايا التشريعية, أي أنها من قضايا عالم التكوين التي جعلها الله عز وجل ضمن القانون الكوني العام الذي لم يكتشف منه إلى اليوم إلا اقل القليل, حيث ان القوانين الكونية المكتشفة إلى اليوم تكاد تنحصر في خصائص العناصر والمركبات الموجودة في الطبيعة والاستفادة منها في الحياة العامة للانسان. نعم قد حصل في فترات متباعدة اكتشاف بعض القوانين العامة كقانون الجاذبية إلا ان السير ابعد من ذلك, بحيث تتجاوز دائرة الاستكشاف العلاقة بين العناصر والمركبات والاجرام السماوية إلى الوقوف على القانون الإلهي العام في الكون والمجتمع.
إن الأمر خارج عن موضوع البحث التقني ومرتبط كل الارتباط بالعالم الغيبي, فهو يعتمد على الإيمان بالنبوات أولاً ودراسة السنن الإلهية في المجتمعات البشرية ثانياً, وفهم حقيقة خلق العالم ثالثاً ومعرفة ما يريد الله تعالى من مخلوقاته العاقلة رابعاً.
وبالنتيجة فالبحث يكون فيما يريده الله عز وجل وما اخبر به رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والأساس الذي لابد معه من وجود المهدي عليه السلام والغاية منه.
فقضية المهدي عليه السلام إذن هي قضية تكوينية تاريخية في بعض جوانبها, كونية في بعضها الآخر, مستقبلية غيبية في بعضها الثالث.
ولذا فإن البحث حول المهدي عليه السلام يجب ان يكون ضمن هذه الأطر كي يكون البحث علميا منتجا موصلاً للحقيقة المنشودة.