تكليفُ الإنسان بمَعرِفة إمام الزمان
مرتضى علي الحلي
إنََّ معرفة إمام الزمان من الواجبات و الضروريات العَقْديِّة الدينية التي أجمع أهلُ الإسلام عليها، وإن حصل إختلافٌ فهو يكمنُ في المفهوم و الإشتباه به نتيجة إختلاف المباني العقدية في تحديد إمام الزمان كما هو الحال عند المخالفين للحق، الذين ذهبوا إلى أنَّ إمام الزمان واجب نَصبه على الناس سمعاً، بمعنى أنه يُنتَخبَ أو يُعيََّن من قبل الرعيَّة، بخلاف ما ذهب إليه أهل الحق من الإماميَّة الإثني عشريَّة، إلى أنَّ إمام الزمان يتم نصبه من قبل الله تعالى حصراً، عقلاً ونصاً، وهذه الحقيقة الدينية العقدية قد أخذتْ موقعها الرئيس في المجاميع الروائية، عامة وخاصةً، فظهرت في صورة الحديث الشهير والمتواتر (مَن ماتَ ولم يعرف إمام زمانه ماتَ ميتةً جاهليَّة) وإنَّ معرفة إمام الزمان في المنظومة العَقْديّة الإثني عشرية قد أخذتْ الموقع الثالث في أصول المذهب الإمامي الحق، بعد معرفة الله تعالى وتوحيده، ومعرفة النبوة الخاتمة.
لتنحى منحىً عقلانياً صرفاً يرتكز على ضرورة تحصيل اليقين الشخصي عند الإنسان المُعتقِد بإمام الزمان المعصوم، كون معرفة إمام الزمان أو أصل الإمامة الحقّة يجب أن تتأتّى من الإعتقاد الجازم بحقيقة نصب الإمام على الله تعالى عقلاً للإنسان في كل زمان لا أن تتأتى من التقليد أو الإتباع الظن أو التعصّب دون وجه حق، والمراد من معرفة إمام الزمان ليس معرفة شكله أو شمائله بالرؤية فقط، هذا مع الإمكان وإنما المراد هو معرفة شخصه الشريف بالنسب المعروف المُختَص به، كمعرفة شخص إمام زماننا الإمام المهدي عليه السلام بكونه من ذرية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ومن أهل بيته المعصومين عليهم السلام، ومن صلب الإمام الحسن العسكري عليه السلام، حتى لا يحصل الإشتباه في تحديد مصداق إمام الزمان الحق، وهذه المعرفة تتطلبُ معرفة وصف الإمام بالإمامة، قيمةً ومعطى، ومعرفة مفهوم عصمته ووجوب طاعته عقلاً وشرعاً، ذلك كون معرفة إمام الزمان هي النافذة الواقعيّة على معرفة الله تعالى ورسوله ودينه الحق، والجهل بمعرفة إمام الزمان هو جهلٌ بمعرفة الله تعالى، وموجب للهلاك والضلال المبين، وإلى هذه الحقيقة أشارت الروايات الشريفة، فعن زرارة قال: سمعتُ الإمام الصادق، يقول: إنَّ للغلام _أي الإمام المهدي_ غيبة قبل أنْ يقوم قال: قلتُ ولِمَ؟ قال عليه السلام: يخاف، وأومأ بيده إلى بطنه، كناية عن القتل، ثم قال عليه السلام: يا زرارة وهو المُنتَظَر، وهو الذي يُشك في ولادته، منهم مَن يقول ماتُ أبوه، أي العسكري عليه السلام بلا خلف، ومنهم من يقول حمل، أي مات في الحمل، ومنهم من يقول إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين وهو المنتظر، غير أنَّ اللهَ عز وجل يحبّ أنّ يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المُبطلون، يا زرارة، قال: قلتُ جعلتُ فداك إنَّ أدركتُ ذلك الزمان أي شيء اعمل؟
قال عليه السلام: يا زرارة
إذا أدركتَ هذا الزمان فادع بهذا الدعاء:
أللَّهُمَّ عرفني نفسك ، فإنَّك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، أللَّهُمَّ عرفني رسولك، فإنَّك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، أللَّهُمَّ عرفني حجتك، فإنّك إنْ لم تعرفني حجتك ضللتُ عن ديني.
وإنما وجبَ معرفة إمام الزمان بالدليل اليقيني ومن غير تقليد لأنَّ الإنسان المكلف إذا رأى الناس مختلفين في الإعتقادات، ومنها معرفة وتحديد إمام الزمان فامَّا أن يأخذ بجميع إعتقاداتهم فيلزم منه جمع المتنافيات، لأنّ الناس مختلفون في أفكارهم وعقايدهم الدينية، فمنهم مؤمن ومنهم كافر، والجمع بين المتنافيات غير ممكن عقلاً، وإمّا أن يأخذ الإنسان المُكلَّّف بالبعض من الإعتقادات الموجودة عند الناس بلا مرجّح عقلي فيلزم الترجيح بلا مرجّح، وهو محال عقلاً وإمّا أنْ يأخذ بالبعض مع المُرجَّح اليقيني، وليس هذا إلاّ العلم اليقيني المطلوب تحصيله، كون الترجيح مع الظن حاله حال الشك هنا، وإمّا أن يترك الإنسان المكلَّف جميع الإعتقادات ويطرحها أرضاً، فهذا غير جائز عقلا لوجوب معرفة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام عقلاً، فبذلك يبطل التقليد في أصول الدين.