تمهيدنا: دعاء الضلال
الدعاءُ منحة سماوية تنظّم عملية الارتباط والتسهيل في تيسير علاقة العبودية، ودفع العبد تجاه المعبود من خلال منافذ القبول التي يرجوها الدّاعي بمضامين ما يناجي به ربّه.
وقد نضمت الشريعة مجموعة من الأساليب الدعائية التي تشكّل روافد متعددة للإجابة ونيل مطالب الدّاعي من المدعو، ونظّمت المنظومة الروائية منهجاً واضحاً ومتكاملاً في كيفية الدعاء وأوقاته وأمكنته، وفي نفس الوقت قسّمت الدعاء إلى دعاء هدى ودعاء ضلال، وجعلت دعاء الهدى مقصوراً على المؤمنين، ودعاء الضلال مقصوراً على الكافرين، فنصّت على أنّ (وَ ما دُعاءُ الْكافِرينَ إِلاَّ في ضَلالٍ)، في حين جعلت دعاء الهدى الناتج عن دعاء المؤمنين مقروناً بالرُسل وما يهدون من خلاله الناس إلى طرق الارتباط والاستقامة في سبيل الوصول إلى الله تعالى ونيل الرغبات وتحقيق الأمنيات.
والسؤال الذي ينبغي الالتفات إليه وما يترتب عليه من إجابة هو: كيف يكون الدعاء في ضلال؟.
الملاحظ من خلال ما نصّت عليه الشريعة انّ الدعاء الذي يعدّ سنّة إلهية للتقريب وتقوية الإيمان وتحقيق الأمنيات يتوقف على جملة من العوامل والأسباب التي تكون موجبة لتحقق نتائجه، وحيثما وجدت هذه العوامل كان الدعاء هادياً لتلك المكتسبات المراد تحققها، أمّا لو سجّل فقدان هذه العوامل أو غياب بعضها كان الدعاء دعاء ضلال، وكان الانتساب انتساباً كفرياً.
وحيث الحديث في زمان الغيبة والانتظار والارتباط المسنون أنْ يكون بمهدي الزّمان عليه السلام كان العامل الرئيس وراء استجابة الدعاء والسبب المفصلي المفرقي أنْ يكون الدعاء مشتملاً على ذكره أو على الأقل الالتفات إلى ضرورة أنْ يكون عن طريقه، وإلاّ فإنّ الدعاء سيكون ضلالاً (ولا يعنى بطريقه إلاّ ذلك الطريق الجامع بمن سبقه من آبائه الأطهار والأئمة والأنبياء والصلحاء والأخيارK)، هذه العناصر الرئيسة في تمييز دعاء الضلال عن الهدى هي التي ينبغي انْ تكون حاضرة في ادعيتنا حتّى توسم بسمة دعاء الإيمان والهدى، دون دعاء الكفر والضلال.
فلابدّ لمن يريد التوفيق في هذه المنظومة الكبيرة التي لها القدرة على البناء العقائدي والفكري والسلوكي أنْ تكون الأسس المبتني عليها الدعاء أسساً سليمة في جعل الأسباب التي تنطلق من ربط الدعاء بالإمام المهدي عليه السلام وغيبته وانتظاره هي المنطلق الأول في تمييز دعائه الإيماني عن دعاء الضلال البعيد عن هذا الارتباط، فضلاً عن الكافر به.
رئيس التحرير