ضرورة البحث عن المهدوية
الشيخ نجم الدين الطبسي
يعدّ بحث المهدوية اليوم من الأبحاث الحيوية الأساسية، لا على مستوى النجف الاشرف أو قم المقدسة أو البلدان الشيعية، بل على صعيد العالم كلّه، فالعالم اليوم بأجمعه يتحدث عن المهدوية.
وقد يستغرب البعض من أنّ المؤلفات في هذا المجال لا تقل عن خمسة آلاف كتاب فإن دل هذا على شيء لدلّ على أهمية هذا الموضوع.
فحينما نتحدث مثلاً عن (كمال الدين وتمام النعمة) للشيخ الصدوق، فكم مرة طالعنا هذا الكتاب؟ وما معرفتنا به وما هي مضامينه؟
اننا وفي كتابة رسالة الماجستير والدكتوراه نفتخر بالأستاذ المشرف، فهل تعلم أنّ المشرف على هذا الكتاب هو الإمام المهدي عليه السلام نفسه.
يذكر الشيخ الصدوق في المقدمة أربع علل لتأليف هذا الكتاب، وفي طليعتها إشارة ولي أمرنا وولي نعمتنا الإمام الحجة عليه السلام، نعم ليس كل ما في (كمال الدين) هو قطعي الصدور، بل يخضع للدراسات السندية والدلالية.
ونبحث كذلك عن كتاب (الغيبة) للنعماني، وفي كتاب (الغيبة) للطوسي.
ثم أي مدى معرفتنا بمؤلفي الكتب في هذا المجال، قديماً وحديثاً، من العامة والخاصة.
فمن العامة كثيراً ما نسمع عن إبن حمّاد، فمن هو؟ وما أهميته؟ وما قيمته؟ وما مدى اعتباره عند السنة والشيعة؟
ومع الأسف أبتلينا بظاهرة خطرة، وهي أخذ بعض الروايات وإرسالها إرسال المسلمات وكأنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أو الأئمة عليهم السلام حدّثونا بهذا الحديث. وسمعناها عنهم مباشرة.
ونسمع عن الحاكم النيشابوري أو النيسابوري، فما مدى اعتباره؟
وهناك رواة _دع عنك أحمد بن حنبل_ من أمثال عكرمة والشعبي وعروة بن الزبير.
فهل قيّمنا هؤلاء؟ وهل عرفناهم؟
فإذا لم ندرس القضية المهدوية دراسة معمقة ومتقنة فستكثر لدينا المشاكل، وسنواجه دعاوى جديدة.
أما الروايات فلابدّ من دراستها دراسة موضوعية، لأنّ عدد الروايات هائل، فالروايات الموجودة في معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام _الذي ألفته مع أخويَّ وإبن أختي وبعض الأخوة وسماحة الشيخ الكوراني_ كان في الطبعة الأولى منه قرابة ألفي رواية في خمسة مجلدات، نعم تم دمج بعض الروايات، ويدّعي البعض _ولعله الشيخ لطف الله الصافي_ أنها ثلاثة آلاف، وأطلعت على بعض آراء الشهيد الصدر قدس سره بأنها سبعة آلاف رواية.
فقراءة ألفي رواية تقريباً كم يستغرق من الوقت؟.
فيما انّا لا نستطيع أنْ نأتي بكل هذه الروايات، لذا نأتي بالدراسات الموضوعية:
فمثلاً نبحث عن اليماني، من أين هو؟ هل أنّ أصله من اليمن؟ أو أنّ ظهوره من اليمن؟ وهل هو سيد أو لا؟ وتفاصيل أخرى في هذا البحث.
ونبحث عن السيد الحسني، من هو؟ ما ارتباطه مع النفس الزكية؟ ومن هو النفس الزكية؟ أيستشهد قبل ظهور المهدي عليه السلام أم بعد ظهوره؟ أفي العراق أم في مكة؟
ونبحث عن الثورات التي تكون قبل ظهور المهدي عليه السلام، وهل انّ كل راية ترفع قبل ظهور المهدي عليه السلام صاحبها طاغوت أو أنّ هناك تفصيلاً آخر؟.
ونبحث عن مسألة القتل والدماء، فهناك من يدّعي أنّه تسفك الدماء حين الظهور، إذا البعض يصوّر المهدي عليه السلام بأنّه إنسان ذباح ويتصرف بعنف وقسوة، نقول نعم قد يكون كذلك على الأعداء كما نقرأ في دعاء الندبة (أين مستأصل أهل العناد والعصيان والطغيان، أين مبيد العتاة والمردة)، ولكنّه غياث للمؤمنين وعون للمساكين، فقد شوهوا صورة الإمام المهدي عليه السلام، فهذا إبن العربي يقول (لولا السيف بيده لأفتى العلماء بقتله)، فكيف يلتقي هذا مع مدح الأئمة للعلماء فقد ورد في كتاب (الاحتجاج) في نهاية احتجاج الإمام الهادي عليه السلام أنه قال: (لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه السلام من العلماء الداعين إليه، والداعين عليه، والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقى أحد إلاّ ارتدّ عن دين الله، ولكنّهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله عزوجل).
ونبحث عن التشرفات واللقاءات، وهل انّ اللقاء في عصر الغيبة ممكن ومتحقق أو لا؟ وهذا بحث مهم لابدّ من استعراضه حتى نسد الذرائع ودعوى من يدّعي ذلك، واللقاءات اما اختيارية بأنّ الشخص متى ما شاء يلتقي بالإمام عليه السلام، ومن يدعي هذه الدعوى فهو كاذب حتماً، إلاّ نادراً، أو غير اختيارية، واذا كان الشخص أميناً وثقة نقبل منه هذه الدعوى كما حدث لبعض علمائنا قدس الله أرواحهم.
وضرورة البحث عن المهدوية لها أسباب، ومن أسبابها:
- إنّ المهدي عليه السلام هو سندنا وهو اعتبارنا وشرفنا، واحترام الناس لنا إنّما هو لأجل المهدي عليه السلام، لذلك لا بد أنْ نطّلع ونبحث وندقق في هذا الموضوع.
وورد ما لا يقل عن ثلاثمائة آية تفسيراً وتأويلاً ترتبط بالمهدوية، جمعناها في الجزء السابع من معجم الإمام المهدي عليه السلام، فوجود آية واحدة يكفي لضرورة البحث، فكيف بثلاثمائة آية.
- الحجم الهائل من الروايات كما بيّنا بما لا تقل عن ألفي رواية، يقتضي البحث والتدقيق.
حجم الكتب من الفريقين في شأن المهدي عليه السلام وقضية المهدوية بما فيها كتب ألفت قبل ولادة الإمام المهدي عليه السلام وأنّ المؤلف توفي قبل ولادته عليه السلام بسنين، ككتاب (الفتن) لنعيم إبن حمّاد المروزي المتوفي سنة ٢٢٩ للهجرة _لا نريد أنْ نصحح كل ما في هذا الكتاب ولا نريد انْ ندافع عن المؤلف وهو من السلف ولكن يهمنا أنّ المؤلف توفى قبل ولادة الإمام المهدي عليه السلام بست وعشرين سنة تقريباً _وككتاب (المسند) لأحمد بن حنبل (١٦٠هـ-٢٤٠هـ) وفيه من أحاديث تتعلق بالإمام المهدي عليه السلام حوالي (١٣٠) رواية مع المكررات.
وهناك كتب من السنة مختصة بهذا الموضوع مثل:
١. (البيان في أخبار صاحب الزمان):
تأليف محمد بن يوسف الكنجي الشافعي (ت ٦٥٨هـ)، ومن الجدير بالذكر أنّ المؤلف يوصف بـ (المستشهد) فقد قتل ضحية لهذا الكتاب، وهناك محاولات يائسة من بعض النواصب أنْ ينسبوه للشيعة، ولكنّا لو طالعنا ترجمة أساتذته لوجدناهم جميعاً من أهل السنة وهو أيضاً سني شافعي، ولكن كتاب بمثل هذه المعلومات لا يكون موافقاً لمزاجهم خصوصاً الباب (٢٥) في إثبات حياته عليه السلام وما فيه من الأدلة، وممن طال عمره من الصالحين ومن الظالمين.
٢. (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان):
لمؤلفه المتقي الهندي (ت ٩٧٥هـ).
٣. (العرف الوردي في أخبار المهدي):
للسيوطي (ت٩١١هـ).
٤. (عقد الدرر في أخبار المنتظر):
للسلمي المقدسي، من أعلام القرن السابع أي معاصر للكنجي الشافعي، وهدفه ليس الجمع فقط بل جمعه بمنهجية وأسلوب علمي، وطبع الكتاب بمصر.
٥. (فرائد فوائد الفكر في الإمام المهدي المنتظر):
للشيخ مرعي بن يوسف المقدسي الحنبلي، من علماء القرن الحادي عشر.
والواقع أنّ هناك إفراطاً وتفريطاً، فالبخاري لم يذكر في كتابه _المهم جداً عندهم_ ولا رواية واحدة عن المهدي وصار هذا ذريعة ومستنداً للبعض.
والحاصل إن الإساءات واستغلال القضية المهدوية، ومن هذه الإساءات وسوء الفهم للقضية المهدوية كما بيّنا مسألة تهمة الذبح والقتل ومسألة اللقاءات والتشرفات ومسائل كثيرة أخرى في الإساءة، واستغلال فكر القضية المهدوية كقصة اليماني والحسني والسفياني، تقتضي البحث والتحقيق في هذا المجال.